حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج21.وج22.عمدة القاري شرح صحيح البخاري المؤلف العلاّمة بدر الدين العيني

 ج21.وج22.عمدة القاري شرح صحيح البخاري - ط. دار الكتب العلمية المؤلف العلاّمة بدر الدين العيني 

 

ج21.عمدة القاري شرح صحيح البخاري - ط. دار الكتب العلمية المؤلف العلاّمة بدر الدين العيني  

 

أبي مريم الجمحي الثاني ابن أبي حازم عبد العزيز الثالث أبوه أبو حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمة بن دينار الرابع أبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون واسمه محمد بن طريف الخامس سهل ابن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بصري والبقية مدنيون وفيه أن في الطريق الأول روى عن شيخه بالتحديث بصيغة الجمع وفي الطريق الثاني عنه أيضا بصيغة الإفراد وفيه أن شيخه يروي عن شيخين أحدهما ابن أبي حازم والآخر أبو غسان وفي التفسير عن أبي غسان وحده واللفظ لأبي غسان وكذا أخرجه مسلم وابن أبي حاتم وأبو عوانة والطحاوي في آخرين من طريق سعيد شيخ البخاري عن أبي غسان وحده
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن سعيد بن أبي مريم وأخرجه مسلم في الصوم عن أبي بكر محمد بن إسحاق ومحمد بن سهل بن عسكر كلاهما عن سعيد بن أبي مريم وأخرجه النسائي فيه عن أبي بكر بن إسحاق به
ذكر معناه قوله ربط أحدهم في رجليه قلت في مسلم جعل الرجل يأخذ خيطا أبيض وخيطا أسود فيضعهما تحت وسادته وينظر متى يستبينا قلت لا منافاة لاحتمال أن يكون بعضهم فعل هذا وبعضهم فعل هذا وقال بعضهم أو يكونوا يجعلونهما تحت الوسادة إلى السحر فيربطونهما حينئذ في أرجلهم ليشاهدوهما انتهى قلت هذا بعيد لأنه لا حاجة حينئذ إلى الربط في أرجلهم لأنهم في يقظة حينئذ لأن المشاهدة لا تكون إلا عن يقظان فلا يحتاج إلى الربط في الرجل ففي أي موضع كان تحصل المشاهدة قوله حتى يتبين له كذا هو بالتشديد في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني حتى يستبين من الإستبانة وذلك من التبين من باب التفعل وذاك من باب الاستفعال قوله رؤيتهما بضم الراء وسكون الهمزة وفتح الياء آخر الحروف وضم التاء المثناة من فوق وهو من رأى بالعين يقال رأى رأيا ورؤية وراءة مثل راعة فيتعدى إلى مفعول واحد وإذا كان بمعنى العلم يتعدى إلى مفعولين يقال رأى زيدا عالما وهذا هكذا في رواية أبي ذر وهو مرفوع لأنه فاعل لقوله حتى يتبين له ( البقرة 781 ) وفي رواية النسفي رأيهما بكسر الراء وسكون الهمزة وضم الياء آخر الحروف ومعناه منظرهما ومنه قوله تعالى أحسن أثاثا ورءيا ( مريم 47 ) وفي رواية مسلم زيهما بكسر الزاي وتشديد الياء بلا همز ومعناه لونهما ويروى رئيهما بفتح الراء وكسرها وكسر الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف قال عياض هذا غلط لأن الرئي التابع من الجن فلا معنى له ههنا فإن صحت به الرواية فيكون معناه مرئيهما قوله فأنزل الله بعد بضم الدال أي بعد نزول حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ( البقرة 781 ) فإن قلت كيف الجمع على هذا بين حديث عدي وحديث سهل هذا قلت قال القرطبي يصح الجمع بأن يكون حديث عدي متأخرا عن حديث سهل وأن عديا لم يسمع ما جرى في حديث سهل وإنما سمع الآية مجردة وعلى هذا فيكون من الفجر ( البقرة 781 ) متعلقا بقوله يتبين ( البقرة 781 ) وعلى مقتضى حديث سهل يكون في موضع الحال متعلقا بمحذوف قال ويحتمل أن يكون الحديثان قضية واحدة وذكر بعض الرواة من الفجر ( البقرة 781 ) متصلا بما قبله كما ثبت في القرآن العزيز وإن كان قد نزل منفردا كما بينه في حديث سهل وحديث سهل يقتضي أن يكون منفردا وذاك أن فرض الصيام كان في السنة الثانية بلا خلاف وقال سهل في حديثه كان رجال إلى قوله والخيط الأسود ( البقرة 781 ) ثم أنزل من الفجر ( البقرة 781 ) فدل هذا على أن الصحابة كانوا يفعلون هذا إلى أن أسلم عدي في السنة التاسعة وقيل العاشرة حتى أخبره النبي بأن ذلك سواد الليل وبياض النهار قوله فأنزل الله بعد ذلك من الفجر روى أنه كان بينهما عام قال الطحاوي فلما كان حكم هذه الآية قد أشكل على أصحاب النبي حتى بين الله لهم من ذلك ما بين وحتى أنزل من الفجر ( البقرة 781 ) بعدما كان قد أنزل الله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 ) فكان الحكم أن يأكلوا ويشربوا حتى يتبين لهم حتى نسخ الله عز و جل بقوله من الفجر ( البقرة 781 ) على ما ذكرنا وقد بينه سهل في حديثه انتهى وقال عياض وليس المراد أن هذا كان حكم الشرع أولا ثم نسخ بقوله من الفجر ( البقرة 781 ) كما أشار إليه

(10/295)


الطحاوي والداودي وإنما المراد أن ذلك فعله وتأوله من لم يكن مخالطا للنبي إنما هو من الأعراب ومن لا فقه عنده أو لم يكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار انتهى قلت قد ذكرنا فيما مضى أن ذلك كان اسما لسواد الليل وبياض النهار في الجاهلية قبل الإسلام وعن هذا قال الداودي أحسب أن المحفوظ حديث عدي لأن الله لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة إليه وإن يكن حديث سهل محفوظا فإنما هو الذي فرض عليهم ثم نسخ بالفجر
71 -
( باب قول النبي لا يمنعنكم من سحوركم آذان بلال )
أي هذا باب في بيان قول النبي إلى آخره قوله لا يمنعنكم بنون التأكيد في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني لا يمنعكم بسكون العين من غير نون التأكيد والسحور بفتح السين اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر والفعل نفسه وأكثر ما يروى بالفتح وقيل إن الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام
8191 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أبي أسامة ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر والقاسم بن محمد ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر
قال القاسم ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا ( انظر الحديث 226 )
مطابقته للترجمة من حيث إن معناه ومعنى الترجمة واحد وإن اختلف اللفظ وقال ابن بطال ولم يصح عند البخاري عن النبي لفظ الترجمة فاستخرج معناه من حديث عائشة وقال صاحب ( التلويح ) فيه نظر من حيث إن البخاري صح عنده لفظ الترجمة وذلك أنه ذكر في باب الآذان قبل الفجر حديث ابن مسعود عن النبي أنه قال لا يمنعن أحدكم أو واحدا منكم آذان بلال من سحوره فلو خرجه أبو عبد الله في هذا الباب لكان أمس وقال ابن بطال ولفظ الترجمة رواه وكيع عن أبي هلال عن سوادة بن حنظلة عن سمرة قال رسول الله لا يمنعكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق وقال الترمذي هو حديث حسن وقد مضى في كتاب مواقيت الصلاة في باب الآذان قبل الفجر عن يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها إلى آخره وهنا أخرجه عن عبيد بن إسماعيل اسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي مر في الحيض عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
قوله والقاسم بالجر عطف على نافع لا على ابن عمر لأن عبيد الله بن عمر رواه عن نافع عن ابن عمرو عن القاسم عن عائشة والحاصل أن لعبيد الله هنا شيخان يروي عنهما وهما نافع والقاسم بن محمد وقال ابن التين وأخطأ من ضبطه بالرفع قوله حتى يؤذن ابن أم مكتوم هو عمرو بن القيس العامري وقيل غير ذلك وقد مر فيما مضى وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله قوله إلا أن يرقى بفتح القاف أي يصعد يقال رقى يرقى رقيا من باب علم يعلم قوله وينزل بالنصب أي وأن ينزل وكلمة أن مصدرية وكلمة ذا في الموضعين في محل الرفع على الفاعلية وقال المهلب والذي يفهم من اختلاف ألفاظ هذا الحديث أن بلالا كانت رتبته أن يؤذن بليل على أمره به الشارع من الوقت ليرجع القائم وينبه النائم وليدرك السحور منهم من لم يتسحر وقد روى هذا كله ابن مسعود عن رسول الله فكانوا يتسحرون بعد آذانه وفيه قريب أذان ابن أم مكتوم من آذان بلال وقال الداودي قوله لم يكن بين أذانيهما إلى آخره وقد قيل له أصبحت أصبحت دليل على أن ابن أم مكتوم كان يراعي قرب طلوع الفجر أو طلوعه لأنه لم يكن يكتفي بآذان بلال في علم الوقت لأن بلالا فيما يدل عليه

(10/296)


الحديث كان تختلف أوقاته وإنما حكى من قال ينزل ذا ويرقى ذا ما شاهد في بعض الأوقات ولو كان فعله لا يختلف لا كتفى به رسول الله ولم يقل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ولقال إذا فرغ بلال فكفوا ولكنه جعل أول أذان ابن أم مكتوم علامة للكف ويحتمل أن لابن أم مكتوم من يراعي الوقت ولولا ذلك لكان ربما خفي عنه الوقت ويبين ذلك ما روى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم قال كان ابن أم مكتوم ضرير البصر ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر إذن وقدروى الطحاوي من حديث أنيسة وكانت حجت مع رسول الله أنها قالت كان إذا نزل وأراد أن يصعد ابن أم مكتوم تعلقوا به قالوا كما أنت حتى نتسحر وقال أبو عبد الملك هذا الحديث فيه صعوبة وكيف لا يكون بين آذانيهما إلا ذلك وهذا يؤذن بليل وهذا بعد الفجر فإن صح أن بلالا كان يصلي ويذكر الله في الموضع الذي هو به حين يسمع مجيء ابن أم مكتوم وهذا ليس يبين لأنه قال لم يكن بين آذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا فإذا أبطأ بعد الآذان لصلاة وذكر لم يقل ذلك وإنما يقال لما نزل هذا طلع هذا وقال الداودي فعلى هذا كان في وقت تأخر بلال بآذانه فشهده القاسم فظن أن ذلك عادتهما قال وليس بمنكر أن يأكلوا حتى يأخذ الآخر في آذانه وجاء أنه كان لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت أي دخلت في الصباح أو قاربته وقال صاحب ( التوضيح ) قوله فشهده القاسم غلط فتأمله قلت لأن قاسما لم يدرك هذا
ومما يستفاد من هذا الباب أن الصائم له أن يأكل ويشرب إل طلوع الفجر الصادق فإذا طلع الفجر الصادق كف وهذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين وذهب معمر وسليمان الأعمش وأبو مجلز والحكم بن عتيبة إلى جواز التسحر ما لم تطلع الشمس واحتجوا في ذلك بحديث حذيفة رواه الطحاوي من رواية زر بن حبيش قال تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال كل فقلت إني أريد الصوم فقال وأنا أريد الصوم قال فأكلنا وشربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة قال هكذا فعل بي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أو صنعت مع رسول الله قلت بعد الصبح قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع وأخرجه النسائي وأحمد في ( مسنده ) وقال ابن حزم عن الحسن كل ما امتريت وعن ابن جريج قلت لعطاء أيكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدري لعلي أصبحت قال لا بأس بذلك هو شك وقال ابن شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق وعن معمر أنه كان يؤخر السحور جدا حتى يقول الجاهل لا صوم له وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر من طرق عن أبي بكر أنه أمر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وقال ابن المنذر ذهب بعضهم إلى أن المراد بتبين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض من الطرق والسكك والبيوت وروى بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي وله صحبة أن أبا بكر رضي الله عنه قال له أخرج فانظر هل طلع الفجر قال فنظرت ثم أتيته فقلت قد ابيض وسطع ثم قال أخرج فانظر هل طلع فنظرت فقلت قد اعترض فقال الآن أبلغني شرابي وروى من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت وروى الترمذي وقال حدثنا هناد حدثنا ملازم بن عمر وحدثني عبيد الله بن النعمان عن قيس بن طلق بن علي حدثني أبي طلق بن علي أن رسول الله قال وكلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر قوله لا يهيدنكم أي يمنعنكم الأكل من هاد يهيد وأصل الهيد الزجر قوله الساطع المصعد قال الخطابي سطوعه ارتفاعه مصعدا قبل أن يعترض قال ومعنى الأحمر ههنا أن يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة والله أعلم بالصواب

(10/297)


81 -
( باب تأخير السحور )
أي هذا باب في بيان حكم تأخير السحور إلى قرب طلوع الفجر الصادق وفي كثير من النسخ باب تعجيل السحور أي الإسراع خوفا من طلوع الفجر في أول الشروع وقال ابن بطال ولو ترجم له باب تأخير السحور لكان حسنا وقال صاحب التلويح وكأنه لم ير ما في نسخة أخرى صحيحة من كتاب ( الصحيح ) باب تأخير السحور وقال بعضهم ولم أر في شيء من نسخ البخاري قلت ليت شعري هل أحاط هو بجميع نسخ البخاري في أيدي الناس وفي البلاد وعدم رؤيته ذلك لا يستلزم العدم
0291 - حدثنا ( محمد بن عبيد الله ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله عنه قال كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله
( انظر الحديث 775 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه تأخير السحور بحيث أن سهلا كان يسرع بعد تسحره إلى الصلاة مع النبي مخافة الفوات وأما المطابقة في نسخة باب تعجيل السحور فأظهر من ذلك
وهذا الحديث من أفراد البخاري وقد أخرجه في باب وقت الفجر عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان عن أبي حازم أنه سمع سهل بن سعد إلى آخره وههنا أخرجه عن محمد بن عبيد الله أبي ثابت المدني من كبار مشايخ البخاري عن عبد العزيز بن أبي حازم وأبو حازم اسمه سلمة بن دينار قوله ثم تكون سرعتي أي اتسرع لأن أدرك السحور أي الصلاة وفي رواية سليمان بن بلال ثم تكون سرعة بي وتكون تامة وكلمة أن مصدرية قوله أن أدرك السحور كذا هو في رواية الكشميهني والنسفي وفي رواية الجمهور أن أدرك السجود ويؤيده أن في الرواية التي مضت في المواقيت أن أدرك صلاة الفجر وفي رواية الإسماعيلي صلاة الصبح وفي رواية أخرى صلاة الغداة وقال المزي أخرج البخاري حديث كنت أتسحر في الصوم عن محمد بن عبيد الله وقتيبة كلاهما عنه به وحديث قتيبة ذكره خلف ولم يجده في ( الصحيح ) ولا ذكره أبو مسعود وقال بعضهم رأيت هنا بخط القطب ومغلطاي محمد بن عبيد بغير إضافة وهو غلط والصواب عبيد الله قلت ليس في الأدب أن يقال إنه غلط لأن الظاهر أن مغلطاي تبع القطب ويحتمل أن تكون لفظة الله ساقطة من نسخة القطب لسهو الكاتب
91 -
( باب قدركم بين السحور وصلاة الفجر )
أي هذا باب في بيان مقدار الزمان الذي بين السحور وصلاة الصبح
1291 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) عن ( زيد بن ثابت ) رضي الله عنه قال تسحرنا مع النبي ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الآذن والسحور قال قدر خمسين آية
( انظر الحديث 575 ) ح
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه تأخير السحور إلى أن يبقى من الوقت بين الآذان وأكل السحور مقدار قراءة خمسين آية وأما المطابقة في نسخة باب تعجيل السحور فمن حيث ء يدل على أنهم كانوا يستعجلون به حتى يبقى بينهم وبين الفجر المقدار المذكور ولا يقدمونه أكثر من المقدار المذكور والحديث قد مضى في باب وقت الفجر في كتاب مواقيت الصلاة فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن عاصم عن همام عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن زيد بن ثابت

(10/298)


حدثه إلى آخره وهنا أخرجه عن مسلم بن إبراهيم عن هشام الدستوائي إلى آخره وفيه رواية الصحابي عن الصحابي
قوله قلت القائل هو أنس الذي سال والمسؤول عنه هو زيد بن ثابت وقال بعضهم قلت مقول أنس قلت ليس كذلك بل هو قوله والمقول هو قوله كم كان بين الأذان والسحور قوله قال أي زيد بن ثابت قوله قدر خمسين آية أي مقدار قراءة خمسين آية وقال بعضهم قدر خمسين آية أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة قلت هذا بطريق الحدس والتخمين وهو أعم من تقييده بهذه القيود وأيضا السرعة والبطء من صفات القارىء لا من صفات الآية ويجوز في قوله قدر الرفع والنصب أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو قدر خمسين آية يعني الزمان الذي بين الأذان والسحور وأما النصب فعلى أنه خبر كان المقدر تقديره كان الزمان بينهما قدر خمسين آية وقال المهلب فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقولهم قدر حلب شاة وقدر نحر جزور فعدل زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة
وفيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود والنبي كان ينظر إلى ما هو أرفق بأمته وفيه الاجتماع على السحور وقال بعضهم وفيه جواز المشي بالليل للحاجة لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي قلت لا نسلم نفي بيتوته مع النبي في تلك الليلة التي تسحر فيها مع النبي ولا يلزم من ذلك أن يبيت معه كل ليلة وقال أيضا هذا القائل وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله تسحرنا مع رسول الله ولم يقل نحن ورسول الله لما يشعر لفظ المعية بالتبعية قلت كلمة مع موضوعة للمصاحبة وإشعارها بالتبعية ليس من موضوع الكلمة ومعنى قوله تسحرنا مع رسول الله أي في صحبته وقوله تسحرنا بدل على أنه لم يكن وحده مع النبي في تلك الليلة فإن قلت الحديث يدل على أن الفراغ من السحور كان قبل الفجر بمقدار قراءة خمسين آية وقد مر في حديث حذيفة أن تسحرهم كان بعدالصبح غير أن الشمس لم تطلع قلت أجاب بعضهم بأن لا معارضة بل يحمل على اختلاف الحال فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة انتهى قلت هذا الجواب لا يشفي العليل لا يروي الغليل بل الجواب القاطع ما ذكره الحافظ أبو جعفر الطحاوي بقوله بعد أن روى حديث حذيفة وقد جاء عن رسول الله خلاف ما روي عن حذيفة فذكر الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان وغيرهما منها قوله لا يمنعن أحدكم أذان بلال الحديث وقال أيضا وقد يحتمل أن يكون حديث حذيفة والله أعلم قيل نزول قوله تعالى ( البقرة781 ) الآية وقال أبو بكر الرازي ما ملخصه لا يثبت ذلك من حذيفة ومع ذلك من أخبار الآحاد فلا يجوز الاعتراض على القرآن قال الله تعالى ( البقرة781 ) فأوجب الصيام بظهور الخيط الأبيض الذي هو بياض الفجر فكيف يجوز التسحر الذي هو الأكل بعد هذا مع تحريم الله إياه بالقرآن
02 -
( باب بركة السحور من غير إيجاب لأن النبي وأصحابه واصلوا ولم يذكر السحور )
أي هذا باب في بيان بركة السحور وأشار به إلى قوله تسحروا فإن في السحور بركة أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قوله من غير إيجاب جملة في مجل النصب على الحال لأن الجملة إذا وقعت بعد النكرة تكون صفة وإذا وقعت بعد الحال تكون حالا والمعنى من غير أن يكون واجبا ثم علل لعدم الوجوب بقوله لأن النبي وأصحابه واصلوا في صومهم ولم يذكر فيه السحور ولو كان السحور واجبا لذكر فيه وقوله لم يذكر على صيغة المجهول قوله السحور بالألف واللام في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني والنسفي ولم يذكر سحور بدون اللام فإن قلت قوله تسحروا أمر ومقتضاه الوجوب قلت

(10/299)


أجيب بأنه أمر ندب بالإجماع وقال القاضي عياض أجمع الفقهاء على أن السحور مندوب إليه ليس بواجب والأوجه أن يقال إن الأمر الذي مقتضاه الوجوب هو المجرد عن القرائن وههنا قرينة تدفع الوجوب وهو أن السحور إنما هو أكل للشهوة وحفظ القوة وهو منفعة لنا فلو قلنا بالوجوب ينقلب علينا وهو مردود وقال ابن بطال في هذه الترجمة غفلة من البخاري لأن قد خرج بعد هذا حديث أبي سعيد أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر فجعل غاية الوصال السحر وهو وقت السحور قال والمفسر يقضي على المجمل انتهى وأجيب بأن البخاري لم يترجم على عدم مشروعية السحور وإنما ترجم على عدم إيجابه وأخذ من الوصال عدم وجوب السحور
2291 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه أن النبي واصل فواصل الناس فشق عليهم فناهم قالوا إنك تواصل قال لست كهيئتكم إني أظل أطعم واسقى
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وهو قوله لأن النبي وأصحابه واصلوا
ورجاله قد تكرر ذكرهم وجويرية تصغير جارية وهو جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري وعبد الله هو ابن عمر
وأخرجه مسلم وقال حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي نهى عن الوصال قالوا إنك تواصل قال إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى
قوله واصل أي بين الصومين في غير إفطار بالليل وواصل الناس أيضا تبعا له صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قوله فشق عليهم أي فشق الوصال على الناس لمشقة الجوع والعطش قوله فنهاهم أي عن الوصال لما رأى مشقتهم قوله إنك مواصل ويروى فإنك تواصل قوله لست كهيئتكم أي لسي حالي مثل حالكم ويقال لفظ الهيئة زائد أي لست كأحدكم قوله أظل بفتح الهمزة والظاء المعجمة من ظل يظل يقال ظللت أعمل كذا بالكسر ظلولا إذا عملته بالنهار دون الليل فإن قلت إذا كان لفظ ظل لا يكون إلا بالنهار فكيف يكون المعنى هنا قلت قد جاء ظل أيضا بمعنى صار قال تعالى ( النحل85 ) ويجوز أيضا إرادة الوقت المطلق لا المقيد بالنهار ويؤيده ما جاء في الرواية الأخرى لفظ أبيت أطعم وأسقى ويجوز أن يكون ظل على بابه ويكون المعنى أظل أطعم وأسقى لا على صورة طعامكم وسقيكم لأن الله تعالى يفيض عليه ما يسد مسد طعامه وشرابه من حيث إنه يشغله عن إحساس الجوع والعطش ويقويه على الطاعة ويحرسه عن تحليل يفضي إلى ضعف القوي وكلال الحواس
فإن قلت هل يجوز أن يكون المعنى على ظاهره بأن يرزقه طعاما وشرابا من الجنة قلت قد قيل ذلك ولا مانع منه لأنه أكرم على الله من ذلك فإن قلت لو كان المعنى على حقيقته لم يكن مواصلا قلت طعام الجنة وشرابها ليس كطعام الدنيا وشرابها فلا يقطع الوصال وقيل هو من خصائصه لا يشاركه فيه أحد من الأمة فإن قلت ما حكمة النهي فيه قلت إيراث الضعف والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف الطاعات والقيام بحقوقها وللعلماء فيه اختلاف في أنه نهى تحريم أو تنزيه والظاهر الأول فإن قلت هل هو نهي عن عبادة في حق من أطاقها وحرص عليها قلت لا لأنه كان خوفا أن يؤدي ذلك إلى المنازعة لأنه كان من خصائصه كما قال بعضهم فإن قلت جاء الوصال عن جماعة من الصحابة وغيرهم ففي كتاب ( الأوائل ) للعسكري كان ابن الزبير يواصل خمسة عشر يوما حتى تيبس أمعاؤه فإذا كان يوم فطره أتى بسمن وصبر فيحساه حتى لا تنفتق الأمعاء وعن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه كان يواصل ليلة ست عشرة وليلة سبع عشرة من رمضان لا يفرق بينهما ويفطر على السمن فقيل له فقال السمن يبل عروقي والماء يخرج من جسدي قلت قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن رسول الله نهى عن الوصال واختلفوا في تأويله فقيل نهى عنه رفقا بهم فمن قدر على الوصال فلا حرج عليه لأنه لله عز و جل يدع طعامه وشرابه وكان عبد الله بن الزبير وجماعة يواصلون الأيام وكان أحمد وإسحاق لا يكرهان الوصال من سحر إلى سحرلا غير وكره

(10/300)


أبو حنيفة ومالك والشافعي وجماعة من أهل الفقه والأثر الوصال على كل حال لمن قوي عليه ولغيره ولم يجيزوا الوصال لأحد لحديث الباب وقال الخطابي الوصال من خصائص النبي ومحظور على أمته وذهب أهل الظاهر إلى تحريمه وفي ( شرح المهذب ) مكروه كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه كما ذكرناه وقال الطبري وروي عن بعض الصحابة وغيرهم من تركهم الأكل الأيام ذوات العدد وكان ذلك منهم على أنحاء شتى فمنهم من كان ذلك منه لقدرته عليه فيصرف فطره إلى أهل الفقر والحاجة ومنهم من كان يفعله استغناء عنه أو كانت نفسه قد اعتادته كما روى الأعمش عن التيمي أنه قال ربم ألبث ثلاثين يوما ما أطعم من غير صوم وما يمنعني ذلك من حوائجي وقال الأعمش كان إبراهيم التيمي يمكث شهرين لا يأكل ولكنه يشرب شربة من نبيذ ومنهم من كان يفعله منعا لنفسه شهوتها ما لم تدعه إليه الضرورة ولا يخاف العجز عن أداء واجب عليه إرادة قهرها وحملها على الأفضل
3291 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن صهيب ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال قال النبي تسحروا فإن في السحور بركة
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاهل قد ذكروا غير مرة
والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن قتيبة به وابن ماجة عن أحمد بن عبيدة ولما أخرجه الترمذي قال وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس وعمرو بن العاص والعرباض بن سارية وعتبة بن عبد وأبي الدرداء قلت وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وأبي أمامة وأبي سعيد الخدري والمقدام بن معدي كرب وعائشة وميسرة الفجر ورجل آخر غير مسمى
أما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي عنه مرفوعا وموقوفا بلفظ حديث أنس وروى أبو يعلى في ( مسنده ) عنه أن رسول الله دعا بالبركة في السحور والثريد وفي رواية له قال السحور بركة والثريد بركة والجماعة بركة وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه النسائي أيضا مرفوعا وموقوفا وقال الموقوف أولى بالصواب قال شيخنا هكذا حكاه المزي في ( الأطراف ) ولم أره في ( السنن الصغرى ) ولا ( الكبرى ) وأما حديث جابر فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) عنه باللفظ المتقدم وفيه مقال وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه عن عن النبي قال استعينوا بطعام السحر على صيام النهار والقيلولة على قيام الليل وأخرجه الحاكم في ( مستدركه ) وأما حديث عمرو بن العاص فأخرجه مسلم والنسائي أيضا عن قتيبة ورواه مسلم أيضا من طرق وأبو داود من رواية موسى بن علي بسند وأما حديث العرباض بن سارية فأخرجه أبو داود والنسائي عنه قال دعاني رسول الله إلى السحور في رمضان فقال هلم إلى الغداء المبارك وعند النسائي هلموا وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) وضعفه ابن القطان وأما حديث عتبة بن عبد وأبي الدرداء فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) عنهما قالا قال رسول الله تسحروا من آخر الليل وكان يقول هو الغداء المبارك وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فأخرجه ابن عدي عنه أن رسول الله قال تسحروا ولو بشربة من ماء وأفطروا ولو على شربة من ماء وفي سنده حسن بن عبد الله بن حمزة وهو متروك وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) عنه قال قال رسول الله تسحروا ولو بجرعة من ماء وأما حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب فأخرجه ابن حبان أيضا عنه قال قال رسول الله إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني في ( مسند الشاميين ) عنه قال سمعت رسول الله يقول اللهم بارك لأمتي في سحورها تسحروا ولو بشربة من ماء ولو بتمرة ولو بحبات زبيب فإن الملائكة تصلي عليكم وفيه مقال وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أحمد في ( مسنده ) عنه قال قال رسول الله السحور بركة ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله عز و جل وملائكته يصلون على المتسحرين ورواه ابن عدي أيضا عنه قال قال رسول الله اللهم صل على المتسحرين تسحروا ولو أن يأكل أحدكم لقمة أو يجرع جرعة ماء وفيه مقال وأما حديث المقدم بن معدي كرب فأخرجه النسائي عنه عن النبي قال عليكم بالسحور فإنه هو الغداء المبارك وروي مرسلا

(10/301)


أيضا وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فأخرجه أبو يعلى في مسنده عنها قالت قال رسول الله قرب إلينا الغذاء المبارك يعني السحور وأولو آكله ولو حسوة فإنها اكلة بركة وهو فصل بين صومكم وصوم النصارى وفيه مقال وقال الذهبي ميسرة الفجر له صحبة من أعراض البصرة قال يا رسول الله متى كنت نبيا وإما حديث الصحابي الذي لم يسم فأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن الحارث يحدث عن رجل من أصحاب النبي قال دخلت على النبي وهو يتسحر فقال إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه ورجال إسناده ثقات قوله تسحروا قد ذكرنا أنه أمر ندب بالإجماع قوله في السحور قال شيخنا رحمه الله روينا بفتح السين وضمها وهو بالضم الفعل وبالفتح اسم ما يتسحر به كالوضوء والسعوط والحنوط ونحوها قوله بركة قد ذكروا فيها معان الأول إنه يبارك باليسير منه بحيث يحصل به الإعانة على الصوم ويدل عليه قوله ولو بجرعة ماء ولو بتمرة ونحو ذلك ويكون ذلك بالخاصية كما بورك في الثريد والطعام إذا هدى في الحرارة واجتماع الجماعة على الطعام لقوله اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه الثاني يراد بالبركة نفي التبعة فيه وقد ذكر صاحب الفردوس من حديث أبي هريرة ثلاثة لا يحاسب عليها العبد اكلة السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان الثالث يراد بالبركة القوة عن الصيام وغيره من أعمال النهار الرابع يراد بالبركة الرخصة والصدقة وهو الزيادة في الأكل على الأكل عند الإفطار كما كان أولا ثم نسخ واصل البركة في اللغة الزيادة والنماء وقال عياض قد تكون هذه البركة ما يتفق للمتسحر من ذكر أو صلاة أو استغفار وغيره من زيادات الأعمال التي لولا القيام للسحور لكان الإنسان نائما عنها وتاركا لها وتجديد النية للصوم ليخرج من الاختلاف وقال ابن دقيق العيد هذه البركة يجوز أن تعودوا إلى الأمور الأخروية فإن اتامة السنة توجب الأجر وزيادته ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير أضرار بالصائم قال ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم وهذا أحد الوجوه المقتضية بالزيادة في الأجور الأخروية
باب إذا نوى بالنهار صوما
أي هذا باب يذكر فيه إذا نوى الإنسان بالنهار صوما وجواب إذا محذوف تقديره هل يصح أولا وإنما لم يذكروا الجواب لاختلاف العلماء فيه على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى ( وقالت أم الدرداء كان ابو الدرداء يقول عندكم طعام فإن قلنا لا قال فإني صائم يومي هذا )
أم الدرداء اسمها خيرة بسكون الياء آخره الحروف واسم أبي الدرداء عويمر الأنصاري تقدما في فضل الفجر في جماعة ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة من طريق ابي قلابة أم الدرداء قالت كان أبو الدرداء يغدو أحيانا ضحى فيسأل الغداء فربما لم يوافقه عندنا فيقول إذا أنا صائم
وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن العباس وحذيفة رضي الله عنهم
أي فعل أبو طلحة مثلما فعل أبو الدرداء واسم أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري ووصل أثره عبد الرزاق ن طريق قتادة وابن أبي شيبة من طريق حميد كلهما عن أنس ولفظ قتادة إن أبا طلحة كان يأتي أهله فيقول هل من غذاء فإن قالوا لا صام يومه ذلك قال قتادة وكانت معاذ يفعله قوله أبو هريرة عطف على قوله أبو طلحة أي وفعله أيضا أبو هريرة ووصل أثره البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن عثمان بن بن نجيح عن سعيد بن المسيب قال رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم يأتي أهله فيقول عندكم شيئا فإن قالوا لا قال فانا صائم قوله وابن عباس أي فعله ابن عباس فوصل اثره الطحاوي

(10/302)


من طريق عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يصبح حتى يظهر ثم يقول والله لقد أصبحت وما أريد الصوم وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم ولأصومن يومي هذا قوله وحذيفة أي وفعله حذيفة فوصل أثره عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمان السلمي قال قال حذيفة من بدا له الصيام بعد ما تزول الشمس فليصم وفي رواية ابن أبي شيبة أن حذيفة بدا له في الصوم بعد ما زلات الشمس فصام
وقد اختلف العلماء فيمن نوى الصوم بعد طلوع الفجر الصادق فقال الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق لا يجوز صوم رمضان إلا بنية من الليل وهو مذهب الظاهرية وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر تجوز النية في صوم رمضان والنذر المعين وصوم النفل إلى ما قبل الزوال
وقال ابن المنذر اختلفوا فيمن أصبح يريد الإفطار ثم بدا له أن يصوم تطوعا فقالت طائفة له أن يصوم متى ما بدا له فذكر أبا الدرداء وأبا طلحة وأبا هريرة وحذيفة وابن عباس وابن مسعود وأبا أيوب رضي الله تعالى عنهم ثم قال وبه قال الشافعي وأحمد وقال بعضهم والذي نقله ابن المنذر عن الشافعي من الجواز مطلقا سواء كان قبل الزوال أو بعده هو أحد القولين للشافعي والذي نص عليه في معظم كتبه التفرقة وقال مالك في النافلة لا يصوم إلا أن يبيت إلا أن كان يسرد الصوم فلا يحتاج إلى التبييت ولكن المعروف عن مالك والليث وابن أبي ذئب أنه لا يصح صيام التطوع إلا بنية من الليل وقال مجاهد الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار فإذا جاوز ذلك فإنما بقي له بقدر ما بقي من النهار وقال الشعبي من أراد الصوم فهو مخير ما بينه وبين نصف النهار وعن الحسن إذا تسحر الرجل فقد وجب عليه الصوم فإن أفطر فعليه القضاء وإن هم بالصوم فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر وروى ابن أبي شيبة عن المعتمر عن حميد عن أنس من حدث نفسه بالصيام فهو بالخيار ما لم يتكمل حتى يمتد النهار وقال سفيان بن سعيد وأحمد بن حنبل من أصبح وهو ينوي الفطر إلا أنه لم يأكل ولم يشرب ولا وطىء فله أن ينوي الصوم ما لم تغب الشمس ويصح الصوم
4291 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله عنه أن النبي بعث رجلا ينادهي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم ومن لم يأكل فلا يأكل
مطابقته للترجمة في جواز نية الصوم بالنهار لأن قوله فليتم وقوله فلا يأكل يدلان على جواز النية بالصوم في النهار ولم يشترط التبيين وهذا الحديث من ثلاثيات البخاري وهو خامس الثلاثيات له وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد بتصغير العبد مولى سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان بن عبيد الله والحديث أخرجه البخاري أيضا في الصوم عن مكي بن إبراهيم وأخرجه في خبر الواحد عن مسدد عن يحيى بن سعيد وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن قتيبة عن حاتم بن إسماعيل وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى عن يحيى
ذكر معناه قوله عن سلمة بن الأكوع وفي رواية يحيى القطان عن يزيد بن أبي عبيد حدثنا سلمة بن الأكوع كما سيأتي في خبر الواحد قوله بعث رجلا ينادي في الناس وفي رواية يحيى قال لرجل من أسلم أذن في قومك واسم هذا الرجل هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي وأخرج حديثه أحمد وابن أبي حيثمة من طريق ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن خبيب بن هند بن أسماء الأسلمي عن أبيه قال بعثني النبي إلى قومي من أسلم فقال مرقومك أن يصوموا هذا اليوم يوم عاشوراء فمن وجدته منهم قد أكل في أول يومه فليصم آخره وقد احتج أصحابنا بهذا الحديث وبحديث الباب على صحة الصيام لمن لم ينو من الليل سواء كان رمضان أو غيره لأنه أمر بالصوم في أثناء النهار فدل على أن النية لا تشترط من الليل وقال بعضهم وأجيب بأن ذلك يتوقف على أن صيام يوم عاشوراء كان واجبا والذي يترجح من أقوال العلماء أنه لم يكن فرضا انتهى قلت روى الشيخان من حديث عائشة قالت كان يوم عاشوراء يوما

(10/303)


تصومه قريش من الجاهلية وكان عليه الصلاة و السلام يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان قال من شاء صامه ومن شاء تركه فهذا الحديث ينادي بأعلى صوته أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا وعن عائشة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن سمرة أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان فمن شاء صام ومن شاء ترك ذكره ابن شداد في أحكامه وعن النبي أنه أرسل إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم متفق عليه وكان صوما واجبا متعنيا وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي رحمه الله ففي هذه الأثار وجوب صوم عاشوراء وفي أمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بصومه بعدما أصبحوا وأمره بالإمساك بعد ما أكلوا دليل على وجوبه إذا لا يأمر في النفل بالإمساك إلى آخر النهار بعد الأكل ولا بصومه لمن لم يصمه
وفيه دليل أيضا على أن من كان عليه صوم يوم بعينه ولم يكن نوى صومه من الليل تجزيه النية بعد ما أصبح والأكثرون على أنه كان فرضا ونسخ بصوم رمضان فإن قلت يعارض ما ذكرتم حديث معاوية أنه قال على المنبر يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله يقول هذا يوم عاشوراء لم يكتب الله عليكم صايمه فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر وأنا صائم قلت بعد النسخ لم يبق مكتوبا علينا ولأن المثبت أولى من النافي وقال القائل المذكور والذي يترجح من أقوال العلماء أنه أي إن صوم يوم عاشوراء لم يكن فرضا وعلى تقدير أنه كان فرضا فقد نسخ بلا ريب فقد نسخ حكمه وشرائطه انتهى قلت هذا مكابرة فلا يترجح من أقوال العلماء إلا إن كان فرضا لما ذكرنا من الدلائل وقوله فنسخ حكمه وشرائطه غير صحيح ألا ترى أن التوجه إلى بيت المقدس قد نسخ ولم تنسخ سائر أحكام الصلاة وشرائطها وقوله وأمره بالإمساك لا يستلزم الأجزاء لأن الأمر بالإمساك يحتمل أن يكون لحرمة الوقت قلت الاحتمال إذا كان ناشئا عن غير دليل لا يعتبر به فبالاحتمال المطلق لا يثبت الحكم ولا ينفي ثم استدل هذا القائل في قوله الأمر بالإمساك لا يستلزم الأجزاء بقوله كما يؤمر من قدم من سفر في رمضان نهارا وكما يؤمر من أفطر يوم الشك ثم رؤي الهلال وكل ذلك لا ينافي أمرهم بالقضاء بل قد ورد ذلك صريحا في حديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة عن عمه إن أم أسلم أتت النبي فقال صمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوه قلت هذا القياس باطل لأن الرمضانية متعينة في الصورة الأولى ونفيت في الثانية فكيف لا يؤمر بالقضاء بخلاف ما نحن فيه
والحديث الذي قوى كلامه به غير صحيح من وجوه الأول إن النسائي أخرجه ولم يذكر واقضوه وقال عبد الحق في ( الأحكام الكبرى ) ولا يصح هذا الحديث في القضاء وقال ابن حزم في ( المحلى ) لفظة واقضوا موضوعه بلا شك الثاني إن البيهقي قال عبد الرحمن هذا مجهول ومختلف في اسم أبيه ولا يدري من عمه وقال المنذري قيل عبد الرحمان بن مسلمة كما ذكره أبو داود وقيل ابن سلمة وقيل ابن المنهال بن سلمة ورواه ابن حزم من طريق شعبة عن قتادة عن عبد الرحمان بن المنهال بن سلمة الخزاعي عن عمه أن رسول الله قال لأسلم صوموا اليوم قالوا إنا قد أكلنا قال صوموا بقية يومكم يعني عاشوراء وفي رواية أخرى أخرجها ابن حزم أيضا عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الرحمان بن مسلمة الخزاعي عن عمه قال غدونا على رسول الله صبيحة عاشوراء فقال لنا أصبحتم صياما قلنا قد تغدينا يا رسول الله فقال فصوموا بقية يومكم ولم يأمرهم بالقضاء الثالث أن شعبة قال كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال حدثن كتبت وإذا قال عن فلان أو قال فلان لم أكبه وهو مدلس دلس عن مجهولين وقال الكرابيسي وغيره فإذا قال المدلس حدثنا يكون حجة وإذا قال فلان قال أو عن فلان لا يكون حجة فلا يجوز الاحتجاج به فإذا كانت الرواية يعني عن الثقة المعروف بالحفظ والضبط لا تكون حجة فكيف تكون حجة وقد رواه عن مجهول وقال القاضي عياض رواية واقضوا قاطعة لحجة المخالف ونص ما يقوله الجمهور وجوب اعتبار النية من الليل وأن نيته من النهار غير معتبرة ورد عليه بأنه كيف يحتج بما ليس بحجة على خصمه مع علمه ويعتقد أنه يخفي وذكر ما ذكرنا من الوجوه ثم قال هذا القائل واحتج الجمهور

(10/304)


لاشتراط النية في الصوم من الليل بما أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن عمر عن أخته حفصة أن النبي قال من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له لفظ النسائي ولأبي داود والترمذي من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له واختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي والنسائي الموقوف بعد أن أطنب في تخريج طرقه وحكى الترمذي في العلل عن البخاري ترجيح وقفه وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة فصححوا الحديث المذكور منهم ابن خزيمة وابن حبان والحكم وابن حزم وروى له الدارقطني طريقا أخرى وقال رجالها ثقات وأبعد من خصه من الحنفية بصيام القضاء والنذر وأبعد من ذلك تفرقة الطحاوي بين صوم الفرض إذا كان في يوم بعينه كعاشوراء فتجزي النية في النهار أولا في يوم بعينه كرمضان فلا يجزي إلا بنية من الليل وبين صوم التطوع فيجزي في الليل وفي النهار وقد تعقبه إمام الحرمين بأنه كلام غث لا أصل له انتهى قلت قال الترمذي حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه يعني من الوجه الذي رواه عن إسحاق بن منصور عن ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة عن النبي قال من لم يجمع الصيم قبل الفجر فلا صيام له وفي بعض النسخ تفرد به يحيى بن أيوب قال وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح ورواه النسائي عن أحمد بن الأزهر عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب وقال النسائي ورواية حمزة الصواب عندنا موقوف ولم يصح رفعه لأن يحيى بن أيوب ليس بالقوي وحديث ابن جريج عن الزهري غير محفوظ والله أعلم
وقال شيخنا وأما الموقوف الذي ذكر الترمذي أنه أصح فقد رواه مالك في ( الموطأ ) كذلك عن نافع عن ان عمر قوله ومن طريقه رواه النسائي ورواه النسائي أيضا من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قوله وقد جاء من طرق موقوفا على حفصة رواه النسائي من رواية عبيد الله بن عمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة ومن رواية يونس ومعمر وابن عيينة عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن نافع عن أبيه عن حفصة ومن رواية ابن عيينة عن الزهري عن حمزة عن حفصة لم يذكر ابن عمر ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن عائشة وحفصة رضي الله تعال عنهما قولهما مرسلا
وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عند حديث رواه إسحاق بن حازم عن عبد الله ابن أبي بكر عن سالم عن أبيه عن حفصة مرفوعا لا صيام لمن لم ينومن الليل ورواه يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة مرفوعا قلت له أيهما أصح قال لا أدري لأن عبد الله بن أبي بكر أدرك سالما وروى عنه ولا أدري سمع هذا الحديث منه أو سمعه من الزهري عن سالم وقد روي هذا عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة قولها وهو عندي أشبه وقال أبو عمر في إسناد هذا الحديث اضطراب وفيه يحيى بن أيوب الغافقي قال النسائي ليس بالقوي والصواب في موقوف ولذلك لم يخرجه الشيخان وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به وذكره أبو الفرج في الضعفاء والمتروكين وقال أحمد هو سيء الحفظ وهم يردون الحديث بأقل من هذا والجرح مقدم على التعديل ولا يلتفت إلى قول الدارقطني وهو من الثقات الرفعاء
وأما قول هذا القائل وأبعد من خصه من الحنفية بصيام القضاء والنذر فكلام ساقط لا طائل تحته لأن من لم يخص هذا الحديث بصيام القضاء والنذر المطلق وصوم الكفارات يلزم منه النسخ لمطلق الكتاب بخبر الواحد فلا يجوز ذلك بيانه أن قوله تعالى إلى قوله ( البقرة781 ) مبيح للأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر ثم الأمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر متأخر عنه لأن كلمة ثم للتعقيب مع التراخي فكان هذا أمرا بالصيام متراخيا عن أول النهار والأمر بالصوم أمر بالنية إذ لا صوم شرعا بدون النية فكان أمرا بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار وقد أتى به فيخرج عن العهدة
وفيه دلالة أن الإمساك في أول النهار يقع صوما وجدت فيه النية أو لم توجد لأن إتمام الشيء يقتضى سابقة وجود بعض شيء منه فإذا شرطنا النية في أول الليل بخبر الواحد يكون نسخا لمطلق الكتاب فلا يجوز ذلك فحينئذ يحمل ذلك على الصيام

(10/305)


الخاص المعين وهو الذي ذكرناه لأن مشروع الوقت في هذا متنوع فيحتاج إلى التعيين بالنية بخلاف شهر رمضان لأن الصوم فيه غير متنوع فلا يحتاج فيه إلى التعيين وكذلك النذر المعين فهذا هو السر الخفي في هذا التخصيص الذي استبدعه من لا وقوف له على دقائق الكلام ومدارك استخراج المعاني من النصوص ولم يكتف المدعي بعد هذا الكلام لبعد إدراكه حتى ادعى الأبعدية في تفرقة الطحاوي بين صوم الفرض وصوم التطوع فهذه دعوى باطلة لأن حامل الطحاوي على هذه التفرقة ما رواه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال لي رسول الله ذات يوم يا عائشة هل عندكم شيء قالت فقلت لا يا رسول الله ما عندنا شيء قال فإني صائم وبنحوه روى عن علي وابن مسعود وابن عباس وأبي طلحة رضي الله تعالى عنهم ثم إن هذا القائل نقل عن إمام الحرمين كلاما لا يوجد أسمج منه لأن من يتعقب كلام أحد إن لم يذكر وجهه بما يقبله العلماء يكون كلامه هو غثاء لا أصل له وأجاب بعض أصحابنا عن الحديث المذكور أعني حديث حفصة رضي الله تعالى عنها بعد التسليم بصحته وسلامته عن الاضطراب بأنه محمول على نفي الفضيلة والكمال كما في قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد

(10/306)


عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الحادي عشر
22 -
( باب الصائم يصبح جنبا )
أي هذا باب في بيان حكم الصائم حال كونه يصبح جنبا هل يصح صومه أم لا وأطلق الترجمة للخلاف الموجود فيه
6291 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( سمي ) مولى ( أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام بن المغيرة ) أنه سمع ( أبا بكر بن عبد الرحمان ) قال ( كنت ) أنا ( وأبي حين دخلنا على عائشة وأم سلمة ) ( ح ) حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام ) أن أباه ( عبد الرحمان أخبر مروان ) أن ( عائشة وأم سلمة ) أخبرتاه أن رسول الله كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم وقال مروان لعبد الرحمان بن الحارث أقسم بالله لتقرعن بها أبا هريرة ومروان يومئذ على المدينة فقال أبو بكر فكره ذلك عبد الرحمان ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة وكانت لأبي هريرة هنالك أرض فقال عبد الرحمان لأبي هريرة إني ذاكر لك أمرا ولولا مروان أقسم علي فيه لم أذكره لك فذكر قول عائشة وأم سلمة فقال كذلك حدثني الفضل بن عباس وهو أعلم
مطابقته للترجمة في قوله كان يدركه الفجر وهو جنب
ذكر رجاله وهم عشرة الأول عبد الله بن مسلمة القعنبي الثاني مالك بن أنس الثالث سمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف وقد مر في الأذان الرابع أبو بكر بن عبد الرحمن القرشي راهب قريش مر في الصلاة الخامس عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ابن عم عكرمة بن أبي جهل بن هشام مات سنة ثلاث وأربعين السادس أبو اليمان الحكم بن نافع السابع شعيب بن أبي حمزة الثامن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري التاسع أم المؤمنين عائشة العاشر أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة

(11/2)


الإفراد في موضعين وبصيغة التثنية في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه السماع في موضع وفيه القول في موضعين وفيه أبو اليمان وشعيب حمصيان والبقية كلهم مدنيون وفيه أربعة من التابعين وهم أبو بكر وأبوه عبد الرحمن والزهري ومروان
ذكر الاختلاف فيه فيه اختلاف كثير جدا على أبي بكر بن عبد الرحمن وغيره وقد اختلف فيه على الزهري أيضا ففي رواية النسائي من طريق إسماعيل بن أمية عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة وحديث عائشة رواه ابن ماجه من رواية الشعبي عن مسروق عنها بمعناه وقد اختلف فيه على الشعبي أيضا وحديث عائشة وأم سلمة فيه قصة لم يذكرها الترمذي وذكرها مسلم من طريق ابن جريج قال أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر قال سمعت أبا هريرة يقص يقول في قصصه من أدركه الفجر حنبا فلا يصم قال فذكر ذلك أبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث لأبيه فأنكر ذلك فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة فسألهما عبد الرحمن عن ذلك فكلتاهما قالت كان النبي يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم قال فانطلقنا حتى دخلنا على مروان فذكر ذلك له عبد الرحمن فقال مروان عزمت عليه إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول فجئنا أبا هريرة وأبو بكر حاضر ذلك كله قالا فذكر ذلك له عبد الرحمن فقال أبو هريرة لهما قالتاه لك قال نعم قال هما أعلم ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن عباس قال أبو هريرة سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي قال فرجع أبو هريرة عما كان يقول من ذلك الحديث هكذا ذكره مسلم لم يرفع قول أبي هريرة وقد رواه عبد الرزاق في ( مصنفه ) عن معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله من أدركه الصبح جنبا فلا صوم له وذكر الحديث بنحوه ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن حبان في ( صحيحه ) وقد رواه البخاري أخصر منه من رواية ابن شهاب إلى قوله كذلك حدثني الفضل بن عباس وهو أعلم وفي رواية للنسائي من رواية أبي عياض عن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فأتاه فأخبره قال هن أعلم يريد أزواج النبي ولم يذكر أبو هريرة في هذه الرواية من حدثه وهكذا النسائي أيضا من رواية ابن أبي ذئب عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن عائشة أخبرته ليس فيه ذكر أم سلمة وفيه فذهب عبد الرحمن فأخبره بذلك قال أبو هريرة فهي أعلم برسول الله منا إنما كان أسامة بن زيد حدثني ذلك ففي هذه الرواية أن المخبر لأبي هريرة أسامة وقد تقدم أنه الفضل وفي رواية للنسائي أخبرنيه مخبر وفي رواية له فقال هكذا كنت أحسب ولم يحكه عن أحد وفي رواية للنسائي من رواية الحكم عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقال عائشة إذا أعلم برسول الله ولابن حبان من رواية عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه فقال هما أعلم يريد عائشة وأم سلمة وفي مصنف عبد الرزاق من رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال هكذا حدثني الفضل بن عباس وهن أعلم وفيه أيضا من الاختلاف ما يقتضي أن عبد الرحمن لم يشافه عائشة وأم سلمة بالسؤال عن ذلك ففي النسائي من رواية أبي عياض عن عبد الرحمن بن الحارث قال أرسلني مروان إلى عائشة فأتيتها فلقيت غلامها ذكوان فأرسلته إليها فسألها عن ذلك وفيه فأرسلني إلى أم سلمة فلقيت غلامها نافعا فأرسلته إليها فسألها عن ذلك الحديث والأحاديث التي فيها أن عبد الرحمن شافهها بالسؤال أكثر وأصح ومع هذا فيجوز أن يكون أرسل المولى أولا ثم أتى هو فشافهته أو أن المولى كان واسطة في الدخول عليها مع عبد الرحمن
ذكر معناه قوله وحدثنا أبو اليمان عطف على قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة فأخرجه من طريقين وأخرجه بقية الأئمة الستة خلا ابن ماجه من طرق عديدة قوله كنت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة هكذا أورده البخاري في هذا الطريق من رواية مالك مختصرا ثم ذكر الطريق الثاني عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الله وربما يظن ظان أن سياقهما واحد وليس كذلك فإنه يذكر لفظ مالك بعدما بين وليس فيه ذكر مروان ولا قصة أبي هريرة نعم قد رواه مالك في ( الموطأ ) عن سمي مطولا ورواه مالك في الموطأ عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن

(11/3)


مختصرا وأخرجه مسلم من هذا الوجه وقال حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة زوجتي النبي أنهما قالتا إن كان رسول الله ليصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم قوله إن أباه عبد الرحمن أخبر مروان هو مروان بن عبد الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن قصي القرشي الأموي أبو عبد الملك ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع ولم يصح له سماع من النبي وقال مالك ولد يوم أحد وقيل يوم الخندق وقيل ولد بمكة وقيل بالطائف ولم ير النبي لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفى النبي أباه الحكم وكان مع أبيه حتى استخلف عثمان رضي الله تعالى عنه فردهما واستكتب عثمان مروان وضمه إليه واستعمله معاوية على المدينة ومكة والطائف ثم عزله عن المدينة سنة ثمان وأربعين ولما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يعهد إلى أحد بايع الناس بالشام مروان بالخلافة ثم مات وكانت خلافته تسعة أشهر مات في رمضان سنة خمس وستين روى له الجماعة سوى مسلم قوله كان يدركه الفجر وهو جنب أي والحال أنه جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم وفي رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة كان يدركه الفجر في رمضان من غير حلم وسيأتي بعد بابين وفي رواية للنسائي من طريق عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عنها كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم وفي لفظ له كان يصبح جنبا مني فيصوم ويأمرني بالصيام
وقال القرطبي في هذا فائدتان أحدهما أنه كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز والثانية أن ذلك كان من جماع لا من احتلام لأنه كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه قيل في قول عائشة من غير احتلام إشارة إلى جواز الاحتلام عليه وإلا لما كان لاستثنائه معنى ورد بأن الاحتلام من الشيطان وهو معصوم عنه ولكن الاحتلام يطلق على الإنزال وقد يقع الإنزال من غير رؤية شيء في المنام
قوله فقال مروان لعبد الرحمن بن الحارث أقسم بالله لتقرعن بها أبا هريرة وفي رواية النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن فقال مروان لعبد الرحمن إلق أبا هريرة فحدثه بهذا فقال إنه لجاري وإني لأكره أن استقبله بما يكره فقال أعزم عليك لتلقينه ومن طريق عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه فقال عبد الرحمن لمروان غفر الله لك إنه لي صديق ولا أحب أن أرد عليه قوله وكان سبب ذلك أن أبا هريرة كان يفتى أن من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم على ما رواه مالك عن سمي عن أبي بكر أن أبا هريرة كان يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم وفي رواية للنسائي من طريق المقبري كان أبو هريرة يفتي الناس أن من أصبح جنبا فلا يصوم ذلك اليوم وإليه كان يذهب إبراهيم النخعي وعروة بن الزبير وطاووس ولكن أبا هريرة لم يثبت على قوله هذا حيث رد العلم بهذه المسألة إلى عائشة فقال عائشة أعلم مني أو قال أعلم بأمر رسول الله مني وقال أبو عمر روى عن أبي هريرة محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان الرجوع عن ذلك وحكاه الحازمي عن سعيد بن المسيب وقال الخطابي وابن المنذر أحسن ما سمعت من خبر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه منسوخ لأن الجماع كان محرما على الصائم بعد النوم فلما أباح الله تعالى الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم لارتفاع الحظر فكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل على الأمر الأول ولم يعلم بالنسخ فلما سمع خبر عائشة وأم سلمة رجع إليه قوله لتفزعن بالفاء والزاي من الفزع وهو الخوف أي لتخيفنه بهذه القصة التي تخالف فتواه وقد أكد هذا باللام والنون المشددة وهذا كذا وقع في رواية الأكثرين ووقع في رواية الكشميهني تقرعن من القرع بالقاف والراء أي لتقرعن أبا هريرة بهذه القصة يقال قرعت بكذا سمع فلان إذا أعلمته إعلاما صريحا وقال الكرماني ويروى لتعرفن من التعريف قوله ومروان يومئذ على المدينة أي حاكما عليها من جهة معاوية بن أبي سفيان قوله فكره ذلك عبد الرحمن أي فكره عبد الرحمن فعل ما قاله مروان من قرع أبي هريرة وإفزاعه فيما كان يفتي به قوله ثم قدر لنا أي قال أبو بكر بن عبد الرحمن ثم بعد ذلك قدر الله لنا الاجتماع بذي الحليفة وهو الموضع المعروف وهو ميقات أهل المدينة وكان لأبي هريرة هنالك أي في ذي الحليفة أرض وكان أبو هريرة هناك في ذلك الوقت فإن قلت ففي رواية مالك

(11/4)


فقال مروان لعبد الرحمن أقسمت عليك لتركبن دابتي فإنها بالباب ولتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه فركب عبد الرحمن وركبت معه أي قال أبو بكر بن عبد الرحمن وركبت مع عبد الرحمن فهذه تخالف رواية الكتاب فإن العقيق غير ذي الحليفة لأن العقيق واد بظاهر المدينة مسيل للماء وهو الذي ورد ذكره في الحديث أنه واد مبارك وكل مسيل شقه ماء السيل فهو عقيق والجمع أعقة قلت لا تخالف بين الروايتين من حيث إن أبا هريرة كانت له أرض أيضا بالعقيق فالظاهر أن أبا بكر وأباه عبد الرحمن قصدا أبا هريرة للاجتماع له امتثالا لأمر مروان فأتيا إلى العقيق بناء على أنه هناك فلم يجداه فذهبا إلى ذي الحليفة فوجداه هناك فإن قلت وقع في رواية معمر عن الزهري عن أبي بكر فقال مروان عزمت عليكما لما ذهبتما إلى أبي هريرة قال فلقينا أبا هريرة عند باب المسجد قلت الجواب الحسن هنا أن يقال المراد بالمسجد مسجد ذي الحليفة لأنهم ذكروا أن بذي الحليفة عدة آبار ومسجدان للنبي وقال بعضهم الظاهر أن المراد بالمسجد هنا مسجد أبي هريرة بالعقيق لا المسجد النبوي قلت سبحان الله ما أبعد هذا من منهج الصواب لأنه قال أولا في التوفيق بين قوله بذي الحليفة وقوله بالعقيق يحتمل أن يكونا يعني أبا بكر وأباه عبد الرحمن قصدا إلى العقيق بناء على أن أبا هريرة فيها فلم يجداه قال ثم وجداه بذي الحليفة وكان له بها أيضا أرض ومعنى كلامه أنهما لما لم يجداه بالعقيق ذهبا إلى ذي الحليفة فوجداه هناك عند باب المسجد فيلزم من مقتضى كلامه أنهم عادوا من ذي الحليفة إلى العقيق ولاقياه فيها عند باب المسجد وهذا كلام خارج أجنبي عن مقتضى معنى التركيب لأنهم لو كانوا عادوا من ذي الحليفة إلى العقيق كيف كان أبو بكر وعبد الرحمن يقولان لقينا أبا هريرة عند باب المسجد والحال أن أبا هريرة كان معهما على مقتضى كلامه ثم ذكر هذا القائل وجها آخر أبعد من الأول حيث قال أو يجمع بأنهما التقيا بالعقيق فذكر له عبد الرحمن القصة مجملة أو لم يذكرها بل شرع فيها ثم لم يتهيأ له ذكر تفصيلها وسماع جواب أبي هريرة إلا بعد أن رجعا إلى المدينة وأرادا دخول المسجد النبوي قلت الذي حمله على هذا التفسير تفسيره المسجد بمسجد العقيق ولو فسره بمسجد ذي الحليفة لاستراح وأراح على أنا نقول من قال إنه كان لأبي هريرة مسجد بالعقيق وأما المسجد الذي بذي الحليفة فقد نص عليه أهل السير والإخباريون ولا دلالة أصلا في الحديث على هذا التوجيه الذي ذكره ولا قال به أحد قبله قوله إني ذاكر أمرا وفي رواية الكشميهني إني أذكر لك بصيغة المضارع قوله لم أذكره لك وفي رواية الكشميهني لم أذكر ذلك قوله كذلك حدثني الفضل بن عباس وقد أحال أبو هريرة فيه مرة على الفضل ومرة على أسامة بن زيد فيما رواه عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده ومرة قال أخبرنيه مخبر ومرة قال حدثني فلان وفلان فيما رواه ابن حبان عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عنه على ما ذكرناه عن قريب وروي عنه أنه قال لا ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدرك الصبح جنبا فلا يصم محمد ورب الكعبة قاله ثم حدثنيه الفضل قوله وهو أعلم أي الفضل أعلم مني بما روى والعهدة عليه في ذلك لا علي
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان الحكم الذي بوب الباب لأجله وفيه دخول الفقهاء على السلطان ومذاكرتهم له بالعلم وفيه ما كان عليه مروان من الاشتغال بالعلم ومسائل الدين مع ما كان عليه من الدنيا ومروان عندهم أحد العلماء وكذلك ابنه عبد الملك وفيه ما يدل على أن الشيء إذا تنوزع فيه رد إلى من يظن أنه يوجد عنده علم منه وذلك أن أزواج النبي أعلم الناس بهذا المعنى بعده وفيه أن من كان عنده علم في شيء وسمع بخلافه كان عليه إنكاره من ثقة سمع ذلك أو غيره حتى يتبين له صحة خلاف ما عنده وفيه أن الحجة القاطعة عند الاختلاف فيما لا نص فيه من الكتاب وسنة رسول الله وفيه إثبات الحجة في العمل بخبر الواحد العدل وأن المرأة في ذلك كالرجل سواء وأن طريق الإخبار في هذا غير طريق الشهادات وفيه طلب الحجة وطلب الدليل والبحث على العلم حتى يصح فيه وجه ألا ترى أن مرواه لما أخبره عبد الرحمن بن الحارث عن عائشة وأم سلمة بما أخبره به من هذا الحديث بعث إلى أبي هريرة طالبا

(11/5)


للحجة وباحثا عن موقعها ليعرف من أين قال أبو هريرة ما قاله من ذلك وفيه اعتراف العالم بالحق وإنصافه إذا سمع الحجة وهكذا أهل العلم والدين أولو إنصاف واعتراف وفيه دليل على ترجيح رواية صاحب الخبر إذا عارضه حديث آخر وترجيح ما رواه النساء مما يختص بهن إذا خالفهن فيه الرجال وكذلك الأمر فيما يختص بالرجال على ما أحكمه الأصوليون في باب الترجيح للآثار وفيه حسن الأدب مع الأكابر وتقدير الاعتذار قبل تبليغ ما يظن المبلغ أن المبلغ يكرهه
وقد اختلف العلماء فيمن أصبح جنبا وهو يريد الصوم هل يصح صومه أم لا على سبعة أقوال الأول أن الصوم صحيح مطلقا فرضا كان أو تطوعا أخر الغسل عن طلوع الفجر عمدا أو لنوم أو نسيان لعموم الحديث وبه قال علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو ذر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم وقال أبو عمر إنه الذي عليه جماعة فقهاء الأمصار بالعراق والحجاز أئمة الفتوى بالأمصار مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي والليث وأصحابهم وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن علية وأبو عبيدة وداود وابن جرير الطبري وجماعة من أهل الحديث الثاني أنه لا يصح صوم من أصبح جنبا مطلقا وبه قال الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وأبو هريرة ثم رجع أبو هريرة عنه كما ذكرناه الثالث التفرقة بين أن يؤخر الغسل عالما بجنابته أم لا فإن علم وأخره عمدا لم يصح وإلا صح روي ذلك عن طاووس وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وقال صاحب ( الإكمال ) ومثله عن أبي هريرة الرابع التفرقة بين الفرض والنفل فلا يجزيه في الفرض ويجزيه في النفل روي ذلك عن إبراهيم النخعي أيضا حكاه صاحب ( الإكمال ) عن الحسن البصري وحكى أبو عمر عن الحسن بن حي أنه كان يستحب لمن أصبح جنبا في رمضان أن يقضيه وكان يقول يصوم الرجل تطوعا وإن أصبح جنبا فلا قضاء عليه الخامس أن يتم صومه ذلك اليوم ويقضيه روي ذلك عن سالم بن عبد الله والحسن البصري أيضا وعطاء بن أبي رباح السادس أنه يستحب القضاء في الفرض دون النفل حكاه في ( الاستذكار ) عن الحسن بن صالح بن حي السابع أنه لا يبطل صومه إلا أن تطلع عليه الشمس قبل أن يغتسل ويصلي فيبطل صومه قاله ابن حزم بناء على مذهبه في أن المعصية عمدا تبطل الصوم
فإن قلت حديث الفضل فيه أن من أصبح جنبا فلا يصوم وحديث عائشة وأم سلمة فيه حكاية فعله أنه كان يصبح جنبا ثم يصوم فهلا جمعتم بين الحديثين بحمل حديثهما على أنه من الخصائص وحديث الفضل لغيره من الأمة وأيضا فليس في حديثيهما أنه أخر الغسل عن طلوع الفجر عمدا فلعله نام عن ذلك قلت الأصل عدم التخصيص ومع ذلك ففي الحديث التصريح بعدم الخصوص فروى مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله وهو واقف على الباب وأنا أسمع يا رسول الله إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال رسول الله وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم فقال له الرجل يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله وقال إني أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما اتقي ومن طريق مالك أخرجه أبو داود وأخرجه مسلم والنسائي من رواية إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن عبد الرحمن بنحوه
وقال همام وابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة كان النبي يأمر بالفطر والأول أسند همام هو ابن منبه الصنعاني وقد مر في باب حسن إسلام المرء وهذا التعليق وصله أحمد وابن حبان من طريق معمر عنه بلفظ قال رسول الله إذا نودي للصلاة صلاة الصبح أحدكم جنب فلا يصم يومئذ قوله وابن عبد الله بالرفع عطف على همام وكان لعبد الله بنون ستة قال الكرماني والظاهر أن المراد بابن عبد الله هنا هو سالم لأنه يروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قلت الجزم بأنه سالم بن عبد الله غير صحيح لأن فيه اختلافا فقيل هو عبد الله بن عمر وقيل هو عبيد الله بن عبد الله بالتكبير والتصغير في اسم الابن ولأجل هذا الاختلاف لم يسمه البخاري صريحا وأما تعليق

(11/6)


ابن عبد الله بن عمر فوصله عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن ابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة به فقيل قد اختلف على الزهري في اسمه فقال شعيب عنه أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر قال قال أبو هريرة كان رسول الله يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا أخرجه النسائي والطبراني في مسند الشاميين وقال عقيل عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به فاختلف على الزهري هل هو عبد الله بالتكبير أو عبيد الله بالتصغير قوله والأول أسند قال الكرماني أي حديث أمهات المؤمنين أسند أي أصح إسنادا قلت ليس المراد بقوله أسند أي أصح لأن الإسناد إلى أبي هريرة هو الإسناد إلى أمي المؤمنين في أكثر الطرق وقال شيخنا زين الدين رحمه الله والأول أسند يريد والله أعلم أن حديث أبي هريرة مختلف في إسناده فليس في أحد من الصحيحين إسناده إلى النبي وإنما قال كذلك حدثني الفضل بن عباس وقد ذكرنا أن أبا هريرة أحال فيه عليه وعلى غيره تارة بتصريح وتارة بإبهام وقال الدارقطني معناه أظهر إسنادا وأبين في الاتصال وقال ابن التين أي الطريق الأول أوضح رفعا وقال بعضهم معناه أقوى إسنادا لأن حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاء عنهما من طرق كثيرة جدا بمعنى واحد حتى قال ابن عبد البر إنه صح وتواتر وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي به قلت قد ذكرنا الآن أن الإسناد إلى أبي هريرة هو الإسناد إلى أمي المؤمنين في أكثر الطرق فإن قلت كيف هذا وقد روى أبو عمر من رواية عطاء بن مينا عن أبي هريرة أنه قال كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر وإن ذلك من كيس أبي هريرة قلت لا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك وذكر ابن خزيمة أن بعض العلماء توهم أن أبا هريرة غلط في هذا الحديث ثم رد عليه بأنه لم يغلط بل أحال على رواية صادق إلا أن الخبر منسوخ انتهى
وقد ذكرنا وجه النسخ بأن حديث عائشة هو الناسخ لحديث الفضل ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ فاستمر أبو هريرة على الفتيا به ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه ويؤيد ذلك أن في حديث عائشة الذي رواه مسلم من حديث أبي يونس مولى عائشة عنها وقد ذكرنا عن قريب ما يشعر بأن ذلك كان بعد الحديبية لقوله فيها غفر الله لك ما تقدم وما تأخر وأشار إلى آية الفتح وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية والله أعلم ومنهم من جمع بين الحديثين بأن الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل بأن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز ويعكر على حمله على الإرشاد التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر وبالنهي عن الصيام فكيف يصح الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان وقيل هو محمول على من أدركه الفجر مجامعا فاستدام بعد طلوعه عالما بذلك ويعكر عليه ما رواه النسائي من طريق أبي حازم عن عبد الملك ابن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه أن أبا هريرة كان يقول من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم وحكى ابن التين عن بعضهم أنه سقط كلمة لا من حديث الفضل وكان في الأصل من أصبح جنبا في رمضان فلا يفطر فلما سقطت لا صار فليفطر وهذا كلام واه لا يلتفت إليه لأنه يستلزم عدم الوثوق بكثير من الأحاديث بطرقها مثل هذا الاحتمال فكان قائله ما وقف على شيء من طرق هذا الحديث إلا على اللفظ المذكور والله أعلم
32 -
( باب المباشرة للصائم )
أي هذا باب في بيان حكم المباشرة للصائم المباشرة مفاعلة وهي الملامسة وأصله من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وخارجا منه وليس المراد بهذه الترجمة الجماع
وقالت عائشة رضي الله عنها يحرم عليه فرجها أي يحرم على الصائم فرج امرأته وهذا التعليق وصله الطحاوي وقال حدثنا ربيع المؤذن قال حدثنا شعيب قال حدثا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال أنه قال سألت عائشة ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم قالت فرجها وبنحوه أخرج ابن حزم في ( المحلي ) من طريق معمر عن أيوب السختياني عن أبي

(11/7)


قلابة عن مسروق قال سألت عائشة أم المؤمنين ما يحل للرجل من امرأته صائما فقال كل شيء إلا الجماع وأبو مرة اسمه يزيد مولى عقيل بن أبي طالب روى له الجماعة وحكيم بن عقال العجلي البصري وثقه ابن حبان
42 -
( باب القبلة للصائم )
أي هذا باب في بيان حكم القبلة للصائم
وقال جابر بن زيد إن نظر فأمنى يتم صومه
جابر بن زيد هو أبو الشعثاء الأزدي وقد تقدم وهذا الأثر وقع هنا في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر في آخر الباب السابق ووصله ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن هرم سئل جابر بن زيد فذكره
8291 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( عائشة ) عن النبي ح وحدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت إن كان رسول الله ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت ( انظر الحديث 7291 )
مطابقته للترجمة في قوله ليقبل بعض أزواجه وهو صائم وهذا الفعل هو المباشرة ويحيى هو ابن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة بن الزبير
والحديث أخرجه النسائي في الصوم عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى بن سعيد
قوله

(11/8)


إن كان كلمة إن مخففة من الثقيلة فتدخل على الجملتين فإن دخلت على الإسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين وإن دخلت على الفعلية وجب إعمالها والأكثر كون الفعل ماضيا ناسخا وهنا كذلك قوله ليقبل اللام فيه مفتوحة للتأكيد قوله وهو صائم جملة حالية قوله ثم ضحكت قيل كان ضحكها تنبيها على أنها صاحبة القضية ليكون أبلغ في الثقة بحديثها وقال القاضي عياض يحتمل ضحكها التعجب مما خالفه فيه أو من نفسها حيث جاءت بمثل هذا الحديث الذي يستحي من ذكره لا سيما حديث المرأة عن نفسها للرجال لكنها اضطرت إلى ذكره لتبليغ الحديث فتعجبت من ضرورة الحال المضطرة لها إلى ذلك وقيل ضحكت سرورا بتذكر مكانها من رسول الله وحالها معه
ذكر بيان الخلاف في هذا الباب ذهب شريح وإبراهيم النخعي والشعبي وأبو قلابة ومحمد بن الحنفية ومسروق ابن الأجدع وعبد الله بن شبرمة إلى أنه ليس للصائم أن يباشر القبلة فإن قبل فقد أفطر وعليه أن يقضي يوما واحتجوا بما رواه ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضني عن ميمونة مولاة النبي قالت سئل النبي عن رجل قبل امرأته وهما صائمان قال قد أفطرا وأخرجه الطحاوي ولفظه عن ميمونة بنت سعد قالت سئل النبي عن القبلة للصائم فقال أفطرا جميعا وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وأبو يزيد الضني بكسر الضاد المعجمة والنون المشددة نسبة إلى ضنة قال الدارقطني ليس بمعروف وقال ابن حزم مجهول وميمونة بنت سعد وقيل سعيد خادم النبي وأخرجه ابن حزم ولفظه عن ميمونة بنت عقبة مولاة النبي وقال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث وكذا قال السهيلي والبيهقي وقال الترمذي سألت محمدا عنه يعني البخاري فقال هذا حديث منكر لا أحدث به وأبو يزيد لا أعرف اسمه وهو رجل مجهول قوله قد أفطرا أي المقبل والمقبل كلاهما أفطرا يعني انتقض صومهما وقال أبو عمر وممن كره القبلة للصائم عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وقد روي عن ابن مسعود أنه يقضي يوما مكانه وروي عن ابن عباس أنه قال إن عروق الخصيتين معلقة بالأنف فإذا وجد الريح تحرك وإذا تحرك دعي إلى ما هو أكثر من ذلك والشيخ أملك لأربه وكره مالك القبلة للصائم في رمضان للشيخ والشاب وعن عطاء عن ابن عباس أنه أرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب وقال عياض منهم من أباحها على الإطلاق وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أحمد وإسحاق وداود من الفقهاء ومنهم من كرهها على الإطلاق وهو مشهور قول مالك ومنهم من كرهها للشاب وأباحها للشيخ وهو المروي عن ابن عباس ومذهب أبي حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي وحكاه الخطابي عن مالك ومنهم من أباحها في النفل ومنعها في الفرض وهي رواية ابن وهب عن مالك وقال النووي إن حركت القبلة الشهوة فهي حرام على الأصح عند أصحابنا وقيل مكروه كراهة تنزيه انتهى وقال أصحابنا الحنفية في فروعهم لا بأس بالقبلة والمعانقة إذا أمن على نفسه أو كان شيخا كبيرا ويكره له مس فرجها وعن أبي حنيفة تكره المعانقة والمصافحة والمباشرة الفاحشة بلا ثوب والتقبيل الفاحش مكروه وهو أن يمضغ شفتيها قاله محمد فإن قلت روى أبو داود من طريق مصدع أبي يحيى عن عائشة رضي الله تعالى عنه أن النبي كان يقبلها ويمص لسانها قلت كلمة ويمص لسانها غير محفوظة وإسناده ضعيف والآفة من محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع وتفرد به أبو داود وحكى ابن الأعرابي عن أبي داود أنه قال هذا الحديث ليس بصحيح وعن يحيى بن محمد بن دينار وقال أبو داود كان تغير قبل أن يموت وسعد بن أوس ضعفه يحيى أيضا قيل على تقدير صحة الحديث يجوز أن يكون التقبيل وهو صائم في وقت والمص في وقت آخر ويجوز أن يمصه ولا يبتلعه ولأنه لم يتحقق انفصال ما على لسانها من البلل وفيه نظر لا يخفى وقال ابن قدامة إن قبل فأمنى أفطر بلا خلاف فإن أمذى أفطر عندنا وعند مالك وقال أبو حنيفة والشافعي لا يفطر وروي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي واللمس بشهوة كالقبلة فإن كان بغير شهوة فليس مكروها بحال
ولما أخرج الترمذي حديث عائشة من رواية عمرو بن ميمون أن النبي كان يقبل في شهر الصوم قال وفي الباب عن عمر بن الخطاب وحفصة وأبي سعيد وأم سلمة

(11/9)


وابن عباس وأنس وأبي هريرة قلت وفي الباب أيضا عن علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو وأم حبيبة وميمونة زوجي النبي وميمونة بنت سعد مولاة النبي ورجل من الأنصار عن امرأته
أما حديث عائشة فروي من طرق عديدة حتى إن الطحاوي أخرجه من عشرين طريقا وأما حديث عمر بن الخطاب فأخرجه أبو داود والنسائي من حديث جابر بن عبد الله قال قال عمر ابن الخطاب هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم قلت لا بأس قال فمه قال النسائي هذا حديث منكر وقد أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم في ( مستدركه ) وقال ) صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأما حديث حفصة فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من رواية أبي الضحى مسلم بن صبيح عن شتير بن شكل عن حفصة قالت كان النبي يقبل وهو صائم وأما حديث أبي سعيد فأخرجه النسائي عنه قال رخص رسول الله في القبلة للصائم والحجامة وأما حديث أم سلمة فأخرجه مسلم من رواية عبد ربه بن سعيد عن عبد الله بن كعب الحميري عن عمر بن أبي سلمة أنه قال لرسول الله أيقبل الصائم فقال له رسول الله سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله يصنع ذلك فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له رسول الله أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له ورواه ابن حبان أيضا في ( صحيحه ) وروى البخاري عنها أيضا على ما سيأتي وأما حديث ابن عباس فأخرجه القاضي يوسف بن إسماعيل قال حدثنا سليمان ابن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال حدثني رجل من بني سدوس قال سمعت ابن عباس يقول كان رسول الله يصيب من الرؤوس وهو صائم يعني القبل وروينا هذا الحديث عن شيخنا زين الدين رحمه الله قال أخبرني به أبو المظفر محمد بن يحيى القرشي بقراءتي عليه أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف ابن المعلم أخبرنا عمر بن محمد المؤدب أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري أخبرنا الحسن بن علي الجوهري أخبرنا علي بن محمد بن أحمد بن كيسان أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب إلى آخر ما ذكرناه وأما حديث أنس فأخرجه الطبراني في ( الصغير ) و ( الأوسط ) من رواية معتمر بن سليمان عن أبيه قال سئل رسول الله أيقبل الصائم قال وما بأس ذلك ريحانة يشمها ورجاله ثقات وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي من رواية أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة عن النبي مثل حديث قبله وأبو العنبس اسمه محارب بن عبيد بن كعب
وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فذكره ابن أبي حاتم في ( كتاب العلل ) فقال سألت أبي عن حديث رواه قيس بن حفص بن قيس بن القعقاع الدارمي حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا سليمان الأعمش عن أبي الضحى عن شيتر بن شكل عن علي أن رسول الله كان يقبل وهو صائم ثم قال سمعت أبي يقول هذا خطأ إنما هو الأعمش عن أبي الضحى عن شتير بن شكل عن حفصة عن النبي وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) في ترجمة غالب بن عبد الله الجزري عن نافع عن ابن عمر أن النبي كان يقبل وهو صائم ولا يعيد الوضوء وغالب الجزري ضعيف وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والطبراني في ( الكبير ) عنه قال كنا عند النبي فجاء شاب فقال يا رسول الله أقبل وأنا صائم قال لا قال فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم قال نعم قال فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه وفي إسناده ابن لهيعة مختلف في الاحتجاج به وأما حديث أم حبيبة فأخرجه النسائي عنها أن رسول الله كان يقبل وهو صائم قال النسائي الصواب عن حفصة وأما حديث ميمونة زوج النبي فذكره ابن أبي حاتم في ( العلل ) قالت كان رسول الله يقبل وهو صائم قال أبو زرعة رواه هكذا عمرو بن أبي قيس وهو خطأ ورواه الثوري وآخرون عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأما حديث ميمونة مولاة النبي فأخرجه ابن ماجه وقد ذكرناه وأما حديث الرجل الأنصاري عن امرأته فأخرجه أحمد مطولا وفيه أن رسول الله يفعل ذلك
فإن قلت قوله يقبل وهو صائم ولا يلزم منه أن يكون في رمضان قلت في رواية الترمذي كان يقبل في شهر

(11/10)


الصوم وهذا يلزم منه أن يكون في رمضان لأنه شهر الصوم وقد جاء صريحا في رواية مسلم كان يقبل في رمضان وهو صائم فإن قلت لا يلزم من قوله في رمضان أن يكون بالنهار قلت في رواية عن عائشة في ( الصحيحين ) كان يقبل ويباشر وهو صائم فبين أن ذلك في حالة الصيام
9291 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام بن أبي عبد الله ) قال حدثنا ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( زينب ابنة ) أم ( سلمة ) عن ( أمها ) رضي الله تعالى عنهما قالت بينما أنا مع رسول الله في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال ما لك أنفست قلت نعم فدخلت معه في الخميلة وكانت هي ورسول الله يغتسلان من إناء واحد وكان يقبلها وهو صائم
مطابقته للترجمة في قوله وكان يقبلها وهو صائم والحديث مضى في كتاب الحيض في باب من سمى النفاس حيضا فإنه أخرجه هناك عن مكي بن إبراهيم عن هشام إلى آخره وزاد هنا قوله وكانت هي إلى آخره وهناك بينا أنا مع رسول الله مضطجعة في خميصة وهنا فدخلت معه في الخميلة وهناك فاضطجعت معه في الخميلة ويحيى هو القطان وهشام هو الدستوائي والخميلة بفتح الخاء المعجمة ثوب من صوف له علم قوله حيضتي بكسر الحاء قوله أنفست الصحيح فيه أنه بفتح النون وكسر الفاء معناه أحضت وبقية المباحث مرت هناك
52 -
( باب اغتسال الصائم )
أي هذا باب في بيان حكم الاغتسال للصائم وهو جوازه قيل إنما أطلق الاغتسال ليشمل جميع أنواعه من الفرض والسنة وغيرهما وقال بعضهم وكأنه يشير إلى ضعف ما روي عن علي رضي الله تعالى عنه من النهي عن دخول الصائم الحمام أخرجه عبد الرزاق وفي إسناده ضعف واعتمده الحنفية فكرهوا الاغتسال للصائم انتهى قلت قوله كأنه يشير كلام كاد أن يكون عبثا لأنه لا يصح أن يراد بالإشارة معناها اللغوي ولا معناها الاصطلاحي وقوله واعتمده الحنفية غير صحيح على إطلاقه لأن قوله كرهوا الاغتسال للصائم رواية عن أبي حنيفة غير معتمد عليها والمذهب المختار أنه لا يكره ذكره الحسن عن أبي حنيفة نبه عليه صاحب ( الواقعات ) وذكر في ( الروضة ) و ( جوامع الفقه ) لا يكره الاغتسال وبل الثوب وصب الماء على الرأس للحر وروى أبو داود بسند صحيح عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي قال لقد رأيت النبي بالعرج يصب على رأسه الماء وهو صائم من الحر أو من العطش وفي ( المصنف ) حدثنا أزهر عن ابن عون كان ابن سيرين لا يرى بأسا أن يبل الثوب ثم يلقيه على وجهه وحدثنا يحيى ابن سعيد عن عثمان بن أبي العاص أنه كان يصب عليه الماء ويروح عنه وهو صائم
وبل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ثوبا فألقاه عليه وهو صائم
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الثوب المبلول إذا ألقي على البدن بل البدن فيشبه البدن الذي سكب عليه الماء قوله فألقاه عليه رواية الكشميهني وفي رواية غيره فألقي عليه على صيغة المجهول فكأنه أمر غيره وألقاه عليه قوله وهو صائم جملة وقعت حالا هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي عثمان قال رأيت ابن عمر يبل الثوب ثم يلقيه عليه وقال بعضهم وأراد البخاري بأثر ابن عمر هذا معارضة ما جاء عن إبراهيم النخعي بأقوى منه فإن وكيعا روى عن الحسن بن صالح عن مغيره عنه أنه كان يكره للصائم بل الثياب قلت هذا كلام صادر من غير تأمل فأنه اعترف أن الذي رواه إبراهيم أقوى من الذي ذكره البخاري معلقا فكيف تصح المعارضة حينئذ بل الذي يقال إنه أراد به الإشارة إلى ما روى عن ابن عمر من فعله ذلك فافهم
ودخل الشعبي الحمام وهو صائم

(11/11)


مطابقته للترجمة ظاهرة والشعبي هو عامر بن شراحيل ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة عن الأحوص عن أبي إسحاق قال رأيت الشعبي يدخل الحمام وهو صائم
وقال ابن عباس لا بأس أن يتطعم القدر أو الشيء
مطابقته للترجمة من حيث إن التطعم من الشيء الذي هو إدخال الطعام في الفم من غير بلغ لا يضر الصوم فإيصال الماء إلى البشرة بالطريق الأولى أن لا يضر وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة من طريق عكرمه عنه بلفظ لا بأس أن يتطاعم القدر ورواه البيهقي عن العمري أنبأنا عبد الله الشريحي أنبأنا أبو القاسم البغوي حدثنا علي بن الجدع أنبأنا شريك عن سليمان عن عكرمة عن ابن عباس ولفظه لا بأس أن يتطاعم الصائم بالشيء يعني المرقة ونحوها
قوله أن يتطعم القدر بكسر القاف وهو الظرف الذي يطبخ فيه الطعام والتقدير من طعام القدر وأراد بقوله أو الشيء أي شيء كان من المطعومات وهو من عطف العام على الخاص وقال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عطاء عنه قال لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم وعن الحسن لا بأس أن يتطاعم الصائم العسل والسمن ونحوه ويمجه وعن مجاهد وعطاء لا بأس أن يتطعم الطعام من القدر وعن الحكم نحوه وفعله عروة وفي ( التوضيح ) وعندنا يستحب له أن يحترز عن ذوق الطعام خوف الوصول إلى حلقه وقال الكوفيون إذا لم يدخل حلقه لا يفطر وصومه تام وهو قول الأوزاعي وقال مالك أكرهه ولا يفطره إن لم يدخل حلقه وهو مثل قولنا وقال ابن عباس لا بأس أن تمضغ الصائمة لصبيها الطعام وهو قول الحسن البصري والنخعي وكرهه مالك والثوري والكوفيون إلا لمن لم يجد بدا من ذلك وبه صرح أصحابنا وفي ( المحيط ) ويكره الذوق للصائم ولا يفطره وفيه لا بأس أن يذوق الصائم العسل أو الطعام ليشتريه ليعرف جيده ورديئه كيلا يغبن فيه متى لم يذقه وهو المروي عن الحسن البصري ولا بأس للمرأة أن تمضغ الطعام لصبيها إذا لم تجد منه بدا
وقال الحسن لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم
مطابقته للترجمة من حيث أن المضمضة جزء للغسل وقال بعضهم وهذا التعليق وصله عبد الرزاق بمعناه قلت لم يبين ذلك بل روى عنه ابن أبي شيبة خلاف ذلك فقال حدثني عبد الأعلى عن هشام عن الحسن أنه كان يكره أن يمضمض الرجل إذا أفطر وإذا أراد أن يشرب قوله والتبرد أعم من أن يكون في سائر جسده أو في بعضه مثل ما إذا تبرد بالماء على وجهه أو على رجليه
وقال ابن مسعود إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا
ذكر في وجه مطابقته للترجمة وجوه الأول أن الإدهان من الليل يقتضي استصحاب أثره في النهار وهو مما يرطب الدماغ ويقوي النفس فهو أبلغ من الاستعانة ببرد الاغتسال لحظة من النهار ثم يذهب أثره قلت هذا بعيد جدا لأن الادهان في نفسها متفاوتة وما كل دهن يرطب الدماغ بل فيها ما يضره يعرفه من ينظر في علم الطب وقوله أبلغ من الاستعانة إلى آخره غير مسلم لأن الاغتسال بالماء لتحصيل البرودة والدهن يقوي الحرارة وهو ضد ذاك فكيف يقول هو أبلغ إلى آخره الوجه الثاني قاله بعضهم إن المانع من الاغتسال لعله سلك به مسلك استحباب التقشف في الصيام كما ورد مثله في الحج والادهان والترجل في مخالفة التقشف كالاغتسال قلت هذا أبعد من الأول لأن الترجمة في جواز الاغتسال لا في منعه وكذلك أثر ابن مسعود في الجواز لا في المنع فكيف يجعل الجواز مناسبا للمنع الوجه الثالث ما قيل أراد البخاري الرد على من كره الاغتسال للصائم لأنه إن كرهه خشية وصول الماء إلى حلقه فالعلة باطلة بالمضمضة وبالسواك وبذوق القدر ونحو ذلك وإن كرهه للرفاهية فقد استحب السلف للصائم الترفه والتجمل والادهان والكحل ونحو ذلك قلت هذا أقرب إلى القبول ولكن تحقيقه أن يقال إن بالاغتسال يحصل التطهر والتنظف للصائم وهو في ضيافة الله تعالى ينتظر المائدة ومن حاله هذه يحسن له التطهر والتنظف

(11/12)


والتطيب وهذه تحصل بالاغتسال والادهان والترجل
قوله دهينا على وزن فعيل بمعنى مفعول أي مدهونا قوله مترجلا من الترجل وهو تسريح الشعر وتنظيفه وكذلك الترجيل ومنه أخذ المرجل وهو المشط وروي عن قتادة أنه قال يستحب للصائم أن يدهن حتى يذهب عنه غبرة الصوم وأجازه الكوفيون والشافعي رضي الله تعالى عنه وقال لا بأس أن يدهن الصائم شاربه وممن أجاز الدهن للصائم مطرف وابن عبد الحكم وإصبغ ذكره ابن حبيب وكرهه ابن أبي ليلى
وقال أنس إن لي أبزنا أتقحم فيه وأنا صائم
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الدخول في الإبزن فوق الاغتسال والإبزن بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي وفي آخره نون وهو الحوض وقال ابن قرقول مثل الحوض الصغير من فخار ونحوه وقيل هو حجر منقور كالحوض وقال أبو ذر كالقدر يسخن فيه الماء وهو فارسي معرب ولذلك لا يصرف وفي ( المحكم ) هو شيء يتخذ من الضفر للماء له جوف وفي كتاب ( لغة المنصوري ) لابن الحشا ومن خطه أبزن ضبطه بالكسر قال وهو مستنقع يكون أكثر ذلك في الحمام وقد يكون في غيره ويتخذ من صفر ومن خشب وقال صاحب ( التلويح ) الذي قرأته على جماعة من فضلاء الأطباء وعد جماعة أبزن بضم الهمزة قوله اتقحم فيه أي أدخل ومادته قاف وحاء مهملة وميم قوله وأنا صائم جملة حالية وهذا التعليق وصله قاسم بن ثابت في ( غريب الحديث ) له من طريق عيسى بن طهمان سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول إن لي إبزن إذا وجدت الحر تقحمت فيه وأنا صائم
ويذكر عن النبي أنه استاك وهو صائم مطابقته للترجمة من حيث إنه يحصل به تطهير الفم كما ورد في الحديث السواك مطهرة للفم كما يحصل الطهير للبدن بالاغتسال فمن هذه الحيثية تحصل المطابقة بين الترجمة وبين الحديث الذي ذكره بصيغة التمريض فإن قلت في استنان الصائم إزالة الخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك قلت إنما مدح النبي الخلوف نهيا للناس عن تعزز مكالمة الصائمين بسبب الخلوف لا نهيا للصوام عن السواك والله غني عن وصول الرائحة الطيبة إليه فعلمنا يقينا أنه لم يرد بالنهي استبقاء الرائحة وإنما أراد نهي الناس عن كراهتها وروى الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال رأيت النبي ما لا أحصي يتسوك وهو صائم ثم قال حديث عامر بن ربيعة حديث حسن وأخرجه أبو داود أيضا عن محمد بن الصباح عن شريك وعن مسدد عن يحيى عن سفيان كلاهما عن عاصم ولفظه رأيت رسول الله يستاك وهو صائم زاد في رواية ما لا أعد ولا أحصي قال صاحب ( الإمام ) ومداره على عاصم بن عبيد الله قال البخاري منكر الحديث وقال النووي في ( الخلاصة ) بعد أن حكى عن الترمذي أنه حسنه لكن مداره على عاصم بن عبيد الله وقد ضعفه الجمهور فلعله اعتضد انتهى وقال المزي وأحسن ما قيل فيه قول العجلي لا بأس به وقول ابن عدي هو مع ضعفه يكتب حديثه وقال البيهقي بعد تخريجه عاصم بن عبيد الله ليس بالقوي
ولما روى الترمذي حديث عامر بن ربيعة قال وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها قلت حديث عائشة رواه ابن ماجه والبيهقي من رواية أبي إسماعيل المؤدب واسمه إبراهيم بن سليمان عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت قال رسول الله من خير خصال الصائم السواك ومجالد بن سعيد ضعفه الجمهور ووثقه النسائي وروى له مسلم مقرونا بغيره
قلت وفي الباب أيضا عن أنس وحبان بن المنذر وخباب بن الأرت وأبي هريرة فحديث أنس رواه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي إسحاق الخوارزمي قاضي خوارزم قال سألت عاصما الأحول فقلت أيستاك الصائم فقال نعم فقلت برطب السواك ويابسة قال نعم قلت أول النهار وآخره قال نعم قلت عمن قال عن أنس بن مالك عن النبي قال الدارقطني أبو إسحاق الخوارزمي ضعيف يبلغ عن عاصم الأحول بالمناكير لا يحتج به انتهى

(11/13)


ورواه النسائي في كتاب ( الأسماء والكنى ) في ترجمة أبي إسحاق وقال اسمه إبراهيم بن عبد الرحمن منكر الحديث وحديث حبان بن المنذر رواه أبو بكر الخطيب نحو حديث خباب بن الأرت وحديث خباب بن الأرت رواه الطبراني والدارقطني والبيهقي من طريقه من رواية كيسان أبي عمر القصاب عن عمر بن عبد الرحمن عن خباب عن النبي إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانتا نورا بين عينيه يوم القيامة قال الدارقطني كيسان أبو عمر ليس بالقوي وقد ضعفه يحيى بن معين والساجي وحديث أبي هريرة رواه البيهقي من رواية عمر بن قيس عن عطاء عن أبي هريرة قال لك السواك إلى العصر فإذا صليت العصر فألقه فإني سمعت رسول الله يقول خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وعمر بن قيس هو الملقب بسند مكي متروك قاله أحمد والنسائي وغيرهما ولكن الحديث المرفوع منه صحيح أخرجه البخاري ومسلم من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
وأما استدلال أبي هريرة به على السواك فليس في الصحيح وأما حكم السواك للصائم فاختلف العلماء فيه على ستة أقوال الأول أنه لا بأس به للصائم مطلقا قبل الزوال وبعده ويروى عن علي وابن عمر أنه لا بأس بالسواك الرطب للصائم ورواه ذلك أيضا عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وابن علية ورويت الرخصة في السواك للصائم عن عمر وابن عباس وقال ابن علية السواك سنة للصائم والمفطر والرطب واليابس سواء الثاني كراهيته للصائم بعد الزوال واستحبابه قبله برطب أو يابس وهو قول الشافعي في أصح قوليه وأبي ثور وقد روي عن علي رضي الله تعالى عنه كراهة السواك بعد الزوال رواه الطبراني الثالث كراهته للصائم بعد العصر فقط ويروى عن أبي هريرة الرابع التفرقة بين صوم الفرض وصوم النفل فيكره في الفرض بعد الزوال ولا يكره في النفل لأنه أبعد عن الرياء حكاه المسعودي عن أحمد بن حنبل وحكاه صاحب المعتمد من الشافعية عن القاضي حسين الخامس أنه يكره السواك للصائم بالسواك الرطب دون غيره سواء أول النهار وآخره وهو قول مالك وأصحابه وممن روي عنه كراهة السواك الرطب للصائم الشعبي وزياد بن حدير وأبو ميسرة والحكم ابن عتيبة وقتادة السادس كراهته للصائم بعد الزوال مطلقا وكراهة الرطب للصائم مطلقا وهو قول أحمد وإسحاق بن راهويه
وقال ابن عمر يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وهذا التعليق روى معناه ابن أبي شيبة عن حفص عن عبيد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر بلفظ كان يستاك إذا أراد أن يروح إلى الظهر وهو صائم
وقال عطاء إن ازدرد ريقه لا أقول يفطر
أي قال عطاء بن أبي رباح في أثر ابن عمر المذكور إن ازدرد أي إن ابتلع ريقه بعد التسوك لا يفطر وأصل ازدرد ازترد لأنه من زرد إذا بلع فنقل إلى باب الافتعال فصار ازترد ثم قلبت التاء دالا فصار ازدرد
وقال ابن سيرين لا بأس بالسواك الرطب قيل له طعم قال والماء له طعم وأنت تمضمض به
ابن سيرين هو محمد بن سيرين وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن عبيد بن سهل الفداني عن عقبة بن أبي حمزة المازني قال أتى محمد بن سيرين رجل فقال ما ترى في السواك للصائم قال لا بأس به قال إنه جريدة وله طعم قال الماء له طعم وأنت تمضمض به فإن قلت لا طعم للماء لأنه تفه قلت قال الله تعالى ومن لم يطعمه فإنه منى ( البقرة 942 ) وقال صاحب ( المجمل ) الطعام يقع على كل ما يطعم حتى الماء
ولم يرع أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسا

(11/14)


بيان لطائف إسناده
أنس هو ابن مالك الصحابي والحسن هو البصري وإبراهيم هو النخعي ومسألة الكحل للصائم وقعت هنا استطرادا لاقصدا فلذلك لاتطلب فيها المطابقة للترجمة * أما التعليق عن أنس فرواه أبو داود في السنن من طريق عبيدالله بن أبي بكر بن أنس ( ( عن أنس أنه كان يكتحل وهو صائم ) ) قال الترمذي ليس إسناده بالقوي ولا يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الباب شيء وأبو عاتكة اسمه طريف بن سليمان وقيل سليمان وقيل سلمان بن طريف قال البخاري هو منكر الحديث وقال أبو حاتم الرازي ذاهب الحديث وقال النسائي ليس بثقة وروى ابن ماجه بسند صحيح لابأس به ( ( عن عائشة قالت اكتحل رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو صائم ) ) وفي كتاب الصيام لابن أبي عاصم بسند لابأس به من حديث نافع ( ( عن ابن عمر خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعيناه مملوءتان من الأثمد في رمضان وهو صائم ) ) ( فإن قلت ) يعارض هذا حديث رواه أبو داود عن عبدالرحمن بن النعمان بن معبد بن هودة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر بالأثمد المروح عند النوم وقال ليتقه الصائم ( قلت ) قال أبو داود قال لي يحيى بن معين هذا حديث منكر وقال الأثرم عن أحمد هذا حديث منكر فلا معارضة حينئذ وروى ابن عدي في الكامل والبيهقي من طريقه والطبراني في الكبير من رواية حبان بن علي عن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يكتحل بالأثمد وهو صائم ومحمد هذا قال فيه البخاري منكر الحديث وقال ابن معين ليس حديثه بشيء وروى الحارث بن أبي أسامة عن أبي زكريا يحيى بن إسحاق حدثنا سعيد بن زيد عن عمرو بن خالد عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب وعن حبيب بن أبي ثابت عن نافع ( ( عن ابن عمر قال انتظرنا النبي صلى الله عليه و سلم أن يخرج في رمضان إلينا فخرج من بيت أم سلمة وقد كحلته وملأت عينيه كحلا ) ) وليس هذان الحديثان صريحين في الكحل للصائم إنما ذكر فيهما رمضان فقط ولعله كان في رمضان في الليل والله أعلم وروى البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عباس قال اقل رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ( من اكتحل بالأثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا ) ) قال البيهقي إسناده ضعيف وفيه روى الضحاك عن ابن عباس والضحاك لم يلق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وروى ابن الجوزي في كتاب فضائل الشهور من حديث أبي هريرة في حديث طويل فيه صيام عاشوراء والاكتحال فيه قال ابن ناصر هذا حديث حسن عزيز رجاله ثقات وإسناده على شرط الصحيح ورواه ابن الجوزي في الموضوعات وقال شيخنا والحق ماقاله ابن الجوزي وأنه حديث موضوع وروى الطبراني في الأوسط من حديث بريرة ( 0قالت رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يكتحل بالأثمد وهو صائم ) ) وأما أثر الحسن فوصله عبدالرزاق بإسناد صحيح عنه قال ( ( لابأس بالكحل للصائم ) ) وأما أثر ابراهيم فاختلف عنه فروى سعيد بن منصور عن جرير عن القعقاع بن يزيد سألت إبراهيم أيكتحل الصائم قال نعم قلت أجد طعم الصبر في حلقي قال ليس بشيء ) ) وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم قال لابأس بالكحل للصائم مالم يجد طعمه وأما حكم المسألة فقد اختلفوا في الكحل للصائم فلم ير الشافعي به بأسا سواء وجد طعم الكحل في الحلق ام لا واختلف قول مالك فيه في الجواز والكراهة قال في المدونة يفطر ما وصل إلى الحلق من العين وقال أبو مصعب لايفطر وذهب الثوري وابن المبارك وأحمد وغسحاق إلى كراهة الكحل للصائم وحكى عن أحمد أنه إذا وجد طعمه في الحلق أفطر وعن عطاء والحسن البصري والنخعي والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي ثور يجوز بلا كراهة وأنه لايفطر به سواء وجد طعمه أم لا وحكى ابن المنذر عن سليمان التيمي ومنصور بن المعتمر وابن شبرمة وابن أبي ليلى أنهم قالوا يبطل صومه وقال ابن قتادة يجوز بالأثمد ويكره بالصبر وفي سنن ابي داود عن الأعمش قال ما رأيت أحدا من أصحابنا يكره الكحل للصائم *
38 - ( حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي بكر قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه و سلم يدركه الفجر
عمدة القري ج11 ص ا5
جنبا في رمضان من غير حلم فيغتسل ويصوم )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا الحديث قبل هذا الباب ببابين في باب الصائم يصبح جنبا وتقدمت المباحث فيه هناك وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعروة هو ابن الزبير بن العوام وأبو بكر هو ابن عبد الرحمن بن الحارث قوله من غير حلم بضم الحاء تقديره من جنابة من غير حلم فاكتفى بالصفة عن الموصوف لظهوره
39 - ( حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام بن المغيرة أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن قال كنت أنا وأبي فذهبت معه حتى دخلنا على عائشة رضي الله عنها قالت أشهد على رسول الله إن كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصومه ثم دخلنا على أم سلمة فقالت مثل ذلك )
هذا الحديث أيضا مضى في باب الصائم يصبح جنبا فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره مطولا وتقدم الكلام فيه هناك -
62 -
( باب الصائم إذا أكل أو شرب نا
أي هذا باب في بيان حكم الصائم إذا أكل أو شرب حال كونه ناسيا وإنما لم يذكر جواب إذا لمكان الخلاف فيه تقديره هل يجب عليه القضاء أم لا
وقال عطاء إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس به إن لم يملك
مطابقته للترجمة من حيث إن حكم دخول الماء في حلق الصائم بعد الاستنثار ولم يملك دفعه كحكم شرب الماء ناسيا في عدم وجوب القضاء وعطاء هو ابن أبي رباح وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن ابن جريج أن إنسانا قال لعطاء استنثرت فدخل الماء في حلقي قال لا بأس لم تملك وقال صاحب ( التلويح ) لا بأس إن لم تملك كذا في نسخة السماع وفي غيرها سقوط إن وفي نسخة إذ لم تملك قلت وقع في رواية أبي ذر والنسفي لا بأس لم يملك بإسقاط إن ومعنى قوله إن لم يملك يعني دفع الماء بأن غلبه فإن ملك دفع الماء فلم يدفع حتى دخل حلقه أفطر ويروى إن لم يملك دفعه وقوله لم يملك بدون إن استئناف كلام تعليلا لما تقدم عليه قال الكرماني فإن قلت لا بأس هو جزاء الشرط فلا بد من الفاء قلت هو مفسر للجزاء المحذوف والجملة الشرطية جزاء لقوله إن استنثر وعلى نسخة سقوط إن الفاء محذوفة كقوله
من يفعل الحسنات الله يشكرها
وقوله إن استنثر من الاستنثار وهو إخراج ما في الأنف بعد الاستنشاق وقيل هو نفس الاستنشاق
وقال الحسن إن دخل حلقه الذباب فلا شيء عليه
مطابقته للترجمة من حيث إن حكم دخول الذباب في حلق الصائم كحكم الأكل ناسيا في عدم وجوب القضاء وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة من طريق وكيع عن الربيع عنه قال لا يفطر الرجل بدخول حلقه الذباب وعن ابن عباس والشعبي إذا دخل الذباب لا يفطر وبه قالت الأئمة الأربعة وأبو ثور وقال ابن المنذر ولم يحفظ عن غيرهم خلافه وفي ( المحيط ) ولو دخل حلقه الذباب أو الدخان أو الغبار لم يفطره وكذا لو بقي بلل في فمه بعد المضمضة وابتلعه مع ريقه لعدم إمكان الاحتراز عنه بخلاف ما لو دخل المطر أو الثلج حلقه حيث يفطره وفي ( الكتاب ) في الأصح وفي ( المبسوط ) في الصحيح وفي ( الذخيرة ) قيل يفسد صومه في المطر ولا يفسد في الثلج وفي بعض المواضع على العكس وفي ( الجامع الأصغر ) يفسد فيهما وهو المختار

(11/16)


ولو خاض الماء فدخل أذنه لا يفطره بخلاف الدهن وإن كان بغير صنعه لوجود إصلاح بدنه ولو صب الماء في أذن نفسه فالصحيح أنه لا يفطره لعدم إصلاح البدن به لأن الماء يضر بالدماغ وفي ( الخزانة ) لو دخل حلقه من دموعه أو عرق جبينه قطرتان ونحوهما لا يضره والكثير الذي يجد ملوحته في حلقه يفسد صومه لا صلاته ولو نزل المخاط من أنفه في حلقه علي تعمد منه فلا شيء عليه ولو ابتلع بزاق غيره أفسد صومه ولا كفارة عليه كذا في ( المحيط ) وفي ( البدائع ) لو ابتلع ريق حبيبه أو صديقه قال الحلواني عليه الكفارة لأنه لا يعافه بل يلتذ به وقيل لا كفارة فيه ولو جمع ريقه في فيه ثم ابتلعه لم يفطره ويكره ذكره المرغيناني
وقال الحسن ومجاهد إن جامع ناسيا فلا شيء عليه
مطابقته للترجمة من حيث إن حكم الجماع ناسيا كحكم الأكل والشرب ناسيا في عدم وجوب شيء عليه وتعليق الحسن وصله عبد الرزاق عن الثوري عن رجل عن الحسن قال هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسيا وتعليق مجاهد وصله عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لو وطىء رجل امرأته وهو صائم ناسيا في رمضان لم يكن عليه فيه شيء وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وهو قول علي وأبي هريرة وابن عمر وعطاء وطاووس ومجاهد وعبيد الله بن الحسن والنخعي والحسن بن صالح وأبي ثور وابن أبي ذئب والأوزاعي والثوري وكذلك في الأكل والشرب ناسيا وقال ابن علية وربيعة والليث ومالك يفطر وعليه القضاء زاد أحمد والكفارة في الجماع ناسيا وهو أحد الوجهين للشافعية
40 - ( حدثنا عبدان قال أخبرنا يزيد بن زريع قال حدثنا هشام قال حدثنا ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد مروا غير مرة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي وهشام هو الدستوائي يروي على محمد بن سيرين والحديث أخرجه مسلم من رواية إسماعيل بن علية عن هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ولفظه من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وأخرجه أبو داود وقال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن أيوب وحبيب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إني أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم قال الله أطعمك وسقاك وأخرجه الترمذي وقال حدثنا أبو سعيد حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله وأخرجه النسائي من رواية عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة إذا أكل الصائم أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه ورواه ابن ماجه من رواية عوف عن خلاس ومحمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر ناسيا وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وروى ابن حبان أيضا من رواية محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة وفي رواية الدارقطني من طريق ابن علية عن هشام فإنما هو رزق ساقه الله إليه وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث أبي هريرة وفي الباب عن أبي سعيد وأم إسحق فحديث أبي سعيد رواه الدارقطني من رواية الفزاري عن عطية عن أبي سعيد قال قال النبي من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه إن الله أطعمه وسقاه قال الدارقطني الفزاري هذا هو محمد بن عبيد الله العزرمي ( قلت ) هو ضعيف وحديث أم إسحق رواه أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا بشار بن عبد الملك قال حدثتني أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحق

(11/17)


أنها كانت عند رسول الله فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه ومعه ذو اليدين فناولها رسول الله عرقا فقال ذو اليدين يا أم إسحق أصيبي من هذا فذكرت أني كنت صائمة فبردت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها فقال النبي ما لك قالت كنت صائمة فنسيت فقال ذو اليدين الآن بعدما شبعت فقال النبي أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك وبشار بن عبد الملك المزني ضعفه يحيى بن معين وأم حكيم اسمها خولة قوله إذا نسي أي الصائم قوله فأكل وشرب ويروى أو شرب قوله فليتم صومه وفي رواية الترمذي فلا يفطر قال شيخنا يجوز أن يكون لا في جواب الشرط للنهي ويفطر مجزوما ويجوز أن تكون لا نافية ويفطر مرفوعا وهو أولى فإنه لم يرد به النهي عن الإفطار وإنما المراد أنه لم يحصل إفطار الناسي بالأكل ويكون تقديره من أكل أو شرب ناسيا لم يفطر قوله فإنما تعليل لكون الناسي لا يفطر ووجه ذلك أن الرزق لما كان من الله ليس فيه للعبد تحيل فلا ينسب إليه شبه الأكل ناسيا به لأنه لا صنع للعبد فيه وإلا فالأكل متعمدا حيث جاز له الفطر رزق من الله تعالى بإجماع العلماء وكذلك هو رزق وإن لم يجز له الفطر على مذهب أهل السنة وقد يستدل بمفهوم هذا الحديث من يقول بأن الحرام لا يسمى رزقا وهو مذهب المعتزلة والمسألة مقررة في الأصول ( فإن قلت ) كيف وجه الاستدلال بهذا الحديث على أن الأكل والشرب ناسيا لا يوجب شيئا ولا ينقض صومه ( قلت ) قوله فليتم أمر بالإتمام وسمى الذي يتمه صوما والحمل على الحقيقة الشرعية هو الوجه ثم لا فرق عندنا وعند الشافعي بين القليل والكثير وقال الرافعي فيه وجهان كالوجهين في بطلان الصلاة بالكلام الكثير وحمل بعض الشافعية الحديث على صوم التطوع حكاه ابن التين عن ابن شعبان وكذا قال ابن القصار لأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان فيحمل على التطوع وقال المهلب وغيره لم لم يذكر في الحديث إثبات القضاء فيحمل على سقوط الكفارة عنه وإثبات عذره ورفع الإثم عنه وبقاء نيته التي بيتها والجواب عن ذلك كله بما رواه ابن حبان من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة المذكور آنفا فإن فيه تعيين رمضان ونفي القضاء والكفارة ( فإن قلت ) قال الدارقطني تفرد به محمد بن مرزوق عن محمد بن عبد الله الأنصاري ( قلت ) أخرجه ابن خزيمة أيضا عن إبراهيم بن محمد الباهلي وأخرجه الحاكم من طريق أبي حازم الرازي كلاهما عن الأنصاري -
72 -
( باب السواك الرطب واليابس للصائم )
أي هذا باب في بيان حكم استعمال السواك الرطب وبيان حكم استعمال السواك اليابس قوله الرطب واليابس صفتان للسواك وهكذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين وقع باب سواك الرطب واليابس من قبيل قولهم مسجد الجامع والأصل فيه أن الصفة لا يضاف إليها موصوفها فإن وجد ذلك يقدر موصوف كما في هذه الصورة والتقدير مسجد المكان الجامع وكذلك قولهم صلاة الأولى أي صلاة الساعة الأولى وكذلك التقدير في سواك الرطب سواك الشجر الرطب قلت مذهب الكوفيين في هذا أن الصفة يذهب بها مذهب الجنس ثم يضاف الموصوف إليها كما يضاف بعض الجنس إليه نحو خاتم حديد فعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير محذوف وقال بعضهم وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب كالمالكية والشعبي قلت لم يكن مراده أصلا من وضع هذه الترجمة ما قاله هذا القائل وإنما لما أورد في هذا الباب الأحاديث التي ذكرها فيه التي دلت بعمومها على جواز الاستياك للصائم مطلقا سواء كان سواكا رطبا أو سواكا يابسا ترجم لذلك بقوله باب السواك الرطب إلى آخره
ويذكر عن عامر بن ربيعة قال رأيت النبي يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد
مطابقته للترجمة من حديث دلالة عموم قوله يستاك على جواز الاستياك مطلقا سواء كان الاستياك بالسواك الرطب أو اليابس وسواء كان صائما فرضا أو تطوعا وسواء كان في أول النهار أو في آخره وقد ذكر البخاري في باب اغتسال الصائم ويذكر عن النبي أنه استاك وهو صائم وذكر هنا ويذكر عن عامر بن ربيعة إلى آخره وذكرنا

(11/18)


هناك أن حديث عامر بن ربيعة هذا أخرجه أبو داود والترمذي موصولا وإنما ذكر في الموضعين بصيغة التمريض لأن في سنده عاصم بن عبيد الله قال البخاري منكر الحديث وقد استوفينا الكلام فيه هناك فليرجع إليه من يريد الوقوف عليه
وقال أبو هريرة عن النبي لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء
مطابقته للترجمة من حيث إن قوله بالسواك أعم من السواك الرطب والسواك اليابس ومضمون الحديث يقتضي إباحته في كل وقت وفي كل حال ووصل هذا التعليق النسائي عن سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وفي ( الموطأ ) عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء قال أبو عمر هذا يدخل في المسند عندهم لاتصاله من غير ما وجه وبهذا اللفظ رواه أكثر الرواة عن مالك ورواه بشر بن عمر وروح بن عبادة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة أن رسول الله قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء وأخرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) من حديث روح ورواه الدارقطني في ( غرائب مالك ) من حديث إسماعيل بن أبي أويس وعبد الرحمن بن مهدي ومطرف بن عبد الرحمن وابن عتمة بما يقتضي أن لفظهم مع كل وضوء ورواه الحاكم في ( مستدركه مصححا بلفظ لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء ورواه المثنى عنه مع كل طهارة ورواه أبو معشر عنه لولا أن أشق على الناس لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع الوضوء بسواك والله أعلم
ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي
أي يروى نحو حديث أبي هريرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعن زيد بن خالد الجهني أبو عبد الرحمن من مشاهير الصحابة وهذان التعليقان رواهما أبو نعيم الحافظ فالأول من حديث إسحاق بن محمد الفروي عن عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الله بن عقيل عنه بلفظ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة والثاني من حديث ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة عن زيد ولفظه لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة وإنما ذكره بصيغة التمريض لأجل محمد بن إسحاق فإنه لم يحتج به ولكن ذكره في ( المتابعات ) وأما الأول فضعفه ظاهر بابن عقيل الفروي فإنه مختلف فيه وروى ابن عدي حديث جابر من وجه آخر بلفظ لجعلت السواك عليهم عزيمة وإسناده ضعيف فإن قلت هل فرق بين قوله نحوه وبين قوله مثله قلت إذا كان الحديثان على لفظ واحد يقال مثله وإذا كان الثاني على مثل معاني الأول يقال نحوه
واختلف أهل الحديث فيما إذا روى الراوي حديثا بسنده ثم ذكر سندا آخر ولم يسق لفظ متنه وإنما قال بعده مثله أو نحوه فهل يسوغ للراوي عنه أن يروي لفظ الحديث المذكور أولا لإسناد الثاني أم لا على ثلاثة مذاهب أظهرها أنه لا يجوز مطلقا وهو قول شعبة ورجحه ابن الصلاح وابن دقيق العيد والثاني أنه إن عرف الراوي بالتحفظ والتمييز للألفاظ جاز وإلا فلا وهو قول الثوري وابن معين والثالث وهو اختيار الحاكم التفرقة بين قوله مثله وبين قوله نحوه فإن قال مثله جاز بالشرط المذكور وإن قال نحوه لم يجز وهو قول يحيى بن معين وقال الخطيب هذا الذي قاله ابن معين بناء على منع الرواية بالمعنى فأما على جوازها فلا فرق
ولم يخص الصائم من غيره
هذا من كلام البخاري أي لم يخص النبي فيما رواه عنه من الصحابة أبو هريرة وجابر وزيد بن خالد المذكور الآن الصائم من غير الصائم ولا السواك اليابس من غيره فيدخل في عموم الإباحة كل جنس من السواك رطبا إو يابسا ولو افترق الحكم فيه بين الرطب واليابس في ذلك لبينه لأن الله عز و جل فرض عليه البيان لأمته

(11/19)


وقالت عائشة عن النبي السواك مطهرة للفم مرضاة للرب
وقع هذا في بعض النسخ مقدما فوق حديث أبي هريرة وليس هذا وحده بل وقع في غير رواية أبي ذر في سياق الآثار والأحاديث في هذا الباب تقديم وتأخير وليس يبني عليه عظيم أمر وأما التعليق عن عائشة فوصله أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه عنها
قوله مطهرة بفتح الميم إما مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل من التطهير وإما بمعنى الآلة وفي ( الصحاح ) المطهرة والمطهرة يعني بفتح الميم وكسرهما الإداوة والفتح أعلى والجمع المطاهر ويقال السواك مطهرة للفم قوله مرضاة للرب المرضاة بالفتح مصدر ميمي بمعنى الرضى ويجوز أن يكون بمعنى المفعول أي مرضى الرب وقال الطيبي يمكن أن يقال إنها مثل الولد المبخلة مجينة أي السواك مظنة للطهارة والرضى أي يحمل السواك الرجل على الطهارة ورضى الرب وعطف مرضاة يحتمل الترتيب بأن تكون الطهارة به علة للرضى وأن يكونا مستقلين في العلية قلت يؤخذ الجواب من هذا السؤال من يسأل كيف يكون السواك سببا لرضى الله تعالى ويمكن أن يقال أيضا من حيث إن الإتيان بالمندوب موجب للثواب ومن جهة أنه مقدمة للصلاة وهي مناجاة الرب ولا شك أن طيب الرائحة يقتضي رضى صاحب المناجاة
وقال عطاء وقتادة يبتلع ريقه
أي قال عطاء بن أبي رباح وقتادة بن دعامة يبتلع الصائم ريقه يعني ليس عليه شيء إذا بلع ريقه وقد ذكرنا عن قريب عن أصحابنا أن الصائم إذا جمع ريقه في فمه ثم ابتلعه لم يفطر ولكنه يكره قوله يبتلع من باب الافتعال كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي يبلع من البلع وفي رواية الحموي يتبلع من باب التفعل الذي يدل على التكلف وتعليق عطاء وصله سعيد بن منصور عن ابن المارك عن ابن جريج قلت لعطاء الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم قال لا يضره وما بقي في فيه وكذلك أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج ووقع في أصل البخاري وما بقي فيه وقال ابن بطال ظاهرة إباحة الازدراد لما بقي في الفم من ماء المضمضة وليس كذلك لأن عبد الرزاق رواه بلفظ وماذا بقي في فيه فكأن ذا سقطت من رواة البخاري وأثر قتادة وصله عبد بن حميد في التفسير عن عبد الرزاق عن معمر عنه نحو ما روى عن عطاء
41 - ( حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا معمر قال حدثني الزهري عن عطاء بن يزيد عن حمران قال رأيت عثمان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثا ثم تمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم غسل يده اليسرى إلى المرفق ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ثم اليسرى ثلاثا ثم قال رأيت رسول الله توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال من توضأ نحو وضوئي هذا ثم يصلي ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء إلا غفر له ما تقدم من ذنبه )
قد مر هذا الحديث في كتاب الوضوء في باب الوضوء ثلاثا ثلاثا فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب إلى آخره وأخرجه هنا عن عبدان وهو عبد الله بن عثمان المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن معمر بن راشد الأزدي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري إلى آخره ومناسبة ذكره هذا الحديث في هذا الباب في قوله توضأ فإن معناه توضأ وضوءا كاملا جامعا للسنن ومن جملته السواك وقال ابن بطال حديث عثمان حجة واضحة في إباحة كل جنس من السواك رطبا كان أو يابسا وهو انتزاع ابن سيرين منه حين قال لا بأس بالسواك الرطب

(11/20)


فقيل له طعم فقال والماء له طعم وهذا لا انفكاك منه لأن الماء أرق من ريق السواك وقد أباح الله تعالى المضمضة بالماء في الوضوء للصائم قوله بشيء أي بما لا يتعلق بالصلاة قوله إلا غفر له ويروى بدون كلمة الاستثناء ووجه الاستثناء هو الاستفهام الإنكاري المفيد للنفي ويحتمل أن يقال المراد لا يحدث نفسه بشيء من الأشياء في شأن الركعتين إلا بأنه قد غفر له وبقية الكلام مرت هناك -
82 -
( باب قول النبي إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء )
أي هذا باب فيما جاء من قول النبي إذا توضأ إلى آخره وهذه القطعة من حديث لم يوصلها البخاري وأوصلها مسلم وقال حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق عن همام قال حدثنا معمر عن قتادة عن همام بن منبه قال حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله فذكر أحاديث منها وقال رسول الله إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم ليستنثر وفي لفظ له من رواية الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي قال إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا وإذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر قوله إذا توضأ أي أحدكم كما في رواية مسلم قوله بمنخره المنخر ثقب الأنف وقد تكسر الميم اتباعا للخاء
ولم يميز بين الصائم وغيره
هذا من كلام البخاري أي لم يميز النبي في الحديث المذكور بين الصائم وغيره بل ذكره على العموم ولو كان بينهما فرق لميزه النبي لكن جاء تمييز الصائم من غيره في المبالغة في ذلك كما ورد في حديث عاصم بن لقيط بن صبره عن أبيه أن النبي قال له بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما رواه أصحاب ( السنن ) وصححه ابن خزيمة وغيره
وقال الحسن لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل إلى حلقه ويكتحل
هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن هشام عنه نحوه والسعود بفتح السين وقد يروى بضمها هو الدواء الذي يصب في الأنف قوله إن لم يصل أي السعوط إلى حلقه وقيد به لأنه إذا وصل إلى حلقه يضر صومه ويقضي يوما قوله ويكتحل من كلام الحسن أي يكتحل الصائم يعني يجوز للصائم الاكتحال وقد مر الكلام فيه عن قريب مستقصى
وقال عطاء إن تمضمض ثم أفرغ ما فيه من الماء لا يضيره إن لم يزدرد ريقه وماذا بقي في فيه
هذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن ابن المبارك عن ابن جريج عنه وقد مضى الكلام فيه عن قريب عند قوله وقال عطاء قتادة يبتلع ريقه قوله لا يضيره من ضاره يضيره ضيرا بمعنى ضره وهو رواية المستملي وفي رواية غيره لا يضره من ضره بالتشديد قوله إن لم يزدرد أي لم يبلع ريقه قوله وماذا بقي في فيه أي في فمه وهذه الجملة وقعت حالا وقد ذكرنا أن في رواية البخاري وما بقي في فيه فكلمة ما على رواية البخاري موصولة وعلى رواية ماذا بقي في فيه استفهامية كأنه قال وأي شيء يبقى في فيه بعد أن يمج الماء إلا أثر الماء فإذا بلع ريقه لا يضره وفي نسخة صاحب ( التلويح ) بخطه لا يضيره لأنه لم يزدرد ريقه أي يبلع ريقه
ولا يمضغ العلك فان ازدرد ريق العلك لا أقول إنه يفطر ولاكن ينهى عنه فإن استنثر فدخل الماء حلقه لا بأس لأنه لم يملك
لا يمضغ العلك بكلمة لا رواية الأكثرين وفي رواية المستملي ويمضغ العلك بدون كلمة لا والأول أولى وكذلك أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء يمضغ الصائم العلك قال لا قلت إنه يمج ريق العلك ولا يزدرده ولا يمصه قال نعم وقلت له أيتسوك الصائم قال نعم قلت أيزدرد ريقه قال لا قلت ففعل أيضره قال لا ولكن ينهى عن ذلك والعلك بكسر

(11/21)


العين المهملة وسكون اللام هو الذي يمضغ مثل المصطكى وقال الشافعي يكره لأنه يجفف الفم ويعطش ون وصل منه شيء إلى الجوف بطل الصوم وكرهه أيضا إبراهيم والشعبي وفي رواية جابر عنه لا بأس به للصائم ما لم يبلع ريقه وروى ابن أبي شيبة عن أبي خالد عن ابن جريج عن عطاء إنه سئل عن مضغ العلك فكرهه وقال هو مؤداه وقال ابن المنذر رخص مضغ العلك أكثر العلماء إن كان لا يتحلب منه شيء فإن تحلب فازدرده فالجمهور على أنه يفطر قوله فان استنثر أصله من نثر ينثر بالكسر إذا امتخط واستنثر استفعل منه أي استنشق الماء ثم استخرج ما في أنفقه فينثره وقيل الاستنثار تحريك النثرة وهي طرف الأنف قوله لم يملك أي لم يملك منع دخول الماء في حلقه
92 -
( باب إذا جامع في رمضان )
أي هذا باب يذكر فيه إذا جامع الصائم في نهار رمضان عامدا وجبت عليه الكفارة وجواب إذا محذوف كما قدرناه
ويذكر عن أبي هريرة رفعه من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه
أشار بقوله يذكر على صيغة المجهول التي هي صيغة التمريض إلى أن حديث أبي هريرة هذا ليس على شرطه ونبينه الآن قوله رفعه أي رفع أبو هريرة حديث من أفطر يوما ومراده أنه ليس بموقوف عليه بل هو مرفوع إلى رسول الله فإن قلت كيف يرجع الضمير المنصوب في رفعه إلى شيء متأخر عنه قلت رفعه جملة حالية متأخرة رتبة عن مفعول ما لم يسم فاعله لقوله يذكر وهو قوله من أفطر قال الكرماني وفي بعض الرواية رفعه بلفظ الإسم مرفوعا بأنه مفعول يذكر وحينئذ يكون الحديث يعني قوله من أفطر يوما بدلا عن الضمير يعني الضمير الذي أضيف إليه لفظ الرفع كما في قوله ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء رسول الله فإن السمع بدل عن الضمير جوز النحاة مثله قوله وإن صامه أي وإن صام الدهر وهو معطوف على مقدر تقديره إن لم يصمه وإن صامه
ثم هذا التعليق رواه أصحاب السنن الأربعة فقال أبو داود حدثنا سليمان بن حرب حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن ابن مطوس عن أبيه قال ابن كثير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما في رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر وقال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثنا حبيب عن عمارة عن ابن المطوس قال فلقيت ابن المطوس فحدثني عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله فذكر مثل حديث ابن كثير وسليمان قال أبو داود اختلف على سفيان وشعبة عنهما ابن المطوس وأبو المطوس وقال الترمذي حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت حدثنا أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صوم الدهر كله وإن صامه وقال النسائي أخبرنا عمرو بن منصور قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي المطوس عن أبي هريرة عن النبي قال من أفطر يوما من رمضان من غير مرض ولا رخصة لم يقضه صيام الدهر كله وإن صامه وقال أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان ثم ذكر كلمة معناها عن حبيب قال حدثنا أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه ثم رواه النسائي من طرق كثيرة وقال ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن المطوس عن أبيه المطوس عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر

(11/22)


ذكر بيان حال هذا الحديث قال أبو داود اختلف على سفيان وشعبة بن المطوس وأبو المطوس قال الترمذي حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال شيخنا يريد الحديث المرفوع ومع هذا فقد روي مرفوعا من غير طريق أبي المطوس رواه الدارقطني قال حدثنا الحسن بن أحمد بن سعيد الرهاوي حدثنا العباس بن عبيد الله حدثنا عمار بن مطر حدثنا قيس عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله ابن مالك عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان من غير مرض ولا رخصة لم يقض عنه صيام وإن صام الدهر كله قلت عمار بن مطر هالك قال أبو حاتم كان يكذب وقال ابن عدي أحاديثه بواطيل وقال الدارقطني ضعيف وقد روي موقوفا على أبي هريرة من غير طريق أبي المطوس ورواه النسائي عن زكريا بن يحيى عن عمرو بن محمد بن الحسن عن أبيه عن شريك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال من أفطر يوما من رمضان لم يقضه يوم من أيام الدنيا ورواه أيضا عن هلال ابن العلاء عن أبيه عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن حبيب بن أبي ثابت عن علي بن حسين عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأتى أبا هريرة فقال لا يقبل منك صوم سنة وقال الترمذي سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس لا أعرف له غير هذا الحديث وقال البخاري في ( التاريخ ) تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا قلت أبو المطوس بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الواو المفتوحة وآخره سين مهملة من أفراد الكنى وكذلك أبوه المطوس من أفراد الأسماء وقد اختلف في اسم أبي المطوس فقال البخاري وأبو حاتم الرازي وابن حبان اسمه يزيد وقال يحيى بن معين اسمه عبد الله وأبو داود قال لا يسمى وقد اختلف فيه فقال ابن معين ثقة وقال ابن حبان يروي عن أبيه ما لا يتابع عليه لا يجوز الاحتجاج بأفراده وقال صاحب ( الميزان ) ضعيف قال ولا يعرف هو ولا أبوه قلت ومع هذا صحح ابن خزيمة هذا الحديث ورواه من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة الحديث وقال مهنا سألت أحمد عن هذا الحديث فقال يقولون عن ابن المطوس وعن أبي المطوس وبعضهم يقول عن حبيب عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس قال لا أعرف المطوس ولا ابن المطوس قلت أتعرف الحديث من غير هذا الوجه قال لا وكذا قاله أبو علي الطوسي وقال ابن عبد البر يحمل أن يكون لو صح على التغليظ وهو حديث ضعيف لا يحتج به
ذكر ما روي عن غير أبي هريرة في هذا الباب فروي عن ابن عمر قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان متعمدا في غير سبيل خرج من الحسنات كيوم ولدته أمه وأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) وفي سنده محمد بن الحارث قال ابن معين ليس هو بشيء وقال مرة ليس بثقة وعن الفلاس إنه متروك الحديث وفيه محمد بن عبد الرحمن ابن البيلماني قال ابن معين ليس بشيء وروي عن مصاد بن عقبة عن مقاتل بن حبان عن عمرو بن مرة عن عبد الوارث الأنصاري قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله من أفطر يوما من شهر رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يوما ومن أفطر يومين كان عليه أن يصوم ستين يوما ومن أفطر ثلاثة أيام كان عليه تسعين يوما أخرجه الدارقطني وقال لا يثبت هذا الإسناد ولا يصح عن عمرو بن مرة وأعله ابن القطان بعبد الوارث وعن ابن معين إنه مجهول وروي عن جابر رضي الله تعالى عنه أخرجه الدارقطني من رواية الحارث بن عبيدة الكلاعي عن مقاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن النبي قال من أفطر يوما من شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعا قال الدارقطني الحارث بن عبيدة ومقاتل ضعيفان
قوله من غير عذر ولا مرض من ذكر الخاص بعد العام لأن المرض داخل في العذر وفي رواية الترمذي من غير رخصة ولا مرض وهو أيضا من هذا القبيل لأن المرض داخل في الرخصة ثم إنه أطلق الإفطار فلا يخلو إما

(11/23)


أن يكون بجماع أو غيره ناسيا أو عامدا ولكن المراد منه الإفطار في الأكل أو الشرب عامدا وإما ناسيا فقد ذكره فيما مضى وأما بالجماع فسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى
وبه قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
أي وبما روي عن أبي هريرة قال ابن مسعود موقوفا عليه وقد وصله البيهقي راويا من طريقين أحدهما من رواية المغيرة بن عبد الله اليشكري قال حدثت أن عبد الله بن مسعود قال من أفطر يوما من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله عز و جل فإن شاء غفر له وإن شاء عذبه والمغيرة هذا من ثقات التابعين أخرج له مسلم وذكره ابن حبان في الثقات ولكنه منقطع فإنه قال حدثت عنه والطريق الثاني من رواية أبي أسامة عن عبد الملك قال حدثنا أبو المغيرة الثقفي عن عرفجة قال قال عبد الله بن مسعود من أفطر يوما من رمضان متعمدا من غير علة ثم قضى طول الدهر لم يقبل منه قال البيهقي عبد الملك هذا أظنه ابن حسين النخعي ليس بالقوي فإن قلت كيف قال وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة رفعه وابن مسعود وقفه فكيف يكون ابن مسعود قائلا بما قال أبو هريرة قلت لم يثبت رفعه عند البخاري فلذلك ذكره بصيغة التمريض وروى عن أبي هريرة بطرق موقوفا وقيل فيه ثلاث علل الإضطراب لأنه اختلف على حبيب بن أبي ثابت اختلافا كثير والجهالة بحال أبي المطوس والشك في سماع أبيه من أبي هريرة وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء
وقال سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم وقتادة وحماد يقضي يوما مكانه
أي قال هؤلاء فيمن أفطر في نهار رمضان عامدا أن عليه القضاء فقط بغير كفارة وقال ابن بطال نظرت أقوال التابعين الذين ذكرهم البخاري في هذا الباب في المصنفات فلم أر قولهم بسقوط الكفارة إلا في الفطر بالأكل لا المجامعة فيحتمل أن يكون عندهم الأكل والجماع سواء في سقوط الكفارة إذ كل ما أفسد الصيام من أكل أو شرب أو جماع فاسم الفطر يقع عليه وفاعله مفطر بذلك من صيامه وقد قال يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي فدخل أعظم الشهوات وهي شهوة الجماع في ذلك انتهى قلت حكي عن الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير والزهري وابن سيرين أنه لا كفارة على الواطىء في نهار رمضان واعتبروه بقضائه قال الزهري هو خاص بذلك الرجل يعني في رواية أبي هريرة جاء رجل إلى النبي فقال هلكت الحديث على ما يأتي وقال الخطابي لم يحضر عليه برهان وقال قوم هو منسوخ ولم يقم دليل نسخه وعند الجمهور يجب عليه القضاء والكفارة لحديث أبي هريرة على ما نبينه إن شاء الله تعالى والذين ذكرهم البخاري ستة من التابعين الأول سعيد بن المسيب فوصل أثره مسدد وغيره في قصة المجامع قال يقضي يوما مكانه ويستغفر الله تعالى الثاني عامر بن شراحيل الشعبي فوصل أثره ابن أبي شيبة حدثنا شريك عن مغيرة عن إبراهيم وعن أبي خالد عن الشعبي قالا يقضي يوما مكانه الثالث سعيد بن جبير فوصل أثره ابن أبي شيبة أيضا حدثنا عبدة عن سعيد عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير في رجل أفطر يوما متعمدا قال يستغفر الله من ذلك ويتوب ويقضي يوما مكانه الرابع إبراهيم النخعي فوصل أثره ابن أبي شيبة وقد مر الآن مع الشعبي الخامس قتادة فوصل أثر عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قصة المجامع في رمضان السادس حماد بن أبي سليمان أحد من أخذ عنه الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه فوصله عبد الرزاق عن أبي حنيفة عنه
5391 - حدثنا ( عبد الله بن منير ) قال سمع ( يزيد بن هرون ) قال حدثنا ( يحيى ) هو ( ابن سعيد ) أن عبد الرحمان بن القاسم أخبره عن محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام بن خويلد عن عباد ابن عبد الله بن الزبير قال أخبره أنه سمع عائشة رضي الله تعالى عنها تقول إن رجلا أتى النبي صلى الله

(11/24)


عليه وسلم فقال إنه احترق قال مالك قال أصبت أهلي في رمضان فأتي النبي بمكتل يدعى العرق فقال أين المحترق قال أنا قال تصدق بهذا ( الحديث 5391 - طرفه في 2286 )
مطابقته للترجمة في قوله أصبت أهلي في رمضان أراد أنه جامع في نهار رمضان
ذكر رجاله وهم سبعة الأول عبد الله بن منير بضم الميم وكسر النون الزاهد أبو عبد الرحمن الثاني يزيد من الزيادة ابن هارون أبو خالد الثالث يحيى بن سعيد الأنصاري الرابع ( عبد الرحمن بن القاسم ) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه الخامس محمد بن جعفر السادس عباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ابن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه السابع أم المؤمنين ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الأخبار بصيغة الإفراد في موضعين وفيه السماع في موضعين وفيه أن شيخه مروزي وأنه من أفراده وأن يزيد بن هارون واسطي والبقية مدنيون وفيه أربعة من التابعين في نسق واحد ويحيى وعبد الرحمن تابعيان صغيران من طبقة واحدة وفوقهما قليلا محمد بن جعفر وأما ابن عمه عباد فمن أوساط التابعين
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المحاربين وأخرجه مسلم في الصوم عن محمد بن رمح وعن محمد بن المثنى وعن أبي الطاهر وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان بن داود وعن محمد بن عوف وأخرجه النسائي فيه عن الحارث بن مسكين وعن عيسى بن حماد وعن إسحاق بن إبراهيم وعن يحيى بن حبيب
ذكر معناه قوله إن رجلا زعم ابن بشكوال أن هذا الرجل هو سلمة صخر البياضي فيما ذكره ابن أبي شيبة في ( مسنده ) وعند ابن الجارود سلمان بن صخر وفي ( جامع الترمذي ) سلمة بن صخر قال حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا هارون بن إسماعيل حدثنا علي بن المبارك حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة أن سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضي رمضان فلما مضى نصف رمضان وقع عليها ليلا فأتى رسول الله فذكر له ذلك فقال أعتق رقبة قال لا أجدها قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكينا قال لا فقال رسول الله لفروة بن عمرو أعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر أو ستة عشر صاعا وقال صاحب ( التلويح ) فهذا غير ما ذكره ابن بشكوال فينظر والله أعلم قلت لا شك أنه غير لأن ابن بشكوال استند إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق سلمان بن يسار عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته في رمضان وأنه وطأها فقال النبي حرر رقبة قلت لا أملك رقبة غيرها وضرب صفحة رقبته قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال فأطعم ستين مسكينا قال والذي بعثك بالحق ما لنا طعام قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك انتهى والظاهر أنهما واقعتان فإن في قصة المجامع في حديث الباب أنه كان صائما وفي قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلا كما في رواية الترمذي المذكورة آنفا فافترقا واجتماعهما في كونهما من بني بياضة وفي صفة الكفارة وكونها مرتبة وفي كون كل منهما كان لا يقدر على شيء من خصالها لا يستلزم اتحاد القصتين والله أعلم قوله إنه احترق وفي رواية أبي هريرة أنه عبر بقوله هلكت ورواية الاحتراق تفسر رواية الهلاك وكأنه لما اعتقد أن مرتكب الإثم يعذب بالنار أطلق على نفسه أنه احترق لذلك أو مراده أنه يحترق بالنار يوم القيامة فجعل المتوقع كالواقع واستعمل بدله لفظ الماضي أو شبه ما وقع فيه من الجماع في الصوم بالاحتراق وفي رواية البيهقي جاءه رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد وأهلكت وفي رواية وهو يدعو بالويل وفي رواية يلطم وجهه وفي رواية الحجاج بن أرطأة يدعو ويله وفي مرسل سعيد بن المسيب عند الدارقطني ويحثي على رأسه التراب قوله قال مالك أي قال رسول الله ما شأنك وما جرى عليك قوله أصبت أهلي في رمضان كناية عن وطئها وفي رواية الطحاوي وقعت على امرأتي في رمضان قوله فأتي النبي بضم الهمزة وكسر التاء على صيغة المجهول قوله بمكتل بكسر الميم الزنبيل الكبير قيل إنه يسع خمسة عشر صاعا كان فيه كتلا من التمر أي قطعا مجتمعة ويجمع على مكاتل وقال القاضي المكتل

(11/25)


والقفة والزبيل سواء وسمي الزبيل لحمل الزبل فيه قاله ابن دريد والزبيل بكسر الزاي ويقال بفتحها وكلاهما لغتان وفي ( المحكم ) الزبيل الجراب وقيل الوعاء يحمل فيه والزبيل القفة والجمع زبل وزبلان وفي ( الصحاح ) الزبيل معروف فإذا كسرته شددته فقلت زبيل لأنه ليس في كلام العرب فعليل بالفتح وجاء فيه لغة أخرى وهي زنبيل بكسر الزاي وسكون النون قال بعضهم وقد تدغم النون فتشدد الياء مع بقاء وزنه وجمعه على اللغات الثلاث زنابيل قلت ليس جمعه على اللغتين الأوليين إلا ما نقلنا عن ( المحكم ) وأما زنابيل فليس إلا جمع المشدد فقط قوله يدعى العرق ذكر أبو عمر أنه بفتح الراء وهو الصواب عند أهل اللغة قال و أكثرهم يروونه بسكون الراء وفي ( شرح الموطأ ) لابن حبيب رواه مطرف عن مالك بتحريك الراء وقال ابن التين في رواية أبي الحسن بسكون الراء ورواية أبي ذر بفتحها وأنكر بعض العلماء إسكان الراء وفي كتاب ( العين ) العرق مثال شجر والعرقات كل مضفور أو مصطف والعرق أيضا السقيفة من الخوص قبل أن يجعل منها زنبيلا وسمي الزنبيل عرقا لذلك ويقال العرقة أيضا وعن أبي عمر والعرق أكبر من المكتل والمكتل أكبر من القفة والعرقة زنبيل من قد بلغه كلب ذكره في ( الموعب ) وفي ( المحكم ) العرق واحدته عرقة قال أحمد بن عمران العرق المكتل العظيم قوله أين المحترق يدل على أنه كان عامدا لأنه اثبت له حكم العمد وأثبت له هذا الوصف إشارة إلى أنه لو أصر غير ذلك لاستحق ذلك قوله تصدق بهذا مطلق والمراد تصدق على ستين مسكينا هكذا رواه مختصرا ورواه مسلم وقال حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر قال أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي فقال احترقت قال رسول الله لم قال وطئت امرأتي في رمضان نهارا قال تصدق قال ما عندي شيء فأمره أن يجلس فجاءه عرقان فيهما طعام فأمره أن يتصدق بهما وفي رواية أخرى أتى رجل إلى رسول الله في المسجد في رمضان فقال يا رسول الله احترقت احترقت فسأله رسول الله ما شأنك فقال أصبت أهلي فقال تصدق فقال والله يا نبي الله ما لي شيء وما أقدر عليه قال إجلس فجلس فبينما هو كذلك أقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام فقال رسول الله أين المحترق آنفا فقام الرجل فقال رسول الله تصدق بهذا فقال يا رسول الله أغيرنا فوالله إنا لجياع ما لنا شيء قال كلوه وأخرجه أبو داود أيضا
ذكر ما يستفاد منه ومن الحديثين اللذين يأتيان بعده وغيرها من الأحاديث التي في هذا الباب وهو على أنواع النوع الأول أن قوما استدلوا بقوله تصدق بهذا على أن الذي يجب على من جامع في نهار رمضان عامدا الصدقة لا غير وقال صاحب ( التوضيح ) وذكر الطحاوي عن هؤلاء القوم هكذا ولم يبين من هم قلت هم عوف بن مالك الأشجعي ومالك في رواية وعبد الله بن رهم فإنهم قالوا في هذا تجب عليه الصدقة ولا تجب عليه الكفارة واحتجوا في ذلك بظاهر حديث المحترق وأجيب بأن حديث أبي هريرة الذي يأتي في الكتاب زاد فيه العتق والصيام والأخذ به أولى لأن أبا هريرة حفظ ذلك ولم تحفظه عائشة ويقال إنها لم تجب عليه في الحال لعجزه عن الكل وأخرت إلى زمن الميسرة وفي ( المبسوط ) وما أمره به كان تطوعا لأنها لم تكن واجبة عليه في الحال لعجزه ولهذا أجاز صرفها إلى نفسه وعياله وعن أبي جعفر الطبري أن قياس قول أبي حنيفة والثوري وأبي ثور إن الكفارة دين عليه لا تسقط عنه لعسرته وعليه أن يأتي بها إذا أيسر كسائر الكفارات وعند الشافعية فيه وجهان وذهب بعضهم إلى أن إباحة النبي لذلك الرجل أكل الكفارة لعسرته رخصة له ولهذا قال ابن شهاب ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير وقيل هو منسوخ وقيل هو خاص بذلك الرجل وقال بعض أصحابنا خص هذا الرجل بأحكام ثلاثة بجواز الإطعام مع القدرة على الصيام وصرفه على نفسه والاكتفاء بخمسة عشر صاعا
النوع الثاني لو أنهم اختلفوا في كمية هذه الصدقة فقال الشافعي ومالك إن الواجب فيها مد وهو ربع صاع لكل مسكين وهو خمسة عشر صاعا لما روى أبو داود من رواية هشام بن سعد عن الزهري عن أبي هريرة وفيه فأتي بعرق

(11/26)


قدر خمسة عشر صاعا وروى الدارقطني من رواية سفيان عن منصور عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة وفيه فأتي رسول الله بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر ورواه البيهقي أيضا ثم قال وكذلك رواه إبراهيم بن طهمان عن منصور بن المعتمر قال فيه بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر ورواه الدارقطني أيضا من رواية روح عن محمد ابن أبي حفصة عن الزهري عن حميد قال وفيه بزبيل وهو المكتل فيه خمسة عشر صاعا أحسبه تمرا قال وكذلك قال هقل بن زياد والوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري وقال الخطابي وظاهره يدل على أن قدر خمسة عشر صاعا يكفي للكفارة عن شخص واحد لكل مسكين مد قال وقد جعله الشافعي أصلا لمذهبه في أكثر المواضع التي يجب فيها الإطعام وعندنا الواجب لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر كما في كفارة الظهار لما روى الدارقطني عن ابن عباس يطعم كل يوم مسكينا نصف صاع من بر وعن عائشة في هذه القصة أتي بعرق فيه عشرون صاعا ذكره السفاقسي في ( شرح البخاري ) ويروى ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين وفي ( صحيح مسلم فأمره أن يجلس فجاء عرقان فيهما طعام فأمره أن يتصدق به فإذا كان العرق خمسة عشر صاعا فالعرقان ثلاثون صاعا على ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع وقال بعضهم ووقع في بعض طرق عائشة عند مسلم فجاءه عرقان والمشهور في غيرها عرق ورجحه البيهقي وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة وقال الذي يظهر أن التمر كان قدر عرق لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال ومن قال عرق أراد ما آل إليه قلت كون المشهور في غير طرق عائشة عرقا لا يستلزم رد ما روي في بعض طرق عائشة أنه عرقان ومن أين ترجيح رواية غير مسلم على رواية مسلم فهذا مجرد دعوى لتمشية مذهبه وقول من يدعي تعدد الواقعة غير صحيح لأن مخرج الحديث واحد والأصل عدم التعدد وقول هذا القائل والذي يظهر إلى آخره ساقط جدا وتأويل فاسد فمن أين هذا الظهور الذي يذكره بغير أصل ولا دليل من نفس الكلام ولا قرينة من الخارج وإنما هو من آثار أريحية التعصب نصرة لما ذهب إليه والحق أحق أن يتبع والله ولي العصمة
النوع الثالث احتج به الشافعي وداود وأهل الظاهر على أنه لا يلزم في الجماع على الرجل والمرأة إلا كفارة واحدة إذ لم يذكر له النبي حكم المرأة وهو موضع البيان وقال أبو حنيفة ومالك وأبو ثور تجب الكفارة على المرأة أيضا إن طاوعته وقال القاضي وسوى الأوزاعي بين المكرهة والطائعة على مذهبه وقال مالك في المشهور من مذهبه في المكرهة يكفر عنها بغير الصوم وقال سحنون لا شيء عليها ولا عليه لها وبهذا قال أبو ثور وابن المنذر ولم يختلف مذهبنا في قضاء المركهة والنائمة إلا ما ذكره ابن القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك أنه لا غسل على الموطوءة نائمة ولا مكرهة إلا أن تلتذ قال ابن قصار فتبين من هذا أنها غير مفطرة وقال القاضي وظاهرة أنه لا قضاء على المكرهة إلا أن تلتذ ولا على النائمة لأنها كالمحتلمة وهو قول أبي ثور في النائمة والمكرهة
واختلف في وجوب الكفارة على المكره على الوطىء لغيره على هذا وحكى ابن القصار عن أبي حنيفة لا يلزم المكره عن نفسه ولا على من أكرهه وقال صاحب ( البدائع ) وأما على المرأة فتجب عليها أيضا الكفارة إذا كانت مطاوعة وللشافعي قولان في قول لا يجب عليها أصلا وفي قول يجب عليها ويتحملها الزوج وأما الجواب عن قولهم إن النبي لم يذكر حكم المرأة وهو موضع البيان أن المرأة لعلها كانت مكرهة أو ناسية لصومها أو من يباح لها الفطر ذلك اليوم لعذر المرض أو السفر أو الصغر أو الجنون أو الكفر أو الحيض أو طهارتها من حيضها في أثناء النهار
النوع الرابع في أن الواجب إطعام ستين مسكينا خلافا لما روي عن الحسن أنه رأى أن يطعم أربعين مسكينا عشرين صاعا حكاه ابن التين عنه وحكوا عن أبي حنيفة أنه قال يجزيه أن يدفع طعام ستين مسكينا إلى مسكين واحد قالوا والحديث حجة عليه قلت الذي حكى مذهب أبي حنيفة لم يعرف مذهبه فيه وحكي من غير معرفة ومذهبه أنه إذا دفع إلى مسكين واحد في شهرين يجوز فلا يكون الحديث حجة عليه لأن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة تتجدد بتجدد الأيام فكان في اليوم الثاني كمسكين آخر حتى لو أعطى مسكينا واحدا كله في يوم واحد لا يصح إلا عن يومه ذلك لأن الواجب

(11/27)


عليه التفريق ولم يوجد ثم الشرط في الإطعام غداآن إن وعشاآن أو غداء وعشاء في يوم واحد
النوع الخامس في أن الترتيب في الكفارة واجب فتحرير رقبة أولا فإن لم يوجد فصيام شهرين وإن لم يستطع الصوم فإطعام ستين مسكينا بدليل عطف بعض الجمل على البعض بالفاء المرتبة المعقبة كما سيأتي إن شاء الله تعالى وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن حبيب من المالكية وذهب مالك وأصحابه إلى التخيير لقوله في حديث أبي هريرة صم شهرين أو أطعم فخيره بأو التي موضوعها التخيير وعن ابن القاسم لا يعرف مالك غير الإطعام وذكر مقلدوه حججا لذلك كثيرة لا تقاوم ما دل عليه الحديث من وجوب الترتيب واستحبابه وزعم بعضهم أن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات قال ابن التين وإليه ذهب المتأخرون من أصحابنا فوقت المجاعة الإطعام أولى وإن كان خصبا فالعتق أولى وأمر بعض المفتين أهل الغنى الواسع بالصوم لمشقته عليه وعن أبي ليلى هو مخير في العتق والصيام فإن لم يقدر عليهما أطعم وإليه ذهب ابن جرير قالا ولا سبيل إلى الإطعام إلا عند العجز عن العتق أو الصيام وقال ابن قدامة المشهور من مذهب مالك أحمد أن كفارة الوطء في رمضان ككفارة الظهار في الترتيب العتق إن أمكن فإن عجز انتقل إلى الصيام فإن عجز انتقل إلى الإطعام وهو قول جمهور العلماء وعن أحمد رواية أخرى أنها على التخيير بين العتق والصيام والإطعام وبأيها كفر أجزأه وهو رواية عن مالك فإن عجز عن هذه الأشياء سقطت الكفارة عنه في إحدى الروايتين عن أحمد لأن النبي لما رأى عجز الأعرابي عنها قال أطعمه أهلك ولم يأمره بكفارة أخرى وهو قول الأوزاعي وعن الزهري لا بد من التكفير وقد مر الكلام فيه في أول الأنواع
النوع السادس في أن إطلاق الرقبة في الحديث يدل على جواز المسلمة والكافرة والذكر والأنثى والصغير والكبير وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وجعلوا هذا كالظهار مستدلين بما رواه الدارقطني من حديث إسماعيل بن سالم عن مجاهد عن أبي هريرة أن النبي أمر الذي أفطر في رمضان يوما بكفارة الظهار وإطلاق الحديث أيضا يقتضي جواز الرقبة المعيبة وهو مذهب داود ومالك وأحمد والشافعي شرطوا الإيمان في إجزاء الرقبة بدليل تقييدها في كفارة القتل وهي مسألة حمل المطلق على المقيد وقال عطاء إن لم يجد رقبه أهدى بدنة فإن لم يجد فبقرة وقال ابن العربي ونحوه عن الحسن
النوع السابع في أن التتابع في صوم الشهرين شرط بالنص بشرط أن لا يكون فيهما رمضان وأيام منهية وهي يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق وهو قول كافة العلماء إلا ابن أبي ليلى فإنه قال لا يجب التتابع في الصيام والحديث حجة عليه
النوع الثامن اختلف الفقهاء في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري وأبو ثور وأحمد وإسحاق عليه قضاؤه وقال الأوزاعي إن كفر بالعتق والإطعام صام يوما مكان ذلك اليوم الذي أفطر وإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء ذلك اليوم وقال قوم ليس في الكفارة صيام ذلك اليوم قال أبو عمر لأنه لم يرد في حديث عائشة ولا في حديث أبي هريرة في نقل الحفاظ للأخبار التي لا علة فيها ذكر القضاء وإنما فيها الكفارة قلت جاء في خبر أبي هريرة وغيره القضاء وروى ابن ماجه عن حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله بذلك أي بالحديث الذي فيه هلكت وقد تقدم قبله ثم قال ويصوم يوما ما مكانه
النوع التاسع أجمعوا على أن من وطىء في رمضان في يوم آخر أن عليه كفارة أخرى وأجمعوا أنه ليس على من وطىء مرارا في يوم واحد إلا كفارة واحدة فإن وطىء في يوم من رمضان ولم يكفر حتى وطىء في يوم آخر فذهب مالك والشافعي وأحمد أن عليه لكل يوم كفارة كفر أم لا وقال أبو حنيفة عليه كفارة واحدة إذا وطىء قبل أن يكفر وقال الثوري أحب إلي أن يكفر عن كل يوم وأرجو أن يجزيه كفارة واحدة ما لم يكفر
النوع العاشر في حديث الباب دلالة على التمليك الضمني من قوله تصدق بهذا قال صاحب المفهم يلزم منه أن يكون قد ملكه إياه ليتصدق به عن كفارته قال ويكون هذا كقول القائل أعتقت عبدي عن فلان فإنه يتضمن سبقية الملك عند قوم قال وأباه أصحابنا مع الاتفاق على أن الولاء للمعتق فيه وأن الكفارة تسقط بذلك

(11/28)


3 -
( باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر )
أي هذا باب يذكر فيه إذا جامع الصائم في نهار رمضان عامدا والحال أنه لم يكن له شيء يعتق به ولا شيء يطعم به ولا له قدرة يستطيع الصيام بها ثم تصدق عليه بقدر ما يجزيه فليكفر به لأنه صار واجدا به وفيه إشارة إلى أن الإعسار لا يسقط الكفارة عن ذمته
6391 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني حميد بن عبد الرحمان أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال بينما نحن جلوس عند النبي إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال مالك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله هل تجد رقبة تعتقها قال لا فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا فقال فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا قال فمكث النبي فبينا نحن على ذلك أتي النبي بعرق فيه تمر والعرق المكتل قال أين السائل فقال أنا قال خذها فتصدق به فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي حتى بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله وقعت على امرأتي وأنا صائم عبارة عن الجماع
ذكر رجاله وهم خمسة كلهم قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب و ( حميد بن عبد الرحمن ) بن عوف الزهري المدني
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في موضعين وفيه أن الراوي عن الزهري هو شعيب والزهري هو الراوي عن حميد وروى ما ينيف على أربعين نفسا عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة وهم ابن عيينة والليث ومعمر ومنصور عند الشيخين والأوزاعي وشعيب وإبراهيم بن سعد عند البخاري ومالك وابن جريج عند مسلم ويحيى بن سعيد وعراك بن مالك عند النسائي وعبد الجبار بن عمر عند أبي عوانة والجوزقي وعبد الرحمن بن مسافر عند الطحاوي وعقيل عند ابن خزيمة وابن أبي حفصة عند أحمد ويونس وحجاج بن أرطأة وصالح بن أبي الأخضر عند الدارقطني ومحمد بن إسحاق عند البزار والنعمان بن راشد عند الطحاوي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وعبد الرحمن بن نمر وأبو وأويس وعبد الجبار بن عمر الأيلي وعبيد الله بن عمر وإسماعيل بن أمية ومحمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة وعبد الله بن عيسى وإسحاق بن يحيى العوصي وهبار بن عقيل وثابت بن ثوبان وقرة بن عبد الرحمن وزمعة بن صالح وفخر السقاء والوليد بن محمد وشعيب بن خالد ونوح بن أبي مريم وعبد الله بن أبي بكر وفليح بن سليمان وعمرو بن عثمان المخزومي ويزيد بن عياض وشبل بن عباد وقد رواه هشام بن سعد عن الزهري فخالف الجماعة في إسناده فرواه عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة وزاد فيه وصم يوما مكانه رواه أبو داود وسكت عليه وقال أبو عوانة الاسفرائني غلط فيه هشام بن سعد وقد رواه أيضا عبد الجبار ابن عمر الأيلي بإسناد آخر رواه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ورواه ابن ماجه ورواه البيهقي من رواية عبد الجبار بن عمر عن يحيى بن سعيد وعطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وقال عبد الجبار ليس بالقوي وقد ورد من حديث مجاهد عن أبي هريرة مختصرا ومن حديث محمد بن كعب عن أبي هريرة

(11/29)


رواهما الدارقطني وضعفهما وفيه أن ( أبا هريرة ) قال وفي رواية ابن جريج عند مسلم وعقيل عند ابن خزيمة وأبي أويس عند الدارقطني التصريح بالتحديث بين حميد وأبي هريرة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الإدب عن موسى بن إسماعيل وعن محمد بن مقاتل وعن القعنبي وفي النفقات عن أحمد بن يونس وفي النذور عن علي بن عبد الله وفي الصوم أيضا عن عثمان وفي المحاربين عن قتيبة وفي الهبة والنذور أيضا عن محمد بن محبوب وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وزهير ابن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير وعن يحيى بن يحيى وقتيبة ومحمد بن رمح وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عبد بن حميد وعن محمد بن رافع عن إسحاق وعن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد ومحمد وعيسى وعن القعنبي به وعن الحسن بن علي وأخرجه الترمذي فيه عن نصر بن علي وأبي عمار وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به وعن محمد ابن منصور وعن محمد بن قدامة وعن محمد بن عبد الله وعن محمد بن نصر وعن محمد بن إسماعيل وعن الربيع بن سليمان عن أبي الأسود وإسحاق بن مضر وفي الشروط عن هارون بن عبد الله وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان به
ذكر معناه قوله بينما قد مر غيرة أن أصل بينما بين فأشبعت فتحة النون وصار بينا ثم زيدت فيه الميم فصار بينما ويضاف إلى جملة إسمية وفعلية ويحتاج إلى جواب يتم به المعنى والأفصح في جوابها أن لا يكون فيه إذ وإذا ولكن يجيء بهذا كثيرا هنا كذلك وهو قوله إذ جاءه رجل وقال بعضهم ومن خاصة بينما أنها تتلقى بإذ وبإذا حيث تجيء للمفاجأة بخلاف بينا فلا تتلقى بواحدة منهما وقد ورد في هذا الحديث كذلك قلت هذا تصرف في العربية من عنده وليس ما قاله بصحيح وقد ذكروا أن كلا منهما يتلقى بواحدة منهما غير أن الأفصح كما ذكرنا أن لا يتلقيا بهما وقد ورد في الحديث بإذ في الأول وفي الثاني بدون إذ وإذا على الأصل الذي هو الأفصح فأي شيء دعوى الخصوصية في بينما بإذ وإذا ونفيها في بينا ولم يقل بهذا أحد قوله عند النبي وفي رواية الكشميهني مع النبي وقال بعضهم فيه حسن الأدب في التعبير كما تشعر العندية بالتعظيم بخلاف ما لو قال مع قلت لفظة عند موضوعها الحضرة ومن أين الإشعار فيه بالتعظيم قوله إذا جاء رجل قد مر الكلام فيه في حديث عائشة قوله هلكت وفي حديث عائشة احترقت كما مر وفي رواية ابن أبي حفصة ما أراني إلا قد هلكت وقد روي في بعض طرق هذا الحديث هلكت وأهلكت قال الخطابي وهذه اللفظة غير موجودة في شيء من رواية هذا الحديث قال وأصحاب سفيان لم يرووها عنه إنما ذكروا قوله هلكت حسب قال غير أن بعض أصحابنا حدثني أن المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان فذكر هذا الحرف فيه وهو غير محفوظ والمعلى ليس بذلك في الحفظ والإتقان انتهى وقال البيهقي إن هذه اللفظة لا يرضاها أصحاب الحديث وقال القاضي عياض إن هذه اللفظة ليست محفوظة عند الحفاظ الأثبات
وقال شيخنا زيد الدين رحمه الله وردت هذه اللفظة مسندة من طرق ثلاثة أحدها الذي ذكره الخطابي وقد رواها الدارقطني من رواية أبي ثور قال حدثنا معلى بن منصور حدثنا سفيان بن عينة فذكره الدارقطني تفرد به أبو ثور عن معلى بن منصور عن ابن عيينة بقوله وأهلكت قال وهم ثقات الطريق الثاني من رواية الأوزاعي عن الزهري وقد رواها البيهقي بسنده ثم نقل عن الحاكم أنه ضعف هذه اللفظة وحملها على أنها أدخلت على محمد بن المسيب الأرغياني ثم استدل على ذلك والطريق الثالث من رواية عقيل عن الزهري رواها الدارقطني في غير السنن وقال حدثنا النيسابوري حدثنا محمد بن عزيز حدثني سلامة بن روح عن عقيل عن الزهري فذكره وقد تكلم في سماع محمد بن عزيز من سلامة وفي سماع سلامة من عقيل وتكلم فيهما أما محمد بن عزيز فضعفه النسائي مرة وقال مرة لا بأس به وأما سلامة فقال أبو زرعة ضعيف منكر وأجود طرق هذه اللفظة طريق المعلى بن منصور على أن المعلى وإن اتفق الشيخان على إخراج حديثه فقد تركه أحمد وقال لم أكتب عنه كان يحدث بما وافق الرأي وكان كل يوم يخطىء في حديثين أو ثلاثة قلت هو من أصحاب أبي حنيفة

(11/30)


ووثقه يحيى بن معين وقال يعقوب بن شيبة ثقة فيما تفرد به وشورك فيه متقن صدوق فقيه مأمون وقال العجلي ثقة صاحب سنة وكان نبيلا طلبوه للقضاء غير مرة فأبى وقال ابن سعد كان صدوقا صاحب حديث ورأي وفقه مات سنة أحد عشرة ومائتين
قوله قال مالك بفتح اللام وهو استفهام عن حاله وفي رواية عقيل ويحك ما شأنك ولابن أبي حفصة وما الذي أهلكك وما ذاك وفي رواية الأوزاعي ويحك ما صنعت أخرجه البخاري في الأدب وفي رواية الترمذي وما الذي أهلكك وكذا في رواية الدارقطني قوله وقعت على امرأتي وفي رواية ابن إسحاق أصبت أهلي وفي حديث عائشة وطئت امرأتي قوله وأنا صائم جملة وقعت حالا من الضمير الذي في وقعت فإن قلت من أين يعلم أنه كان صائما في رمضان حتى يترتب عليه وجوب الكفارة قلت وقع في أول هذا الحديث في رواية مالك وابن جريج أن رجلا أفطر في رمضان الحديث ووقع أيضا في رواية عبد الجبار بن عمر وقعت على أهلي اليوم وذلك في رمضان وفي رواية ساق مسلم إسنادها وساق أبو عوانة في ( مستخرجه ) متنها أنه قال أفطرت في رمضان وبهذا يرد على القرطبي في دعواه تعدد القصة لأن مخرج الحديث واحد والقصة واحدة ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عن سعيد بن منصور أصبت امرأتي ظهرا في رمضان وبتعيين رمضان يفهم الفرق في وجوب كفارة الجماع في الصوم بين رمضان وغيره من الواجبات كالنذر وبعض المالكية أوجبوا الكفارة على من أفسد صومه مطلقا واحتجوا بظاهر هذا الحديث ورد عليهم بالذي ذكرناه الآن قوله هل تجد رقبة تعتقها وفي رواية منصور أتجد ما تحرر رقبة وفي رواية ابن أبي حفصة أتستطيع أن تعتق رقبة وفي رواية إبراهيم بن سعد والأوزاعي فقال أعتق رقبة وزاد في رواية عن أبي هريرة فقال بئس ما صنعت أعتق رقبة وفي حديث عبد الله بن عمر أخرجه الطبراني في ( الكبير ) جاء رجل إلى النبي فقال إني أفطرت يوما من رمضان فقال من غير عذر ولا سقم قال نعم قال بئس ما صنعت قال أجل ما تأمرني قال أعتق رقبة قوله قال لا أي قال الرجل لا أجد رقبة وفي رواية ابن مسافر فقال لا والله يا رسول الله وفي رواية ابن إسحاق ليس عندي وفي حديث ابن عمر فقال والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط قوله فهل تستطيع أن تصوم شهرين قال القرطبي أي تقوى وتقدر وفي حديث سعد قال لا أقدر وفي رواية إبن إسحاق وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام وقال الشيخ تقي الدين رواية إبن إسحاق هذه تقتضي أن عدم استطاعته شدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع فهل يكون ذلك عذرا في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أم لا والصحيح عند الشافعية اعتبار ذلك فيسوغ له الانتقال إلى الإطعام ويلتحق به من يجد رقبة وهو غير مستغن عنها فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه في حكم غير الواجد انتهى قلت في هذا كله نظر لأن الشارع رتب هذه الخصال بالفاء التي هي للترتيب والتعقيب فكيف ينقض هذا قوله متتابعين فيه اشتراط التتابع وقد مر الكلام فيه قوله فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا وزاد في رواية ابن مسافر يا رسول الله ووقع في رواية سفيان هل تستطيع إطعام ستين مسكينا ووقع في رواية إبراهيم بن سعد وعراق بن مالك فأطعم ستين مسكينا قال لا أجد وفي رواية ابن أبي حفصة أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا وذكر الحاجة وفي حديث ابن عمر قال والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي وقال ابن دقيق العيد أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال والمشهور عن الحنفية الإجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفى قلت هؤلاء الذين يشتغلون بالحنفية يحفظون شيئا وتغيب عنهم أشياء أفلا يعلمون أن المراد ههنا سد خلة الفقير فإذا وجد ذلك مع مراعاة معنى الستين فلا طعن فيه ثم المراد من الإطعام الإعطاء لهم بحيث يتمكنون من الأكل وليس المراد حقيقة الإطعام من وضع المطعوم في فم الآكل فإن قلت ما الحكمة في هذه الخصال الثلاثة وما المناسبة بينهما قلت الذي انتهك حرمة الصوم بالجماع عمدا في نهار رمضان فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه بها وثبت في ( الصحيح ) أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو

(11/31)


منها عضوا من النار وأما الصيام فمناسبته ظاهرة لأنه كالمقاصة بجنس الجناية وأما كونه شهرين فلأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوما كان كمن أفسد الشهر كله من حيث إنه عبادة واحدة بالنوع فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأن مقابلة كل يوم بإطعام مسكين ثم إن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق الله تعالى وهو الصوم وحق الأحرار بالإطعام وحق الأرقاء بالإعتاق وحق الجاني بثواب الامتثال قوله فمكث بالميم وفتح الكاف وضمها وبالثاء المثلثة وفي رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) من وجهين عن أبي اليمان أحدهما مكث مثل ما هو هنا والآخر فسكت من السكوت وفي رواية أبي عيينة فقال له النبي إجلس فجلس قوله فبينا نحن على ذلك وفي رواية ابن عيينة فبينما هو جالس كذلك قيل يحتمل أن يكون سبب أمره بالجلوس لانتظار ما يوحى إليه في حقه ويحتمل أنه كان عرف أنه سيؤتى بشيء يعينه به قوله أتي النبي كذا هو على بناء المجهول عند الأكثرين وفي رواية ابن عيينة إذ أتي وهو جواب قوله بينا وقد مر في قوله بينما نحن جلوس أن بعضهم قال إن بينا لا يتلقى بإذ ولا بإذا وههنا في رواية ابن عيينة جاء بإذ وهو يرد ما قاله فكأنه ذهل عن هذا والآتي من هو لم يدر وقال بعضهم والآتي المذكور لم يسم قلت في أين ذكر الآتي حتى قال لم يسم لكن وقع في الكفارات على ما سيأتي في رواية معمر فجاء رجل من الأنصار وهو أيضا غير معلوم فإن قلت عند الدارقطني من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب مرسلا فأتى رجل من ثقيف قلت رواية الصحيح أصح ويمكن أن يحمل على أنه كان حليفا للأنصار فأطلق عليه الأنصاري وقال بعضهم أو إطلاق الأنصاري بالمعنى الأعم قلت لا وجه لذلك لأنه يلزم منه أن يطلق على كل من كان من أي قبيلة كان أنصاريا بهذا المعنى ولم يقل به أحد قوله بعرق قد مر تفسيره عن قريب مستوفى قوله والمكتل تفسير العرق وقد مر تفسير المكتل أيضا وفي رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي وابن خزيمة المكتل الضخمفإن قلت تفسير العرق بالمكتل ممن قلت الظاهر أنه من الصحابي ويحتمل أن يكون من الرواة قيل في رواية ابن عيينة ما يشعر بأنه الزهري وفي رواية منصور في الباب الذي يلي هذا وهو باب المجامع في رمضان فأتي بعرق فيه تمر وهو الزبيل وفي رواية ابن أبي حفصة فأتي بزبيل وقد مر تفسير الزبيل أيضا مستوفى قوله أين السائل قال الكرماني فإن قلت لم يكن لذلك الرجل سؤال بل كان له مجرد إخبار بأنه هلك فما وجه إطلاق لفظ السائل عليه قلت كلامه متضمن للسؤال أي هلكت فما مقتضاه وما يترتب عليه فإن قلت لم يبين في هذا الحديث مقدار ما في المكتل من التمر قلت وقع في رواية ابن أبي حفصة فيه خمسة عشر صاعا وفي رواية مؤمل عن سفيان فيه خمسة عشر أو نحو ذلك وفي رواية مهران بن أبي عمر عن الثوري عند ابن خزيمة فيه خمسة عشر أو عشرون وكذا هو عند مالك وفي مرسل سعيد بن المسيب عند الدارقطني الجزم بعشرين صاعا ووقع في حديث عائشة عند ابن خزيمة فأتي بعرق فيه عشرون صاعا وقال بعضهم من قال عشرون أراد أصل ما كان فيه ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة ويبين ذلك حديث علي عند الدارقطني يطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد وفيه فأتي بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا وكذا في رواية حجاج عن الزهري عند الدارقطني في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال وفيه رد على الكوفيين في قولهم إن واجبه من القمح ثلاثون صاعا ومن غيره ستون صاعا وعلى أشهب في قوله لو غداهم أو عشاهم كفى لصدق الإطعام ولقول الحسن يطعم أربعين مسكينا عشرين صاعا ولقول عطاء إن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعا أو بالجماع أطعم خمسة عشر وفيه رد على الجوهري حيث قال في ( الصحاح ) المكتل تشبه الزبيل يسع خمسة عشر صاعا لأنه لا حصر في ذلك انتهى قلت ليت شعري كيف فيه رد على الكوفيين وهم قد احتجوا بما رواه مسلم فجاءه عرقان فيهما طعام وقد ذكرنا فيما مضى أن ما في العرقين يكون ثلاثين صاعا فيعطى لكل مسكين نصف صاع بل الرد على أئمتهم حيث احتجوا فيما ذهبوا إليه بالروايات المضطربة وفي بعضها الشك فالعجب

(11/32)


منه أن يرد على الكوفيين مع علمه أن احتجاجهم قوي صحيح وأعجب منه أنه قال في رواية مسلم هذه ووجهه أن كان محفوظا وقد ردينا عليه ما قاله فيما مضى عن قريب وكذلك قوله وفيه رد على الجوهري غير صحيح لأنه لم يحصر ما قاله في ذلك غاية ما في الباب أنه نقل أحد المعاني التي قالوا في المكتل وسكت عليه قوله فتصدق به وزاد ابن إسحاق فتصدق عن نفسك ويؤيده رواية منصور في الباب الذي يليه بلفظ أطعم هذا عنك قوله أعلى أفقر منى أي أتصدق به على شخص أفقر منى وفي حديث ابن عمر أخرجه البزار والطبراني في ( الأوسط ) إلى من أدفعه قال إلى أفقر من تعلم وفي رواية إبراهيم بن سعد أعلى أفقر من أهلي ولابن مسافر أعلى أهل بيت أفقر منى والأوزاعي أعلى غير أهلي ولمنصور أعلى أحوج منا ولابن إسحاق وهل الصدقة إلا لي وعلي قوله فوالله ما بين لابتيها اللابتان بالباء الموحدة المفتوحة ثم بالتاء المثناة من فوق عبارة عن حرتين تكتنفان المدينة وهي تثنية لابة والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء الأرض ذات حجارة سود قوله يريد الحرتين من كلام بعض رواته ووقع في حديث ابن عمر المذكور ما بين حرتيها وفي رواية الأوزاعي الآتي في الأدب والذي نفسي بيده ما بين طنبي المدينة وهو تثنية طنب بضم الطاء المهملة والنون أحد أطناب الخيمة واستعاره للطرف قوله أهل بيت أفقر من أهل بيتى لفظ أهل مرفوع لأنه اسم ما النافية وأفقر منصوب لأنه خبرها ويجوز رفعه على لغة تميم وفي رواية يونس أفقر مني ومن أهل بيتي وفي رواية عقيل ما أحد أحق به من أهلي ما أحد أحوج إليه مني وفي مرسل سعيد من رواية داود عنه والله ما لعيالي من طعام وفي حديث عند ابن خزيمة ما لنا عشاء ليلة قوله فضحك النبي حتى بدت أنيابه وفي رواية إبن إسحاق حتى بدت نواجده ولأبي قرة في ( السنن ) عن ابن جريج حتى بدت ثناياه قيل لعلها تصحيف من أنيابه فإن الثنايا تتبين بالتبسم غالبا وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم ويحمل ما ورد في صفته أن ضحكه كان تبسما غالب أحواله وقيل كان لا يضحك إلا في أمر يتعلق بالآخرة فإن كان في أمر الدنيا لم يزد على التبسم وقيل إن سبب ضحكه كان من تباين حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبا في فداها مهما أمكنه فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل ما أعطيه في الكفارة وقيل ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه وحسن تأتيه وتلطفه في الخطاب وحسن توسله في توصله إلى مقصوده قوله ثم قال أطعمه أهلك وفي رواية لابن عيينة في الكفارات أطعمه عيالك وفي رواية إبراهيم بن سعد فأنتم إذا وقدم ذلك على ذكر الضحك وفي رواية أبي قرة عن ابن جريج ثم قال كله وفي رواية ابن إسحاق خذها وكلها وأنفقها على عيالك
ذكر ما يستفاد منه قد ذكرنا في الباب الذي قبله ما يتعلق به وبغيره من الأحكام فلنذكر هنا ما لم نذمر هناك ففيه أن من جاء مستفتيا فيما فيه الاجتهاد دون الحدود المحدودة أنه لا يلزمه تعزير ولا عقوبة كما لم يعاقب النبي الأعرابي على هتك حرمة الشهر قاله عياض قال لأن في مجيئه واستفتائه ظهور توبته وإقلاعه قال ولأنه لو عوقب كل من جاء بجيئه لم يستفت أحد غالبا عن نازلة مخافة العقوبة بخلاف ما فيه حد محدود وقد بوب عليه البخاري في كتاب المحاربين باب من أصاب ذنبا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد أن جاء مستفتيا وفي رواية أبي ذر مستعتبا ثم قال البخاري وقال ابن جريج ولم يعاقب الذي جامع في رمضان فإن قلت وقع في ( شرح السنة ) للبغوي أن من جامع متعمدا في رمضان فسد صومه وعليه القضاء والكفارة ويعزر على سوء صنيعه قلت هو محمول على من لم يقع منه ما وقع من صاحب هذه القصة من الندم والتوبة
وفيه أن الكفارة مرتبة ككفارة الظهار وهو قول أكثر العلماء إلا أن مالك بن أنس زعم أنه مخير بين عتق الرقبة وصوم شهرين والإطعام وحكي عنه أنه قال الإطعام أحب إلي من العتق ووقع في ( المدونة ) ولا يعرف مالك غير الإطعام ولا يأخذ بعتق ولا صيام وقال ابن دقيق العيد وهي معضلة لا يهتدي إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت غير أن بعض المحققين من أصحابه حل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال وذكر أصحابه في هذا

(11/33)


وجوها كثيرة كلها لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام ثم الإطعام
وفيه أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب المذكور قال ابن العربي لأنه نقله من أمر بعد عدمه إلى أمر آخر وليس هذا شأن التخيير وقال البيضاوي ترتب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط المحكم وقيل سلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير واعترض ابن التين بأن الذين رووا الترتيب ابن عيينة ومعمر والأوزاعي والذين رووا التخيير مالك وابن جريج وفليح بن سليمان وعمر بن عثمان المخزومي وأجيب بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري ثلاثون نفسا أو أكثر ورجح الترتيب أيضا بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من صورة الواقعة وراوي التخيير حكى لفظ راوي الحديث فدل على أنه من تصرف بعض الرواة إما لقصد الاختصار أو لغير ذلك ويترجح الترتيب أيضا بأنه أحوط وحمل المهلب والقرطبي الأمر على التعدد وهو بعيد لأن القصة واحدة والأصل عدم التعدد وحمل بعضهم الترتيب على الأولوية والتخيير على الجواز
وفيه إعانة المعسر في الكفارة وعليه بوب البخاري في النذور وفيه إعطاء القريب من الكفارة وبوب عليه البخاري في النذور وفيه إعطاء القريب من الكفارة وبوب عليه البخاري أيضا وفيه أن الهبة والصدقة لا يحتاج فيهما إلى القبول باللفظ بل القبض كاف وعليه بوب البخاري أيضا وفيه أن الكفارة لا تجب إلا بعد نفقة من تجب عليه وقد بوب عليه البخاري أيضا في النفقات وفيه جواز المبالغة في الضحك عند التعجب لقوله حتى بدت أنيابه وفيه جواز قول الرجل في الجواب ويحك أو ويلك وفيه جواز الحلف بالله وصفاته وإن لم يستحلف كما في البخاري وغيره والذي بعثك بالحق وفي رواية له والله ما بين لابتيها إلى آخره وفيه أن القول قول الفقير أو المسكين وجواز عطائه مما يستحقه الفقراء لأنه لم يكلفه البينة حين ادعى أنه ما بين لابتي المدينة أهل بيت أحوج منهم وفيه جواز الحلف على غلبة الظن وإن لم يعلم ذلك بالدلائل القطعية لحلف المذكور أنه ليس بالمدينة أحوج منهم مع جواز أن يكون بالمدينة أحوج منهم لكثرة الفقراء فيها ولم ينكر عليه النبي وفيه استعمال الكناية فيما يستقبح طهوره بصريح لفظه لقوله وقعت أو أصبت فإن قلت ورد في بعض طرقه وطئت قلت هذا من تصرف الرواة وفيه الرفق بالمتعلم والتلطف في التعليم والتأليف على الدين والندم على المعصية واستشعار الخوف وفيه الجلوس في المسجد لغير الصلاة من المصالح الدينية كنشر العلم وفيه التعاون على العبادة وفيه السعي على خلاص المسلم وفيه إعطاء الواحد فوق حاجته الراهنة وفيه إعطاء الكفارة لأهل بيت واحد
13 -
( باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج )
أي هذا باب في بيان حكم الصائم المجامع في رمضان هل يطعم أهله الكفارة إذا كانوا محاويج أم لا ولم يذكر جواب الاستفهام اكتفاء بما ذكر من متن الحديث والمحاويج قال المطرزي في ( المغرب ) هم المحتاجون عامي قلت يحتمل أن يكون جمع محواج وهو كثير الحاجة صيغ على وزن اسم الآلة للمبالغة
7391 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( الزهري ) عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي فقال إن الآخر وقع على امرأته في رمضان فقال أتجد ما تحرر رقبة قال لا قال أفتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال أفتجد ما تطعم به ستين مسكينا قال لا قال فأتي النبي بعرق

(11/34)


فيه تمر وهو الزبيل قال أطعم هذا عنك قال على أحوج منا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا قال فأطعمه أهلك
مطابقته للترجمة في قوله فأطعمه أهلك وجرير هو بفتح الجيم ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر والزهري محمد بن مسلم وقد ذكروا غير مرة قوله عن الزهري عن حميد كذا هو في رواية الأكثرين من أصحاب منصور عنه وخالفه مهران بن أبي عمر فرواه عن الثوري بالإسناد عن سعيد بن المسيب بدل ( حميد بن عبد الرحمن ) أخرجه ابن خزيمة وهو شاذ والمحفوظ هو الأول قوله إن الآخر فيه قصر الهمزة ومدها بعدها خاء معجمة مكسورة وهو من يكون آخر القوم وقيل هو المدبر المتخلف وقيل الأرذل وقيل معناه أن الأبعد على الذم قوله رقبة بالنصب قيل إنه بدل من لفظة ما تحرر قلت بل هو منصوب على أنه مفعول تحرر فافهم وبقية الكلام فيه قد مرت فيما مضى مستوفاة والله أعلم
23 -
( باب الحجامة والقيء للصائم )
أي هذا باب في بيان أحكام الحجامة والقيء هل يرخصان للصائم أو لا وإنما أطلق ولم يذكر الحكم لمكان الخلاف فيه ولكن الآثار التي أوردها في هذا الباب تشعر بأنه عدم الإفطار بهما وقال بعضهم باب الحجامة والقيء للصائم أي هل يفسدان هما أو أحدهما الصوم قلت اللام في قوله للصائم تمنع هذا التقدير الذي قدره ولا يخفى ذلك على من له أدنى ذوق من أحوال التركيب قيل جمع بين القيء والحجامة مع تغايرهما وعادته تفريق التراجم إذا نظمهما خبر واحد فضلا عن خبرين وإنما صنع ذلك لاتحاد مأخذهما لأنهما إخراج والإخراج لا يقتضي الإفطار
وقال لي يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام قال حدثنا يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول إذا قاء فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج عادة البخاري إذا أسند شيئا من الموقوفات يأتي بهذه الصيغة ويحيى بن صالح أبو زكريا الوحاظي الحمصي ومعاوية ابن سلام بتشديد اللام مر في كتاب الكسوف ويحيى هو ابن أبي كثير وعمر بن الحكم بالحاء المهملة والكاف المفتوحتين ابن ثوبان بالثاء المثلثة الحجازي أبو حفص المدني
قوله إذا قاء أي الصائم قوله وإنما يخرج من الخروج قوله ولا يولج من الإيلاج أي لا يدخل المعنى أن الصوم لا ينقض إلا بشيء يدخل ولا ينقض بشيء يخرج وفي رواية الكشميهني أنه يخرج ولا يولج أي أن القيء يخرج ولا يدخل وهذا الحصر منقوض بالمني فإنه مما يخرج وهو موجب للقضاء والكفارة
وهذا الحديث رواه الأربعة مرفوعا من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي قال من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض وقال الترمذي حديث أبي هريرة حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي إلا من حديث عيسى بن يونس قال وقد روي هذا الحديث من غيره وجهه عن أبي هريرة عن النبي ولا يصح إسناده وقال البخاري لم يصح وإنما يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبي هريرة وعبد الله ضعيف ورواه الدارمي من طريق عيسى ابن يونس ونقل عن عيسى أنه قال زعم أهل البصرة أن هشاما وهم فيه وقال أبو داود سمعت أحمد يقول ليس من ذا شيء وقال الخطابي يريد أنه غير محفوظ وقال ابن بطال تفرد به عيسى وهو ثقة إلا أن أهل الحديث أنكروه عليه ووهم عندهم فيه وقال أبو علي الطوسي هو حديث غريب والصحيح رواية أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي قاء فأفطر وقال الترمذي حديث أبي الدرداء أصح شيء في القيء والرعاف
قلت حديث أبي الدرداء رواه الأربعة ورواه الطحاوي قال حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا أبي عن حسين

(11/35)


المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد عن أبيه عن معدان بن طلحة عن أبي الدرداء أن النبي قاء فأفطر قال فلقيت ثوبان في مسجد دمشق قلت إن أبا الدرداء أخبرني أن رسول الله قاء فأفطر فقال صدق أنا صببت له وضوءه ثم قال الطحاوي فذهب قوم إلى أن الصائم إذا قاء أفطر واحتجوا في ذلك بهذا الحديث قلت أراد بالقوم عطاء والأوزاعي وأبا ثور ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن استقاء أفطر وإن ذرعه القيء أي سبقه وغلب عليه ولم يفطر وأراد بالآخرين القاسم بن محمد والحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والشعبي وعلقمة والثوري وأبا حنيفة وأصحابه ومالكا والشافعي وأحمد وإسحاق ويروى ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود وعبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم وقد قام الإجماع على أن من ذرعه القيء لا قضاء عليه ونقل ابن المنذر الإجماع على أن الاستقاء مفطر ونقل العبدري عن أحمد أنه قال من تقيأ فاحشا أفطر وقال الليث والثوري والأربعة بالقضاء وعليه الجمهور وعن ابن مسعود وابن عباس أنه لا يفطر ولكن في ( مصنف ) ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن عباس أنه إذا تقيأ أفطر ونقل ابن التين عن طاووس عدم القضاء قال وبه قال ابن بكير وقال ابن حبيب لا قضاء عليه في التطوع دون الفرض وقال الأوزاعي وأبو ثور عليه القضاء والكفارة مثل كفارة الأكل عامدا في رمضان وهو قول عطاء واحتجوا بحديث أبي الدرداء المذكور الذي أخرجه ابن حبان والحاكم أيضا في ( صحيحيهما ) وأجاب أبو عمر أنه ليس بالقوي وقال الطحاوي قد يجوز أن يكون قوله فأفطر أي ضعف فأفطر ويجوز هذا في اللغة يعني يجوز هذا التقدير في اللغة لتضمن مثل ذلك لعلم السامع به كما في حديث فضالة ولكني قئت فضعفت عن الصيام فأفطرت وليس فيه أن القيء كان مفطرا وقال الترمذي معنى هذا الحديث أن انبي أصبح صائما متطوعا فقاء فضعف فأفطر لذلك هكذا روي في بعض الحديث مفسرا وأجاب البيهقي بأن هذا الحديث مختلف في إسناده فإن صح فمحمول على العامد وكأنه كان متطوعا بصومه
وحديث فضالة رواه الطحاوي حدثنا ربيع المؤذن قال حدثنا أسد قال حدثنا ابن لهيعة قال حدثنا يزيد بن أبي حبيب قال حدثنا أبو مرزوق عن حنش عن فضالة بن عبيد قال دعى رسول الله بشراب فقال له ألم تصبح صائما يا رسول الله قال بلى ولكن قئت وأخرجه الطبراني والبيهقي أيضا وأبو مرزوق اسمه حبيب بن الشهيد وقيل زمعة بن سليم قال العجلي مصري تابعي ثقة وروى له أبو داود وابن ماجه وحنش هو ابن عبد الله الصنعاني صنعاء دمشق روى له الجماعة غير البخاري فإن قلت ابن لهيعة فيه مقال قلت الطحاوي أخرجه من أربع طرق الأول ما ذكرناه الذي فيه ابن لهيعة والبقية عن أبي بكرة عن روح وعن محمد بن خزيمة عن حجاج وعن حسين بن نصر عن يحيى بن حسان قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش عن فضالة إلى آخره وقال الترمذي والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة عن النبي أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه وإذا استقاء عمدا فليقض وبه يقول الشافعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وقال ابن المنذر وهو قول كل من يحفظ عنه العلم قال وبه أقوال قال أصحابنا ويستوي فيه ملء الفم وما دونه لإطلاق حديث أبي هريرة المرفوع فإن عاد وكان ملء الفم لا يفسد صومه عند أبي حنيفة ومحمد قال في ( المحيط ) وهو الصحيح وذكر فتى ( قاضيخان ) عن محمد وجده وعند أبي يوسف يفسد وإن أعاده وكان أقل من ملء الفم يفسد عند محمد وزفر وهذا إذا تقيأ مرة أو طعاما أو ماء فإن تقيأ ملء فيه بلغما لا يفسد عندهما خلافا لأبي يوسف
ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر
يذكر على صيغة المجهول علامة التمريض يعني إذا قاء الصائم يفطر يعني ينتقض صومه ذكره الحازمي عنه رواية عن بعضهم ويمكن الجمع بين قوليه بأن قوله لا يفطر يحمل على ما فصل في حديثه المرفوع ويحمل قوله أنه يفطر على ما إذا تعمد القيء
والأول أصح

(11/36)


أي عدم الإفطار أصح قال الكرماني أو الإيناد الأول قلت هو قوله وقال لي يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام إلى آخره
وقال ابن عباس وعكرمة الفطر مما دخل وليس مما خرج
هذان التعليقان رواهما ابن أبي شيبة فالأول قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في الحجامة للصائم فقال الفطر مما يدخل وليس مما يخرج والثاني رواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن حصين عن عكرمة مثله
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحتجم وهو صائم ثم تركه فكان يحتجم بالليل
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا التعليق وصله مالك في ( الموطأ ) عن نافع عن ابن عمر أنه احتجم وهو صائم ثم ترك ذلك فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر وقال ابن أبي شيبة حدثنا ابن علية عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان فذكره وحدثنا وكيع عن هشام بن الغاز وحدثنا ابن إدريس عن يزيد عن عبد الله عن نافع بزيادة فلا أدري لأي شيء تركه كرهه أو للضعف وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه وكان ابن عمر كثير الاحتياط فكأنه ترك الحجامة نهارا لذلك
واحتجم أبو موسى ليلا
أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن محمد بن أبي عدي عن حميد عن بكير بن عبد الله المزني عن أبي العالية قال دخلت على أبي موسى وهو أمير البصرة ممسيا فوجدته يأكل تمرا وكامخا وقد احتجم فقلت له ألا تحتجم بنهار قال أتأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم
ويذكر عن سعد وزيد بن أرقم وأم سلمة احتجموا صياما
سعد هو ابن أبي وقاص أحد العشرة وزيد بن أرقم بن زيد الأنصاري الخزرجي وأم سلمة أم المؤمنين واسمها هند بنت أبي أمية قوله صياما أي صائمين نصب على الحال وإنما ذكر هذا بصيغة التمريض لسبب يظهر بالتخريح أما أثر سعد فوصله مالك في ( الموطأ ) عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان وهذا منقطع عن سعد لكن ذكره أبو عمر من وجه آخر عن عامر بن سعد عن أبيه وأما أثر زيد بن أرقم فوصله عبد الرزاق عن الثوري عن يونس بن عبد الله الجرمي عن دينار حجمت زيد بن أرقم ودينار هو الحجام مولى جرم بفتح الجيم لا يعرف إلا في هذا الأثر وقال أبو الفتح الأزدي لا يصح حديثه وأما أثر أم سلمة فوصله ابن أبي شيبة من طريق الثوري أيضا عن فرات عن مولى أم سلمة أنه رأى أم سلمة تحتجم وهي صائمة وفرات هو ابن أبي عبد الرحمن ثقة ولكن مولى أم سلمة مجهول الحال
وقال بكير عن أم علقمة كنا نحتجم عند عائشة فلا تنهى
بكير بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن الأشح واسم أم علقمة مرجانة سماها البخاري وذكرها ابن حبان في ( الثقات ) وهذا التعليق وصله البخاري في تاريخه من طريق مخرمة بن بكير عن أم علقمة قال كنا نحتجم عند عائشة ونحن صيام وبنو أخي عائشة فلا تنهاهم قوله فلا تنهى بفتح التاء المثناء من فوق وسكون النون أي فلا تنهى عائشة عن الاحتجام ويروى فلا تنهى بضم النون الأولى التي للمتكلم مع الغير وسكون الثانية على صيغة المجهول
ويروى عن الحسن عن غير واحد من الصحابة مرفوعا فقال أفطر الحاجم والمحجوم
أي ويروى عن الحسن البصري عن غير واحد من الصحابة مرفوعا إلى النبي قوله فقال بالفاء ويروى قال بدون الفاء وأشار بهذا إلى أنه روى عن الحسن عن جماعة من الصحابة عن النبي أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم وهم أبو هريرة وثوبان ومعقل بن يسار وعلي بن أبي طالب وأسامة رضي الله تعالى عنهم
أما حديث أبي هريرة فرواه

(11/37)


النسائي قال أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الوهاب عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم ثم قال النسائي ذكر اختلاف الناقلين لخبر أبي هريرة فيه ثم روى من حديث أبي عمرو عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي أفطر الحاجم والمحجوم ثم قال وقفه إبراهيم بن طهمان ثم روى من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال أفطر الحاجم والمحجوم ثم رواه من طريق آخر من حديث شقيق بن ثور عن أبي هريرة قال يقال أفطر الحاجم والمحجوم أما أنا فلو احتجمت ما باليت أبو هريرة يقول هذا ثم روى من حديث عطاء عن أبي هريرة قال أفطر الحاجم والمحجوم وفي لفظ عن عطاء عن أبي هريرة ولم يسمعه منه قال أفطر الحاجم والمحجوم وفي لفظ عن عطاء عن رجل عن أبي هريرة قال أفطر الحاجم والمحجوم
وأما حديث ثوبان فقال علي بن المديني روى حديث أفطر الحاجم والمحجوم قتادة عن الحسن عن ثوبان وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية أبي قلابة أن أبا أسماء الرحي حدثه أن ثوبان مولى رسول الله أخبره أنه سمع النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
وأما حديث معقل بن يسار فرواه النسائي من رواية سليمان بن معاذ عن عطاء بن السائب قال شهد عندي نفر من أهل البصرة منهم الحسن عن معقل بن يسار أن رسول الله رأى رجلا يحتجم وهو صائم فقال أفطر الحاجم والمحجوم
وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فرواه النسائي أيضا من رواية سعد بن أبي عروبة عن مطر عن الحسن عن علي عن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم
وأما حديث أسامة بن زيد فرواه النسائي من رواية أشعث بن عبد الملك عن الحسن عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله أفطر الحاجم والمحجوم قال النسائي ولم يتابع أشعث أحد علمناه على روايته وقال شيخنا زين الدين رحمه الله قد تابعه عليه يونس بن عبيد إلا أنه من رواية عبيد الله بن تمام عن يونس رواه البزار في ( زيادات المسند ) وقال وعبيد الله هذا فغير حافظ انتهى
وقد اختلف فيه على الحسن فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن ثوبان وقيل عنه عن علي وقيل عنه عن معقل بن يسار وقيل عن معقل بن سنان وقيل عنه عن أبي هريرة وقيل عنه عن سمرة قال شيخنا ويمكن أن يكون ليس باختلاف فقد روي عن الحسن عن رجال ذوي عدد من أصحاب النبي إلا أن بعض من سمي من الصحابة لم يسمع منه الحسن منهم علي وثوبان وأبو هريرة على ما قيل وقال ابن عبد البر حديث أسامة ومعقل بن سنان وأبي هريرة معلولة كلها لا يثبت منها شيء من جهة النقل
واعلم أنه قد روي في هذا الباب عن رافع بن خديج عن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم رواه الترمذي وتفرد به وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) وروى عن علي بن المديني قال لا أعلم في الحاجم والمحجوم حديثا أصح من هذا وأخرجه البزار في ( زيادات المسند ) من طريق عبد الرزاق عن معمر وقال لا نعلم يروى عن رافع عن النبي إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد وقال أحمد تفرد به معمر وروي أيضا عن شداد بن أوس رواه أبو داود والنسائي من رواية أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس أن رسول الله قال أفطر الحاجم والمحجوم أتى علي رجل بالبقيع وهو آخذ بيدي لثماني عشر خلت من رمضان فقال إن رسول الله قال أفطر الحاجم والمحجوم وعن عائشة رضي الله تعالى عنها رواه النسائي من رواية ليث عن عطاء عن عائشة أن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وليث هو ابن سليم مختلف فيه وعن ابن عباس رواه النسائي أيضا من رواية قبيصة بن عقبة حدثنا مطر عن عطاء عن ابن عباس قال قال النبي أفطر الحاجم والمحجوم ورواه البزار أيضا قال ورواه غير واحد عن مطر عن عطاء مرسلا وعن أبي موسى رواه النسائي من حديث أبي رافع قال دخلت على أبي موسى الحديث وفيه سمعت رسول الله يقول أفطر الحاجم والمحجوم وعن بلال رضي الله تعالى عنه رواه النسائي أيضا من رواية شهر عن بلال عن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وعن ابن عمر رواه ابن عدي من رواية نافع عنه قال قال رسول الله أفطر الحاجم والمحجوم وعن ابن مسعود رواه العقيلي في ( الضعفاء ) من رواية الأسود عنه قال مر بي النبي على رجلين يحجم أحدهما الآخر

(11/38)


فاغتاب أحدهما ولم ينكر عليه الآخر فقال أفطر الحاجم والمحجوم وعن جابر رواه البزار من رواية عطاء عنه أن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وعن سمرة أيضا من رواية الحسن عن سمرة أن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وعن أبي زيد الأنصاري رواه ابن عدي من حديث أبي قلابة عنه قال قال رسول الله أفطر الحاجم والمحجوم وعن أبي الدرداء ذكره النسائي عند ذكر طرق حديث عائشة في الاختلاف على ليث ولما روى الطحاوي حديث أبي رافع وعائشة وثوبان وشداد بن أوس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم قال فذهب قوم إلى أن الحجامة تفطر الصائم حاجما كان أو محجوما واحتجوا في ذلك بهذه الآثار أي أحاديث هؤلاء المذكورين قلت أراد بالقوم هؤلاء عطاء بن أبي رباح والأوزاعي ومسروقا ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل وإسحاق فإنهم قالوا الحجامة لا تفطر مطلقا ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا تفطر الحجامة حاجما أو محجوما قلت أراد بهم عطاء بن يسار والقاسم بن محمد وعكرمة وزيد بن أسلم وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبا العالية وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا والشافعي وأصحابه إلا ابن المنذر فإنهم قالوا الحجامة لا تفطر ثم قال وممن روينا عنه ذلك من الصحابة سعد بن أبي وقاص والحسين بن علي وعبد الله بن مسعود وابن زيد وابن عباس وزيد بن أرقم وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم
ثم أجاب الطحاوي عن الأحاديث المذكورة بأنه ليس فيها ما يدل على أن الفطر المذكور فيها كان لأجل الحجامة بل إنما ذلك كان لمعنى آخر وهو أن الحاجم والمحجوم كانا يغتابان رجلا فلذلك قال ما قال وكذا قال الشافعي رحمه الله فحمل أفطر الحاجم والمحجوم بالغيبة على سقوط أجر الصوم وجعل نظير ذلك أن بعض الصحابة قال للمتكلم يوم الجمعة لا جمعة لك فقال النبي صدق ولم يأمره بالإعادة فدل على أن ذلك محمول على إسقاط الأجر قال الطحاوي وليس إفطارهما ذلك كالإفطار بالأكل والشرب والجماع ولكن حبط أجرهما باغتيابهما فصارا بذلك كالمفطرين لا أنه إفطار يوجب عليهما القضاء وهذا كما قيل الكذب يفطر الصائم ليس يراد به الفطر الذي يوجب القضاء إنما هو على حبوط الأجر قال وهذا كما يقول فسق القائم ليس معناه أنه فسق لأجل قيامه ولكنه فسق لمعنى آخر غير القيام ثم روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال إنا كرهنا الحجامة للصائم من أحل الضعف وروى أيضا عن حميد قال سأل ثابتا البناني أنس بن مالك هل كنتم تكرهون الحجامة للصائم قال لا إلا من أجل الضعف وروي أيضا عن جابر بن أبي جعفر وسالم عن سعيد ومغيرة عن إبراهيم وليث عن مجاهد عن ابن عباس قال إنما كرهت الحجامة للصائم مخافة الضعف انتهى
وقد ذكرت وجوه أخرى منها ما قيل إن فيها التعرض للإفطار أما المحجوم فللضعف وأما الحاجم فلأنه لا يؤمن أن يصل إلى جوفه من طعم الدم وهذا كما يقال للرجل يتعرض للهلاك قد هلك فلان وإن كان سالما وكقوله من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين يريد أنه قد تعرض للذبح لا أنه ذبح حقيقة ومنها ما قيل إنه مر بهما مساء فقال أفطر الحاجم والمحجوم فكأنه عذرهما بهذا أو كانا أمسيا ودخلا في وقت الإفطار قاله الخطابي ومنها ما قيل إن هذا على التغليظ لهما كقوله من صام الدهر لا صام ولا أفطر ومنها ما قيل إن معناه جاز لهما أن يفطرا كقوله أحصد الزرع إذا حان أن يحصد ومنها ما قيل إن أحاديث الحاجم والمحجوم منسوخة بحديث ابن عباس الذي يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى
وقال لي عياش قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا يونس عن الحسن مثله قيل له عن النبي قال نعم ثم قال الله أعلم
عياش بتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة ابن الوليد الرقام القطان أبو الوليد البصري وعبد الأعلى ابن عبد الأعلى الشامي القرشي البصري ويونس هو بن عبيد بن دينار البصري التابعي يروي عن الحسن البصري التابعي والإسناد كله بصريون
قوله مثله أي مثل ما ذكر من أفطر الحاجم والمحجوم وقد أخرجه البخاري في ( تاريخه ) والبيهقي من طريقه قال حدثني عياش فذكره قوله قيل له أي الحسن عن النبي الذي تحدث به من أفطر

(11/39)


الحاجم والمحجوم قال نعم من النبي وأشار بقوله الله أعلم إلى أنه ترددا في ذلك ولم يجزم بالرفع وقال الكرماني والله أعلم يستعمل في مقام التردد ولفظ نعم حيث قال أولا يدل على الجزم ثم قال قلت جزم حيث سمعه مرفوعا إلى النبي وحيث كان خبر الواحد غير مفيد لليقين أظهر التردد فيه أو حصل له بعد الجزم تردد أو لا يلزم أن يكون استعماله للتردد والله أعلم وقال بعضهم وحمل الكرماني ما جزمه على وثوقه بخبر من أخبر به وتردده لكونه خبر واحد فلا يفيد اليقين وهو حمل في غاية البعد انتهى قلت استبعاده في غاية البعد لأن من سمع خبرا مرفوعا إلى النبي من رواة ثقات يجزم بصحته ثم إنه إذا نظر إلى كونه أنه خبر واحد وأنه لا يفيد اليقين يحصل له التردد بلا شك وقد أجاب الكرماني بثلاثة أجوبة فجاء هذا القائل واستبعد أحد الأجوبة من غير بيان وجه البعد وسكت عن الآخرين
8391 - حدثنا ( معلى بن أسد ) قال حدثنا ( وهيب ) عن ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا فمعلى بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة مر في الحيض ووهيب تصغير وهب مر غير مرة وأيوب السختياني كذلك
والحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي أيضا من رواية عبد الوارث وأخرجه النسائي أيضا من رواية حماد بن زيد متصلا ومرسلا من غير ذكر ابن عباس ورواه مرسلا من رواية إسماعيل ابن علية ومعمر عن أيوب عن عكرمة ومن رواية جعفر بن ربيعة عن عكرمة مرسلا وروى الترمذي من رواية مقسم عن ابن عباس أن النبي احتجم فيما بين مكة والمدينة وهو محرم صائم ورواه من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس أن النبي احتجم وهو صائم وقال هدا حديث حسن غريب ورواه النسائي أيضا بإسناد الترمذي وزاد وهو محرم وقال هذا حديث منكر لا أعلم أحدا رواه عن حبيب غير الأنصاري ولعله أراد أن النبي تزوج ميمونة
وقال وفي الباب عن أبي سعيد وجابر وأنس قلت وعن ابن عمر أيضا وعائشة ومعاذ وأبي موسى أما حديث أبي سعيد فرواه النسائي من رواية أبي المتوكل عن أبي سعيد قال رخص رسول الله في القبلة للصائم والحجامة وأما حديث جابر فرواه النسائي أيضا من رواية أبي الزبير عنه أن النبي احتجم وهو صائم وأما حديث أنس فرواه الدارقطني من رواية ثابت عنه وفيه ثم رخص النبي بعد في الحجامة للصائم وأما حديث ابن عمر فرواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية نافع عنه قال احتجم رسول الله وهو صائم محرم وأعطى الحجام أجره وأما حديث عائشة فرواه ابن أبي حاتم في ( العلل ) من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها أن النبي احتجم وهو صائم وقال هذا حديث باطل وفي إسناده محمد بن عبد العزيز ضعيف وأما حديث معاذ فرواه ابن حبان في ( الضعفاء ) من حديث جبير بن نفير عنه أن النبي احتجم وهو صائم وأما حديث أبي موسى فرواه ابن أبي حاتم في ( العلل ) عن أبيه قال سمعت أبي يقول وهو محمد بن سلمة في الحديث الذي يرويه عن زياد بن أبي مريم أنه دخل على أبي موسى وهو يحتجم وهو صائم وقد مر حديث أبي موسى في هذا الباب رواه ابن أبي شيبة وقد ذكرنا عن قريب أن أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم منسوخة
قال المنذري حديث ابن عباس ناسخ لأن في حديث شداد بن أوس أن النبي قال في عام الفتح في رمضان لرجل كان يحتجم أفطر الحاجم والمحجوم والفتح كان في سنة ثمان وحديث ابن عباس كان في حجة الوداع في سنة عشر فهو متأخر ينسخ المتقدم فإن ابن عباس لم يصحب النبي وهو محرم إلا في حجة الإسلام وفي حجة الفتح لم يكن النبي محرما وقد أشار الإمام الشافعي إلى هذا ومما يصرح فيه بالنسخ حديث أنس بن مالك أخرجه الدارقطني حدثنا عمر بن محمد بن القاسم النيسابوري حدثنا محمد بن خالد بن زيد الراسبي حدثنا

(11/40)


مسعود بن جويرة حدثنا المعافي بن عمران عن ياسين الزيات عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله احتجم وهو صائم بعدما قال أفطر الحاجم والمحجوم وهذا صريح بانتساخ حديث أفطر الحاجم والمحجوم واعترض ابن خزيمة بأن في هذا الحديث يعني حديث الباب أنه كان صائما محرما قال ولم يكن قط محرما مقيما ببلده إنما كان محرما وهو مسافر وللمسافر إن كان ناويا للصوم فمضى عليه بعض النهار وهو صائم الأكل والشرب على الصحيح فإذا جاز له ذلك جاز له أن يحتجم وهو مسافر قال وليس في خبر ابن عباس ما يدل على إفطار المحجوم فضلا عن الحاجم وأجيب بأن الحديث ما ورد هكذا إلا لفائدة فالظاهر أنه وجدت منه الحجامة وهو صائم لم يتحلل من صومه واستمر وقال ابن حزم صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب فيه لكن وجدنا من حديث أبي سعيد أرخص النبي محرما في الحجامة للصائم وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجما أو محجوما وقد مر حديث أبي سعيد عن قريب
9391 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال احتجم النبي وهو صائم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو معمر بفتح الميمين اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد وعبد الوارث ابن سعيد التميمي العنبري مولاهم البصري وأيوب هو السختياني وهذا طريق آخر في حديث ابن عباس وأخرج الطحاوي هذا الحديث من عشر طرق وأخرجه أبو داود عن أبي معمر عن عبد الوارث إلى آخره نحو رواية البخاري وقال الإسماعيلي حدثنا الحسن حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة فلم يذكر ابن عباس واختلف على حماد بن زيد في وصله وإرساله وقد بين ذلك النسائي وقال مهنا سألت أحمد عن هذا الحديث فقال ليس فيه صائم إنما هو وهو محرم ثم ساق من طرق ابن عباس لكن ليس فيها طريق أيوب هذه والحديث صحيح لا شك فيه وروى ابن سعد في كتابه عن هاشم بن القاسم عن شعبة عن الحاكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله احتجم بالقاحة وهو صائم قلت القاحة بالقاف والحاء المهملة على ثلاثة مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل
0491 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( ثابتا البناني يسأل أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال لا إلا من أجل الضعف
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد مروا غير مرة
قوله البناني بضم الباء الموحدة وبالنونين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة نسبة إلى بنانة وهم ولد سعد بن لؤي قوله يسأل على صورة المضارع المبني للفاعل وهو رواية أبي الوقت وهذا غلط لأن شعبة ما حضر سؤال ثابت عن أنس وقد سقط منه رجل بين شعبة وثابت فرواه الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق جعفر بن محمد القلانسي وأبي قرصافة محمد بن عبد الوهاب وإبراهيم بن الحسين بن يزيد كلهم عن آدم ابن أبي إياس شيخ البخاري فيه مقال عن شعبة عن حميد قال سمعت ثابتا وهو يسأل أنس بن مالك فذكر الحديث وأشار الإسماعيلي والبيهقي إلى أن الرواية التي وقعت للبخاري خطأ وأنه سقط منه حميد قلت الخطأ من غير البخاري لأنه كان يعلم أن شعبة لم يحضر سؤال ثابت عن أنس ولا أدرك أنسا وأكثر أصول البخاري سمعت ثابتا البناني قال سأل أنس بن مالك
وزاد شبابة قال حدثنا شعبة على عهد النبي
شبابة بفتح الشين المعجمة وبالباءين الموحدتين أولاهما خفيفة وهو ابن سوار الفزاري مولاهم أبو عمرو المدائني أصله من خراسان ويقال اسمه مروان وإنما غلب عليه شبابة وهذه الزيادة أخرجها ابن منده في ( غرائب شعبة ) فقال حدثنا محمد

(11/41)


بن أحمد بن حاتم حدثنا عبد الله بن روح حدثنا شبابة حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد وبه عن شبابة عن شعبة عن حميد عن أنس نحوه وهذا يؤكد صحة اعتراض الإسماعيلي ومن تبعه ويشعر بأن الخلل ليس من البخاري إذ لو كان إسناد شبابة عنده مخالفا لإسناد آدم لبنيه والله أعلم
33 -
( باب الصوم في السفر والإفطار )
أي هذا باب في بيان حكم الصوم في السفر وحكم الإفطار فيه هل هما مباحان فيه أو المكلف مخير فيه سواء في رمضان أو غيره
1491 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي إسحاق الشيباني ) أنه سمع ( ابن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع رسول الله في سفر فقال لرجل انزل فاجدح لي قال يا رسول الله الشمس قال انزل فاجدح لي قال يا رسول الله الشمس قال انزل فاجدح لي فنزل فجدح له فشرب ثم رمى بيده ههنا ثم قال إذا رأيتم الليل أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم
مطابقته للترجمة من حيث إنه كان صائما في سفره هذا وهو مطابق للجزء الأول من الترجمة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول علي بن عبد الله بن جعفر الذي يقال له ابن المديني وقد تكرر ذكره الثاني سفيان بن عيينة الثالث أبو إسحاق الشيباني واسمه سليمان بن أبي سليمان واسمه فيروز الشيباني نسبة إلى شيبان بن وهل بن ثعلبة وشيبان في قبائل الرابع عبد الله بن أبي أوفى واسمه علقمة الأسلمي وهذا هو أحد من رواه أبو حنيفة الإمام رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع وفيه السماع في موضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه بصري وسفيان مكي وأبو إسحاق كوفي والحديث من الرباعيات
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصوم عن مسدد وعن أحمد بن يونس وفي الطلاق عن علي بن عبد الله عن جرير وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى عن هشيم وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كامل الجحدري وعن ابن أبي عمرو عن إسحاق بن إبراهيم وعن عبيد الله بن معاذ وعن محمد بن المثنى وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور عن سفيان به
ذكر معناه قوله كنا مع رسول الله في سفر وفي رواية مسلم كنا مع رسول الله في سفر في شهر رمضان قيل يشبه أن يكون سفر غزوة الفتح والدليل عليه رواية هشيم عن الشيباني عند مسلم بلفظ كنا مع رسول الله في سفر في شهر رمضان وسفره في رمضان منحصر في غزوة بدر وفي غزوة الفتح فإن ثبت فلم يشهد ابن الزبير ابن أبي أوفى بدرا فتعينت غزوة الفتح قوله فقال الرجل وفي رواية مسلم فلما غابت الشمس قال يا فلان إنزل فاجدح وفي رواية للبخاري فلما غربت على ما يأتي ولفظ غربت يفيد معنى زائدا على معنى غابت والرجل في رواية البخاري وفلان في رواية مسلم هو بلال رضي الله تعالى عنه قال صاحب ( التوضيح ) وجاء في بعض طرق الحديث أنه بلال قلت هذا في رواية أبي داود فإنه أخرج الحديث عن مسدد شيخ البخاري وفيه فقال يا بلال انزل إلى آخره ووقع في رواية أحمد من رواية شعبة عن الشيباني فدعا صاحب شرابه بشراب فقال لو أمسيت قوله فاجدح لي إجدح بكسر الهمزة أمر من جدحت السويق واجتدحته أي لتته والمصدر جدح ومادته جيم ودال وحاء مهملة والجدح أن يحرك السويق بالماء فيخوض حتى يستوي وكذلك اللبن ونحوه والمجدح بكسر الميم عود مجدح الرأس تساط به الأشربة وربما يكون له ثلاث شعب وقال الداودي إجدح يعني احلب ورد ذلك عياض وغيره وفي ( المحكم ) المجدح خشبة في رأسها خشبتان معترضتان وكلما خلط فقد جدح وعن القزاز هو كالملعقة وفي ( المنتهى ) شراب مجدوح

(11/42)


ومجدح أي مخوض والمجدح عود ذو جوانب وقيل هو عود يعرض رأسه والجمع مجاديح قوله الشمس بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذه الشمس يعني ما غربت الآن ويجوز فيه النصب على معنى انظر الشمس وهذا ظن منه أن الفطر لا يحل إلا بعد ذلك لما رأى من ضوء الشمس ساطعا وإن كان جرمها غائبا يؤيده قوله إن عليك نهارا وهو معنى لو أمسيت في رواية أحمد أي تأخرت حتى يدخل المساء وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم فيه الأكل مع تجويزه أن النبي لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما فقصد زيادة الإعلام فأعرض عن الضوء واعتبر غيبوبة الشمس ثم بين ما يعتبره من لم يتمكن من رؤية جرم الشمس وهو إقبال الظلمة من المشرق فإنها لا تقبل منه إلا وقد سقط القرص فإن قلت المراجعة معاندة ولا يليق ذلك للصحابي قلت قد ذكرنا أنه ظن فلو تحقق أن الشمس غربت ما توقف وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في ذلك فأكثر ما وقع فيها أن المراجعة وقعت ثلاثا وفي بعضها مرتين وفي بعضها مرة واحدة وهو محمول على أن بعض الرواة اختصر القصة قوله ثم رمى بيده ههنا معناه أشار بيده إلى المشرق ويؤيد ذلك ما رواه مسلم ثم قال بيده إذا غابت الشمس من ههنا وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم وفي لفظ له ثم قال إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا أشار بيده نحو المشرق فقد أفطر الصائم قوله إذا رأيتم الليل أقبل من ههنا أي من جهة المشرق فإن قلت ما الحكمة في قوله إذا أقبل الليل من ههنا وفي لفظ مسلم إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا وفي لفظ الترمذي عن عمر بن الخطاب إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغربت الشمس فقد أفطر والإقبال والإدبار والغروب متلازمة لأنه لا يقبل الليل إلا إذا أدبر النهار ولا يدبر النهار إلا إذا غربت الشمس قلت أجاب القاضي عياض بأنه قد لا يتفق مشاهدة عين الغروب ويشاهد هجوم الظلمة حتى يتيقن الغروب بذلك فيحل الإفطار وقال شيخنا الظاهر إن أريد أحد هذه الأمور الثلاثة فإنه يعرف انقضاء النهار برؤية بعضها ويؤيده اقتصاره في حديث ابن أبي أوفى على إقبال الليل فقط وقد يكون الغيم في المشرق دون المغرب أو عكسه وقد يشاهد مغيب الشمس فلا يحتاج معه إلى أمر آخر قوله فقد أفطر الصائم أي دخل وقت الإفطار لا أنه يصير مفطرا بغيبوبة الشمس وإن لم يتناول مفطرا
ذكر ما يستفاد منه الحديث يدل على أن الصوم في السفر في رمضان أفضل من الإفطار وذلك لأن النبي كان صائما وهو في السفر في شهر رمضان وقد اختلفوا في هذا الباب فمنهم من روى عنه التخيير منهم ابن عباس وأنس وأبو سعيد وسعيد بن المسيب وعطاء وسعيد بن جبر والحسن والنخعي ومجاهد والأوزاعي والليث وذهب قوم إلى أن الإفطار أفضل منهم عمر بن عبد العزيز والشعبي وقتادة ومحمد بن علي والشافعي وأحمد وإسحاق وقال ابن العربي قالت الشافعية الفطر أفضل في السفر وقال أبو عمر قال الشافعي هو مخير ولم يفصل وكذلك قال ابن علية وقال القاضي مذهب الشافعي أن الصوم أفضل وممن كان لا يصوم في السفر حذيفة وذهب قوم إلى أن الصوم أفضل وبه قال الأسود بن يزيد وأبو حنيفة وأصحابه وفي ( التوضيح ) وبه قال الشافعي ومالك وأصحابه وأبو ثور وكذا روى عن عثمان بن أبي العاص وأنس بن مالك وروي عن عمر وابنه وأبي هريرة وابن عباس إن صام في السفر لم يجزه وعليه القضاء في الحضر وعن عبد الرحمن بن عوف قال الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وبه قال أهل الظاهر وممن كان يصوم في السفر ولا يفطر عائشة وقيس بن عباد وأبو الأسود وابن سيرين وابن عمر وابنه سالم وعمرو بن ميمون وأبو وائل وقال علي رضي الله تعالى عنه فيما رواه حماد بن يزيد عن أيوب عن محمد بن عبيدة عنه من أدرك رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم لأن الله تعالى قال فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة 581 ) وقال أبو مجلز لا يسافر أحد في رمضان فإن سافر فليصم وقال أحمد يباح له الفطر فإن صام كره وأجزأه وعنه الأفضل الفطر وقال أحمد كان عمر وأبو هريرة يأمران بالإعادة يعني إذا صام وقال الإسبيجابي في ( شرح مختصر الطحاوي ) الأفضل أن يصوم في السفر إذا لم يضعفه الصوم فإن أضعفه ولحقه مشقة بالصوم بالفطر أفضل فإن أفطر من غير مشقة لا يأثم وبما قلناه قال مالك والشافعي قال النووي هو المذهب

(11/43)


وعن مجاهد في رواية أفضل الأمرين أيسرهما عليه وقيل الصوم والفطر سواء وهو قول للشافعي
وفيه استحباب تعجيل الفطر
وفيه بيان انتهاء وقت الصوم وهو أمر مجمع عليه وقال أبو عمر في ( الاستذكار ) أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا وأجمعوا على أن صلاة المغرب من صلاة الليل والله عز و جل قال ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة 781 ) واختلفوا في أنه هل يجب تيقن الغروب أم يجوز الفطر بالاجتهاد وقال الرافعي الأحوط أن لا يأكل إلا بيقين غروب الشمس لأن الأصل بقاء النهار فيستصحب إلى أن يستيقن خلافه ولو اجتهد وغلب على ظنه دخول الليل بورد وغيره ففي جواز الأجل وجهان أحدهما وبه قال الاستاذ أبو إسحاق الإسفرائني أنه لا يجوز وأصحهما الجواز وإذا كانت البلدة فيها أماكن مرتفعة وأماكن منخفضة فهل يتوقف فطر سكان الأماكن المنخفضة على تحقق غيبة الشمس عند سكان الأماكن المرتفعة الظاهر اشتراط ذلك وفيه جواز الاستفسار عن الظواهر لاحتمال أن يكون المراد إمرارها على ظواهرها
وفيه أنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر
وفيه تذكير العالم بما يخشى أن يكون نسيه
وفيه أن الأمر الشرعي أبلغ من الحسي وأن العقل لا يقضي على الشرع
وفيه أن الفطر على التمر ليس بواجب وإنما هو مستحب لو تركه جاز
وفيه إسراع الناس إلى إنكار ما يجهلون لما جهل من الدليل الذي عليه الشارع وأن الجاهل بالشيء ينبغي أن يسمح له فيه المرة بعد المرة والثالثة تكون فاصلة بينه وبين معلمه كما فعل الخضر بموسى عليهما السلام وقال هذا فراق بيني وبينك ( الكهف 87 )
تابعه جرير وأبو بكر بن عياش عن الشيباني عن ابن أبي أوفى قال كنت مع النبي في سفر
يعني تابع سفيان جرير بفتح الجيم ابن عبد الحميد وتابعه أيضا أبو بكر بن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن سالم الأسدي الكوفي الحناط بالنون المقرىء وقد اختلف في اسمه على أقوال فقيل محمد وقيل عبد الله وقيل سالم وقيل غير ذلك إلى أسماء مختلفة والأصح أن اسمه كنيته ومتابعة جرير وصلها في البخاري في الطلاق ومتابعة أبي بكر تأتي موصولة في باب تعجيل الإفطار والمراد من المتابعة المتابعة في أصل الحديث
2491 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال حدثني أبي عن ( عائشة ) أن ( حمزة بن عمرو الأسلمي ) قال يا رسول الله إني أسرد الصوم ( الحديث 2491 - طرفه في 3491 )
مطابقته للترجمة من حيث إن سرد الصوم يتناول الصوم في السفر أيضا كما هو الأصل في الحضر وأخرج هذا الحديث من طريقين الأول عن مسدد عن يحيى عن هشام وهو مختصر والثاني عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام إلى آخره وسيأتي عن قريب
ذكر رجاله وهم ستة الأول مسدد بن مسرهد الثاني يحيى بن سعيد القطان الثالث هشام بن عروة الرابع أبوه عروة بن الزبير بن العوام الخامس عائشة أم المؤمنين السادس حمزة بن عمرو الأسلمي أبو صالح وقيل أبو محمد
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه رواية الابن عن الأب وفيه أن الحديث من مسند عائشة وهذا ظاهر لأن الحفاظ رووه هكذا وقال عبد الرحيم بن سليمان عند النسائي والدراوردي عند الطبراني ويحيى بن عبد الله بن سالم عند الدارقطني ثلاثتهم عن هشام عن أبيه عن عائشة عن حمزة بن عمرو جعلوه من مسند حمزة والمحفوظ أنه من مسند عائشة وحاء الحديث من رواية حمزة أيضا فأخرجها مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح فقال رسول الله هو رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه وكذلك رواه محمد بن إبراهيم

(11/44)


التيمي عن عروة لكنه أسقط أبا مراوح والصواب إثباته وهو محمول على أن لعروة فيه طريقين سمعه من عائشة وسمعه من أبي مراوح عن حمزة
ذكر معناه وقوله إني أسرد الصوم أي أتابعه يعني آتي به متواليا وهو من سرد يسرد من باب نصر ينصر وقال ابن التين وضبط في بعض الأمهات بضم الهمزة ولا وجه له في اللغة إلا أن يريد بفتح السين وتشديد الراء على التكثير قلت لا يحتاج إلى هذا التطويل لأنه حين قيل بضم الهمزة علم أنه من باب التفعيل تقول سرد يسرد تسريدا وصيغة المتكلم وحده لا تجيء إلا بضم الهمزة قالوا وفيه رد على من يرى أن صوم الدهر مكروه لأنه أخبر بسرده ولم ينكر عليه بل أقره وأذن له في السفر ففي الحضر أولى وأجيب بأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر فلا دلالة فيه على الكراهة فإن قلت يعارضه نهيه عبد الله بن عمرو بن العاص قلت يحمل نهيه على ضعف عبد الله عن ذلك وحمزة ذكر قوة لم يذكرها غيره
3491 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي أأصوم في السفر وكان كثير الصيام فقال إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ( انظر الحديث 2491 )
هذا طريق ثان قوله أأصوم بهمزتين الأولى هي همزة الاستفهام والأخرى همزة المتكلم وكلتاهما مفتوحتان قيل ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان فلا يكون فيه حجة على منع صيام رمضان في السفر وأجيب بأن في رواية أبي مراوح في رواية مسلم التي ذكرناها إشعارا بأنه سأل عن صيام الفريضة لأن الرخصة إنما تطلق في مقابل ما هو واجب وأصرح من ذلك وأكثر وضوحا ما رواه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وأنه ربما صادفني هذا الشهر يعني شهر رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أؤخره فيكون دينا علي فقال أي ذلك شئت يا حمزة
43 -
( باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر )
أي هذا باب يذكر فيه إذا صام شخص أيامر من رمضان ثم سافر هل يباح له الفطر أم لا ولم يذكر جواب إذا اكتفاء بما ذكره في الباب تقديره يباح له الفطر وقال بعضهم كأنه أشار إلى تضعيف ما روى عن علي بإسناد ضعيف أن من استهل عليه رمضان في الحضر ثم سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة 581 ) انتهى قلت قد مر مثل هذا الكلام من هذا القائل غير مرة وأجبنا عن هذا بأن الإشارة لا تكون إلا للحاضر فمن أين علم أنه اطلع على هذا الحديث حتى أشار إليه ولئن سلمنا اطلاعه على هذا فكيف وجه الإشارة إليه
4491 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي خرج إلى مكة فصام أياما ثم أفطر
ورجاله قد ذكروا غير مرة وعبيد الله بن عبد الله بالتصغير في الابن والتكبير في الأب ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن علي بن عبد الله وفي المغازي عن محمود عن عبد الرزاق وعن عبد الله بن يوسف عن الليث وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى وابن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعمرو الناقد أربعتهم عن سفيان به وعن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وعن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث عنه به وعن حرملة بن يحيى عن ابن وهب وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن سفيان به

(11/45)


ذكر معناه قوله خرج إلى مكة كان ذلك في غزوة الفتح خرج يوم الأربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان فلما كان بالصلصل جبل عند ذي الحليفة نادى مناديه من أحب أن يفطر فليفطر ومن أحب أن يصوم فليصم فلما بلغ الكديد أفطر بعد صلاة العصر على راحلته ليراه الناس قوله لعشر مضين من رمضان رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري ووقع في مسلم من حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج في عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة خلت منه قوله حتى بلغ الكديد وفي رواية عن ابن عباس ستأتي قريبا من وجه آخر حتى بلغ عسفان بدل الكديد ووقع عند مسلم فلما بلغ كراع الغميم ووقع في رواية النسائي من رواية الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي خرج في رمضان فصام حتى أتى قديدا ثم أتى بقدح من لبن فشربه فأفطر هو وأصحابه وقال القاضي عياض اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه والكل في قضية واحدة وكلها متقاربة والجميع من عمل عسفان انتهى قلت الكديد بفتح الكاف وبدالين مهملتين أولاهما مكسورة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وهو موضع بينه وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها وبينه وبين مكة نحو مرحلتين وهو أقرب إلى المدينة من عسفان وقال أبو عبيد بينه وبين عسفان ستة أميال وعسفان على أربعة برد من مكة وبالكاديد عين جارية بها نخل كثير وذكر ابن قرقول أن بين الكديد ومكة اثنان وأربعون ميلا وقال ابن الأثير وعسفان قرية جامعة بين مكة والمدينة وكراع الغميم أيضا موضع بين مكة والمدينة والكراع جانب مستطيل من الحرة مشتبها بالكراع والغميم بفتح الغين المعجمة واد بالحجاز أما عسفان فبثمانية أميال يضاف إليها هذا الكراع قيل جبل أسود متصل به والكراع كل أنف سال من جبل أو حرة وقديد بضم القاف موضع قريب من مكة فكأنه في الأصل تصغير قد
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان صريح أنه صام في السفر وفيه رد على من لم يجوز الصوم في السفر وفيه بيان إباحة الإفطار في السفر وفيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار وفيه رد لقول من زعم أن فطره بالكديد كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة وذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز الفطر في ذلك اليوم وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر قال أبو عمر اختلفوا في الذي يخرج في سفره وقد بيت الصوم فقال مالك عليه القضاء ولا كفارة فيه وبه قال أبو حنيفة والشافعي وداود والطبري والأوزاعي وللشافعي قول آخر أنه يكفر إن جامع
قال أبو عبد الله والكديد ماء بين عسفان وقديد
أبو عبد الله هو البخاري نفسه ونسبة هذا التفسير للبخاري وقعت في رواية المستملي وحده وسيأتي في المغازي موصولا من وجه آخر في نفس الحديث
5491 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثني ( يحيى بن حمزة ) عن عبد الرحمان بن يزيد بن جابر أن إسماعيل بن عبيد الله حدثه عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال خرجنا مع النبي في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي وابن رواحة
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي أن الصوم والإفطار في السفر لو لم يكونا مباحين لما صام النبي وابن رواحة وأفطر الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقد وقع على رأس هذا الحديث لفظ باب كذا مجردا عن ترجمة عند الأكثرين وسقط من رواية النسفي
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبد الله بن يوسف التنيسي الثاني يحيى بن حمزة الدمشقي مات سنة ثلاث وثمانين ومائة الثالث ( عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ) الشامي مات سنة ثلاث وخمسين ومائة

(11/46)


الرابع ( إسماعيل بن عبيد الله ) مصغرا مات سنة إحدى وثلاثين ومائة الخامس أم ( الدرداء ) الصغرى واسمها هجيمة وهي تابعية وأم الدرداء الكبرى اسمها خيرة وهي صحابية وكلتاهما زوجتا ( أبي الدرداء ) وقال ابن الأثير قد جعل ابن منده وأبو نعيم كلتيهما واحدة وليس كذلك وقال أبو مسهر أيضا هما واحدة وهو وهم منه والصحيح ما ذكرناه السادس أبو الدرداء واسمه عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن رواته كلهم شاميون سوى شيخ البخاري وقد دخل الشام وفيه رواية التابعية عن الصحابي والزوجة عن زوجها وفيه عن أم الدرداء وفي رواية أبي داود من طريق سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله حدثتني أم الدرداء
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن داود بن رشيد وأخرجه أبو داود فيه عن مؤمل بن الفضل الحراني
ذكر معناه قوله خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره وفي رواية مسلم من طريق سعيد بن عبد العزيز خرجنا مع رسول الله في شهر رمضان في حر شديد الحديث وفي هذه الزيادة فائدتان أولاهما أن المراد يتم به من الاستدلال والأخرى يرد بها على ابن حزم في قوله لا حجة في حديث أبي الدرداء لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا لا يظن أن هذه السفرة سفرة الفتح لأن في هذه السفرة كان عبد الله بن رواحة معه وقد استشهد هو بمؤتة قبل غزوة الفتح قال صاحب ( التلويح ) ويحتمل أن تكون هذه السفرة سفرة بدر لأن الترمذي روى عن عمر رضي الله تعالى عنه غزونا مع رسول الله في رمضان يوم بدر والفتح قال وأفطرنا فيهما والترمذي بوب بابين أحدهما في كراهية الصوم في السفر والآخر ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر وأخرج في الباب الأول حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال أولئك العصاة وأخرجه مسلم والنسائي أيضا وأخرج في الباب الثاني حديث عائشة عن حمزة بن عمرو الأسلمي وقد مر فيما مضى عن قريب وقال في الباب الأول وقوله حين بلغ بلغه أن ناسا صاموا أولئك العصاة فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى فأما من رأى الفطر مباحا وصام وقوي على ذلك فهو أعجب إلي وقال النووي هو محمول على أن من تضرر بالصوم أو أنهم أمروا بالفطر أمرا جازما لمصلحة بيان جوازه فخالفوا الواجب قال وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصيا إذا لم يتضرر به فإن قلت كيف صام بعض الصحابة بل أفضلهم وهو أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما على ما في حديث أبي هريرة الذي رواه النسائي من رواية الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عنه قال أتى النبي بطعام بمر الظهران فقال لأبي بكر وعمر أدنيا فكلا فقالا إنا صائمان قال أرحلوا لصاحبيكم إعملوا لصاحبيكم انتهى بعد أمره لهم بالإفطار قلت ليس في حديث جابر أنه أمرهم بالإفطار وكذلك هو عند من خرج من الأئمة الستة وأنهم صاموا بعد إفطار النبي وأما صوم أبي بكر وعمر بمر الظهران فهو بعد عسفان وكراع الغميم فليس فيه أن هذا كان في غزوة الفتح هذه وإن كان الظاهر أنه فيها فإنهما فهما أن فطره كان ترخصا ورفقا بهم وظنا أن بهما قوة على الصيام فأراد النبي والله أعلم حسم ذلك لئلا يقتدي بهما أحد فأمرهما بالإفطار
63 -
( باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصوم في السفر )
أي هذا باب في بيان قول النبي للرجل الذي ظللوا عليه بشيء مما له ظل لشدة الحر قوله واشتد الحر جملة

(11/47)


فعلية وقعت حالا قوله ليس من البر مقول القول ولفظ الحديث يظهر من هذا أن السبب لقوله هذا هو المشقة والبر بكسر الباء الطاعة يعني ليس من الطاعة والعبادة أن تصوموا في حالة السفر والبر أيضا الإحسان والخير ومنه بر الوالدين يقال بر يبر فهو بار وجمعه بررة وجمع البر بفتح الباء أبرار والبر بالفتح الحيد والخير ومنه قوله صلوا خلف كل بر وفاجر ويجيء بمعنى المعطوف وفي أسماء الله تعالى البر العطوف على عباده ببره ولطفه والبر والبار بمعنى وإنما جاء في إسم الله تعالى البر دون البار والبر بالفتح أيضا خلاف البحر وجمعه برور ويقال إن كلمة من في قوله ليس من البر زائدة أي ليس البر كما في قولهم ما جاءني من أحد أي ما جاءني أحد ولا خلاف في زيادة من في النفي وإنما الخلاف في الإثبات فأجازه قوم ومنعه آخرون
6491 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( محمد بن عبد الرحمان الأنصاري ) قال سمعت ( محمد بن عمرو بن الحسن بن علي ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قال كان رسول الله في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا فقالوا صائم فقال ليس من البر الصوم في السفر
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة قطعة من الحديث ورجاله مشهورون
والحديث أخرجه مسلم من حديث محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر قال كان رسول الله في سفر فرأى رجلا قد اجتمع عليه الناس وقد ظلل عليه فقال ما له قالوا رجل صائم فقال رسول الله ليس من البر أن تصوموا في السفر وفي لفظ له في آخره قال شعبة وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث وفي هذا الإسناد أنه قال عليكم برخصة الله الذي رخص لكم قال فلما سألته لم يحفظه ورواه أبو داود أيضا وقال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن يعني ابن أسعد بن زرارة عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر أن رسول الله رأى رجلا يظلل عليه والزحام عليه فقال ليس من البر الصيام في السفر ورواه النسائي وقال أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق قال حدثنا عبد الوهاب بن سعيد قال حدثنا شعيب عن الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن قال أخبرني جابر بن عبد الله أن رسول الله مر برجل إلى ظل شجرة يرش عليه الماء قال ما بال صاحبكم هذا قالوا يا رسول الله صائم قال ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها
وفي الباب عن ابن عمر رواه الطحاوي من رواية نافع عنه قال قال رسول الله فيس من البر الصيام في السفر ورواه ابن ماجه عن محمد بن مصفي الحمصي إلى آخره نحوه وروى الطحاوي أيضا من حديث كعب بن مالك بن عاصم الأشعري أن رسول الله قال ليس من البر أن تصوموا في السفر ورواه النسائي وابن ماجه والطبراني في ( الكبير ) وروى الطحاوي أيضا قال حدثنا محمد بن النعمان قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يقول أخبرني صفوان بن عبد الله الحديث قال سفيان فذكر لي أن الزهري كان يقول ولم أسمع أنا منه ليس من أمبرا مصيام في امسفر قال الزمخشري هي لغة طيء فإنهم يبدلون اللام ميما وروى ابن عدي من حديث عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله ليس من البر الصوم في السفر وفيه مقال وروى ابن عدي أيضا من حديث ميمون بن مهران عن أبي هريرة عن النبي قال ليس من البر الصوم في السفر وفيه محمد بن إسحاق العكاشي وهو منكر الحديث وقال الطحاوي ذهب قوم إلى هذه الأحاديث وقالوا الإفطار في شهر رمضان في السفر أفضل من الصيام قلت أراد بالقوم هؤلاء سعيد بن جبير وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز والشعبي والأوزاعي وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق وقد ذكرنا فيما مضى مذاهب العلماء
ذكر معناه قوله كان رسول الله في سفر ظهر من رواية الترمذي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أنها

(11/48)


غزوة الفتح لأنه صرح فيه بقوله خرج إلى مكة عام الفتح الحديث قوله ورجلا قد ظلل عليه وقال صاحب ( التلويح ) والرجل المجهود في الصوم هنا قيل هو أبو إسرائيل ذكر الخطيب في كتاب ( المبهمات ) أن النبي رآه يهادي بين ابنيه وقد ظل عليه فسأل عنه فقالوا نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فقال إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه مروه فليمش وليركب وفي مسند أحمد ما يشعر بأنه غير المظلل عليه وهو أن النبي دخل المسجد وأبو إسرائيل يصلي فقيل للنبي هو ذا يا رسول الله لا يقعد ولا يكلم الناس ولا يستظل ولا يفطر فقال ليقعد وليتكلم وليستظل وليفطر وقال بعضهم زعم مغلطاي أنه أبو إسرائيل وعزى ذلك ( بمبهمات الخطيب ) ولم يقل الخطيب ذلك في هذه القصة ثم أطال الكلام بما لا يفيده فكيف يقول زعم مغلطاي وهو لم يزعم ذلك وإنما قال قيل هو أبو إسرائيل ثم قال أيضا وفي ( مسند ) أحمد ما يشعر أنه غيره وبين ذلك فهذا مجرد تشنيع عليه مع ترك محاسن الأدب في ذكره بصريح اسمه وليس هذا من دأب العلماء وقال صاحب ( التوضيح ) عندما ينقل عنه شيئا قال شيخنا علاء الدين قوله قد ظلل عليه على صيغة المجهول قوله فقال أي فقال النبي ما للرجل يعني ما شأنه وفي رواية النسائي ما بال صاحبكم هذا قوله ليس من البر الصوم في السفر قد مر تفسير البر آنفا وتمسك بعض أهل الظاهر بهذا وقال إذا لم يكن من البر فهو من الإثم فدل أن صوم رمضان لا يجزىء في السفر وقال الطحاوي هذا الحديث خرج لفظه على شخص معين وهو المذكور في الحديث ومعناه ليس البر أن يبلغ الإنسان بنفسه هذا المبلغ والله قد رخص في الفطر والدليل على صحة هذا التأويل صومه في السفر في شدة الحر ولو كان إثما لكان أبعد الناس منه أو يقال ليس هو أبر البر لأنه قد يكون الإفطار أبر منه للقوة في الحج والجهاد وشبههما وقال القرطبي أي ليس من البر الواجب
قيل هذا التأويل إنما يحتاج إليه من قطع الحديث عن سببه وحمله على عمومه وأما من حمله على القاعدة الشرعية في رفع ما لا يطاق عن هذه الأمة فبأن للمريض المقيم ومن أجهده الصوم أن يفطر فإن خاف على نفسه التلف من الصوم عصى بصومه وعلى هذا يحمل قوله أولئك العصاة وأما من كان على غير حال المظلل عليه فحكمه ما تقدم من التخيير وبهذا يرتفع التعارض وتجتمع الأدلة ولا يحتاج إلى فرض نسخ إذ لا تعارض فإن قلت روى النسائي من حديث أبي أمية الضمري فيه فقال رسول الله إن الله وضع عن المسافر الصيام ونصف الصلاة وروى أيضا من حديث عبد الله بن الشخير قال كنت مسافرا فأتيت النبي وهو يأكل وأنا صائم فقال هلم فقلت إني صائم قال أتدري ما وضع الله عز و جل عن المسافر قلت وما وضع الله عن المسافر قال الصوم وشطر الصلاة قلت يجوز أن يكون ذلك الصيام الذي وضعه عنه هو الصيام الذي لا يكون له منه بد في تلك الأيام كما لا بد للمقيم من ذلك
73 -
( باب لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضا في الصوم والإفطار )
أي هذا باب يذكر فيه لم يعب ألى آخره أراد يعني في الأسفار
54 - ( حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كنا نسافر مع النبي فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم )
مطابقته للترجمة من حيث أنها بعض متن الحديث وأخرجه مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا أبو خيثمة عن حميد قال سئل أنس عن صوم رمضان في السفر فقال سافرنا مع رسول الله في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن حميد قال خرجت فصمت فقالوا لي أعد ( فإن قلت ) أن أنسا أخبرني أن أصحاب رسول الله كانوا يسافرون فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم فلقيت ابن أبي مليكة فأخبرني عن عائشة بمثله وروى مسلم أيضا عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله قالا سافرنا مع رسول الله فيصوم الصائم ويفطر المفطر فلا يعيب بعضهم على بعض

(11/49)


وفي لفظ له عن أبي سعيد مطولا وفيه فقال إنكم مصبحوا عدوكم والفطر أنوى لكم فأفطروا وكانت عزيمة فأفطرنا ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله بعد ذلك في السفر وقوله لقد رأيتنا أي رأيت أنفسنا وهذا الحديث حجة على من زعم أن الصائم في السفر لا يجزيه صومه لأن تركهم لإنكار الصوم والفطر يدل على أن ذلك عندهم من المتعارف المشهور الذي تجب الحجة به -
83 -
( باب من أفطر في السفر ليراه الناس )
أي هذا باب في بيان شأن الذي أفطر في السفر ليراه الناس فيقتدوا به ويفطرون بفطره ويفهم منه أن أفضلية الفطر لا تختص بمن تعرض له المشقة إذا صام أو بمن يخشى العجب والرياء أو بمن يظن به أنه رغب عن الرخصة بل إذا رأى من يقتدي به أفطر يفطر هو أيضا وذلك لأن النبي إنما أفطر في السفر ليراه الناس فيقتدوا به ويفطرون لأن الصيام كان أضرهم فأراد الرفق بهم والتيسير عليهم أخذا بقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( البقرة 581 ) فأخبر الله تعالى أن الإفطار في السفر أراده للتيسير على عباده فمن اختار رخصة الله فأفطر في سفره أو مرضه لم يكن معنفا ومن اختار الصوم وهو يسير عليه فهو أفضل لورود الأخبار بصومه في السفر
8491 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( منصور ) عن ( مجاهد ) عن ( طاووس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال خرج رسول الله من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس فأفطر حتى قدم مكة وذلك في رمضان فكان ابن عباس يقول قد صام رسول الله وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر
مطابقته للترجمة في قوله ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس فأفطر
ذكر رجاله وهم ستة كلهم قد ذكروا غير مرة وأبو عوانة بالفتح الوضاح اليشكري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربع مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه بصري وأن أبا عوانة واسطي وأن منصورا كوفي وأن مجاهدا مكي وأن طاووسا يماني وفيه مجاهد عن طاووس من رواية الأقران وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس وأخرجه النسائي من طريق شعبة عن منصور فلم يذكر طاووسا في الإسناد وكذا أخرجه من طريق الحكم عن مجاهد عن ابن عباس والوجه فيه أن مجاهدا أخذه أولا عن طاووس ثم لقي ابن عباس فأخذه عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في الصوم عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن أبي عوانة به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن قدامة عن جرير به وعن محمد بن رافع
ذكر معناه قوله عسفان قد مر تفسيره عن قريب قوله فرفعه إلى يديه أي رفع الماء إلى غاية طول يديه وهو حال أو فيه تضمين أي انتهى الرفع إلى أقصى غايتها وقال بعضهم فرفعه إلى يديه كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاري وهو مشكل لأن الرفع إنما يكون باليد ثم نقل ما قاله الكرماني وهو ما ذكرناه ثم قال وقد وقع عند أبي داود عن مسدد عن أبي عوانة بالإسناد المذكور في البخاري فرفعه إلى فيه وهذا أوضح ولعل الكلمة تصحيف انتهى قلت لا إشكال ههنا أصلا ولا تصحيف وهذا وهم فاسد وذلك لأن المراد من الرفع ههنا هو أن يرفعه جدا طول يديه حتى يعلو إلى فوق ليراه الناس وليس المراد مجرد الرفع باليد من الأرض أو من يد الأكبر لأنه بمجرد الرفع لا يراه الناس قوله ليراه الناس برفع الناس لأنه فاعل يرى والضمير المنصوب فيه مفعوله وهكذا هو

(11/50)


في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي ليريه الناس واللام فيه للتعليل في الوجهين و الناس منصوب لأنه مفعول ثان لأن ليريه بضم الياء من الإراءة وهي تستدعي مفعولين كما عرف في موضعه
وقصة هذا الحديث أنه خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام الناس فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصوم وإنما ينتظرون إلى فعلك فدعا بقدح من ماء فرفعه حتى ينظر الناس إليه فيقتدوا به في الإفطار لأن الصيام أضر بهم فأراد رسول الله التيسير عليهم وكان لا يؤمن عليهم الضعف والوهن في حربهم حين لقاء عدوهم
93 -
( باب وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )
أي هذا باب في بيان حكم قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) أي وعلى الذين يطيقون الصوم الذين لا عذر بهم إن أفطروا فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند أهل العراق وعند أهل الحجاز مد وكان في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم فاشتد عليهم فرخص لهم في الإفطار والفدية وقال معاذ كان في ابتداء الأمر من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها وارتفاع فدية على الابتداء وخبره مقدما هو قولهوعلى الذين وقراءة عامة فدية بالتنوين وقوله طعام مسكين ( البقرة 581 ) بيان لفدية أو بدل منها وفي قراءة نافع طعام مساكين بالجمع وقالت طائفة بل هذا خاص بالشيخ والعجوز الكبير الذين لم يطيقا الصوم رخص لهما الإفطار ويفديان والفدية الجزاء والبدل من قولك فديت الشيء بالشيء أي هذا بهذا وقال الزمخشري وقرأ ابن عباس يطوقونه تفعيل من الطوق إما بمعنى الطاقة أو القلادة أي يكلفونه أو يقلدونه وعن ابن عباس يتطوقونه بمعنى يتكلفونه أو يتقلدونه ويطوقونه بإدغام التاء في الطاء ويطيقونه ويطيقونه بمعنى يتطقونه وأصلهما يطيقونه ويتطيوقونه على أنهما من فعيل وتفعيل من الطوق فأدغمت الياء في الواو بعد قلبها ياء وهم الشيوخ والعجائز فعلى هذا لا نسخ بل هو ثابت والله أعلم
قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع نسختها شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ( البقرة 581 )
أي قال عبد الله بن عمر بن الخطاب وسلمة بن الأكوع وهو سلمة بن عمرو بن الأكوع أبو إياس الأسلمي المدني قوله نسختها أي نسخت آية وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) آية شهر رمضان ( البقرة 581 ) أما حديث ابن عمر فوصله في آخر الباب عن عياش بتشديد الياء آخر الحروف والشين المعجمة وقد أخرجه عنه أيضا في التفسير وأما حديث أم سلمة فوصله في تفسير البقرة بلفظ لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) كان من أراد أن يفطر أفطر وافتدى حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها
وقد اختلف السلف في قوله عز و جل وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) فقال قوم إنها منسوخة واستدلوا بحديث سلمة وابن عمر ومعاذ وهو قول علقمة والنخعي والحسن والشعبي وابن شهاب وعلى هذا تكون قراءتهم وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) بضم الياء وكسر الطاء وسكون الياء الثانية وعند ابن عباس هي محكمة وعليه قراءة يطوقونه بالواو المشددة وروى عنه يطيقونه بضم الطاء والياء المشددتين
ثم إن الشيخ الكبير والعجوز إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكينا وهذا قول علي وابن عباس وأبي هريرة وأنس وسعيد ابن جبير وطاووس وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وقال مالك لا يجب عليه شيء لأنه لو ترك الصوم لعجزه ما تجب فدية كما تركه لمرض اتصل به الموت وهو مروي عن ربيعة وأبي ثور وداود واختاره الطحاوي وابن المنذر وللشافعي قولان كالمذهبين أحدهما لا تجب الفدية عليهما لعدم وجوب الصوم عليهما والثاني وهو الجديد تجب الفدية

(11/51)


لكل يوم مد من طعام وقال البويطي هي مستحبة ولو أحدث الله تعالى للشيخ الفاني قوة حتى قدر على الصوم بعد الفدية يبطل حكم الفدية وفي كتب أصحابنا فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر صام الثاني لأنه في وقته وقضى الأول بعده لأنه وقت القضاء ولا فدية عليه وقال سعيد بن جبير وقتادة يطعم ولا يقضي
وقضاء رمضان إن شاء فرقه وإن شاء تابعه وإليه ذهب الشافعي ومالك وفي ( شرح المهذب ) فلو قضاه غير مرتب أو مفرقا جاز عندنا وعند الجمهور لأن اسم الصوم يقع على الجميع وفي ( تفسير ابن أبي حاتم ) وروى عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي هريرة ورافع بن خديج وأنس بن مالك وعمرو بن العاص وعبيدة السلماني والقاسم وعبيد بن عمير وسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وسالم وعطاء وأبي ميسرة وطاووس ومجاهد وعبد الرحمن بن الأسود وسعيد بن جبير والحسن وأبي قلابة وإبراهيم النخعي والحاكم وعكرمة وعطاء بن يسار وأبي الزناد وزيد بن أسلم وقتادة وربيعة ومكحول والثوري ومالك والأوزاعي والحسن بن صالح والشافعي وأحمد وإسحاق أنهم قالوا يقضي مفرقا وروي عن علي وابن عمر وعروة والشعبي ونافع بن جبير بن مطعم ومحمد بن سيرين أنه يقضي متتابعا وإلى هذا ذهب أهل الظاهر وقال ابن حزم المتابعة في قضاء رمضان واجبة لقوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم فإن لم يفعل يقضيها متفرقة لقوله تعالى فعدة من أيام أخر ( آل عمران 331 ) ولم يجد لذلك وقتا يبطل القضاء بخروجه وفي ( الاستذكار ) عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول يصوم قضاء رمضان متتابعا من أفطره من مرض أو سفر وعن ابن شهاب أن ابن عباس وأبا هريرة اختلفا فقال أحدهما يفرق وقال الآخر لا يفرق وعن يحيى بن سعيد سمع ابن المسيب يقول أحب أن لا يفرق قضاء رمضان وإن تواتر قال أبو عمر صح عندنا عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما أجازا أن يفرقا قضاء رمضان وصحح الدارقطني إسناد حديث عائشة نزلت فعدة من أيام أخر ( البقرة 581 ) متتابعات فسقطت متتابعات وقال ابن قدامة لم تثبت عندنا صحته ولو صح حملناه على الاستحباب والأفضلية وقيل ولو ثبتت كانت منسوخة لفظا وحكما ولهذا لم يقرأ بها أحد من قراء الشواذ قلت وفي المنافع قرأ بها أبي ولم يشتهر فكانت كخبر واحد غير مشهور فلا يجوز الزيادة على الكتاب بمثله بخلاف قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين فإنها قراءة مشهورة غير متواترة
وقال عياض اختلف السلف في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) هل هي محكمة أو مخصوصة أو منسوخة كلها أو بعضها فقال الجمهور إنها منسوخة ثم اخلفوا هل بقي منها ما لم ينسخ فروي عن ابن عمر والجمهور أن حكم الإطعام باق على من لم يطق الصوم لكبره وقال جماعة من السلف ومالك وأبو ثور وداود جميع الإطعام منسوخ وليس على الكبير إذا لم يطق الصوم إطعام واستحبه له مالك وقال قتادة كانت الرخصة لمن يقدر على الصوم ثم نسخ فيه وبقي فيمن لا يطيق وقال ابن عباس وغيره نزلت في الكبير والمريض اللذين لا يقدران على الصوم فهي عنده محكمة لكن المريض يقضي إذا برأ وأكثر العلماء على أنه لا إطعام على المريض وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك هي محكمة ونزلت في المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضي حتى يدخل رمضان آخر فيلزمه صومه ثم يقضي بعدما أفطر ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة فأما من اتصل مرضه برمضان آخر فليس عليه إطعام بل عليه القضاء فقط وقال الحسن وغيره الضمير في يطوقونه عائد على الإطعام لا على الصوم ثم نسخ ذلك فهي عنده عامة
وقال ابن نمير حدثنا الأعمش قال حدثنا عمرو بن مرة قال حدثنا ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم فأمروا بالصوم
مطابقته للترجمة في قوله فكان من أطعم إلى قوله فنسختها وابن نمير بضم النون اسمه عبد الله مر في

(11/52)


باب ما ينهى من الكلام في الصلاة والأعمش هو سليمان عمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن رأى كثيرا من الصحابة مثل عمر وعثمان وعلي وغيرهم وهذا تعليق وصله البيهقي من طريق أبي نعيم في ( المستخرج ) قدم النبي المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل رمضان فاستكثروا ذلك وشق عيهم فكان من أطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ثم نسخة وأن تصوموا خير لكم ( البقرة 481 ) فأمروا بالصيام
وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولا في الأذان والقبلة والصيام واختلف في إسناده اختلافا كثيرا وطريق ابن نمير هذا أرجحها
قوله حدثنا أصحاب محمد أشار به إلى أنه روى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ولا يقال لمثل هذا رواية مجهول لأن الصحابة كلهم عدول قوله فنسختها وأن تصوموا ( البقرة 481 ) الضمير في نسختها يرجع إلى الإطعام الذي يدل عليه أطعم والتأنيث باعتبار الفدية وقوله وأن تصوموا خير لكم ( البقرة 481 ) في محل الرفع على الفاعلية والتقدير قوله وأن تصوموا وكلمة أن مصدرية تقديره وصومكم خير لكم وقال الكرماني فإن قلت كيف وجه نسخها لها والخيرية لا تقتضي الوجوب قلت معناه الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها سنة بدليل أنه خير والخير من السنة لا يكون إلا واجبا انتهى قلت إن كان المراد من السنة هي سنة النبي فسنة النبي كلها خير فيلزم أن تكون كل سنة واجبة وليس كذلك وقال السدي عن مرة عن عبد الله قال لما نزلت هذه الآية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) وقال والله يقول الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) أي يتجشمونه قال عبد الله فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا فمن تطوع ( البقرة 481 ) قال أطعم مسكينا آخر فهو خير له وأن تصوموا خير لكم ( البقرة 481 ) فكانوا كذلك حتى نسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة 581 )
9491 - حدثنا ( عياش ) قال حدثنا ( عبد الأعلى ) قال حدثنا ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قرأ فدية طعام مساكين قال هي منسوخة ( الحديث 9491 - طرفه في 6054 )
أشتر بهذه الرواية إلى وصل التعليق الذي علقه في أول الباب بقوله قال ابن عمر وأشار أيضا إلى بيان قراءة عبد الله ابن عمر في قوله فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) فإنه قرأ مسكين وبصيغة الإفراد ولكن لما ذكر في التفسير قال طعام مساكين بصيغة الجمع وكذا رواه الإسماعيلي في ( صحيحه ) وأشار أيضا إلى أن فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) منسوخة غير مخصوصة ولا محكمة وعياش بالياء آخر الحروف المشددة والشين المعجمة وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى وعبيد الله بن عمر العمري المدني
04 -
( باب متى يقضى قضاء رمضان )
أي هذا باب يبين فيه متى يقضي أي متى يؤدى قضاء رمضان والقضاء بمعنى الأداء قال تعالى فإذا قضيت الصلاة ( الجمعة 01 ) أي فإذا أديت الصلاة وليس المراد من الأداء معناه الشرعي وهو تسليم عين الواجب ولكن المراد معناه اللغوي وهو الإيفاء كما يقال أديت حق فلان أي أوفيته وفسره بعضهم بقوله متى يصام الأيام التي تقضى عن فوات رمضان وليس المراد قضاء القضاء على ما هو ظاهر اللفظ انتهى قلت ظن هذا أن المراد من قوله متى يقضي معناه الشرعي وليس كذلك فظنه هذا هو الذي ألجأه إلى ما تعسف فيه ثم أنه ذكر كلمة الاستفهام ولم يذكر جوابه لتعارض الأدلة الشرعية والقياسية فإن ظاهر قوله تعالى فعدة من أيام أخر ( البقرة 581 ) أعم من أن تكون تلك الأيام متتابعة أو متفرقة والقياس يقتضي التتابع لأن القضاء يحكي الأداء وذكر البخاري هذه الآثار في هذا الباب يدل على جواز التراخي والتفريق
وقال ابن عباس لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى فعدة من أيام أخر ( البقرة 481 )
هذا التعليق وصله مالك عن الزهري أن ابن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان فقال أحدهما يفرق وقال الآخر لا يفرق وهذا منقطع مبهم لأنه لم يعلم المفرق من غير المفرق وقد أوضحه عبد الرزاق ووصله عن معمر عن الزهري

(11/53)


عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فيمن عليه قضاء رمضان قال يقضيه مفرقا قال الله تعالى فعدة من أيام أخر ( البقرة 481 ) وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال صمه كيف شئت
وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر لا يصلح حتى يبدأ برمضان
معنى هذا الكلام أن سعيدا لما سئل عن صوم العشر والحال أن على الذي سأله قضاء رمضان فقال لا يصلح حتى يبدأ أولا بقضاء رمضان وهذه العبارة لا تدل على المنع مطلقا وإنما تدل على الأولوية والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة عن عبدة عن سفيان عن قتادة عن سعيد أنه كان لا يرى بأسا أن يقضي رمضان في العشر وقال بعضهم عقيب ذكر الإثر المذكور عن سعيد وصله ابن أبي شيبة عنه نحوه وقال صاحب ( التلويح ) هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة ثم ذكره نحو ما ذكرنا وليس الذي ذكره ابن أبي شيبة عنه أصلا نحو الذي ذكره البخاري عنه وهذا ظاهر لا يخفى
وقال إبراهيم إذا فرط حتى جاء رمضان آخر يصومهما ولم ير عليه طعاما
إبراهيم هو النخعي قوله إذا فرط من التفريط وهو التقصير يعني إذا كان عليه قضاء رمضان ولم يقضه حتى جاء رمضان ثان فعليه أن يصومهما وليس عليه فدية قوله حتى جاء من المجيء ووقع في رواية الكشميهني حتى جاز بزاي في آخره من الجواز ويروى حتى حان بحاء مهملة ونون من الحين وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور من طريق يونس عن الحسن ومن طريق الحارث العكلي عن إبراهيم قالا إذا تتابع عليه رمضانان صامهما فإن صح بينهما فلم يقض الأول فبئس ما صنع فليستغفر الله وليصم
ويذكر عن أبي هريرة مرسلا وعن ابن عباس أنه يطعم ولم يذكر الله الإطعام إنما قال فعدة من أيام أخر ( البقرة 481 )
أشار بصيغة التمريض إلى أن الذي روى عن أبي هريرة حال كونه مرسلا فيمن مرض ولم يصم رمضان ثم صح فلم يقضه حتى جاء رمضان آخر فإنه يطعم بعد الصوم عن رمضانين وأخرجه عبد الرزاق موصولا عن ابن جريج أخبرني عطاء عن أبي هريرة قال أي إنسان مرض رمضان ثم صح فلم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فليصم الذي حدث ثم يقضي الآخر ويطعم من كل يوم مسكينا قلت لعطاء كم بلغك يطعم قال مدا زعموا وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن أبي إسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة نحوه وقال فيه وأطعم عن كل يوم نصف صاع من قمح وأخرج الدارقطني حديث أبي هريرة مرفوعا من طريق مجاهد عن أبي هريرة عن النبي في رجل أفطر في شهر رمضان ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر قال يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فهي ويطعم مكان كل يوم مسكينا وفي إسناده إبراهيم بن نافع وعمر بن موسى بن وجبة قال الدارقطني هما ضعيفان وقد ذكر البرديجي أن مجاهدا لم يسمع من أبي هريرة فلهذا سماه البخاري مرسلا
قوله وابن عباس أي ويروى أيضا عن ابن عباس أنه يطعم ووصله سعيد بن منصور عن هشيم والدارقطني من طريق ابن عيينة كلاهما عن يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عباس قال من فرط في صيام شهر رمضان حتى أدركه رمضان آخر فليصم هذا الذي أدركه ثم ليصم ما فاته ويطعم مع كل يوم مسكينا قيل عطف ابن عباس على أبي هريرة يقتضي أن يكون المذكور عن ابن عباس أيضا مرسلا وأجيب بالخلاف في أن القيد في المعطوف عليه هل هو قيد في المعطوف أم لا فقيل ليس بقيد والأصح اشتراكهما وكذلك الأصوليون اختلفوا في أن عطف المطلق على المقيد هل هو مقيد للمطلق أم لا قوله ولم يذكر الله الإطعام إلى آخره من كلام البخاري إنما قال ذلك لأن النص ساكت عن الإطعام وهو الفدية لتأخير القضاء وظن بعضهم أنه بقية كلام إبراهيم النخعي وهو وهم فإنه مفصول من كلامه بأثر أبي هريرة وابن عباس ثم إن البخاري استدل فيما قاله بقوله تعالى فعدة من أيام أخر ( البقرة 481 ) ولا يتم استدلاله بذلك لأنه لا يلزم من عدم ذكره في الكتاب أن لا يثبت بالسنة فقد جاء عن

(11/54)


جماعة من الصحابة الإطعام منهم أبو هريرة وابن عباس كما ذكر ومنهم عمر بن الخطاب ذكره عبد الرزاق ونقل الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم فيه مخالفا انتهى وهو قول الجمهور وخالف في ذلك إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه ومال الطحاوي إلى قول الجمهور في ذلك وقال البيهقي وروينا عن ابن عمر وأبي هريرة في الذي لم يصم حتى أدرك رمضان يطعم ولا قضاء عليه وعن الحسن وطاووس والنخعي يقضي ولا كفارة عليه
0591 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( زهير ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) قال سمعت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها تقول كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي الآن إلا في شعبان قال يحيى الشغل من النبي أو بالنبي
مطابقته للترجمة من حيث إنه يفسر الإبهام الذي في الترجمة لأن الترجمة متى يقضي قضاء رمضان والحديث يدل على أنه يقضي في أي وقت كان غير أنه إذا أخره حتى دخل رمضان ثان يجب عليه الفدية عند الشافعي وقد ذكرنا الخلاف فيه مستقصى وعند أصحابنا لا يجب عليه شيء غير القضاء لإطلاق النص
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن يونس وهو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التبروعي التميمي الثاني زهير بن معاوية أبو خيثمة الجعفي الثالث يحيى قال صاحب ( التلويح ) اختلف في يحيى هذا فزعم الضياء المقدسي أنه يحيى القطان وقال ابن التين قيل إنه يحيى ابن أبي كثير قلت وبه قال الكرماني وجزم به والصحيح أنه يحيى بن سعيد الأنصاري نص عليه الحافظ المزي عند ذكر هذا الحديث وقال بعضهم منكرا على الكرماني وابن التين في قولهما إنه يحيى بن أبي كثير قال وغفل الكرماني عما أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه فقال في نفس السند عن يحيى بن سعيد قلت هو أيضا غفل عن إيضاح ما قاله لأن المذكور في حديث مسلم يحيى بن سعيد ولقائل أن يقول يحتمل أن يكون يحيى هذا هو يحيى بن سعيد القطان كما قاله الضياء ولو قال مثل ما قلنا لكان أوضح وأصوب الرابع أبو سلمة بن عبد الرحمن الخامس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع وفيه يحيى عن أبي سلمة وفي رواية الإسماعيلي من طريق أبي خالد عن يحيى بن سعيد سمعت أبا سلمة وفيه أن شيخه وزهيرا كوفيان وأن يحيى وأبا سلمة مدنيان وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن أحمد بن يونس به وعن محمد بن المثنى وعن عمرو الناقد وعن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك وأخرجه النسائي فيه عن عمرو عن علي عن يحيى بن سعيد القطان وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن المنذر
ذكر معناه قوله كان يكوند وفي ( الأطراف ) للمزي إن كان يكون وفائدة اجتماع كان مع يكون يذكر أحدهما بصيغة الماضي والآخر بصيغة المستقبل تحقيق القضية وتعظيمها وتقديره وكان الشأن يكون كذا وأما تغيير الأسلوب فلإرادة الاستمرار وتكرر الفعل وقيل لفظة يكون زائدة كما قال الشاعر
( وجيران لنا كانوا كرام )
وأما رواية أن كان فإن كلمة أن تكون مخفقة من المثقلة قوله أن أقضي أي ما فاتها من رمضان قوله قال يحيى أي يحيى المذكور في سند الحديث المذكور إليه فهو موصول قوله الشعل من النبي مقول يحيى وارتفاع الشغل يجوز أن يكون على أنه فاعل فعل محذوف تقديره قالت يمنعني الشغل ويجوز إن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي قال يحيى الشغل هو المانع لها والمراد من الشغل أنها كانت مهيئة نفسها لرسول الله مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك وأما في شعبان فإنه كان يصومه فتتفرغ عائشة ( لقضاء صومها )
قال الكرماني فإن قلت شغل منه بمعنى فرغ عنه وهو عكس المقصود إذ الفرض أن الاشتغال برسول الله هو المانع من القضاء لا الفراغ منه قلت

(11/55)


المراد الشغل الحاصل من جهة رسول الله ولم يقع في رواية مسلم عن أحمد عن يونس شيخ البخاري قال يحيى الشغل إلى آخره ووقع في روايته عن إسحاق بن إبراهيم قال يحيى بن سعيد بهذا الإسناد غير أنه قال وذلك لمكان رسول الله وفي رواية عن محمد بن رافع قال فظننت أن ذلك لمكانها من رسول الله يحيى يقوله وفي روايته عن عمرو الناقد لم يذكر في الحديث الشغل برسول الله وروايته عن يونس بدون ذكر يحيى يدل على أن قوله الشغل من رسول الله أو برسول الله من كلام عائشة أو من كلام من روى عنها وأخرجه أبو داود من طريق مالك والنسائي من طريق يحيى القطان بدون هذه الزيادة وكذلك في رواية مسلم في روايته عن عمرو الناقد كما ذكرناه وقال بعضهم وأخرجه مسلم من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بدون الزيادة لكن فيه ما يشعر بها فإنه قال فيه فما أستطيع قضاءها مع رسول الله انتهى قلت ليس متن حديث هذا الطريق مثل الذي ذكره وإنما قال مسلم حدثني محمد بن أبي عمر المكي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد ابن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله فما تستطيع أن تقضيه مع رسول الله حتى يأتي شعبان وروى الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الله البهي عن عائشة ما قضيت شيئا مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله قيل مما يدل على ضعف الزيادة أنه كان يقسم لنسائه فيعدل وكان يدنو من المرأة في غير نوبتها فيقبل ويلمس من غير جماع فليس في شغلها بشيء من ذلك مما يمنع الصوم أللهم إلا أن يقال كانت لا تصوم إلا بإذنه ولم يكن يأذن لاحتمال حاجته إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها وكان يكثر الصوم في شعبان فلذلك كانت لا يتهيأ لها القضاء إلا في شعبان قلت وكانت كل واحدة من نسائه مهيئة نفسها لرسول الله لاستمتاعه من جميع أوقاته إن أراد ذلك ولا تدري متى يريده ولا تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه وهذا من عادتهن وقد اتفق العلماء على أن المرأة يحرم عليها صوم التطوع وبعلها حاضر إلا بإذنه لحديث أبي هريرة الثابت في مسلم ولا تصوم إلا بإذنه وقال الباجي والظاهر أنه ليس للزوج جبرها على تأخير القضاء إلى شعبان بخلاف صوم التطوع ونقل القرطبي عن بعض أشياخه أن لها أن تقضي بغير إذنه لأنه واجب ويحمل الحديث على التطوع
ومما يستفاد من هذا الحديث أن القضاء موسع ويصير في شعبان مضيقا ويؤخذ من حرصها على القضاء في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان فإن دخل فالقضاء واجب أيضا فلا يسقط وأما الإطعام فليس في الحديث له ذكر لا بالنفي ولا بالإثبات وقد تقدم بيان الخلاف فيه وفيه أن حق الزوج من العشرة والخدمة يقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضا محصورا في الوقت وقيل قول عائشة فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان يدل على أنها كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في عشر ذي الحجة ولا في عاشوراء ولا في غيرهما وهو مبني على أنها ما كانت ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان ولكن من أين ذلك لمن يقول به والحديث ساكت عن هذا
14 -
( باب الحائض تترك الصوم والصلاة )
أي هذا باب تذكر فيه الحائض تترك الصوم والصلاة إنما قال تترك للإشارة إلى أنه ممكن حسا ولكنها تتركهما اختيارا لمنع الشرع لها من مباشرتهما
وقال أبو الزناد إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من اتباعها من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة
أبو الزناد بكسر الزاي وبالنون اسمه عبد الله بن ذكوان القرشي أبو عبد الرحمن المدني وعن ابن معين ثقة حجة وعن أحمد كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث مات سنة ثلاثين ومائة وهو ابن ست وستين سنة وأبدله ابن بطال

(11/56)


بأبي الدرداء يعني قائل هذا الكلام هو أبو الدرداء الصحابي والمقصود منه أن الأمور الشرعية التي ترد على خلاف القياس ولا يعلم وجه الحكمة فيها يجب الاتباع بها ويكل الأمر فيها إلى الشارع ويتعبد بها ولا يعترض ولا يقول لم كان كذا ألا ترى أن في حديث قتادة قال حدثتني معاذة أن امرأة قالت لعائشة أتجزىء إحدانا صلاتها إذا طهرت قالت أحرورية أنت كنا نحيض مع النبي فلا يأمرنا به أو قالت فلا نفعله قد تقدم هذا في باب لا تقضي الحائض الصلاة في كتاب الحيض وقال بعضهم وقد تقدم في كتاب الحيض سؤال معاذة عن عائشة عن الفرق المذكور وأنكرت عليها عائشة السؤال وخشيت عليها أن تكون تلقته من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بآرائهم ولم تزدها على الحوالة على النص فكأنها قالت لها دعي السؤال عن العلة إلى ما هو أهم من معرفتها وهو الانقياد إلى الشارع انتهى قلت قد غلط هذا القائل في قوله سؤال معاذة عن عائشة عن الفرق إلى آخره ولم يكن السؤال من معاذة وإنما معاذة حدثت أن امرأة قالت لعائشة فهذه هي السائلة دون معاذة والسؤال والجواب إنما كانا بين تلك المرأة وعائشة ولم تكن بين معاذة وعائشة على ما لا يخفى
قوله ووجوه الحق أي الأمور الشرعية واللام في قوله لتأتي مفتوحة للتأكيد قوله على خلاف الرأي أي العقل والقياس قوله فما يجد المسلمون بدا أي افتراقا وامتناعا من اتباعها قوله من ذلك أي من جملة ما هو أتى بخلاف الرأي قضاء الصوم والصلاة فإن مقتضاه أن يكون قضاؤهما متساويين في الحكم لأن كلا منهما عبادة تركت لعذر لكن قضاء الصوم واجب
والحاصل من كلامه أن الأمور الشرعية التي تأتي على خلاف الرأي والقياس لا يطلب فيها وجه الحكمة بل يتعبد بها ويوكل أمرها إلى الله تعالى لأن أفعال الله تعالى لا تخلو عن حكمة ولكن غالبها تخفى على الناس ولا تدركها العقول ومن جملة ما قالوا في الفرق بين الصوم والصلاة على أنواع منها ما قال الفقهاء الفرق بينهما أن الصوم لا يقع في السنة إلا مرة واحدة فلا حرج في قضائه بخلاف الصلاة فإنها متكررة كل يوم ففي قضائها حرج عظيم ومنها ما قالوا إن الحائض لا تضعف عن الصيام فأمرت بإعادة الصيام عملا بقوله فمن كان منكم مريضا ( البقرة 481 ) والنزف مرض بخلاف الصلاة فإنها أكثر الفرائض تردادا وهي التي حطها الله تعالى في أصل الفرض من خمسين إلى خمس فلو أمرت بإعادتها لتضاعف عليها الفرض ومنها ما قالوا إن الله تعالى وصف الصلاة بأنها كبيرة في قوله تعالى وإنها لكبيرة ( البقرة 45 ) فلو أمرت بإعادتها لكانت كبيرة على كبيرة وقال إمام الحرمين إن المنع في ذلك النص وإن كل شيء ذكروه من الفرق ضعيف وزعم المهلب أن السبب في منع الحائض من الصوم أن خروج الدم يحدص ضعفا في النفس غالبا فاستعمل هذا الغالب في جميع الأحوال فلما كان الضعف يبيح الفطر ويوجب القضاء كان كذلك الحيض وفيه نظر لأن المريض لو تحامل فصام صح صومه بخلاف الحائض فإن المستحاضة في نزف الدم أشد من الحائض وقد أبيح لها الصوم
9591 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) قال حدثنا ( محمد بن جعفر ) قال حدثني ( زيد ) عن ( عياض ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك نقصان دينها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إذا حاضت لم تصل ولم تصم والترجمة في ترك الصوم والصلاة والحديث مضى في باب ترك الحائض الصوم في كتاب الحيض فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد مطولا وذكره هنا مقصرا على قوله أليس إذا حاضت لم تصل إلى آخره وزيد هو ابن أسلم وعياض ابن عبد الله وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك
24 -
( باب من مات وعليه صوم )
أي هذا باب في بيان حكم الشخص الذي مات والحال أن عليه صوما ولم يعين الحكم لاختلاف العلماء فيه على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى ويجوز أن تكون من شرطية وجواب الشرط محذوف والتقدير يجوز قضاؤه عنه عند من يجوز ذلك من الفقهاء على ما يجيء

(11/57)


وقال الحسن إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا أجاز
هذا الأثر عن الحسن البصري مما يبين مراده من الترجمة المبهمة ووجه مطابقته لها أيضا وهذا تعليق وصله الدارقطني في كتاب المذبح من طريق عبد الله بن المبارك عن سعيد بن عامر وهو الضبعي وعن أشعث عن الحسن فيمن مات وعليه صوم ثلاثين يوما فجمع له ثلاثون رجلا فصاموا عنه يوما واحدا أجزأ عنه قوله إن صام عنه أي عن الميت والقرينة تدل عليه قوله يوما واحدا وفي رواية الكشميهني في يوم واحد جاز أن يقع قضاء صوم رمضان كله في اليوم الواحد للميت الذي فات عنه ذلك قال النووي في ( شرح المهذب ) هذه المسألة لم أر فيها نقلا في المذهب وقياس المذهب الإجزاء وفي التوضيح أثر الحسن غريب وهو فرع ليس في مذهبنا وهو الظاهر كما لو استأجر عنه بعد موته من يحج عنه من فرض استطاعته وآخر يحج عنه عن قضائه وآخر عن نذره في سنة واحدة فإنه يجوز
2591 - حدثنا ( محمد بن خالد ) قال حدثنا ( محمد بن موسى بن أعين ) قال حدثنا أبي عن ( عمرو ابن الحارث ) عن ( عبيد الله بن جعفر ) أن ( محمد بن جعفر ) حدثه عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين الإبهام الذي فيها
ذكر رجاله وهم ثمانية الأول محمد بن خالد اختلف فيه فذكر أبو علي الجياني أن أبا نصر والحاكم قالا هو الذهلي نسبة إلى جده فإنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد وقال ابن عدي في شيوخ البخاري محمد بن خالد بن جبلة الرافعي وقال ابن عساكر قيل إن البخاري روى عنه وقال أبو نعيم في ( المستخرج ) رواه يعني البخاري عن محمد بن خالد بن خلي عن محمد بن موسى بن أعين وكأنه منفرد بهذا القول وجزم الجوزقي بأنه الذهلي فإنه أخرجه عن أبي حامد بن الشرفي عنه وقال أخرجه البخاري عن محمد بن يحيى وبذلك جزم الكلاباذي ووافقه المزي وهو الراجح وعلى هذا فقد نسبه البخاري هنا إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن خلي على وزن علي الثاني محمد بن موسى بن أعين أبو يحيى الجزري الثالث أبوه موسى بن أعين الجزري أبو سعيد مات سنة خمس وقيل سبع وتسعين ومائة الرابع عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المؤدب الخامس عبيد الله بن أبي جعفر يسار الأموي القرشي السادس محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام السابع عروة بن الزبير الثامن عائشة رضي الله تعالى عنها وهذا الحديث من ثمانيات البخاري ومثل هذا قليل في الكتاب
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه نسبة الراوي إلى جده وفيه رواية الإبن عن الأب وفيه رواية الراوي عن عمه وهو محمد ابن جعفر يروي عن عمه عروة وفيه أن شيخه نيسابوري ومحمد بن موسى وأبوه حرانيان وعمرو بن الحارث وعبيد الله بن جعفر مصريان ومحمد بن جعفر وعروة مدنيان
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن هارون بن سعيد الأيلي وعن أحمد بن عيسى وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن صالح عن ابن وهب وأخرجه النسائي فيه عن علي بن عثمان النفيلي وإسماعيل بن يعقوب الحرانيين
ذكر معناه قوله من مات أي من المكلفين بقرينة قوله وعليه صيام لأن كلمة على للإيحاب والواو فيه للحال قوله صام عنه أي عن الميت وليه واختلف المجيزون الصوم عن الميت في المراد بالولي فقيل كل قريب وقيل الوارث خاصة وقيل عصبته وقال الكرماني الصحيح أن المراد به القريب سواء كان عصبة أو وارثا أو غيرهما انتهى ولو صام عنه أجنبي قال في ( شرح المهذب ) إن كان بإذن الولي صح وإلا فلا ولا يجب على الولي الصوم عنه بل يستحب وأطلق

(11/58)


ابن حزم النقل عن الليث بن سعد وأبي ثور وداود أنه فرض على أوليائه هم أو بعضهم وبه صرح القاضي أبو الطيب الطبري في تعليقه بأن المراد منه الوجوب وجزم به النووي في ( الروضة ) من غير أن يعزوه إلى أحد وزاد في ( شرح المهذب ) فقال إنه بلا خلاف وقال شيخنا زين الدين هذا عجيب منه ثم قال وحكى النووي في ( شرح مسلم ) عن أحد قولي الشافعي إنه يستحب لوليه أن يصوم عنه ثم قال ولا يجب عليه
ذكر ما يستفاد منه احتج به أصحاب الحديث فأجازوا الصيام عن الميت وبه قال الشافعي في القديم وأبو ثور وطاووس والحسن والزهري وقتادة وحماد بن أبي سليمان والليث بن سعد وداود الظاهري وابن حزم سواء كان عن صيام رمضان أو عن كفارة أو عن نذر ورجح البيهقي والنووي القول القديم للشافعي لصحة الأحاديث فيه وقال النووي رحمه الله في ( شرح مسلم ) إنه الصحيح المختار الذي نعتقده وهو الذي صححه محققو أصحابه الجامعيين بين الفقه والحديث لقوة الأحاديث الصحيحة الصريحة ونقل البيهقي في ( الخلافيات ) من كان عليه صوم فلم يقضه مع القدرة عليه حتى مات صام عنه وليه أو أطعم عنه على قوله في القديم وهذا ظاهر أن القديم تخيير الولي بين الصيام والإطعام وبه صرح النووي في ( شرح مسلم ) قلت ليس القول القديم مذهبا له فإنه غسل كتبه القديمة وأشهد على نفسه بالرجوع عنها هكذا نقل ذلك عنه أصحابه
ثم إعلم أن في هذا الباب اختلافا كثيرا وأقوالا الأول ما ذكرناه الآن والثاني هو أن يطعم الولي عن الميت كل يوم مسكينا مدا من قمح وهو قول الزهري ومالك والشافعي في الحديد وأنه لا يصوم أحد عن أحد وإنما يطعم عنه عند مالك إذا أوصى به والثالث يطعم عنه كل يوم نصف صاع روى ذلك عن ابن عباس وهو قول سفيان الثوري والرابع يطعم عنه عن كل يوم صاعا من غير البر ونصف صاع من البر وهو قول أبي حنيفة وهذا إذا أوصى به فإن لم يوص فلا يطعم عنه الخامس التفرقة بين صوم رمضان وبين صوم النذر فيصوم عنه وليه ما عليه من نذر ويطعم عنه عن كل يوم من رمضان مدا وهو قول أحمد وإسحاق وحكاه النووي عن أبي عبيد أيضا والسادس أنه لا يصوم عنه الأولياء إلا إذا لم يجدوا ما يطعم عنه وهو قول سعيد بن المسيب والأوزاعي
وحجة أصحابنا الحنفية ومن تبعهم في هذا الباب في أن من مات وعليه صيام لا يصوم عنه أحد ولكنه إن أوصى به أطعم عنه وليه كل يوم مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ما رواه النسائي عن ابن عباس أن رسول الله قال لا يصلي أحد عن أحد ولكن يطعم عنه وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله من مات وعليه صوم شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين قال القرطبي في ( شرح الموطأ ) إسناده حسن قلت هذا الحديث رواه الترمذي وقال حدثنا قتيبة حدثنا عبثر بن القاسم عن أشعث عن محمد عن نافع عن ابن عمر عن النبي ثم قال لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه والصحيح عن ابن عمر موقوف ورواه ابن ماجه أيضا عن محمد بن يحيى عن قتيبة إلا أنه قال عن محمد بن سيرين عن نافع وقال الحافظ المزي وهو وهم وقال شيخنا وقد شك عبثر في محمد هذا فلم يعرف من هو كما رواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية الوليد بن شجاع عن عبثر بن أبي زبيد عن الأشعث عن محمد لا يدري أبو زبيد عن محمد فذكر الحديث ثم قال ابن عدي بعده ومحمد هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال وهذا الحديث لا أعلمه يرويه عن أشعث غير عبثر ورواه البيهقي من رواية يزيد بن هارون عن شريك عن محمد بن عبد الوارث بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عباس عن النبي في الذي يموت وعليه رمضان ولم يقضه قال يطعم عنه لكل يوم نصف صاع من بر قال البيهقي هذا خطأ من وجهين أحدهما رفعه الحديث إلى النبي وإنما هو من قول ابن عمر والآخر قوله نصف صاع وإنما قال مدا من حنطة وضعفه عبد الحق في أحكامه بأشعث وابن أبي ليلى
وقال الدارقطني في ( علله ) المحفوظ موقوف هكذا رواه عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقال البيهقي في ( المعرفة ) لا يصح هذا الحديث فإن محمد بن أبي ليلى كثير الوهم ورواه أصحاب نافع عن نافع عن ابن عمر قوله قلت رفع هذا الحديث قتيبة في رواية الترمذي عن عبثر

(11/59)


ابن القاسم قال أحمد صدوق ثقة وقال أبو داود ثقة ثقة وروى له الجماعة وهو يروي عن الأشعث وهو ابن سوار الكندي الكوفي نص عليه المزي وثقه يحيى في روايته وروى له مسلم في المتابعات والأربعة ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال العجلي كان فقيها صاحب سنة صدوقا جائز الحديث وروى له الأربعة فمثل هؤلاء إذا رفعوا الحديث لا ينكر عليهم لأن معهم زيادة علم مع أن القرطبي حسن إسناده
وأما قول البيهقي هذا خطأ فمجرد حط ودعوى من غير بيان وجه ذلك على أن ابن سيرين قد تابع ابن أبي ليلى على رفعه فلقائل أن يمنع الوقف وأما الجواب عن حديث الباب فقد قال مهنىء سألت أحمد عن حديث عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة مرفوعا من مات وعليه صيام فقال أبو عبد الله ليس بمحفوظ وهذا من قبل عبيد الله بن أبي جعفر وهو منكر الأحاديث وكان فقيها وأما الحديث فليس هو فيه بذاك وقال البيهقي ورأيت بعض أصحابنا ضعف حديث عائشة بما روي عن عمارة بن عمير عن امرأة عن عائشة في امرأة ماتت وعليها الصوم قالت يطعم عنها قال وروي من وجه آخر عن عائشة أنها قالت لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم ثم قال وفيهما نظر ولم يزد عليه قلت قال الطحاوي حدثنا روح بن الفرج حدثنا يوسف بن عدي حدثنا عبيد بن حميد عن عبد العزيز بن رفيع عن عمرة بنت عبد الرحمن قلت لعائشة إن أمي توفيت وعليها صيام رمضان أيصلح أن أقضي عنها فقالت لا ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك وهذا سند صحيح
وقد أحمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد فكذلك الصوم لأن كلا منهما عبادة بدنية وقال ابن القصار لما لم يجز الصوم عن الشيخ ألهم في حياته فكذا بعد مماته فيرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه وحكى ابن القصار أيضا في ( شرح البخاري ) عن المهلب أنه قال لو جاز أن يصوم أحد عن أحد في الصوم لجاز أن يصلي الناس عن الناس فلو كان ذلك سائغا لجاز أن يؤمن رسول الله عن عمه أبي طالب لحرصه على إيمانه وقد أجمعت الأمة على أنه لا يؤمن أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد فوجب أن يرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه قلت فيه بعض غضاضة وترك محاسن الأدب ومصادمة الأخبار الثابتة فيه والأحسن فيه أن يسلك فيها ما سلكنا من الوجوه المذكورة
ولنا قاعدة أخرى في مثل هذا الباب وهي أن الصحابي إذا روى شيئا ثم أفتى بخلافه فالعبرة لما رآه وقال بعضهم الراجح أن المعتبر ما رواه لا ما رآه لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد مستنده فيه لم يتحقق ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده وإذا تحققت صحة الحديث لم يترك به المحقق للمظنون انتهى قلت الاحتمال الذي ذكره باطل لأنه لا يليق بجلالة قدر الصحابي أن يخالف ما رواه من النبي لأجل اجتهاده فيه وحاشى الصحابي أن يجتهد عند النص بخلافه لأنه مصادمة للنص وذا لا يقال في حق الصحابي وإنما فتواه بخلاف ما رواه إنما يكون لظهور نسخ عنده وقوله ومستنده فيه لم يتحقق كلام واه لأنه لو لم يتحقق عنده ما يوجب ترك العمل به لما أفتى لخلافه وإلا يلزم نسبة الصحابي العدل الموثوق إلى العمل بخلاف ما رواه وقوله وإذا تحققت إلى آخره يستلزم العمل بالأحاديث الصحيحة المنسوخة الثابت نسخها ولا يلزم العمل بحديث تحققت صحته ونسخه حديث آخر وقوله للمظنون يعني لأجل المظنون قلنا المظنون الذي يستند به هذا القائل هو المظنون عنده لا عند الصحابي الذي أفتى بخلاف ما روى لأن حاله يقتضي أن لا يترك الحديث الذي رواه بمجرد الظن والله أعلم
تابعه ابن وهب عن عمرو
أي تابع والد محمد بن موسى عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث المذكور في سند الحديث المذكور ووصل هذه المتابعة مسلم وأبو داود وغيرهما فقال مسلم حدثنا هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه
ورواه يحيى بن أيوب عن ابن أبي جعفر
أي روى الحديث المذكور يحيى بن أيوب الغافقي المصري أبو العباس عن عبيد الله بن أبي جعفر بسنده المذكور وطريق

(11/60)


يحيى هذا رواه البيهقي عن أبي عبد الله الحافظ وأبي بكر بن الحسن وأبي زكريا والسلمي قالوا حدثنا أبو العباس محمد ابن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق أنبأنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر عن عروة الحديث وأخرجه أبو عوانة والدارقطني من طريق عمرو بن الربيع عن يحيى بن أيوب وأخرجه ابن خزيمة من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب وألفاظهم متوافقة ورواه البزار من طريق ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر فزاد في آخر المتن إن شاء
3591 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) قال حدثنا ( معاوية بن عمرو ) قال حدثنا ( زائدة ) عن ( الأعمش ) عن ( مسلم البطين ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال نعم قال فدين الله أحق أن يقضى
مطابقته للترجمة مثل مطابقة حديث عائشة لها
ذكر رجاله وهم سبعة الأول محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له صاعقة لجودة حفظه مات سنة خمس خمسين ومائتين الثاني معاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي مر في أول إقبال الإمام على الناس الثالث زائدة بن قدامة أبو الصلت الثقفي البكري الرابع سليمان الأعمش الخامس مسلم بلفظ اسم الفاعل من الإسلام البطين بفتح الباء الموحدة وكسر الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون وهو مسلم بن أبي عمران ويقال ابن عمران يكنى أبا عبد الله السادس سعيد بن جبير السابع عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه ومعاوية بغداديان وأن زائدة ومن بعده كوفيون وفيه أن معاوية من قدماء شيوخ البخاري حدث عنه بغير واسطة في أواخر كتاب الجمعة وحدث عنه هنا وفي الجهاد وفي الصلاة بواسطة وكان طلب معاوية هذا للحديث وهو كبير وإلا فلو كان طلبه على قدر سنه لكان من أعلى شيخ البخاري وقد لقي البخاري جماعة من أصحاب زائدة المذكور
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن أحمد بن عمر الوكيعي وعن أبي سعيد الأشج وعن إسحاق بن منصور وابن أبي خلف وعبد بن حميد وعن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن مسدد عن يحيى به وعن محمد بن العلاء عن أبي معاوية به وأخرجه الترمذي في الصوم عن أبي سعيد الأشج وأبي كريب وأخرجه النسائي فيه عن الأشج بإسناد مسلم وعن القاسم بن زكريا وعن قتيبة وعن الحسن بن منصور وعن عمرو بن يحيى وأخرجه ابن ماجه فيه عن الأشج بإسناد مسلم
ذكر معناه قوله جاء رجل لم يدر اسمه وكذا في رواية مسلم والنسائي من رواية زائدة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس جاء رجل إلى آخره نحو رواية البخاري وزاد مسلم فقال لو كان على أمك دين أكنت قاضية عنها فقال نعم وفي رواية أخرى لمسلم من رواية عيسى بن يونس عن الأعمش عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أن امرأة أتت النبي فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر الحديث وفي رواية أخرى لمسلم والنسائي من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن سعيد عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر الحديث وفي رواية الترمذي عن الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن سلمة بن كهيل ومسلم البطين عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى النبي فقالت إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين قال أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضيه قالت نعم قال فحق الله أحق أن يقضى قوله إن

(11/61)


أمي خالد أبو خالد جميع من رواه فقال إن أختي كما ذكرناه واختلف عن أبي بشر عن سعيد بن جبير فقال هشيم عنه ذات قرابة لها وقال شعبة عنه إن أختها أخرجهما أحمد وقال حماد عنه ذات قرابة لها إما أختها وإما ابنتها قوله وعليها شهر صوم هكذا في أكثر الروايات وفي رواية أبي جرير خمسة عشر يوما وفي رواية أبي خالد شهرين متتابعين وروايته هذه تقتضي أن لا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره فإنها محتملة إلا رواية زيد بن أبي أنيسة فقال إن عليها صوم نذر وهذا ظاهر في أنه غير رمضان وبين أبو بشر في روايته سبب النذر فروى أحمد من طريق شعبة لا عن أبي بشر أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهرا فماتت قبل أن تصوم فأتت أختها إلى النبي الحديث قوله أفأقاضيه الهمزة للاستفهام قوله فدين الله تقدير الكلام حق العبد يقضى فحق الله أحق كما في الرواية الأخرى هكذا فحق الله أحق
ذكر ما يستفاد منه اجتج به من ذكرناهم ممن احتج بحديث عائشة السابق في جواز الصوم عن الميت وجواب المانعين عن ذلك هو ما قاله ابن بطال ابن عباس راويه وقد خالفه بفتواه فدل على نسخ ما رواه وتشبيهه بدين العباد حجة لنا لأنها قالت أفأقاضيه عنها وقال أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته وإنما سألها هل كنت تقضيه لأنه لا يجب عليها أن تقضي دين امها وقال ابن عبد الملك فيه اضطراب عظيم يدل على وهم الرواة وبدون هذا يقبل الحديث وقال بعضهم ما ملخصه إن الاضطراب لا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث ورد بأنه كيف لا يقدح والحال أن الاضطراب لا يكون إلا من الوهم كما مر أو هو مما يضعف الحديث وقال هذا القائل أيضا في دفع الاضطراب فيمن قال إن السؤال وقع عن نذر فمنهم من فسره بالصوم ومنهم من فسره بالحج والذي يظهر أنهما قضيتان ويؤيده أن السائلة في نذر الصوم خثعمية وعن نذر الحج جهينة ورد عليه بقوله أيضا وقد قدمنا في أواخر الحج أن مسلما روى من حديث بريدة أن امرأة سألت عن الحج وعن الصوم معا فهذا يدل على اتحاد القضية
وأما حديث بريدة فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من رواية عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال بينما أنا جالس عند النبي إذا أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية وأنها ماتت قال فقد وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها قال حجي عنها لفظ مسلم
وقال القرطبي إنما لم يقل مالك بحديث ابن عباس لأمور أحدها أنه لم يجد عليه عمل أهل المدينة الثاني أنه حديث اختلف في إسناده ومتنه الثالث أنه رواه البزار وقال في آخره لمن شاء وهذا يرفع الوجوب الذي قالوا به الرابع أنه معارض لقوله تعالى ولا تكسب كل نفس إلا عليها ( الأنعام 461 ) وقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام 461 الإسراء 51 فاطر 81 والزمر 7 ) وقوله تعالى وإن ليس للإنسان إلا ما سعى ( النجم 93 ) الخامس أنه معارض لما أخرجه النسائي عن ابن عباس عن النبي أنه قال لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من طعام السادس أنه معارض للقياس الجلي وهو أنه عبادة بدنية فلا مدخل للمال فيها ولا يفعل عمن وجب عليه كالصلاة ولا ينقض هذا بالحج لأن للمال فيه مدخلا انتهى
وقد اعترض عليه في بعض الوجوه فمن ذلك في قوله اختلف في إسناده ومتنه قيل هذا لا يضره فإن من أسنده أئمة ثقات وأجيب بأن الكلام ليس في الرواة والكلام في اختلاف المتن فإنه يورث الوهن ومنه في قوله رواه البزار قيل الذي زاده البزار من طريق ابن لهيعة ويحيى بن أيوب وحالهما معلوم وأجيب بما حالهما فابن لهيعة حدث عنه أحمد بحديث كثير وعنه من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه وروى عنه مثل سفيان الثوري وشعبة وعبد الله بن المبارك والليث بن سعد وهو من أقرانه وروى له مسلم مقرونا بعمرو بن الحارث وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأما يحيى بن أيوب الغافقي المصري فإن الجماعة رووا له ومنه في قوله إنه معارض لقوله تعالى الآيات الثلاث قيل هذه في قوم إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام وأجيب بأن

(11/62)


العبرة لعموم اللفظ ومنه في قوله إنه معارض لما أخرجه النسائي قيل ما في ( الصحيح ) هو العمدة وأجيب بأن ما رواه النسائي أيضا صحيح فيدل على نسخ ذاك كما قلنا
ومما يستفاد من الحديث المذكور أن قوله لو كان على أمك دين أكنت قاضيته مشعر بأن ذلك على الندب إن طاعت به نفسه لأنه لا يجب على ولي الميت أن يؤدي من ماله عن الميت دينا بالاتفاق لكن من تبرع به انتفع به الميت وبرئت ذمته وقال ابن حزم من مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان أو نذر أو كفارة واجبة ففرض على أوليائه أن يصوموه عنه هم أو بعضهم ولا إطعام في ذلك أصلا أوصى بذلك أو لم يوص به ويبدأ به على ديون الناس وفيه صحة القياس وفيه قضاء الدين عن الميت وقد أجمعت الأئمة عليه فإن مات وعليه دين لله ودين لآدمي قدم دين الله لقوله فدين الله أحق وفيه ثلاثة أقوال للشافعي الأول أصحها تقديم دين الله تعالى الثاني تقديم دين الآدمي الثالث هما سواء فيقسم بينهما
قال سليمان فقال الحكم وسلمة ونحن جميعا جلوس حين حدث مسلم بهذا الحديث قالا سمعنا مجاهدا يذكر هذا عن ابن عباس سليمان الأعمش يعني قال بالإسناد المذكور في الحديث المذكور قوله فقال الحكم ويروى قال بدون الفاء و الحكم بفتح الكاف هو ابن عتيبة تصغير عتبة الباب وسلمة فتحات هو ابن كهيل مصغر الكهل الحضرمي الكوفي قوله ونحن جلوس جملة إسمية وقعت حالا وهي في نفس الأمر مقول سليمان و جلوس بالضم جمع جالس والمراد ثلاثتهم أعني سليمان وحكما وسلمة والحاصل أن هؤلاء الثلاثة كانوا حاضرين حين حدث مسلم بن عمران البطين المذكور في سند الحديث المذكور قوله قالا أي الحكم وسلمة سمعنا مجاهدا يذكر هذا الحديث عن ابن عباس فآل الأمر إلى أن الأعمش سمع هذا الحديث من ثلاثة أنفس في مجلس واحد من مسلم البطين أولا عن سعيد بن جبير ثم من الحكم وسلمة عن مجاهد
ويذكر عن أبي خالد قال حدثنا الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل عن سعيد ابن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قالت امرأة للنبي إن أختي ماتت
أبو خالد هو الأحمر ضد الأبيض واسمه سليمان بن حيان بتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره نون ذكره بصيغة التمريض وأشار إلى مخالفة أبي خالد زائدة الذي يروي عن الأعمش في الحديث المذكور وفيه أيضا اشارة إلى أن الشمس جمع بين الشيوخ الثلاثة فيه وهم الحكم ومسلم ومسلمة وجمع هؤلاء الثلاثة ايضا بين الشيوخ الثلاثة وهم سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبير وقال بعضهم أبو خالد جمع بين شيوخ الأعمش الثلاثة فحدث به عنهم عن شيوخ ثلاثة وظاهره أنه عند كل منهم عن كل منهم ويحتمل أن يكون أراد به اللف والنشر بغير ترتيب فيكون شيخ الحكم عطاء وشيخ البطين سعيد بن جبير وشيخ سلمة مجاهدا قلت قال الكماني فإن قلت هؤلاء الثلاثة رووا عن الثلاثة وهو على سبيل التوزيع بأن يروي بعضهم عن بعض قلت المتبادر إلى الذهب رواية الكل عن الكل انتهى قلت حق الكلام الذي تقتضيه العبارة ما قاله الكرماني ووصل هذا الترمذي حدثنا أبو سعيد الأشح حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن سلمة بن كهيل ومسلم البطين عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى النبي فقالت إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين قال أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضيه قالت نعم قال فحق الله أحق قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة والدارقطني كذلك ورواه مسلم حدثنا أبو سعيد الأشج قال حدثنا أبو خالد الأحمر قال حدثنا الأعمش عن سلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة ومسلم البطين عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء عن ابن عباس عن النبي بهذا الحديث يعني حديث زائدة الذي رواه قبله فأحاله عليه ولم يسق المتن

(11/63)


وقال يحيى وأبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن مسلم عن سعيد عن ابن عباس قالت امرأة للنبي إن أمي ماتت
يحيى هو ابن سعيد وأبو معاوية محمد بن خازم بالمعجمتين والأعمش سليمان ومسلم هو البطين فأشار بهذا إلى أن يحيى وأبا معاوية وافقا زائدة المذكور على أن شيخ مسلم البطين فيه هو سعيد بن جبير ورواه أبو داود وفي رواية أبي الحسن ابن العبد من رواية يحيى وأبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
وقال عبيد الله عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قالت امرأة للنبي إن أمي ماتت وعليها صوم نذر
عبيد الله هو ابن عمرو الرقي هذا التعليق وصله مسلم قال حدثنا إسحاق بن منصور وابن أبي خلف وعبد بن حميد جميعا عن زكريا بن عدي قال عبد حدثني زكريا بن عدي قال أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة قال حدثنا الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤذي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك
وقال أبو حريز حدثنا عكرمة عن ابن عباس قالت امرأة للنبي ماتت أمي وعليها صوم خمسة عشر يوما
أبو حريز بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره زاي واسمه عبد الله بن حسين قاضي سجستان ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم وهذا التعليق رواه البيهقي عن أبي عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر ابن عبد الله أنبأنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر قال قرأت على الفضيل عن أبي حريز قال حدثني عكرمة عن ابن عباس به وفيه امرأة من خثعم
34 -
( باب متى يحل فطر الصائم )
أي هذا باب يذكر فيه متى يحل فطر الصائم وجواب الاستفهام تقديره بغروب الشمس ولا يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضي النهار وما ذكره في الباب من الأثر والحديثين يبين ما أبهمه في الترجمة
وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس
مطابقته للترجمة من حيث إنه جواب للاستفهام الذي فيها وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب وجه ذلك أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك
4591 - حدثنا ( الحميدي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( هشام بن عروة ) قال سمعت أبي يقول سمعت ( عاصم بن عمر بن الخطاب ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي فيها بالاستفهام
ذكر رجاله وهم ستة الأول الحميدي هو

(11/64)


عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي أبو بكر المكي الثاني سفيان بن عيينة الثالث هشام بن عروة الرابع أبوه عروة بن الزبير بن العوام الخامس عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عمر القرشي السادس أبوه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع في موضعين وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وسفيان مكيان ومن بعدهما مدنيون وفيه رواية الابن عن الأب في موضعين وفيه رواية تابعي صغير عن تابعي كبير هشام عن أبيه وفيه رواية صحابي صغير عن صحابي كبير عاصم عن أبيه وكان مولد عاصم في عهد النبي لكن لم يسمع منه شيئا كذا قاله بعضهم حيث أطلق على عاصم أنه صحابي صغير قلت قال الذهبي ولد قبل موت النبي بعامين وذكره ابن حبان في الثقات
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن يحيى بن يحيى وعن أبي كريب وعن ابن نمير وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل وعن مسدد وأخرجه الترمذي فيه عن هارون بن إسحاق وعن أبي كريب وعن محمد بن المثنى وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم
ذكر معناه قوله إذا أقبل الليل من ههنا أي من جهة المشرق وأدبر النهار من ههنا أي من المغرب وقد مر الكلام فيه في باب الصوم في السفر والإفطار في آخر حديث عبد الله بن أبي أوفى قوله فقد أفطر الصائم أي دخل في وقت الفطر وقال ابن خزيمة لفظه خبر ومعناه الأمر أي فليفطر الصائم
5591 - حدثنا ( إسحاق الواسطي ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( الشيباني ) عن ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع رسول الله في سفر وهو صائم فلما غربت الشمس قال لبعض القوم يا فلان قم فاجدح لنا فقال يا رسول الله لو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله لو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال إن عليك نهارا قال انزل فاجدح لنا فنزل فجدح لهم فشرب النبي ثم قال إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم
مطابقته للترجمة في قوله إذا رأيتم الليل إلى آخره وقد مر هذا الحديث في باب الصوم في السفر والإفطار فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن أبي إسحاق الشيباني سمع ابن أبي أوفى قال كنا مع رسول الله في سفر الحديث وقد مر الكلام فيه بجميع تعلقاته مستوفى وإسحاق بن شاهين الواسطي وخالد هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحاوي الواسطي يكنى أبا الهيثم ويقال أبو محمد يقال إنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات مات سنة تسع وسبعين ومائة والشيباني هو أبو إسحاق سليمان بن سليمان قوله لو أمسيت كلمة لو إما للتمني وإما للشرط وجزاؤه مخذوف أي لكنت متما للصوم ونحوه قوله فقال يا رسول الله الضمير المرفوع المستكن فيه يرجع إلى عبد الله بن أبي أوفى بطريق الالتفات عدل عن حكاية نفسه إلى الغيبة ويجوز أن يرجع إلى فلان
44 -
( باب يفطر بما تيسر عليه بالماء وغيره )
أي هذا باب يذكر فيه يفطر الصائم بأي شيء يتهيأ ويتيسر عليه سواء كان بالماء أو بغيره وقال الترمذي باب ما يستحب عليه الإفطار ثم قال حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي حدثنا سعيد بن عامر حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس ابن مالك قال قال رسول الله من وجد تمرا فليفطر عليه ومن لا فليفطر على ماء فإن الماء طهور وقال هو حديث غير محفوظ وأخرجه النسائي وقال هذا خطأ والصواب حديث سليمان بن عامر أورده في الصوم وفي الوليمة أيضا ورواه الترمذي من حديث الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي قال إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح والرباب بنت صليع وهي أم الرابح ورواه الترمذي

(11/65)


أيضا من حديث ثابت عن أنس بن مالك قال كان النبي يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فتمرات فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء ثم قال هذا حديث حسن غريب وقال شيخنا زين الدين رحمه الله هذا مخالف لما يقول أصحابنا من استحباب الإفطار على شيء حلو وعللوه بأن الصوم يضعف البصر والإفطار على الحلو يقوي البصر لكن لم يذكر في الحديث بعد التمر إلا الماء فلعله خرج مخرج الغالب في المدينة من وجود الرطب في زمنه ووجود التمر في بقية السنة وتيسير الماء بعدهما بخلاف الحلو أو العسل وإن كان العسل موجودا عندهم لكن يحتاج إلى ما يحمل فيه إذا كانوا خارج منازلهم أو في الأسفار واستحب القاضي حسين أن يكون فطره على ماء يتناوله بيده من النهر ونحوه حرصا على طلب الحلال للفطر لغلبة الشبهات في المآكل وروينا عن ابن عمر أنه كان ربما أفطر على الجماع رواه الطبراني من رواية محمد ابن سيرين عنه وإسناده حسن وذلك يحتمل أمرين أحدهما أن يكون ذلك لغلبة الشهوة وإن كان الصوم يكسر الشهوة والثاني أن يكون لتحقق الحل من أهله وربما يردد في بعض المأكولات وفي ( المستدرك ) عن قتادة عن أنس أن النبي كان لا يصلي المغرب حتى يفطر ولو على شربة من ماء وذهب ابن حزم إلى وجوب الفطر على التمر إن وجده فإن لم يجده فعلى الماء وإن لم يفعل فهو عاص ولا يبطل صومه بذلك
6591 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الشيباني ) قال سمعت ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنه قال سرنا مع رسول الله وهو صائم فلما غربت الشمس قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله لو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله إن عليك نهارا قال انزل فاجدح لنا فنزل فجدح ثم قال إذا رأيتم الليل أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم وأشار بأصبعه قبل المشرق
مطابقته للترجمة من حيث إن الجدح هو تحريك السويق بالماء وتخويضه وفيه الماء وغيره والترجمة بالماء وغيره والحديث تقدم قوله فنزل أي عبد الله بن أبي أوفى هذا الذي يقتضيه سياق الكلام ولكن رواه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري وفيه فقال يا بلال إنزل إلى آخره وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عبد الواحد بن زياد شيخ مسدد فيه فاتفقت رواياتهم على قوله يا فلان فلعلها تصحفت بقوله يا بلال وقال بعضهم في الحديث الذي قبله من رواية خالد عن الشيباني يا فلان وجاء في حديث عمر رضي الله تعالى عنه رواه ابن خزيمة قال قال النبي إذا أقبل الليل إلى آخره فيحتمل أن يكون المخاطب بذلك عمر رضي الله تعالى عنه فإن الحديث واحد فلما كان عمر هو المقول له إذا أقبل الليل إلى آخره احتمل أن يكون هو المقول له اجدح انتهى قلت هذا احتمال بعيد لأنه لا يستلزم قوله لعمر إذا أقبل الليل أن يكون المأمور بالجدح لهم عمر رضي الله تعالى عنه مع وجود بلال هناك الذي هو صاحب شرابه ومتولي خدمته وقوله أيضا فإن الحديث واحد فيه نظر لا يخفى قوله فجدح لنا كلام أنس رضي الله تعالى عنه قوله ثم قال أي النبي
54 -
( باب تعجيل الإفطار
(
أي هذا باب في بيان استحباب تعجيل الإفطار للصائم وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان أصحاب محمد أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا وقال أبو عمر أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة وروى الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله قال الله عز و جل أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا والعلة فيه أن اليهود والنصاري يؤخرون وروى الحاكم من حديث سهل بن سعد قال قال رسول الله لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم وقال هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
54 -
( باب تعجيل الإفطار
(
أي هذا باب في بيان استحباب تعجيل الإفطار للصائم وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان أصحاب محمد أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا وقال أبو عمر أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة وروى الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله قال الله عز و جل أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا والعلة فيه أن اليهود والنصاري يؤخرون وروى الحاكم من حديث سهل بن سعد قال قال رسول الله لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم وقال هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه

(11/66)


7591 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) أن رسول الله قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي اسمه سلمة بن دينار
وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب وعن محمد بن يحيى وأخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار وأخرجه الترمذي أيضا وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه رواه أبو داود عنه قال قال رسول الله لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر وعن ابن عباس رواه أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) عنه قال قال رسول الله إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ومن طريق أبي داود رواه البيهقي في ( سننه ) قال هذا حديث يعرف بطلحة ابن عمرو الملكي وهو ضعيف
واختلف عليه فيه فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن عطاء عن أبي هريرة وروي من وجه آخر ضعيف عن أبي هريرة ومن وجه آخر ضعيف عن ابن عمر وروي عن عائشة من قولها ثلاثة من النبوة فذكرهن وهو أصح ما ورد فيه وعن عائشة رواه مسلم والترمذي والنسائي من رواية أبي عطية قال دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب النبي أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة قالت أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة قلنا عبد الله بن مسعود قالت هكذا وصنع رسول الله والآخر أبو موسى قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وأبو عطية اسمه مالك بن أبي عامر الهمداني ويقال مالك ابن عامر وعن ابن عمر رواه ابن عدي في ( الكامل ) عنه أن النبي قال إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث بتعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة قال وهذا غير محفوظ وعن أنس رواه أبو يعلى في ( مسنده ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن حميد عن أنس قال ما رأيت النبي قط صلى صلاة المغرب حتى يفطر ولو كان على شربة من ماء وإسناده جيد
قوله ما عجلوا الفطر زاد أبو ذر في حديثه وأخروا السحور أخرجه أحمد وكلمة ما ظرفية أي مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها وزاد أبو هريرة في حديثه لأن اليهود والنصارى يؤخرون أخرجه أبو داود وابن خزيمة وتأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم وقال المهلب الحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل ولأنه أرفق للصائم وأقوى له على العبادة واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين وكذا عدل واحد في الأرجح عند الشافعية وقال ابن دقيق العيد في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم قال بعضهم الشيعة لم يكونوا موجودين عند تحديثه بذلك قلت يحتمل أن يكون أنه كان علم بما يصدر في المستقبل من أمر الشيعة في ذلك الوقت بإطلاع الله عز و جل إياه
8591 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( أبو بكر ) عن ( سليمان ) عن ( ابن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنه قال كنت مع النبي في سفر فصام حتى أمسى قال لرجل انزل فاجدح لي قال لو انتظرت حتى تمسي قال انزل فاجدح لي إذا رأيت الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم
مطابقته للترجمة من حيث إنه قال للرجل المذكور فيه انزل فاجدح لي لأنه لما تحقق غروب الشمس عجل الإفطار والترجمة في تعجيل الإفطار ولهذا كرر عليه بالجدح وقد مر الكلام فيه عن قريب وعن بعيد وأبو بكر هو ابن عياش المقريء وسليمان هو الشيباني
64 -
( باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أفطر الصائم وهو يظن غروب الشمس ثم طلعت عليه الشمس وجواب إذا محذوف ولم يذكره لمكان الاختلاف في وجوب القضاء عليه

(11/67)


9591 - حدثني ( عبد الله بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام بن عروة ) عن ( فاطمة ) عن ( أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله تعالى عنهما قالت أفطرنا على عهد النبي يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام فأمروا بالقضاء قال لا بد من قضاء وقال معمر سمعت هشاما لا أدري أقضوا أم لا
مطابقته للترجمة في قوله فأمروا بالقضاء ويقدر من هذا جواب لكلمة إذا في الترجمة والتقدير إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس عليه القضاء لأن مقتضى قوله فأمروا بالقضاء عليهم القضاء
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي الثالث هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الرابع فاطمة بنت المنذر وهي ابنة عم هشام وزوجته الخامس أسماء بنت أبي بكر الصديق
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد أولا وبصيغة الجمع ثانيا وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه وأبا أسامة كوفيان والبقية مدنيون وفيه رواية الراوي عن زوجته وهو هشام فإن فاطمة امرأته وروايته أيضا عن ابنة عمه كما ذكرنا وفيه رواية الراوية عن جدتها لأن أسماء جدة فاطمة وفيه رواية التابعية عن الصحابية
ذكر من أخرجه غيره أخرجه أبو داود في الصوم أيضا عن هارون بن عبد الله ومحمد بن العلاء وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة
ذكر معناه قوله يوم غيم بنصب يوم على الظرفية وفي رواية أبي داود وابن خزيمة في يوم قوله على عهد النبي أي على زمنه وأيام حياته قوله قيل لهشام وفي رواية أبي داود قال أسامة قلت لهشام وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) وأحمد في ( مسنده ) قوله لا بد من قضاء يعني لا يترك وهذه رواية أبي ذر وفي رواية الأكثرين بد من قضاء قال بعضهم هو استفهام إنكار محذوف الأداة والمعنى لا بد من قضاء قلت هذا كلام مخبط وليس كذلك بل الصواب أن يقال هنا حرف استفهام مقدر تقديره هل بد من قضاء وقال هذا القائل أيضا لا يحفظ في حديث أسماء إثبات القضاء ولا نفيه قلت إن كان كلامه هذا من جهة الشارع صريحا فمسلم وإلا فهشام يقول فأمروا بالقضاء ويقول لا بد من القضاء وقوله فأمروا يستند إلى أمر الشارع لأن غير الشارع لا يستند إليه الأمر
ذكر ما يستفاد منه دل الحديث على أن من أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا هي لم تغرب أمسك بقية يومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه وبه قال ابن سيرين وسعيد بن جبير والأوزاعي والثوري ومالك وأحمد والشافعي وإسحاق وأوجب أحمد الكفارة في الجماع وروى عن مجاهد وعطاء وعروة بن الزبير أنهم قالوا لا قضاء عليه وجعلوه بمنزلة من أكل ناسيا وعن عمر بن الخطاب روايتان في القضاء وعن عمر أنه قال من أكل فليقض يوما مكانه رواه الأثرم وروى مالك في ( الموطأ ) عن عمر رضي الله تعالى عنه فيه أنه قال الخطب يسير واجتهدنا وعن عمر أنه أفطر وأفطر الناس فصعد المؤذن ليؤذن فقال أيها الناس هذه الشمس لم تغرب فقال عمر من كان أفطر فليصم يوما مكانه وفي رواية أخرى عن عمر لا نبالي والله نقضي يوما مكانه رواهما البيهقي وقال البيهقي روى زيد بن وهب قال بينما نحن جلوس في مسجد المدينة في رمضان والسماء متغيمة قد غابت وإنا قد أمسينا فأخرجت لنا عساس من لبن من بيت حفصة فشرب وشربنا فلم نلبث أن ذهب السحاب وبدت الشمس فجعل بعضنا يقول لبعض نقضي يومنا هذا فسمع عمر ذلك فقال والله لا نقضيه وما تجانفنا الإثم وغلطوا زيد بن وهب في هذه الرواية المخالفة لبقية الروايات وقال المنذري في هذه الرواية إرسال ويعقوب بن سفيان كان يحمل على زيد بن وهب بهذه الرواية المخالفة لبقية الروايات وزيد ثقة ألا أن الخطأ غير مأمون قلت عساس بكسر العين المهملة وبسينين مهملتين جمع عس بضم العين وتشديد السين وهو القدح ومنهم من

(11/68)


وفق فقال ترك القضاء إذا لم يعلم ووقع الفطر على الشك والقضاء فيما إذا وقع الفطر في النهار بغير شك وهو خلاف ظاهر الأثر وفي ( المبسوط ) في حديث عمر بعدما أفطر وقد صعد المؤذن المأذنة قال الشمس يا أمير المؤمنين قال بعثناك داعيا ولم نبعثك راعيا ما تجانفنا الإثم وقضاء يوم علينا يسير وروى البيهقي أن صهيبا أفطر في رمضان في يوم غيم فطلعت الشمس فقال طعمة الله أتموا صيامكم إلى الليل واقضوا يوما مكانه وفي ( الأشراف ) اختلفوا في الذي أكل وهو لا يعلم بطلوع الفجر ثم علم به فقالت طائفة يتم صومه ويقضي يوما مكانه روي هذا القول عن محمد بن سيرين وسعيد بن جبير وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وحكي عن إسحاق أنه لا قضاء عليه وأحب إلينا أن نقضيه
قوله وقال معمر بفتح الميمين هو ابن راشد الأزدي الحراني البصري وهذا التعليق وصله عبد بن حميد قال أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر سمعت هشام بن عروة فذكر الحديث وفي آخره فقال إنسان لهشام أقضوا أم لا فقال لا أدري والله أعلم
74 -
( باب صوم الصبيان )
أي هذا باب في بيان صوم الصبيان هل يشرع أم لا والجمهور على أنه لا يجب على من دون البلوغ واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري وبه قال الشافعي أنهم يؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه وحد ذلك عند أصحاب الشافعي بالسبع والعشر كالصلاة وعند إسحاق حده اثنتي عشرة سنة وعند أحمد في رواية عشر سنين وقال الأوزاعي إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حمل على الصوم والمشهور عند المالكية أنه لا يشرع في حق الصبيان وقال ابن بطال أجمع العلماء أنه لا تلزم العبادات والفرائض إلا عند البلوغ إلا أن أكثر العلماء استحسنوا تدريب الصبيان على العبادات رجاء البركة وأنهم يعتادونها فتسهل عليهم إذا ألزمهم وأن من فعل ذلك بهم مأجور وفي ( الأشراف ) اختلفوا في الوقت الذي يؤمر فيه الصبي بالصيام فكان ابن سيرين والحسن والزهري وعطاء وعروة وقتادة والشافعي يقولون يؤمر به إذا أطاقه ونقل عن الأوزاعي مثل ما ذكرنا الآن واحتج بحديث ابن أبي لبيبة عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال إذا صام الغلام ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام رمضان وقال ابن الماجشون إذا طاقوا الصيام ألزموه فإذا أفطروا بغير عذر ولا علة فعليهم القضاء وقال أشهب يستحب لهم إذا أطاقوه وقال عروة إذا أطاقوا الصوم وجب عليهم قال عياض وهذا غلط يرده قوله رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصبي حتى يحتلم وفي رواية حتى يبلغ
وقال عمر رضي الله تعالى عنه لنشوان في رمضان ويلك وصبياننا صيام فضربه
مطابقته للترجمة في قوله وصبياننا صيام وإنما كانوا يصومونهم لأجل التمرين ليتعودوا بذلك ويكونوا على نشاط بذلك بعد البلوغ قوله لنشوان أي لرجل سكران بفتح النون وسكون الشين المعجمة من نشى الرجل من الشراب نشوا ونشوة وتنشى وانتشى كله سكر ورجل نشوان ونشيان على العاقبة والأنثى نشواء وجمعه نشاوى كسكارى وزاد القزاز والجمع النشوات وقال الزمخشري وهو نش وامرأة نشئة ونشوانة وفعلانة قليل إلا في بني أسد هكذا ذكر الفراء وفي ( نوادر اللحياني ) يقال نشئت من الشراب أنشأ نشوة ونشوة وقال ابن خالويه سكر الرجل وانتشى وثمل ونزف وانزف فهو سكران ونشوان وقال ابن التين النشوان السكر الخفيف قيل كأنه من كلام المولدين قوله صيام جمع صائم ويروى صوام ثم هذا التعليق وهو أثر عمر رضي الله تعالى عنه وصله سعيد بن منصور والبغوي في الجعديات من طريق عبد الله بن أبي الهدير أن عمر بن الخطاب أتى برجل شرب الخمر في رمضان فلما دنا منه جعل يقول للمنخرين والفم وفي رواية البغوي فلما رفع إليه عثر فقال عمر على وجهك ويحك وصبياننا صيام ثم أمر فضرب ثمانين سوطا ثم سيره إلى الشام وفي رواية البغوي فضربه الحد وكان إذا غضب على إنسان سيره إلى الشام فسيره إلى الشام وقال أبو إسحاق من شرب الخمر في رمضان ضرب مائة انتهى هذا كان في مستنده ما ذكره سفيان عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أتى بالنجاشي الشاعر وقد شرب الخمر في رمضان

(11/69)


فضربه ثمانين ثم ضربه من الغد عشرين وقال ضربناك العشرين لجرأتك على الله تعالى وإفطارك في رمضان
0691 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( بشر بن المفضل ) قال حدثنا ( خالد ابن ذكوان ) عن ( الربيع بنت معوذ ) قالت أرسل النبي غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم قالت فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار
مطابقته للترجمة في قوله ونصوم صبياننا
ذكر رجاله وهم أربعة الأول مسدد الثاني بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن الفضل بلفظ المفعول من التفضيل بالضاد المعجمة مر في العلم الثالث خالد بن ذكوان أبو الحسن الرابع الربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة بنت معوذ بلفظ الفاعل من التعويذ بالعين المهملة والذال المعجمة الأنصارية من المبايعات تحت الشجرة ولها قدر عظيم وقال الغسائي معوذ بفتح الواو ويقال بكسرها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه أن مسددا وشيخه بصريان وأن خالدا من أهل المدينة سكن البصرة وفيه رواية التابعي عن الصحابية وخالد تابعي صغير ليس له من الصحابة سوى الربيع هذه وهي أيضا من صغار الصحابة ولم يخرج البخاري من حديثه عن غيرها
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن أبي بكر بن نافع وعن يحيى بن يحيى
ذكر معناه قوله عن الربيع في رواية مسلم من وجه آخر عن خالد سألت الربيع قوله إلى قرى الأنصار وزاد مسلم التي حول المدينة قوله صبياننا زاد مسلم الصغار ونذهب بهم إلى المسجد قوله فليصم أي فليستمر على صومه قوله كنا نصومه أي نصوم عاشوراء قوله اللعبة بضم اللام وهي التي يقال لها لعب البنات قوله من العهن بكسر العين المهملة وسكون الهاء وهو الصوف وقد فسره البخاري في رواية المستملي في آخر الحديث قيل العهن الصوف المصبوغ قوله أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار وهكذا رواه ابن خزيمة وابن حبان ووقع في رواية مسلم أعطيناها إياه عند الإفطار وقال القرطبي وصنيع اللعب من العهن وهو الصوف الأحمر لصوم الصبيان ولعل النبي لم يعلم بذلك وبعيد أن يكون أمر بذلك لأنه تعذيب صغير بعبادة شاقة غير متكررة في السنة ورد عليه بما رواه ابن خزيمة من حديث رزينة أن النبي كان يأمر برضعائه في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل ورزينة بفتح الراء وكسر الزاي كذا ضبطه بعضهم وضبطه شيخنا بخطه بضم الراء وقال الذهبي في ( تجريد الصحابة ) رزينة خادمة رسول الله ومولاة زوجته صفية روت عنها ابنتها أمة الله وروى أبو يعلى الموصلي حدثنا عبد الله بن عمر القواريري حدثتنا علية عن أمها قالت قلت لأمة الله بنت رزينة يا أمة الله حدثتك أمك رزينة أنها سمعت رسول الله يذكر صوم عاشوراء قالت نعم وكان يعظمه حتى يدعو برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة فيتفل في أفواههن ويقول للأمهات لا ترضعونهن إلى الليل ورواه الطبراني فقال علية بنت الكميت عن أمها أمنية
ومما يستفاد منه أن صوم عاشوراء كان فرضا قبل أن يفرض رمضان وفيه مشروعية تمرين الصبيان وفيه أن الصحابي إذا قال فعلنا كذا في عهد النبي كان حكمه الرفع لأن سكوته عن ذلك يدل على تقريرهم عليه إذ لو لم يكن راضيا بذلك لأنكر عليهم
84 -
( باب الوصال )
أي هذا باب في بيان وصال الصائم صومه بالنهار وبالليل جميعا ولم يذكر حكمه اكتفاء بما ذكره في الباب من الأحاديث

(11/70)


ومن قال ليس في الليل صيام لقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة 781 ) ونهى النبي عنه رحمة لهم وإبقاء عليهم وما يكره من التعمق
كل هذا من الترجمة وهي تشتمل على ثلاثة فصول
الأول قوله ومن قال وهو في محل الجر عطفا على لفظ الوصال تقديره وباب في بيان من قال ليس في الليل صيام يعني الليل ليس محلا للصوم لأن الله تعالى جعل حد الصوم إلى الليل فلا يدخل في حكم ما قبله واستدل عليه بقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة 781 ) وقد ورد فيه حديث مرفوع رواه أبو سعيد الخير إن الله لم يكتب الصيام بالليل فمن صام فقد بغى ولا أجر له أخرجه ابن السكن وغيره من الصحابة والدولابي وغيره في ( الكنى ) كلهم من طريق أبي فروة الرهاوي عن معقل الكندي عن عبادة بن نسى عنه وقال ابن منده غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال الترمذي سألت البخاري عنه فقال ما أرى عبارة سمع من أبي سعيد الخير وقال شيخنا زين الدين حديث أبي سعيد الخير لم أقف عليه وقد اختلف في صحبته فقال أبو داود أبو سعيد الخير صحابي روى عن النبي وروى عنه قيس ابن الحارث الكندي وفراس الشعباني وقال شيخنا وروى عنه ممن لم يذكره يونس بن حليس ومهاجر بن دينار وابن لأبي سعيد الخير غير مسمى وذكره الطبراني في الصحابة وروى له خمسة أحاديث وقيل هو أبو سعيد الخير بزيادة ياء آخر الحروف وهكذا ذكر أبو أحمد الحاكم في ( الكنى ) فقال سعيد الخير له صحبة مع النبي حديثه في أهل الشام وقال الحافظ الذهبي في ( تجريد الصحابة ) أبو سعيد الخير الأنماري وقيل أبو سعيد الخير اسمه عامر بن سعد شامي له في الشفاعة وفي الوضوء روى عنه قيس بن الحارث وعبادة بن نسي وقال أبو أحمد الحاكم بعد أن روى له حديثا قال أبو سعيد الأنماري ويقال أبو سعيد الخير له صحبة من النبي قال ولست أحفظ له إسما ولا نسبا إلى أقصى أب فجعلهما اثنين وجمع الطبراني بين الترجمتين فجعلهما ترجمة واحدة وقال شيخنا وقد قيل إن أبا سعيد الخير هو أبو سعيد الحبراني الحمصي الذي روى عن أبي هريرة وروي عنه حصين الحبراني وعلى هذا فهو تابعي وهكذا ذكره العجلي في ( الثقات ) فقال شامي تابعي ثقة وكذا ذكره ابن حبان في ( الثقات ) التابعين واختلف في اسمه فيقال إسمه زياد ويقال عامر بن سعد قال الحافظ المزي وأراهما اثنين والله أعلم
الفصل الثاني قوله ونهى النبي عنه أي عن الوصال وهذا التعليق وصله البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها بلفظ نهى النبي رحمة لهم على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى قوله وإبقاء عليهم أي على الأمة وأراد حفظا لهم في بقاء أبدانهم على قوتها وروى أبو داود وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة قال نهى النبي عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه وإسناده صحيح
الفصل الثالث قوله وما يكره من التعمق قال الكرماني هو عطف إما على الضمير المجرور وإما على قوله رحمة أي لكراهة التعمق وهو تكلف ما لم يكلف وعمق الوادي قعره وقيل وما يكره من التعمق من كلام البخاري معطوف على قوله الوصال أي باب ذكر الوصال وذكر ما يكره من التعمق وقد روى البخاري في كتاب التمني من طريق ثابت بن قيس عن أنس في قصة الوصال فقال لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم
1691 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثني ( يحيى ) عن ( شعبة ) قال حدثني ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا تواصلوا قالوا إنك تواصل قال لست كأحد منكم إني أطعم وأسقى أو أني أبيت أطعم وأسقى ( انظر الحديث 1691 وطرفه في 1427 )
مطابقته للترجمة ظاهرة فإنه يوضح جواب الترجمة ورجاله قد ذكروا غير مرة ويحيى بن سعيد القطان
وأخرجه مسلم من رواية سليمان عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله يصلي في رمضان الحديث بطوله وفيه فأخذ يواصل

(11/71)


رسول الله وذلك في آخر الشهر فأخذ رجال من أصحابه يواصلون فقال النبي ما بال رجال يواصلون إنكم لستم مثلي أما والله لو تماد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم وفي لفظ له إني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني وفي لفظ إني لست كهيئتكم
قوله إني لست كأحد منكم وفي رواية الكشميهني كأحدكم وفي حديث ابن عمر إني لست مثلكم وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة عند مسلم لستم في ذلك مثلي وفي حديث أبي هريرة سيأتي وأيكم مثلي أي على صفتي أو منزلتي من ربي قوله أو إني أبيت الشك من شعبة وفي رواية أحمد عن بهز عنه إني أظل أو قال أني أبيت وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ إن ربي يطعمني ويسقيني أخرجه الترمذي قوله لا تواصلوا نهي وأدناه يقتضي الكراهة
ولكن اختلفوا هل هي رواية تنزيه أو تحريم على وجهين حكاهما صاحب ( المهذب ) وغيره أصحهما عندهم أن الكراهة للتحريم قال الرافعي وهو ظاهر كلام الشافعي وحكى صاحب ( المفهم ) عن قوم أنه يحرم قال وهو مذهب أهل الظاهر قال وذهب الجمهور ومالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري وجماعة من أهل الفقه إلى كراهته وذهب آخرون إلى جواز الوصال لمن قوي عليه وممن كان يواصل عبد الله بن الزبير وابن عامر وابن وضاح من المالكية كان يواصل أربعة أيام حكاه ابن حزم وقد حكى القاضي عياض عن ابن وهب وإسحاق وابن حنبل أنهم أجازوا الوصال والجمهور ذهبوا إلى أن الوصال من خواص النبي لقوله إني لست كأحد منكم وهذا دال على التخصيص وأما غيره من الأمة فحرام عليه وفي ( سنن أبي داود ) من حديث عائشة كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال وممن قال به من الصحابة علي بن أبي طالب وأبي هريرة وأبو سعيد وعائشة رضي الله تعالى عنهم واحتج من أباح الوصال بقول عائشة نهاهم عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنما نهاهم رفقا لا إلزاما لهم واحتجوا أيضا بكون النبي واصل بأصحابه يومين حين أبوا أن ينتهوا قال صاحب ( المفهم ) وهو يدل على أن الوصال ليس بحرام ولا مكروه من حيث هو وصال لكن من حيث يذهب بالقوة وأجاب المحرمون عن الحديثين بأن قالوا لا يمنع قوله رحمة لهم أن يكون منهيا عنه للتحريم وسبب تحريمه الشفقة عليهم لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم قالوا وأما وصاله بهم فلتأكيد الزجر وبيان الحكمة في نهيهم والمفسدة المترتبة على الوصال وهي الملل من العبادة وخوف التقصير في غيره من العبادات وقال ابن العربي وتمكينهم منه تنكيل لهم وما كان على طريق العقوبة لا يكون من الشريعة فإن قلت كيف يحسن قولهم له بعد النهي عن الوصال فإنك تواصل وهم أكثر الناس آدابا قلت لم يكن ذلك على سبيل الاعتراض ولكن على سبيل استخراج الحكم أو الحكمة أو بيان التخصيص
قوله إني أطعم وأسقى اختلف في تأويله فقيل إنه على ظاهره وأنه يؤتى على الحقيقة بطعام وشراب يتناولهما فيكون ذلك تخصيص كرامة لا شركة فيها لأحد من أصحابه ورد صاحب ( المفهم ) هذا وقال لأنه لو كان كذلك لما صدق عليه قولهم إنك تواصل ولا ارتفع اسم الوصال عنه لأنه حينئذ يكون مفطرا وكان يخرج كلامه عن أن يكون جوابا لما سئل عنه ولأن في بعض ألفاظه إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني وظل إنما يقال فيمن فعل الشيء نهارا وبات فيمن يفعله ليلا وحينئذ كان يلزم عليه فساد صومه وذلك باطل بالإجماع وقيل إن الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب واعترض صاحب ( المفهم ) على هذا أيضا وقال وهذا القول أيضا يبعده النظر إلى حاله فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط على بطنه الحجارة من الجوع وبعده أيضا النظر إلى المعنى وذلك لأنه لو خلق فيه الشبع والري لما وجد لعبادة الصوم روحها الذي هو الجوع والمشقة وحينئذ كان يكون ترك الوصال أولى وقيل إن الله تعالى يحفظ عليه قوته من غير طعام وشراب كما يحفظها بالطعام والشراب فعبر بالطعام والسقيا عن فائدتهما وهي القوة وعليه اقتصر ابن العربي وحكى الرافعي عن المسعودي قال أصح ما قيل في معناه أني أعطى قوة الطاعم والشارب
2691 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى رسول الله عن الوصال قالوا إنك تواصل قال إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى ( انظر الحديث 2291 )

(11/72)


مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مر في باب بركة السحور فإنه رواه هناك عن موسى بن إسماعيل عن جويرية عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم الحديث وقد مر الكلام هناك مستوفى
3691 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( ابن الهاد ) عن ( عبد الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي يقول لا تواصلوا فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر فإنك تواصل يا رسول الله قال إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني ( الحديث 3691 - طرفه في 7691 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن الهاد هو يزيد بن أسامة بن الهاد الليثي المدني مر في الصلاة وعبد الله بن الخباب بالخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى الأنصاري المدني من موالي الأنصار وليس الخباب بن الأرت الصحابي وليست له رواية إلا عن أبي سعيد الخدري ولم يذكر له رواية عن غير أبي سعيد الخدري وتوقف الجوزجاني في معرفة حاله ووثقه أبو حاتم الرازي وأبو سعيد هو الخدري
والحديث أخرجه أبو داود من رواية ابن الهاد أيضا ولم يخرج مسلم حديث أبي سعيد وعزو الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد إلى مسلم وهم قوله فليواصل إلى السحر وفيه رد على من قال إن الإمساك بعد الغروب لا يجوز وحقيقة الوصال هو أن يصل صوم يوم بصوم يوم آخر من غير أكل أو شرب بينهما هذا هو الصواب في تحقيق الوصال وقيل هو الإمساك بعد تحلة الفطر وحكى في حكمه ثلاثة أقوال التحريم والجواز وثالثها أنه يواصل إلى السحر قاله أحمد وإسحاق
قوله كهيئتكم الهيئة صورة الشيء وشكله وحالته والمعنى إني لست مثل حالتكم وصفتكم في أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله وإني لست مثلكم ولي قرب من الله وهو معنى قوله أبيت ولي مطعم يطعمني ليالي صيامي وساق يسقيني فإن حملناه على الحقيقة يكون هذا كرامة له من الله تعالى وخصوصية وإلا يكون هذا فيضا من الله تعالى عليه بحيث يسد مسد طعامه وشرابه من حيث إنه يشغله عن إحساس الجوع والعطش ويقويه على الطاعة ويحرسه من تحليل يفضي إلى كلال القوى وضعف الأعضاء وقوله لي مطعم جملة إسمية وقعت حالا بدون الواو وقوله يطعمني جملة فعلية حال أيضا من الأحوال المتداخلة قوله وساق أي ولي ساق والكلام فيه مثل الكلام في لي مطعم فافهم
4691 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ومحمد ) قالا أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت نهى رسول الله عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنك تواصل قال أني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني ( الحديث 3691 - طرفه في 7691 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعثمان بن أبي شيبة هو أخو أبي بكر بن أبي شيبة وكلاهما من مشايخ البخاري ومحمد هو ابن سلام وعبدة هو ابن سليمان
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإيمان عن محمود بن غيلان وأخرجه مسلم في الصوم عن إسحاق بن إبراهيم وعثمان بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم
قوله رحمة لهم نصب على التعليل أي لأجل الترحم لهم وهذه إشارة إلى بيان السبب في منعهم عن الوصال
قال أبو عبد الله لم يذكر عثمان رحمة لهم
أبو عبد الله هو البخاري قوله لم يذكر عثمان يعني ابن أبي شيبة شيخه في الحديث المذكور قوله رحمة لهم يعني لم يذكر عثمان هذا اللفظ في روايته فدل هذا على أن هذا من رواية محمد بن سلام وحده وقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة جميعا وفيه رحمة لهم ولم يبين أنها ليست في رواية عثمان وقد

(11/73)


أخرجه أبو يعلى والحسن بن سفيان في مسنديهما عن عثمان وليس فيه رحمة لهم وأخرجه الإسماعيلي عنهما كذلك وأخرجه الجوزقي من طريق محمد بن حاتم عن عثمان وفيه رحمة لهم فدل هذا على أن عثمان كان تارة يذكرها وتارة يحفظها وقد رواه الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن عثمان فجعل ذلك من قول النبي ولفظه قالوا إنك تواصل قال إنما هي رحمة رحمكم الله بها إني لست كهيئتكم الحديث وهذا كما رأيت البخاري قد أخرج حديث الوصال عن خمسة من الصحابة وهم أنس وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وعائشة وأبو هريرة وفي الباب عن علي وجابر وبشير بن الخصاصية وعبد الله بن ذر
فحديث علي رضي الله تعالى عنه رواه عبد الرزاق عنه قال قال رسول الله لا مواصلة ورواه أحمد عنه أن النبي كان يواصل من السحر إلى السحر وحديث جابر رواه عبد الرزاق عنه أن رسول الله قال لا مواصلة في الصيام وإسناده ضعيف وحديث بشير رواه الطبراني عنها قالت كنت أصوم فأواصل فنهاني بشير وقال إن رسول الله نهاني عن هدا قال إنما يفعل ذلك النصارى ولكن صومي كما أمر الله تعالى ثم أتمي الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فأفطري وحديث عبد الله بن ذر رواه البغوي وابن قانع في ( معجميهما ) عنه أن النبي واصل بين يومين وليلة فأتاه جبريل عليه السلام فقال قبلت مواصلتك ولا تحل لأمتك فهذه الأحاديث كلها تدل على أن الوصال من خصائص النبي وعلى أن غيره ممنوع منه إلا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر
94 -
( باب التنكيل لمن أكثر الوصال )
أي هذا باب في بيان تنكيل النبي لمن أكثر الوصال في صومه والتنكيل من النكال وهو العقوبة التي تنكل الناس عن فعل جعلت له جزاء وقد نكل به تنكيلا ونكل به إذا جعله عبرة لغيره وقيد الأكثرية يقضي عدم النكال في القليل ولكن لا يلزم من عدم النكال الجواز
رواه أنس عن النبي
أي روى التنكيل لمن أكثر الوصال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وهذا التعليق وصله البخاري في كتاب التمني في باب ما يجوز من اللوم من طريق حميد بن ثابت عن أنس قال واصل النبي آخر الشهر وواصل أناس من الناس فبلغ النبي فقال لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم إني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ورواه مسلم أيضا من حديث حميد عن ثابت عن أنس قال واصل رسول الله في أول شهر رمضان فواصل ناس من المسلمين فبلغه ذلك فقال لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم إنكم لستم مثلي أو قال إني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني
5691 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال نهى رسول الله عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله قال وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا
مطابقته للترجمة في قوله لو تأخر لزدتكم إلى آخره وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وأخرجه النسائي في الصوم أيضا عن عمرو بن عثمان عن أبيه عن شعيب به قوله حدثني أبو سلمة ويروى أخبرني هكذا رواه شعيب

(11/74)


عن الزهري وتابعه عقيل عن الزهري كما سيأتي في باب التعذير ومعمر كما سيأتي في التمني وتابعه يونس عند مسلم وخالفهم عبد الرحمن بن خالد بن مسافر فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة علقه المصنف في المحاربين وفي التمني وليس اختلافا ضارا فقد أخرجه الدارقطني في ( العلل ) من طريق عبد الرحمن بن خالد هذا عن الزهري عنهما جميعا وكذلك رواه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة أخرجه الإسماعيلي وكذا ذكر الدارقطني أن الزبيد تابع ابن نمر على الجمع بينهما قوله قال له رجل وفي رواية عقيل فقال له رجل قوله فلما أبوا قيل كيف جاز للصحابة مخالفة حكم رسول الله وأجيب بأنهم فهموا من النبي أنه للتنزيه لا للتحريم قوله عن الوصال في رواية الكشميهني من الوصال قوله يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال ظاهره أن المواصلة بهم كانت يومين وقد صرح بذلك في رواية معمر قيل كيف جوز رسول الله لهم الوصال وأجيب بأنه احتمل للمصلحة تأكيدا لزجرهم وبيانا للمفسدة المترتبة على الوصال وهي الملل من العبادة والتعرض للتقصير في سائر الوظائف قوله لو تأخر أي الهلال وهو الشهر ويستفاد منه جواز قول فإن قلت ورد النهي عن ذلك قلت النهي فيما لا يتعلق بالأمور الشرعية قوله لزدتكم أي في الوصال إلى أن تعجزوا عنه فتسألوا التخفيف عنه بالترك قوله كالتنكيل وفي رواية معمر كالمنكل لهم ووقع عند المستملي كالمنكر من الإنكاء بالراء في آخره ووقع في رواية الحموي المنكي بضم الميم وسكون النون على صيغة اسم الفاعل من الإنكار قال بعضهم المنكي من النكاية قلت ليس كذلك بل من الإنكاء لأنه من باب المزيد لا يذوق مثل هذا إلا من له يد في التصريف قوله حين أبوا أي حين امتنعوا قوله أن ينتهوا كلمة أن مصدرية أي الانتهاء
6691 - حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إياكم والوصال مرتين قيل إنك تواصل قال إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى وقع كذا غير منسوب في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر حدثنا يحيى بن موسى وقال الكرماني يحيى هو إما يحيى بن موسى البلخي وإما يحيى بن جعفر البخاري قلت يحيى بن موسى بن عبد ربه بن سالم أبو زكريا السختياني الحداني البلخي يقال له خت قال البخاري مات سنة أربعين ومائتين ويحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين
قوله إياكم والوصال مرتين وفي رواية أحمد عن عبد الرزاق بهذا الإسناد إياكم والوصال فعلى هذا قوله مرتين اختصار من البخاري أو من شيخه ورواه ابن أبي شيبة من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ إياكم والوصال ثلاث مرات وإسناده صحيح وانتصاب الوصال على التحذير يعني احذروا الوصال قوله أبيت كذا في الطريقين عن أبي هريرة لفظ أبيت وقد تقدم في رواية أنس بلفظ أظل وكذا في رواية الإسماعيلي عن عائشة وأكثر الروايات وكان بعض الرواة عبر عن أبيت بلفظ أظل نظرا إلى اشتراكهما في مطلق الكون ألا يرى أنه يقال أضحى فلان كذا مثلا ولا يراد به تخصيص ذلك بوقت الضحى وكذلك قوله تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا ( النحل 85 ) فإن المراد به مطلق الوقت ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل قوله فاكلفوا بفتح اللام لأنه من كلفت بهذا الأمر أكلف من باب علم يعلم أي أولعت به والمعنى ههنا تكلفوا ما تطيقونه وكلمة ما موصولة وتطيقونه صلة وعائد أي الذي تقدرون عليه ولا تتكلفوا فوق ما تطيقونه فتعجزوا
05 -
( باب الوصال إلى السحر )
أي هذا باب في بيان جواز الوصال إلى السحر وقد مضى أنه مذهب أحمد وطائفة من أصحاب الحديث ومن الشافعية من قال إن هذا ليس بوصال

(11/75)


7691 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) قال حدثني ( ابن أبي حازم ) عن ( يزيد ) عن ( عبد الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله يقول لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني ( انظر الحديث 3691 )
مطابقته للترجمة في قوله فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر وإبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي مر في باب سؤال جبريل عليه السلام في كتاب الإيمان وابن أبي حازم هو عبد العزيز ويزيد من الزيادة هو ابن عبد الله بن الهاد
وقد مر هذا الحديث في باب الوصال فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن ابن الهاد إلى آخره فإن قلت روى ابن خزيمة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كان رسول الله يواصل إلى السحر ففعل بعض أصحابه ذلك فنهاه فقال يا رسول الله إنك تفعل ذلك الحديث فظاهره يعارض حديث أبي سعيد هذا فإن في حديث أبي صالح إطلاق النهي عن الوصال وفي حديث أبي سعيد جوازه إلى السحر قلت ذكروا أن رواية عبيدة بن حميد شاذة وقد خالفه أبو معاوية وهو أضبط أصحاب الأعمش فلم يذكر ذلك أخرجه أحمد وغيره عن أبي معاوية قيل على تقدير أن تكون رواية عبيدة محفوظة فالجواب أن ابن خزيمة جمع بينهما بأن يكون النهي عن الوصال أولا مطلقا سواء في ذلك جميع الليل أو بعضه ثم خص النهي بجميع الليل فأباح الوصال إلى السحر فيحمل حديث أبي سعيد على هذا وحديث عبيدة على الأول وقيل يحمل النهي في حديث أبي صالح على كراهة التنزيه وفي حديث أبي سعيد على ما فوق السحر على كراهة التحريم
15 -
( باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له )
أي هذا باب في بيان حكم من حلف على أخيه وكان صائما ليفطر والحال أنه كان في صوم التطوع ولم ير على هذا المفطر قضاء عن ذلك اليوم الذي أفطر فيه قوله إذا كان الإفطار أوفق له أي للمفطر بأن كان معذورا فيه بأن عزم عليه أخوه في الإفطار وهذا القيد يدل على أنه لا يفطر إذا كان بغير عذر ولا يتعمد ذلك ويروى إذا كان يعني حين كان ويروى أرفق أيضا بالراء وبالواو والمعنى صحيح فيهما وهذا تصرف البخاري واختياره وفيه خلاف بين الفقهاء سنذكره إن شاء الله تعالى
8691 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثني ( جعفر بن عون ) قال حدثنا ( أبو العميس ) عن ( عون ابن أبي جحيفة ) عن أبيه قال آخى النبي بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم فقال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي فذكر ذلك له فقال النبي صدق سلمان ( الحديث 8691 - طرفه في 9316 )
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا الدرداء صنع لسلمان طعاما وكان سلمان صائما فأفطر بعد محاورة ثم لما أتى النبي

(11/76)


وأخبره بذلك لم يأمره بالقضاء وقال بعضهم ذكر القسم لم يقع في حديث أبي جحيفة هنا وأما القضاء فليس في شيء من طرقه إلا أن الأصل عدمه وقد أقره الشارع ولو كان القضاء واجبا لبينه مع حاجته إلى البيان انتهى قلت في رواية البزار عن محمد ابن بشار شيخ البخاري في هذا الحديث فقال أقسمت عليك لتفطرن وكذا في رواية ابن خزيمة والدارقطني والطبراني وابن حبان فكأن شيخ البخاري محمد بن بشار لما حدث بهذا الحديث لم يذكر له هذه الجملة وبلغ البخاري ذلك من غيره فذكرها في الترجمة وإن لم يقع في روايته وقد ذكر البخاري هذا الحديث أيضا في كتاب الأدب عن محمد بن بشار بهذا الإسناد ولم يذكر هذه الجملة أيضا
وقيل القسم مقدر قبل قوله ما أنا بآكل كما في قوله تعالى وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) وأما قوله وأما القضاء إلى آخره فالجواب عنه أن القضاء ثبت في غيره من الأحاديث ونذكرها الآن وقوله فليس في شيء من طرقه لا يستلزم عدم ذكره القضاء في طرق هذا الحديث نفي وجوب القضاء في طرق غيره وقوله إلا أن الأصل عدمه أي عدم القضاء غير مسلم بل الأصل وجوب القضاء لأن الذي يشرع في عبادة يجب عليه أن يأتي بها وإلا يكون مبطلا لعمله وقد قال تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ( محمد 33 ) فإن قلت قال أبو عمر أما من احتج في هذه المسألة بقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ( محمد 33 ) فجاهل بأقوال أهل العلم وذلك أن العلماء فيها على قولين فيقول أكثر أهل السنة لا تبطلوها بالرياء أخلصوها لله تعالى وقال آخرون لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر قلت من أين لأبي عمر هذا الحصر
وقد اختلفوا في معناه فقيل لا تبطلوا الطاعات بالكبائر وقيل لا تبطلوا أعمالكم بمعصية الله ومعصية رسوله وعن ابن عباس لا تبطلوها بالرياء والسمعة عنه بالشك والنفاق وقيل بالعجب فإن العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وقيل لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى على أن قوله ولا تبطلوا أعمالكم ( محمد 33 ) عام يتناول كل من يبطل عمله سواء كان في صوم أو في صلاة ونحوهما من الأعمال المشروعة فإذا نهى عن إبطاله يجب عليه قضاؤه ليخرج عن عهدة ما شرع فيه وأبطله
وأما الأحاديث الموعود بذكرها فمنها ما رواه الترمذي قال حدثنا أحمد بن منيع حدثنا كثير بن هشام حدثنا جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فجاء رسول الله فبدرتني إليه حفصة وكانت ابنة أبيها فقالت يا رسول الله إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فقال إقضيا يوما آخر مكانه ورواه أبو داود والنسائي أيضا من رواية يزيد بن الهاد عن زميل مولى عروة عن عروة عن عائشة قالت أهدي لي ولحفصة طعام وكنا صائمتين فأفطرنا ثم دخل رسول الله فقلنا له يا رسول الله إنا أهديت لنا هدية فاشتهيناها فأفطرنا فقال لا عليكما صوما مكانه يوما آخر وأخرجه النسائي من رواية جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأخرجه أيضا من رواية يحيى بن أيوب عن إسماعيل بن عقبة قال وعندي في موضع آخر أو إسماعيل بن إبراهيم عن الزهري عن عروة عن عائشة قال يحيى بن أيوب وحدثني صالح بن كيسان عن الزهري مثله قال النسائي وجدته في موضع آخر عندي حدثني صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد مثله فإن قلت قال الترمذي رواه مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا وقال الترمذي أيضا في ( العلل ) سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال لا يصح حديث الزهري عن عروة عن عائشة في هذا قال وجعفر بن برقان ثقة وربما يخطىء في الشيء وكذا قال محمد بن يحيى الذهلي لا يصح عن عروة وقال النسائي في ( سننه ) بعد أن رواه هذا خطأ وقال أبو عمر في ( التمهيد ) بعد ذكره لهذا الحديث مدار حديث صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد على يحيى بن أيوب وهو صالح وإسماعيل بن إبراهيم متروك الحديث وجعفر بن برقان في الزهري ليس بشيء وسفيان بن حسين وصالح بن أبي الأخضر في حديثهما خطأ كثير قال وحفاظ بن شهاب يروونه مرسلا قلت وقد وصله آخرون فجعلوه عن الزهري عن عروة عن عائشة وهم جعفر بن برقان وسفيان بن حسين ومحمد بن أبي حفصة وصالح بن أبي الأخضر وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وصالح بن كيسان وحجاج بن أرطأة وإذا دار الحديث بين الانقطاع والاتصال فطريق الاتصال أولى وهو قول الأكثرين وذلك لأن طريق الانقطاع ساكت عن

(11/77)


الراوي وحاله أصلا وفي طريق الاتصال بيان له ولا معارضة بين الساكت والناطق ولئن سلمنا أنه روى مرسلا أنه أصح وقد وافقه حديث متصل وهو حديث عائشة بنت طلحة رواه الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة زوج النبي قالت دخل علي رسول الله فقلت له يا رسول الله إنا قد خبأنا لك حيسا فقال أما إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه سأصوم يوما مكان ذلك قال محمد هو ابن إدريس سمعت سفيان عامة مجالستي إياه لا يذكر فيه سأصوم يوما مكان ذلك قال ثم إني عرضت عليه الحديث قبل أن يموت بسنة فأجاب فيه سأصوم يوما مكان ذلك ورواه البيهقي في ( سننه الكبير ) من طريق الطحاوي وفي كتابه ( المعرفة ) أيضا ففي هذا الحديث ذكر وجوب القضاء وفي حديث عائشة ما قد وافق ذلك
ثم انظر ما أقول لك من العجب العجاب وهو أن أحمد قال هذا الحديث قد رواه جماعة عن سفيان دون هذه اللفظة ورواه جماعة عن طلحة ابن يحيى دون اللفظة منهم سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وعبد الواحد بن زياد ووكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد القطان ويعلى بن عبيد وغيرهم وأخرجه مسلم في ( صحيحه ) من حديث عبد الواحد وغيره دون هذه اللفظة وقال البيهقي في ( السنن الكبيرة ) رواية هؤلاء تدل على خطأ هذه اللفظة وهذا العجب العجاب منه أن يخطيء ههنا إمامه الشافعي ويخطىء مثل سفيان بن عيينة والشافعي إمام ثقة وروى هذه اللفظة من مثل سفيان الذي هو من أكبر مشايخه ثم لم يذكر خلافه عنه ثم يتلفظ بمثل هذا الكلام البشيع لأجل تضعيف ما احتجت به الحنفية وغمض عينيه من جهة الشافعي ومن جهة شيخه وليس هذا من دأب العلماء الراسخين فضلا عن العلماء المقلدين
وأما قول البخاري والذهليإنه لا يصح فهو نفي والإثبات مقدم عليه وقوله قال النسائي هذا خطأ دعوى بلا إقامة برهان لأن كونه مرسلا على زعمهم لا يستلزم كونه خطأ وقول أبي عمر فيه وهمان أحدهما أن قوله مدار حديث يحيى بن سعيد على يحيى بن أيوب غفلة منه فإنه هو بعد هذا بأسطر رواه من رواية أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد وغيره عن الزهري عن عروة عن عائشة والثاني أن قوله وإسماعيل بن إبراهيم متروك الحديث قد انقلب عليه هذا الاسم فظن إسماعيل بن إبراهيم هو ابن حبيبة قال فيه أبو حاتم متروك الحديث وليس هو الراوي لهذا الحديث وهذا إسماعيل بن عقبة احتج به البخاري ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي فإن قلت في رواية أبي داود التي تقدمت وذكرناها آنفا زميل مولى عروة عن عروة قال البخاري لا يصح لزميل سماع من عروة ولا ليزيد من زميل ولا تقوم به الحجة قلت في ( سنن ) النسائي التصريح بسماع يزيد منه وقول البخاري لا يصح لزميل سماع عن عروة نفي فيقدم عليه الإثبات وزميل هو ابن عباس أو عياش مولى عروة قيل بضم الزاي وفتح الميم وقيل بفتح الزاي وكسر الميم ولحديث عائشة رضي الله تعالى عنها طريق آخر رواه النسائي عن أحمد بن عيسى عن ابن وهب عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها الحديث وفي آخره قال صوما يوما مكانه وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) عن ابن قتيبة عن حرملة عن ابن وهب وقال ابن عبد البر في ( التمهيد ) وأحسن حديث في هذا الباب حديث ابن الهاد عن زميل عن عروة وحديث جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة
ومنها ما رواه ابن عباس أخرجه النسائي من رواية خطاب بن القاسم عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي دخل على حفصة وعائشة وهما صائمتان ثم خرج فرجع وهما يأكلان فقال ألم تكونا صائمتين قالتا بلى ولكن أهدي لنا هذا الطعام فأعجبنا فأكلنا منه فقال صوما يوما مكانه فإن قلت قال النسائي وابن عبد البر هذا الحديث منكر قلت إنما قالا ذلك بسبب خطاب ابن القاسم عن خصيف لأن فيهما مقالا فيما قاله عبد الحق وقال ابن القطان خطاب ثقة قاله ابن معين وأبو زرعة ولا أحفظ لغيرهما فيه ما يناقض ذلك وقال أبو داود ويحيى بن معين وأبو زرعة والعجلي خصيف ثقة عن ابن معين صالح وعنه ليس به بأس وعن أحمد ليس بحجة
ومنها حديث أبي هريرة رواه العقيلي في ( تاريخ الضعفاء من حديث محمد ابن أبي سلمة عن محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة قال أهديت لعائشة وحفصة هدية وهما صائمتان فأكلتا منها فذكرتا ذلك لرسول الله فقال اقضيا يوما مكانه ولا تعودا أورده في ترجمة محمد بن أبي سلمة المكي وقال لا يتابع على حديثه
ومنها حديث أم سلمة رواه الدارقطني

(11/78)


في الأفراد من رواية محمد بن حميد عن الضحاك بن حمرة عن منصور بن أبان عن الحسن عن أمه عن أم سلمة أنها صامت يوما تطوعا فأفطرت فأمرها رسول الله أن تقضي يوما مكانه فإن قلت قال الدارقطني تفرد به الضحاك عن منصور والضحاك ليس بشيء قاله ابن معين ومحمد بن حميد كذاب قاله أبو زرعة قلت الضحاك بن حمرة بضم الحاء المهملة وبعد الميم راء الأملوكي الواسطي ذكره ابن حبان في ( الثقات ) وإذا كان الضحاك ثقة لا يروي عن كذاب
ومنها حديث جابر رواه الدارقطني من حديث محمد بن المنكدر عنه قال صنع رجل من أصحاب رسول الله طعاما فدعا النبي وأصحابا له فلما أتي بالطعام تنحى أحدهم فقال له ما لك فقال إني صائم فقال تكلف لك أخوك وصنع ثم تقول إني صائم كل وصم يوما مكانه وروى الطحاوي من حديث سعيد بن أبي الحسن عن ابن عباس أنه أخبر أصحابه أنه صام ثم خرج عليهم ورأسه يقطر فقالوا ألم تك صائما قال بلى ولكن مرت بي جارية لي فأعجبتني فأصبتها وكانت حسنة فهممت بها وأنا قاضيها يوما آخر وأخرج ابن حزم في ( المحلى ) من طريق وكيع عن سيف بن سليمان المكي قال خرج عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يوما على الصحابة فقال إني أصبحت صائما فمرت بي جارية فوقعت عليها فما ترون قال فلم يألوا ما شكوا عليه وقال له علي رضي الله تعالى عنه أصبت حلالا وتقضي يوما مكانه قال له عمر رضي الله تعالى عنه أنت أحسنهم فتيا وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عثمان البتي عن أنس ابن سيرين رضي الله تعالى عنه أنه صام يوم عرفة فعطش عطشا شديدا فأفطر فسأل عدة من أصحاب النبي فأمروه أن يقضي يوما مكانه
وروي وجوب القضاء عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس وجابر بن عبد الله وعائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير في قول وأبي حنيفة ومالك وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله ومذهب مجاهد وطاووس وعطاء والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق أن المتطوع بالصوم إذا أفطر بعذر أو بغير عذر لا قضاء عليه إلا أنه يحب هو أن يقضيه وروي ذلك عن سلمان وأبي الدرداء واحتجوا في ذلك بحديث أم هانىء رواه أحمد عنها أن رسول الله شرب شرابا فناولها لتشرب فقالت إني صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك فقال إن كان من قضاء رمضان فاقضي يوما مكانه وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي وأخرجه الطحاوي من ثلاث طرق وأخرجه الترمذي حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال أنبأنا شعبة كنت أسمع سماك بن حرب يقول حدثني أحد بني أم هانىء فلقيت أفضلهم وكان اسمه جعدة فحدثني عن جدته أن رسول الله دخل عليها فدعى بشراب فشرب ثم ناولها فشربت فقالت يارسول الله أما اني كنت صائمة فقال رسول الله الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر قال شعبة فقلت له أنت سمعت هذا من أم هانىء قال لا أخبرني أبو صالح وأهلنا عن أم هانىء وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن سماك فقال ابن بنت أم هانىء ورواية شعبة أحسن وقال الترمذي حديث أم هانىء في إسناده مقال قلت هذا الحديث فيه اضطراب متنا وسندا أما الأول فظاهر وقد ذكر فيه أنه كان يوم الفتح وهي أسلمت عام الفتح وكان الفتح في رمضان فكيف لا يلزمها قضاؤه وقال الذهبي في ( مختصر سنن البيهقي ) ولا أراه يصح فإن يوم الفتح كان صومها فرضا لأنه رمضان وقال غيره ومما يوهن هذا الخبر أنها يوم الفتح فلا يجوز لها أن تكون متطوعة لأنها كانت في شهر رمضان قطعا
وأما اضطراب سنده فاختلف سماك فيه فتارة رواه عن أبي صالح وتارة عن جعدة وتارة عن هارون أما أبو صالح فهو باذان ويقال باذام ضعفوه وقال البيهقي ضعيف لا يحتج بخبره وقال في باب أصل القسامة أبو صالح عن ابن عباس ضعيف وعن الكلبي قال لي أبو صالح كل ما حدثتك به كذب وفي ( السنن الكبرى ) للنسائي هو ضعيف الحديث وعن حبيب بن أبي ثابت كنا نسميه الدرودن وهو باللغة الفارسية الكذاب وقال النسائي وقد روي أنه قال في مرضه كل شيء حدثتكم به فهو كذب وأما جعدة فمجهول وقال النسائي لم يسمعه جعدة عن أم هانىء وأما هارون فمجهول الحال قاله ابن القطان واختلف في نسبه فقيل

(11/79)


ابن أم هانىء وقيل ابن هانىء وقيل ابن ابنة أم هانىء وقيل هذا وهم فإنه لا يعرف لها بنت وقال النسائي اختلف على سماك فيه وسماك لا يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث وقد رواه النسائي وغيره من غير طريق سماك فيه وليس فيه قوله فإن شئت فاقضيه وإن شئت فلا تقضيه ولم يرو هذا اللفظ عن سماك غير حماد بن سلمة وأخرجه البيهقي من رواية حاتم بن أبي صعيرة وأبي عوانة كلاهما عن سماك وليس فيه هذه اللفظة
ذكر رجال الحديث وهم خمسة الأول محمد بن بشار بالباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة الثاني جعفر ابن عون بفتح العين المهملة وسكون الواو وفي آخره نون أبو عون المخزومي القرشي الثالث أبو العميس بضم العين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة واسمه عتبة بن عبد الله بن مسعود وقد مر في زيادة الإيمان الرابع عون بن أبي جحيفة الخامس أبوه أبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء واسمه وهب بن عبد الله السوائي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن محمد بن بشار بصري ويلقب ببندار لأنه كان بندارا في الحديث والبندار الحافظ وهو شيخ الجماعة والبقية كوفيون وفيه أن هذا الحديث لم يروه إلا أبو العميس عن عون بن أبي جحيفة ولا لأبي العميس راو إلا جعفر بن عون وأنهما منفردان بذلك نبه عليه البزار وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في الأدب وأخرجه الترمذي أيضا عن محمد ابن بشار في الزهد وقال حديث حسن صحيح
ذكر معناه قوله آخى النبي من المؤاخاة وهي اتخاذ الأخوة بين الإثنين يقال وآخاه مواخاة وإخاء وتآخيا على تفاعلا وتأخيت إخاء أي اتخذت أخا ذكر أهل السير والمغازي أن المؤاخاة بين الصحابة وقعت مرتين الأولى قبل الهجرة بين المهاجرين خاصة على المواساة والمناصرة وكان من ذلك أخوة زيد بن حارثة وحمزة بن عبد المطلب ثم آخى النبي بين المهاجرين والأنصار بعد أن هاجر وذلك بعد قدومه المدينة فإن قلت روى الواقدي عن الزهري أنه كان ينكر كل مؤاخاة وقعت بعد بدر ويقول قطعت بدر المواريث وسلمان إنما أسلم بعد وقعة أحد وأول مشاهدة الخندق قلت الذي قاله الزهري إنما يريد به المؤاخاة المخصوصة التي كانت عقدت بينهم ليتوارثوا بها ومؤاخاة سلمان وأبي الدرداء إنما كانت على المؤاساة والمؤاخاة المخصوصة لا تدفع المؤاخاة من أصلها وروى ابن سعد من طريق حميد بن هلال قال وآخى بين سلمان وأبي الدرداء فنزل سلمان الكوفة ونزل أبو الدرداء الشام قوله فزار سلمان أبا الدرداء يعني في عهد النبي فوجد أبا الدرداء غائبا فرأى أم الدرداء متبذلة بفتح التاء المثناة من فوق والباء الموحدة وتشديد الذال المعجمة المكسورة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الباء الموحدة وسكون الذال المعجمة وهي المهنة وزنا ومعنى والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة وفي رواية الكشميهني مبتذلة بتقديم الباء الموحدة والتخفيف من الابتذال من باب الافتعال ومعناهما واحد ووقع في ( الحلية ) لأبي نعيم بإسناد آخر إلى أم الدرداء عن أبي الدرداء أن سلمان دخل عليه فرأى امرأته رثة الهيئة فذكر القصة مختصرة وأم الدرداء هذه اسمها خيرة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف بنت أبي حدرد الأسلمية صحابية بنت صحابي وحديثها عن النبي في ( مسند أحمد ) وغيره وماتت قبل أبي الدرداء ولأبي الدرداء امرأة أخرى أيضا يقال لها أم الدرداء رضي الله تعالى عنها أيضا اسمها هجيمة تابعية عاشت بعده دهرا وروت عنه وقد مر الكلام فيه فيما مضى في الصلاة وغيرها قوله فقال لها ما شأنك وزاد الترمذي في روايته يا أم الدرداء قوله ليست له حاجة في الدنيا وفي رواية الدارقطني من وجه آخر عن محمد بن عون في نساء الدنيا وزاد فيه ابن خزيمة عن يوسف بن موسى عن جعفر بن عون يصوم النهار ويقوم الليل قوله فجاء أبو الدرداء وفي رواية الترمذي فرحب بسلمان وقرب إليه طعاما قوله فقال كل قال فإني صائم كذا في رواية أبي ذر وفي رواية الترمذي

(11/80)


فقال كل فإني صائم فعلى رواية أبي ذر القائل بقوله كل هو سلمان والمقول له هو أبو الدرداء وهو المجيب بأنه صائم وعلى رواية الترمذي القائل بقوله كل هو أبو الدرداء والمقول له سلمان قوله قال ما أنا بآكل أي قال سلمان ما أنا بآكل من طعامك حتى تأكل والخطاب لأبي الدرداء قوله فأكل أي أبو الدرداء ويروى فأكلا يعني سلمان وأبا الدرداء قوله فلما كان الليل يعني أول الليل ذهب أبو الدرداء يقوم يعني للصلاة ومحل يقوم نصب على الحال قوله فقال نم أي قال سلمان لأبي الدرداء نم وفي رواية ابن سعد من وجه آخر مرسلا فقال له أبو الدرداء أتمنعني أن أصوم لربي وأصلي لربي قوله فلما كان من آخر الليل أراد عند السحر وكذا هو في رواية ابن خزيمة وعند الترمذي فلما كان عند الصبح وفي رواية الدراقطني فلما كان في وجه الصبح قوله قال سلمان قم الآن أي قال سلمان لأبي الدرداء قم في هذا الوقت يعني وقت السحر قوله فصليا فيه حذف تقديره فقاما وصليا وفي رواية الطبراني فقاما وتوضآ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة قوله ولأهلك عليك حقا وزاد الترمذي وابن خزيمة ولضيفك عليك حقا وزاد الدارقطني فصم وأفطر وصل ونم وائت أهلك قوله فأتي النبي أي فأتى أبو الدرداء النبي فذكر ذلك أي ما ذكر من الأمور له أي للنبي وفي رواية الترمذي فأتيا بالتثنية وفي رواية الدارقطني ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر النبي بالذي قال له سلمان فقال له يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان ففي هذه الرواية أن النبي أشار إليهما بأنه علم بطريق الوحي ما دار بينهما وليس ذلك في رواية البخاري عن محمد بن بشار ويمكن الجمع بينهما بأنه كاشفهما بذلك أولا ثم أطلعه أبو الدرداء على صورة الحال فقال له صدق سلمان وروى هذا الحديث الطبراني من وجه آخر عن محمد بن سيرين مرسلا فعين الليلة التي بات سلمان فيها عند أبي الدرداء ولفظه قال كان أبو الدرداء يحيى ليلة الجمعة ويصوم يومها فأتاه سلمان فذكر القصة مختصرة وزاد في آخرها فقال النبي عويمر سلمان أفقه منك انتهى وعويمر تصغير عامر أسم لأبي الدرداء وفي رواية أبي نعيم في ( الحلية ) فقال النبي لقد أوتي سلمان من العلم وفي رواية ابن سعد لقد أشبع سلمان علما رضي الله تعالى عنه
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الفطر من صوم التطوع لما ترجم له البخاري ثم القضاء هل يجب عليه أم لا قد ذكرناه مع الخلاف فيه وقد نقل ابن التين عن مذهب مالك أنه لا يفطر لضيف نزل به ولا لمن حلف عليه بالطلاق والعتاق وكذا لو حلف هو بالله ليفطرن كفر ولا يفطر وسيأتي من حديث أنس أن النبي لم يفطر لما زاره سليم وكان صائما تطوعا وقد صح عن عائشة أنه كان يفطر من صوم التطوع وزاد بعضهم فيه فأكل ثم قال لكن أصوم يوما مكانه وفي ( المبسوط ) بعد الشروع في الصوم لا يباح له الإفطار بغير عذر عندنا فيكون بالإفطار جانيا فيلزمه القضاء ولا خلاف أنه يباح له الإفطار بعذر
واختلفت الروايات في الضيافة فروى هشام عن محمد أنه يبيح الفطر وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يكون عذرا وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه عذر وهو الأظهر ويجب القضاء في الإفطار بعذر كان أو بغير عذر وكان الإفطار بصنعه أو بغير صنعه كالصائمة تطوعا إذا حاضت عليها القضاء في أصح الروايتين وفي ( الفتاوي ) دعي إلى طعام وهو صائم في النفل إن صنع لأجله فلا بأس بأن يفطر وعن محمد إن دخل على أخ له فدعاه أفطر وقيل إن تأذى بامتناعه أفطر وعن الحسن أنه لا يفطر إلا بعذر وفي ( المنتقى ) له أن يفطر قيل تأويله بعذر وقيل قبل الزوال له أن يفطر وبعده لا يفطر وفي القضاء وصوم الفرض لا يفطر وعن محمد لا بأس به
وإن حلف غيره بطلاق امرأته أن يفطر قال نصير وخلف بن أيوب لا يفطر ودعه يحنث وعن محمد لا بأس بأن يفطر وإن كان في قضاء وفي ( المحيط ) إن حلف بطلاق امرأته يفطر في التطوع دون القضاء وهو قول أبي الليث وفي ( المرغيناني ) الصحيح من المذهب أن صاحب الدعوة إذا كان رضي بمجرد حضوره لا يفطر وقال الحلواني أحسن ما قيل فيه إن كان يثق من نفسه بالقضاء يفطر وإلا فلا يفطر وإن كان فيه أذى لمسلم وفي ( المأمونية ) للحسن بن زياد إذا دعي إلى وليمة فليجب ولا يفطر في

(11/81)


التطوع فإن أقسم عليه أهل الوليمة فأفطر فلا بأس به وإن كان يتأذى يفطر ويقضي وبعد الزوال لا يفطر إلا إذا كان في تركه عقوق بالوالدين أو بأحدهما
وفيه مشروعية المواخاة في الله وفيه زيارة الإخوان والمبيت عندهم وفيه جواز مخاطبة الأجنبية للحاجة وفيه السؤال عما تترتب عليه المصلحة وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل وفيه النصح للمسلم وتنبيه من كان غافلا وفيه فضل قيام آخر الليل وفيه مشروعية تزيين المرأة لزوجها وفيه ثبوت حق المرأة على الزوج في حسن العشرة وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء لقوله ولأهلك عليك حقا وفيه جواز النهي عن المستحبات إذا خشي إن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب وفيه أن الوعيد الوارد على من نهى مصليا عن الصلاة مخصوص بمن نهاه ظلما وعدوانا وفيه كراهية الحمل على النفس في العبادة وفيه النوم للتقوي على الصيام وفيه النهي عن الغلو في الدين
25 -
( باب صوم شعبان )
أي هذا باب في بيان فضل صوم شهر شعبان وهذا الباب أول شروعه في التطوعات من الصيام واشتقاق شعبان من الشعب وهو الاجتماع سمي به لأنه يتشعب فيه خير كثير كرمضان وقيل لأنهم كانوا يتشعبون فيه بعد التفرقة ويجمع على شعابين وشعبانات وقال ابن دريد سمي بذلك لتشعبهم فيه أي لتفرقهم في طلب المياه وفي ( المحكم ) سمي بذلك لتشعبهم في الغارات وقال ثعلب قال بعضهم إنما سمي شعبانا لأنه شعب أي ظهر بين رمضان ورجب وعن ثعلب كان شعبان شهرا تتشعب فيه القبائل أي تتفرق لقصد الملوك والتماس العطية وفي ( التلويح ) وأما الأحاديث التي في صلاة النصف منه فذكر أبو الخطاب أنها موضوعة وفيها عند الترمذي حديث مقطوع قلت هو الحديث الذي رواه الترمذي في باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان قال حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الحجاج بن أرطأة عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة قالت فقدت رسول الله فخرجت فإذا هو بالبقيع فقال أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله قلت يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك فقال إن الله عز و جل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب قال الترمذي حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج وسمعت محمدا يضعف هذا الحديث وقال يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة والحجاج لم يسمع من يحيى بن أبي كثير وأخرجه ابن ماجه أيضا من طريق يزيد بن هارون وقول أبي الخطاب إنه مقطوع هو أنه منقطع في موضعين أحدهما ما بين الحجاج ويحيى والآخر ما بين يحيى وعروة فإن قلت أثبت ابن معين ليحيى السماع من عروة قلت اتفق البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم على أنه لم يسمع منه والمثبت مقدم على النافي ولئن سلمنا ذلك فهو مقطوع في موضع واحد ولا يخرج عن الانقطاع
وروى ابن ماجه من رواية ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال قال رسول الله إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من يستغفرني فأغفر له ألا من يسترزق فأرزقه ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر وإسناده ضعيف وابن أبي سبرة هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن سبرة مفتي المدينة وقاضي بغداد ضعيف وإبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى ضعفه الجمهور ولعلي بن أبي طالب حديث آخر قال رأيت رسول الله ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربع عشرة ركعة ثم جلس فقرأ بأم القرآن أربع عشرة مرة الحديث وفي آخره من صنع هكذا لكان له كعشرين حجة مبرورة وكصيام عشرين سنة مقبولة فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان له كصيام ستين سنة ماضية وستين سنة مستقبلة رواه ابن الجوزي في ( الموضوعات ) وقال هذا موضوع وإسناده مظلم ولعلي رضي الله تعالى عنه حديث آخر رواه أيضا في ( الموضوعات ) فيه من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان الحديث وقال لا شك أنه موضوع وكان بين الشيخ تقي الدين بن الصلاح والشيخ عز الدين بن عبد السلام في هذه الصلاة مقاولات فابن الصلاح يزعم أن لها أصلا من السنة وابن عبد السلام ينكره
وأما الوقود في تلك الليلة فزعم ابن دحية أن أول ما كان

(11/82)


ذلك زمن يحيى بن خالد بن برمك أنهم كانوا مجوسا فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطعام قال ولما اجتمعت بالملك الكامل وذكرت له ذلك قطع دابر هذه البدعة المجوسية من سائر أعمال البلاد المصرية
9691 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي النضر ) عن ( أبي سلمة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان
مطابقته للترجمة في قوله وما رأيته أكثر صياما منه من شعبان وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة اسمه سالم بن أبي أمية قد مر في باب المسح على الخفين
والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أبي مصعب الزهري عن مالك وأخرجه النسائي في الصوم عن الربيع بن سليمان عن ابن وهب عن مالك وعمرو بن الحارث
قوله كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر يعني ينتهي صومه إلى غاية نقول إنه لا يفطر فينتهي إفطاره إلى غاية حتى نقول إنه لا يصوم وذلك لأن الأعمال التي يتطوع بها ليست منوطة بأوقات معلومة وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها قوله فما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وهذا يدل على أنه لم يصم شهرا تاما غير رمضان فإن قلت روى أبو داود من حديث أبي سلمة عن أم سلمة لم يكن يصوم في السنة شهرا كاملا إلا شعبان يصله برمضان وهذا يعارض حديث عائشة وكذلك روى الترمذي من حديث سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وهذا أيضا يعارضه قلت قال الترمذي روي عن ابن المبارك أنه قال في هذا الحديث قال هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله ويقال قام فلان ليله أجمع ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره ثم قال الترمذي كان ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين يقول إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى هذا فيه ما فيه لأنه قال فيه إلا شعبان ورمضان فعطف رمضان عليه يبعد أن يكون المراد بشعبان أكثره إذ لا جائز أن يكون المراد برمضان بعضه والعطف يقتضي المشاركة فيما عطف عليه وإن مشى ذلك فإنما يمشي على رأي من يقول إن اللفظ الواحد يحمل على حقيقته ومجازه وفيه خلاف لأهل الأصول انتهى قلت لا يمشي هنا ما قاله على رأي البعض أيضا لأن من قال ذلك قال في اللفظ الواحد وهنا لفظان شعبان ورمضان وقال ابن التين إما أن يكون في أحدهما وهم أو يكون فعل هذا وهذا أو أطلق الكل على الأكثر مجازا وقيل كان يصومه كله في سنة وبعضه في سنة أخرى وقيل كان يصوم تارة من أوله وتارة من آخره وتارة منهما لا يخلي منه شيئا بلا صيام
فإن قلت ما وجه تخصيصه شعبان بكثرة الصوم قلت لكون أعمال العبادة ترفع فيه ففي النسائي من حديث أسامة قلت يا رسول الله أراك لا تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذاك شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لرسول الله ما لي أراك تكثر صيامك فيه قال يا عائشة إنه شهر ينسخ فيه ملك الموت من يقبض وأنا أحب أن لا ينسخ إسمي إلا وأنا صائم قال المحب الطبري غريب من حديث هشام بن عروة بهذا اللفظ رواه ابن أبي الفوارس في أصول أبي الحسن الحمامي عن شيوخه وعن حاتم بن إسماعيل عن نصر بن كثير عن يحيى بن سعيد عن عروة عن عائشة قالت لما كانت ليلة النصف من شعبان انسل رسول الله من مرطي الحديث وفي آخره هل تدري ما في هذه الليلة قالت ما فيها يا رسول الله قال فيها أن يكتب كل مولود من بني آدم في هذه السنة وفيها أن يكتب كل هالك من بني آدم في هذه السنة وفيها ترفع

(11/83)


أعمالهم وفيها تنزل أرزاقهم رواه البيهقي في كتاب ( الأدعية ) وقال فيه بعض من يجهل وروى الترمذي من حديث صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه سئل رسول الله أي الصوم أفضل بعد رمضان قال شعبان لتعظيم رمضان وسئل أي الصدقة أفضل قال صدقة في رمضان ثم قال حديث غريب وصدقة ليس عندهم بذاك القوي وقد روي أن هذا الصيام كان لأنه كان يلتزم صوم ثلاثة أيام من كل شهر كما قال ابن عمر فربما يشتغل عن صيامها أشهرا فيجمع ذلك كله في شعبان فيتداركه قبل رمضان حكاه ابن بطال وقال الداودي أرى الإكثار فيه أنه ينقطع عنه التطوع برمضان وقيل يجوز أنه كان يصوم صوم داود عليه السلام فيبقى عليه بقية يعملها في هذا الشهر
وجمع المحب الطبري فيه ستة أقوال أحدها أنه كان يلتزم صوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما تركها فيتداركها فيه ثانيها تعظيما لرمضان ثالثها أنه ترفع فيه الأعمال رابعها لأنه يغفل عنه الناس خامسها لأنه تنسخ فيه الآجال سادسها أن نساءه كن يصمن فيه ما فاتهن من الحيض فيتشاغل عنه به والحكمة في كونه لم يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجوبه فإن قلت صح في مسلم أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم فكيف أكثر منه في شعبان ويعارضه أيضا رواية الترمذي أي الصوم أفضل بعد رمضان قال شعبان قلت لعله كان يعرض له فيه إعذار من سفر أو مرض أو غير ذلك أو لعله لم يعلم بفضل المحرم إلا في آخر عمره قبل التمكن منه ولأن ما رواه الترمذي لا يقاوم ما رواه مسلم
قوله أكثر صياما كذا هو بالنصب عند أكثر الرواة وحكى السهيلي أنه روي بالخفض قيل هو وهم ولعل بعض النساخ كتب الصيام بغير ألف على رأي من يقف على المنصوب بغير ألف فتوهم مخفوضا أو ظن بعض الرواة أنه مضاف إليه فلا يصح ذلك وأما لفظة أكثر فإنه منصوب لأنه مفعول ثان لقوله وما رأيته قوله من شعبان وزاد يحيى بن أبي كثير في روايته فإنه كان يصوم شعبان كله وزاد ابن أبي لبيد عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت ما رأيت رسول الله أكثر صياما منه في شعبان فإنه كان يصوم شعبان إلا قليلا وفي رواية الترمذي عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت ما رأيت النبي في شهر أكثر صياما فيه في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله انتهى
قالوا معنى كله أكثره فيكون مجازا قلت فيه نظر من وجوه الأول أن هذا المجاز قليل الاستعمال جدا والثاني أن لفظة كل تأكيد لإرادة الشمول وتفسيره بالبعض مناف له والثالث أن فيه كلمة الإضراب وهي تنافي أن يكون المراد الأكثر إذ لا يبقى فيه حينئذ فائدة والأحسن أن يقال فيه إنه باعتبار عامين فأكثر فكان يصومه كله في بعض السنين وكان يصوم أكثره في بعض السنين وذكر بعض العلماء إنه وقع منه وصل شعبان برمضان وفصله منه وذلك في سنتين فأكثر وقال الغزالي في ( الإحياء ) فإن وصل شعبان برمضان فجائز فعل ذلك رسول الله مرة وفصل مرارا كثيرة انتهى قلت على هذا الوجه يبعد وجوده منصوصا عليه في الحديث نعم وقع منه الوصل والفصل أما الوصل فهو في حديث الترمذي عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وأما الفصل ففي حديث أبي داود من رواية عبد الله بن أبي قيس عن عائشة قالت كان رسول الله يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام وأخرجه الدارقطني وقال هذا إسناد صحيح والحاكم في المستدرك وقال هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وروى الطبراني من حديث أبي أمامة أن النبي كان يصل شعبان برمضان ورجال إسناده ثقات وروي أيضا من حديث أبي ثعلبة بلفظ كان رسول الله يصوم شعبان ورمضان يصلهما وفي إسناده الأحوص بن حكيم وهو مختلف فيه وروي أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ حديث أبي أمامة وفي إسناده يوسف بن عطية وهو ضعيف
فإن قلت كيف التوفيق بين هذه الأحاديث وبين حديث أبي هريرة الذي رواه أصحاب السنن فأبو داود من حديث الدراوردي والترمذي كذلك والنسائي من رواية أبي العميس وابن ماجه من رواية مسلم بن خالد كلهم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا هذا لفظ الترمذي ولفظ أبي داود إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ولفظ النسائي

(11/84)


فكفوا عن الصوم ولفظ ابن ماجه إذا كان النصف من شعبان فلا صوم وفي لفظ ابن حبان فأفطروا حتى يجيء رضمان وفي لفظ ابن عدي إذا انتصف شعبان فأفطروا وفي لفظ البيهقي إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يدخل رمضان قلت أما أولا فقد اختلف في صحة هذا الحديث فصححه الترمذي وابن حبان وابن عساكر وابن حزم وضعفه أحمد فيما حكاه البيهقي عن أبي داود قال قال أحمد هذا حديث منكر قال وكان عبد الرحمن لا يحدث به وأما ثانيا فقال قوم ممن لا يقول بحديث العلاء بأن أبا هريرة كان يصوم في النصف الثاني من شعبان فدل على أن ما رواه منسوخ وقيل يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام أو عبادة
0791 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها حدثته قالت لم يكن النبي يصوم شهرا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله وكان يقول خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبي ما دووم عليه وإن قلت وكان إذا صلى صلاة داوم عليها ( انظر الحديث 9691 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهشام هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير والحديث أخرجه مسلم والنسائي في الصوم أيضا عن إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام عن أبيه به
قوله كله قال في ( التوضيح ) أي أكثره وقد جاء عنها مفسرا كان يصوم شعبان أو عامة شعبان وفي لفظ كان يصومه كله إلا قليلا وقد مر الكلام فيه عن قريبن قولهخذوا من العمل ما تطيقونأي تطيقون الدوام عليه بلا ضرر أو اجتناب التعمق في جميع أنواع العبارات قوله فإن الله لا يمل قال النووي الملل والسامة بالمعنى المتعارف في حقنا وهو محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث فقال المحققون معناه لا يعاملكم معاملة الملل فيقطع عنكم ثوابه وفضله ورحمته حتى تقطعوا أعمالكم وقيل معناه لا يمل إذا مللتم و حتى بمعنى حين وقال الهروي لا يمل أبدا مللتم أم لا تملوا وقيل سمي مللا على معنى الأزدواج كقوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ( البقرة 491 ) فكأنه قال لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله وقال الكرماني إطلاق الملل على الله تعالى إطلاق مجازي عن ترك الجزاء قوله ما دووم عليه بواوين وفي بعض النسخ بواو والصواب الأول لأنه مجهول ماض من المداومة من باب المفاعلة ويروي ما ديم عليه وهو مجهول دام والأول مجهول داوم وقال النووي الديمة المطر الدائم في سكون شبه عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر وأصله الواو فانقلبت ياء لكسرة ما قبلها وقد مر هذا الكلام في هذه الألفاظ في كتاب الإيمان في باب أحب الدين إلى الله تعالى أدومه
35 -
( باب ما يذكر من صوم النبي وإفطاره )
أي هذا باب في بيان ما يذكر من صوم النبي من التطوع وبيان إفطاره في خلال صومه قيل لم يضف البخاري الترجمة التي قبل هذه للنبي وأطلقها ليفهم الترغيب للأمة في الاقتداء به في إكثار الصوم في شعبان وقصد بهذه الترجمة شرح حال النبي في ذلك قلت الباب السابق أيضا في شرح حال النبي في صومه وصلاته غير أنه أطلق الترجمة في ذلك لإظهار فضل شعبان وفضل الصوم فيه
1791 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( أبي بشر ) عن ( سعيد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال ما صام النبي شهرا كاملا قط غير رمضان ويصوم حتى يقول القائل لا والله لا يفطر ويفطر حتى يقول القائل لا والله لا يصوم
مطابقته للترجمة من حيث أنه يبين صومه وفطره
ذكر رجاله وهم خمسة الأول موسى بن إسماعيل أبو سلمة

(11/85)


المنقري التبوذكي الثاني أبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو وبعد الألف نون واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري الثالث أبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الرابع سعيد بن جبير الخامس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بصري وشيخ شيخه وأبا بشر واسطيان وقيل أبو بشر بصري وسعيد بن جبير كوفي وفيه أبو بشر عن سعيد وفي رواية شعبة حدثني سعيد بن جبير ولمسلم من طريق عثمان بن حكيم سألت سعيد بن جبير عن صيام رجب فقال سمعت ابن عباس
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصوم عن أبي الربيع الزهراني عن أبي عوانة به وعن محمد بن بشار وأبي بكر بن نافع وأخرجه الترمذي في الشمائل عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي وابن ماجه جميعا فيه عن محمد ابن بشار به
قوله ويصوم في رواية مسلم من الطريق التي أخرجها البخاري وكان يصوم قوله غير رمضان قال الكرماني تقدم أنه كان يصوم شعبان كله ثم قال إما أنه أراد بالكل معظمه وإما أنه ما رأى إلا رمضان فأخبر بذلك على حسب اعتقاده
2791 - حدثني ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( محمد بن جعفر ) عن ( حميد ) أنه سمع ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول كان رسول الله يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئا وكان لا تشاء تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته
مطابقته للترجمة من حيث إنه يذكر عن صومه وعن إفطاره على الوجه المذكور فيه
ورجاله أربعة عبد العزيز ابن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المدني وهو من أفراد البخاري ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني وحميد الطويل البصري
والبخاري أخرجه أيضا في صلاة الليل بهذا الإسناد بعينه وبعين هذا المتن وقد مضى الكلام فيه ونتكلم هنا لزيادة التوضيح وإن كان فيه تكرار فلا بأس به
قوله حتى نظن فيه ثلاثة أوجه الأول نظن بنون الجمع والثاني تظن بتاء المخاطب والثالث يظن بالياء آخر الحروف على بناء المجهول قوله أن لا يصوم بفتح همزة أن ويجوز في يصوم الرفع والنصب لأن أن إما ناصبة ولا نافية وإما مفسرة ولا ناهية قوله وكان لا تشاء تراه أي كان النبي لا تشاء بتاء الخطاب وكذلك تراه وقوله إلا رأيته بفتح التاء ومعناه أن حاله في التطوع بالصيام والقيام كان يختلف فكان تارة يصوم من أول الشهر وتارة من وسطه وتارة من آخره كما كان يصلي تارة من أول الليل وتارة من وسطه وتارة من آخره فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائما أو في وقت من أوقات النهار صائما فراقبه مرة بعد مرة فلا بد أن يصادفه قائما أو صائما على وفق ما أراد أن يراه وهذا معنى الخبر وليس المراد أنه كان يسرد الصوم ولا أنه كان يستوعب الليل قائما وقال الكرماني كيف يمكن أنه متى شاء يراه مصليا ويراه نائما ثم قال غرضه أنه كانت له حالتان يكثر هذا على ذاك مرة وبالعكس أخرى فإن قلت يعارض هذا قول عائشة في الحديث الذي مضى قبله وكان إذا صلى صلاة دام عليها وقوله الذي سيأتي في الرواية الأخرى وكان عمله ديمة قلت المراد بذاك ما اتخذه راتبا لا مطلق النافلة
وقال سليمان عن حميد أنه سأل أنسا في الصوم
قال بعضهم كنت أظن أن سليمان هذا هو ابن بلال لكن لم أره بعد التتبع التام من حديثه فظهر أنه سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر انتهى قلت هذا الكرماني قال سليمان هو أبو خالد الأحمر ضد الأبيض من غير ظن ولا حسبان ولو قال مثل ما قاله لم يحوجه شيء إلى ما قاله ولكنه كأنه لما رأى كلام الكرماني لم يعتمد عليه لقلة مبالاته ثم لما فتش بتتبع تام ظهر له أن الذي قاله الكرماني هو هو وفي جملة الأمثال خبز الشعير يؤكل ويذم وقد وصل البخاري هذا الذي ذكره معلقا

(11/86)


عقيب هذا وفيه سألت أنسا عن صيام النبي فذكر الحديث ثم أتم من طريق محمد بن جعفر فإن قلت قد ذكرنا تقدم هذا الحديث في الصلاة في باب قيام النبي ونومه وما نسخ من قيام الليل وفي آخره تابعه سليمان وأبو خالد الأحمر عن حميد فهذا يقتضي أن سليمان هذا غير أبي خالد للعطف فيه قلت قال بعضهم يحتمل أن تكون الواو زائدة وردينا عليه هناك أن زيادة الواو نادرة بخلاف الأصل سيما الحكم بذلك بالاحتمال وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
3791 - حدثني ( محمد ) قال أخبرنا ( أبو خالد الأحمر ) قال أخبرنا ( حميد ) قال سألت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه عن صيام النبي فقال ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته ولا مفطرا إلا رأيته ولا من الليل قائما إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته ولا مسست خزة ولا حريرة ألين من كف رسول الله ولا شممت مسكة ولا عبيرة أطيب رائحة من رائحة رسول الله
مطابقته للترجمة ظاهرة مثل ما تقدم في الحديث السابق ومحمد شيخه هو ابن سلام نص عليه الحافظ المزي في ( الأطراف ) وأبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان والحديث أخرجه البخاري أيضا في الصلاة
قوله أحب أن أراه كلمة أن مصدرية أي ما كنت أحب رؤيته من الشهر حال كونه صائما إلا رأيته قوله ولا مفطر الله أي ولا كنت أحب أن أراه حال كونه مفطرا إلا رأيته قوله ولا من الليل قائما أي ولا كنت أحب أن أراه من الليل حال كونه قائما إلا رأيته وكذلك التقدير في قوله ولا نائما من النوم قوله ولا مسست بسينين مهملتين أولاهما مكسورة وهي اللغة الفصيحة وحكى أبو عبيدة الفتح يقال مسست الشيء أمسه مسا إذا لمسته بيدك ويقال مست في مسست بحذف السين الأولى وتحويل كسرتها إلى الميم ومنهم من يقر فتحتها بحالها فيقول مست كما يقال ظلت في ظللت قوله خزة واحدة الخز وفي الأصل الخز بالفتح وتشديد الزاي اسم دابة ثم سمي الثوب المتخذ من وبره خزا والواحدة منه خزة وقال ابن الأثير الخز المعروف أولا ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباجة وقد لبسها الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعون ومنه النوع الآخر وهو المعروف الآن فهو حرام لأن جميعه معمول من الإبريسم وهو المراد من الحديث قوم يستحلون الخز والحرير قوله ولا شممت بكسر الميم الأولى وقال أبو عبيدة والفتح لغة
ذكر ما يستفاد منه فيه استحباب التنفل بالليل وفيه استحباب التنفل بالصوم في كل شهر وأن الصوم النفل مطلق لا يختص بزمان إلا ما نهي عنه وفيه أن النبي لم يصم الدهر ولا قام الليل كله وإنما ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على الأمة وإن كان قد أعطي من القوة ما لو التزم ذلك لاقتدر عليه لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى فصام وأفطر وأقام ونام وأما طيب رائحته فإنما طيبها الرب عز و جل لمباشرته الملائكة ولمناجاته لهم
45 -
( باب حق الضيف في الصوم )
أي هذا باب في بيان حق الضيف في الصوم والضيف يكون واحدا وجمعا وقد يجمع على الأضياف والضياف والضيوف والضيفان والمرأة ضيف وضيفة ويقال ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافته وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به وتضيفني إذا أنزلني وفي ( الصحاح ) أضفت الرجل وضيفته إذا أنزلته بك ضيفا وقريته وضفت الرجل ضيافة إذا نزلت عليه ضيفا وكذلك تضيفته والضيفن الذي يجيء مع الضيف والنون زائدة ووزنه فعلن وليس بفعيل وقيل لو قال حق الضيف في الفطر لكان أوضح قلت الذي قاله البخاري أصوب وأحسن لأن الضيف ليس له تصرف في فطر المضيف بل تصرفه في صومه بأن يتركه لأجله فيتعني له الطلب فيه فحقه إذا في الصوم لا في الفطر
4791 - حدثنا ( إسحاق ) قال أخبرنا ( هارون بن إسماعيل ) قال حدثنا ( علي ) قال حدثنا ( يحيى )

(11/87)


قال حدثني ( أبو سلمة ) قال حدثني ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) رضي الله تعالى عنهما قال دخل علي رسول الله فذكر الحديث يعني إن لزورك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا فقلت وما صوم داود قال نصف الدهر
مطابقته للترجمة في قوله إن لزورك عليك حقا والزور هو الضيف
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسحاق قال الغساني لم ينسبه أبو نصر ولا غيره من شيوخنا وذكر أبو نعيم في ( المستخرج ) بأنه ابن راهويه لأنه أخرجه في مسنده عن أبي أحمد حدثنا ابن شبرويه حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا هارون بن إسماعيل حدثنا علي بن المبارك انتهى وإسحاق إبن إبراهيم هو إسحاق بن راهويه ثم قال أخرجه البخاري عن إسحاق الثاني هارون بن إسماعيل أبو الحسن الخزاز الثالث علي بن المبارك الهنائي الرابع يحيى بن أبي كثير الخامس أبو سلمة بن عبد الرحمن السادس عبد الله بن عمرو بن العاص
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وفيه أن هارون بن إسماعيل ليس له في البخاري إلا حديثان أحدهما هذا والآخر في الاعتكاف كلاهما من روايته عن علي بن المبارك وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه مروزي وهارون وعلي بصريان ويحيى طائي ويمامي وأبو سلمة مدني
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصوم وفي النكاح عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي وفي الأدب عن إسحاق بن منصور عن روح بن عبادة عن حسين المعلم ثلاثتهم عن يحيى بن أبي كثير عنه به وأخرجه مسلم في الصوم عن زهير بن حرب عن روح به وعن عبد الله بن الرومي وأخرجه النسائي فيه عن يحيى بن درست وعن إسحاق بن منصور وعن حميد بن مسعدة وعن أحمد بن بكار
ذكر معناه قوله دخل علي رسول الله فذكر الحديث هكذا أورده ههنا مختصرا وذكر ما يطابق الترجمة وهو قوله فقال إن لزورك عليك حقا والزور الضيف والرجل يأتيه زائر الواحد والإثنان والثلاثة والمذكر والمؤنث في ذلك بلفظ واحد يقال هذا رجل زور ورجلان زور وقوم زور وامرأة زور فيؤخذ في كل موضع ما يلائمه لأنه في الأصل مصدر وضع موضع الاسم ومثل ذلك هم قوم صوم وفطر وعدل وقيل الزور جمع زائر مثل تاجر وتجر قوله إن لزوجك عليك حقا وحقها هنا الوطء فإذا سرد الزوج الصوم ووالى قيام الليل ضعف عن حقها ويروى لزوجتك والأول أفصح ويروى وإن لأهلك بدل زوجك والمراد بهم هنا الأولاد والقرابة ومن حقهم الرفق بهم والإنفاق عليهم وشبه ذلك قوله فقلت القائل هو عبد الله بن عمرو بن العاص وأما صوم داود عليه الصلاة و السلام فسيأتي في الحديث الذي يلي في الباب الذي يليه أنه لما قال له فصم صيام نبي الله داود عليه الصلاة و السلام ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود عليه الصلاة و السلام قال نصف الدهر وسيأتي هو في باب مستقل إن شاء الله تعالى
55 -
( باب حق الجسم في الصوم )
أي هذا باب في بيان حق الجسم في الصوم على المتطوع وليس المراد بالحق ههنا بمعنى الواجب بل المراد مراعاته والرفق به كما يقال له حق الصحبة على فلان يعني مراعاته والتلطف به فالصائم المتطوع ينبغي أن يراعي جسمه بما يقيمه ويشده لئلا يضعف فيعجز عن أداء الفرائض وأما إذا خاف التلف على نفسه أو عضو من أعضائه التي يضره الجوع فحينئذ يتعين عليه أداء حقه حتى في الصوم الفرض أيضا وقال بعضهم المراد بالحق هنا المندوب قلت لا يطلق على الحق مندوب وإنما المراد منه ما ذكرناه

(11/88)


5791 - حدثنا ( ابن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( الأوزاعي ) قال حدثني ( يحيى بن أبي كثير ) قال حدثني ( أبو سلمة بن عبد الراحمان ) قال حدثني ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) رضي الله تعالى عنهما قال لي رسول الله يا عبد الله ألم اخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجتك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله فشددت فشدد علي قلت يا رسول الله إني أجد قوة قال فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام قال نصف الدهر فكان عبد الله يقول بعد ما كبر يا ليتني قبلت رخصة النبي
مطابقته للترجمة في قوله فإن لجسدك عليك حقا فالجسد والجسم واحد وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي المجاور بمكة وهو من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو
قوله ألم أخبر الهمزة للاستفهام و أخبر على صيغة المجهول قوله أنك تصوم النهار وتقوم الليل أي في الليل وفي رواية مسلم من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى فقلت بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك إلا الخير وفي الباب الذي يليه أخبر رسول الله أني أقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت وفي رواية النسائي من طريق محمد ابن إبراهيم عن أبي سلمة قال لي عبد الله بن عمرو يا ابن أخي أني قد كنت أجمعت على أن أجتهد اجتهادا شديدا حتى قلت لأصومن الدهر ولأقرأن القرآن في كل ليلة قوله فلا تفعل وزاد البخاري فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين الحديث وقد مضى هذا في كتاب التهجد قوله إن لعينك عليك حقا بالإفراد في رواية الكشميهني وفي رواية غيره لعينيك بالتثنية قوله وإن بحسبك الباء فيه زائدة ومعناه أن أصوم الثلاثة الأيام من كل شهر كافيك ويأتي في الأدب من طريق حسين المعلم عن يحيى أن من حسبك قوله أن تصوم أن مصدرية أي حسبك الصوم من كل شهر وفي رواية الكشميهني في كل شهر ثلاثة أيام قوله فإن لك ويروى فإذا لك بالتنوين وهي التي يجاب بها أن وكذا لو صريحا أو تقديرا وأن ههنا مقدرة تقديره إن صمتها فإذا لك صوم الدهر وروى بلا تنوين بلفظ إذا للمفاجأة قال بعضهم وفي توجيهها هنا تكلف قلت لا تكلف أصلا ووجهه أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة تقديره إن صمت ثلاثة من كل شهر فاجأت عشر أمثالها كما في قوله تعالى ثم إذا دعاكم ( الروم 52 ) الآية تقديره ثم دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت قوله فإن ذلك أي المذكور من صوم كل شهر ثلاثة أيام قوله فشددت أي على نفسي قوله فشدد علي على صيغة المجهول قوله إني أجد قوة أي على أكثر من ذلك قوله قال فصم أي قال رسول الله إن كنت تجد قوة فصم صيام نبي الله داود عليه الصلاة و السلام قوله نصف الدهر أي نصف صوم الدهر وهو أن تصوم يوما وتفطر يوما قوله بعد ما كبر بكسر الباء يقال كبر يكبر من باب علم يعلم هذا في السن وأما كبر بالضم بمعنى عظيم فهو من باب حسن يحسن قال النووي معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله فشق عليه فعله لعجزه ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له فتمنى أن لو قبل الرخصة فأخذ بالأخف
65 -
( باب صوم الدهر )
أي هذا باب في بيان صوم الدهر هل هو مشروع أم لا وإنما لم يبين الحكم في الترجمة لتعارض الأدلة واحتمال أن يكون

(11/89)


عبد الله بن عمرو خص بالمنع لما اطلع النبي من مستقبل حاله فيلتحق به من في معناه ممن يتضرر بسرد الصوم ويبقى غيره على حكم الجواز لعموم الترغيب في مطلق الصوم كما في حديث أبي سعيد مرفوعا من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار وسيجيء في الجهاد إن شاء الله تعالى
6791 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( عبد الله بن عمرو ) قال أخبر رسول الله أني أقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت فقلت له قد قلته بأبي أنت وأمي قال فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوما وأفطر يومين قلت أني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام فقلت أطيق أفضل من ذلك فقال النبي لا أفضل من ذلك
مطابقته للترجمة في قوله وذلك مثل صيام الدهر وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة الحمصيان والزهري هو محمد بن مسلم
قوله أخبر على صيغ المجهول و رسول الله مرفوع به قوله بأبي وأمي أي أنت مفدى بأبي وأمي قوله فإنك لا تستطيع ذلك أي ما ذكرته من قيام الليل وصيام النهار وقد علم باطلاع الله إياه أنه يعجز ويضعف عن ذلك عند الكبر وقد اتفق له ذلك ويجوز أن يراد به الحالة الراهنة لما علمه من أنه يتكلف ذلك ويدخل به على نفسه المشقة ويفوت ما هو أهم من ذلك قوله وصم من الشهر ثلاثة أيام بعد قوله فصم وأفطر لبيان ما أجمل من ذلك قوله مثل صيام الدهر يعني في الفضيلة واكتساب الأجر والمثلية لا تقتضي المساواة من كل وجه لأن المراد به هنا أصل التضعيف دون التضعيف الحاصل من الفعل ولكن يصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر مجازا قوله أفضل من ذلك أي من صوم ثلاثة أيام من الشهر وكذلك المعنى في أفضل من ذلك الثاني والثالث والأفضل هنا بمعنى الأزيد والأكثر ثوابا قوله لا أفضل من ذلك أي من صيام داود عليه السلام فإن قلت هذا لا ينفس المساوة صريحا قلت حديث عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود عليه والسلام يقتضي الأفضلية مطلقا وههنا أفضل بمعنى أكثر فضيلة قال الكرماني قوله لا أفضل فإن قلت ماذا يكون أفضل من صيام الدهر قلت ذاك ليس صيام الدهر حقيقة بل هو مثله والفرق ظاهر بين من صام يوما ومن صام عشرة أيام إذ الأول جاء بالحسنة وإن كانت بعشر وهذا جاء بعشر حسنات حقيقة وقال بعضهم لا أفضل من ذلك في حقك وأما صوم الدهر فقد اختلف العلماء فيه فذهب أهل الظاهر إلى منعه لظاهر أحاديث النهي عن ذلك وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهي عنها كالعيدين والتشريق وهو مذهب الشافعي بغير كراهة بل هو مستحب وفي ( سنن الكجي ) من حديث أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى قال رسول الله من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وضم أصابعه على تسعين وروى ابن ماجه بسند فيه ابن لهيعة عن ابن عمرو قال قال رسول الله صام نوح عليه السلام الدهر إلا يومين الأضحى والفطر وكان جماعة من الصحابة يسردون الصوم منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر وعائشة وأبو طلحة وأبو أمامة فإن قلت ما الفرق بين صيام الوصال وصيام الدهر قلت هما حقيقتان مختلفتان فإن من صام يومين أو أكثر ولم يفطر ليلتهما فهو مواصل وليس هذا صوم الدهر ومن صام عمره وأفطر جميع لياليه هو صائم الدهر وليس بمواصل والله أعلم بالصواب
75 -
( باب حق الأهل في الصوم )
أي هذا باب في بيان حق أهل الرجل في الصوم وقد ذكرنا بأن المراد بالأهل الأولاد والقرابة ومن حقهم الرفق بهم والإنفاق عليهم

(11/90)


رواه أبو جحيفة عن النبي
أي روى حق الأهل أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي وقد مر حديثه في قصة سلمان وأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما في باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع وفيها قول سلمان لأبي الدرداء وإن لأهلك عليك حقا وأقره النبي على ذلك
85 - ( حدثنا عمرو بن علي قال أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج سمعت عطاء أن أبا العباس الشاعر أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول بلغ النبي أني أسرد الصوم وأصلي الليل فإما أرسل إلي وإما لقيته فقال ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر وتصلي ولا تنام فصم وأفطر وقم ونم فإن لعينيك عليك حظا وإن لنفسك وأهلك عليك حظا قال وإني لأقوى لذلك قال فصم صيام داود عليه السلام قال وكيف قال كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى قال من لي بهذه يا نبي الله قال عطاء لا أدري كيف ذكر صيام الأبد قال النبي لا صام من صام الأبد مرتين )
مطابقته للترجمة في قوله وأهلك عليك حظا وعمرو بن علي بن بحر بن كثير الباهلي أبو حفص البصري الصيرفي الفلاس الحافظ وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد وهو من شيوخ البخاري الذين أكثر عنهم وربما روى عنه بواسطة ما فاته منه كما في هذا الموضع وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي وعطاء هو ابن أبي رباح المكي وأبو العباس بالباء الموحدة والسين المهملة اسمه السائب بن فروخ الشاعر الأعمى المكي وقد مر في باب ما يكره من التشديد في كتاب التهجد قاله الكرماني وليس كذلك بل هو مذكور في باب مجرد عن الترجمة عقيب باب ما يكره من ترك قيام الليل وفيه قطعة من هذا الحديث قوله بلغ النبي أني أسرد الصوم الذي بلغ النبي هو عمرو بن العاص والد عبد الله صاحب القضية وأسرد بضم الراء أي أصوم متتابعا ولا أفطر بالنهار قوله فإما أرسل إلي وإما لقيته يعني من غير إرسال وكلمة إما للتفصيل ولا تفصيل إلا بين الشيئين وهما هنا إما إرسال النبي إليه لما بلغه أبوه قصته وإما أنه لقي النبي من غير طلب قوله ألم أخبر على صيغة المجهول قوله فإن لعينك بالإفراد في رواية السرخسي والكشميهني وفي رواية غيرهما لعينيك بالتثنية قوله حظا أي نصيبا كذا هو في الموضعين وكذا وقع في رواية مسلم وعند الإسماعيلي حقا بالقاف وعنده وعند مسلم من الزيادة وصم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر التسعة قوله وإني لأقوى بلفظ المتكلم من المضارع قوله لذلك أي لسرد الصوم دائما ويروى على ذلك وفي رواية مسلم إني أجدني أقوى من ذلك يا نبي الله قوله وكيف أي قال عبد الله كيف صيام داود عليه السلام وفي رواية مسلم قال وكيف كان داود عليه السلام يصوم يا نبي الله قوله ولا يفر إذا لاقى أي لا يهرب إذا لاقى العدو قيل في ذكر هذا عقيب ذكر صومه إشارة إلى أن الصوم على هذا الوجه لا ينهك البدن ولا يضعفه بحيث يضعفه عن لقاء العدو بل يستعين يفطر يوم على صيام يوم فلا يضعف عن الجهاد وغيره من الحقوق ويجد مشقة الصوم في يوم الصيام لأنه لم يعتده بحيث يصير الصيام له عادة فإن الأمور إذا صارت عادة سهلت مشاقها قوله وقال من لي بهذه يا نبي الله أي قال عبد الله من تكفل لي بهذه الخصلة التي لداود عليه السلام لا سيما عدم الفرار قوله قال عطاء أي قال عطاء بن أبي رباح بالإسناد المذكور قوله لا أدري كيف ذكر صيام الأبد يعني أن عطاء لم يحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة إلا أنه حفظ فيها أنه قال لا صام من صام الأبد وقد روى النسائي وأحمد هذه الجملة وحدها من طرق عن عطاء قوله لا صام

(11/91)


من صام الأبد مرتين يعني قالها مرتين وفي رواية مسلم قال عطاء فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد فقال النبي لا صام من صام الأبد لا صام من صام الأبد لأنه يستلزم صوم يوم العيد وأيام التشريق وقال ابن العربي أما أنه لم يفطر فلأنه امتنع عن الطعام والشراب في النهار وأما أنه لم يصم فيعني لم يكتب له ثواب الصيام وفي قول معنى لا صام الدعاء قال ويا بؤس من أخبر عنه النبي أنه لم يصم وأما من قال أنه أخبر فيا بؤس من أخبر عنه النبي أنه لم يصم فقد علم أنه لم يكتب له ثواب لوجوب الصدق في خبره وقد نفى الفضل عنه فكيف ما يطلب ما نفاه النبي ( فإن قلت ) ما جواب المخبرين صوم الدهر عن هذا ( قلت ) أجابوا عن هذا بأجوبة أولها ما قاله الترمذي إنما يكون صيام الدهر إذا لم يفطر يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق فمن أفطر في هذه الأيام فقد خرج من حيز الكراهة وإلا يكون قد صام الدهر كله ثم قال هكذا روى مالك وهو قول الشافعي والثاني أنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقا والثالث أن معناه أن من صام الأبد لا يجد من المشقة ما يجده غيره فيكون خبر الادعاء وفيه نظر وحديث لا صام من صام الأبد أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي قتادة وأخرجه النسائي أيضا من حديث عبد الله بن الشخير من رواية ابنه مطرف قال حدثني أبي أنه سمع رسول الله وذكر عنده رجل يصوم الدهر فقال لا صام ولا أفطر وأخرجه ابن ماجه أيضا ولفظه من صام الأبد فلا صام ولا أفطر وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وأخرجه النسائي أيضا من حديث عمران بن حصين من رواية مطرف عنه قال قيل يا رسول الله إن فلانا لا يفطر نهار الدهر كله فقال لا صام ولا أفطر وأخرجه الحاكم أيضا وقال صحيح على شرطهما وأخرجه النسائي من حديث عمر رضي الله تعالى عنه من رواية أبي قتادة عنه قال كنا مع رسول الله فمررنا برجل فقالوا يا نبي الله هذا لا يفطر منذ كذا وكذا فقال لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر وقال أبو القاسم بن عساكر والصحيح أنه من مسند أبي قتادة وأخرجه أحمد في مسنده من حديث أسماء بنت يزيد من رواية شهر بن حوشب عنها قالت أتي النبي بشراب فدار على القوم وفيهم رجل صائم فلما بلغه قيل له اشرب فقيل يا رسول الله إنه ليس يفطر أو أنه يصوم الدهر فقال لا صام من صام الأبد وأخرج النسائي حديث صحابي لم يسم ولفظه قيل للنبي رجل يصوم الدهر قال وددت أنه لم يصم الدهر -
85 -
( باب صوم يوم وإفطار يوم )
أي هذا باب يذكر فيه أن النبي قال لعبد الله بن عمرو صم يوما وأفطر يوما وذلك بعد أن قال له صم من الشهر ثلاثة أيام قال أطيق أكثر من ذلك فما زال حتى قال صم يوما وأفطر يوما كما يأتي الآن في متن حديث الباب وهذا التقدير الذي قدرناه على أن يكون لفظ باب منونا مقطوعا عن الإضافة وإذا قرىء بالإضافة يكون تقديره هذا باب في بيان فضل صوم يوم وإفطار يوم
8791 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( مغيرة ) قال سمعت ( مجاهدا ) عن ( عبد الله بن عمرو ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال صم من الشهر ثلاثة أيام قال أطيق أكثر من ذلك فما زال حتى قال صم يوما وأفطر يوما فقال إقرأ القرآن في كل شهر قال إني أطيق أكثر فما زال حتى قال في ثلاث
مطابقته للترجمة في قوله صم يوما وأفطر يوما ورجاله قد ذكروا وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال وفي آخره راء سامه محمد بن جعفر البصري و مغيرة بضم الميم وكسرها بلام التعريف وبدونها ابن مقسم ابن هشام الضبي الكوفي الفقيه الأعمى مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة وأخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن من طريق

(11/92)


أبي عوانة عن مغيرة مطولا
قوله واقرأ القرآن بلفظ الأمر قوله في ثلاث أي في ثلاث ليال والمستحب أن لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاثة أيام وقال النووي عادات السلف في وظائف القراءة كان بعضهم يختم في كل شهر وهو أقله وأما أكثره فثمان ختمات في يوم وليلة على ما بلغنا
95 -
( باب صوم داود عليه السلام )
أي هذا باب في بيان صوم داود عليه الصلاة و السلام وإنما ذكر أولا صوم يوم وإفطار يوم ثم أعقبه بصوم داود عليه الصلاة و السلام وهو هو تنبيها بالأول على أفضلية هذا الصوم وبالثاني إشارة إلى الاقتداء به في ذلك
9791 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( حبيب بن أبي ثابت ) قال سمعت ( أبا العباس المكي وكان شاعرا وكان لا يتهم في حديثه ) قال سمعت ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) رضي الله تعالى عنهما قال قال لي النبي إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل فقلت نعم قال إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونفهت له النفس لا صام من صام الدهر صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله قلت فإني أطيق أكثر من ذلك قال فصم صوم داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى
مطابقته للترجمة في قوله صم صوم داود عليه الصلاة و السلام إلى آخره وهذا الحديث مر في باب حق الأهل في الصوم فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن علي عن أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي العباس الشاعر إلى آخره وبين متنيه بعض اختلاف وحبيب ضد العدو وابن أبي ثابت ضد الزائل أبو يحيى الأسدي الكاهلي الأعور المفتي المجتهد مات سنة تسع عشرة ومائة
قوله وكان شاعرا وهناك قال الشاعر قوله وكان لا يتهم في حديثه فيه إشارة إلى أن الشاعر بصدد أن يمنع حديثه لما تقتضيه صناعته من الغلو في الأشياء والإغراق في المدح والذم لكن الراوي عدله ووثقه حتى روى عنه لأنه لم يكن متهما وأشار بقوله في حديثه إلى أن المروي عنه أعم من أن يكون من الحديث النبوي أو غيره وإلا لم يرو عنه على أن الواقع أنه حجة عند كل من أخرج الصحيح ووثقه أحمد وابن معين وغيرهما وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثان آخران أحدهما في الجهاد والآخر في المغازي وأعادهما معا في الأدب قوله هجمت له العين أي غارت ودخلت وعن صاحب ( العين ) هجمت تهجم هجوما وهجما وعن أبي عمر و الكثير إهجام وعن الأصمعي انهجمت عينه دمعت ذكره في ( الموعب ) ابن التين هذا غريب ولا أعرف معناها وقال بعضهم وكأنها أبدلت عن الفاء فإنها تبدل منها كثيرا قلت ادعى أن الفاء تبدل من الثاء المثلثة كثيرا ولم يأت بمثال فيه ولا نسبه إلى أحد من أهل العربية ولا ذكر أحد هذا في الحروف التي يبدل بعضها من بعض وإن كان يوجد هذا ربما يوجد في لسان ذي لثغة فلا يبني عليه شيء وقال التيمي نهثت بالنون والمثلثة ولا أعرف هذه الكلمة وقد ورد في اللغة نهث الرجل يعني سعل وهو بعيد هنا وجاء في رواية الكشميهني ونهكت أي هزلت وضعفت ولا وجه له إلا إذا ضم النون من نهكته الحمى إذا أضنته وفي ( التوضيح ) نهتت بالنون ثم هاء ثم مثناة من فوق ثم أخرى مثلها ومعناه ضعفت قلت قال الجوهري يقول نهت ينهت بالكسر من النهيت قال النهيت كالزجير إلا أنه دونه يقال رجل نهات أي زجار وهذا الذي ضبطه صاحب ( التوضيح ) لا يناسب هنا على ما لا يخفى فافهم قوله صوم ثلاثة أيام أي من كل شهر ومعنى البقية من المتن تقدم
0891 - حدثنا ( إسحاق الواسطي ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( خالد ) عن ( أبي قلابة ) قال أخبرني ( أبو المليح ) قال دخلت مع أبيك على عبد الله بن عمرو فحدثنا أن رسول الله ذكر له صومي

(11/93)


فدخل علي فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فقال أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام قال قلت يا رسول الله قال خمسا قلت يا رسول الله قال سبعا قلت يا رسول الله قال تسعا قلت يا رسول الله قال إحدى عشرة ثم قال النبي لا صوم فوق صوم داود عليه السلام شطر الدهر صم يوما وأفطر يوما
مطابقته للترجمة في قوله لا صوم فوق صوم داود عليه الصلاة و السلام
ذكر رجاله وهم سبعة الأول إسحاق بن شاهين أبو بشر الواسطي الثاني خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان أبو الهيثم الواسطي من الصالحين الثالث خالد بن مهران الحذاء البصري الرابع أبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي أحد الأئمة الأعلام الخامس أبوه زيد بن عمرو ويقال عامر السادس أبو المليح بفتح الميم وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة واسمه عامر وقيل زيد وقيل زياد بن أسامة بن عمير الهذلي السابع عبد الله بن عمرو
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع والإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه ذكر مجردا عن نسبة لكنه ذكر منسوبا إلى واسط وهي المدينة التي بناها الحجاج وفيه أن أبا المليح ليس له حديث في البخاري سوى هذا الحديث وأعاده في الاستئذان وحديث آخر في المواقيت في موضعين من روايته عن بريدة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن إسحاق بن شاهين أيضا وفي الاستئذان أيضا عن عبد الله بن محمد عن عمرو بن عون وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن زكريا بن يحيى خياط السنة
ذكر معناه قوله دخلت مع أبيك الخطاب لأبي قلابة وأبوه زيد كما ذكرناه الآن وفي روايته في الاستئذان مع أبيك زيد وصرح به في قوله فحدثنا بفتح الثاء المثلثة قوله ذكر على صيغة المجهول قوله فألقيت له أي لرسول الله قوله أما يكفيك بفتح الهمزة وتخفيف الميم قوله قال قلت يا رسول الله أي قال عبد الله فإن قلت أين الجواب وكيف يقع لفظ يا رسول الله جوابا قلت الجواب محذوف تقديره لا يكفيني الثلاثة يا رسول الله وكذلك يقدر في البواقي قوله خمسا أي خمسة أيام من كل شهر وانتصابه على المفعولية أي صم خمسة أيام من كل شهر وكذلك التقدير في سبعا وتسعا وفي رواية الكشميهني خمسة والتأنيث فيه باعتبار إرادة الأيام وأما خمسا فباعتبار إرادة الليالي وكذلك الكلام في البواقي قوله لا صوم فوق صوم داود أي لا فضل ولا كمال في صوم التطوع فوق صوم داود عليه الصلاة و السلام وهو صوم يوم وإفطار يوم والذين لا يكرهون السرد يقولون هذا مخصوص بعبد الله بن عمرو قوله إحدى عشرة زاد في رواية عمرو بن عون يا رسول الله قوله شطر الدهر أي نصفه ويجوز في شطر الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو شطر الدهر والنصب على أنه مفعول لفعل مقدر تقديره هاك شطر الدهر أو خذه أو اجعله ونحو ذلك ويجوز الجر على أنه بدل من صوم داود عليه الصلاة و السلام قوله صم يوما وأفطر يوما وفي رواية عمرو بن عون صيام يوم وإفطار يوم ويجوز فيه الأوجه الثلاثة المذكور
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان أن أفضل الصيام صوم داود عليه الصلاة و السلام وفيه بيان رفق رسول الله بأمته وشفقته عليهم وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم وحثه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه ونهيهم عن التعمق في العبادة لأنه يفضي إلى الملل المفضي إلى الترك وفيه جواز الإخبار عن الأعمال الصالحة والأوراد ومحاسن الأعمال ولكن محل ذلك أن يخلو عن الرياء وفيه بيان ما كان عليه من التواضع وترك الاستئثار على جليسه وفي كون الوسادة من أدم حشوها ليف بيان ما كان عليه الصحابة في غالب أحوالهم في عهده من الضيق إذ لو كان عند عبد الله بن عمرو أشرف منها لأكرم بها نبيه

(11/94)


6 -
( باب صيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة )
أي هذا باب في بيان فضل صيام أيام البيض وهي الأيام التي لياليهن مقمرات لا ظلمة فيها وهي الثلاثة المذكورة ليلة القدر وما قبلها وما بعدها والبيض بكسر الباء جمع أبيض أضيف إليها الأيام تقديره أيام الليالي البيض وقيل المراد بالبيض الليالي وهي التي يكون القمر فيها من أول الليل إلى آخره حتى قال الجواليقي من قال الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ قال بعضهم فيه نظر لأن اليوم الكامل هو النهار بليلته وليس في الدهر يوم أبيض كله إلا هذه الأيام لأن ليلها أبيض ونهارها أبيض فصح قول الأيام البيض على الوصف انتهى قلت هذا كلام واه وتصرف غير موجه لأن قوله لأن اليوم الكامل هو النهار بليلته غير صحيح لأن اليوم الكامل في اللغة عبارة عن طلوع الشمس إلى غروبها وفي الشرع عن طلوع الفجر الصادق وليس لليلة دخل في حد النهار قوله ونهارها أبيض يقتضي أن بياض نهار الأيام البيض من بياض الليلة وليس كذلك لأن بياض الأيام كلها بالذات وأيام الشهر كلها بيض فسقط قوله وليس في الشهر يوم أبيض كله إلا هذه الأيام وهل يقال ليوم من أيام الشهر غير أيام البيض هذا يوم بياضه غير كامل أو يقال هذا كله ليس بأبيض أو يقال بعضه أبيض فبطل قوله فصح قول الأيام البيض على الوصف والقول ما قاله الجواليقي
( إذا قالت حذام فصدقوها )
ثم سبب التسمية بأيام البيض ما روي عن ابن عباس أنه قال إنما سميت بأيام البيض لأن آدم عليه الصلاة و السلام لما أهبط إلى الأرض أحرقته الشمس فاسود فأوحى الله تعالى إليه أن صم أيام البيض فصام أول يوم فأبيض ثلث جسده فلما صام اليوم الثاني ابيض ثلثا جسده فلما صام اليوم الثالث ابيض جسده كله وقيل سميت بذلك لأن ليالي أيام البيض مقمرة ولم يزل القمر من غروب الشمس إلى طلوعها في الدنيا فتصير الليالي والأيام كلها بيضا
قوله ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني صيام أيام البيض ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر وذلك باعتبار الأيام والأول باعتبار الليالي فإن قلت كيف عين الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر والحديث الذي ذكره في الباب ليس فيه التعيين لذلك قلت جرت عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وإن لم يكن على شرطه فقد روى القاضي يوسف بن إسماعيل في كتاب الصيام حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة بن قدامة عن حكيم بن جبير عن موسى بن طلحة قال قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لأبي ذر وعمار وأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهم أتذكرون يوما كنا مع رسول الله بمكان كذا وكذا فأتاه رجل بأرنب فقال يا رسول الله إني رأيت بها دما فأمر فأكلنا ولم يأكل قالوا نعم ثم قال له ادنه فأطعم قال إني صائم قال أي صوم قال صوم ثلاثة أيام من كل شهر أوله وآخره وكما تيسر علي فقال عمر رضي الله تعالى عنه هل تدرون الذي أمر به رسول الله قالوا نعم يصوم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة قال عمر رضي الله تعالى عنه هكذا قال رسول الله وحكيم بن جبير ضعفه الجمهور وموسى بن طلحة عن عمر مرسل قاله أبو زرعة وبينهما ابن الحوتكية
وأصل الحديث عند النسائي في كتاب الصيد وليس فيه ذكر لعمار وأبي الدرداء رواه من طريق حكيم بن جبير وعمرو بن عثمان ومحمد بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة عن ابن الحوتكية قال قال عمر رضي الله تعالى عنه من حاضرنا يوم القاحة قال أبو الدرداء فذكر الحديث وفيه قال فأين أنت عن البيض الغر ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وابن الحوتكية سماه بعضهم يزيد وقال ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) وما سماه أحد إلا الحجاج بن أرطأة عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن موسى بن طلحة عن يزيد بن الحوتكية والقاحة بالقاف وتخفيف الحاء المهملة مكان من المدينة على ثلاث مراحل
وروى النسائي من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي قال صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وإسناده صحيح وفي رواية أيام البيض بغير واو وروي أيام البيض صبيحة بالرفع فيهما وروى بالجر فيهما حكاه صاحب ( المفهم ) وروى ابن

(11/95)


ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا شعبة عن أنس بن سيرين عن عبد الملك بن المنهال عن أبيه عن رسول الله أنه كان يأمر بصيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ويقول هو كصوم يوم الدهر أو كهيئة صوم الدهر وروى أيضا حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا حيان بن هلال قال حدثنا همام عن أنس بن سيرين قال حدثني عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي عن أبيه عن النبي نحوه ورواه النسائي إلا أنه قال قدامة بن ملحان قال كان رسول الله يأمرنا بالصيام أيام الليالي الغر البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ورواه أبو داود إلا أنه قال عن أنس عن ابن ملحان القيسي عن أبيه فذكره ولم يسمه وقال الحافظ المزي تبعا للحافظ ابن عساكر ويشبه أن يكون ابن كثير أي شيخ أبي داود نسبه إلى جده وقال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي قيل إنه ملحان بن شبل البكري والد عبد الملك بن ملحان ذكره ابن عبد البر في الصحابة قال وقيل بل هو قتادة ابن ملحان والد عبد الملك بن قتادة بن ملحان ولقتادة هذا صحبة فيما ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر أباه في كتابه ولا أبو القاسم البقوي في ( معجم الصحابة ) قال وذكرهما أعني قتادة وملحان أبو عمر بن عبد البر في ( الاستيعاب ) فإن قلت روى النسائي بإسناد صحيح من رواية سعيد بن أبي هند أن مطرفا حدثه أن عثمان بن أبي العاص قال سمعت رسول الله يقول صيام حسن ثلاثة أيام من كل شهر وأخرجه ابن حبان أيضا في ( صحيحه ) هذا ولم يعين فيه أياما بعينها وروى النسائي أيضا من حديث حفصة رضي الله تعالى عنها قالت أربع لم يكن يدعهن النبي صيام عاشوراء وأول العشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة وروى أبو داود من حديث حفصة قالت كان رسول الله يصوم ثلاثة أيام من الشهر الاثنين والخميس والإثنين من الجمعة الأخرى وهذا فيه غير أيام البيض
وروى أبو داود والنسائي من رواية الحسن بن عبيد الله عن هنيدة الخزاعي عن أمه قالت دخلت على أم سلمة رضي الله تعالى عنها فسألتها عن الصيام فقالت كان رسول الله يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الإثنين والخميس والخميس لفظ أبي داود وقال النسائي يأمر بصيام ثلاثة أيام أول خميس والإثنين وقد رواه أبو داود والنسائي من رواية الحر بن الصباح عن هنيدة عن امرأته عن بعض أزواج النبي غير مسماة وروى ابن عدي في ( الكامل ) من حديث أبي الدرداء قال أوصاني رسول الله بغسل يوم الجمعة وركعتي الضحى ونوم على وتر وصيام ثلاثة أيام من كل شهر
وروى يوسف القاضي في ( كتاب الصيام ) من حديث علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال صوم شهر الضبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الشهر ويذهب بوحر الصدر والوحر بفتح الحاء المهملة الغل وروى الطبراني في ( المعجم الكبير ) من حديث النمر بن تولب من حديث الجريري عن أبي العلاء قال كنا بالمربد فأتانا أعرابي ومعه قطعة أديم فقال انظروا ما فيها فإذا كتاب من رسول الله وفيه فقلت أنت سمعت هذا من رسول الله قال نعم وسمعته يقول صوم شهر الصبر وصيام ثلاثة أيام من الشهر يذهبن وغر الصدر وفيه فسألت عنه فقيل هذا نمر بن تولب وأصل الحديث رواه أبو داود والترمذي وليست فيه قصة الصيام ولم يسم فيه الصحابي والوغر بالتسكين الضغن والعداوة وبالتحريك المصدر قلت هو بالغين المعجمة وأصله من الوغرة وهي شدة الحر
وروى أبو نعيم في ( الحلية ) من حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال خرج علينا رسول الله فقال ألا أخبركم بغرف الجنة الحديث وفيه فقلنا لمن تلك فقال لمن أفشى السلام وأدام الصيام الحديث وفيه ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام قلت التوفيق بين هذه الأحاديث أن كل من رأى النبي فعل نوعا ذكره وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها رأت منه جميع ذلك فلذلك أطلقت فيما رواه مسلم من حديثها أنها قالت كان رسول الله يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي من أي الشهر صام والذي أمر به وحث عليه ووصى له وروي ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن النبي على ما نذكره فهو أولى من غيره وأما النبي فلعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز فإن قلت أي الفصلين يترجح

(11/96)


قلت أيام البيض لكونها وسط الشهر ووسط الشهر أعدله ولأن الكسوف غالبا يقع فيها فإذا اتفق الكسوف صادف الذي يعتاده صيام البيض صائما فيتهيأ أن يجمع بين أنواع العبادات من الصيام والصلاة والصدقة بخلاف من لم يصمها فإنه لا يتهيأ له استدراك صيامها
فإن قلت قال القاضي أبو بكر بن العربي ثلاثة أيام من كل شهر صحيح وقال القاضي أبو الوليد الباجي في صيام البيض قد روي في إباحة تعمدها بالصوم أحاديث لا تثبت قلت بل في التعيين أحاديث صحيحة منها حديث جرير فهو صحيح لا اختلاف فيه وقد ذكرناه عن قريب وقد صححه من المالكية أبو العباس القرطبي في ( المفهم ) وفيه تعيين البيض ومنها حديث قرة بن إياس المزني فهو صحيح أيضا لا اختلاف فيه رواه الطبراني في ( الكبير قال حدثنا محمد بن محمد التمار البصري حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله صيام البيض صيام الدهر وإفطاره وقرة هو ابن إياس بن هلال بن ذياب المزني ورواه ابن حبان في ( صحيحه ) ولكن ليس عنده تعيين البيض وصحح ابن حبان أيضا حديث أبي ذر وحديث عبد الملك ابن منهال عن أبيه في تعيين الأيام البيض وصحح أيضا حديث ابن مسعود في تعيين غرة الشهر فحديث أبي هريرة أخرجه الإمام أبو محمد بن عبد الله بن عطاء الإبراهيمي من حديث يونس بن يعقوب عن أبيه عن أبي صادق عن أبي هريرة أوصاني خليلي بثلاث الوتر قبل أن أنام وأصلي الضحى ركعتين وصوم ثلاثة أيام من كل شهر ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وهي البيض وحديث أبي ذر رواه الترمذي من حديث موسى بن طلحة قال سمعت أبا ذر يقول قال رسول الله يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وقال حديث أبي ذر حديث حسن ورواه النسائي وابن ماجه أيضا وحديث عبد الملك بن منهال قد مر عن قريب
وأما حكم المسألة فقد حكى النووي في ( شرح مسلم ) الاتفاق على استحباب صيام الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر قال وقيل هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر وقال شيخنا وفيما حكاه من الاتفاق نظر فقد روى ابن القاسم عن مالك في ( المجموعة ) أنه سئل عن صيام أيام الغر ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة فقال ما هذا ببلدنا وكره تعمد صومها وقال الأيام كلها لله تعالى وقال ابن وهب وإنه لعظيم أن يجعل على نفسه شيئا كالفرض ولكن يصوم إذا شاء قال واستحب ابن حبيب صومها وقال أراها صيام الدهر وقال ابن حبيب كان أبو الدرداء يصوم من كل شهر ثلاثة أيام أول اليوم ويوم العاشر ويوم العشرين ويقول هو صيام الدهر كل حسنة بعشر أمثالها
وقال شيخنا وحاصل الخلاف أن في المسألة تسعة أقوال أحدها استحباب صوم ثلاثة أيام من الشهر غير معينة فأما تعيينها فمكروه وهو المعروف من مذهب مالك حكاه القرطبي الثاني استحباب الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وهو قول أكثر أهل العلم وبه قال عمر ابن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأبو ذر وآخرون من التابعين والشافعي وأصحابه وابن حبيب من المالكية وأبو حنيفة وصاحباه وأحمد وإسحاق الثالث استحباب الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر حكي ذلك عن قوم الرابع استحباب ثلاثة من أول الشهر وبه قال الحسن البصري الخامس استحباب السبت والأحد والإثنين من أول شهر ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من أول الشهر الذي بعده وهو اختيار عائشة رضي الله تعالى عنها في آخرين السادس استحبابها من آخر الشهر وهو قول إبراهيم النخعي السابع استحبابها في الإثنين والخميس الثامن استحباب أول يوم الشهر والعاشر والعشرين وروي ذلك عن أبي الدرداء التاسع استحباب أول يوم والحادي عشر والعشرين وهو اختيار أبي إسحاق ابن شعبان من المالكية
1891 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( أبو التياح ) قال حدثني ( أبو عثمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام ( انظر الحديث 8711 )

(11/97)


قال الإسماعيلي وابن بطال وآخرون ليس في الحديث الذي أورده البخاري في هذا الباب ما يطابق الترجمة لأن الحديث مطلق في ثلاثة أيام من كل شهر والترجمة مذكورة بما ذكره قلت قد أجبنا عن هذا عند تفسيرنا قوله ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة على أنا قد ذكرنا عن قريب عن أبي هريرة في بعض طرق حديثه ما يوافق الترجمة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو معمر بفتح الميمين واسمه عبد الله بن عمرو المنقري المقعد الثاني عبد الوارث بن سعيد التيمي الثالث أبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة واسمه يزيد بن حميد الضبعي الرابع أبو عثمان هو أبو عبد الرحمن بن مل النهدي الخامس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في موضعين وفيه ثلاثة من الرواة مذكورون بالكنى وقيل أبو التياح لقب غير كنية ويكنى أبا حماد وفيه أن رواته الثلاثة الأول كلهم بصريون وأبو عثمان كوفي ولكنه سكن البصرة وقد روى عن أبي هريرة جماعة منهم أبو عثمان لكن لم يقع في البخاري حديث موصول من رواية أبي عثمان عن أبي هريرة إلا من رواية النهدي وليس له في البخاري سوى هذا وآخر في الأطعمة ووقع عند مسلم عن شيبان عن عبد الوارث بهذا الإسناد فقال فيه حدثني أبو عثمان النهدي وقد مضى هذا الحديث في باب صلاة الضحى في السفر فإنه أخرجه هناك عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن عباس الجريري عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة وبين بعض متنيه اختلاف وقد مر الكلام فيه مستوفى قوله خليلي أي رسول الله قوله بثلاث أي بثلاث أشياء قوله صيام ثلاثة أيام بالجر على أنه بدل من ثلاث قوله وركعتي الفجر عطف عليه قوله وأن أوتر كلمة أن مصدرية أي بأن أوتر أي بالوتر أي بصلاته قبل أن أنام أي قبل النوم وإنما أفرده بهذه الوصية لأنه كان يوافقه في إيثار الاشتغال بالعبادة على الاشتغال بالدنيا لأن أبا هريرة كان يصبر على الجوع في ملازمته النبي ألا ترى كيف قال أما إخواني فكان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله
16 -
( باب من زار قوما فلم يفطر عندهم )
أي هذا باب في بيان من زار قوما وهو صائم في التطوع فلم يفطر عندهم وهذا الباب يقابل الباب الذي قبله بعشرة أبواب وهو باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع
2891 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثني ( خالد ) هو ( ابن الحارث ) قال حدثنا ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه دخل النبي على أم سليم فأتته بتمر وسمن قال أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم ثم قام إلى ناحية من نواحي البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها فقالت أم سليم يا رسول الله إن لي خويصة قال هي قالت خادمك أنس فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به قال أللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له فإني لمن أكثر الأنصار مالا ح وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون ومائة
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا وهم كلهم بصريون
قوله هو ابن الحارث بيان من البخاري لأن شيخه كأنه قال حدثنا خالد وأراد بالبيان رفع الإبهام لاشتراك من سمي خالدا في الرواية عن حميد ولكن هذا غير مطرد له فإنه كثيرا ما يقع له ولمشايخه مثل هذا الإبهام ولا يلتفت إلى بيانه وهذا الحديث من أفراده قوله على أم سليم بضم السين المهملة وفتح اللام واسمها الغميصاء وقيل الرميصاء وقال أبو داود الرميصاء أم سليم سهلة ويقال وصيلة ويقال رميئة ويقال أنيفة ويقال مليكة وقال ابن التين كان يزور أم سليم لأنها خالته من الرضاعة وقال أبو عمر إحدى خالاته من

(11/98)


النسب لأن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن أسد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأخت أم سليم أم حرام بنت ملحان بن زيد بن خالد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم وأنكر الحافظ الدمياطي هذا القول وذكر أن هذه خؤلة بعيدة لا تثبت حرمة ولا تمنع نكاحا قال وفي ( الصحيح ) أنه كان لا يدحل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم فقيل له في ذلك قال أرحمها قتل أخوها حرام معي فبين تخصيصها بذلك فلو كان ثمة علة أخرى لذكرها لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وهذه العلة مشتركة بينها وبين أختها أم حرام قال وليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها فلعله كان ذلك مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع وأيضا فإن قتل حرام كان يوم بئر معونة في صفر سنة أربع ونزول الحجاب سنة خمس فلعل دخوله عليها كان قبل ذلك وقال القرطبي يمكن أن يقال إنه كان لا تستتر منه النساء لأنه كان معصوما بخلاف غيره قوله فأتته بتمر وسمن أي على سبيل الضيافة قوله في سقائه بكسر السين وهو ظرف الماء من الجلد والجمع أسقية وربما يجعل فيها السمن والعسل قوله فصلى غير المكتوبة يعني التطوع وفي رواية أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد فصلى ركعتين وصلينا معه وكانت هذه القصة غير القصة التي تقدمت في أبواب الصلاة التي صلى فيها على الحصير وأقام أنسا خلفه وأم سليم من ورائه ووقع لمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت ثم صلى ركعتين تطوعا فأقام أم حرام وأم سليم خلفنا وأقامني عن يمينه وهذا ظاهر في تعدد القصة من وجهين أحدهما أن القصة المتقدمة لا ذكر فيها لأم حرام والآخر أنه هنا لم يأكل وهناك أكل قوله خويصة تصغير الخاصة وهو مما اغتفر فيه التقاء الساكنين وفي رواية خويصتك أنس فصغرته لصغر سنه يومئذ ومعناه هو الذي يختص بخدمتك قوله قال ما هي أي قال النبي ما الخويصة قالت خادمك أنس وقال بعضهم قوله خادمك أنس هو عطف بيان أو بدل والخبر محذوف قلت توجيه الكلام ليس كذلك بل قوله خادمك مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو خادمك لأنها لما قالت إن لي خويصة قال ما هي قالت خادمك يعني هذه الخويصة هو خادمك ومقصودها أن ولدي أنسا له خصوصية بك لأنه يخدمك فادع له دعوة خاصة وقوله أنس مرفوع لأنه عطف بيان أو بدل ووقع في رواية أحمد من رواية ثابت عن أنس لي خويصة خويدمك أنس ادع الله له قوله فما ترك خير آخرة أي ما ترك خيرا من خيرات الآخرة وتنكير آخرة يرجع إلى المضاف وهو الخير كأنه قال ما ترك خيرا من خيور الآخرة ولا من خيور الدنيا إلا دعا لي به وقوله اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له بيان لدعائه له ويدل عليه رواية أحمد من رواية عبيدة بن حميد عن حميد إلا دعا لي به فكان من قوله أللهم إلى آخره فإن قلت المال والولد من خير الدنيا فأين ذكر خير الآخرة في الدعاء له قلت الظاهر أن الراوي اختصره يدل عليه ما رواه ابن سعد بإسناد صحيح عن الجعد عن أنس قال أللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه ووقع في رواية مسلم عن الجهد عن أنس فدعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا وأنا أرجو الثالثة في الآخرة فلم يبين الثالثة وهي المغفرة كما بينها ابن سعد في روايته وقال الكرماني ولفظ بارك إشارة إلى خير الآخرة والمال والولد الصالحان من جملة خير الآخرة أيضا لأنهما يستلزمانهاقوله وبارك له وفي رواية الكشميهني وبارك فيه وإنما أفرد الضمير نظرا إلى المذكور من المال والولد وفي رواية أحمد فيهم نظرا إلى المعنى قوله فإني لمن أكثر الأنصار مالا الفاء فيها معنى التفسير فإنها تفسر معنى البركة في ماله واللام في لمن للتأكيد و مالا نصب على التمييز فإن قلت وقع عند أحمد من رواية ابن أبي عدي أنه لا يملك ذهبا ولا فضة غير خاتمه وفي رواية ثابت عند أحمد قال أنس وما أصبح رجل من الأنصار أكثر مني مالا قال يا ثابت وما أملك صفرا ولا بيضا إلا خاتمي قلت مراده أن ماله كان من غير النقدين وفي ( جامع الترمذي ) قال أبو العالية كان لأنس بستان يحمل في السنة مرتين وكان فيه ريحان يجيء منه رائحة المسك وفي ( الحلية ) لأبي نعيم من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين وما في البلد شيء يثمر مرتين غيرها
قوله وحدثتني ابنتي أمينة بضم الهمزة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وهو تصغير آمنة وفيه رواية الأب عن بنته لأن أنسا روى هذا عن بنته أمينة وهو من قبيل رواية

(11/99)


الآباء عن الأبناء قوله إنه دفن لصلبي أي من ولده دون أسباطه وأحفاده قوله مقدم الحجاج هو ابن يوسف الثقفي وكان قدومه البصرة سنة خمس وسبعين وعمر أنس حينئذ نيف وثمانون سنة وقد عاش أنس بعد ذلك إلى سنة ثلاث ويقال اثنتين ويقال إحدى وتسعين وقد قارب المائة فإن قلت البصرة منصوبة بماذا ولا يجوز أن يكون العامل فيها لفظ مقدم لأنه اسم زمان وهو لا يعمل كذا قاله الكرماني قلت فيه مقدر تقديره زمان قدومه البصرة والمقدم هنا مصدر ميمي فالكرماني لما رآه على وزن اسم الفاعل ظن أنه اسم زمان فلذلك تكلف في السؤال والجواب وأما لفظ مقدم فإنه منصوب بنزع الخافض تقديره إلى مقدم الحجاج أي إلى قدومه أي إلى وقت قدومه حاصله أن من مات من أول أولاده إلى وقت قدوم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة وفق رواية ابن أبي عدي نيفا على عشرين ومائة وفي رواية البيهقي من رواية الأنصاري عن حميد تسع وعشرون ومائة وعند الخطيب في رواية الآباء عن الأولاد من هذا الوجه ثلاث وعشرون ومائة وفي رواية حفصة بنت سيرين ولقد دفنت من صلبي سوى ولد ولدي خمسة وعشرين ومائة وفي ( الحلية ) أيضا من طريق عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال دفنت مائة لا سقطا ولا ولد ولد ولأجل هذا الاختلاف جاء في رواية البخاري بضع وعشرون ومائة فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع وقال ابن الأثير البضع في العدد بالكسر وقد يفتح ما بين الثلاث إلى التسع وقيل ما بين الواحد إلى العشرة لأنه قطعة من العدد وقال الجوهري تقول بضع سنين وبضعة عشر رجلا فإذا جاوزت لفظ العشر لا تقول بضع وعشرون قلت الذي جاء في الحديث يرد عليه وهو سهو منه وكيف لا وأنس من فصحاء العرب وأما الذين بقوا ففي رواية إسحاق ابن أبي طلحة عن أنس وأن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة رواه مسلم
ذكر ما يستفاد منه فيه حجة لمالك والكوفيين منهم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه أن الصائم المتطوع لا ينبغي له أن يفطر بغير عذر ولا سبب يوجب الإفطار فإن قلت هذا يعارض حديث أبي الدرداء حين زاره سلمان رضي الله تعالى عنه وقد تقدم قلت لا معارضة بينهما لأن سلمان امتنع أن يأكل إن لم يأكل أبو الدرداء معه وهذه علة للفطر لأن للضيف حقا كما قال النبي إن الصائم إذا دعي إلى طعام فليدع لأهله بالبركة ويؤنسهم بذلك لأن فيه جبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده وفيه جواز التصغير على معنى التعطف له والترحم عليه والمودة له بخلاف ما إذا كان للتحقير فإنه لا يجوز وفيه جواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على المهدي وإن أخذ من ردت عليه ليس من العود في الهبة وفيه حفظ الطعام وترك التفريط وفيه التلطف بقولها خادمك أنس وفيه جواز الدعاء بكثرة الولد والمال وفيه التاريخ بولاية الأمراء لقوله مقدم الحجاج وقد بينا وقت قدومه وفيه مشروعية الدعاء عقيب الصلاة وفيه تقديم الصلاة أمام طلب الحاجة وفيه زيارة الإمام بعض رعيته وفيه دخول بيت الرجل في غيبته لأنه لم يقل في طرق هذه القصة إن أبا طلحة كان حاضرا قلت ينبغي أن يكون هذا بالتفصيل وهو أنه إذا علم أن الرجل لا يصعب عليه ذلك جاز وإلا لم يجز وليس أحد من الناس مثل سيد الأولين والآخرين وفيه التحديث بنعم الله تعالى والإخبار عنها عند الإنسان والإعلام بمواهبه وأن لا يجحد نعمه وبذلك أمر الله في كتابه الكريم حيث قال وأما بنعمة ربك فحدث ( الضحى 11 ) وفيه بيان معجزة الرسول في دعائه لأنس ببركة المال وكثرة الولد مع كون بستانه صار يثمر مرتين في السنة دون غيره وفيه كرامة أنس رضي الله تعالى عنه وفيه إيثار الولد على النفس وحسن التلطف في السؤال وفيه أن كثرة الموت في الأولاد لا تنافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم وفيه التاريخ بالأمر الشهير
90 - ( حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى قال حدثني حميد قال سمع أنسا رضي الله عنه عن النبي )
هذا طريق آخر وقع هكذا بقوله حدثنا في رواية كريمة والأصيلي فيكون موصولا وفي رواية غيرهما وقع هكذا قال

(11/100)


ابن أبي مريم فيكون معلقا وعلى كل تقدير ففائدة ذكر هذا الطريق بيان سماع حميد لهذا الحديث من أنس لأنه قد اشتهر أن حميدا كان ربما دلس عن أنس رضي الله تعالى عنه وقال صاحب التلويح وقال ابن أبي مريم إلى آخره كذا في بعض النسخ وكذا نص أصحاب لاطراف عليه وفي أصل سماعنا وغيره حدثنا ابن أبي مريم وهو سعيد بن أبي مريم الجمحي المصري ويحيى هو ابن أيوب الغافقي المصري أبو العباس وفي بعض النسخ وقع يحيى بن أيوب بنسبته إلى أبيه -
26 -
( باب الصوم آخر الشهر )
أي هذا باب في بيان فضل الصوم في آخر الشهر وفي بعض النسخ من آخر الشهر وقوله هذا يطلق على آخر كل شهر من الأشهر ومع هذا الحديث مقيد بشهر شعبان والوجه إطلاقه إشارة إلى أن ذلك لا يختص بشعبان بل يؤخذ من الحديث الندب إلى صيام أواخر كل شهر ليكون عادة للمكلف فإن قلت يعارض هذا النهي بتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين قلت لا معارضة لقوله في حديث النهي إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه
3891 - حدثنا ( الصلت بن محمد ) قال حدثنا ( مهدي ) عن ( غيلان ) وحدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( مهدي بن ميمون ) قال حدثنا ( غيلان بن جرير ) عن ( مطرف ) عن ( عمران بن حصين ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي أنه سأله أو سأل رجلا وعمران يسمع فقال يا أبا فلان أما صمت سرر هذا الشهر قال أظنه قال يعني رمضان قال الرجل لا يا رسول الله قال فإذا أفطرت فصم يومين لم يقل الصلت أظنه يعني رمضان
مطابقته للترجمة تؤخذ مما ذكرنا الآن في أول الباب
ذكر رجاله وهم ستة الأول الصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق ابن محمد بن عبد الرحمن أبو همام الخاركي الثاني مهدي بفتح الميم وكسر الدال المهملة ابن ميمون المعولي الأزدي الثالث غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ابن جرير المعولي الأزدي الرابع أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي الخامس مطرف بلفظ اسم الفاعل من التطريف بإهمال الطاء ابن عبد الله بن الشخير الحرشي العامري السادس عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في خمسة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته كلهم بصريون وفيه إضافة رواية أبي النعمان إلى الصلت لما وقع فيها من تصريح مهدي بالتحديث من غيلان
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن هدبة بن خالد وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي فيه عن زكريا بن يحيى عن عبد الأعلى بن حماد
ذكر معناه قوله أنه سأل أي أن رسول الله سأل عمران أو سأل رسول الله رجلا قوله أو سأل رجلا شك من مطرف وثابت رواه عنه بنحوه على الشك أيضا وأخرجه مسلم كذلك وأخرجه مسلم أيضا من وجهين آخرين عن مطرف بدون شك على الإبهام أنه قال لرجل وزاد أبو عوانة في ( مستخرجه ) من أصحابه ورواه أحمد من طريق سليمان التيمي به قال لعمران بغير شك قوله وعمران يسمع جملة إسمية وقعت حالا قوله فقال يا أبا فلان بالكنية في رواية أبي ذر وفي رواية الأكثرين يا فلان قوله سرر هذا الشهر بالسين المهملة وفتحها وفتح الراء وقال النووي ضبطوه بفتح السين وكسرها وحكي ضمها ويقال أيضا سرار بكسر السين وفتحها وكله من الاستسرار وقال الجمهور المراد به آخر الشهر لاستسرار القمر فيه وقال بعضهم هو وسط الشهر وسرر كل شيء وسطه والسرة الوسط وهي الأيام البيض وروى أبو داود عن الأوزاعي أن سرره أوله وقال ابن قرقول سرر بفتح السين عند الكافة وعند العذري سرر بضم السين وقال أبو عبيد سرار الشهر آخره حيث يستتر الهلال وسرره أيضا وأنكره غيره وقال لم يأت في صوم آخر الشهر حض وسرار كل شيء وسطه وأفضله فكأنه يريد الأيام الغر من وسط الشهر وقال عبد الملك

(11/101)


ابن حبيب السرر آخر الشهر حين يستسر الهلال لثمان وعشرين ولتسع وعشرين وإن كان تاما فليلة ثلاثين وتبويب البخاري يدل على أنه عنده آخر الشهر وقال الخطابي يتأول أمره إياه بصوم السرر على أن الرجل كان أوجبه على نفسه نذرا فأمره بالوفاء أو أنه كان اعتاده فأمره بالمحافظة عليه وإنما تأولناه للنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين
فائدة أسماء ليالي الشهر عشرة لكل ثلاث منها اسم فالثلاث الأولى غرر لأن غرة كل شيء أوله والثانية نفل على وزن صرد ونغر لزيادتها على الغرر والنفل الزيادة وثلاث تسع إذ آخرها تاسع وثلاث عشر لأن أولها عاشر وزنهما وزن زحل وثلاث تبع وثلاث درع ووزنهما كزحل أيضا لاسوداد أوائلها وابيضاض أواخرها وثلاث ظلم لإظلامها وثلاث حنادس لشدة سوادها ثلاث دآدىء كسلالم لأنها بقايا وثلاث محاق بضم الميم لانمحاق القمر أول الشهر والمحق المحو ويقال لهما سرر أيضا عند الجمهور كما ذكرنا
قوله أظنه يعني هذه اللفظة غير محفوظة وهذا الظن من أبي النعمان لتصريح البخاري في آخره بأن ذلك لم يقع في رواية الصلت وكان ذلك وقع من أبي النعمان لما حدث به البخاري وإلا فقد رواه الجوزقي من طريق أحمد بن يوسف السلمي عن أبي النعمان بدون ذلك وهو الصواب ونقل الحميدي عن البخاري أنه قال شعبان أصح وقيل إن ذلك ثابت في بعض الروايات في ( الصحيح ) وقال الخطابي ذكر رمضان هنا وهم لأن رمضان يتعين صوم جميعه وكذا قال الداودي وابن الجوزي فإن قلت روى مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شعبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن الجريري عن العلاء عن مطرف عن عمران بن حصين أن النبي قال لرجل هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا قال لا فقال رسول الله فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه قلت روى مسلم أيضا من حديث هداب بن خالد عن عمران بن حصين أن رسول الله قال له أو لآخر أصمت من سرر شعبان قال لا قال فإذا أفطرت فصم يومين فهذا يدل على أن المراد من قوله في رواية البخاري أما صمت سرر هذا الشهر إنه شعبان وقول أبي النعمان أظنه يعني رمضان وهم كما ذكرنا وقيل يحتمل أن يكون قوله رمضان في قولهرمضانظرفا للقول الصادر منه لا لصيام المخاطب بذلك فيوافق رواية الجريري عن العلاء عن مطرف وقد ذكرناه الآن قلت التحقيق فيه أن المراد من قوله أصمت سرر هذا الشهر في رواية البخاري أنه شعبان يؤيده ويوضحه رواية مسلم من حديث هداب عن عمران وكذلك يوضح حديث هداب رواية مسلم من حديث مطرف فإنه ليس فيها ذكر شعبان والأحاديث يفسر بعضها بعضا وبقي الكلام في قوله فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين فنقول هذا ابتداء كلام معناه أنك إذا تركت السرر من رمضان الذي هو فرض فصم يومين عوضه لأن السرر يومان من آخر الشهر كما ذكرناه بخلاف سرر شعبان فإنه ليس بمتعين عليه فلذلك لم يأمره بالقضاء بعد قول الرجل يا رسول الله يعني ما صمت سرر هذا الشهر الذي هو شعبان فإن قلت كيف قال فصم يومين وفي رواية مسلم بعد قوله فإذا فطرت رمضان والذي يفطر رمضان هل يكتفي في قضائه بيومين قلت تقديره من رمضان وحذفت لفظة من وهي مرادة كما في الرواية الأخرى وهو من قبيل قوله تعالى واختار موسى قومه ( الأعراف 551 ) أي من قومه وهذا هو تحرير هذا الموضع الذي لم أر أحدا من شراح البخاري ومن شراح مسلم حرر هذا الموضع كما ينبغي ولا سيما من يدعي في هذا الفن بدعاوى عريضة بمقدمات ليس لها نتيجة
قال أبو عبد الله وقال ثابت عن مطرف عن عمران عن النبي من سرر شعبان
أبو عبد الله هو البخاري وليس في بعض النسخ هذا وأراد بالتعليق أن المراد من قوله أصمت سرر هذا الشهر هو سرر شعبان وليس هو برمضان كما ظنه أبو النعمان وقد وصل هذا التعليق مسلم حدثنا هداب بن خالد قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت ولم أفهم مطرفا من هداب عن عمران بن حصين أن رسول الله قال له أو لآخر الحديث وقد ذكرناه عن قريب والله أعلم

(11/102)


36 -
( باب صوم يوم الجمعة فإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده )
أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم الجمعة وحكمه أنه إذا أصبح صائما يوم الجمعة فإن كان صام قبله ولا يريد أن يصوم بعده فليصمه وإن كان لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده فليفطر لورود النهي عن صوم يوم الجمعة وحده على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى ووقع في كثير من الروايات باب صوم يوم الجمعة وإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يصوم هكذا وقع لا غير ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت زيادة وهي قوله يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده وقال بعضهم وهذه الزيادة تشبه أن تكون من الفربري أو من دونه فإنها لم تقع في رواية النسفي عن البخاري ويبعد أن يعبر البخاري عما يقوله بلفظ يعني ولو كان ذلك من كلامه لقال أعني بل كان يستغني عنها أصلا قلت عدم وقوع هذه الزيادة في رواية النسفي عن البخاري لا يستلزم عدم وقوعها من غيره سواء كان من الفربري أو من غيره والظاهر أنها من البخاري وقوله يعني في محله وليس ببعيد لأنه يوضح المراد من قوله وإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر فأوضح بقوله يعني أن هذا ليس على إطلاقه وإنما عليه الإفطار إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده فقوله وإذا أصبح إلى آخره إذا كان من كلام غيره فلفظ يعني في محله وإذا كان من كلامه فكأنه جعل هذا لغيره بطريق التجريد ثم أوضحه بقوله يعني فافهم فإنه دقيق
4891 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( عبد الحميد بن جبير ) عن ( محمد بن عباد ) قال سألت ( جابرا ) رضي الله تعالى عنه نهى النبي عن صوم يوم الجمعة قال نعم زاد غير أبي عاصم أن ينفرد بصوم
مطابقته للترجمة من حيث أن صوم يوم الجمعة منفردا مكروه لأنه منهى عنه والترجمة تتضمن معنى الحديث
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الثاني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الثالث عبد الحميد بن جبير مصغر الجبر ابن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله الحجبي الرابع محمد بن عباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة المخزومي الخامس جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه السؤال وفيه القول في موضع واحد وفيه أن رواه ما خلا شيخه مكيون وفيه عبد الحميد وهو تابعي صغير روى عن عمته صفية بنت شيبة قال بعضهم وهي من صغار الصحابة قلت قال ابن الأثير اختلف في صحبتها وقال الدارقطني لا تصح لها رؤية وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه أن عبد الحميد ليس له في البخاري إلا ثلاثة أحاديث هذا وآخر في بدء الخلق وآخر في الأدب وفيه رواية ابن جريج عن عبد الحميد وفي رواية عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الحميد وابن جريج ربما رواه عن محمد بن عباد عن نفسه ولم يذكر عبد الحميد كذلك أخرجه النسائي قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني محمد بن عباد بن جعفر قال قلت لجابر أسمعت رسول الله ينهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم قال أي ورب الكعبة وروى النسائي أيضا عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن محمد بن عباد
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن عمرو الناقد وعن محمد بن رافع وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن يوسف بن سعيد وعن عمرو بن علي وعن سليمان بن سالم وعن أحمد بن عثمان وأخرجه ابن ماجه فيه عن هشام بن عمار
ذكر معناه قوله سألت جابرا وفي رواية مسلم سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله عن صيام يوم الجمعة فقال نعم ورب الكعبة قوله زاد غير أبي عاصم أي قال البخاري زاد غيره من الشيوخ

(11/103)


لفظ أن ينفرد بصومه أي يصوم يوم الجمعة وفي رواية الكشميهني أن ينفرد بصوم وغير أبي عاصم هو يحيى بن سعيد القطان وقال النسائي حدثنا عمرو بن علي عن يحيى عن ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن جعفر قال قلت لجابر أسمعت رسول الله ينهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم قال أي ورب الكعبة وروى النسائي أيضا من طريق النضر بن شميل ولفظه أن جابر سئل عن صوم يوم الجمعة فقال نهى رسول الله أن يفرد وروى أيضا من طريق حفص بن غياث ولفظه نهى رسول الله عن صيام يوم الجمعة منفردا وروى النسائي أيضا من حديث سعيد بن المسيب عن عبد الله ابن عمرو أن رسول الله دخل على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهي صائمة فقال لها أصمت أمس قالت لا قال أتريدين أن تصومي غدا قالت لا قال فأفطري
وروى النسائي أيضا من حديث محمد بن سيرين عن أبي الدرداء قال قال رسول الله يا أبا الدرداء لا تخص يوم الجمعة بصيام دون الأيام ولا تخص ليلة الجمعة بقيام دون الليالي وابن سيرين لم يسمع من أبي الدرداء وقد اختلف فيه على ابن سيرين فقيل هكذا وقيل عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة وروى أحمد عن ابن عباس بلفظ لا تصوموا يوم الجمعة وفي إسناده الحسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه ابن معين وضعفه الجمهور وروى الطبراني في ( الكبير ) من حديث بشير بن الخصاصية بلفظ لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها ورجاله ثقات وروى الطبراني أيضا من رواية صالح بن جبلة عن أنس أنه سمع النبي يقول من صام الأربعاء والخميس والجمعة بنى الله له في الجنة قصرا من لؤلؤ وياقوت وزبرجد وكتب له براءة من النار وصالح بن جبلة ضعفه الأزدي ففي هذا صوم يوم الجمعة مع يوم قبله وروى البزار من حديث عامر بن كدين بلفظ إن يوم الجمعة فلا تصوموه إلا أن تصوموا يوما قبله أو بعده وروى النسائي من رواية حذيفة البارقي عن جنادة الأزدي أنهم دخلوا على رسول الله ثمانية نفر وهو ثامنهم فقرب إليهم رسول الله طعاما يوم جمعة قال كلوا قالوا صيام قال أصمتم أمس قالوا لا قال فصائمون غدا قالوا لا قال فأفطروا
فإن قلت يعارض هذه الأحاديث ما رواه الترمذي من حديث عاصم عن زر عن عبد الله قال كان رسول الله يصوم من كل غرة شهر ثلاثة أيام وقل ما كان يفطر يوم الجمعة وقال حديث حسن غريب ورواه النسائي أيضا وما رواه ابن أبي شيبة حدثنا حفص حدثنا ليث عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر قال ما رأيت رسول الله مفطرا يوم جمعة قط وما أخرجه أيضا عن حفص عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال ما رأيته مفطرا يوم جمعة قط قلت لا نسلم هذه المعارضة لأنه لا دلالة فيها على أنه صام يوم الجمعة وحده فنهيه عن صوم يوم الجمعة في هذه الأحاديث يدل على أن صومه يوم الجمعة لم يكن في يوم الجمعة وحده بل إنما كان بيوم قبله أو بيوم بعده وذلك لأنه لا يجوز أن يحمل فعله على مخالفة أمره إلا بنص صريح صحيح فحينئذ يكون نسخا أو تخصيصا وكل واحد منهما منتف
وأما حكم المسألة فاختلفوا في صوم يوم الجمعة على خمسة أقوال
أحدها كراهته مطلقا وهو قول النخعي والشعبي والزهري ومجاهد وقد روي ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه وقد حكى أبو عمر عن أحمد وإسحاق كراهته مطلقا ونقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن علي وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر رضي الله تعالى عنهم وشبهوه بيوم العيد ففي الحديث الصحيح أن النبي قال إن هذا يوم جعله الله عيدا وروى النسائي من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي قال لا صيام يوم عيد
القول الثاني إباحته مطلقا من غير كراهة وروي ذلك عن ابن عباس ومحمد بن المنكدر وهو قول مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وقال مالك لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به ينهى عن صيام يوم الجمعة قال وصيامه حسن
القول الثالث أنه يكره إفراده بالصوم فإن صام يوما قبله أو بعده لم يكره وهو قول أبي هريرة ومحمد بن سيرين وطاووس وأبي يوسف وفي ( كتاب الطراز ) واختاره ابن المنذر واختلف عن الشافعي فحكى المزني عنه جوازه وحكى أبو حامد في تعليقه عنه كراهته وكذا حكاه ابن الصباغ عن تعليق أبي حامد وهذا هو الصحيح الذي يدل عليه حديث أبي هريرة وبه جزم الرافعي والنووي في ( الروضة ) وقال

(11/104)


في ( شرح مسلم ) إنه قال به جمهور أصحاب الشافعي وممن صححه من المالكية ابن العربي فقال وبكراهته يقول الشافعي وهو الصحيح
القول الرابع ما حكاه القاضي عن الداودي أن النهي إنما هو عن تحريه واقتصاصه دون غيره فإنه متى صام مع صومه يوما غيره فقد خرج عن النهي لأن ذلك اليوم قبله أو بعده إذ لم يقل اليوم الذي يليه قال القاضي عياض وقد يرجح ما قاله قوله في الحديث الآخر لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ولا ليلته بقيام من بين الليالي قلت وهذا ضعيف جدا ويرده حديث جويرية في صحيح البخاري وقوله لها أصمت أمس قالت لا قال تصومين غدا قالت لا قال فأفطري فهو صريح في أن المراد به قبله يوم الخميس وما بعده يوم السبت
القول الخامس أنه يحرم صوم يوم الجمعة إلا لمن صام يوما قبله أو يوما بعده أو وافق عادته بأن كان يصوم يوما ويفطر يوما فوافق يوم الجمعة صيامه وهو قول ابن حزم لظواهر الأحاديث الواردة في النهي عن تخصيصه بالصوم وقال بعضهم واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود كان رسول الله يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وقل ما كان يفطر يوم الجمعة قال وليس فيه حجة لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها قلت هذا الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن ورواه النسائي أيضا وصححه ابن حبان وابن عبد البر وابن حزم والعجب من هذا القائل يترك ما يدل عليه ظاهر الحديث ويدفع حجيته بالاحتمال الناشيء عن غير دليل الذي لا يعتبر ولا يعمل به وهذا كله عسف ومكابرة
ثم إعلم أنهم اختلفوا أيضا في الحكمة في النهي عن صوم يوم الجمعة مفردا على أقوال
الأول ما قاله النووي عن العلماء أنه يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( الجمعة 01 ) وغير ذلك من العبادات في يومها فاستحب الفطر فيه ليكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة قال وهو نظير الحاج يوم عرفة فإن السنة له الفطر ثم قال النووي فإن قيل لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم يوم قبله أو بعده لبقاء المعنى ثم أجاب عن ذلك بأنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه انتهى قلت فيه نظر إذ جبر ما فاته من أعمال يوم الجمعة بصوم يوم آخر لا تختص بكون الصوم قبله بيوم أو بعده بيوم بل صوم يوم الإثنين أفضل من صوم يوم السبت
الثاني هو كونه يوم عيد والعيد لا صيام فيه واعترض على هذا بالإذن بصيامه مع غيره ورد بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة ألا ترى أنه لا يجوز صومه مع يوم قبله ويوم بعده
الثالث لأجل خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت واعترض عليه بثبوت تعظيمه بغير الصيام وأيضا فاليهود لا يعظمون السبت بالصيام فلو كان الملحوظ موافقتهم لتحتم صومه لأنهم لا يصومون وروى النسائي من حديث أم سلمة أن النبي كان يصوم يوم الإثنين والخميس وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم وأخرجه ابن حبان وصححه
الرابع خوف اعتقاد وجوبه واعترض عليه بصوم الإثنين والخميس
الخامس خشية أن يفرض عليهم كما خشي رسول الله من قيام الليل قيل هو منتقض بإجازة صومه مع غيره ولأنه لو كان ذلك لجاز بعده لارتفاع السبب
السادس مخالفة النصارى لأنه لا يجب عليهم صومه ونحن مأمورون بمخالفتهم نقله القمولي قال بعضهم وهو ضعيف ولم يبين وجهه قيل أقوى الأقوال وأولاها بالصواب ما ورد فيه صريحا حديثان أحدهما ما رواه الحاكم وغيره من طريق عامر بن لدين عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده والثاني ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي رضي الله تعالى عنه قال من كان منكم متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر
5891 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثنا ( أبو صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول لا يصومن أحدكم يوم الجمعة

(11/105)


إلا يوما قبله أو بعده
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والأعمش هو سليمان وأبو صالح ذكوان الزيات السمان
والحديث أخرجه مسلم وابن ماجه جميعا في الصوم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله لا يصومن بنون التأكيد رواية الكشميهني وفي رواية غيره لا يصوم بدون النون ولفظ النفي والمراد به النهي قوله إلا يوما قبله تقديره إلا أن يصوم يوما قبله لأن يوما لا يصلح أن يكون استثناء من يوم الجمعة وقال الكرماني هو ظرف ليصوم المقدر أو يوم منصوب بنزع الخافض وهو باء المصاحبة أي بيوم وأخذ بعضهم الوجه الأول من كلام الكرماني وسكت عنه ثم ذكر الوجه الثاني بقوله وقال الكرماني وفي طريق الإسماعيلي من رواية محمد بن أشكاب عن عمر بن حفص شيخ البخاري فيه إلا أن تصوموا يوما قبله أو بعده وفي رواية مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده ولمسلم من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من الليالي ولا يوم الجمعة بصوم من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ورواه أحمد من طريق عوف عن ابن سيرين بلفظ نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم ومن طريق أبي الأوبر زياد الحارثي أن رجلا قال لأبي هريرة أنت الذي تنهى الناس عن صوم يوم الجمعة قال ها ورب الكعبة ثلاثا لقد سمعت محمدا يقول لا يصوم أحدكم يوم الجمعة وحده إلا في أيام معه وله من طريق ليلى امرأة بشير بن الخصاصية أنه سأل النبي فقال لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها وهذه الأحاديث تقيد النهي المطلق في حديث جابر المذكور ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة يصومها كمن يصوم أيام البيض أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة
6891 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( شعبة ) ح وحدثني ( محمد ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أبي أيوب ) عن ( جويرية بنت الحارث ) رضي الله تعالى عنها أن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال أصمت أمس قالت لا قال تريدين أن تصومين غدا قالت لا قال فأفطري
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن مسدد عن يحيى القطان عن شعبة عن قتادة عن أبي أيوب يحيى بن مالك المراغي البصري عن جويرية تصغير الجارية بالجيم الخزاعية كان اسمها برة وسماها النبي بذلك وكانت امرأة حلوة مليحة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه وهي من سبايا بني المصطلق ولما تزوج رسول الله بها أرسل كل الصحابة ما في أيديهم من سهم المصطلقين فلا يعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها ماتت سنة ست وخمسين الطريق الثاني عن محمد اختلف في محمد هذا عن غندر فذكر أبو نعيم في ( مستخرجه ) والإسماعيلي أنه محمد ابن بشار الذي يقال له بندار وقال الجياني لا ينسبه أحد من شيوخنا في شيء من المواضع ولعله محمد بن بشار وإن كان محمد بن المثنى يروي أيضا عن غندر وغندر هو محمد بن جعفر يروى عن شعبة عن قتادة إلى آخره والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الصوم عن محمد بن كثير وحفص بن عمر كلاهما عن هشام عن قتادة به وأخرجه النسائي فيه عن إبراهيم بن محمد التيمي القاضي عن يحيى القطان به وليس لجويرية زوج النبي في البخاري من روايتها سوى هذا الحديث
ذكر معناه قوله وهي صائمة جملة إسمية وقعت حالا قوله أصمت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله أن تصومين ويروى أن تصومي بإسقاط النون على الأصل قوله فأفطري زاد أبو نعيم في روايته إذا
وقال حماد بن الجعد سمع قتادة قال حدثني أبو أيوب أن جويرية حدثته فأمرها فأفطرت
هذا التعليق وصله أبو القاسم البغوي في ( جمع حديث هدبة بن خالد ) قال حدثنا حماد بن الجعد سئل قتادة عن صيام النبي فقال حدثني أبو أيوب فذكره وقال في آخره فأمرها فأفطرت وحماد بن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ويقال له

(11/106)


ابن أبي الجعد وفي ( التوضيح ) ضعفوه وقال أبو حاتم ما بحديثه بأس وذكره عبد الغني في ( الكمال ) وقال استشهد به البخاري رضي الله تعالى عنه بحديث واحد متابعة ولم يذكر أن غيره أخرج له وأسقطه الذهبي في ( الكاشف ) وليس له في البخاري سوى هذا الموضع
46 -
( باب هل يخص شيئا من الأيام )
أي هذا باب يذكر فيه هل يخص الشخص الذي يريد الصوم شيئا من الأيام وفي رواية النسفي هل يخص شيء على صيغة بناء المجهول وإنما لم يذكر جواب الاستفهام الذي هو الحكم لأن ظاهر حديث الباب يدل على عدم التخصيص وجاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها ما يقتضي نفي المداومة وهو ما رواه مسلم من طريق أبي سلمة ومن طريق عبد الله بن شقيق جميعا عن عائشة أنها سئلت عن صيام رسول الله فقالت كان رسول الله يصوم حتى نقول قد صام قد صام ويفطر حتى تقول قد أفطر قد أفطر فلأجل هذا ذكر الترجمة بالاستفهام ولينظر فيه إما بالترجيح أو بالجمع بينهما
7891 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) قلت ل ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها هل كان رسول الله يختص من الأيام شيئا قالت لا كان عمله ديمة وأيكم يطيق ما كان رسول الله يطيق
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه جوابا للاستفهام المذكور فيها وهو أنه لا يخص شيئا من الأيام وإيراد هذا الحديث بهذه الترجمة يدل على أن ترك التخصيص هو المرجح عنده ويحيى هو القطان وسفيان هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر وابراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن قيس النخعي وهو خال إبراهيم المذكور وعم الأسود بن زيد وهذا الإسناد مما يعد من أصح الأسانيد ومسدد ويحيى بصريان والبقية كوفيون وفيه رواية الراوي عن خاله
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن إسحاق بن إبراهيم وزهير بن حرب كلاهما عن جويرية وأخرجه أبو داود في الصلاة عن عثمان به وأخرجه الترمذي في ( الشمائل ) عن الحسين بن حريث عن جويرية به
ذكر معناه قوله هل كان رسول الله يختص من الأيام شيئا قالت لا معناه أنه كان لا يخص شيئا من الأيام دائما ولا راتبا إلا أنه كان أكثر صيامه في شعبان وقد حض على صوم الاثنين والخميس لكن كان صومه على حسب نشاطه فربما وافق الأيام التي رغب فيها وربما لم يوافقها وفي أفراد مسلم عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة أكان رسول الله يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قالت نعم فقلت لها من أي أيام الشهر كان يصوم قالت لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم ونقل ابن التين عن بعض أهل العلم أنه يكره أن يتحرى يوما من الأسبوع بصيام لهذا الحديث قوله يختص من باب الافتعال وفي رواية جرير عن منصور في الرقاق يخص بغير تاء مثناة من فوق قوله ديمة بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف أي دائما لا ينقطع ومن ذلك قيل للمطر الذي يدوم ولا ينقطع أياما الديمة
56 -
( باب صوم يوم عرفة )
أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم عرفة ولما لم تثبت عنده الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه أبهم ولم يبين الحكم
8891 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( مالك ) قال حدثني ( عمير ) مولى أم ( الفضل ) أن أم ( الفضل حدثته ) ح وحدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي النضر ) مولى ( عمر بن عبيد الله ) عن ( عمير ) مولى ( عبد الله بن العباس ) عن أم ( الفضل بنت

(11/107)


الحارث ) أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي في الترجمة ويكون التقدير باب صوم يوم عرفة غير مستحب بل ذهب قوم إلى وجوب الفطر يوم عرفة على ما نذكره إن شاء الله تعالى
ذكر رجاله وهم سبعة لأنه روي من طريقين الأول مسدد الثاني يحيى القطان الثالث مالك بن أنس الرابع سالم هو أبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي الخامس عمير مصغر عمر تارة يقال له إنه مولى أم الفضل أم ابن عباس واسمها لبابة بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء موحدة أخرى وتارة يقال إنه مولى عبد الله بن عباس والظاهر أنه لأم الفضل حقيقة وينسب إلى أبيها لملازمته له وأخذه عنه مر في التيمم في الحضر السادس أم الفضل المذكورة بنت الحارث بن حزن الهلالية زوج العباس بن عبد المطلب وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي السابع عبد الله بن يوسف التنيسي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد كذلك وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضع وفيه قال مالك حدثني سالم ذكره في هذا الطريق باسمه وفي الثانية بكنيته وهو بكنيته أشهر وربما جاء باسمه وكنيته فيقال حدثنا سالم أبو النضر وفيه أنه ساق الطريق الأول مع نزولها لما فيه من التصريح بالتحديث في المواضع التي وقعت بالعنعنة في الطريق الثاني مع علوه وفيه أن عميرا ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرجه في الحج أيضا في موضعين وفي الأشربة في ثلاثة مواضع وحديث آخر تقدم في التيمم
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الحج عن القعنبي وعن علي بن عبد الله أيضا وفي الأشربة عن الحميدي وعن مالك بن إسماعيل وعن عمرو بن العباس وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمرو عن زهير بن حرب وعن هارون بن سعيد الأيلي وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي به وقد مضى هذا الحديث مختصرا في كتاب الحج في موضعين أحدهما باب صوم يوم عرفة والآخر باب الوقوف على الدابة بعرفة
ذكر معناه قوله إن ناسا تماروا أي اختلفوا وجادلوا ووقع عند الدارقطني في ( الموطآت ) من طريق أبي روح عن مالك اختلف ناس من أصحاب رسول الله قوله فأرسلت بلفظ المتكلم والغيبة وفي الحديث الذي يأتي عقيبه أن ميمونة بنت الحارث هي التي أرسلت فيحتمل التعدد ويحتمل أنهما أرسلتا معا فنسب ذلك إلى كل منهما لأنهما أختان كما ذكرنا وتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل لها بذلك بكشف الحال في ذلك ويحتمل العكس قوله وهو واقف على بعيره جملة إسمية وقعت حالا وزاد أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق يحيى بن سعيد عن مالك وهو يخطب الناس بعرفة وللبخاري في الأشربة من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن أبي النضر وهو واقف عشية عرفة ولأحمد والنسائي من طريق عبد الله بن عباس عن أمه أم الفضل أن رسول الله أفطر بعرفة قوله فشربه زاد في حديث ميمونة والناس ينظرون
وفي هذا الحديث استحباب الفطر للواقف بعرفة والوقوف راكبا وجواز الشرب قائما وإباحة الهدية لرسول الله وقبول هدية المرأة المتزوجة الموثوق بدينها وجواز تصرف المرأة في مالها خرج من الثلث أم لا لأنه لم يسأل هل هو من مالها أو مال زوجها وقد بسطنا الكلام فيه في باب صوم يوم عرفة في كتاب الحج

(11/108)


9891 - حدثنا ( يحيى بن سليمان ) قال حدثنا ( ابن وهب ) أو ( قريء عليه ) قال أخبرني ( عمرو ) عن ( بكير ) عن ( كريب ) عن ( ميمونة ) رضي الله تعالى عنها أن الناس شكوا في صيام النبي يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في وجه مطابقة الحديث الذي قبله
ذكر رجاله وهم ستة الأول يحيى ابن سليمان بن يحيى أبو سعيد الجعفي قدم مصر وحدث بها وتوفي بها سنة ثمان ويقال سبع وثلاثين ومائتين الثاني عبد الله ابن وهب الثالث عمرو بن الحارث الرابع بكير بن عبد الله بن الإشج الخامس كريب بن أبي مسلم القرشي مولى عبد الله بن عباس السادس ميمونة بنت الحارث زوج النبي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه اثنان من الرواة مصغران بكير وكريب وفيه أن شيخه من أفراده وهو كوفي الأصل وابن وهب وعمرو مصريان والبقية مدنيون وفيه قوله أو قرىء عليه شك من يحيى في أن الشيخ قرأ أو قرىء على الشيخ
والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن هارون بن سعيد الأيلي رحمه الله تعالى
ذكر معناه قوله شكوا بتشديد الكاف في صيام النبي منهم من قال إنه صائم بناء على عادتهم في الحضر ومنهم من قال إنه غير صائم لكونه مسافرا وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلا عن النفل قوله بحلاب بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام وهو الإناء الذي يحلب فيه اللبن وقيل الحلاب اللبن المحلوب وقد يطلق على الإناء ولو لم يكن فيه لبن
ذكر ما يستفاد منه استدل بهذين الحديثين على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة وفيه نظر لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ نعم يتم الاستدلال بما رواه أبو داود والنسائي من طريق عكرمة أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وصححه ابن خزيمة والحاكم وأخذ بظاهره بعض السلف فنقل عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال يجب فطر يوم عرفة للحاج وقال الطبري إنما أفطر بعرفة ليدل على الاختيار للحجاج لكن بأن لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة وقيل إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم وقيل لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ويؤيد ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى وعيدنا أهل الإسلام
وفيه أن العيان أقطع للحجة وأنه فوق الخبر وفيه أن الأكل والشرب في المحافل مباح ولا كراهة فيه للضرورة وفيه تأسي الناس بأفعال النبي وفيه البحث والاجتهاد في حياته والمناظرة في العلم بين الرجال والنساء والتحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال وفيه فطنة ميمونة وأم الفضل أيضا لاستكشافهما عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللائقة بالحال لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة قيل لم ينقل أنه ناول فضله أحدا فلعله علم أنها خصته به فيؤخذ منه مسألة التمليك المقيد وفيه نظر وقد وقع في حديث ميمونة فشرب منه فهذا يدل على أنه لم يستوف شربه والله أعلم
66 -
( باب صوم يوم الفطر )
أي هذا باب في بيان صوم يوم الفطر ما حكمه لم يصرح بالحكم اكتفاء بما يذكر في الحديث على عادته قيل لعله أشار إلى الخلاف فيمن نذر صوم يوم فوافق يوم العيد هل ينعقد نذره أم لا قلت إذا قال لله علي صوم يوم النحر أفطر وقضى فهذا النذر صحيح عندنا مع إجماع الأمة على أن صومه وصوم الفطر منهيان قال مالك لو نذر صوم يوم فوافق يوم

(11/109)


فطر أو نحر يقضيه في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه وهو قول الأوزاعي والأصل عندنا أن النهي لا ينفي مشروعية الأصل وقال صاحب المحصول أكثر الفقهاء على أن النهي لا يفيد الفساد وقال الرازي لا يدل النهي على الفساد أصلا وأطال الكلام فيه وعلى هذا الأصل مشى أصحابنا فيما ذهبوا إليه ويؤيد هذا ما رواه البخاري من حديث زياد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال نذر رجل صوم الإثنين فوافق يوم عيد فقال ابن عمر أمر الله بوفاء النذر ونهى رسول الله عن صوم هذا اليوم فتوقف في الفتيا وسيجيء في الباب الذي بعده وقال ابن عبد الملك لو كان صومه ممنوعا منه لعينه ما توقف ابن عمر رضي الله تعالى عنه وقال الشافعي وزفر وأحمد لا يصح صوم يومي العيدين ولا النذر بصومهما وهو رواية أبي يوسف وابن المبارك عن أبي حنيفة وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إن نذر صوم يوم النحر لا يصح وإن نذر صوم غد وهو يوم النحر صح واحتج بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه الآتي هنا إن شاء الله تعالى
0991 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي عبيد ) مولى ( ابن أزهر ) قال ( شهدت العيد مع عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه فقال هذان يومان نهى رسول الله عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم ( الحديث 0991 - طرفه في 1755 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين إبهام الترجمة وهو أن صوم يوم الفطر لا يصح وأبو عبيد اسمه سعد مولى ابن عبد الرحمن بن الأزهر بن عوف وينسب أيضا إلى عبد الرحمن بن عوف لأنهما ابنا عم القرشي الزهري مات سنة ثمان وتسعين وقال ابن الأثير قد غلط من جعله ابن عم عبد الرحمن بن عوف بل هو عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأضاحي عن حبان عن ابن المبارك وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن يحيى بن يحيى عن مالك به وفي الأضاحي عن عبد الجبار بن العلي وعن حرملة بن يحيى وعن زهير بن حرب وعن حسن الحلواني وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود في الصوم عن قتيبة وزهير بن حرب وأخرجه الترمذي عن محمد بن عبد الملك وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم وفي الذبائح عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي وأخرجه ابن ماجه في الصوم عن سهل بن أبي سهل
ذكر معناه قوله مولى ابن أزهر وفي رواية الكشميهني مولى بني أزهر وكذا في رواية مسلم قوله شهدت العيد زاد يونس عن الزهري في روايته التي تأتي في الأضاحي يوم الأضحى قوله هذان يومان فيه التغليب وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا والغائب يشار إليه بذاك فلما أن جمعهما اللفظ قال هذان تغليبا للحاضر على الغائب قوله يوم فطركم مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدهما يوم فطركم وقال بعضهم أو على البدل من قوله يومانقلت هذا ليس بصحيح على ما لا يخفى قوله من صيامكم كلمة من بيانية وفي رواية يونس في الأضاحي أما أحدهما فيوم فطركم قوله من نسككم بضم السين وسكونها أي أضحيتكم وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة وهي في أحدهما وجوب الفطر وفي الآخر الأكل من الأضحية
قال أبو عبد الله قال ابن عيينة من قال مولى بن أزهر فقد أصاب ومن قال مولى عبد الرحمان فقد أصاب
هذا ليس بموجود في كثير من النسخ أبو عبد الله هو البخاري وابن عيينة هو سفيان بن عيينة وهذا حكاه عنه علي بن المديني في ( العلل ) وقد أخرجه ابن أبي شيبة في ( مسنده ) عن ابن عيينة عن الزهري فقال عن أبي عبيد مولى ابن أزهر وأخرجه الحميدي في ( مسنده ) عن ابن عيينة حدثني الزهري سمعت أبا عبيد فذكر الحديث ولم يصفه بشيء ورواه عبد الرزاق في ( مصنفه ) عن معمر عن الزهري فقال عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف وقال ابن التين وجه كون القولين صوابا ما روي أنهما اشتركا في ولائه وقيل يحمل أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز أما باعتبار كثرة ملازمته لأحدهما للخدمة أو للأخذ عنه أو لانتقاله من ملك أحدهما إلى الآخر وقد مر بعض الكلام فيه عن قريب

(11/110)


1991 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( عمرو بن يحيى ) عن أبيه عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال نهى النبي عن صوم يوم الفطر والنحر وعن الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد وعن صلاة بعد الصبح والعصر
هذا الحديث قد مر في أوائل كتاب الصلاة في باب ما يستر من العورة فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري وليس فيه صوم يوم الفطر والنحر ولا ذكر الصلاة بعد الصبح والعصر وذكر في باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس عن أبي سعيد حكم الصلاتين وذكر عن غيره أيضافي أبواب متفرقة هناك وقد بسطنا الكلام فيه هناك مستوفى ووهيب تصغير وهب بن خالد البصري وعمرو بن يحيى ابن عمارة الأنصاري مر في باب ما يستر عورته وأبوه يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني الأنصاري
76 -
( باب الصوم يوم النحر )
أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم النحر والكلام في إبهامه الحكم كالكلام في الذي قبله
قوله باب الصوم كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره باب صوم يوم النحر
3991 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( هشام ) عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عمرو بن دينار ) عن ( عطاء بن ميناء ) قال ( سمعته ) يحدث عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال ينهى عن صيامين وبيعتين الفطر والنحر والملامسة والمنابذة
مطابقته للترجمة في قوله والنحر فإن صومه أحد الصيامين المنهيين وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهشام بن يوسف الصنعاني وفي بعض النسخ هو مذكور بنسبته إلى أبيه وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء بن ميناء بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون المشهور أنه مقصور مولى أبي ذباب الحيوان المعروف المدني
والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق
قوله ينهى كذا هنا بضم أوله على البناء للمجهول وفي مسلم بلفظ نهى أو نهي عن بيعتين الملامسة والمنابذة ولم يذكر صوما قوله عن صيامين وفي رواية الإسماعيلي عن أبي هريرة أنه قال نهى يعني النبي عن صيام يومين وعن لبستين وعن بيعتين فأما صيام يومين فالفطر والأضحى وأما البيعتان فالملامسة ولم يذكر المنابذة وعند البيهقي نهى عن صيام يوم الأضحى ويوم الفطر وعند ابن ماجه أيام منى أيام أكل وشرب قوله الفطر والنحر فيه لف ونشر يرجع إلى صيامين وقوله الملامسة والمنابذة يرجع إلى البيعتين وقد روى عن أبي هريرة في باب ما يستر من العورة وقال نهى رسول الله عن بيعتين عن الملاس والنباذ الحديث وقد مر بيانه هناك
4991 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( معاذ ) قال أخبرنا ( ابن عون ) عن ( زياد بن جبير ) قال ( جاء رجل إلى ابن عمعر ) رضي الله تعالى عنهما فقال رجل نذر أن يصوم يوما قال أظنه قال الاثنين فوافق يوم عيد فقال ابن عمر أمر الله بوفاء النذر ونهى النبي عن صوم هذا اليوم
مطابقته للترجمة في قوله ونهى النبي عن صوم هذا اليوم وهو يوضح الإبهام الذي في الترجمة فإن قلت لم يفسر العيد في الأثر فكيف يكون التطابق قلت المسؤول عنه يوم النحر لأنه مصرح به في رواية يزيد بن زريع عن يونس عن زياد بن جبير قال كنت مع ابن عمر فسأله رجل فقال نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثا أو أربعا ما عشت فوافقت

(11/111)


هذا اليوم يوم النحر فقال أمر الله تعالى بوفاء النذر ونهينا أن نصوم يوم النحر فأعاد عليه فقال مثله لا يزيد عليه رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور في باب من نذر أن يصوم أياما فوافق يوم النحر على ما يجيء إن شاء الله تعالى وأخرجه مسلم عن زياد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال إني نذرت أن أصوم يوما فوافق يوم أضحى أو فطر الحديث وكذلك في رواية أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس وفي رواية وكيع فوافق يوم أضحى أو فطر
ذكر رجاله وهم أربعة الأول محمد بن المثنى وقد مر غير مرة الثاني معاذ بن معاذ العنبري الثالث ابن عون هو عبيد الله بن عون بن أرطبان البصري الرابع زياد بن جبير بضم الحيم وفتح الباء الموحدة ابن حية بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف الثقفي وقد مر في باب نحر الإبل المقيدة بالحج
ذكر معناه قوله جاء رجل لم يدر اسمه وفي رواية أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير رأيت رجلا جاء إلى ابن عمر فذكره وفي رواية له عن إسماعيل عن يونس بسنده سأل رجل ابن عمر وهو يمشي بمنى قوله قال أظنه أي قال الرجل الجائي أظنه قال يوم الإثنين فهذا يدل على أن القضية ليست للرجل الجائي لأنه قال فقال رجل نذرت ورواية مسلم التي ذكرناها الآن تدل على أن القضية للرجل الجائي حيث قال زياد بن جبير كنت مع ابن عمر فسأله رجل فقال نذرت أن أصوم الحديث وكذلك في رواية البخاري عن يزيد بن زريع وقد مضى الآن قوله فوافق ذلك أي وافق نذره بصوم يوم عيد قوله فقال ابن عمر إلى آخره حاصله أن ابن عمر توقف عن الجزم بجوابه لتعارض الأدلة عنده ويحتمل أنه عرض للسائل بأن الاحتياط لك القضاء فتجمع بين أمر الله وهو قوله فليوفوا نذورهم ( الحج 92 ) وبين أمر رسول الله وهو أمره بترك صوم يومي العيد وقال الخطابي قد تورع ابن عمر عن قطع الفتيا فيه انتهى وقيل إذا تلاقى الأمر والنهي في محل قدم النهي وقيل يحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن كلا من الدليلين يعمل به فيصوم يوما مكان يوم النذر ويترك صوم يوم العيد وقيل إن ابن عمر نبه على أن الوفاء بالنذر عام والمنع من صوم يوم العيد خاص فكأنه أفهمه أنه يقضي بالخاص على العام ورد عليه بأن النهي عن صوم يوم العيد فيه أيضا عموم للمخاطبين ولكل عيد فلا يكون من حمل الخاص على العام
5991 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عبد الملك بن عمير ) قال سمعت ( قزعة ) قال سمعت ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه وكان غزا مع النبي ثنتي عشرة غزوة قال سمعت أربعا من النبي فأعجبنني قال لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم ولا صوم في يومين الفطر والأضحى ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي هذا
مطابقته للترجمة في قوله ولا صوم في يومين الفطر والأضحى وهذا الحديث بعينه قد مضى في أواخر الصلاة في باب مسجد بيت المقدس فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبه عن عبد الملك عن قزعة مولى زياد قال سمعت أبا سعيد الخدري إلى آخره وقوله وكان غزا مع النبي ثنتي عشرة غزوة ليس هناك وبعد قوله فأعجبنني وآنقني هناك والباقي سواء وقد بسطنا الكلام فيه هناك مستقصى
وقزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة هو ابن يحيى وهذا الحديث مشتمل على أحكام والغرض من إيراده هنا حكم الصوم وقال بعضهم واستدل به على جواز صيام أيام التشريق للإقتصار فيه على ذكر يومي الفطر والنحر خاصة قلت لا يحتاج إلى هذا الاستدلال لأن الأصل جواز الصوم في الأيام كلها ولكن جاء النهي عن صوم يومي الفطر والأضحى وصوم أيام التشريق أيضا على ما يجيء بيانه مع الخلاف فيه

(11/112)


86 -
( باب صيام أيام التشريق )
أي هذا باب في بيان صوم أيام التشريق ولم يذكر الحكم لاختلاف العلماء فيه واكتفاء مما في الحديث وأيام التشريق يقال لها الأيام المعدودات وأيام منى وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة وسميت أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تنشر في الشمس وإضافتها إلى منى لأن الحاج فيها في منى وقيل لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس وقيل لأن صلاة العيد عند شروق الشمس أول يوم منها فصارت هذه الأيام تبعا ليوم النحر وهذا يعضد قول من يقول يوم النحر منها وقال أبو حنيفة التشريق التكبير دبر الصلاة واختلفوا في تعيين أيام التشريق والأصح أنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر وقال بعضهم بل أيام النحر وعند أبي حنيفة ومالك وأحمد لا يدخل فيها اليوم الثالث بعد يوم النحر
واختلفوا في صيام أيام التشريق على أقوال أحدها أنه لا يجوز صيامها مطلقا وليست قابلة للصوم ولا للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولا لغيره وبه قال علي بن أبي طالب والحسن وعطاء وهو قول الشافعي في الجديد وعليه العمل والفتوى عند أصحابه وهو قول الليث بن سعد وابن علية وأبي حنيفة وأصحابه قالوا إذا نذر صيامها وجب عليه قضاؤها والثاني أنه يجوز الصيام فيها مطلقا وبه قال أبو إسحاق المروزي من الشافعية وحكاه ابن عبد البر في ( التمهيد ) عن بعض أهل العلم وحكى ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة الجواز مطلقا والثالث أنه يجوز للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولم يصم الثلاث في أيام العشر وهو قول عائشة وعبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وهو قول الشافعي في القديم وقال المزني إنه رجع عنه والرابع جواز صيامها للمتمتع وعن النذر إن نذر صيامها إن قدر صيام أيام قبلها متصلة بها وهو قول لبعض أصحاب مالك والخامس التفرقة بين اليومين الأولين منها واليوم الأخير فلا يجوز صوم اليومين الأولين إلا للمتمتع المذكور ويجوز صوم اليوم الثالث له وللنذر وكذا في الكفارة إن صام قبله صياما متتابعا ثم مرض وصح فيه وهي رواية ابن القاسم عن مالك والسادس جواز صيام اليوم الآخر من أيام التشريق مطلقا حكاه ابن العربي عن علمائهم فقال قال علماؤنا صوم يوم الفطر ويوم النحر حرام وصوم اليوم الرابع لا نهي فيه والسابع أنه يجوز صيامها للمتمتع بشرطه وفي كفارة الظهار حكاه ابن العربي عن مالك قولا له والثامن جواز صيامها عن كفارة اليمين وقال ابن العربي توقف فيه مالك والتاسع أنه يجوز صيامها للنذر فقط ولا يجوز للمتمتع ولا غيره حكاه الخراسانيون عن أبي حنيفة وقال ابن العربي لا يساوي سماعه قلت لم يصح هذا عن أبي حنيفة ولا يساوي سماع هذا النقل
6991 - قال ( أبو عبد الله ) وقال لي ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي قال ( كانت عائشة ) رضي الله تعالى عنها تصوم أيام منى وكان أبوها يصومها
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي فيها وهو موقوف على عائشة رضي الله تعالى عنه وقال بعضهم كأنه لم يصرح فيه بالتحديث لكونه موقوفا على عائشة قلت إنما ترك التحديث لأنه أخذه عن محمد بن المثنى مذاكرة وهذا هو المعروف من عادته ويحيى هو ابن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة بن الزبير قوله أيام منى وفي رواية المستملي أيام التشريق بمنى قوله وكان أبوها أي أبو عائشة وهو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يصومها أي أيام التشريق هذا في رواية كريمة وفي رواية غيرها وكان أبوه أي أبو هشام وهو عروة كان يصوم أيام التشريق والقائل لهذا الكلام أعني وكان أبوه هو يحيى القطان وفي رواية كريمة القائل هو عروة
8991 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( عبد الله بن عيسى ) عن

(11/113)


( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) وعن ( سالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإطلاق الذي فيها وكان إطلاقها لأجل الاختلاف في صوم أيام التشريق فأوضح الخلاف الذي يتضمن هذا الإطلاق بأثر عائشة وبأثرها أيضا وأثر ابن عمر أن الجواز لمن لم يجد الهدي لا مطلقا فإن قلت أثر عائشة المذكورة أولا مطلق والثاني مقيد فما وجه ذلك قلت يجوز أن تكون عائشة عدت أيام التشريق من أيام الحج وخفي عليها ما كان من نهي النبي عن الصيام في هذه الأيام الذي يدل على أنها لا تدخل فيما أباح الله عز و جل صومه من ذلك فإن قلت كيف يخفي عليها هذا المقدار مع مكانتها في العلم وقربها من رسول الله قلت هذا منها احتهاد والمجتهد قد يخفى عليه ما لا يخفى على غيره
ذكر رجاله وهم تسعة الأول محمد بن بشار بالباء الموحدة وقد تكرر ذكره الثاني غندر هو محمد بن جعفر الثالث شعبة بن الحجاج الرابع عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ابن أخي محمد بن أبي ليلى الفقيه المشهور وكان عبد الله أسن من عمه محمد وكان يقال إنه أفضل من عمه الخامس محمد بن مسلم الزهري السادس عروة بن الزبير بن العوام السابع عائشة أم المؤمنين الثامن سالم بن عبد الله بن عمر التاسع أبوه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه السماع وفيه أن عبد الله بن عيسى ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من روايته عن جده عبد الرحمن عن كعب ابن عجرة وفيه شعبة سمعت عبد الله بن عيسى عن الزهري وفي رواية الدارقطني من طريق النضر بن شميل عن شعبة عن عبد الله بن عيسى سمعت الزهري وفيه وعن سالم هو من رواية الزهري عن سالم فهو موصول
ذكر معناه قوله قالاأي عائشة وعبد الله بن عمر قوله لم يرخص بضم الياء على صيغة المجهول كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة وقوله يصمن على صيغة المجهول للجمع المؤنث أي يصام فيهن فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير وقال بعضهم ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني والطحاوي رخص رسول الله للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق قلت هذا لفظ الدارقطني ولفظ الطحاوي ليس كذلك قال حدثنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم قال حدثنا يحيى بن سلام قال حدثنا شعبة عن ابن أبي ليلى عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال في المتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم في العشر أنه يصوم أيام التشريق وذكر الطحاوي هذا في معرض الاحتجاج لمالك والشافعي وأحمد فإنهم قالوا للمتمتع إذا لم يصم في أيام العشر لعدم الهدي يجوز له أن يصوم في أيام التشريق وكذا القارن والمحصر ثم احتج لأبي حنيفة وأصحابه بحديث علي رضي الله تعالى عنه قال خرج منادي رسول الله في أيام التشريق فقال إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وأخرجه بإسناد حسن وأخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي والطبراني والبيهقي بأطول منه وفيه إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وأخرج أيضا من حديث إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال أمرني رسول الله أن أنادي أيام منى إنها أيام أكل وشرب فلا صوم فيها يعني أيام التشريق وأخرجه أحمد في ( مسند ) وأخرجه أيضا من حديث عطاء عن عائشة قالت قال رسول الله أيام التشريق أيام أكل وشرب وأخرج أيضا من حديث سعيد بن أبي كثير أن جعفر بن المطلب أخبره أن عبد الله بن عمرو بن العاص دخل على عمرو بن العاص فدعاه إلى الغداء فقال إني صائم ثم الثانية فكذلك ثم الثالثة فكذلك فقالا لا إلا أن تكون سمعته من رسول الله قال فإني سمعته من رسول الله يعني النهي عن الصيام أيام التشريق
وأخرج أيضا من حديث سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة أن النبي أمره أن ينادي في أيام التشريق إنها أيام أكل وشرب وإسناده صحيح وأخرجه الطبراني وأخرج أيضا من حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله

(11/114)


عز و جل وأخرج أيضا من حديث أبي المليح الهذلي عن نبيشة الهذلي عن النبي مثله وأخرجه مسلم وأخرج أيضا من حديث عمرو بن دينار أن نافع بن جبير أخبره عن رجل من أصحاب النبي قال عمر وقد سماه نافع فنسيته أن النبي قال لرجل من بني غفار ويقال له بشر بن سحيم قم فأذن في الناس إنها أيام أكل وشرب في أيام منى وأخرجه النسائي وابن ماجه
وأخرجه أيضا من حديث يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال نهى النبي عن صوم أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر وأخرجه أبو يعلى في ( مسنده ) من حديث يزيد الرقاشي عن أنس أن رسول الله نهى عن صوم خمسة أيام من السنة يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق وهذه حجة قوية لأصحابنا في حرمة الصوم في الأيام الخمسة
وأخرج أيضا من حديث عبد الرحمن بن جبير عن معمر بن عبد الله العدوي قال بعثني رسول الله أؤذن في أيام التشريق بمنى لا يصومن أحد فإنها أيام أكل وشرب وأخرجه أبو القاسم البغوي في ( معجم الصحابة ) وأخرج أيضا من حديث سليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب يحدثان عن أم الفضل امرأة عباس بن عبد المطلب قالت كنا مع رسول الله بمنى أيام التشريق فسمعت مناديا يقول إن هذه الأيام أيام طعم وشرب وذكر لله قالت فأرسلت رسولا من الرجل ومن أمره فجاءني الرسول فحدثني أنه رجل يقال له حذافة يقول أمرني بها رسول الله
وأخرج أيضا عمر بن خلدة الزرقي عن أمه قالت بعث رسول الله علي بن أبي طالب في أوسط أيام التشريق فنادى في الناس لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال وأخرجه ابن أبي شيبة في ( مسنده ) وأخرج أيضا من حديث مسعود بن الحكم الزرقي قال حدثتني أمي قالت لكأني أنظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على بغلة النبي البيضاء حين قام إلى شعب الأنصار وهو يقول يا معشر المسلمين إنها ليست بأيام صوم إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز و جل وأخرجه النسائي أيضا وأخرج أيضا من حديث مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت سليمان بن يسار يزعم أنه سمع ابن الحكم الزرقي يقول حدثنا أبي أنهم كانوا مع رسول الله فسمعوا راكبا وهو يصرخ لا يصومن أحد فإنها أيام أكل وشرب وابن الحكم هو مسعود بن الحكم وأبوه الحكم الزرقي ذكره ابن الأثير في الصحاب وأخرج أيضا من حديث يحيى بن سعيد أنه سمع يوسف بن مسعود بن الحكم الزرقي يقول حدثتني جدتي فذكر نحوه وجدته حبيبة بنت شريق
وأخرج أيضا من حديث مسعود بن الحكم الأنصاري عن رجل من أصحاب النبي قال أمر النبي عبد الله بن حذافة أن يركب راحلته أيام منى فيصيح في الناس ألا لا يصومن أحد فإنها أيام أكل وشرب قال فلقد رأيته على راحلته ينادي بذلك وأخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف وفي آخره ألا إن هذه أيام عيد وأكل وشرب وذكر فلا يصومن إلا محصر أو متمتع لم يجد هديا ولم يصم في أيام الحج المتتابعة فليصمهن فهذا الطحاوي أخرج أحاديث النهي عن الصوم في أيام التشريق عن ستة عشر نفسا من الصحابة وهذا هو الإمام الجهبذ صاحب اليد الطولى في هذا الفن
وفي الباب حديث أم عمرو بن سليم عند أحمد وعقبة ابن عامر عند الترمذي وحمزة بن عمرو الأسلمي عند الطبراني وكعب بن مالك عند أحمد ومسلم وعبد الله بن عمر وعند النسائي وعمرو بن العاص عند أبي داود وبديل بن ورقاء عند الطبراني وزيد بن خالد عند أبي يعلى الموصلي ولفظه ألا إن هذه الأيام أيام أكل وشرب ونكاح وجابر عند ( ) ثم قال الطحاوي فلما ثبت بهذه الآثار عن رسول الله النهي عن صيام أيام التشريق وكان نهيه عن ذلك بمنى والحجاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون ولم يستثن منهم متمتعا ولا قارنا دخل المتمتعون والقارنون في ذلك ثم أجاب عن حديثهم وهو حديث عبد الله بن عمران في إسناده يحيى بن سلام أنه حديث منكر لا يثبته أهل العلم بالرواية لضعف يحيى بن سلام وابن أبي ليلى وفساد حفظهما والدارقطني أيضا ضعف يحيى بن سلام وابن أبي ليلى فيه مقال وكان يحيى بن سعيد يضعفه وعن أحمد كان سيء الحفظ مضطرب الحديث وعن أبي حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به فإن قلت ابن أبي ليلى هو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن

(11/115)


ابن أبي ليلى وهو ثقة عند الكل قلت ذكر الطحاوي ابن أبي ليلى بفساد حفظه وضعه يدل على أنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى إذ لو كان هو عبد الله بن عيسى لما ذكره هكذا على أنا نقول قد قال ابن المديني عبد الله بن عيسى بن أبي ليلى عندي منكر وكان يتشيع وأيضا فالحديث الذي فيه عبد الله بن عيسى ليس بمرفوع بخلاف الحديث الذي ذكره الطحاوي وقد اختلفوا في قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا هل له حكم الرفع على أقوال ثالثها إن أضافه إلى عهد النبي فله حكم الرفع وإلا فلا واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه ويلتحق به رخص لنا في كذا أو عزم علينا أن لا نفعل كذا فالكل في الحكم سواء وقد حصل الجواب عن أثر عائشة وابن عمر عند ذكره عن عبد الله بن عيسى
9991 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله بن عمر ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله صام أيام منى لأنه يوضح إطلاق الترجمة كما ذكرنا في الحديث السابق قوله الصيام أي الصيام الذي يفعل للمتمتع بالعمرة إلى الحج ينتهي إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا وفي رواية الحموي فمن لم يجد وكذا هو في ( الموطأ ) قوله صام أيام منى وهي أيام التشريق فهذا والذي قبله من الحديثين يدل على جواز الصوم للمتمتع الذي لا يجد الهدي في أيام التشريق وإليه مال البخاري وعن هذا قال بعضهم ويترجح الجواز قلت كيف يترجح الجواز مع رواية جماعة من الصحابة ما يناهز ثلاثين صحابيا النهي عن النبي عن الصوم في أيام التشريق ومع هذا فالبخاري ما روى في هذا الباب إلا ثلاثة من الآثار موقوفة
وعن ابن شهاب عن عروة عن عائشة مثله
أي وروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة مثله أي مثل ما روى ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر
تابعه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب
يعني تابع مالكا إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن في روايته عن ابن شهاب الزهري ووصله الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة في المتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم قبل عرفة فليصم أيام منى وعن سالم عن أبيه مثله ووصله الطحاوي من وجه آخر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وعن سالم عن أبيه أنهما كان يرخصان للمتمتع إذا لم يجد هديا ولم يكن صام قبل عرفة أن يصوم أيام التشريق وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر نحوه والله أعلم
96 -
( باب صيام يوم عاشوراء )
أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم عاشوراء والكلام فيه على أنواع
الأول في بيان اشتقاق عاشوراء ووزنه فاشتقاقه من العشر الذي هو اسم للعدد المعين وقال القرطبي عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم الفعل واليوم مضاف إليها فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليها الإسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة وقيل هو مأخوذ من العشر بالكسر في أوراد الإبل تقول العرب وردت الإبل عشرا إذا وردت اليوم التاسع وذلك لأنهم يحسبون في الإظماء يوم الورد فإذا قامت في الرعي يومين ثم وردت في الثالثة قالوا وردت ربعا وإن رعت ثلاثا وفي الرابع وردت خمسا لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي وأول اليوم الذي ترد فيه بعده وعلى هذا القول يكون التاسع عاشوراء وأما وزنه ففاعولاء

(11/116)


قال أبو منصور اللغوي عاشوراء ممدود ولم يجىء فاعولاء في كلام العرب إلا عاشوراء والضاروراء اسم الضراء والساروراء اسم للسراء والدالولاء اسم للدالة وخابوراء اسم موضع وقال الجوهري يوم عاشوراء وعاسوراء ممدودان وفي ( تثقيف اللسان ) للحميري عن أبي عمرو الشيباني عاشورا بالقصر وروي عن أبي عمر قال ذكر سيبويه فيه القصر والمد بالهمز وأهل الحديث تركوه على القصر وقال الخليل بنوه على فاعولاء ممدودا لأنها كلمة عبرانية وفي ( الجمهرة ) هو إسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية لأنه لا يعرف في كلامهم فاعولاء ورد على هذا بأن الشارع نطق به وكذلك أصحابه قالوا بأن عاشوراء كان يسمى في الجاهلية ولا يعرف إلا بهذا الإسم
النوع الثاني اختلفوا فيه في أي يوم فقال الخليل هو اليوم العاشر والاشتقاق يدل عليه وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فممن ذهب إليه من الصحابة عائشة ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن البصري ومن الأئمة مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحابهم وذهب ابن عباس إلى أن عاشوراء هو اليوم التاسع وفي ( المصنف ) عن الضحاك عاشوراء اليوم التاسع وفي ( الأحكام ) لابن بزيزة اختلف الصحابة فيه هل هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر أو اليوم الحادي عشر وفي ( تفسير أبي الليث السمرقندي ) عاشوراء يوم الحادي عشر وكذا ذكره المحب الطبري واستحب قوم صيام اليومين جميعا روي ذلك عن أبي رافع صاحب أبي هريرة وابن سيرين وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وروي عن ابن عباس أنه كان يصوم اليومين خوفا أن يفوته وكان يصومه في السفر وفعله ابن شهاب وصام أبو إسحاق عاشوراء ثلاثة أيام يوما قبله ويوما بعده في طريق مكة وقال إنما أصوم قبله وبعده كراهية أن يفوتني وكذا روي عن ابن عباس أيضا أنه قال صوموا قبله يوما وبعده يوما وخالفوا اليهود وفي ( المحيط ) وكره إفراد يوم عاشوراء بالصوم لأجل التشبه باليهود وفي ( البدائع ) وكره بعضهم إفراده بالصوم ولم يكرهه عامتهم لأنه من الأيام الفاضلة وقال الترمذي باب ما جاء في يوم عاشوراء أي يوم هو حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن حاجب بن عمر عن الحكم بن الأعرج قال انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء أي يوم أصومه فقال إذا رأيت هلال المحرم فأعدد ثم أصبح من اليوم التاسع صائما قلت أهكذا كان يصومه محمد قال نعم حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن عن ابن عباس قال أمر رسول الله بصوم يوم عاشوراء اليوم العاشر قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح قلت حديث ابن عباس الأول رواه مسلم وأبو داود والثاني انفرد به الترمذي وهو منقطع بين الحسن البصري وابن عباس فإنه لم يسمع منه وقول الترمذي حديث حسن لم يوضح مراده أي حديثي ابن عباس أراد وقد فهم أصحاب الأطراف أنه أراد تصحيح حديثه الأول فذكروا كلامه هذا عقيب حديثه الأول فتبين أن الحديث الثاني منقطع وشاذ أيضا لمخالفته للحديث الصحيح المتقدم فإن قلت هذا الحديث الصحيح يقتضي بظاهره أن عاشوراء هو التاسع قلت أراد ابن عباس من قوله فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما أي صم التاسع مع العاشر وأراد بقوله نعم ما روي من عزمه على صوم التاسع من قوله لأصومن التاسع وقال القاضي ولعل ذلك على طريق الجمع مع العاشر لئلا يتشبه باليهود كما ورد في رواية أخرى فصوموا التاسع والعاشر وذكر رزين هذه الرواية عن عطاء عنه وقيل معنى قول ابن عباس نعمأي نعم يصوم التاسع لو عاش إلى العام المقبل وقال أبو عمر وهذا دليل على أنه كان يصوم العاشر إلى أن مات ولم يزل يصومه حتى قدم المدينة وذلك محفوظ من حديث ابن عباس والآثار في هذا الباب عن ابن عباس مضطربة
النوع الثالث لم سمي اليوم العاشر عاشوراء اختلفوا فيه فقيل لأنه عاشر المحرم وهذا ظاهر وقيل لأن الله تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعشر كرامات الأول موسى عليه السلام فإنه نصر فيه وفلق البحر له وغرق فرعون وجنوده الثاني نوح عليه السلام استوت سفينته على الجودي فيه الثالث يونس عليه السلام

(11/117)


أنجي فيه من بطن الحوت الرابع فيه تاب الله على آدم عليه السلام قاله عكرمة الخامس يوسف عليه السلام فإنه أخرج من الجب فيه السادس عيسى عليه السلام فإنه ولد فيه وفيه رفع السابع داود عليه السلام فيه تاب الله عليه الثامن إبراهيم عليه السلام ولد فيه التاسع يعقوب عليه السلام فيه رد بصره العاشر نبينا محمد فيه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
هكذا ذكروا عشرة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قلت ذكر بعضهم من العشرة إدريس عليه السلام فإنه رفع إلى مكان في السماء وأيوب عليه السلام فيه كشف الله ضره وسليمان عليه السلام فيه أعطي الملك
النوع الرابع اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب واختلفوا في حكمه أول الإسلام فقال أبو حنيفة كان واجبا واختلف أصحاب الشافعي على وجهين أشهرهما أنه لم يزل سنة من حين شرع ولم يك واجبا قط في هذه الأمة ولكنه كان يتأكد الاستحباب فلما نزل صوم رمضان صار مستحبا دون ذلك الاستحباب والثاني كان واجبا كقول أبي حنيفة وقال عياض كان بعض السلف يقول كان فرضا وهو باق على فرضيته لم ينسخ قال وانقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض إنما هو مستحب
النوع الخامس في فضل صومه وروى الترمذي من حديث أبي قتادة أن النبي قال صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ورواه مسلم وابن ماجه أيضا وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن أبي هريرة يرفعه يوم عاشوراء تصومه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصوموه أنتم وفي ( كتاب الصيام ) للقاضي يوسف قال ابن عباس ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان أو يوم عاشوراء وروى الترمذي من حديث علي رضي الله تعالى عنه سأل رجل النبي أي شيء تأمرني أن أصوم بعد رمضان قال صم المحرم فإنه شهر الله وفيه يوم تاب فيه على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين وقال حسن غريب وعند النقاش في ( كتاب عاشوراء ) من صام عاشوراء فكأنما صام الدهر كله وقام ليله وفي لفظ من صامه يحتسب له بألف سنة من سني الآخرة
النوع السادس ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء وفي فضل الكحل يوم عاشوراء لا يصح ومن ذلك حديث جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رفعه من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا وهو حديث موضوع وضعفه قتلة الحسين رضي الله تعالى عنه وقال الإمام أحمد والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله فيه أثر وهو بدعة وفي ( التوضيح ) ومن أغرب ما روي فيه أن رسول الله قال في الصرد إنه أول طائر صام عاشوراء وهذا من قلة الفهم فإن الطائر لا يوصف بالصوم قال الحاكم وضعفه قتلة الحسين رضي الله تعالى عنه قلت إطلاق الصوم للطائر ليس بوجه الصوم الشرعي حتى ينسب قائله إلى قلة الفهم وإنما غرضه أن الطائر أيضا يمسك عن الأكل يوم عاشوراء تعظيما له وذلك بإلهام من الله تعالى فيدل ذلك على فضله بهذا الوجه
00 - 02 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( عمر بن محمد ) عن ( سالم ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال قال النبي يوم عاشوراء إن شاء صام ( انظر الحديث وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي فيها ثم أنه أورد فيه أحاديث وقدم منها ما هو دال على عدم وجوب صوم عاشوراء ثم ذكر ما يدل على الترغيب في صيامه
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أبو عاصم النبيل الضحاك ابن مخلد الثاني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر الثالث سالم بن عبد الله بن عمر الرابع عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفي رواية

(11/118)


مسلم عن أبي عاصم شيخ البخاري فصرح فيها بالتحديث في جميع إسناده وفيه رواية عمر عن عم أبيه سالم بن عبد الله ابن عمر وفيه أن شيخه بصري والبقية مدنيون
وأخرجه مسلم أيضا في الصوم عن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي عاصم شيخ البخاري
ذكر معناه قوله إن شاء صام كذا وقع في جميع النسخ من البخاري مختصرا وعند ابن خزيمة في ( صحيحه ) عن أبي موسى عن أبي عاصم بلفظ إن اليوم يوم عاشوراء فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره وعند الإسماعيلي قال يوم عاشوراء من شاء صامه ومن شاء أفطره وفي رواية مسلم ذكر عند رسول الله عاشوراء فقال كان يوم يصومه أهل الجاهلية فمن شاء صامه ومن شاء تركه وروى الطحاوي حدثنا يونس قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا عبد الله بن عمر والليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال من أحب منكم أن يصوم يوم عاشوراء فليصمه ومن لم يحب فليدعه وأخرجه الدارمي في ( سننه ) أخبرنا يعلى عن محمد بن إسحاق عن نافععن ابن عمر قال قال رسول الله هذا يوم عاشوراء كانت قريش تصومه في الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن أحب منكم أن يتركه فليتركه وكان ابن عمر لا يصوم إلا أن يوافق صيامه وهذا كله يدل على الاختيار في صومه
فإن قلت قد مضى في أول كتاب الصوم من حديث ابن عمر قال صام النبي عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان تركه وهذا يدل على أنه كان واجبا وقد روي في ذلك أحاديث كثيرة منها ما رواه الطحاوي من حديث حبيب بن هند بن أسماء عن أبيه قال بعثني رسول الله إلى قومي من أسلم فقال قل لهم فليصوموا يوم عاشوراء فمن وجدت منهم قد أكل في صدر يومه فليصم آخره وأخرجه أحمد أيضا في ( مسنده ) وهذا أيضا يدل على أن صوم عاشوراء كان واجبا ومنها ما رواه الطحاوي أيضا حدثنا علي بن شيبة قال حدثنا روح قال حدثنا شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي هو المنهال عن عمه قال غدونا على رسول الله صبيحة يوم عاشوراء وقد تغدينا فقال أصمتم هذا اليوم فقلنا قد تغدينا فقال أتموا بقية يومكم وقد استدل به من كان يقول إن صوم يوم عاشوراء كان فرضا لأنه أمرهم بإتمام بقية يومهم ذلك بعد أن تغدوا في أول يومهم فهذا لم يكن إلا في الواجب وأجيب عن هذا بوجوه الأول قاله البيهقي بأن هذا الحديث ضعيف لأن عبد الرحمن فيه مجهول ومختلف في اسم أبيه ولا يدري من عمه ورد عليه بأن النسائي أخرجه من حديث عبد الرحمن هذا عن عمه أن أسلم أتت النبي فقال أصمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوا وعبد الرحمن بن سلمة ويقال ابن مسلمة الخزاعي ويقال ابن منهال بن مسلمة الخزاعي ذكره ابن حبان في الثقات وروى له أبو داود والنسائي هذا الحديث الواحد وعمه صحابي لم يذكر اسمه وجهالة الصحابي لا تضر صحة الحديث الوجه الثاني ما قيل بأن هذا كان حكما خاصا بعاشوراء ورخصة ليست لسواه وزيادة في فضله وتأكيد صومه وذهب إلى ذلك ابن حبيب المالكي الوجه الثالث ما قاله الخطابي كان ذلك على معنى الاستحباب والإرشاد لأوقات الفضل لئلا يغفل عنه عند مصادفة وقته ورد هذا أيضا بأن الظاهر أن هذا كان لأجل فرضية صوم يوم عاشوراء ولهذا جاء في رواية أبي داود رضي الله تعالى عنه والنسائي رحمه الله تعالى فأتموا بقية يومكم واقضوه فهذا صريح في دلالته على الفرضية لأن القضاء لا يكون إلا في الواجبات
ومنها ما رواه عبد الله بن أحمد في ( زياداته على المسند ) من حديث علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يصوم عاشوراء ويأمر بصيامه ورواه البزار أيضا ومنها ما رواه ابن ماجه من حديث محمد بن صيفي قال قال لنا رسول الله يوم عاشوراء منكم أحد طعم اليوم قلنا منا من طعم ومنا من لم يطعم قال أتموا بقية يومكم من كان طعم ومن لم يطعم فأرسلوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم قال يعني بأهل العروض حول المدينة ومنها حديث سلمة بن الأكوع على ما يجيء ومنها حديث ابن عباس على ما يجيء ومنها حديث الربيع بنت معوذ على ما يجيء ومنها ما رواه أحمد والبزار والطبراني من حديث عبد الله بن الزبير قال وهو على المنبرهذا يوم عاشوراء فصوموه فإن رسول الله أمر بصومه ومنها ما رواه البزار من حديث عائشة بلفظ أن النبي أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر ورجاله رجال

(11/119)


الصحيح ومنها ما رواه الطبراني في الأوسط أن أبا موسى قال يوم عاشوراء صوموا هذا اليوم فإن النبي أمرنا بصومه ومنها ما رواه الطبراني أيضا في ( الأوسط ) من رواية سعيد بن المسيب أنه سمع معاوية على المنبر يوم عاشوراء يقول سمعت رسول الله يأمر بصيام هذا اليوم ومنها ما رواه أحمد من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله صائما يوم عاشوراء فقال لأصحابه من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن أكل من غداء أهله فليتم بقية يومه ومنها ما رواه أحمد أيضا والطبراني من حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال أمرنا رسول الله بيوم عاشوراء أن نصومه ومنها ما رواه الطبراني أيضا في ( الأوسط ) من حديث أبي سعيد أن النبي ذكر يوم عاشوراء فعظم منه قم قال لمن حوله من كان لم يطعم منكم فليصم يومه هذا ومن كان قد طعم منكم فليصم بقية يومه ورجاله ثقات ومنها ما رواه الطبراني أيضا من حديث عبادة بن الصامت بلفظ بعث رسول الله أسماء بن عبد الله يوم عاشوراء فقال إئت قومك فمن أدركت منهم لم يأكل فليصم ومن طعم فليصم ومنها ما رواه الطبراني أيضا من حديث خباب بن الأرت أن رسول الله قال يوم عاشوراء أيها الناس من كان منكم أكل فلا يأكل بقية يومه ومن نوى منكم الصوم فليصمه ومنها ما رواه الطبراني أيضا من حديث معبد القرشي أنه قال لرجل أتاه بقديد أطعمت اليوم شيئا قال إني شربت ماء قال فلا تطعم شيئا حتى تغرب الشمس وأمر من وراءك أن يصوموا هذا اليوم ورجاله ثقات ومنها ما رواه البزار والطبراني من حديث مجزأة بن زاهر عن أبيه بلفظ سمعت منادي رسول الله يوم عاشوراء وهو يقول من كان صائما اليوم فليتم صومه ومن لم يكن صائما فليتم ما بقي وليصم ورجال البزار ثقات ومنها ما رواه أحمد والبزار والطبراني من حديث عبد الله بن بدر من رواية ابنه بعجة أن أباه أخبره أن رسول الله قال لهم يوما هذا يوم عاشوراء فصوموه الحديث ومنها حديث رزينة وقد ذكرناه فيما مضى
قلت روى مسلم من حديث جابر بن سمرة قال كان رسول الله يأمرنا بصوم يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا عنه ولم يتعاهدنا عنده وروى ابن أبي شيبة من حديث قيس بن سعد قال أمر رسول الله بصيام عاشوراء فلما نزل رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله وروى مسلم أيضا من حديث عبد الرحمن بن يزيد قال دخل الأشعث بن قيس على عبد الله وهو يتغدى فقال يا با محمد ادن إلى الغداء فقال أوليس اليوم يوم عاشوراء قال وهل تدري ما يوم عاشوراء قال وما هو قال إنما هو يوم كان رسول الله يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان فلما نزل رمضان ترك وقال أبو كريب تركه
ففي هذه الآثار نسخ وجوب صوم يوم عاشوراء ودليل أن صومه قد رد إلى التطوع بعد أن كان فرضا واختلف أهل الأصول أن ما كان فرضا إذا نسخ هل تبقى الإباحة أم لا وهي مسألة مشهورة بينهم وسيأتي أن حديث عائشة ومعاوية يدلان على ما دلت عليه الأحاديث المذكورة
1002 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله أمر بصيام يوم عاشوراء فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وهذا الإسناد بعينه قد ذكر غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي والزهري محمد بن مسلم وأخرجه النسائي أيضا بهذا الإسناد فهذا أيضا يدل على انتساخ وجوب صوم يوم عاشوراء وفرض رمضان كان في السنة الثانية
2002 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله

(11/120)


يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث الذي مضى في أول الباب وهو طريق آخر عن عائشة قوله تصومه قريش في الجاهلية يعني قبل الإسلام قوله وكان رسول الله يصومه يعني قبل الهجرة وقال بعضهم إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه وأن النبي كان يصومه في الجاهلية أي قبل أن يهاجر إلى المدينة انتهى قلت هذا كلام غير موجه لأن الجاهلية إنما هي قبل البعثة فكيف يقول وإن النبي كان يصومه في الجاهلية ثم يفسره بقوله أي قبل الهجرة والنبي أقام نبيا في مكة ثلاثة عشرة سنة فكيف يقال صومه كان في الجاهلية قوله فلما قدم المدينة وكان قدومه في ربيع الأول قوله صامه أي صام يوم عاشوراء على عادته
والحديث أخرجه النسائي أيضا بإسناد البخاري وهذا أيضا يدل على النسخ
حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن حميد بن عبد الرحمان أنه سمع معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما يوم عاشوراء عام حج على المنبر يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله يقول هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر
مطابقته للترجمة مثل مطابقة ما قبله و ( حميد بن عبد الرحمن ) بن عوف
وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن حرملة وعن أبي الطاهر وعن ابن أبي عمر وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن سفيان به وعن محمد بن منصور وعن أبي داود الحراني
قوله عام حج قال الطبري أي أول حجة حجها معاوية بعد أن استخلف كانت في أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين وقال بعضهم والذي يظهر أن المراد بها في هذا الحديث الحجة الأخيرة قلت يحتمل هذه الحجة ويحتمل تلك الحجة ولا دليل على الظهور أن حجته التي قال فيها ما قال كانت هي الأخيرة قوله على المنبر يتعلق بقوله سمع أي سمعه حال كونه على المنبر بالمدينة وصرح يونس في روايته بالمدينة ولفظه يونس عن ابن شهاب قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع ( معاوية بن أبي سفيان ) خطيبا بالمدينة يعني في قدمة قدمها خطبهم يوم عاشوراء الحديث رواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس قوله أين علماؤكم قا النووي الظاهر إنما قال هذا لما سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم بأنه ليس بواجب ولا محرم ولا مكروه وقال ابن التين يحتمل أن يريد استدعاء موافقتهم أو بلغه أنهم يرون صيامه فرضا أو نفلا أو للتبليغ قوله لم يكتب أي لم يكتب الله تعالى عليكم صيامه وهذا كله من كلام النبي كما بينه النسائي في روايته قوله وأنا صائم فيه دليل على فضل صوم يوم عاشوراء لأنه لم يخصه بقوله وأنا صائم إلا لفضل فيه وفي رسول الله أسوة حسنة
4002 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( أيوب ) قال حدثنا ( عبد الله ابن سعيد بن جبير ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ما هذا قالوا هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه
مطابقته للترجمة من حيث إنها في مطلق الصوم يوم عاشوراء وهو يتناول كل صوم بيوم عاشوراء على أي وصف كان من الوجوب والاستحباب والكراهة وظاهر حديث ابن عباس يدل على الوجوب لأنه صام وأمر بصيامه ولكن

(11/121)


نسخ الوجوب وبقي الاستحباب كما ذكرنا وقال الطحاوي بعد أن روى هذا الحديث إن رسول الله إنما صامه شكرا لله تعالى في إظهار موسى عليه السلام على فرعون فذلك على الاختيار لا على الفرض انتهى قلت وفيه بحث لأن لقائل أن يقول لا نسلم أن ذلك على الاختيار دون الفرض لأنه أمر بصومه والأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب وكونه صامه شكرا لا ينافي كونه للوجوب كما في سجدة ( ص ) فإن أصلها للشكر مع أنها واجبة
ذكر رجاله وهم ستة الأول أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المنقري المقعد الثاني عبد الوارث بن سعيد الثالث أيوب السختياني الرابع عبد الله بن سعيد بن جبير الخامس سعيد بن جبير السادس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن الرواة الثلاثة الأول بصريون والثلاثة الأخر كوفيون وفيه أن عبد الوارث راوي أبي معمر شيخ البخاري وفيه أيوب عن عبد الله بن سعيد ووقع في رواية ابن ماجه من وجه آخر عن سعيد بن جبير والمحفوظ أنه عن أيوب بواسطة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن علي بن عبد الله عن سفيان وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن محمد بن يحيى وعن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود فيه عن زياد بن أيوب وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور عن سفيان وعن أسماعيل بن يعقوب وأخرجه ابن ماجه عن سهل بن أبي سهل عن سفيان
ذكر معناه قوله فرأى اليهود تصوم وفي رواية مسلم فوجد اليهود يصومون وفي لفظ له فوجد اليهود صياما قوله فقال ما هذا وفي لفظ للبخاري في تفسير طه فسألهم وفي رواية مسلم فسئلوا عن ذلك فقالوا هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ونحن نصومه قوله فصام أي النبي تعظيما له وفي لفظ له قالوا هذا يوم عظيم أنجى الله تعالى فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه فصامه موسى عليه الصلاة و السلام شكرا فنحن نصومه قوله فصامه أي النبي وليس معناه أنه صامه ابتداء لأنه قد علم في حديث آخر أنه كان يصومه قبل قدومه المدينة فعلى هذا معناه أنه ثبت على صيامه وداوم على ما كان عليه قيل يحتمل أنه كان يصومه بمكة ثم ترك صومه ثم لما علم ما عند أهل الكتاب فيه صامه فإن قيل ظاهر أن الخبر يقتضي أنه حين قدم المدينة وجد اليهود صياما يوم عاشوراء والحال أنه قدم المدينة في ربيع الأول وأجيب بأن المراد أول علمه بذلك وسؤاله عنه بعد أن قدم المدينة لا قبل أن يقدمها علم ذلك وقيل في الكلام حذف تقديره قدم النبي المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياما وقيل يحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه المدينة وفيه نظر لا يخفى قوله وأمر بصيامه وللبخاري في تفسير يونس من طريق أبي بشر فقال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموه
فإن قلت خبر اليهود غير مقبول فكيف عمل بخبرهم قلت لا يلزم أن يكون عمله في ذلك اعتمادا على خبرهم لاحتمال أن الوحي نزل حينئذ على وفق ما حكوا من قصة هذا اليوم وقيل إنما صامه باجتهاده وقيل إنه أخبره من أسلم منهم كعبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه أو كان المخبرون من اليهود عدد التواتر ولا يشترط في التواتر الإسلام قاله الكرماني وقال القاضي عياض قد ثبت أن قريشا كانت تصومه وأن النبي كان يصومه فلما قدم المدينة صامه فلم يحدث له صوم اليهود حكما يحتاج إلى التكلم عليه وإنما هي صفة حال وجواب سؤال فدل أن قوله في الحديث فصامه ليس ابتداء صومه بذلك حينئذ ولو كان هذا لوجب أن يقال صحح هذا ممن أسلم من علمائهم ووثقه ممن هذاه من أحبارهم كابن سلام وبني سعيد وغيرهم
5002 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( أبي عميس ) عن ( قيس بن مسلم ) عن ( طارق بن شهاب ) عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه قال كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا قال

(11/122)


النبي فصوموه أنتم ( الحديث 5002 - طرفه في 2493 )
مطابقته للترجمة في قوله فصوموه أنتم فإنه من جملة ما يدخل تحت إطلاق الترجمة
ذكر رجاله وهم ستة الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني الثاني أبو أسامة واسمه حماد بن أسامة الليثي الثالث أبو عميس بضم العين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة واسمه عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعوديالرابع قيس بن مسلم الجدلي العدواني أبو عمرو الخامس طارق بن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي أبو عبد الله الصحابي وقال أبو داود رأى النبي ولم يسمع منه شيئا السادس أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس
ذكر لطائف إسناده فيه ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه بصري والبقية كوفيون وفيه رواية الصحابي عن الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في باب إتيان اليهود النبي عن أحمد أو محمد بن عبد الله الغداني وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير وأخرجه النسائي فيه عن حسين بن حريث عن أبي أسامة عن أبي عميس به
ذكر معناه قوله تعده اليهود عيدا وفي رواية مسلم كان يوم عاشوراء يوما تعظمه اليهود وتتخذه عيدا وفي رواية أخرى له كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم قلت شارتهم بالشين المعجمة وبعد الألف راء وهو بالنصب عطف على قوله حليهم وهو منصوب بقوله يلبسون من الإلباس قال ابن الأثير أي لباسهم الحسن الجميل وقال بعضهم شارتهم بالشين المعجمة أي هيئتهم الحسنة قلت هذا التفسير هنا بهذه العبارة خطأ فاحش والتفسير الصحيح ما قاله ابن الأثير وهو أن الشارة هو اللباس الحسن الجميل والتفسير الذي ذكره هذا القائل تفسير الشورة بالضم لأن الشورة هي الجمال والهيئة الحسنة وهنا الشارة وقع مفعولا لقوله يلبسون من الإلباس وهو يقتضي الملبس والملبس لا يكون الهيئة وإنما يكون اللباس فمن له أدنى تمييز يدري هذا قيل ما وجه التوفيق بين قوله عيدا وبين ما تقدم أن اليهود تصوم يوم عاشوراء ويوم العيد يوم الإفطار وأجيب بأنه لا يلزم من عدهم إياه عيدا كونه عيدا ولا من كونه عيدا الإفطار لاحتمال أن صوم يوم يوم العيد جائز عندهم أو هؤلاء اليهود غير يهود المدينة فوافق المدنيين حيث عرف أنه الحق وخالف غيرهم لخلافه
6002 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( ابن عيينة ) عن ( عبيد الله بن أبي يزيد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنه قال ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدخل تحت إطلاق الترجمة ورجاله قد ذكروا وابن عيينة هو سفيان بن عيينة وعبيد الله بن أبي يزيد من الزيادة مر في الوضوء
والحديث أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد كلاهما عن سفيان وعن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن سفيان
قوله يتحرى من التحري وهو المبالغة في طلب الشيء قوله فضله جملة في محل الجر لأنها صفة يوم قوله وهذا الشهر عطف على هذا اليوم قيل كيف صح هذا العطف ولم يدخل في المستثنى منه وأجيب بأنه يقدر في المستثنى منه وصيام شهر فضله على غيره وهو من اللف التقديري أو يعتبر في الشهر أيامه يوما فيوما موصوفا بهذا الوصف وقال الكرماني قالوا سبب تخصيصهما أن رمضان فريضة وعاشوراء كان أولا فريضة وقال ورد أن أفضل الأيام يوم عرفة والمستفاد من الحديث أن أفضل الأيام عاشوراء قال فما التلفيق بينهما فأجاب بأن عاشوراء أفضل من جهة الصوم فيه وعرفة أفضل من جهة أخرى قال ولو جعل الهاء في فضله راجعا إلى الصيام لكان سقوط السؤال ظاهرا قلت فيه نظر لا يخفى وقيل إنما جمع ابن عباس

(11/123)


بين عاشوراء ورمضان وإن كان أحدهما واجبا والآخر مندوبا لاشتراكهما في حصول الثواب لأن معنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه قلت فيه نظر لا يخفى لأن الاشتراك في الثواب غير مقصور عليهما فافهم
7002 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) قال حدثنا ( يزيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله تعالى عنه قال أمر النبي رجلا من أسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء ( انظر الحديث 4291 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وكل منهما في الترغيب في صيام عاشوراء وقد مضى الحديث في أثناء الصوم في باب إذا نوى بالنهار صوما وقد بسطنا الكلام فيه هناك ويزيد هو ابن أبي عبيد وهو السادس من ثلاثيات البخاري وهناك أيضا أخرجه عن ثلاثة أنفس عن أبي عاصم عن يزيد عن سلمة قوله من كان أكل فليصم أي فليمسك لأن الصوم الحقيقي هو الإمساك من أول النهار إلى آخره والله أعلم
13 -
( كتاب التراويح )
أي هذا كتاب في باين صلاة التراويح كذا وقع هذا في رواية المستملي وحده وفي رواية غيره لم يوجد هذا والتراويح جمع ترويحة ويجمع أيضا على ترويحات والترويحة في الأصل اسم للجلسة وسميت بالترويحة لاستراحة الناس بعد أربع ركعات بالجلسة ثم سميت كل أربع ركعات ترويحة مجازا لما في آخرها من الترويحة ويقال الترويحة اسم لكل أربع ركعات وأنها في الأصل إيصال الراحة وهي الجلسة وفي ( المغرب ) روحت بالناس أي صليت بهم التراويح
1 -
( باب فضل من قام رمضان )
أي هذا باب في بيان فضل من قام رمضان قال الكرماني اتفقوا على أن المراد بقيامه صلاة التراويح قلت قال النووي المراد بقيام رمضان صلاة التراويح ولكن الاتفاق من أين أخذه بل المراد من قيام الليل ما يحصل به مطلق القيام سواء كان قليلا أو كثيرا
8002 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( أبو سلمة ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول لرمضان من قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وعقيل بضم العين ابن خالد وابن شهاب محمد بن مسلم وأبو سلمة ابن عبد الرحمن والحديث مر في باب تطوع قيام رمضان من الإيمان في أوائل كتاب الإيمان فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قال من قام رمضان إيمانا الحديث
قوله عن ابن شهاب وفي رواية ابن القاسم عند النسائي عن مالك حدثني ابن شهاب قوله أخبرني أبو سلمة كذا رواه عقيل وتابعه يونس وشعيب وابن أبي ذئب ومعمر وغيرهم وخالفه مالك فقال عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وقد صح الطريقان عند البخاري فأخرجهما على الولاء وقد أخرجه النسائي من طريق جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري عنهما جميعا وذكر الدارقطني الاختلاف فيه وصحح الطريقين وحكى أن أبا همام رواه عن ابن عيينة عن الزهري فخالف الجماعة فقال عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قوله يقول لرمضان أي لفضل رمضان أو لأجل رمضان قال بعضهم يحتمل أن تكون اللام بمعنى عن أي يقول عن رمضان قلت هذا يبعد وإن كانت اللام تأتي بمعنى عن

(11/124)


نحو وقال الذين كفروا للذين آمنوا ( مريم 37 العنكبوت 21 يس 74 ) وجه البعد أن لفظا من مادة القول إذا استعمل بكلمة عن يكون بمعنى النقل وهذا بعيد جدا بل غير موجه ويجوز أن تكون اللام هنا بمعنى في أي يقول في رمضان أي في فضله ونحو ذلك وذلك كما في قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ( الأنبياء 74 ) أي في يوم القيامة ويجوز أن يكون أيضا بمعنى عند أي تصديقا بأنه حق أي معتقدا فضيلته قاله النووي قوله واحتسابا أي طلبا للآخرة وقال الخطابي أي نية وعزيمة وانتصابهما على الحال أي مؤمنا ومحتسبا قوله غفر له ما تقدم من ذنبه ظاهره يتناول كل ذنب من الكبائر والصغائر وبه قطع ابن المنذر وقال النووي المعروف أنه يختص بالصغائر وبه قطع إمام الحرمين وقال القاضي عياض هو مذهب أهل السنة وفي رواية النسائي من رواية قتيبة عن سفيان وما تأخر وكذا زادها حامد بن يحيى عند قاسم بن أصبغ والحسين بن الحسن المروزي في كتاب الصيام له وهشام ابن عمار في الجزء الثاني عشر من ( فوائده ) ويوسف بن يعقوب النجاحي في ( فوائده ) كلهم عن ابن عيينة ووردت هذه الزيادة أيضا من طريق أبي سلمة من وجه آخر أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي هريرة وقد وردت هذه الزيادة أعني لفظ وما تأخر في عدة أحاديث فإن قلت المغفرة تستدعي سبق شيء من ذنب والمتأخر من الذنوب لم يأت فكيف يغفر قلت هذا كناية عن حفظ الله إياهم من الكبائر فلا يقع منهم كبيرة بعد ذلك وقيل معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة
9002 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( حميد بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب فتوفي رسول الله والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله تعالى عنهما
هذا مضى في كتاب الإيمان وقد ذكرناه عن قريب
قوله قال ابن شهاب أي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري قوله والأمر على ذلك جملة حالية والمعنى استمر الأمر في هذه المدة المذكورة على أن كل أحد يقوم رمضان في أي وجه كان جمعهم عمر رضي الله تعالى عنه قوله والأمر على ذلك رواية الكشميهني وفي رواية غيره والناس على ذلك يعني على ترك الجماعة في التراويح فإن قلت روى ابن وهب عن أبي هريرة خرج رسول الله وإذا الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال ما هذا فقيل ناس يصلي بهم أبي بن كعب فقال أصابوا ونعم ما صنعوا ذكره ابن عبد البر قلت فيه مسلم بن خالد وهو ضعيف والمحفوظ أن عمر رضي الله تعالى عنه هو الذي جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه
وعن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمان بن عبد القاري أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قاريء واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر نعم البدعة هذه والتي ينامون أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله

(11/125)


قوله عن ابن شهاب عطف على قوله قال ابن شهاب وهو موصول بالإسناد المذكور قوله عن عبد الرحمن ابن عبد القاري بتشديد الياء نسبة إلى القارة بن ديش محلم بن غالب المدني وكان عامل عمر رضي الله تعالى عنه على بيت المسلمين مات بالمدينة سنة ثمانين وله ثمان وسبعون سنة قال ابن معين هو ثقة وقيل إن له صحبة قوله فإذا الناس كلمة إذا للمفاجأة قوله أوزاع بسكون الواو بعدها زاي قال ابن الأثير أي متفرقون أراد أنهم كانوا يتنفلون في المسجد بعد صلاة العشاء متفرقين وقال الجوهري أوزاع من الناس أي جماعات قال الخطابي لا واحد لها من لفظها قلت فعلى قوله متفرقون في الحديث يكون صفة لأوزاع أي جماعات متفرقون وعلى قول ابن الأثير يكون متفرقون تأكيدا لفظيا قوله يصلي الرجل يجوز أن يكون الألف واللام فيه للجنس أو للعهد قوله الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة ويقال إلى الأربعين قوله إني أرى هذا من اجتهاد عمر واستنباطه من إقرار الشارع الناس يصلون خلفه ليلتين وقاس ذلك على جمع الناس على واحد في الفرض ولما في اختلاف الأئمة من افتراق الكلمة ولأنه أنشط لكثير من الناس على الصلاة قوله لكان أمثل أي أفضل وقيل أسد قوله فجمعهم على أبي بن كعب أي جعله لهم إماما يصلي بهم التراويح وكان عمر رضي الله تعالى عنه اختاره عملا بقوله يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله وروى سعيد بن منصور من طريق عروة أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بالرجال وكان تميم الداري يصلي بالنساء ورواه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل له من هذا الوجه فقال سليمان بن أبي حثمة بدل تميم الداري ولعل ذلك كان في وقتين قوله ثم خرجت معه أي مع عمر ليلة أخرى وفيه إشعار بأن عمر رضي الله تعالى عنه كان لا يواظب الصلاة معهم وكأنه يرى أن الصلاة في بيته أفضل ولا سيما في آخر الليل وعن هذا قال الطحاوي التراويح في البيت أفضل قوله نعم البدعة ويروى نعمت البدعة بزيادة التاء ويقال نعم كلمة تجمع المحاسن كلها وبئس كلمة تجمع المساوىء كلها وإنما دعاها بدعة لأن رسول الله لم يسنها لهم ولا كانت في زمن أبي بكر رضي الله تعالى عنه ورغب رسول الله فيها بقوله نعم ليدل على فضلها ولئلا يمنع هذا اللقب من فعلها والبدعة في الأصل أحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله ثم البدعة على نوعين إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة قوله والتي ينامون عنها أي الفرقة التي ينامون عن صلاة التراويح أفضل من الفرقة التي يقومون يريد آخر الليل وفيه تصريح أن الصلاة في آخر الليل أفضل من أوله ولم يقع في هذه الرواية عدد الركعات التي كان يصلي بها أبي بن كعب
وقد اختلف العلماء في العدد المستحب في قيام رمضان على أقوال كثيرة فقيل إحدى وأربعون وقال الترمذي رأى بعضهم أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر وهو قول أهل المدينة والعمل على هذا عندهم بالمدينة قال شيخنا رحمه الله وهو أكثر ما قيل فيه قلت ذكر ابن عبد البر في ( الاستذكار ) عن الأسود بن يزيد كان يصلي أربعين ركعة ويوتر بسبع هكذا ذكره ولم يقل إن الوتر من الأربعين وقيل ثمان وثلاثون رواه محمد بن نصر من طريق ابن أيمن عن مالك قال يستحب أن يقوم الناس في رمضان بثمان وثلاثين ركعة ثم يسلم الإمام والناس ثم يوتر بهم بواحدة قال وهذا العمل بالمدينة قبل الحرة منذ بضع ومائة سنة إلى اليوم هذا روى ابن أيمن عن مالك وكأنه جمع ركعتين من الوتر مع قيام رمضان وسماها من قيام رمضان وإلا فالمشهور عن مالك ست وثلاثون والوتر بثلاث والعدد واحد وقيل ست وثلاثون وهو الذي عليه عمل أهل المدينة وروى ابن وهب قال سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن نافع قال لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعا وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاث وقيل أربع وثلاثون على ما حكي عن زرارة بن أوفى أنه كذلك كان يصلي بهم في العشر الأخير وقيل ثمان وعشرون وهو المروي عن زرارة بن أوفى في العشرين الأولين من الشهر وكان سعيد بن جبير يفعله في العشر الأخير وقيل أربع وعشرون وهو مروي عن سعيد بن جبير وقيل عشرون وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم فإنه روى عن عمر وعلي وغيرهما من الصحابة وهو قول أصحابنا الحنفية
أما أثر عمر رضي الله تعالى عنه فرواه

(11/126)


مالك في ( الموطأ ) بإسناد منقطع فإن قلت روى عبد الرزاق في ( المصنف ) عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقومون بالمئين وينصرفون في بزوغ الفجر قلت قال ابن عبد البر هو محمول على أن الواحدة للوتر وقال ابن عبد البر وروى الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن السائب بن يزيد قال كان القيام على عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة قال ابن عبد البر هذا محمول على أن الثلاث للوتر وقال شيخنا وما حمله عليه في الحديثين صحيح بدليل ما روى محمد بن نصر من رواية يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أنهم كانوا يقومون في رمضان بعشرين ركعة في زمان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وأما أثر علي رضي الله تعالى عنه فذكره وكيع عن حسن بن صالح عن عمرو بن قيس عن أبي الحسناء عن علي رضي الله تعالى عنه أنه أمر رجلا يصلي بهم رمضان عشرين ركعة
وأما غيرهما من الصحابة فروي ذلك عن عبد الله بن مسعود رواه محمد بن نصر المروزي قال أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا حفص بن غياث عن الأعمش عن زيد بن وهب قال كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل قال الأعمش كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث
وأما القائلون به من التابعين فشتير بن شكل وابن أبي مليكة والحارث الهمداني وعطاء بن أبي رباح وأبو البحتري وسعيد بن أبي الحسن البصري أخو الحسن وعبد الرحمن ابن أبي بكر وعمران العبدي وقال ابن عبد البر وهو قول جمهور العلماء وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء وهو الصحيح عن أبي بن كعب من غير خلاف من الصحابة وقيل ست عشرة فهو مروي عن أب مجلز أنه كان يصلي بهم أربع ترويحات ويقرأ لهم سبع القرآن في كل ليلة رواه محمد بن نصر من رواية عمران بن حدير عن أبي مجلز
وقيل ثلاث عشرة واختاره محمد بن إسحاق روى محمد بن نصر من طريق بن إسحاق قال حدثني محمد بن يوسف بن عبد الله بن يزيد ابن أخت نمر عن جده السائب بن يزيد قال كنا نصلي في زمان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في رمضان ثلاث عشرة ركعة ولكن والله ما كنا نخرج إلا في وجاه الصبح كان القارىء يقرأ في كل ركعة بخمسين آية وستين آية قال ابن إسحاق ما سمعت في ذلك حديثا هو أثبت عندي ولا أحرى بأن يكون من حديث السائب وذلك أن صلاة رسول الله كانت من الليل ثلاث عشرة ركعة وقال شيخنا لعل هذا كان من فعل عمر أولا ثم نقلهم إلى ثلاث وعشرين
وقيل إحدى عشرة ركعة وهو اختيار مالك لنفسه واختاره أبو بكر العربي
1102 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي أن رسول الله صلى وذلك في رمضان
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه في التراويح وإسماعيل هو ابن أبي أويس وقد ذكر البخاري هذا الحديث تاما في أبواب التهجد في باب تحريض النبي على قيام الليل فقال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة والرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن يفرض عليكم وذلك في رمضان وقد مر الكلام فيه مستوفى وهنا أورد هذا الحديث مختصرا جدا فذكر من أوله أن رسول الله صلى ثم اختصر إلى قوله في آخر الحديث وذلك في رمضان قوله ذلك إشارة إلى ما فعله من صلاته في الليلتين
2102 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أخبرته أن رسول الله خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه فأصبح

(11/127)


الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله فصلى فصلوا بصلاته فلم كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها فتوفي رسول الله والأمر على ذالك
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وهذا الحديث بعين هذا الإسناد والمتن مضى في كتاب الجمعة في باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد قوله فتوفي رسول الله والأمر على ذلك من كلام ابن شهاب الزهري فافهم
1 -
( باب فضل ليلة القدر )
أي هذا باب في بيان فضل ليلة القدر ثبت في رواية أبي ذر قبل الباب بسملة ومعنى ليلة القدر ليلة تقدير الأمور وقضائها والحكم والفضل يقضي الله فيها قضاء السنة وهو مصدر قولهم قدر الله الشيء قدرا وقدرا لغتان كالنهر والنهر وقدره تقديرا بمعنى واحد وقيل سميت بذلك لخطرها وشرفها وعن الزهري هي ليلة العظمة والشرف من قول الناس فلان عند الأمير قدر أي جاه ومنزلة ويقال قدرت فلانا أي عظمته قال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق عظمته وقال أبو بكر الوراق سميت بذلك لأن من لم يكن ذا قدر وخطر يصير في هذه الليلة ذا قدر وخطر إذا أدركها وأحياها وقيل لأن كل عمل صالح يوجد فيها من المؤمن يكون ذا قدر وقيمة عند الله لكونه مقبولا فيها وقيل لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر

(11/128)


وقال سهل بن عبد الله لأن الله تعالى يقدر الرحمة فيها على عباده المؤمنين وقيل لأنه ينزل فيها إلى الأرض ثلاثة من الملائكة أولي قدر وخطر وعن الخليل بن أحمد لأن الأرض يضيق فيها بالملائكة من قوله ويقدر ومن قدر عليه رزقه ( الطلاق 7 ) وقيل القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال الذي يواخي القضاء والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله تعالى فيها يفرق كل أمر حكيم ( الدخان 4 ) وقيل إنما جاء القدر بسكون الدال وإن كان الشائع في القدر الذي هو يواخي القضاء فتح الدال ليعلم أنه لم يرد به ذلك وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء وإظهاره وتحديده في تلك السنة لتحصيل ما يلقى إليهم فيها مقدارا بمقدار
وقول الله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر ( القدر كاملة )
قول الله بالجر عطف على قوله فضل ليلة القدر أي وفي بيان تفسير قول الله تعالى وفي رواية أبي ذر وقال الله تعالى إنا أنزلناه ( القدر 1 ) إلى آخره وفي رواية كريمة السورة كلها مذكورة ومطابقة ذكر هذه السورة عقيب الترجمة في ليلة القدر لكونها في هذه السورة قد ذكرت مكررة لأجل تفضيلها وهذه السورة مائة وإثنا عشر حرفا وثلاثون كلمة وخمس آيات وهي مدنية قاله الضحاك ومقاتل والأكثر على أنها مكية وقال الواقدي هي أول سورة نزلت بالمدينة
إنا أنزلناه ( القدر 1 ) أي القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فوضعناه في بيت العزة وأملاه جبريل عليه السلام على السفرة ثم كان ينزله جبريل عليه السلام على محمد نجوما فكان بين أوله إلى آخرة ثلاثة وعشرون سنة ثم عجب نبيه فقال وما أدراك ما ليلة القدر ( القدر ) يعني ولم تبلغ درايتك غاية فضلها ومنتهى علو قدرها قوله ليلة القدر خير من ألف شهر ( القدر ) وسبب نزولها ما ذكره الواحدي بإسناده عن مجاهد قال ذكر النبي رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى عز و جل إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ( القدر ) قال خير من الذي لبس السلاح فيها ذلك الرجل انتهى وذكر بعض المفسرين رحمة الله تعالى عليهم أنه كان في الزمن الأول نبي يقال له شمسون عليه السلام قاتل الكفرة في دين الله ألف شهر ولم ينزع الثياب والسلاح فقالت الصحابة يا ليت لنا عمرا طويلا حتى نقاتل مثله فنزلت هذه الآية وأخبر أن ليلة القدر خير من ألف شهر الذي لبس السلاح فيها شمسون في سبيل الله والظاهر أن ذلك الرجل الذي ذكره الواحدي هو شمسون هذا
وعن أبي الخطاب الجارود ابن سهيلحدثنا مسلم بن قتيبة حدثنا القاسم بن فضل حدثنا عيسى بن مازن قال قلت للحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما عمدت لهذا الرجل فبايعت له يعني معاوية فقال إن رسول الله أري بني أمية يعلون منبره خليفة بعد خليفة فشق ذلك عليه فأنزل الله سورة القدر قال القاسم فحسبنا ملك بني أمية فإذا هو ألف شهر وقيل ذكر رسول الله يوما أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين سنة لم يعصوا طرفة عين فعجبت أصحاب رسول الله من ذلك فأتاه جبريل عليه السلام فقال يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين فقد أنزل الله عليك خيرا من ذلك ثم قرأ عليه إنا أنزلناه في ليلة القدر ( القدر ) الآيات وقال هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك فسر النبي والناس معه
وذكر في بعض الكتب أن أبا عروة قال ذكر رسول الله يوماأربعة من بني إسرائيل فقال عبدوا الله ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع بن نون عليهم الصلاة والسلام ثم ذكر الباقي نحو ما ذكرنا وعن ابن عباس تفكر النبي في أعمار أمته وأعمار الأمم السالفة فأنزل الله هذه السورة وخص هذه الأمة بتضعيف الحسنات لقصر أعمارهم ويقال إن

(11/129)


الرجل فيما مضى كان لا يستحق أن يقال له فلان عابد حتى يعبد الله ألف شهر وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر فجعل الله لأمة محمد ليلة خيرا من ألف شهر كانوا يعبدون فيها وقيل معناه عمل صالح في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر
وقال مجاهد سلام الملائكة والروح عليك تلك الليلة خير من سلام الخلق عليك ألف شهر قوله تنزل الملائكة والروح أي جبريل عليه والسلام فيها أي في ليلة القدر قوله من كل أمر أي تنزل من أجل كل أمر قضاه الله وقدره في تلك السنة إلى قابل تم الكلام عند قولهمن كل أمر أي تنزل من أجل كل أمر قضاه الله وقدره في تلك السنة إلى قابل تم الكلام عند قوله من كل أمر ثم ابتدأ فقال سلام أي ما ليلة القدر إلا سلامة وخير كلها ليس فيها شر وقال الضحاك لا يقدر الله في تلك الليلة إلا السلامة كلها فأما الليالي الأخر فيقضي فيهن البلاء والسلامة وقيل هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر يمرون على كل مؤمن ويقولون السلام عليك يا مؤمن حتى مطلع الفجر أي إلى مطلع الفجر قرأ الكسائي وخلف مطلع بكسر اللام فإنه موضع الطلوع والباقون بفتح اللام بمعنى الطلوع
قال ابن عيينة ما كان في القرآن ما أدراك فقد أعلمه وما قال وما يدريك فإنه لم يعلمه
هذا التعليق عن سفيان بن عيينة وصله محمد بن يحيى بن أبي عمر في كتاب الإيمان له من رواية أبي حاتم الرازي عنه قال حدثنا سفيان بن عيينة فذكره بلفظ كل شيء في القرآن وما أدراك فقد أخبره به وكل شيء فيه وما يدريك فلم يخبره به وقد اعترض عليه في هذا الحصر بقوله وما يدريك لعله يزكى ( عبس 3 ) فإنها نزلت في ابن أم مكتوم وقد علم بحاله وأنه ممن يزكى ونفعته الذكرى وقال بعضهم وعواه مغلطاي فيما قرأت بخطه لتفسير ابن عيينة رواية سعيد ابن عبد الرحمن عنه وقد راجعت منه نسخة بخط الحافظ الضياء فلم أجده فيه انتهى قلت في هذه العبارة إساءة الأدب لا يخفى ذلك على المنصف وعدم وجدانه ذلك في نسخة الحافظ الضياء بخطه لا يستلزم عدمه بخط غيره
4102 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( حفظناه وإنما حفظ من الزهري ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
مطابقته للترجمة في قوله ومن قام ليلة القدر إلى آخره وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
قوله قال حفظناه أي قال سفيان حفظنا هذا الحديث قوله وأيما حفظ معترض بين قوله حفظناه وبين قوله من الزهري وقوله من الزهري متعلق بقوله حفظناه وأيما بفتح الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف وكلمة ما زائدة وحفظ بكسر الحاء وسكون الفاء مصدر من حفظ يحفظ و أي مرفوع على الابتداء وخبره محذوف تقديره وأي حفظ حفظناه من الزهري يدل عليه حفظناه أولا وحاصله أنه يصف حفظه بكمال الأخذ وقوة الضبط لأن إحدى معاني أي للكمال كما تقول زيد رجل أي رجل أي كامل في صفات الرجال وروى أيما حفظ بنصب أي على أنه مفعول مطلق لحفظناه المقدر ورأيت في نسخة صحيحة مقروءة وإنما حفظ بكلمة إن التي أضيف إليها كلمة ما للحصر وحفظ على صيغة الماضي فإن صحت هذه تكون هذه الجملة من كلام علي بن عبد الله شيخ البخاري فافهم قوله من صام رمضان قد تقدم في كتاب الإيمان في باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان قوله ومن قام ليلة القدر إلى آخره من زيادة سفيان بن عيينة في روايته هنا وروى الترمذي فقال حدثنا هناد قال حدثنا عبدة والمحاربي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
تابعه سليمان بن كثير عن الزهري

(11/130)


أي تابع سفيان سليمان بن كثير العبدي الواسطي ويقال البصري في روايته عن محمد بن مسلم الزهري وقال بعضهم وصله الذهلي في الزهريات ولم يزد عليه شيئا والظاهر أنه لم يورد فيها
2 -
( باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر )
أي هذا باب في بيان أن التماس أي طلب ليلة القدر ينبغي أن يكون في السبع الأواخر وفي رواية الكشميهني باب التمسوا ليلة القدر بصيغة الأمر ولفظ باب فيه منون تقديره هذا باب يذكر فيه التمسوا وههنا ثلاثة أسباع السبع الأوائل في العشر الأول من الشهر والسبع الأواسط في العشر الثاني والسبع الأواخر في العشر الأخير منه ويكون طلبها في الحادي والعشرين والثالث والعشرين والخامس والعشرين والسابع والعشرين وجاء اطلبوها في العشر الأواخر فتدخل فيها ليلة التاسع والعشرين
5102 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رجالا من أصحاب النبي أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ( انظر الحديث 8511 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله فليتحرها في السبع الأواخر
والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي في الرؤيا عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك به
قوله أروا بضم الهمزة مجهول فعل ماض من الإراءة وقال بعضهم أي قيل لهم في المنام في السبع الأواخر قلت هذا التفسير ليس بصحيح لأنه يقتضي أن ناسا قالوا لهم إن ليلة القدر في السبع الأواخر وليس هذا تفسير قوله أروا ليلة القدر في المنام بل تفسيره أن ناسا أروهم إياها فرأوا وعلى تفسير هذا القائل أخبروا بأنها في السبع الأواخر ولا يستلزم هذا رؤيتهم قوله في السبع الأواخر ليس ظرفا للإراءة قاله الكرماني وسكت ومعناه إنه صفة لقوله في المنام أي في المنام الواقع أو الكائن في السبع الأواخر قوله قد تواطأت أي توافقت وأصل الكلمة بالهمزة وفي رواية البخاري في التعبير من طريق الزهري عن سالم عن أبيه أن ناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر وأن ناسا أروا أنها في العشر الأواخر فقال النبي التمسوها في السبع الأواخر ولم يقل في العشر الأواخر لأنه كأنه نظر إلى المتفق عليه من الرؤيتين فأمر به قوله فمن كان متحريها أي طالبها وقاصدها لأن التحري القصد والاجتهاد في الطلب ثم إن هذا الحديث دل على أن ليلة القدر في السبع الأواخر لكن من غير تعيين
وقد اختلف العلماء فيها فقيل هي أول ليلة من رمضان وقيل ليلة سبع عشرة وقيل ليلة ثمان عشرة وقيل ليلة تسع عشرة وقيل ليلة إحدى وعشرين وقيل ثلاث وعشرين وقيل ليلة خمس وعشرين وقيل ليلة سبع وعشرين وقيل ليلة تسع وعشرين وقيل آخر ليلة من رمضان وقيل في أشفاع هذه الأفراد وقيل في السنة كلها وقيل جميع شهر رمضان وقيل يتحول في ليالي العشر كلها وذهب أبو حنيفة إلى أنها في رمضان تتقدم وتتأخر وعند أبي يوسف ومحمد لا تتقدم ولا تتأخر لكن غير معينة وقيل هي عندهما في النصف الأخير من رمضان وعند الشافعي في العشر الأخير لا تنتقل ولا تزال إلى يوم القيامة وقال أبو بكر الرازي هي غير مخصوصة بشهر من الشهور وبه قال الحنفيون وفي ( قاضيخان ) المشهور عن أبي حنيفة أنها تدور في السنة كلها وقد تكون في رمضان وقد تكون في غيره وصح ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وغيرهم وقد زيف المهلب هذا القول وقال لعل صاحبه بناه على دوران الزمان لنقصان الأهلة وهو فاسد لأن ذلك لم يعتبر في صيام رمضان فلا يعتبر في غيره حتى تنتقل ليلة القدر عن رمضان انتهى قلت تزييفه هذا القول فاسد لأن قصده تزييف قول الحنفية ولا يدري أنه في نفس الأمر تزييف

(11/131)


قول ابن مسعود وابن عباس وهذا جرأة منه ومع هذا ماخذ ابن مسعود كما ثبت في ( صحيح مسلم ) عن أبي بن كعب أنه أراد أن لا يتكل الناس وقال الإمام نجم الدين أبو حفص عمر النسفي في منظومته
( وليلة القدر بكل الشهر
دائرة وعيناها فأدر )
وذهب ابن الزبير إلى ليلة سبع عشرة وأبو سعيد الخدري إلى أنها ليلة إحدى وعشرين وإليه ذهب الشافعي وعن عبد الله بن أنيس ليلة ثلاث وعشرين وعن ابن عباس وغيره من جماعة من الصحابة ليلة سبع وعشرين وعن بلال ليلة أربع وعشرين وعن علي رضي الله تعالى عنه ليلة تسع عشرة وقيل هي في العشر الأوسط والعشر الأخير وقيل في أشفاع العشر الأواخر وقيل في النصف من شعبان
وقال الشيعة إنها رفعت وكذا حكى المتولي في ( التتمة ) عن الروافض وكذا حكى الفاكهاني في ( شرح العمدة ) عن الحنفية قلت هذا النقل عن الحنفية غير صحيح وقوله التمسوها في كذا وكذا يرد عليهم وقد روى عبد الرزاق من طريق داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن خنيس قلت لأبي هريرة زعموا أن ليلة القدر رفعت قال كذب من قال ذلك وقال ابن حزم فإن كان الشهر تسعا وعشرين فهي في أول العشر الأخير بلا شك فهي إما في ليلة عشرين أو ليلة إثنين وعشرين أو ليلة أربع وعشرين أول ليلة ست وعشرين أو ليلة ثمان وعشرين وإن كان الشهر ثلاثين فأول العشر الأواخر بلا شك إما ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين أو ليلة خمس أو ليلة سبع أو ليلة تسع وعشرين في وترها وعن ابن مسعود أنها ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة بدر وحكاه ابن أبي عاصم أيضا عن زيد بن أرقم
وقيل إن ليلة القدر خاصة بسنة واحدة وقعت في زمن النبي وحكاه الفاكهي وقيل خاصة بهذه الأمة ولم تكن في الأمم قبلهم جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله عن الجمهور صاحب ( العدة ) من الشافعية ورجحه ويرد عليهم ما رواه النسائي من حديث أبي ذر حيث قال فيه قلت يا رسول الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال بل هي باقية فإن قلت روى مالك في ( الموطأ ) بلغني أن رسول الله تقاصر أعمار أمته عن أعمار الأمم الماضية فأعطاه الله تعالى ليلة القدر قلت هذا محتمل للتأويل فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر وذكر بعضهم فيها خمسة وأربعين قولا وأكثرها يتداخل وفي الحقيقة يقرب من خمسة وعشرين فإن قلت ما وجه هذه الأقوال قلت مفهوم العدد لا اعتبار له فلا منافاة وعن الشافعي والذي عندي أنه كان يجيب على نحو ما يسأل عنه يقال له نلتمسها في ليلة كذا فيقول التمسوها في ليلة كذا وقيل إن رسول الله لم يحدث بميقاتها جزما فذهب كل واحد من الصحابة بما سمعه والذاهبون إلى سبع وعشرين هم الأكثرون
122 - ( حدثنا معاذ بن فضالة قال حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة قال سألت أبا سعيد وكان لي صديقا فقال اعتكفنا مع النبي العشر الأوسط من رمضان فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها أو نسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين فمن كان اعتكف مع رسول الله فليرجع فرجعنا وما نرى في السماء قزعة فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد وكان من جريد النخل وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته )
مطابقته للترجمة في قوله فالتمسوها في العشر الأواخر وهذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع متعددة منها في كتاب الصلاة في باب السجود على الأنف في الطين فإنه أخرجه هناك عن موسى عن همام بن يحيى عن أبي سلمة وهنا أخرجه عن معاذ بن فضالة بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن

(11/132)


وقد مر الكلام فيه في باب السجود على الأنف في الطين ونتكلم أيضا زيادة للبيان فقوله أبا سعيد هو الخدري واسمه سعد بن مالك وهنا لم يذكر المسؤل عنه في هذه الطريق وفي رواية علي بن المبارك تأتي في الاعتكاف سألت أبا سعيد هل سمعت رسول الله يذكر ليلة القدر فقال نعم فذكر الحديث وفي رواية مسلم من طريق معمر عن يحيى تذاكرنا ليلة القدر في نفر من قريش فأتيت أبا سعيد فذكره وفي رواية همام عن يحيى في باب السجود في الماء والطين من صفة الصلاة انطلقت إلى أبي سعيد فقلت ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدث فخرج فقلت حدثني ما سمعت من النبي في ليلة القدر فأفاد بيان سبب السؤال قوله اعتكفنا مع النبي العشر الأوسط هكذا وقع في أكثر الروايات والمراد من العشر الليالي وكان من حقها أن توصف بلفظ التأنيث لأن المشهور في الاستعمال تأنيث العشر وأما تذكيره فهو باعتبار الوقت أو الزمان ووقع في الموطأ العشر الوسط بضم الواو وفتح السين جمع وسطى مثل كبر وكبرى ورواه الباجي في الموطأ بإسكانها على أنه جمع واسط كبازل وبزل ووقع في رواية محمد بن إبراهيم في الباب الذي يليه كان يجاوز العشر التي في وسط الشهر وفي رواية مالك الآتية في أول الاعتكاف كان يعتكف وفي رواية لمسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد اعتكف العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له قال فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد وزاد في رواية عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم أنه اعتكف العشر الأول ثم اعتكف العشر الأوسط ثم اعتكف العشر الأواخر ومثله في رواية همام المذكورة وزاد فيها أن جبريل عليه السلام أتاه في المرتين فقال له إن الذي تطلب أمامك بفتح الهمزة أي قدامك قال الطيبي وصف الأول والأوسط بالمفرد والأخير بالجمع إشارة إلى تصور ليلة القدر في كل ليلة من ليالي العشر الأخير دون الأولين قوله فخرج صبيحة عشرين فخطبنا ( فإن قلت ) يشكل على هذا رواية مالك من حديث أبي سعيد على ما يأتي فإن فيه كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه ( قلت ) معنى قوله وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها أي من الصبح الذي قبلها فيكون في إضافة الصبح إليها تجوز ويوضحه أن في رواية الباب الذي يليه فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي وتستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه قوله وقال إني أريت على صيغة المجهول من الرؤيا أي أعلمت بها أو من الرؤية أي أبصرتها وإنما أرى علامتها وهو السجود في الماء والطين كما وقع في رواية همام في باب السجود على الأنف في الطين قوله ثم أنسيتها من الإنساء قوله أو نسيتها شك من الراوي من التنسية فالأول من باب الأفعال والثاني من باب التفعيل والمعنى أنه أنسى علم تعيينها في تلك السنة وسيأتي سبب النسيان في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه بعد باب وقال الكرماني وأنسيتها وفي بعضها من النسيان ثم قال ( فإن قلت ) إذا جاز النسيان في هذه المسألة جاز في غيرها فيفوت منه التبليغ إلى الأمة ( قلت ) نسيان الأحكام التي يجب عليه التبليغ لها لا يجوز ولو جاز ووقع لذكره الله تعالى قوله في الوتر أي أوتار الليالي كليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين لا في إشفاعها قوله إني أسجد وفي رواية الكشميهني أن أسجد قوله فليرجع أي إلى معتكفه في العشر الأوسط لأنهم كانوا معتكفين في العشر المتقدم على العشر الأخر قوله قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وهي القطعة الرقيقة من السحاب قوله فمطرت بالفتحات ويأتي في الباب الذي يليه من وجه آخر فاستهلت السماء فأمطرت قوله حتى سال سقف المسجد وفيه مجاز من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال كما يقال سال الوادي وفي رواية مالك فوكف المسجد أي قطر الماء من سقفه قوله وكان من جريد النخل الجريد سعف النخل سميت به لأنه قد جرد عنه خوصه
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه ترك مسح جبهة المصلي من أثر التراب وفيه جواز السجود في الطين وفيه الأمر بطلب الأولى والإرشاد إلى تحصيل الأفضل وفيه أن النسيان جائز على النبي لكن لا في الأحكام كما مر ذكره وفيه جواز استعمال لفظ رمضان بدون ذكر شهر وفيه استحباب الاعتكاف وترجيحه في العشر الأخير

(11/133)


وفيه ترتب الحكم على رؤيا الأنبياء عليهم السلام وفيه تقديم الخطبة على التعليم وتقريب البعيد في الطاعة وتسهيل المشقة فيها بحسن التلطف والتدريج إليها -
3 -
( باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر )
أي هذا باب في بيان طلب ليلة القدر بالاجتهاد في الوتر من العشر الأواخر مثل الحادي والعشرين والثالث والعشرين والخامس والعشرين والسابع والعشرين والتسع والعشرين وأشار بهذه الترجمة إلى أن ليلة القدر منحصرة في العشر الأخير من رمضان لا في ليلة منه بعينها وروى مسلم والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها فالتمسوها في العشر الغوابر وروى الطبراني في ( الكبير ) من رواية عاصم بن كليب عن أبيه أن خاله الفلتان بن عاصم أخبره أن رسول الله قال أما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر وروى النسائي من حديث طويل لأبي ذر وفيه في السبع الأواخر وروى الترمذي من حديث أبي بكرة سمعت النبي يقول التمسوها في تسع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث تبقين أو آخر ليلة وقال حديث حسن صحيح ورواه النسائي أيضا والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وروى ابن أبي عاصم بسند صالح عن معاذ ابن جبل رضي الله تعالى عنه سئل رسول الله عن ليلة القدر فقال في العشر الأواخر في الخامسة أو السابعة وعن أبي الدرداء بسند فيه ضعف قال رسول الله التمسوها في العشر الأواخر من رمضان فإن الله تعالى يفرق فيها كل أمر حكيم وفيها أنزلت التوراة والزبور وصحف موسى والقرآن العظيم وفيها غرس الله الجنة وجبل طينة آدم عليه الصلاة و السلام
وقد ورد لليلة القدر علامات منها في ( صحيح مسلم ) عن أبي بن كعب أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها ومنها ما رواه البزار في ( مسنده ) من حديث جابر بن سمرة قال قال رسول الله التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر فإني قد رأيتها فنسيتها وهي ليلة مطر وريح أو قال قطر وريح وقال أبو عمر في ( الاستذكار ) هذا يدل على أنه أراد في ذلك العام ومنها ما رواه ابن حبان في ( صحيحه ) عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله إني كنت أريت ليلة القدر ثم نسيتها وهي في العشر الأواخر وهي طلقة بلجة لا جارة ولا باردة كأن فيها قمرا يفصح كواكبها لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها ومنها ما رواه أحمد من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا أنها صافية بلجة كأن فيها قمرا ساطعا ساكنة ضاحية لا حر فيها ولا برد ولا يحل لكوكب يرمي به فيها وأن من أمارتها أن الشمس في صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ ومنها ما رواه لبن أبي شيبة من حديث ابن مسعود إن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان إلا صبحية ليلة القدر ومنها ما رواه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا أن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى ومنها ما رواه ابن أبي حاتم من طريق مجاهد لا يرسل فيها شيطان ولا يحدث داء ومن طريق الضحاك يقبل الله التوبة فيها من كل تائب وتفتح فيها أبواب السماء وهي من غروب الشمس إلى طلوعها وذكر الطبري عن قوم أن الأشجار في تلك الليلة تسقط إلى الأرض ثم تعود إلى منابتها وأن كل شيء يسجد فيها وروى البيهقي في فضائل الأوقات من طريق الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة أنه سمعه يقول إن المياه المالحة تعذب تلك الليلة وروى أبو عمر من طريق زهرة بن معبد نحوه
فيه عبادة
أي في هذا الباب حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه ويجيء في الباب الذي يليه ويروى فيه عن عبادة
7102 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) قال حدثنا ( أبو سهيل ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله قال تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان

(11/134)


مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم الأنصاري المؤدب المديني وأبو سهيل اسمه نافع بن مالك ابن أبي عامر الأصبحي المديني عم مالك بن أنس وليس لأبيه في الصحيح عن عائشة غير هذا الحديث
قوله تحري من التحري وهو الطلب بالاجتهاد
8102 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) قال حدثني ( ابن أبي حازم والدراوردي ) عن ( يزيد ) عن ( محمد بن إبراهيم ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال كنت أجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر وقد رأيتني أسجد في ماء وطين فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني نظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلىء طينا وماء
مطابقته للترجمة في قوله فابتغوها في العشر الأواخر وإبراهيم بن حمزة أبو إسحاق الزبيري الأسدي المديني وهو من أفراده وابن أبي حازم هو عبد العزيز بن أبي حازم واسم أبي حازم سلمة بن دينار والدراوردي بالمهملات هو عبد العزيز بن محمد فنسبته إلى دراورد قرية من قرى خراسان ويزيد من الزيادة هو ابن الهاد وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي ومحمد بن إبراهيم بن الحارث أبو عبد الله التيمي القرشي المديني
قوله يجاور أي يعتكف قوله التي في وسط الشهر وفي رواية الكشميهني وسط الشهر بدون كلمة في قوله فإذا كان حين يمسي بالرفع اسم كان وبالنصب ظرف قوله تمضي في محل النصب على أنها صفة لقوله ليلة التي هي منصوبة على التمييز قوله ويستقبل عطف على قوله يمسي لا على قوله تمضي وهو بالإفراد رواية الكشميهني وفي رواية غيره يمضين بالجمع قوله ورجع من كان يجاور معه أي من كان يعتكف مع النبي وكلمة من فاعل قوله رجع قوله ثم بدا لي أي ظهر لي من الرأي أو من الوحي قوله العشر الأواخر وإنما وصف العشر بالأواخر باعتبار جنس الأعشار كما يقال الدرهم البيض وأيام العشر الأواخر فوصفه باعتبار الأيام قوله فليثبت من الثبات وهو رواية الأكثرين ويروي فليلبث من اللبث وهو المكث قوله وقد أريت بضم الهمزة على بناء المجهول قوله ثم أنسيتها بضم الهمزة من الإنساء من باب الأفعال قوله فابتغوها بالباء الموحدة والغين المعجمة ومعناه اطلبوها قوله وقد رأيتني بضم التاء اجتمع فيه الفاعل والمفعول ضميران لشيء واحد وهذا من خصائص أفعال القلوب والتقدير رأيت نفسي قوله فاستهلت السماء من الاستهلال يقال استهلت السماء إذا أمطرت بشدة وصوت ومنه استهل الهلال إذا رفع الصوت بالتكبير عند رؤيته قوله فأمطرت تأكيد لما قبله لأن استهلت تتضمن معنى أمطرت قوله فوكف المسجد من قولهم وكف الدمع إذا تقاطر وكذا وكف البيت قوله فبصرت عيني هو مثل أخذت بيدي وإنما يؤكد بذلك في أمر يعز الوصول إليه إظهارا للتعجب من حصول تلك الحالة الغريبة قوله ثم نظرت إليه أي إلى النبي قوله ووجهه ممتلىء جملة إسمية وقعت حالا قوله طينا نصب على التمييز وماء عطف عليه

(11/135)


9102 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها عن النبي قال التمسوا ح ( انظر الحديث 7102وطرفه )
2202 - حدثنا ( عبد الله بن أبي الأسود ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( عاصم ) عن ( أبي مجلز وعكرمة ) قال ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله هي في العشر هي في تسع يمضين أو في سبع يبقين يعني ليلة القدر ( انظر الحديث 1202 )

(11/136)


مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله هو ابن محمد بن أبي الأسود واسمه حميد البصري الحافظ مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين وهو من أفراده وعبد الواحد بن زياد وعاصم هو ابن سليمان الأحول البصري وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وفي آخره زاي واسمه لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري وقد مر فيما مضى
قوله هي أي ليلة القدر في العشر قوله هي في تسع إلى آخره بيان للعشر أي في ليلة التاسع والعشرين قوله أو سبع يبقين أي ليلة السابع والعشرين وفي رواية الأكثرين هنا في تسع بالتاء المثناة من فوق قبل السين مقدما وبعده في سبع بتقديم السين قبل الباء الموحدة وبلفظ المضي في الأول ولفظ البقاء في الثاني وللكشميهني بلفظ المضي فيهما وفي رواية الإسماعيلي بتقديم السين في الموضعين وقال الكرماني وأما رواية في سبع يبقين فيحتمل ليلة الثالث والعشرين أو هي مع سائر الليالي التي بعدها إلى آخر الشهر كلهن وقد قيل إن هذا الحديث الذي ذكره البخاري مرفوعا موقوف رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول قال ابن عباس دعا عمر رضي الله تعالى عنه أصحاب رسول الله وسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر قال ابن عباس لعمر إني لا أعلم أو أظن أي ليلة هي قال عمر رضي الله تعالى عنه أي ليلة هي فقلت سابغة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال من أين علمت ذلك قلت خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور في سبع والإنسان خلق من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها فقال عمر لقد فطنت لأمر ما فطنا له وله طريق آخر أخرجها إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) والحاكم في ( مستدركه ) والبيهقي عنه في ( سننه ) من رواية عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه عن ابن عباس قال كان عمر بن الخطاب يدعوني مع أصحاب محمد ويقول لي لا تتكلم حتى يتكلموا قال فدعاهم وسألهم عن ليلة القدر فقال أرأيتم قول رسول الله التمسوها في العشر الأواخر أي ليلة نزولها قال فقال بعضهم ليلة ثلاث وقال آخر خمس وأنا ساكت فقال ما لك لا تتكلم قال فقلت أحدثكم برأيي قال عن ذلك نسألك قال فقلت السبع رأيت الله ذكر سبع سموات ومن الأرض سبعا وخلق الإنسان من سبع ونبات الأرض سبع وذكر بقيته فقال عمر ما أرى القول إلا كما قلت وقال في آخره فقال عمر أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام الذي ما استوت شؤون رأسه ورواه محمد بن نصر في قيام الليل من هذا الوجه وزاد فيه وأن الله جعل النسب في سبع والطهر في سبع ثم تلا حرمت عليكم أمهاتكم ( النساء 32 )
تابعه عبد الوهاب عن أيوب
أي تابع وهيبا عبد الوهاب الثقفي في روايته عن أيوب السختياني ووصل هذه المتابعة أحمد وابن أبي عمر في ( مسنديهما ) عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب متابعا لوهيب في إسناده ولفظه وهذه المتابعة وقعت عند الأكثرين من رواية الفربري وعند النسفي وقعت عقيب طريق وهيب عن أيوب
وعن خالد عن عكرمة عن ابن عباس التمسوا في أربع وعشرين
أي وروى عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قيل هذه موصولة بالإسناد الأول وإنما حذفها أصحاب المسندات لكونها موقوفة قلت جزم الحافظ المزني بأن طريق خالد هذه معلقة وروى أنس أنه كان يتحرى ليلة القدر ثلاثة وعشرين وليلة أربع وعشرين وقال ابن حبيب يتحرى يتم الشهر أو ينقص فيتحراها في ليلة من السبع البواقي فإن كان تاما فهي ليلة أربع وعشرين وإن كان ناقصا فثلاث ولعل ابن عباس إنما قصد في الأربع احتياطا وروى أحمد في ( مسنده ) من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال أتيت وأنا نائم فقيل لي الليلة ليلة القدر فقمت وأنا ناعس فتعلقت ببعض أطناب رسول الله فإذا هو يصلي قال فنظرت في تلك الليلة فإذا هي ليلة أربع وعشرين وروى الطيالسي من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا ليلة القدر ليلة أربع وعشرين روى ذلك عن ابن مسعود والشعبي والحسن وقتادة وحجتهم حديث واثلة أن القرآن نزل لأربع وعشرين

(11/137)


من رمضان وروى أحمد من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن الصنابحي عن بلال مرفوعا التمسوا ليلة القدر ليلة أربع وعشرين قال أخطأ ابن لهيعة في رفعه فقد رواه عمرو بن الحارث عن يزيد بهذا الإسناد موقوفا بغير لفظه
4 -
( باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس )
أي هذا باب في بيان رفع معرفة ليلة القدر وإنما قيد بالمعرفة لئلا يظن أنها رفعت بالكلية وإنما رفعت معرفتها أي معرفة تعيينها قوله لتلاحي الناس أي لأجل مخاصمتهم والتلاحي والملاحات المخاصمة والمعاولة يقال لحيت الرجل الحاه لحيا إذا لمته وعذلته ولاحيته ملاحاة ولحاء إذا نازعته
3202 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( خالد بن الحارث ) قال حدثنا ( حميد ) قال حدثنا ( أنس ) عن ( عبادة بن الصامت ) قال خرج النبي ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ( انظر الحديث 94 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا وخالد بن الحارث الهجيمي مر في الجمعة
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس عن عبادة بن الصامت وقد مر الكلام فيه هناك قوله أنس بن عبادة بن الصامت وهناك أنس أخبرني عبادة بن الصامت كذا رواه أكثر أصحاب حميد عن أنس عن عبادة ورواه مالك فقال عن حميد عن أنس قال خرج علينا ولم يقل عن عبادة فجعل الحديث من مسند أنس وقال أبو عمر والصواب إثبات عبادة وأن الحديث من مسنده
قوله فتلاحى رجلان وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد عند مسلم فجاء رجلان يختصمان معهما الشيطان قوله فلان وفلان قيل هما عبد الله بن أبي حدرد وكعب بن مالك قوله فرفعت أي من قلبي فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين وقيل المعنى رفعت بركتها في تلك السنة وقيل التاء في رفعت للملائكة لا لليلة
وقال الطيبي قال بعضهم رفعت أي معرفتها والحامل له على ذلك أن رفعها مسبوق بوقوعها فإذا وقعت لم يكن لرفعها معنى قال ويمكن أن يقال المراد برفعها أنها شرعت أن تقع فلما تخاصما رفعت فنزل الشروع منزلة الوقوع انتهى قلت هذا القول الذي نقله الطيبي هو موافق للترجمة على ما لا يخفى فإن قلت هذا الحديث يدل على أن سبب الرفع هو ملاحاة الرجلين وقد روى مسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال أريت ليلة القدر ثم أيقظني أهلي فنسيتها وهذا يدل على أن سبب الرفع هو النسيان قلت يمكن أن يحمل على التعدد بأن تكون الرؤيا في حديث أبي هريرة مناما فيكون سبب النسيان الإيقاظ وأن تكون الرؤيا في حديث غيره في اليقظة فيكون سبب النسيان ما ذكر من المخاصمة ويمكن أن يحمل على اتحاد القضية ويكون النسيان وقع مرتين عن سببين فإن قلت لما تقرر أن الذي ارتفع علم تعيينها في تلك السنة فهل أعلم النبي بعد ذلك بتعيينها قلت روي عن ابن عيينة أنه أعلم بعد ذلك بتعيينها فإن قلت روى محمد بن نصر من طريق واهب المعافري أنه سأل زينب بنت أم سلمة هل كان رسول الله يعلم ليلة القدر فقالت لا لو علمها لما قام الناس في غيرها قلت الذي قالته زينب إنما قالته احتمالا وهذا لا ينافي علمه بذلك
قوله وعسى أن يكون خيرا لكم يريد أن البحث عنها والطلب لها بكثير من العمل هو خير من هذه الجهة قاله ابن بطال وقال ابن التين لعله يريد أنه لو أخبرهم بعينها لأقلوا من العمل في غيرها وأكثروه فيها وإذا غيبت عنهم أكثروا العمل في سائر الليالي رجاء موافقتها قوله فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة يحتمل أن يريد بالتاسعة تاسع ليلة من العشر الأخير فتكون ليلة تسع وعشرين ويحتمل أن يريد بها تاسع ليلة تبقى من الشهر فيكون ليله إحدى أو ثنتين بحسب تمام الشهر ونقصانه

(11/138)


5 -
( باب العمل في العشر الأواخر من رمضان )
أي هذا باب في بيان الاجتهاد في العمل في العشر الأواخر من شهر رمضان وفيه رواية المستملي في رمضان
4202 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان بن عيينة ) عن ( أبي يعفور ) عن ( أبي الضحى ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله
مطابقته للترجمة من حيث إن شد المئزر وإحياء الليل وإيقاظ الأهل كلها من العمل في العشر الأواخر
ذكر رجاله وهم ستة الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني الثاني سفيان بن عيينة الثالث أبو يعفور بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وضم الفاء وبالراء منصرفا اسمه عبد الرحمن بن عبيد البكائي العامري الرابع أبو الضحى مسلم بن صبيح مصغر الصبح الخامس مسروق بن الأجدع السادس عائشة أم المؤمنين
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه رواية التابعي عن التابعي ثلاثة في نسق واحد عن الصحابية وذلك لأن أبا يعفور تابعي صغير ولهم أبو يعفور آخر اسمه وقدان تابعي كبير ومسروق تابعي كبير وفيه عن سفيان عن أبي يعفور وفي رواية أحمد عن ابن عبيد بن نسطاس وهو أبو يعفور لأنه عبد الرحمن بن عبيد كما ذكرنا وعبيد بن نسطاس وفيه اثنان مذكوران باسمهما من غير نسبة واثنان مذكوران بالكنى أحدهما بيعفور وهو الظبي وقيل الخشف والآخر بالضحى وهو فوق الضحوة وهو ارتفاع أول النهار وفيه أن شيخه بصري وسفيان مكي والبقية كوفيون
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن إسحاق بن إبراهيم وابن إبي عمر وأخرجه أبو داود في الصلاة عن نصر بن علي وداود بن أمية وأخرجه النسائي فيه وفي الاعتكاف عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرىء وأخرجه ابن ماجه في الصوم عن عبد الله بن محمد الزهري
ذكر معناه قوله إذا دخل العشر أي العشر الآخر وصرح به في حديث علي عند ابن أبي شيبة قوله شد مئزره أي إزاره كقولهم ملحفة ولحاف وهو كناية إما عن ترك الجماع وإما عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد لها زائدا على ما هو عادته وأما عنهما كليهما معا ولا ينافي إرادة الحقيقة أيضا بأن شد مئزره ظاهرا أيضا وجزم عبد الرزاق عن الثوري أن المراد به الاعتزال من النساء واستشهد بقول الشاعر
( قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم
عن النساء ولو باتت بأطهار )
وذكر ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه وفي ( التلويح ) المئزر والإزار ما يأتزر به الرجل من أسفله وهو يذكر ويؤنث وهو كناية عن الجد والتشمير في العبادة وعن الثوري أنه من ألطف الكنايات عن اعتزال النساء وقال القرطبي وقد ذهب بعض أئمتنا إلى أنه عبارة عن الاعتكاف قال وفيه بعد لقوله أيقظ أهله وهذا يدل على أنه كان معهم في البيت وهو كان في حال اعتكافه في المسجد وما كان يخرج منه إلا لحاجة الإنسان على أنه يصح أن يوقظهن من موضعه من باب الخوخة التي كانت له إلى بيته في المسجد وقال صاحب ( التلويح ) يحتمل أيضا أن يكون قوله يوقظ أهله أي المعتكفة معه في المسجد ويحتمل أن يوقظهن إذا دخل البيت لحاجته قوله وأحيا ليله يعني باجتهاده في العشر الآخر من رمضان لاحتمال أن يكون الشهر إما تاما وإما ناقصا فإذا أحيى ليالي العشر كلها لم يفته منها شفع ولا وتر وقيل لأن العشر آخر العمل فينبغي أن يحرص على تجويد الخاتمة ونسبة الإحياء إلى الليل مجاز فإذا سهر فيه للطاعة فكأنه أحياء لأن النوم أخو الموت ومنه قوله لا تجعلوا بيوتكم قبورا أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور قال شيخنا وفي حديث عائشة في ( الصحيح ) إحياء الليل كله والظاهر والله أعلم معظم الليل بدليل قولها في الحديث الصحيح ما علمته قام ليلة حتى الصباح وقال النووي وقولها أحيا الليل أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها قال وفيه

(11/139)


استحباب إحياء لياليه بالعبادات قال وأما قول أصحابنا يكره قيام الليل فمعناه الدوام عليه ولم يقولوا بكراهة ليلة وليلتين والعشر ولهذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتي العيد وغير ذلك قوله وأيقظ أهله أي للصلاة والعبادة وروى الترمذي من حديث علي رضي الله تعالى عنه أن النبي كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وقال هذا حديث حسن صحيح وروى أيضا من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها وقال هذا حديث حسن صحيح وروى محمد بن نصر من حديث زينب بنت سلمة لم يكن النبي إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه
33 -
( كتاب الاعتكاف )
أي هذا كتاب في بيان الاعتكاف وأحواله وهذا بالبسملة ولفظ الكتاب في رواية النسفي ولم يقع هذا في رواية غيره إلا في رواية المستملي وقعت البسملة بعد قوله أبواب الاعتكاف وهو في اللغة اللبث مطلقا ويقال الاعتكاف والعكوف الإقامة على الشيء وبالمكان ولزومها في اللغة ومنه يقال لمن لازم المسجد عاكف ومعتكف هكذا ذكره ابن الأثير في ( النهاية ) وفي ( المغني ) هو لزوم الشيء وحبس النفس عليه برا كان أو غيره ومنه قوله تعالي ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ( الأنبياء 25 ) وقوله تعالى يعكفون على أصنام لهم ( الأعراف 831 ) وقوله تعالى وانظر إلى إلاهك الذي ظلت عليه عاكفا ( طه 79 ) وفي الشرع الاعتكاف الإقامة في المسجد واللبث فيه على وجه التقرب إلى الله تعالى على صفة يأتي ذكرها قال الجوهري عكفه أي حبسه يعكفه بضم عينها وكسرها عكفا وعكف على الشيء يعكف عكوفا أي أقبل عليه مواظبا يستعمل لازما فمصدره عكوف ومتعديا فمصدره عكف والاعتكاف مستحب قاله في بعض كتب أصحابنا وفي ( المحيط ) سنة مؤكدة وفي ( المبسوط ) قربة مشروعة وفي ( منية المفتي ) سنة وقيل قربة وفي ( التوضيح ) قام الإجماع على أن الاعتكاف لا يجب إلا بالنذر
فإن قلت كان الزهري يقول عجبا من الناس كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله كان يفعل الشيء ويتركه وما ترك الاعتكاف حتى قبض قلت قال أصحابنا إن أكثر الصحابة لم يعتكفوا وقال مالك لم يبلغني أن أبا بكر وعمر وعثمان وابن المسيب ولا أحدا من سلف هذه الأئمة اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن وأراهم تركوه لشدته لأن ليله ونهاره سواء وفي ( المجموعة ) للمالكية تركوه لأنه مكروه في حقهم إذ هو كالوصال المنهي وأقل الاعتكاف نفلا يوم عند أبي حنيفة وبه قال مالك وعند أبي يوسف أكثر اليوم وعند محمد ساعة وبه قال الشافعي وأحمد في رواية وحكى أبو بكر الرازي عن مالك أن مدة الاعتكاف عشرة أيام فيلزم بالشروع ذلك في ( الجلاب ) أقله يوم والاختيار عشرة أيام وفي ( الإكمال ) استحب مالك أن يكون أكثره عشرة أيام وهذا يرد نقل الرازي عنه وقال أبو البركات بن تيمية الحنبلي وقالت الأئمة الأربعة وأتباعهم الصوم من شرط الاعتكاف الواجب وهو مذهب علي وابن عمر وابن عباس وعائشة والشعبي والنخعي ومجاهد والقاسم بن محمد ونافع وابن المسيب والأوزاعي والزهري والثوري والحسن بن حي وقال عبد الله بن مسعود وطاووس وعمر بن عبد العزيز وأبو ثور وداود وإسحاق وأحمد في رواية إن الصوم ليس بشرط في الواجب والنفل وبه قال الشافعي وأحمد وما ذكره أبو البركات قول قديم للشافعي واحتجوا بما روي عن ابن عباس أنه قال ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه ورواه الدارقطني قال ورفعه أبو بكر محمد بن إسحاق السوسي وغيره لا يرفعه وهو شيخ الدارقطني لكنه خالف الجماعة في رفعه مع أن النافي لا يحتاج إلى دليل واحتجت الطائفة الأولى بحديث عائشة الذي رواه أبو داود وفيه لا اعتكاف إلا بصوم والمراد به الاعتكاف في الواجب وعند الحنفية الصوم شرط لصحة الواجب منه رواية واحدة ولصحة التطوع فيما روى الحسن عن أبي حنيفة فلذلك قال أقله يوم والمراد به الاعتكاف مطلقا عند أصحابنا لأن من شرط الاعتكاف الصوم مطلقا فإن قلت روى البخاري على ما يأتي أن عمر

(11/140)


سأل النبي قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فأوف بنذرك فهذا يدل على جواز الاعتكاف بغير صوم لأن الليل لا يصلح ظرفا للصوم قلت عند مسلم يوما بدل ليلة وأيضا روى النسائي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف في الجاهلية فأمره رسول الله أن يعتكف ويصوم وأيضا هذا محمول على أنه كان نذر يوما وليلة بدليل أن في لفظ مسلم عن ابن عمر أنه جعل على نفسه يوما يعتكفه فقال أوف بنذرك وقال ابن بطال أصل الحديث قال عمر إني نذرت أن أعتكف يوما وليلة في الجاهلية فنقل بعض الرواة ذكر الليلة وحدها ويجوز للراوي أن ينقل بعض ما سمع وفي ( الذخيرة ) أن الصوم كان في أول الإسلام بالليل ولعل ذلك كان قبل نسخه وقال النووي قد تقرر أن النذر الجاري في الكفر لا ينعقد على الصحيح فلم يكن ذلك شيئا واجبا عليه وقال المهلب كل ما كان في الجاهلية من الأيمان والطلاق وجميع العقود يهدمها الإسلام ويسقط حرمتها فيكون الأمر بذلك أمر استحباب كيلا يكون خلفا في الوعد وقال ابن بطال محمول عند الفقهاء على الحض والندب لأن الإسلام يجب ما قبله
( أبواب الإعتكاف )
أي هذه أبواب الاعتكاف هكذا هو في رواية المستملي وليس لغيره ذلك إلا لفظ كتاب في الاعتكاف في رواية النسفي والمراد بالأبواب الأنواع لأن في كل باب نوعا من أحكام الاعتكاف وقد ذكرنا فيما مضى أن الكتاب يجمع الأبواب والأبواب تجمع الفصول
1 -
( باب الإعتكاف في العشر الأواخر )
أي هذا باب في بيان الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وقد ورد الاعتكاف بلفظ المجاورة ففي الصحيح من حديث أبي سعيد كان رسول الله يجاور في العشر الأوسط من رمضان الحديث وفي ( الصحيح ) في قصة بدء الوحي أنه كان يجاور بحراء
وقد اختلفوا هل المجاورة الاعتكاف أو غيره فقال عمرو بن دينار الجوار والاعتكاف واحد وسئل عطاء بن أبي رباح أرأيت الجوار والاعتكاف أمختلفان هما أو شيء واحد قال بل هما مختلفان كانت بيوت النبي في المسجد فلما اعتكف في شهر رمضان خرج من بيوته إلى بطن المسجد فاعتكف فيه قلت له فإن قال إنسان علي اعتكاف أيام ففي جوفه لا بد قال نعم وإن قال علي جوار أيام فبابه أو في جوفه إن شاء هكذا رواه عبد الرزاق في ( المصنف ) عنهما قال شيخنا وقول عمرو بن دينار هو الموافق للأحاديث ولما ذكر صاحب ( الإكمال ) حد الاعتكاف قال ويسمى أيضا جوارا
والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ( البقرة 781 )
والاعتكاف بالجر عطفا على لفظ الاعتكاف الأول وقيده بالمساجد لأنه لا يصح في غير المساجد وجمع المساجد وأكدها بلفظ كلها إشارة إلى أن الاعتكاف لا يختص بمسجد دون مسجد وفيه خلاف فقال حذيفة لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة مسجد مكة والمدينة والأقصى وقال سعيد بن المسيب لا اعتكاف إلا في مسجد نبي وفي ( الصوم ) لابن أبي عاصم بإسناده إلى حذيفة لا اعتكاف إلا في مسجد رسول الله وروى الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام ومسجد المدينة
وذهب هؤلاء إلى أن الآية خرجت على نوع من المساجد وهو ما بناه نبي لأن الآية نزلت على رسول الله وهو معتكف في مسجده فكان القصد والإشارة إلى نوع تلك المساجد مما بناه نبي وذهبت طائفة إلى أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجمعة روي ذلك عن علي وابن مسعود وعروة وعطاء والحسن والزهري وهو قول مالك في ( المدونة ) قال أما من تلزمه الجمعة فلا يعتكف إلا في الجامع وقالت طائفة

(11/141)


الاعتكاف يصح في كل مسجد روي ذلك عن النخعي وأبي سلمة والشعبي وهو قول أبي حنيفة والثوري والشافعي في الجديد وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وهو قول مالك في ( الموطأ ) وهو قول الجمهور والبخاري أيضا حيث استدل بعموم الآية في سائر المساجد وقال صاحب ( الهداية ) الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد الجماعة وعن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه لا يصح إلا في مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس وقال الزهري والحكم وحماد هو مخصوص بالمساجد التي يجمع فيها وفي ( الذخيرة ) للمالكية قال مالك يعتكف في المسجد سواء أقيم فيه الجماعة أم لا وفي ( المنتقى ) عن أبي يوسف الاعتكاف الواجب لا يجوز أداؤه في غير مسجد الجماعة والنفل يجوز أداؤه في غير مسجد الجماعة وفي ( الينابيع ) لا يجوز الاعتكاف الواجب إلا في مسجد له إمام ومؤذن معلوم يصلى فيه خمس صلوات ورواه الحسن عن أبي حنيفة ثم أفضل الاعتكاف ما كان في المسجد الحرام ثم في مسجد النبي ثم في بيت المقدس ثم في المسجد الجامع ثم في المساجد التي يكثر أهلها ويعظم وقال النووي ويصح في سطح المسجد ورحبته كقولنا لأنهما من المسجد
وقال أيضا المرأة لا يصح اعتكافها إلا في المسجد كالرجل وقال ابن بطال قال الشافعي تعتكف المرأة والعبد والمسافر حيث شاؤوا وقال أصحابنا المرأة تعتكف في مسجد بيتها وبه قال النخعي والثوري وابن علية ولا تعتكف في مسجد جماعة ذكره في الأصل وفي ( منية المفتي ) لو اعتكفت في المسجد جاز وفي ( المحيط ) روى الحسن عن أبي حنيفة جوازه وكراهته في المسجد وفي ( البدائع ) لها أن تعتكف في مسجد الجماعة في رواية الحسن عن أبي حنيفة ومسجد بيتها أفضل لها من مسجد حيها ومسجد حيها أفضل لها من المسجد الأعظم قوله لقوله تعالى ولا تباشروهن ( البقرة 781 ) الآية وجه الدلالة من الآية أنه لو صح في غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة به لأن الجماع مناف للاعتكاف بالإجماع فعلم من ذكر المساجد أن المراد بالمباشرة أن الإعتكاف لايكون ألا فيها ونقل ابن المنذر الاجماع على أن المراد في الآية الجماع وقال علي بن طلحة عن ابن عباس هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان يحرم عليه أن ينكح النساء ليلا أو نهارا حتى يقضي اعتكافه وقال الضحاك كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء فقال الله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ( البقرة 781 ) أي لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المساجد ولا في غيرها وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد إنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت هذه الآية وقال ابن أبي حاتم وروي عن ابن مسعود ومحمد بن كعب ومجاهد وعطاء والحسن وقتادة والضحاك والسدي والربيع بن أنس ومقاتل قالوا لا يقربها وهو معتكف وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفا في مسجده ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بد منها فلا يحل له أن يلبث فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك من غائط أو بول أو أكل وليس له أن يقبل امرأته ولا يضمها إليه ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه ولا يعود المريض لكن يسأل عنه وهو مار في طريقه قوله تلك حدود الله ( البقرة 781 ) أي هذا الذي بيناه وفرضناه وحددناه من الصيام وأحكامه وما أبحنا فيه وما حرمنا وما ذكرنا غاياته ورخصه وعزائمه حدود الله فلا تقربوها ( البقرة 781 ) أي تجاوزوها أو تعتدوها وكان الضحاك ومقاتل يقولان في قوله تلك حدود الله ( البقرة 781 ) أي المباشرة في الاعتكاف قوله كذلك يبين الله آياته ( البقرة 781 ) أي كذلك يبين الله سائر أحكامه على لسان نبيه محمد لعلهم يتقون أي يعرفون كيف يهتدون وكيف يطيعون
5202 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( ابن وهب ) عن ( يونس ) أن ( نافعا ) أخبره عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن عبد الله هو المشهور بإسماعيل بن أبي أويس وأبو أويس اسمه عبد الله المدني ابن اخت مالك بن أنس وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ويونس هو ابن يزيد بن أبي النجاد الأيلي
والحديث

(11/142)


أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح المصري وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان ابن داود الهدي وأخرجه الترمذي من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ومن حديث عروة عن عائشة أن النبي كان اعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله تعالى وأخرجه النسائي أيضا عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق وأخرجه ابن ماجه عن أبي السرح عن ابن وهب وفي الباب عن أبي بن كعب رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي بن كعب أن النبي كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان الحديث وأبو رافع هو الصائغ اسمه نفيع وعن رجل من بني بياضة رواه النسائي عنه أن رسول الله يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاما فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب وأخرجه ابن حبان والحاكم وقال هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
6202 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ابن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي قالت إن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد تكرر ذكرهم والليث هو ابن سعد وعقيل بضم العين هو ابن خالد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن قتيبة عن الليث وأخرجه أبو داود والنسائي جميعا فيه عن قتيبة وحديث عائشة هذا مثل حديث ابن عمر السابق غير أن فيه زيادة وهي قولها حتى توفاه الله ثم اعتكفت أزواجه من بعده وهذه الزيادة تدل على أنه لم ينسخ لقوله حتى توفاه الله تعالى وأكد ذلك بقوله ثم اعتكفت أزواجه من بعده أي استمر حكمه بعده حتى في حق النساء ولا هو من الخصائص
وفيه استحباب الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان وهو مجمع عليه استحبابا مؤكدا في حق الرجال واختلف العلماء في النساء قال النووي وفي هذا الحديث دليل لصحة اعتكاف النساء لأنه كان أذن لهن ولكن عند أبي حنيفة إنما يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيأ لها في بيتها لصلاتها قال ولا يجوز للرجل في مسجد بيته ومذهب أبي حنيفة قول قديم للشافعي ضعيف عند أصحابه
7202 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( يزيد بن عبد الله ابن الهاد ) عن ( محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فبصرت عيناي رسول الله على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين
مطابقته للترجمة في قوله فليعتكف العشر الأواخر والحديث قد مضى عن قريب في باب تحري ليلة القدر في

(11/143)


الوتر من العشر الأواخر فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن حمزة عن ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري وههنا أخرجه عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن يزيد إلى آخره وقد تقدمت مباحثه هناك
قوله إذا كان ليلة إحدى وعشرين يفهم منه أن صدور هذا القول وهو من كان اعتكف كان قبل الحادي والعشرين وسبق في باب تحري ليلة القدر أن صدوره كان بعده حيث قال كان جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها قوله هذه الليلة مفعول به لا ظرف قوله وقد رأيتني أي رأيت نفسي قوله من عريش ويروى على عريش وهو ما يستظل به
2 -
( باب الحائض ترجل المعتكف )
أي هذا باب في بيان أمر الحائض حال كونها ترجل المعتكف أي تمشط وتسرح الشعر وهو من الترجيل والترجيل والترجل تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه والمرجل بكسر الميم المشط وكذلك المسرح بالكسر وقال بعضهم قوله ترجل المعتكف أي تمشطه وتدهنه قلت التدهين ليس داخلا في معنى الترجيل لغة
8202 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض
مطابقته للترجمة في قوله فأرجله وأنا حائض ويحيى هو القطان وهشام هو ابن عروة بن الزبير
قوله يصغي بضم الياء من الإصغاء أي يدني ويميل ورأسه منصوب به قوله وهو مجاور جملة حالية أي معتكف وفي رواية أحمد كان يأتيني وهو معتكف في المسجد فيتكىء على باب حجرتي فأغسل رأسه وسائره في المسجد ويؤخذ منه أن المجاورة والاعتكاف واحد وقد مر الكلام فيه عن قريب
وفيه جواز التنظيف والتطيب والغسل كالترجل والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد وفي ( جوامع الفقه ) له أن يأكل ويشرب بعد الغروب ويحدث وينام ويدهن ويصعد المأذنة وإن كان بابها خارج المسجد ويغسل رأسه ويخرجه إلى باب المسجد فيغسله أهله وذكر أنه يخرج للأكل والشرب بعد الغروب وفيه أن بدن الحائض طاهر إلا موضع الدم إذ لو كان نجسا لما مكنها رسول الله من غسل رأسه وفيه أن يد المرأة ليست بعورة لأن المسجد لا يخلو عن بعض الصحابة فإذا غسلت رأسه شاهدوا يدها وفيه أن الاعتكاف لا يصح في غير المسجد وإلا لكان يخرج منه لترجيل الرأس وفيه أن إخراج البعض لا يجري مجرى الكل ولهذا لو حلف لا يدخل بيتا فأدخل رأسه لم يحنث
3 -
( باب لا يدخل البيت إلا لحاجة )
أي هذا باب يذكر فيه لا يدخل المعتكف البيت إلا لحاجة لا بد له منها
9202 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ل ( يث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة وعمرة بنت عبد الرحمان ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي قالت وإن كان رسول الله ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا
مطابقته للترجمة في قوله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة
والحديث أخرجه مسلم في الطهارة عن قتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه أبو داود في الصوم عن القعنبي وقتيبة وأخرجه الترمذي فيه والنسائي في الاعتكاف جميعا عن قتيبة ثلاثتهم عن الليث وأخرجه ابن ماجه في الصوم عن محمد بن رمح به ولم يذكر قصة الترجيل
قوله عن عروة أي ابن الزبير ابن العوام وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة كذا في رواية الليث جمع بينهما ورواه يونس والأوزاعي عن الزهري عن عروة وحده ورواه مالك عنه عن عروة عن عمرة وقال أبو داود وغيره لم يتابع عليه وذكر البخاري أن عبيد الله بن

(11/144)


عمر تابع مالكا وذكر الدارقطني أن أبا أويس رواه كذلك عن الزهري واتفقوا على أن الصواب قول الليث وأن الباقين اختصروا منه ذكر عمرة وأن ذكر عمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد وقد رواه بعضهم عن مالك فوافق الليث أخرجه النسائي أيضا وقال ابن بطال ولهذه العلة لم يدخل البخاري حديث مالك وإن كان فيه زيادة تفسير لكونه ترجم للحديث بتلك الزيادة إذ كان ذلك عنده معنى الحديث قوله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة وفي رواية مسلم إلا لحاجة الأنسان وفسرها الزهري بالبول والغائط
وقد اتفقوا على استثنائهما واختلفوا في غيرهما من الحاجات مثل عيادة المريض وشهود الجمعة والجنازة فرآه بعض أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم وبه قال الثوري وابن المبارك وقال بعضهم ليس له أن يفعل شيئا من هذا قال الترمذي ورأوا أن للمعتكف إذا كان في مصر يجمع فيه أن لا يعتكف إلا في المسجد الجامع لأنهم كرهوا الخروج من معتكفه إلى الجمعة ولم يروا له أن يترك الجمعة وقال أحمد لا يعود المريض ولا يتبع الجنازة وقال إسحاق إن اشترط ذلك فله أن يتبع الجنازة ويعود المريض واختلفوا في حضور مجالس العلم فذهب مالك إلى أن المعتكف لا يشتغل بحضور مجالس العلم ولا بغير ذلك من القرب مما لا يتعلق بالاعتكاف كما أن المصلي مشغول بالصلاة عن غيرها من القرب فكذلك المعتكف
وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز ذلك بل إلى استحباب الاشتغال بالعلم وحضور مجالس العلم لأن ذلك من أفضل القرب ويجوز له الاشتغال بالصنائع اللائقة بالمسجد كالخياطة والنسخ ونحوهما والكلام المباح مع الناس وعن مالك أنه إذا اشتغل بحرفته في المسجد يبطل اعتكافه وحكى عن القديم للشافعي وخصصه بعضهم بالاعتكاف المنذور
وفي ( البدائع ) يحرم خروجه من معتكفه ليلا أو نهارا إلا لحاجة الإنسان ولا يخرج لأكل ولا شرب ولا نوم ولا عيادة مريض ولا لصلاة جنازة فإن خرج فسد اعتكافه عامدا أو ناسيا بخلاف ما لو أخرج مكرها أو انهدم المسجد فخرج منه فدخل مسجدا آخر استحسانا وفي ( خزانة الأكمل ) لو تحول من مسجد إلى مسجد بطل اعتكافه يعني من غير عذر
وفي ( النتف ) يجوز له أن يتحول إلى مسجد آخر في خمسة أشياء أحدها أن ينهدم مسجده الثاني أن يتفرق أهله فلا يجتمعوا فيه الثالث أن يخرجه منه سلطان الرابع أن يأخذه ظالم الخامس أن يخاف على نفسه وماله من المكابرين
وعند الشافعي خروجه من المسجد مبطل وفي الناسي لا يبطل على الأصح وعند الشافعي يخرج إلى بيته للأكل والشرب ومنعه ابن سريج وابن سلمة كقولنا وكذا له الخروج إلى بيته ليشرب الماء إذا لم يجده في المسجد وإن وجده فخرج فوجهان أصحهما المنع وقال النووي في ( شرح المهذب ) في الاعتكاف الواجب لا يعود مريضا ولا يخرج لجنازة سواء تعينت عليه أم لا في الصحيح وفي التطوع يجوز لعيادة المريض وصلاة الجنائز قال صاحب ( الشامل ) هذا يخالف السنة فإنه كان لا يخرج من الاعتكاف لعيادة المريض وكان اعتكافه نفلا لا نذرا وإن تعين عليه أداء الشهادة وخرج له يبطل اعتكافه وفي ( الذخيرة ) للمالكية يؤديها في المسجد ولا يخرج وقالت الشافعية المسألة على أربعة أحوال الأول أن لا يتعين عليه التحمل ولا الأداء الثاني أن يتعين عليه التحمل دون الأداء فيبطل فيهما والثالث أن يتعين عليه الأداء دون التحمل فيبطل على المذهب والرابع أن يتعين عليه التحمل والأداء فالمذهب أنه لا يبطل
4 -
( باب غسل المعتكف )
أي هذا باب في بيان غسل المعتكف يعني يجوز ولم يذكر الحكم اكتفاء بما في الحديث
0302 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي يباشرني وأنا حائض
وكان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح حكمها وسفيان هو ابن عيينة ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والأسود

(11/145)


هو ابن يزيد النخعي وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في باب مباشرة الحائض فإنه أخرج هناك عن قبيصة عن سفيان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة الحديث وأخرج بعضه أيضا في باب غسل الحائض زوجها وترجيله
قوله فاغسله وفي رواية للنسائي فأغسله بخطمي
5 -
( باب الاعتكاف ليلا )
أي هذا باب في بيان حكم الاعتكاف
ليلا بغير نهار
2302 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( عبيد الله ) قال أخبرني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن عمر سأل النبي قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فأوف بنذرك
مطابقته للترجمة في قوله كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة ويحيى بن سعيد هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر العمري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتكاف عن إسماعيل بن عبد الله على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن أبي بكر وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل عن يحيى ابن سعيد وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن منصور عن يحيى به وأخرجه النسائي فيه وفي الاعتكاف عن إسحاق بن موسى الأنصاري وعن يعقوب بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه في الصيام عن إسحاق بن موسى الخطمي وفي الكفارات عن أبي بكر بن أبي شيبة به
قوله حدثنا مسدد كذا رواه مسدد من مسند ابن عمر ووافقه المقدمي وغيره عند مسلم وغيره وخالفهم يعقوب بن إبراهيم عن يحيى فقال عن ابن عمر عن عمر أخرجه النسائي وكذا أخرجه أبو داود لكنه في المسند كما قال مسدد قوله أن عمر سأل النبي ولم يذكر موضع السؤال وسيأتي في النذر من وجه آخر أن ذلك كان بالجعرانة لما رجعوا من حنين وفيه الرد على من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل المنع من الصيام في الليل لأن غزوة حنين متأخرة عن ذلك قوله كنت نذرت في الجاهلية وفي رواية مسلم من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله فلما أسلمت سألت ( ) وفي رواية الدارقطني موضع في الجاهلية في الشرك قوله أن اعتكف ليلة قال الكرماني فيه أنه لا يشترط الصوم لصحة الاعتكاف انتهى لأن الليل ليس ظرفا للصوم فلو كان شرطا لأمره النبي به ويرد عليه بأن في رواية شعبة عن عبيد الله عند مسلم يوما بدل ليلة وقد جمع ابن حبان وغيره بين الروايتين بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة فمن أطلق ليلة أراد بيومها ومن أطلق يوما أراد بليلته على أنه ورد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحا رواه النسائي قال أخبرنا أبو بكر بن علي قال حدثنا الحسن بن حماد الوراق قال أخبرنا عمرو بن محمد العبقري عن عبد الله بن بديل بن ورقاء عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أن عمر رضي الله تعالى عنه سأل النبي عن اعتكاف عليه فأمره أن يعتكف ويصوم وقد مضى الكلام فيه في آخر باب العمل في العشر الأواخر وقال بعضهم عبد الله بن بديل ضعيف قلت قد وثق وعلق له البخاري فإن قلت قال ابن حزم ولا يعرف هذا الخبر من مسند عمرو بن دينار أصلا ولا يعرف لعمرو بن دينار عن ابن عمر حديث مسند إلا ثلاث ليس هذا منها قلت لعمرو بن دينار في ( الصحيح ) نحو عشرة أحاديث عن ابن عمر فما هذا الكلام
6 -
( باب اعتكاف النساء )
أي هذا باب في بيان حكم اعتكاف النساء
3302 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( عمرة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي يعتكف في العشر الأواخر من رمضان

(11/146)


فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر فلما أصبح النبي رأى الأخبية فقال ما هذا فأخبر فقال النبي آلبر ترون بهن فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال
مطابقته للترجمة في ضرب حفصة وزينب خباء في مسجد رسول الله للاعتكاف وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية وقد مرت غير مرة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الصوم عن عبد الله بن يوسف عن مالك وعن محمد بن سلام عن محمد بن فضيل وعن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن الأوزاعي على ما سيأتي كله وأخرجه مسلم فيه ن يحيى بن يحيى وعن ابن أبي عمرو عن سلمة بن شبيب وعن عمرو ابن سواد وعن محمد بن رافع وعن زهير بن حرب وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه الترمذي فيه عن هناد وأخرجه النسائي في الصلاة عن أبي داود الحراني وفي الاعتكاف عن محمد بن منصور وعن أحمد بن سليمان وأخرجه ابن ماجه في الصوم عن أبي بكر بن أبي شيبة وفي ألفاظهم اختلاف والمعنى متقارب
ذكر معناه قوله عن عمرة وفي رواية الأوزاعي التي تأتي في أواخر الاعتكاف عن يحيى بن سعيد حدثتني عمرة بنت عبد الرحمن قوله عن عائشة وفي رواية أبي عوانة من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى ابن سعيد عن عمرة حدثتني عائشة قوله خباء بكسر الخاء المعجمة وبالمد هو الخيمة من وبر أو صفوف ولا يكون من الشعر وهو على عمودين أو ثلاثة ويجمع على الأخبية نحو الخمار والأخمرة قوله فيصلي الصبح ثم يدخله أي الخباء وفي رواية ابن فضيل عن يحيى بن سعيد التي تأتي في باب الاعتكاف في شوال كان يعتكف في كل رمضان فإذا صلى الغداة دخل واستدل به على أن مبدأ الاعتكاف من أول النهار وفيه خلاف يأتي قوله فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فحفصة هو الفاعل وعائشة هو المفعول وكلمة أن مصدرية والأصل بأن تضرب أي تضرب خباء وفي رواية الأوزاعي على ما يأتي فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت وفي رواية ابن فضيل على ما يأتي فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت قبة فسمعت بها حفصة فضربت قبة وزاد في رواية عمرو بن الحارث لتعتكف معه وهذا يشعر بأنها فعلت ذلك بغير إذن ولكن جاء في رواية ابن عيينة عند النسائي ثم استأذنته حفصة فأذن لها قوله فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء وفي رواية ابن فضيل وسمعت بها زينب فضربت قبة أخرى وفي رواية عمرو بن الحارث فلما رأته زينب ضربت معهن وكانت امرأة غيورا قوله فلما أصبح النبي رأى الأخبية وفي رواية مالك التي بعد هذه فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه إذا أخبية وفي رواية ابن فضيل فلما انصرف من الغداة أبصر أربع قباب يعني قبه له وثلاثا للثلاث وفي رواية الأوزاعي وكان رسول الله إذا صلى انصرف إلى بنائه أي الذي بنى له ليعتكف فيه ووقع في رواية أبي معاوية عند مسلم وأبي داود فأمرت زينب بخبائها فضرب وأمر غيرها من أزواج النبي بخبائها فضرب قال بعضهم وهذا يقتضي تعميم الأزواج بذلك وليس كذلك وقد فسرت الأزواج في الروايات الأخرى بعائشة وحفصة وزينب فقط وبين ذلك قوله في هذه الروايات أربع قباب وفي رواية ابن عيينة عند النسائي فلما صلى الصبح إذا هو أربعة أبنية قال لمن هذه قالوا لعائشة وحفصة وزينب انتهى قلت هذا القائل كأنه نسي كلمة من ههنا فإن من في قوله من أزواج النبي للتبعيض فمن أين يأتي التعميم ومعنى قوله وأمر غيرها أي غير زينب وهي حفصة قوله آلبر ترون بهن الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار والبر هو الطاعة والخير وهو منصوب بلفظ ترون المعلوم من الرأي وبلفظ المجهول بمعنى تظنون ويجوز الرفع وإلغاء الفعل لأنه توسط بين المفعولين

(11/147)


قاله الكرماني قلت وجه النصب على أنه مفعول ترون مقدما ووجه الرفع وفي رواية مالك آلبر تقولون بهن أي تظنون والقول يطلق على الظن ووقع في رواية الأوزاعي آلبر أردن بهذا وفي رواية ابن فضيل ما حملهن على هذا آلبر انزعوها فلا أراها فنزعت وكلمة ما استفهامية وقوله آلبر بهمزة الاستفهام مرفوع على الابتداء وخبره محذوف تقديره آلبر يردنه قوله فلا أراها الفاء يجوز أن تكون زائدة أي لا أرى الأخبية المذكورة وقال ابن التين الصواب حذف الألف من أراها لأنه مجزوم قلت ليس كذلك لأنه نفي وليس بنهي قوله فترك الاعتكاف وفي رواية أبي معاوية فأمر بخبائه فقوض بضم القاف وتشديد الواو المكسورة وفي آخره ضاد معجمة أي نقض وقال القاضي عياض إنما قال هذا الكلام إنكارا لفعلهن لأنه خاف أن يكن مخلصات في الاعتكاف بل أردن القرب منه المباهاة به ولأن المسجد يجمع الناس ويحضره الأعراب والمنافقون وهن محتاجات إلى الدخول والخروج فيبتذلن بذلك ولأنه إذا رآهن عنده في المسجد فصار كأنه في منزله بحضوره مع أزواجه وذهب المقصود من الاعتكاف وهو التخلي عن الأزواج ومتعلقات الدنيا أو لأنهن ضيقن المسجد بأخبيتهن ونحوها قوله فترك الاعتكاف إلى آخره وفي رواية ابن فضيل فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال وفي رواية أبي معاوية حتى اعتكف في العشر الأول من شوال والتوفيق بين الروايتين هو أن المراد بقوله آخر العشر من شوال انتهاء اعتكافه وقال الإسماعيلي فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم لأن أول شوال هو يوم الفطر وصومه حرام قلت ليس فيه دليل لما قاله لأن المراد من قوله اعتكف في العشر الأول أي كان ابتداؤه في العشر الأول فإذا اعتكف من اليوم الثاني من شوال يصدق عليه أنه ابتدأ في العشر الأول واليوم الأول منه يوم أكل وشرب ويقال كما ورد في الحديث والاعتكاف هو التخلي للعبادة فلا يكون اليوم الأول محلا له بالحديث
ذكر ما يستفاد منه فيه في قوله فيصلي الصبح ثم يدخله احتجاج من يقول يبدأ بالاعتكاف من أول النهار وبه قال الأوزاعي والليث في أحد قوليه واختاره ابن المنذر وذهبت الأربعة والنخعي إلى جواز دخوله قبيل الغروب إذا أراد اعتكاف عشر أو شهر وأولوا الحديث على أنه دخل المعتكف وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح لأن ذلك في وقت ابتداء الاعتكاف أول الليل ولم يدخل الخباء إلا بعد ذلك وقال أبو ثور إن أراد الاعتكاف عشر ليالي دخل قبل الغروب وهل يبيت ليلة الفطر في معتكفه ولا يخرج منه إلا أذا خرج لصلاة العيد فيصلي وحينئذ يخرج إلى منزله أو يجوز له أن يخرج عند الغروب من آخر يوم من شهر رمضان قولان للعلماء الأول قول مالك وأحمد وغيرهما وسبقهم أبو قلابة وأبو مجلز واختلف أصحاب مالك إذا لم يفصل هل يبطل اعتكافه أم لا يبطل قولان وذهب الشافعي والليث والزهري والأوزاعي في آخرين إلى أنه يجوز خروجه ليلة الفطر ولا يلزمه شيء وفيه أن المسجد شرط للاعتكاف لأن النساء شرع لهن الاحتجاب في البيوت فلو لم يكن المسجد شرطا ما وقع ما ذكر من الإذن والمنع وقال إبراهيم بن عبلة في قوله آلبر يردن دلالة على أنه ليس لهن الاعتكاف في المسجد إذ مفهومه ليس ببر لهن وقال بعضهم وليس ما قاله بواضح قلت بلى هو واضح لأنه إذا لم يكن برا لهن يكون فعله غير بر أي غير طاعة وارتكاب غير الطاعة حرام ويلزم من ذلك عدم الجواز وفيه جواز ضرب الأخبية في المسجد وفيه شؤم الغيرة لأنها ناشئة عن الحسد المفضي إلى ترك الأفضل لأجله وفيه ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة وأن من خشي على عمله الرياء جاز له تركه وقطعه
وقال بعضهم وفيه أن الاعتكاف لا يجب بالنية وأما قضاؤه له فعلى طريق الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملا أثبته ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال انتهى قلت قوله إن الاعتكاف لا يجب بالنية ليس بمقتصر على الاعتكاف بل كل عمل ينوي الشخص أن يعمله لا يلزمه بمجرد النية بل إنما يلزمه بالشروع
وقال الترمذي اختلف

(11/148)


أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى فقال بعض أهل العلم إذا نقض اعتكافه وجب عليه القضاء واحتجوا بالحديث وهو الحديث الذي رواه عن أنس قال كان النبي يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاما فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين ثم قال هذا حديث حسن صحيح غريب وانفرد به وقال إنه خرج من اعتكافه فاعتكف عشرا من شوال وهو قول مالك بن أنس قلت ما وجه استدلالهم بهذا الحديث في وجوب القضاء وفي الحديث المذكور يقول صريحا فلم يعتكف عاما فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين فإذا لم يعتكف كيف يستدل به على وجوب القضاء والظاهر أن اعتكافه لم يكن في العام المقبل إلا لأنه قد عزم عليه ولكنه لم يعتكف ثم وفى لله عز و جل بما نواه من فعل الخير واعتكف في شوال وهو اللائق في حقه وقال ابن عبد البر نكير أن يكون النبي قضى الاعتكاف من أجل أنه نوى أن يعمله وإن لم يدخل فيه لأنه كان أوفى الناس لربه فيما عاهده عليه وقال شيخنا رحمه الله وعلى تقدير شروعه ففيه دليل على جواز خروج المعتكف المتطوع من اعتكافه
وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك في ( الموطأ ) المتطوع في الاعتكاف والذي عليه الاعتكاف أمرهما سواء فيما يحل لهم ويحرم عليهما قال ولم يبلغني أن رسول الله كان اعتكافه إلا تطوعا وقال ابن عبد البر قوله هذا قول جماهير العلماء لأن الاعتكاف وإن لم يكن واجبا إلا على من نذره فإنه يجب بالدخول فيه كالصلاة النافلة والحج والعمرة وقال ابن المنذر وفي الحديث أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها وعن أهل الرأي إذا أذن لها الزوج ثم منعها أثم بذلك وامتنعت وعن مالك ليس له ذلك وهذا الحديث حجة عليهم قلت كيف يكون الحديث حجة عليهم وليس فيه ما ذكره من ذلك صريحا وليس فيه إلا ما ذكر من استئذان حفصة من عائشة في ضرب الخباء وإذن عائشة لها بذلك وضربت زينب خباء آخر من غير استئذان من أحد وفيه إنكاره عليهم بذلك ووجه إنكاره ما ذكرناه عن القاضي عياض عن قريب وليس فيه ما يدل على ما ذكره ابن المنذر على ما لا يخفى على المتأمل
وقال بعضهم وفيه جواز الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه وأنه لا يلزم بالنية ولا بالشروع فيه أي لا يلزم الاعتكاف بالشروع فيه ويستنبط منه سائر التطوعات خلافا لمن قال باللزوم انتهى قلت ليس في الحديث ما يدل على ما ذكره لأن الحديث لا يدل على أنه دخل في الاعتكاف ثم خرج منه غاية ما في الباب أنه بطل الاعتكاف في ذلك الشهر يدل عليه قوله فترك الاعتكاف ذلك الشهر وقوله ولا بالشروع فيه أي لا يلزم الاعتكاف بالشروع فيه دعوى من الخارج والحديث لا يدل عليه وكيف لا يلزم بالشروع في عبادة والقول بذلك يؤدي إلى إبطال العمل وقد قال الله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ( محمد 33 ) وقوله ويستنبط منه غير مسلم لأن الذي ذكره لا يدل عليه الحديث وكيف يستنبط منه عدم لزوم سائر التطوعات لأن الاستنباط لا يكون إلا من دليل صحيح فافهم
7 -
( باب الأخبية في المسجد )
أي هذا باب فيما جاء في ذكر نصب الأخبية في مسجد النبي
4302 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( عمرة بنت عبد الرحمان ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن النبي أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبية خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب فقال آلبر تقولون بهن ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال
مطابقته للترجمة في قوله إذا أخبية وهو هذا الحديث الذي مضى في الباب السابق غير أنه ذكره أيضا مختصرا

(11/149)


من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري ووقع في أكثر الروايات عن عمرة عن عائشة وسقط قوله عن عائشة في رواية النسفي والكشميهني وكذا هو في الموطآت كلها
وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مرسلا أيضا وجزم بأن البخاري أخرجه عن عبد الله بن يوسف موصولا وقال الترمذي رواه مالك وعن غير واحد عن يحيى مرسلا وقال أبو عمر في ( التمهيد ) رواة الموطأ اختلفوا في قطعه وإسناده فمنهم من يرويه عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله لا يذكر غيره ومنهم من يرويه عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها وخالفهم يحيى بن يحيى فرواه عن مالك رضي الله تعالى عنه عن ابن شهاب عن عمرة قال في ( التمهيد ) وهو غلط وخطأ مفرط لم يتابعه أحد على ذلك ولا يعرف هذا الحديث لابن شهاب لا من حديث مالك ولا من حديث غيره من أصحاب ابن شهاب وهو من حديث يحيى بن سعيد محفوظ صحيح أخرجه البخاري فذكره
قوله إذا أخبية كلمة إذا للمفاجأة وخبر المبتدأ محذوف تقديره إذا أخبية مضروبة ونحوها قوله خباء عائشة خبر مبتدأ محذوف أي أحدها خباء عائشة والثاني خباء حفصة والثالث خباء زينب قوله آلبر قد مر تفسيره قوله تقولون أي تعتقدون أو تظنون والعرب تجري تقول في الاستفهام مجرى الظن في العمل وكان القياس أن يقال يقلن بلفظ جمع المؤنث ولكن الخطاب للناس الحاضرين الشامل للرجال والنساء والمفعول الثاني لقوله تقولون هو قوله بهن إذ تقديره ملتبسا بهن
8 -
( باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد )
أي هذا باب يذكر فيه هل يخرج المعتكف من معتكفه لأجل حوائجه إلى باب المسجد الذي هو فيه معتكف ولم يذكر جواب الاستفهام اكتفاء بما في الحديث
5302 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( علي بن الحسين ) رضي الله تعالى عنهما أن صفية زوج النبي أخبرته أنها جاءت رسول الله تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله فقال لهما النبي على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما فقال النبي إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا
مطابقته للترجمة في قوله فقام النبي معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد
ورجاله أبو اليمان الحكم ابن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ومحمد بن مسلم الزهري قد ذكروا غير مرة وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو الحسين المدني زين العابدين ولد سنة ثلاث وعشرين وعن الزهري كان مع أبيه يوم قتل وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ومات سنة اثنتين وتسعين بالمدينة وقيل غير ذلك وصفية بنت حيي بضم الحاء المهملة مصغرا ابن أخطب وكان أبوها رئيس خيبر وكانت تكنى أم يحيى
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي اليمان أيضا وفي صفة إبليس عن محمد عن عبد الرزاق وفي الاعتكاف أيضا عن إسماعيل بن عبد الله وفي الأحكام عن عبد العزيز بن عبد الله وفي الاعتكاف أيضا عن علي بن عبد الله وفيه وفي الخمس عن سعيد بن عفير وعن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم في

(11/150)


الاستئذان عن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد وعن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي اليمان به وأخرجه أبو داود في الصوم وفي الأدب عن أحمد بن محمد شبويه المروزي وعن محمد بن يحيى وأخرجه النسائي في الاعتكاف عن إسحاق بن إبراهيم به وعن محمد بن خالد وعن محمد بن يحيى وعن محمد بن حاتم وأخرجه ابن ماجه في الصوم عن إبراهيم ابن المنذر الحزامي
ذكر معناه قوله أنها جاءت أي أن صفية جاءت إلى رسول الله قوله تزوره من الأحوال المقدرة وفي رواية معمر التي تأتي في صفة إبليس فأتيته أزوره ليلا وفي رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري كان النبي في المسجد وعنده أزواجه فرحن وقال لصفية لا تعجلي حتى أنصرف معك وذلك لأنه خشي عليها وكان مشغولا فأمرها بالتأخر ليفرغ من شغله ويشيعها وروى عبد الرزاق من طريق مروان بن سعيد بن المعلى أن النبي كان معتكفا في المسجد فاجتمع إليه نساؤه ثم تفرقن فقال لصفية أقلبك إلى بيتك فذهب معها حتى أدخلها بيتها وفي رواية هشام المذكورة وكان بيتها في دار أسامة زاد وفي رواية عبد الرزاق عن معمر وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد أي الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة بحيث تسكن فيها صفية وكانت بيوت أزواج النبي حوالى أبواب المسجد قوله فتحدثت عنده ساعة أي فتحدثت صفية عند النبي وفي الأدب عن الزهري ساعة من العشاء قوله ثم قامت تنقلب أي ترد إلى بيتها فقام معها يقلبها بفتح الياء وسكون القاف أي يردها إلى منزلها يقال قلبه يقلبه وانقلب هو إذا انصرف قوله فلقيه رجلان من الأنصار قيل هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر وقال ابن التين في رواية سفيان عند البخاري فأبصره رجل من الأنصار وقال لعله وهم لأن أكثر الروايات فأبصره رجلان وقال القرطبي يحتمل أن يكون هذا مرتين ويحتمل أن يكون أقبل على أحدهما بالقول بحضرة الآخر فتصح على هذا نسبة القصة إليهما جميعا وإفرادا وفي رواية مسلم من حديث أنس بالإفراد فوجهه ما ذكره القرطبي بالاحتمال الثاني قوله فسلما على رسول الله وفي رواية معمر فنظرا إلى النبي ثم أجازا أي مضيا يقال جاز وأجاز بمعنى ويقال جاز الموضع إذا سار فيه وأجازه إذا قطعه وخلفه وفي رواية ابن أبي عتيق ثم نفذا وهو بالفاء وبالذال المعجمة أي خلفاه وفي رواية معمر فلما رأيا النبي أسرعا أي في المشي وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند ابن حبان فلما رأياه استحييا فرجعا قوله على رسلكما بكسر الراء أي على هيئتكما وقال ابن فارس الرسل السير السهل وضبطه بالفتح وجاء فيه الكسر والفتح بمعنى التؤدة وترك العجلة وقيل بالكسر التؤدة وبالفتح الرفق واللين والمعنى متقارب وفي رواية معمر فقال لهما النبي تعاليا بفتح اللام قال الداودي أي قفا ذكره بعضهم بالنسبة إلى الداودي وفي ( التلويح ) قال النووي معناه قفا ولم يرد المجيء إليه وقال ابن التين فأخرجه عن معناه بغير دليل واضح وقال الجوهري التعالى الارتفاع تقول منه إذا أمرت تعال يا رجل بفتح اللام وللمرأة تعالى وقال ابن قتيبة تعالى تفاعل من علوت وقال الفراء أصله عال البناء وهو من العلو ثم إن العرب لكثرة استعمالهم إياها صارت عندهم بمنزلة هلم حتى استجازوا أن يقولوا لرجل وهو فوق شرف تعالى أي إهبط وإنما أصلها الصعود قوله إنما هي صفية بنت حيي في رواية سفيان هذه صفية قوله فقالا سبحان الله إما حقيقة أي أنزه الله تعالى عن أن يكون رسوله متهما بما لا ينبغي أو كناية عن التعجب من هذا القول قوله وكبر بضم الباء الموحدة أي عظم وشق عليهما وسيأتي في الأدب وكبر عليهما ما قال وعن معمر فكبر ذلك عليهما وفي رواية هشيم فقال يا رسول الله وهل نظن بك إلا خيرا قوله إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم أي كمبلغ الدم ووجه الشبه بين طرفي التشبيه شدة الاتصال وعدم المفارقة وفي رواية معمر يجري من الإنسان مجرى الدم وكذا في رواية ابن ماجه من طريق عثمان ابن عمر التيمي عن الزهري وزاد عبد الأعلى فقال إني خفت أن تظنا ظنا إن الشيطان يجري إلى آخره وفي رواية

(11/151)


عبد الرحمن بن إسحاق ما أقول لكما هذا أن تكونا تظنان شرا ولكن قد علمت أن الشيطان يجري من بن آدم مجرى الدم قوله وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا وفي رواية معمر سوأ أو قال شيئا وفي رواية مسلم وأبي داود وأحمد في حديث معمر شرا بشين معجمة وراء بدل سوأ وفي رواية هشيم إني خفت أن يدخل عليكما شيئا وقال الشافعي في معناه إنه خاف عليهما الكفر لو ظنا به ظن التهمة فبادر إلى إعلامهما بمكانهما نصيحة لهما في أمر الدين قبل أن يقذف الشيطان في قلوبهما أمرا يهلكان به
وفي ( التلويح ) ظن السوء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كفر بالإجماع ولهذا إن البزار لما ذكر حديث صفية هذا قال هذه أحاديث مناكير لأن النبي كان أطهر وأجل من أن يرى أن أحدا يظن به ذلك ولا يظن برسول الله ظن السوء إلا كافر أو منافق وقال بعضهم وغفل البزار فطعن في حديث صفية هذا واستبعد وقوعه ولم يأت بطائل قلت كيف لم يأت بطائل لأنه ذب عن رسول الله وكل من ذب عن رسول الله أينكر عليه في ( التلويح ) فإن قال قائل هذه الأخبار قد رواها قوم ثقات ونقلها أهل العلم بالأخبار قيل له العلة التي بيناها لا خفاء بها ويجب على كل مسلم القول بها والذب عن رسول الله وإن كان الراوون لها ثقات فلا يعرون عن الخطأ والنسيان والغلط وقال أبو الشيخ عند ذكر هذا الحديث وبوب له قال إنه غير محفوظ قوله في رواية معمر يجري من ابن آدم مجرى الدم قيل هو على ظاهره وأن الله عز و جل جعل له قوة على ذلك وقيل هو على الإستعارة لكثرة أعوانه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دم وقيل إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل الوسوسة إلى القلب وزعم ابن خالويه في كتاب ( ليس ) أن الشيطان ليس له تسلط على الناس وعلى أن يأتي العبد من فوقه قال الله تعالى ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ( الأعراف 71 ) ولم يقل من فوقهم لأن رحمة الله تعالى تنزل من فوق
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث معه وله قراءة القرآن والحديث والعلم والتدريس وكتابة أمور الدين وسماع العلم وقال أبو الطيب في ( المجرد ) قال الشافعي في ( الأم ) و ( الجامع الكبير ) لا بأس بأن يقص في المسجد لأن القصص وعظ وتذكير وقال النووي ما قاله الشافعي محمول على الأحاديث المشهورة والمغازي والرقائق مما ليس فيه موضع كلام ولا ما لا تحتمله عقول العوام ولا ما يذكره أهل التواريخ وقصص الأنبياء وحكاياتهم أن بعض الأنبياء جرى له كذا من فتنة ونحوها فإن كل هذا يمنع منه واستدل الطحاوي بشغله مع صفية على جواز اشتغال المعتكف بالمباح من الأفعال وفي ( جوامع الفقه ) يكره التعليم فيه بأجر أي في المسجد وكذا كتابة المصحف بأجر وقيل إن كان الخياط يحفظ المسجد فلا بأس بأن يخيط ولا يستطرقه إلا لعذر ويكره على سطحه ما يكره فيه بخلاف مسجد البيت قلت هذا في غير المعتكف ففي حق المعتكف بطريق الأولى ومن المباح للمعتكف أن يبيع ويشتري من غير أن يحضر السلعة وفي ( الذخيرة ) له أن يبيع ويشتري قال أراد به الطعام وما لا بد منه وأما إذا أراد أن يتخذ ذلك متجرا يكره له ذلك وفيه إباحة خلوة المعتكف بالزوجة وفيه إباحة زيارة المرأة للمعتكف وفيه بيان شفقته على أمته وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء الظن وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة تعليما للأمة وفيه جواز خروج المرأة ليلا وفيه قول سبحان الله عند التعجب وقال بعضهم واستدل به أبو يوسف ومحمد في جواز تمادي المعتكف إذا خرج من مكان اعتكافه لحاجته وأقام زمنا يسيرا زائدا عن الحاجة ولا دلالة فيه لأنه لم يثبت أن منزل صفية كان بينه وبين المسجد فاصل زائد وقد حدوا اليسير بنصف يوم وليس في الخبر ما يدل عليه انتهى قلت ليس مذهب أبي يوسف ومحمد في حد اليسير بنصف يوم وإنما مذهبهما أنه إذا خرج أكثر النهار يفسد اعتكافه لأن في القليل ضرورة والعجب منهم أنهم ينقلون عن أحد من أصحابنا ما هو ليس مذهبه ثم يردون عليه بما لا وجه له ففي أي كتاب من كتب أصحابنا ذكر أنهما حدا اليسير

(11/152)


بنصف يوم مستدلين بالحديث المذكور وفيه جواز التسليم على رجل معه امرأة بخلاف ما يقوله بعض الأغبياء
9 -
( باب الاعتكاف وخرج النبي صبيحة عشرين )
أي هذا باب في بيان اعتكاف النبي وخروجه منه صبيحة عشرين من الشهر وكأنه ذكر هذه الترجمة لإرادة تأويل ما وقع في هذا الحديث من رواية مالك من قوله حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه وقد ذكرنا هناك أن المراد بقوله من صبيحتها الصبيحة التي قبلها وقال ابن بطال هو مثل قوله تعالى لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ( النازعات 64 ) فأضاف الضحى إلى العشية وهو قبلها وكل متصل بشيء فهو مضاف إليه سواء كان قبله أو بعده
6302 - حدثني ( عبد الله بن منير ) قال سمع ( هارون بن إسماعيل ) قال حدثنا ( علي بن المبارك ) قال حدثني ( يحيى بن أبي كثير ) قال سمعت ( أبا سلمة بن عبد الرحمان ) قال سألت ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه قلت هل سمعت رسول الله يذكر ليلة القدر قال نعم اعتكفنا مع رسول الله العشر الأوسط من رمضان قال فخرجنا صبيحة عشرين قال فخطبنا رسول الله صبيحة عشرين فقال إني أريت ليلة القدر وإني نسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في وتر فإني رأيت أن أسجد في ماء وطين ومن كان اعتكف مع رسول الله فليرجع فرجع إلى المسجد وما نرى في السماء قزعة قال فجاءت سحابة فمطرت وأقيمت الصلاة فسجد رسول الله في الطين والماء حتى رأيت الطين في أرنبته وجبهته
مطابقته للترجمة في قوله فخرجنا صبيحة عشرين وقد مضى هذا الحديث في باب الاعتكاف في العشر الأواخر فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك عن يزيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري وهنا أخرجه عن عبد الله بن منير بضم الميم وكسر النون المروزي وقد مر في الوضوء عن هارون بن إسماعيل أبي الحسن البصري وقد مر في الصوم عن علي بن المبارك الهنائي البصري عن يحيى بن أبي كثير إلى آخره
قوله فأني نسيتها بفتح النون وفي رواية الكشميهني نسيتها بضم النون وتشديد السين قوله فإني رأيت كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره أريت بضم الهمزة وكسر الراء قوله رأيت أن أسجد كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره رأيت أني أسجد قوله في أرنبته بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح النون والباء الموحدة طرف الأنف وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك فليرجع إليه
01 -
( باب اعتكاف المستحاضة )
أي هذا باب في بيان حكم اعتكاف المستحاضة
141 - ( حدثنا قتيبة قال حدثنا يزيد بن زريع عن خالد عن عكرمة عن عائشة رضي الله عنها قالت اعتكفت مع رسول الله امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي )

(11/153)


مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مضى في كتاب الحيض في باب اعتكاف المستحاضة بهذه الترجمة بعينها فإنه أخرجه هناك عن إسحق بن شاهين عن خالد بن عبد الله عن خالد عن عكرمة عن عائشة إلى آخره ووقع في رواية سعيد بن منصور عن إسماعيل هو ابن علية حدثنا خالد وهو الحذاء الذي أخرجه البخاري من طريقه فذكر الحديث وزاد فيه وقال حدثنا به خالد مرة أخرى عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة فأفاد بذلك معرفة عينها -
11 -
( باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه )
أي هذا باب في بيان حكم زيارة المرأة زوجها وهو في الاعتكاف
8302 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثنا عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أن صفية زوج النبي أخبرته قالت ح
أخرج حديث صفية هنا من وجهين أحدهما موصول أخرجه عن سعيد بن عفير بضم العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء المصري وقد مر في العلم عن الليث بن سعيد عن ( عبد الرحمن بن خالد ) بن مسافر عن ( ابن شهاب ) وهو محمد بن مسلم الزهري عن ( علي بن الحسين ) زين العابدين فذكره مختصرا وقد مضى تمامه في باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد والوجه الآخر مرسل وهو قوله
حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( هشام ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( علي بن الحسين ) قال كان النبي في المسجد وعنده أزواجه فرحن فقال لصفية بنت حيى لا تعجلي حتى أنصرف معك وكان بيتها في دار أسامة فخرج النبي معها فلقيه رجلان من الأنصار فنظرا إلى النبي ثم أجازا وقال لهما النبي تعاليا إنها صفية بنت حيي قالا سبحان الله يا رسول الله قال إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا
عبد الله بن محمد البخاري المعروف بالمسندي وهشام هو ابن يوسف الصنعاني اليماني إلى آخره
قوله فرحن من الرواح وهو فعل جماعة النساء قوله ثم أجازا أي مضيا وقد ذكرناه مرة قوله في أنفسكما وفي الرواية التي هناك في قلوبكما وإضافة لفظ الجمع إلى المثنى كثير كما في قوله تعالى فقد صغت قلوبكما ( التحريم 4 )
21 -
( باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه )
أي هذا باب يذكر فيه هل يدرأ أي يدفع المعتكف عن نفسه بالقول والفعل وقد ورد في حديث الباب الدفع بالقول وهو قوله هي صفية أو هذه صفية ويجوز بالفعل أيضا لأن المعتكف ليس بأشد في ذلك من المصلى
9302 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال أخبرني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( محمد بن أبي عتيق ) عن ( ابن شهاب ) عن ( علي بن الحسين ) رضي الله تعالى عنهما أن صفية أخبرته قالت ح حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يخبر عن علي بن الحسين أن صفية رضي الله تعالى عنها أتت النبي وهو معتكف فلما رجعت مشى معها فأبصره رجل من الأنصار فلما أبصره==

ج22. عمدة القارئ

دعاه فقال تعال هي صفية وربما قال سفيان هذه صفية فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم قلت لسفيان أتته ليلا قال وهل هو إلا ليل
مطابقته للترجمة قد ذكرناه الآن وأورد البخاري أيضا حديث صفية من وجهين الأول عن إسماعيل بن عبد الله وهو إسماعيل بن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس عن أخيه عبد الحميد بن أبي أويس مر في العلم عن سليمان بن بلال مولى عبد الله بن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق بن أبي بكر الصديق عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن علي بن الحسين فذكره مختصرا وهو موصول الثاني عن علي بن عبد الله بن المديني عن سفيان ابن عيينة عن الزهري فذكره وهو مرسل
قوله فأبصره رجل ولا منافاة بين هذا وبين قوله في الرواية المتقدمة أنه رجلان منطوقا وأما مفهوما فلا اعتبار له قوله ربما قال سفيان وهو ابن عيينة قوله يجري من ابن آدم هذا في الأصل مخصوص بذكور الآدميين لكن في عرف الاستعمال لأولاد آدم كما يقال بنو إسرائيل والمراد أولاده قوله هل هو إلا ليل ويروى ليلا أي فهل الإتيان في وقت إلا ليلا
31 -
( باب من خرج من اعتكافه عند الصبح )
أي هذا باب في بيان حكم من خرج من اعتكافه عند الصبح وذلك عند إرادة اعتكاف الليالي دون الأيام
0402 - حدثنا عبد الرحمان قال حدثنا سفيان عن ابن جريج عن سليمان الأحول خال ابن أبي نجيح عن أبي سلمة عن أبي سعيد ح قال سفيان وحدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال وأظن أن ابن أبي لبيد حدثنا عن أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال اعتكفنا مع رسول الله العشر الأوسط فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا فأتانا رسول الله قال من اعتكف فليرجع إلى معتكفه فإني رأيت هذه الليلة ورأيتني أسجد في ماء وطين فلما رجع إلى معتكفه وهاجت السماء فمطرنا فوالذي بعثه بالحق لقد هاجت السماء من آخر ذلك اليوم وكان المسجد عريشا فلقد رأيت على أنفه وأرنبته أثر الماء والطين
مطابقته للترجمة في قوله فلما كان صبيحة عشرين وقد أخرج حديث أبي سعيد المذكور فيما مضى هنا أيضا بهذه الترجمة من ثلاثة أوجه الأول عن ( عبد الرحمن ) هو ابن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة العبدي النيسابوري مات سنة ستين ومائتين وهكذا وقع عبد الرحمن مجردا من غير نسبة إلى أبيه في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية الأكثرين وقع منسوبا عبد الرحمن بن بشر يروي عن ( سفيان ) بن عيينة عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن سليمان الأحول وزاد الحميدي ابن أبي مسلم خال عبد الله بن أبي نجيح المكي عن أبي سلمة عبد الرحمن عن أبي سعيد الوجه الثاني عن سفيان عن محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي وقاص الليثي عن أبي سلمة عن أبي سعيد الوجه الثالث عن سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد وهو قوله قال أي سفيان وأظن أن ابن أبي لبيد حدثنا عن أبي سلمة و لبيد بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وكان عبد الله بن أبي لبيد هذا يكنى بأبي المغيرة المدني حليف المدنيين وكان من عباد أهل المدينة وكان يرى ليلة القدر مات في أول خلافة أبي جعفر المنصور
وحاصل الكلام أن لسفيان بن عيينة في هذا الحديث ثلاثة أشياخ حدثوه به عن أبي سلمة وهم ( ابن جريج ) ومحمد بن عمر وعبد الله بن أبي لبيد
وقد أخرجه أحمد عن سفيان قال حدثنا محمد بن عمرو عن ( أبي سلمة ) وابن أبي لبيد عن ( أبي سلمة ) سمعت أبا سعيد ولم يقل ( وأظن )
قوله هاجت السماء أي طلعت السحب

(11/155)


قوله وأرنبته إما من باب العطف التأكيدي وإما أن يراد بالأنف الوسط وبالأرنبة الطرف
41 -
( باب الاعتكاف في شوال )
أي هذا باب في بيان الاعتكاف في شوال
1402 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( محمد بن فضيل بن غزوان ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( عمرة بنت عبد الرحمان ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله يعتكف في كل رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه قال فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت فيه قبة فسمعت بها حفصة فضربت قبة وسمعت زينب بها فضربت قبة أخرى فلما انصرف رسول الله من الغد أبصر أربع قباب فقال ما هاذا فأخبر خبرهن فقال ما حملهن على هذا آلبر انزعوها فلا أراها فنزعت فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال
مطابقته للترجمة في قوله اعتكف في آخر العشر من شوال وقد مضى هذا الحديث في باب اعتكاف النساء فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن يحيى عن عمرة عن عائشة إلى آخره وهنا أخرجه عن محمد بن سلام إلى آخره قوله محمد هكذا هو مجردا عند الأكثرين وفي رواية كريمة محمد بن سلام قوله دخل مكانه من الدخول وفي رواية الكشميهني حل مكانه من الحلول وهو النزول ومكانه هو موضعه الخاص من المسجد الذي خصصه منه للاعتكاف وهو موضع خيمته قوله أربع قباب واحدة منها لرسول الله وثلاث لعائشة وحفصة وزينب قوله ما حملهن ما نافية و البر فاعل حمل أو ما استفهامية وآلبر بهمزة الاستفهام مرفوع على أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره آلبر كائن أو حاصل قوله انزعوها أي القباب المذكورة من النزع وهو القلع قوله أراها قال الكرماني بالرفع والجزم قلت لا وجه للجزم فإن لا نافية لا ناهية
51 -
( باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف )
أي هذا باب في بيان قول من لم ير على الشخص صوما إذا اعتكف وصوما منصوب لأنه مفعول الرؤية يعني لم يشترط الصوم لصحة الاعتكاف وقد مر الكلام في هذا الباب عن قريب
2402 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) عن ( أخيه ) عن ( سليمان ) عن ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) عن ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه أنه قال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي أوف نذرك فاعتكف ليلة
مطابقته للترجمة في قوله أوف نذرك فاعتكف ليلة حيث أمره النبي بوفاء نذره ولم يأمره بصوم فدل على أن الصوم ليس بشرط للاعتكاف وقد مر الكلام فيه في باب الاعتكاف ليلا فإنه أخرج هذا الحديث هناك عن مسدد عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع إلى آخره وهنا أخرجه عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع
61 -
( باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم )
أي هذا باب يذكر فيه إذا نذر إلى آخره وجواب إذا محذوف تقديره هل يلزمه الوفاء بذلك أم لا

(11/156)


3402 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) أن ( عمر ) رضي الله تعالى عنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام قال أراه قال ليلة قال له رسول الله أوف بنذرك
مطابقته للترجمة من حيث إن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام ثم أسلم بعد ذلك فلما ذكر ذلك للنبي قال له أوف بنذرك والحديث تكرر ذكره بحسب وضع التراجم وعبيد بن إسماعيل اسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وعبيد الله بن عمر العمري قوله قال أراه أي قال عبيد بن إسماعيل شيخ البخاري أراه بضم الهمزة أي أظنه وقال الكرماني قوله قال أراه الظاهر أنه لفظ البخاري نفسه والله أعلم
71 -
( باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان )
أي هذا باب في بيان مباشرة الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان وكأنه أشار بذلك إلى أن الاعتكاف لا يختص بالعشر الأخير وإن كان فيه أفضل
4402 - حدثنا ( عبد الله بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( أبو بكر ) عن ( أبي حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما
( الحديث 4402 - طرفه في 8994 )
مطابقته للترجمة في قوله عشرين يوما لأن فيه العشر الأوسط من رمضان وعبد الله هو ابن محمد بن أبي شيبة أبو بكر الكوفي وأبو بكر هو ابن عياش المقري وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين اسمه عثمان بن عاصم وأبو صالح ذكوان الزيات السمان
وأخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن عن خالد بن يزيد وأخرجه أبو داود في الصوم عن هناد بن السري بقصة الاعتكاف وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن عمرو بن منصور وفي الاعتكاف عن موسى بن حزام وأخرجه ابن ماجه في الصوم عن هناد بتمامه ويحتمل أن يكون إنما ضاعف اعتكافه في العام الذي قبض فيه من أجل أنه علم بانقضاء أجله فأراد استكثار عمل الخير ليسن لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمر ليلقوا الله على خير أحوالهم وقيل السبب فيه أن جبريل عليه الصلاة و السلام كان يعارضه بالقرآن في رمضان فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين فلذلك اعتكف قدر ما كان يعتكف مرتين وقال ابن العربي يحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لما ترك الاعتكاف في العشر الأخير بسبب ما وقع من أزواجه واعتكف بدله عشرا من شوال اعتكف في العام الذي يليه عشرين ليتحقق قضاء العشر في رمضان وقيل يحتمل أنه كان في العام الذي قبله كان مسافرا فلم يعتكف فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين
وقال ابن بطال مواظبته على الاعتكاف تدل على أنه من السنن المؤكدة قلت قاعدة أصحابنا أن مواظبته على عمل يدل على الوجوب والسنة المؤكدة في قوة الواجب وقال ابن المنذر روينا عن عطاء الخراساني أنه كان يقول مثل المعتكف كمثل عبد ألقى نفسه بين يدي ربه ثم قال رب لا أبرح حتى تغفر لي لا أبرح حتى ترحمني
81 -
( باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج )
أي هذا باب في بيان شأن من أراد الاعتكاف ثم بدا له أي ظهر له أن يخرج ومراده أن يترك ولا يباشر
5402 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( الأوزاعي ) قال

(11/157)


حدثني ( يحيى بن سعيد ) قال ( حدثتني عمرة بنت عبد الرحمان ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء فبني لها قالت وكان رسول الله إذا صلى انصرف إلى بنائه فبصر بالأبنية فقال ما هذا قالوا بناء عائشة وحفصة وزينب فقال رسول الله آلبر أردن بهذا ما أنا بمعتكف فرجع فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال
مطابقته للترجمة من حيث إنه ذكر أن يعتكف ثم بدا له من جهة أبنية نسائه فرجع ولم يعتكف وعبد الله هو ابن لمبارك والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو ويحيى بن سعيد الأنصاري ومباحث هذا الحديث قد مضت مستقصاة
قوله ذكر أي رسول الله للناس أنه يريد أن يعتكف قوله فاستأذنته عائشة في موافقتها له في الاعتكاف فأذن لها قوله أمرت ببناء أي بضرب خيمة لها أيضا في المسجد قوله بالأبنية جمع بناء والمراد هي الخيم قوله آلبر بهمزة الاستفهام وبالنصب بقوله أردن أنكر عليهن في ذلك لأحد الأسباب المذكورة في باب الاعتكاف ليلا قوله فرجع أي من الاعتكاف أي تركه
قال الكرماني فإن قلت تقدم أنه اعتكف العشر الأواخر فما التوفيق بينهما قلت لا بد من التزام اختلاف الوقتين جمعا بين الحديثين
وفيه إشارة إلى الجزم بأنه لم يدخل في الاعتكاف ثم خرج منه بل تركه قبل الدخول فيه وهو ظاهر خلافا لمن خالف فيه
91 -
( باب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل )
أي هذا باب في بيان شأن المعتكف الذي يدخل رأسه في البيت لأجل غسل الرأس و يدخل بضم الياء من الإدخال والبيت منصوب على المفعولية واللام في الغسل لام التعليل
6402 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( هشام ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أنها كانت ترجل النبي وهي حائض وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه
مطابقته للترجمة ظاهرة ومباحثه قد مرت في باب الحائض ترجل المعتكف في أوائل كتاب الاعتكاف وعبد الله بن محمد المعروف بابن المديني وهشام بن يوسف الصنعاني اليماني
قوله ترجل أي تمشط شعر رأسه قوله وهي حائض جملة حالية وكذلك قوله وهو معتكف أي النبي معتكف قوله يناولها أي يميل رأسه إليها لتمشطه وكان باب الحجرة إلى المسجد وكانت عائشة تقعد في حجرتها من وراء القبة ويقعد رسول الله في المسجد خارج الحجرة فيميل رأسه إليها والله أعلم بحقيقة الحال
43 -
( كتاب البيوع )
أي هذا كتاب في بيان أحكام البيوع ولما فرغ البخاري من بيان العبادات المقصود منها التحصيل الأخروي شرع في بيان المعاملات المقصود منها التحصيل الدنيوي فقدم العبادات لاهتمامها ثم ثنى بالمعاملات لأنها ضرورية وأخر النكاح لأن شهوته متأخرة عن الأكل والشرب ونحوهما وأخر الجنايات والمخاصمات لأن وقوع ذلك في الغالب إنما هو بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج وأغرب ابن بطال فذكر هنا الجهاد وأخر البيع إلى أن فرغ من الأيمان

(11/158)


والنذور وقال صاحب ( التوضيح ) ولا أدري لما فعل ذلك وكذلك قدم الصوم على الحج أيضا قلت لعله نظر إلى أن الجهاد أيضا من العبادات لأن المقصود منها التحصيل الأخروي لأن جل المقصود ذلك لأن فيه إعلاء كلمة الله تعالى وإظهار الدين ونشر الإسلام
وبعض أصحابنا قدم النكاح على البيوع في مصنفاتهم نظرا إلى أنه مشتمل على المصالح الدينية والدنيوية ألا ترى أنه أفضل من التخلي للنوافل وبعضهم قدم البيوع على النكاح نظرا إلى أن احتياج الناس إلى البيع أكثر من احتياجهم إلى النكاح فكان أهم بالتقديم قلت لما كان مدار أمور الدين بخمسة أشياء وهي الاعتقادات والعبادات والمعاملات والزواجر والآداب فالاعتقادات محلها علم الكلام والعبادات قد بينها شرع في بيان المعاملات وقدم منها البيوع نظرا إلى كثرة الاحتياج إليه كما ذكرناه الآن
ثم إنه ذكر لفظ الكتاب لأنه مشتمل على الأبواب وهي كثيرة في أنواع البيوع وجمع البيع لاختلاف أنواعه وهي المطلق إن كان بيع العين بالثمن والمقايضة إن كان عينا بعين والسلم إن كان بيع الدين بالعين والصرف إن كان بيع الثمن بالثمن والمرابحة إن كان بالثمن مع زيادة والتولية إن لم يكن مع زيادة والوضيعة إن كان بالنقصان واللازم إن كان تاما وغير اللازم إن كان بالخيار والصحيح والباطل والفاسد والمكروه
ثم للبيع تفسير لغة وشرعا وركن وشرط ومحل وحكم وحكمة
أما تفسير لغة فمطلق المبادلة وهو ضد الشراء والبيع الشراء أيضا باعه الشيء وباعه منه جميعا فيهما وابتاع الشيء اشتراه وأباعه عرضه للبيع وبايعه مبايعة وبياعا عارضه للبيع والبيعان البائع والمشتري وجمعه باعة عند كراع والبيع اسم البيع والجمع بيوع والبياعات الأشياء المتبايعة للتجارة ورجل بيوع جيد البيع وبياع كثير البيع ذكره سيبويه فيما قاله ابن سيده وحكى النووي عن أبي عبيدة أباع بمعنى باع قال وهو غريب شاذ وفي ( الجامع ) أبعته أبيعه إباعة إذا عرضته للبيع ويقال بعته وأبعته بمعنى واحد وقال ابن طريف في باب فعل وافعل باتفاق معنى باع الشيء وأباعه عن أبي زيد وأبي عبيدة وفي ( الصحاح ) والشيء مبيع وبيوع والبياعة السلعة ويقال بيع الشيء على ما لم يسم فاعله إن شئت كسرت الباء وإن شئت ضممتها ومنهم من يقلب الياء واوا فيقول بوع الشيء وقال ابن قتيبة بعت الشيء بمعنى بعته وبمعنى اشتريته وشريت الشيء اشتريته وبمعنى بعته ويقال استبعته أي سألته البيع قال الخليل المحذوف من مبيع واو مفعول لأنها زائدة فهي أولى بالحذف وقال الأخفش المحذوف عين الكلمة وقال المازري كلاهما حسن وقول الأخفش أقيس وقيل سمي البيع بيعا لأن البائع يمد باعه إلى المشتري حالة العقد غالبا ورد هذا بأنه غلط لأن الباع من ذوات الواو والبيع من ذوات الياء
وأما تفسيره شرعا فهو مبادلة المال بالمال على سبيل التراضي وأما ركنه فالإيجاب والقبول وأما شرطه فأهلية المتعاقدين وأما محله فهو المال لأنه ينبىء عنه شرعا وأما حكمه فهو ثبوت الملك للمشتري في المبيع وللبائع في الثمن إذا كان تاما وعند الإجازة إذا كان موقوفا وأما حكمته فهي كثيرة منها باتساع أمور المعاش والبقاء ومنها إطفاء نار المنازعات والنهب والسرق والطر والخيانات والحيل المكروهة ومنها بقاء نظام المعاش وبقاء العالم لأن المحتاج يميل إلى ما في يد غيره فبغير المعاملة يفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش وغير ذلك وثبوته بالكتاب لقوله تعالى وأحل لكم البيع وحرم الربا ( البقرة 752 ) والسنة وهي أن النبي بعث والناس يتعاملون فأقرهم عليه والإجماع منعقد على شرعيته
وقول الله عز و جل وأحل الله البيع وحرم الربا ( البقرة 752 ) إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم ( البقرة 282 )
وقول الله بالرفع عطفا على المضاف في كتاب البيوع وقيل ليس فيه واو العطف وإنما أصل النسخة هكذا كتاب البيوع قال الله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربوا ( البقرة 752 ) وقد ذم الله تعالى عز و جل أكلة الربوا بقوله الذين يأكلون الربوا ( البقرة 572 ) أول الآية وكانوا اعترضوا على أحكام الله تعالى في شرعه فقالوا إنما البيع مثل الربوا فرد الله عليهم بقوله وأحل الله البيع وحرم الربوا ( البقرة 752 ) وقال ابن كثير قوله وأحل الله البيع وحرم الربوا ( البقرة 752 ) يحتمل أن يكون من تمام كلامهم اعتراضا على الشرع ( أي مثل هذا وقد أحل هذا وحرم هذا ) ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى ردا عليهم وقال

(11/159)


الشافعي في قوله هذا أربعة أقوال أحدها أنه عامة فإن لفظها لفظ عموم يتناول كل بيع أو يقتضي إباحة جميعها إلا ما خصه الدليل قال في ( الأم ) وهذا أظهر معاني الآية الكريمة وقال صاحب ( الحاوي ) والدليل لهذا القول أن النبي نهى عن بيوع كانوا يعتادونها ولم يبين الجائز فدل على أن الآية تناولت إباحة جميع البيوع إلا ما خص منها وبين المخصوص القول الثاني إن الآية مجملة لا يعتقل منها صحة بيع من فساده إلا ببيان من سيدنا رسول الله القول الثالث يتناولهما جميعا فيكون عموما دخله التخصيص ومجملا لحقه التفسير لقيام الدلالة عليهما القول الرابع أنها تناولت بيعا معهودا ونزلت بعد أن أحل النبي بيوعا وحرم بيوعا فقوله أحل الله البيع ( البقرة 752 ) أي البيع الذي بينه من قبل وعرفه المسلمون منه فتناولت الآية بيعا معهودا ولهذا دخلت الألف واللام لأنهما للعهد وأجمعت الأمة على أن المبيع بيعا صحيحا يصير بعد انقضاء الخيار ملكا للمشتري قال الغزالي أجمعت الأمة على أن البيع سبب لإفادة الملك
ثم إن البخاري ذكر هذه القطعة من الآية الكريمة التي أولها الذين يأكلون الربوا إلى قوله هم فيها خالدون إشارة إلى أمور منها أن مشروعية البيع بهذه ومنها أن البيع سبب للملك ومنها أن الربا الذي يعمل بصورة البيع حرام قوله وقوله إلا أن تكون ( البقرة 282 ) إلى آخره عطف على قوله وقول الله عز و جل وهذه قطعة من آية المداينة وهي أطول آية في القرآن أولها قوله يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين ( البقرة 282 ) وأخراها والله بكل شيء عليم وقال الثعلبي أي لكن إذا كانت تجارة وهو استثناء منقطع أي إلا التجارة فإنها ليست بباطل إذا كان البيع بالحاضر يدا بيد فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها وقرأ أهل الكوفة تجارة بالنصب وهو اختيار أبي عبيد وقرأ الباقون بالرفع واختاره أبو حاتم وقال الزمخشري قرىء تجارة حاضرة ( البقرة 282 ) بالرفع على كان التامة وقيل هي الناقصة على أن الاسم تجارة والخبر تديرونها ( البقرة 282 ) وبالنصب على إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة قوله حاضرة يعني يدا بيد تديرونها بينكم وليس فيها إجمال أباح الله ترك الكتابة فيها لأن ما يخاف من النساء والتأجيل يؤمن فيه وأشار بهذه القطعة من الآية أيضا إلى مشروعية البيع بهذه والله أعلم
1 -
( باب ما جاء في قول الله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين وقوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ( الجمعة 01 11 ) )
أي هذا باب في بيان ما جاء في قوله عز و جل فإذا قضيت الصلاة ( الجمعة 01 11 ) إلى آخرالآية هذه والتي بعدها من سورة الجمعة وهي مدنية وهي سبعمائة وعشرون حرفا ومائة وثمانون كلمة وإحدى عشرة آية قوله فإذا قضيت الصلاة ( الجمعة 01 11 ) أي فإذا أديت والقضاء يجيء بمعنى الأداء وقيل معناه إذا فرغ منها فانتشروا في الأرض ( الجمعة 01 11 ) للتجارة والتصرف في حوايجكم وابتغوا من فضل الله ( الجمعة 01 11 ) أي الرزق ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار وابتغاء الربح مع التوصية بإكثار الذكر وأن لا يلهيهم شيء من التجارة ولا غيرها عنه والأمر فيهما للإباحة والتخيير كما في قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا ( المائدة 2 ) وقيل هو أمر على بابه وقال الداودي هو على الإباحة لمن له كفاف أو لا يطيق التكسب وفرض على من لا شيء له ويطيق التكسب وقيل من يعطف عليه بسؤال أو غيره ليس طلب الكفاف عليه بفريضة قوله واذكروا الله كثيرا ( الجمعة 01 11 ) أي على كل حال ولعل من الله واجب والفلاح الفوز والبقاء قوله وإذا رأوا تجارة ( الجمعة 01 11 ) سبب نزولها ما روي عن جابر بن عبد الله قال أقبلت عير ونحن نصلي مع رسول الله الجمعة فانفض الناس إليها فما بقي غير اثني عشر رجلا وأنا فيهم فنزلت وإذا رأوا تجارة ( الجمعة 01 11 ) وروي أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء شديد فقدم دحية بن خليفة بتجارة من زيت الشام والنبي يخطب يوم الجمعة فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه فلم يبق

(11/160)


مع رسول الله إلا رهط منهم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما قيل ثمانية وقيل أحد عشر وقيل اثني عشر وقيل أربعون فقال رسول الله والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق فهو المراد باللهو وعن قتادة فعلوا ذلك ثلاث مرات في كل مقدم عير قوله انفضوا ( الجمعة 01 11 ) أي تفرقوا قوله إليها ( الجمعة 01 11 ) أي إلى التجارة فإن قلت المذكور شيئان التجارة واللهو وكان القياس أن يقال إليهما قلت تقديره وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضوا إليه فحذفت إحداهما لدلالة المذكور عليه قوله وتركوك ( الجمعة 01 11 ) الخطاب للنبي قائما ( الجمعة 01 11 ) أي على المنبر قل يا محمد ما عند الله خير من اللهو ( الجمعة 01 11 ) الذي لا نفع فيه بل هو خير من التجارة التي فيها نفع في الجملة قدم اللهو على التجارة في الآخر والتجارة على اللهو في الأول فإن المقام يقتضي هكذا قوله والله خير الرازقين ( الجمعة 01 11 ) لأنه موجد الأرزاق فإياه فاسألوا ومنه فاطلبوا وقيل لم يكن يفوتكم الرزق لو أقمتم لأن الله خير الرازقين قوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( الجمعة 01 11 ) أي بغير حق وقام الإجماع على أن التصرف في المال بالحرام باطل حرام سواء كان أكلا أو بيعا أو هبة وغير ذلك والباطل اسم جامع لكل ما لا يحل في الشرع كالربا والغصب والسرقة والخيانة وكل محرم ورد الشرع به قوله إلا أن تكون تجارة ( الجمعة 01 11 ) فيه قراءتان الرفع على أن تكون تامة والنصب على تقدير إلا أن تكون الأموال أموال تحارة فحذف المضاف وقيل الأجود الرفع لأنه أدل على انقطاع الاستثناء ولأنه يحتاج إلى إضمار قوله عن تراض منكم ( الجمعة 01 11 ) أي يرضى كل واحد منكم بما في يده وقال أكثر المفسرين هو أن يخير كل واحد من البائعين صاحبه بعد العقد عن تراض والخيار بعد الصفقة ولا يحل لمسلم أن يغش مسلما
ثم إن الآيات التي ذكرها البخاري ظاهرة في إباحة التجارة إلا قوله وإذا رأوا تجارة ( الجمعة 01 11 ) فإنها عتب عليها وهي أدخل في النهي منها في الإباحة لها لكن مفهوم النهي عن تركه قائما اهتماما بها يشعر بأنها لو خلت من العارض الراجح لم يدخل في العتب بل كانت حينئذ مباحة وقد أباح الله تعالى التجارة في كتابه وأمر بالابتغاء من فضله وكان أفاضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يتجرون ويحترفون في طلب المعاش وقد نهى العلماء والحكماء عن أن يكون الرجل لا حرفة له ولا صناعة خشية أن يحتاج إلى الناس فيذل لهم وقد روي عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه يا بني خذ من الدنيا بلاغك وأنفق من كسبك لآخرتك ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالا وعلى أعناق الرجال كلالا
7402 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال حدثنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله بمثل حديث أبي هريرة وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله على ملء بطني فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا وكان يشغل إخواني من الأنصار عمل أموالهم وكنت امرءا مسكينا من مساكين الصفة أعي حين ينسون وقد قال رسول الله في حديث يحدثه إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول فبسطت ثمرة علي حتى إذا قضى رسول الله مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله تلك من شيء
مطابقته للترجمة في قوله صفق بالأسواق وهو التجارة والترجمة مشتملة على التجارة بنوعيها أحدهما التجارة الحاصلة بالتراضي وهي حلال والآخر التجارة الحاصلة بغير التراضي وهي حرام دل عليه قوله عز و جل لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( البقرة 881 ) الآية
ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي والزهري هو

(11/161)


محمد بن مسلم
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري به وأخرجه النسائي في العلم عن محمد بن خالد بن خلي بن بشر بن شعيب عن أبي حمزة عن أبيه به
قوله يكثر الحديث بضم الياء من الإكثار قوله ما بال المهاجرين أي ما حالهم قوله وإن إخواني ويروى إن إخوتي أي في الدين قوله يشغلهم بفتح الياء وهو فعل متعد قوله صفق بالصاد المهملة كذا في رواية أبي ذر وعند غيره سفق بالسين وقال الخليل كل صاد تجيء قبل الفاء وكل سين تجيء بعد القاف فللعرب فيه لغتان سين وصاد ولا يبالون اتصلت أو انفصلت بعد أن تكونا في كلمة إلا أن الصاد في بعض أحسن والسين في بعض أحسن وقال الخطابي وكانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكف إمارة لانتزاع البيع وذلك أن الأملاك إنما تضاف إلى الأيدي والقبوض تبع لها فإذا تصافقت الأكف انتقلت الأملاك واستقرت كل يد منها على ما صار لكل واحد منهما من ملك صاحبه وكان المهاجرون تجارا والأنصار أصحاب زرع فيغيبون بها عن حضرة رسول الله في أكثر أحواله ولا يسمعون من حديثه إلا ما كان يحدث به في أوقات شهودهم وأبو هريرة حاضر دهره لا يفوته شيء منها إلا ما شاء الله ثم لا يستولي عليه النسيان لصدق عنايته بضبطه وقلة استعماله بغيره وقد لحقته دعوة رسول الله فقامت له الحجة على من أنكر أمره واستغرب شأنه قوله على ملء بطني بكسر الميم أي مقتنعا بالقوت قوله فاشهد أي فأحضر إذا غابوا قوله نسوا بفتح النون وضم السين المخففة وأصله نسيوا فنقلت ضمة الياء إلى ما قبلها فاجتمع ساكنان فحذفت الياء فصار نسوا على وزن فعوا قوله وكان يشغل بفتح الياء وفاعله قوله عمل أموالهم بالرفع وإخواني في محل النصب على المفعولية قوله الصفة أي صفة مسجد رسول الله التي كانت منزل غرباء فقراء أصحابه وقال ابن الأثير أهل الصفة هم فقراء المهاجرين ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه فكانوا يأوون إلى موضع يظلل في مسجد المدينة يسكنونه وكان أبو هريرة رئيسهم قوله أعي أي أحفظ من وعى يعي وعيا إذا حفظ وأصله أوعى وحذفت الواو منه تبعا ليعي إذ أصله يوعى حذفت الواو منه لوقوعها بين الياء والكسرة قيل أعي حال عن فاعل كنت والحال مقارن له فكيف يكون هو ماضيا وهذا مستقبلا وأجيب بأنه استئناف مع أنه لو كان حالا يصح لأن المضارع يكون لحكاية الحال وإنما اختصر في حق الأنصار بهذا وترك ذكر أشهد إذا غابوا لأن غيبة الأنصار كانت أقل وكيف لا والمدينة بلدهم ومسكنهم ووقت الزراعة وقت معلوم فلم يعتد بغيبتهم لقلتها أو أن هذا عام للطائفتين كما أن أشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا يعم بأن يقدر في قضية الأنصار أيضا بقرينة السياق قوله نمرة بفتح النون وكسر الميم وهي كساء ملون ولعله أخذ من النمر لما فيه من سواد وبياض وفي الحديث الحرص على التعلم وإيثار طلبه على طلب المال وفضيلة ظاهرة لأبي هريرة وأنه خصه ببسط ردائه وضمه فما نسي من مقالته شيئا قيل إذا كان أبو هريرة أكثر أخذا للعلم يكون أفضل من غيره لأن الفضيلة ليست إلا بالعلم والعمل وأجيب بأنه لا يلزم من أكثرية الأخذ كونه أعلم ولا باشتغالهم عدم زهدهم مع أن الأفضلية معناها أكثرية الثواب عند الله وأسبابه لا تنحصر في أخذ العلم ونحوه وقد يكون بإعلاء كلمة الله ونحوه كذا قيل والأحسن أن يقال لا يستلزم الأفضلية في نوع الأفضلية في كل الأنواع فافهم
8402 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن أبيه عن جده قال قال عبد الرحمان بن عوف رضي الله تعالى عنه لما قدمنا المدينة آخى رسول الله بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد بن الربيع إني أكثر الأنصار مالا فأقسم لك نصف مالي وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها فإذا حلت تزوجتها قال فقال له عبد الرحمان لا حاجة لي في ذلك هل من سوق فيه تجارة قال سوق قينقاع قال فغدا إليه عبد الرحمان فأتى بأقط وسمن قال ثم تابع الغدو فما لبث

(11/162)


أن جاء عبد الرحمان عليه أثر صفرة فقال رسول الله تزوجت قال نعم قال ومن قال امرأة من الأنصار قال كم سقت قال زنة نواة من ذهب أو نواة من ذهب فقال له النبي أولم ولو بشاة ا ( لحديث 8402 - طرفه في 0873 )
مطابقته للترجمة في قوله هل من سوق فيه تجارة وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس القرشي العامري الأويسي المدني وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن ( عبد الرحمن بن عوف ) كان على قضاء بغداد وأبوه سعد ابن إبراهيم أبو إسحاق القرشي المدني وجده إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق المدني
ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون وظاهره الإرسال لأنه إن كان الضمير في جده يعود إلى إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن فيكون الجد فيه إبراهيم بن عبد الرحمن وإبراهيم لم يشهد أمر المؤاخاة لأنه توفي بعد التسعين بغير خلاف وعمره خمس وسبعون سنة وعلى تقدير صحة قول من قال ولد في حياة النبي فلم تصح له رواية عنه وأمر المؤاخاة كان حين الهجرة وإن عاد الضمير إلى جد سعد فيكون على هذا سعد روى عن جده عبد الرحمن وهذا لا يصح لأن عبد الرحمن بن عوف توفي سنة اثنتين وثلاثين وتوفي سعد سنة ست وعشرين ومائة عن ثلاث وسبعين سنة ولكن الحديث المذكور هنا متصل لأن إبراهيم قال فيه قال عبد الرحمن بن عوف يوضح ذلك ما رواه أبو نعيم الحافظ عن أبي بكر الطلحي عن حصين الوادعي حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا إبراهيم بن سعد عن إبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال لما قدمنا المدينة الحديث وكذا ذكره أبو العباس الطرقي وأصحاب الأطراف
ذكر معناه قوله آخى من المؤاخاة قال القرطبي المؤاخاة مفاعلة من الأخوة ومعناها أن يتعاقد الرجلان على التناصر والمؤاساة حتى يصيرا كالأخوين نسبا قوله وبين سعد بن الربيع ضد الخريف الأنصاري الخزرجي النقيب العقبي البدري استشهد يوم أحد وهذه المؤاخاة ذكرها ابن إسحاق في أول سنة من سني الهجرة بين المهاجرين والأنصار وقالوا إن رسول الله آخى بين أصحابه مرتين مرة بمكة قبل الهجرة وأخرى بعد الهجرة قال أبو عمر الصحيح أن المؤاخاة في المدينة بعد بناء المسجد فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولي بعض ( الأنفال 57 ) وقيل كان ذلك والمسجد يبنى وقيل بعد قدومه المدينة بخمسة أشهر وفي ( تاريخ ابن أبي خيثمة ) عن زيد بن أوفى أنها كانت في المسجد وكانوا مائة خمسون من المهاجرين وخمسون من الأنصار وقال أبو الفرج وللمؤاخاة سببان أحدهما أنه أجراهم على ما كانوا ألفوا في الجاهلية من الحلف فإنهم كانوا يتوارثون به فقال لا حلف في الإسلام وأثبت المؤاخاة لأن الإنسان إذا فطم عما يألفه يخنس والثاني أن المهاجرين قدموا محتاجين إلى المال وإلى المنزل فنزلوا على الأنصار فأكد هذه المخالطة بالمؤاخاة ولم تكن بعد بدر مؤاخاة لأن الغنائم استغني بها قوله أي زوجتي بلفظ المثنى المضاف إلى ياء المتكلم و أي إذا أضيف إلى المؤنث يذكر ويؤنث يقال أي امرأة وأية امرأة قوله هويت أي أردت من هوى بالكسر يهوى هوى إذا أحب قوله نزلت لك عنها أي طلقتها لك قوله فإذا حلت أي انقضت عدتها قوله سوق قينقاع بفتح القاف الأولى وسكون الياء آخر الحروف وضم النون وبالقاف وفي آخره عين مهملة منصرفا وغير منصرف وهو بطن من اليهود والمرأة التي تزوجها عبد الرحمن هي ابنة أبي الحيسر أنس بن رافع بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل قال الزبير ولدت له القاسم وأبا عثمان عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف قوله تابع الغدو وبلفظ المصدر أي غدا اليوم الثاني والمتابعة إلحاق الشيء بغيره ويروى بلفظ الغد ضد الأمس قوله أثر صفرة أي الطيب الذي استعمل عند الزفاف وفي لفظ له على ما يأتي وعليه وضر من صفرة بفتح الواو والضاد المعجمة هو التلطخ بخلوق أو طيب له لون وقد صرح به في بعض الروايات بأنه أثر زعفران فإن قلت جاء النهي عن التزعفر فما الجمع بينهما قلت كان يسيرا فلم ينكره وقيل إن ذلك علق من ثوب المرأة من غير قصد وقيل كان في أول الإسلام أن

(11/163)


من تزوج لبس ثوبا مصبوغا لسرورة وزواجه وقيل كانت المرأة تكسوه إياه وقيل إنه كان يفعل ذلك ليعان على الوليمة وقال ابن العباس أحسن الألوان الصفرة وقال عز و جل صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ( البقرة 96 ) قال فقرن السرور بالصفرة ولما سئل عبد الله عن الصبغ بها قال رأيت رسول الله يصبغ بها فأنا أصبغ بها وأحبها وقال أبو عبيد كانوا يرخصون في ذلك للشاب أيام عرسه وقيل يحتمل أن ذلك كان في ثوبه دون بدنه ومذهب مالك جوازه وحكاه عن علماء بلده وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يجوز ذلك للرجال قوله قال ومن أي ومن التي تزوجت بها وفي لفظ له فقال له النبي مهيم قال تزوجت و مهيم بميم مفتوحة وهاء ساكنة وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره ميم وهي كلمة يمانية معناها ما هذا وما أمرك ذكره الهروي وغيره قوله كم سقت أي كم أعطيت يقال ساقه إليه كذا أي أعطاه قوله زنة نواة بكسر الزاي أي وزن نواة من ذهب قال أبو عبيد النواة زنة خمسة دراهم قال الخطابي ذهبا كان أو فضة وعن أحمد بن حنبل زنة ثلاثة دراهم وقيل وزن نواة التمر من ذهب وفي الترمذي عن أحمد زنة ثلاثة دراهم وثلث وقيل النواة ربع دينار وعن بعض المالكية هي ربع دينار قوله أولم أمر أي اتخذ وليمة وهي الطعام الذي يصنع عند العرس ومن ذهب إلى إيجابها أخذ بظاهر الأمر وهو محمول عند الأكثر على الندب وفي ( التلويح ) والوليمة في العرس مستحبة وبه قال الشافعي وفي رواية عنه واجبة وهو قول داود وقتها بعد الدخول وقيل عند العقد وعن ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند الدخول وأن لا ينقص عن شاة قال القاضي الإجماع أنه لا حد لقدرها المجزىء وقال الخطابي إنها قدر الشاة لمن قدر عليها فمن لم يقدر فلا حرج عليه فقد أولم رسول الله بالسويق والتمر على بعض نسائه وكرهت طائفة الوليمة أكثر من يومين وعن مالك أسبوعا
9402 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( زهير ) قال حدثنا ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال قدم عبد الرحمان بن عوف المدينة فآخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري وكان سعد ذا غنى فقال لعبد الرحمان أقاسمك مالي نصفين وأزوجك قال بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فما رجع حتى استفضل أقطا وسمنا فأتى به أهل منزله فمكثنا يسيرا أو ما شاء الله فجاء وعليه وضر من صفرة فقال له النبي مهيم قال يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار قال ما سقت إليها قال نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب قال أولم ولو بشاة
مطابقته للترجمة في قوله دلوني على السوق فإنه ما طلب السوق إلا للتجارة وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله أبو عبد الله التميمي اليربوي الكوفي وزهير تصغير زهر بن معاوية الجعفي وحميد هو الطويل
ذكر معناه قوله قدم عبد الرحمن ويروى لما قدم قوله فآخى من المؤاخاة قوله فما رجع حتى استفضل أي ربح يقال أفضلت منه الشيء واستفضلته إذا أفضلت منه شيئا قوله وعليه وضر من صفرة بفتح الواو والضاد المعجمة وهو التلطخ بخلوق أو طيب له لون وقد ذكرناه في الحديث السابق وكذا مر تفسير مهيم قوله أو وزن نواة شك من الراوي
وفي هذا الحديث ما يدل على أنه لا بأس للشريف أن يتصرف في السوق بالبيع والشراء ويتعفف بذلك عما يبذله من المال وغيره وفيه الأخذ بالشدة على نفسه في أمر معاشه وفيه أن العيش من الصناعات أولى بنزاهة الأخلاق من العيش من الهبات والصدقات وشبههما وفيه البركة للتجارة وفيه المؤاخاة على التعاون في أمر الله تعالى وبذل المال لمن يؤاخى عليه
0502 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام فكأنهم تأثموا فيه

(11/164)


فنزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج قرأها ابن عباس ( انظر الحديث 0771 وأرفيه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يشتمل على أنهم كانوا يتجرون في الأسواق المذكورة بعد نزول قوله تعالى ليس عليكم جناح ( البقرة 891 282 النساء 101 النور 92 16 الأحزاب 5 ) الآية وعبد الله ابن محمد الجعفي البخاري المعروف بالمسندي وسفيان هو ابن عيينة وعمرو بفتح العين هو ابن دينار المكي
وقد مضى الحديث في الحج في باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن الهيثم عن أبي جريج عن عمرو بن دينار إلى آخره وعكاظ بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء معجم و مجنة بفتح الميم والجيم وتشديد النون
قوله فلما كان الإسلام كان تامة قوله تأثموا يعني احتنبوا الإثم يعني تركوا التجارة فيها احتراز عن الإثم قوله في مواسم الحج جمع موسم سمي بالموسم لأنه معلم يجتم الناس إليه وقرأ ابن عباس هذه اللفظة في جملة القرآن زائدة على ما هو المشهور
2 -
( باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات )
أي هذا باب يذكر فيه الحلال بين إلى آخره
1502 - حدثني ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( ابن عون ) عن ( الشعبي ) قال سمعت ( النعمان بن بشير ) رضي الله تعالى عنه يقول سمعت النبي ح وحدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا ابن عيينة عن أبي فروة عن الشعبي قال سمعت النعمان عن النبي ح وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا ابن عيينة عن أبي فروة قال سمعت الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما عن النبي ح وحدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن أبي فروة عن الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال قال النبي الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه ( انظر الحديث 25 )
مطابقته للترجمة من حيث إنها جزء من الحديث
ذكر رجاله وهم أحد عشر رجلا لأنه أخرجه من أربع طرق الأول عن محمد بن المثنى عن محمد بن أبي عدي بفتح العين المهملة وكسر الدال واسم أبي عدي إبراهيم مولى بني سليم بن القساملة عن عبد الله بن عون بفتح العين المهملة وسكون الواو ابن أرطبان عن عامر بن شراحيل الشعبي عن النعمان بن بشير الثاني عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن سفيان بن عيينة عن أبي فروة بفتح الفاء وسكون الراء واسمه عروة بن الحارث المشهور بأبي فروة الكبير عن الشعبي عن النعمان بن بشير الثالث عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن سفيان بن عيينة إلى آخره الرابع عن محمد بن كثير ضد القليل عن سفيان الثوري عن أبي فروة إلى آخره
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في خمسة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع واحد وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واجد وفيه العنعنة في في ثمانية مواضع وفيه السماع في أربعة مواضع وفيه القول عن الراوي في موضع وفيه أن هذه الطرق والتحويلات للتقوية والتأكيد سيما إذا كان فيه لفظ سمعت وفيه أن محمد بن المثنى وابن أبي عدي ومحمد بن كثير وابن عون بصريون وعبد الله بن محمد بخاري وابن عيينة مكي والشعبي وأبو فروة وسفيان الثوري كوفيون
وقد ذكرنا تعدد موضعه ومن أخرجه غيره في كتاب الإيمان في باب من استبرأ لدينه فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن زكريا عن عامر عن النعمان بن بشير وقد مر الكلام فيه مستقصى غاية الاستقصاء

(11/165)


3 -
( باب تفسير المشبهات )
أي هذا باب في بيان تفسير المشبهات بضم الميم وفتح الشين المعجمة والباء الموحدة المشددة المفتوحة جمع مشبهة وهي التي يأتي فيها من شبه طرفين متخالفين فيشبه مرة هذا ومرة هذا ومنه قوله تعالى إن البقر تشابه علينا ( البقرة 07 ) أي اشتبه وفي بعض النسخ باب تفسير المشتبهات من اشتبه من باب الافتعال وفي بعضها باب تفسير الشبهات بضم الشين والباء جمع شبهة وقال الخطابي كل شيء يسبه الحلال من وجه والحرام من وجه هو شبهة والحلال اليقين ما علم ملكه يقينا لنفسه والحرام البين ما علم ملكه لغيره يقينا والشبهة ما لا يدري أهو له أو لغيره فالورع اجتنابه ثم الورع على أقسام واجب كالذي قلناه ومستحب كاجتناب معاملة من أكثر ماله حرام ومكروه كالاجتناب عن قبول رخص الله والهدايا ومن جملته أن يدخل الرجل الخراساني مثلا بغداد ويمتنع من التزوج بها مع الحاجة إليه يزعم أن أباه كان ببغداد فربما تزوج بها وولد له بنت فتكون هذه المنكوحة أختا له
وقال حسان بن أبي سنان ما رأيت شيئا أهون من الورع دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
حسان بن الحسن أو الحسين بن أبي سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون ينصرف ولا ينصرف هذا التعليق رواه أبو نعيم الحافظ قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا محمد بن أحمد بن أحمد بن عمرو حدثنا عبد الرحمن بن عمرو رسته قال حدثنا زهير بن نعيم البابي قال اجتمع يونس بن عبيد وحسان بن أبي سنان يعني أبا عبد الله عابد أهل البصرة فقال يونس ما عالجت شيئا أشد علي من الورع فقال حسان ما عالجت شيئا أهون علي منه قال يونس كيف قال حسان تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت وأيضا قال حدثنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي قال كتب إلينا ضمرة عن عبد الله بن شوذب قال قال حسان بن أبي سنان ما أيسر الورع إذا شككت في شيء فاتركه قلت لفظ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك صح من حديث الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال الترمذي حديث حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الإسناد وشاهده حديث أبي أمامة أن رجلا سأل رسول الله ما الإيمان قال إذا سرتك حسنة وساءتك سيئة فأنت مؤمن قال يا رسول الله ما الإثم قال إذا حك في صدرك شيء فدعه قوله يريبك من الريب وهو الشك ورابني فلان إذا رأيت منه ما يريبك
2502 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) قال أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي حسين قال حدثنا عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث رضي الله تعالى عنه أن امرأة سوداء جاءت فزعمت أنها أرضعتهما فذكر للنبي فأعرض عنه وتبسم النبي قال كيف وقد قيل وقد كانت تحته ابنة إهاب التميمي
مطابقته للترجمة في قوله كيف وقد قيل لأنه مشعر بإشارته إلى تركها ورعا ولهذا فارقها ففيه توضيح الشبهة وحكمها وهو الاجتناب عنها و ( عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ) القرشي النوفلي المكي وسفيان هو الثوري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب العلم في باب الرحلة في المسألة النازلة وأخرجه هناك عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن ( عبد الله بن أبي مليكة ) إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
قوله أرضعتهما أي أرضعت عقبة وامرأته ابنة أبي إهاب بكسر الهمزة وتخفيف الهاء وبالباء الموحدة واسم هذه المرأة غنية بنت أبي إهاب ذكره الزبير وروى الترمذي هذا الحديث ولفظه قال عقبة تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت إني أرضعتكما فأتيت النبي فقلت تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت إني أرضعتكما وهي كاذبة قال فأعرض عني فقال فأتيته من قبل وجهه فقلت إنها كاذبة قال وكيف بها فقد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك ثم قال الترمذي والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم أجازوا

(11/166)


شهادة المرأة الواحدة في الرضاع وقال ابن عباس تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع ويؤخذ بيمينها وبه يقول أحمد وإسحاق وقد قال بعض أهل العلم لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع حتى يكون أكثر وهو قول الشافعي
وقال صاحب ( التلويح ) ذهب جمهور العلماء إلى أن النبي أفتاه بالتحرز من الشبهة وأمره بمجانبة الريبة خوفا من الإقدام على فرج يخاف أن يكون الإقدام عليه ذريعة إلى الحرام لأه قد قام دليل التحريم بقول المرأة لكن لم يكن قاطعا ولا قويا لإجماع العلماء على أن شهادة امرأة واحدة لا تجوز في مثل ذلك لكنه أشار عليه بالأحوط يدل عليه أنه لما أخبره أعرض عنه فلو كان حراما لما أعرض عنه بل كان يجيبه بالتحريم لكنه لما كرر عليه مرة بعد أخرى أجابه بالورع انتهى قلت قوله لإجماع العلماء على أن شهادة امرأة واحدة لا تجوز في مثل ذلك غلط يظهر من كلام الترمذي وأنه متبع في ذلك ابن بطال
7 - ( حدثنا يحيى بن قزعة قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه قالت فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال ابن أخي قد عهد إلي فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا إلى النبي فقال سعد يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال النبي الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة زوج النبي احتجبي منه يا سودة لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله )
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه توضيح الشبهة والاجتناب عنها ولذلك قال لسودة احتجبي منه
( ذكر رجاله ) وهم خمسة قد ذكروا كلهم ويحيى بن قزعة بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات قد مر في آخر الصلاة
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الفرائض عن عبد الله بن يوسف وفي الأحكام عن إسماعيل بن عبد الله وفي الوصايا وفي المغازي عن القعنبي كلهم عن مالك به وأخرجه أيضا في باب شراء المملوك من الحربي عن قتيبة بن سعيد وأخرجه مسلم حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا ليث وحدثنا محمد بن رمح قال أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة ابن أبي وقاص عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول الله إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة فلم ير سودة قط وأخرجه النسائي في الطلاق عن قتيبة
( ذكر بيان الأسامي الواقعة فيه ) عتبة بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة ابن أبي وقاص ذكره العسكري في الصحابة وقال كان أصاب دما في قريش وانتقل إلى المدينة قبل الهجرة ومات في الإسلام وكذا قال أبو عمر وجزم به الذهبي في معجمه فأخطأ ولم يذكره الجمهور في الصحابة وذكره ابن منده فيهم واحتج بوصيته إلى أخيه سعد بابن وليدة زمعة وأنكره أبو نعيم وقال هو الذي شج وجه رسول الله وكسر رباعيته يوم أحد وما علمت له إسلاما ولم يذكره أحد من المتقدمين في الصحابة وقيل أنه مات كافرا وروى معمر عن عثمان الجزري عن مقسم أن عتبة لما كسر رباعية رسول الله دعا عليه فقال اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا فما حال عليه الحول حتى مات كافرا وأم عتبة هند بنت وهب بن الحارث بن زهرة وعتبة هذا أخو سعد بن أبي وقاص لأخيه وأبو وقاص اسمه مالك بن أهيب ويقال وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن

(11/167)


واختلف الفقهاء في المرأة يطلقها زوجها من حين العقد عليها بحضرة الحاكم والشهود فتأتي بولد لستة أشهر فصاعدا من ذلك الوقت عقيب العقد فقال مالك والشافعي لا يلحق به لأنها ليست بفراش له إذا لم يتمكن من الوطء فيه العصمة وهو كالصغير أو الصغيرة اللذين لا يمكن منهما الولد وقال أبو حنيفة وأصحابه هي فراش له ويلحق به ولدها واختلفوا في الأمة فقال مالك إذا أقر بوطئها صارت فراشا إن لم يدع استبراء الحق به ولدها وإن ادعى استبراء حلفه وبريء من ولدها وقال العراقيون لا تكون الأمة فراشا بالوطء إلا بأن يدعي سيدها ولدها وأما إن نفاه فلا يلحق به سواء أقر بوطئها أو لم يقر وسواء استبرأ أو لم يستبرىء قوله وللعاهر الحجر العاهر الزاني وقد عهر يعهر عهرا وعهورا إذا أتى المرأة ليلا للفجور بها ثم غلب على الزنا مطلقا وقد عهر الرجل إلى المرأة ويعهر إذا أتاها للفجور وقد عيهرت هي وتعيهر إذا زنت والعهر الزنا ومنه الحديث اللهم أبدله بالعهر العفة ثم معنى قوله وللعاهر الحجر أن الزاني له الخيبة ولا حظ له في الولد والعرب تجعل هذا مثلا في الخيبة كما يقال له التراب إذا أرادوا له الخيبة وقيل الولد لصاحب الفراش من الزوج أو السيد وللزاني الخيبة والحرمان كقولك ما لك عندي شيء غير التراب وما بيدك غير الحجر وقال بعضهم كني بالحجر عن الرجم وليس كذلك لأنه ليس كل زان يرجم وإنما يرجم المحصن خاصة قوله احتجبي منه أشكل معناه قديما على العلماء فذهب أكثر القائلين بأن الحرام لا يحرم الحلال وأن الزنا لا تأثير له في التحريم وهو قول عبد الملك بن الماجشون إلا أن قوله كان ذلك منه على وجه الاختيار والتنزه وأن للرجل أن يمنع امرأته من رؤية أخيها هذا قول الشافعي وقالت طائفة كان ذلك منه لقطع الذريعة بعد حكمه بالظاهر فكأنه حكم بحكمين حكم ظاهر وهو الولد للفراش وحكم باطن وهو الاحتجاب من أجل الشبه كأنه قال ليس بأخ لك يا سودة إلا في حكم الله تعالى فأمرها بالاحتجاب منه قوله لما رأى من شبهه بعتبة هو بفتح الشين والباء وبكسر الشين مع سكون الباء
( ذكر ما يستفاد منه ) أصل القضية فيه أنهم كانت لهم في الجاهلية إماء يبغين أن يزنين وكانت السادة تأتيهن في خلال ذلك فإذا أتت إحداهن بولد فربما يدعيه السيد وربما يدعيه الزاني فإن مات السيد ولم يكن ادعاه ولا أنكره فادعاه ورثته به ولحق إلا أنه لا يشارك مستلحقه في ميراثه إلا أن يستلحقه قبل القسمة وإن كان السيد أنكره لم يلحق به وكان لزمعة ابن قيس والد سودة زوج النبي أمة على ما وصف من أن عليها ضريبة وهو يلم بها فظهر بها حمل كان يظن أنه من عتبة أخي سعد بن أبي وقاص وهلك كافرا فعهد إلى أخيه سعد قبل موته فقال استلحق الحمل الذي بأمة زمعة فلما استلحقه سعد خاصمه عبد بن زمعة فقال سعد هو ابن أخي يشير إلى ما كانوا عليه في الجاهلية وقال عبد بن زمعة بل هو أخي ولد على فراش أبي يشير إلى ما استقر عليه الحكم في الإسلام فقضى رسول الله لعبد بن زمعة إبطالا لحكم الجاهلية ثم الذي يستفاد منها على أنواع
منها أن أبا حنيفة أخذ من قوله احتجبي منه أن من فجر بامرأة حرمت على أولاده وبه قال أحمد وهو مذهب الأوزاعي والثوري وقال مالك والشافعي وأبو ثور لا يحرم والاحتجاب للتنزيه وقال أصحابنا الأمر للوجوب والحديث حجة عليهم ومنها ما قال أبو عمر الحكم للظاهر لأنه حكم للولد بالفراش ولم يلتفت إلى الشبه وكذلك حكم في اللعان بظاهر الحكم ولم يلتفت إلى ما جاءت به على النعت المكروه وحكم الحاكم لا يحل الأمر في الباطل لأمره سودة بالاحتجاب
ومنها أن الشافعي تمسك بقول عبد أخي على أن الأخ يجوز أن يستلحق الوارث نسبا للورثة بشرط أن يكون حائزا للإرث أو يستلحقه كل الورثة وبشرط أن يمكن كون المستلحق ولدا للميت وبشرط أن لا يكون معروف النسب من غيره وبشرط أن يصدقه المستلحق إن كان بالغا عاقلا وقال النووي وهذه الشروط كلها موجودة في هذا الولد الذي ألحقه النبي بزمعة حين استلحقه عبد قال وتأول أصحابنا هذا بتأويلين أحدهما أن سودة أخت عبد استلحقته معه ووافقته في ذلك حتى يكون كل الورثة مستلحقين

(11/169)


والتأويل الثاني أن زمعة مات كافرا فلم ترثه سودة لكونها مسلمة وورثه عبد وقال مالك لايستحق إلا الأب خاصة لأنه لاينزل غيره في تحقيق الإصابة منزلته * ومنها أن الشعبي ومحمد بن أبي ذئب وبعض أهل المدينة احتجوا بقوله ( ( الولد للفراش ) ) أن الرجل إذا نفي ولد امرأته لم ينتف ولم يلاعن به قالوا لأن الفراش يوجب حق الولد في إثبات نسبه من الزوج والمرأة فليس لهما إخراجه منه بلعان ولا غيره وقال جماهير الفقهاء من التابعين ومن بعدهم منهم الأئمة الأربعة وأصحابهم إذا نفى الرجل ولد امرأته يلاعن وتنتفى نسبته ويلزم امه وفيه تفصيل يعرف في الفروع واحتجوا في ذلك بما رواه نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فرق بين المتلاعنين والزم الولد أمه وهذا أخرجه الجماعة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ( فائدة ) حديث ( ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ) روي عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم * فعن عائشة رضي الله عنها رواه البخاري ومسلم والنسائي وعن عثمان بن عفان روى عنه الطحاوي أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى أن الولد للفراش ) ) وأخرجه أبوداود في حديث طويل * وعن أبي هريرة أخرجه مسلم من حديث ابن المسيب وأبي سلمة عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال ( 0الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ) ورواه الترمذي والطحاوي أيضا * وعن أبي أمامة أخرجه ابن ماجه عنه مثله وأخرجه الطحاوي أيضا * وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخرجه الشافعي في مسنده وابن ماجه في سننه من حديث عبيدالله ابن أبي يزيد عن أبيه عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 0قضى بالولد للفراش ) ) * وعن عمرو بن خارجة أخرجه الترمذي من حديث عبدالرحمن بن غنم عنه أنه قال ( ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنى ) ) الحديث وفيه ( ( ألا لاوصية لوارث الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ) * وعن عبدالله بن عمرو أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ( ( قام رجل فقال يارسول الله إن فلانا ابني عاهرت بأمه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لادعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ) وعن البراء وزيد بن أرقم أخرجه الطبراني من حديث أبي إسحق عنهما قالا ( ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يو غدير خم ) ) الحديث وفي آخره ( ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ليس لوارث وصية ) ) * وعن عبدالله بن الزبير أخرجه النسائي وقد ذكرناه عن قريب * وعن عبدالله بن مسعود أخرجه النسائي أيضا من حديث أبي وائل عنه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال ( ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ) *
8 - ( حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال أخبرني عبدالله بن ابي السفر عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال سالت النبي صلى الله عليه و سلم عن المعراض فقال إذا أصاب بحده فكل وإذا أصاب بعرضه فقتل فلا تأكل فإنه وقيذ قلت يارسول الله أرسل كلبي واسمي فأجد معه على الصيد كلبا آخر لم أسم عليه ولا أدري أيهما أخذ قال لاتأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر )
مطابقته للترجمة من حيث أنه لايدري حله أو حرمته ويحتملان فلما كان له شبها بكل واحد منهما كان الأحسن التنزه كما فعل الشارع في التمرة الساقطة وقد مضى الحديث في كتاب الوضوء في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي عن عدي بن حاتم إلى آخره وهنا أخرجه عن أبي الوليد هشام بن عبدالملك الطيالسي عن شعبة بن الحجاج عن ابن أبي السفر ضد الحضر وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى والمعراض بكسر الميم ضد المطوال وهو سهم لاريش عليه وفيه خشبة وقيل ثقيلة أو عصى وقيل هو عود دقيق الطرفين غليظ الوسط إذا رمى به ذهب مستويا قوله ( ( وقيذ ) ) فعيل بمعنى الموقوذ بالذال المعجمة وهو المقتول بالخشب وقيل هو الذي يقتل بغير محدد من عصى أو حجر أو غيرهما والله أعلم *
( ( باب ما يتنزه من الشبهات ) )
أي هذا باب في بيان ما يتنزه من التنزه يقال تنزه تنزها إذا بعد وأصله من نزه نزاهة ومنه تنزيه الله وهو تعبيده عما لايجوز عليه من النقائص قوله ( ( من الشبهات ) ) بضم الشين والباء وهو جمع شبهة *
عمدة القاري ج11 ص 170
9 - ( حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان عن منصور عن طلحة عن أنس رضي الله عنه قال مر النبي بتمرة مسقطة فقال لولا أن تكون صدقة لأكلتها )
مطابقته للترجمة من حديث أن فيه التنزه عن الشبهة وذلك أنه كان يتنزه من أكل مثل هذه التمرة الساقطة لأجل الشبهة وهو احتمال كونها من الصدقة ورجاله خمسة قبيصة بفتح القاف وكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة ابن عقبة بن عامر السوائي العامري الكوفي وسفيان الثوري ومنصور هو ابن المعتمر وطلحة هو ابن مصرف على وزن اسم الفاعل من التصريف اليامي بالياء آخر الحروف الكوفي كان يقال له سيد القراء مات سنة ثنتي عشرة ومائة وأخرجه البخاري أيضا في المظالم عن محمد بن يوسف وأخرجه مسلم في الزكاة عن يحيى بن يحيى وعن أبي كريب وأخرجه النسائي في اللقطة عن محمود بن غيلان قوله مسقطة على صيغة المفعول من الإسقاط والقياس أن يقول ساقطة لكنه قد يجعل اللازم كالمتعدي بتأويل كقراءة من قرأ ( فعموا وصموا ) بلفظ المجهول وقال التيمي هو كلمة غريبة لأن المشهور إن سقط لازم على أن العرب قد تذكر الفاعل بلفظ المفعول وبالعكس إذا كان المعنى مفهوما ويجوز أن يقال جاء سقط متعديا أيضا بدليل قوله تعالى سقط في أيديهم وقال الخطابي يأتي المفعول بمعنى الفاعل كقوله تعالى كان وعده مأتيا أي أتيا وقال المهلب إنما ترك النبي أكل التمرة تنزها عنها لجواز أن تكون من تمر الصدقة وليس على غيره بواجب أن يتبع الجوازات لأن الأشياء مباحة حتى يقوم الدليل على الحظر فالتنزه عن الشبهات لا يكون إلا فيما أشكل أمره ولا يدرى أحلال هو أم حرام واحتمل المعنيين ولا دليل على أحدهما ولا يجوز أن يحكم على من أخذ مثل ذلك أنه أخذ حراما لاحتمال أن يكون حلالا غير أنا نستحب من باب الورع أن نقتدي بسيدنا رسول الله فيما فعل في التمرة وقد قال لوابصة بن معبد البر ما اطمأنت إليه نفسك والإثم ما حاك في الصدر وقال أبو عمر لا يبلغ أحد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدور وقال أبو الحسن القابصي إن قال قائل إذا وجد التمرة في بيته فقد بلغت محلها وليست من الصدقة قيل له يحتمل أن يكون النبي كان يقسم الصدقة ثم ينقلب إلى آخره فربما علقت تلك التمرة بثوبه فسقطت على فراشه فصارت شبهة انتهى وقيل في هذا الحديث تحريم قليل الصدقة وكثيرها على النبي وفيه أن أموال المسلمين لا يحرم منها إلا ما له قيمة ويتشاح في مثله وأما التمرة واللبابة من الخبز أو التينة أو الزبيبة وما أشبهها فقد أجمعوا على أخذها ورفعها من الأرض وإكرامها بالأكل دون تعريفها استدلالا بقوله لأكلتها وأنها مخالفة لحكم اللقطة وقال الخطابي وفيه أنه لا يجب على آخذها التصدق بها لأنه لو كان سبيلها التصدق لم يقل لأكلتها وفي المدونة يتصدق بالطعام تافها كان أو غير تافه أعجب إلي إذا خشي عليه الفساد بوطء أو شبهة وعن مطرف إذا أكله غرمه وإن كان تافها وهذا الحديث حجة عليه قال وإن تصدق به فلا شيء عليه
( وقال همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال أجد تمرة ساقطة على فراشي )
همام على وزن فعال بالتشديد هو ابن منبه بن كامل يكنى أبا عتبة الأنباري الصنعاني أخو وهب بن منبه وهذا التعليق ذكره البخاري مسندا في كتاب اللقطة عن محمد بن مقاتل أنبأنا عبد الله أنبأنا معمر عن همام عن أبي هريرة يرفعه إني لأنقلب إلى أهلي فأجد تمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها قوله أجد ذكر بلفظ المضارع استحضارا للصورة الماضية وقال الكرماني ( فإن قلت ) ما تعلقه بهذا الباب ( قلت ) تمام الحديث غير مذكور وهو لولا أن تكون صدقة لأكلتها ارتاب في تلك التمرة فتركها تنزها انتهى ( قلت ) لم يقف الكرماني على تمام الحديث في اللقطة ولو وقف لما احتاج إلى هذا التكلف ولا ذكر بقية الحديث على غير ما هي في رواية البخاري
4502 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عبد الله بن أبي السفر ) عن ( الشعبي ) عن ( عدي بن حاتم ) رضي الله تعالى عنه قال سألت النبي عن المعراض فقال إذا أصاب بحده فكل وإذا أصاب بعرضه فقتل فلا تأكل فإنه وقيذ قلت يا رسول الله أرسل كلبي واسمي فأجد معه على الصيد كلبا آخر لم أسم عليه ولا أدري أيهما أخذ قال لا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر
مطابقته للترجمة من حيث إنه لا يدري حله أو حرمته ويحتملان فلما كان له شبها بكل واحد منهما كان الأحسن التنزه كما فعل الشارع في التمرة الساقطة وقد مضى الحديث في كتاب الوضوء في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن ابن أبي السفر ضد الحضر وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى والمعراض بكسر الميم ضد المطوال وهو سهم لا ريش عليه وفيه خشبة وقيل ثقيلة أو عصى وقيل هو عود دقيق الطرفين غليظ الوسط إذا رمى به ذهب مستويا
قوله وقيذ فعيل بمعنى الموقوذ بالذال المعجمة وهو المقتول بالخشب وقيل هو الذي يقتل بغير محدد من عصى أو حجر أو غيرهما والله أعلم
4 -
( باب ما يتنزه من الشبهات )
أي هذا باب في بيان ما يتنزه من التنزه يقال تنزه تنزها إذا بعد وأصله من نزه نزاهة ومنه تنزيه الله وهو تبعيده عما لا يجوز عليه من النقائص قوله من الشبهات بضم الشين والباء وهو جمع شبهة
5 -
( باب من لم ير الوساوس ونحوها من المشبهات )
أي هذا باب في بيان حال من لم ير الوسواس وهو ما يلقيه الشيطان في القلب وكذلك الوسوسة والوسواس الشيطان

(11/171)


أيضا وأصله الحركة الخفيفة ويقال الوسواس والوسوسة الحديث الخفي لقوله تعالى فوسوس إليه الشيطان ( طه 021 ) وصوت الحلي يسمى وسواسا والموسوس هو الذي يكثر الحديث في نفسه ووسوسة الشيطان تصل إلى القلب في خفاء ووسواس الناس من نفسه وهي وسوسته التي يحدث بها نفسه
قوله من الشبهات وفي بعض النسخ من المشبهات وفي بعضها من المشتبهات
6502 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) عن ( عباد بن تميم ) عن ( عمه ) قال شكي إلى النبي الرجل يجد في الصلاة شيئا أيقطع الصلاة قال لا حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدل على أن الشخص إذا كان في شيء بيقين ثم عرضت له وسوسة لا يرى تلك الوسوسة من الشبهات التي ترفع حكم ذلك الشيء ألا يرى أن البخاري ترجم على هذا الحديث في كتاب الوضوء بقوله لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن ثم أخرج هذا الحديث عن علي عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعن عباد بن تميم عن عمه أنه شكى الحديث وقد مر الكلام فيه هناك وأبو نعيم هو الفضل بن دكين وابن عيينة هو سفيان وعباد على وزن فعال بالتشديد وعمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني قوله شيئا أي وسوسة في بطلان الوضوء وحاصله أن يقين الطهارة لا يزول بالشك بل يزول بيقين الحدث
وقال ابن أبي حفصة عن الزهري لا وضوء إلا فيما وجدت الريح أو سمعت الصوت
ابن أبي حفصة هذا هو أبو سلمة محمد بن أبي حفصة ميسرة البصري وهو يروي عن محمد بن مسلم الزهري قوله لا وضوء إلى آخره والأصل في هذا الباب أن الوسواس لا يدخل في حكم الشبهات المأمور باحتنابها لقوله إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم فالوسوسة ملغاة مطرحة لا حكم لها ما لم تستقر وتثبت
7502 - حدثنا ( أحمد بن المقدام العجلي ) قال حدثنا ( محمد بن عبد الرحمان الطفاوي ) قال حدثنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن قوما قالوا يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال رسول الله سموا الله عليه وكلوه
مطابقته للترجمة تؤخذ من مطابقته الحديث السابق للترجمة ورجاله خمسة أحمد بن المقدام بكسر الميم للمبالغة العجلي بكسر العين المهملة وسكون الجيم البصري الحافظ المجود مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين والطفاوي بضم الطاء المهملة وخفة الفاء نسبة إلى الطفاوة بنت جرم بن ريان بن ألحاف بن قضاعة وقيل الطفاوة موضع بالبصرة قلت يحتمل أن يكون هذا الموضع نزله بنو طفاوة فسمي بهم وهذا كثير فيهم والطفاوي هذا مات في سنة سبع وثمانين ومائة
والحديث انفرد به البخاري
وقال الكرماني قوله سموا أي اذكروا اسم الله عليه
وفيه دليل على أن التسمية عند الذبح غير واجبة إذ هذه التسمية هي المأمور بها عند أكل الطعام وشرب الشراب انتهى قلت كيف غفل الكرماني عن هذه الآية ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( الأنعام 121 ) وهذا عام في كل ذبيح ترك عليه التسمية لكن المتروك سهوا صار مستثنى بالإجماع فبقي الباقي تحت العموم ولا يجوز حمل الآية على تحريم الميتة لأنه صرف الكلام إلى مجازه مع إمكان الإجراء على حقيقته كيف وتحريم الميتة منصوص عليه في الآية وقد قيل في معنى هذا الحديث إن النبي إنما أمرهم بأكلها في أول الإسلام قبل أن ينزل عليه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( الأنعام 121 ) وقال ابن التين وهذا القول ذكره مالك في الموطأ وقد روي ذلك مبينا في حديث عائشة من أن الذابحين كانوا حديثي عهد بالإسلام ممن يصح أن لا يعلموا أن مثل هذا شرع وأما الآن فقد بان ذلك حتى لا تجد أحدا أنه لا يعلم أن التسمية مشروعة ولا يظن بالمسلمين تعمد تركها وأما الساهي فليسم إذا ذكرها ويسمي

(11/172)


الآكل لما يخشى من النسيان فإن قلت قال أبو عمر مما يدل على بطلان قول من قال إن ذلك كان قبل نزول ولا تأكلوا ( الأنعام 121 ) إن هذا الحديث كان بالمدينة وأن أهل باديتها هم الذين أشير إليهم بالذكر في الحديث ولا يختلف العلماء أن الآية نزلت في الأنعام بمكة والأنعام مكية قلت ذكر أبو العباس الضرير في كتابه ( مقامات التنزيل ) والثعلبي وغيرهما أن في الأنعام آيات ست مدنيات نزلن بها فإطلاق أبي عمر كلامه بأن كلها مكية غير صحيح وقال ابن الجوزي سموا أنتم وكلوا ليس معنى أنه يجزىء عما لم يسم عليه ولكن لأن التسمية على الطعام سنة وقال ابن التين إقرار النبي على هذا السؤال وجوابه لهم بما جاء بهم يدل على اعتبار التسمية في الذبائح والله أعلم بحقيقة الحال
6 -
( باب قول الله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( الجمعة 11 ) )
أي هذا باب في بيان سبب نزول قول الله عز و جل وإذا رأوا ( الجمعة 01 ) الآية وقد ذكر هذه الآية في أول كتاب البيوع في باب ما جاء في قول الله عز و جل فإذا قضيت الصلاة ( الجمعة 01 ) الآية وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى وكان قصده من إعادتها هنا إشارة بأن التجارة وإن كانت في نفسها ممدوحة باعتبار كونها من المكاسب الحلال فإنها قد تذم إذا ما قدمت على ما يجب تقديمه عليها وكان من الواجب المقدم عليها إثباتهم مع النبي حين كان يخطب يوم الجمعة إلى أن يفرغ من الصلاة فلما تفرقوا حين أقبلت العير ولم يبق معه غير اثني عشر رجلا أنزل الله تعالى هذه الآية وفيها عتب عليهم وإنكار وأخبر بأن كونهم مع النبي كان خيرا لهم من التجارة
7 -
( باب من لم يبال من حيث كسب المال )
أي هذا باب في بيان حال من لم يبال من حيث كسب المال وأشار بهذه الترجمة إلى ذم من لم يبال في مكاسبه من أين يكسب
9502 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) قال حدثنا ( سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحلال ( الحديث 9502 - طرفه في 3802 )
مطابقته للترجمة في قوله لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام وآدم هو ابن إياس وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب
والحديث أخرجه النسائي أيضا في البيوع عن القاسم بن زكريا بن دينار
قوله يأتي على الناس وفي رواية أحمد عن يزيد عن ابن أبي ذئب بسنده ليأتين على الناس زمان وفي رواية النسائي من وجه آخر يأتي على

(11/173)


الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصابه المال من حل أو حرام وروى الحاكم من حديث الحسن عن أبي هريرة يرفعه يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه أحد إلا أكل الربا فإن لم يأكله أصابه من غباره وقال إن صح سماع الحسن عن أبي هريرة فهذا حديث صحيح وقال ابن بطال هذا يكون لضعف الدين وعموم الفتن وقد قال بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا وروي عنه أنه قال من بابت أكالا من عمل الحلال بات والله عنه راض وأصبح مغفورا له وطلب الحلال فريضة على كل مؤمن ذكره ابن الجوزي في ( كتاب الترغيب والترهيب ) من حديث داود بن علي بن عبد الله ابن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس مرفوعا مختصرا وقال ابن التين أخبر بهذا تحذيرا لأن فتنة المال شديدة وقد دعي أبو هريرة إلى طعام فلما أكل لم ير نكاحا ولا ختانا ولا مولودا قال ما هذا قيل خفضوا جارية فقال هذا طعام ما كنا نعرفه ثم قاءه قال يقال أول ما ينتن من الإنسان بطنه وروى أبان بن أبي عياش عن أنس قال قلت يا رسول الله إجعلني مستجاب الدعوة قال يا أنس أطب كسبك تستجاب دعوتك فإن الرجل ليرفع إلى فيه اللقمة من حرام فلا تستجاب له دعوته أربعين يوما
8 -
( باب التجارة في البر وغيره )
أي هذا باب في بيان إباحة التجارة قوله في البر بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء وقيل بفتح الباء وبتشديد الزاي قال ابن دريد البر متاع البيت من الثياب خاصة وعن الليث ضرب من الثياب وعن الجوهري هو من الثياب أمتعة البزاز والبزازة حرفته وقال محمد في ( السير الكبير ) البز عند أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز وقيل هي السلاح والثياب وقيل بضم الباء وتشديد الراء قيل الأكثر على أنه بالزاي وليس في الحديث ما يدل عليه بخصوصه وكذلك ليس في الحديث ما يقتضي تعيين البر بضم الباء وتشديد الراء والأقرب أن يكون بفتح الباء وتشديد الراء لأنه أليق بمؤاخاة الترجمة التي تأتي بعدها بباب وهي قوله باب التجارة في البحر وإلى هذا مال ابن عساكر قوله وغيره ليس هذا اللفظ بموجود في رواية الأكثر وإنما هو عند الإسماعيلي وكريمة قلت على تقدير وجود هذه اللفظة الأصوب أن البز بالزاي ويكون المعنى وغير البز من أنواع الأمتعة
وقوله عز و جل ورجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( النور 73 )
وقوله بالجر عطف على التجارة تقديره وفي تفسير قوله تعالى رجال لا تلهيهم ( النور 73 ) وأول الآية في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ( النور 73 ) قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بفتح الباء على ما لم يسم فاعله ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة أعني له فيها بالغدو والآصال ( النور 73 ) ورجال مرفوع بما دل عليه يسبح وهو يسبح له والباقون بكسر الباء جعلوا التسبيح فعلا للرجال ورجال فاعل لقوله يسبح فإن قيل التجارة اسم يقع على البيع والشراء فما معنى ضم ذكر البيع إلى التجارة والجواب عنه قيل التجارة في السفر والبيع في الحضر وقيل التجارة الشراء وأيضا البيع في الإلهاء أدخل لكثرته بالنسبة إلى التجارة
وقال قتادة كان القوم يتبايعون ويتجرون ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله
أراد بالقوم الصحابة فإنهم كانوا في بيعهم وشرائهم إذا سمعوا إقامة الصلاة يتبادرون إليها لأداء حقوق الله ويؤيد هذا ما أخرجه عبد الرزاق من كلام ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر فيهم نزلت فذكر الآية وقال ابن بطال ورأيت في تفسير الآية قال كانوا حدادين وخرازين فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الأشفى فسمع الأذان لم يخرج الأشفي من الغررة ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام إلى الصلاة وفي الآية نعت تجار الأمة السالفة وما كانوا عليه من مراعاة حقوق الله تعالى والمحافظة عليها والتزام ذكر الله في حال

(11/174)


تجاراتهم وصبرهم على أداء الفرائض وإقامتها وخوفهم من سوء الحساب والسؤال يوم القيامة
0602 -
1602 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عمرو بن دينار ) عن ( أبي المنهال ) قال ( كنت أتجر في الصرف فسألت زيد بن أرقم ) رضي الله تعالى عنه فقال قال النبي ح وحدثني الفضل بن يعقوب قال حدثنا الحجاج بن محمد قال ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار وعامر بن مصعب أنهما سمعا أبا المنهال يقول سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا كنا تاجرين على عهد رسول الله فسألنا رسول الله عن الصرف فقال إن كان يدا بيد فلا بأس وإن كان نساء فلا يصلح نه
مطابقته للترجمة في قوله كنا تاجرين على عهد رسول الله
ذكر رجاله وهم تسعة لأنه روي من طريقين الأول أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الثاني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريجالثالث عمرو بفتح العين ابن دينار الرابع أبو المنهال بكسر الميم وسكون النون وفي آخره لام اسمه عبد الرحمن بن مطعم ولهم أبو المنهال الآخر صاحب أبي برزة واسمه سيار بن سلامة الخامس الفضل بن يعقوب الرخامي السادس الحجاج بن محمد الأعور السابع عامر بن مصعب بضم الميم وفتح العين المهملة الثامن البراء بن عازب الأنصاري التاسع زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه السؤال وفيه السماع في موضعين وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أبو عاصم شيخه بصري وابن جريج وعمرو بن دينار مكيان وأبو المنهال كوفي وفضل بن يعقوب شيخه بغددي وهو من أفراده والحجاج بن محمد أصله ترمذي سكن المصيصة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن عمرو بن علي وعن حفص بن عمر وفي هجرة النبي عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في البيوع أيضا عن محمد بن حاتم وعن عبيد الله بن معاذ وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور وعن إبراهيم بن الحسن وعن أحمد بن عبد الله وذكر كلهم في حديثهم زيد بن أرقم سوى عمرو بن علي
قوله عن الصرف قال الداودي يعني عن الذهب والفضة وقال الخليل الصرف فضل الدرهم على الدرهم ومنه اشتق اسم الصيرفي لتصريفه بعض ذلك في بعض قلت الصرف من أنواع البيع وهو بيع الثمن بالثمن قوله إن كان يدا بيد يعني متقابضين في المجلس قوله وإن كان نساء بفتح النون وبالمد وهو رواية الكشميهني وفي رواية غيره نسيئا بفتح النون وكسر السين وسكون الياء آخر الحروف بعدها همزة وفي ( المطالع ) وإن كان نسيئا على وزن فعيل وعند الأصيلي نساء مثل فعال وكلاهما صحيح بمعنى التأخر والنسيء اسم وضع موضع المصدر الحقيقي ومثله إنما النسيء زيادة في الكفر ( التوبة 73 ) يقال أنسأت الشيء إنساء ونساء وسيأتي الكلام في هذا الباب مفصلا إن شاء الله تعالى
9 -
( باب الخروج في التجارة )
أي هذا باب في بيان إباحة الخروج في التجارة وكلمة في هنا للتعليل أي لأجل التجارة كما في قوله تعالى لمسكم فيما أفضتم ( الأنفال 86 ) وفي الحديث إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها أي لأجل هرة
وقول الله تعالى فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ( الجمعة 01 )
وقول الله بالجر عطف على الخروج تقديره وفي بيان المراد في قول الله وهو إباحة الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله وهو الرزق والأمر فيه للإباحة كما في قول الله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا ( المائدة 2 )
2602 - حدثنا ( محمد بن سلام ) قال أخبرنا ( مخلد بن يزيد ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عطاء ) عن ( عبيد بن عمير ) أن ( أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه فلم يؤذن

(11/175)


له وكأنه كان مشغولا فرجع أبو موسى ففرغ عمر فقال ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له قيل قد رجع فدعاه فقال كنا نؤمر بذلك فقال تأتيني على ذلك بالبينة فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم فقالوا لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري فذهب بأبي سعيد الخدري فقال عمر أخفى علي من أمر رسول الله ألهاني الصفق بالأسواق يعني الخروج إلى تجارة
مطابقته للترجمة في قوله ألهاني الصفق ومخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ابن يزيد من الزيادة الحراني مر في آخر الصلاة وابن جريج عبد الملك وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن أبي عمير مصغرين ابن قتادة أبو عاصم قاضي أهل مكة فقال مسلم ولد في زمن النبي وقال البخاري رأى النبي وابن جريج وعطاء وعبيد مكيون وأبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك مشهور باسمه وبكنيته
وأخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن مسدد وأخرجه مسلم في الاستئذان من طرق أحدهما عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أن أبا موسى استأذن على عمر رضي الله تعالى عنه ثلاثا فكأنه وجده مشغولا فرجع فقال عمر ألم تسمع صوت عبد الله بن قيس أيذنوا له فدعي فقال ما حملك على ما صنعت قال إنا كنا نؤمر بهذا قال لتقيمن على هذا بينة أو لأفعلن فخرج فانطلق إلى مجلس من الأنصار فقالوا لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا فقام أبو سعيد فقال كنا نؤمر بهذا فقال عمر أخفي علي من أمر رسول الله ألهاني عنه الصفق بالأسواق وفي رواية له من حديث أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطاب فقال السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس فلم يؤذن له فقال السلام عليكم هذا أبو موسى السلام عليكم هذا أبو موسى الأشعري ثم انصرف فقال ردوا علي فجاء فقال يا أبا موسى ما ردك كنا في شغل قال سمعت رسول الله يقول الاستئذان ثلاثا فإن أذن لك وإلا فارجع قال لتأتيني على هذا ببينة وإلا فعلت وفعلت الحديث وفي لفظ له قال عمر أقم عليه البينة وإلا أوجعتك وفي لفظ له لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن قال يشهد لك على هذا وأخرجه أبو داود أيضا في الأدب عن يحيى بن حبيب وفي لفظة فقال عمر لأبي موسى إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله
ذكر معناه قوله استأذن أي طلب الإذن على الدخول على عمر قوله فلم يؤذن له على صيغة المجهول قوله وكأنه أي وكأن عمر كان مشغولا بأمر من أمور المسلمين قوله إيذنوا له أصله إئذنوا له بالهمزتين فلما ثقلتا قلبت الثانية ياء لكسرة ما قبلها قوله قيل قد رجع أي أبو موسى قوله فدعاه أي دعا عمر أبا موسى قوله فقال كنا نؤمر فيه حذف تقديره فبعث عمر وراءه فحضر فقال له لم رجعت فقال كنا نؤمر بذلك أي بالرجوع حين لم يؤذن للمستأذن قوله فقال أي قال عمر تأتيني بدون لام التأكيد وفي رواية مسلم لتأتيني بنون التأكيد على ذلك على الأمر بالرجوع قوله فقالوا أي الأنصار قال النووي إنما قال ذلك الأنصار إنكارا على عمر رضي الله عنه فيما قاله إنه حديث مشهور بيننا معروف عندنا حتى إن أصغرنا يحفظه وسمعه من رسول الله قوله أخفي علي الهمزة للاستفهام و على بتشديد الياء قوله ألهاني الصفق قال المهلب ألهاني الصفق من قوله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( الجمعة 01 ) فقرن التجارة باللهو فسماها عمر لهوا مجازا أراد شغلهم بالبيع والشراء عن ملازمة النبي في كل أحيانه حتى حضر من هو أصغر مني ما لم أحضره من العلم
ذكر ما يستفاد منه فيه أن الاستئذان لا بد منه عند الدخول على من أراد قال الله تعالى لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ( النور 72 ) الاستئناس هو الاستئذان وقال بعض أهل العلم الاستئذان ثلاث مرات مأخوذ من قوله تعالى ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات ( اللنور 85 ) قال يريد ثلاث دفعات قال فورد القرآن في المماليك والصبيان وسنة رسول الله في الجميع وقال أبو عمر هذا وإن كان

(11/176)


له له وجه ولكنه غير معروف عند العلماء في تفسير الآية الكريمة والذي عليه جمهورهم في قوله ثلاث مرات أي ثلاثة أوقات ويدل على صحة هذا القول ذكره فيها من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ( النور 85 ) ثم السنة أن يسلم ويستأذن ثلاثا ليجمع بينهما
واختلفوا هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام وقد صح حديثان في تقديم السلام فذهب جماعة إلى قوله السلام عليكم أدخل وقيل يقدم الاستئذان
وفيه أن الرجل العالم قد يوجد عند من هو دونه في العلم ما ليس عنده إذا كان طريق ذلك العلم السمع وإذا جاز ذلك على عمر فما ظنك بغيره بعده قال ابن مسعود لو أن علم عمر وضع في كفة ووضع علم أحياء أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر عليهم وفيه دلالة على أن طلب الدنيا يمنع من استفادة العلم وكلما ازداد المرء طلبا لها ازداد جهلا وقل علما وفيه طلب الدليل على ما يعكر من الأقوال حتى يثبت عنده وفيه الدلالة على أن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا محمول على الرفع
ذكر الأسئلة والأجوبة منها أن طلب عمر البينة يدل على أنه لا يحتج بخبر الواحد وزعم قوم أن مذهب عمر هذا والجواب عنه أن عمر قد ثبت عنده خبر الواحد وقبوله والحكم به أليس هو الذي نشد الناس بمنى من كان عنده علم عن رسول الله في الدية فليخبرنا وكان رأيه أن المرأة لا ترث من دية زوجها لأنها ليست من عصبة الذين يعقلون عنه فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال كتب إلي رسول الله أن ورث امرأة أشيم من دية زوجها وكذلك نشد الناس في دية الجنين فقال حمل بن النابغة إن رسول الله قضى فيه بغرة عبد أو وليدة فقضى به عمر ولا يشك ذو لب ومن له أقل منزلة من العلم أن موضع أبي موسى من الإسلام ومكانه من الفقه والدين أجل من أن يرد خبره ويقبل خبر الضحاك وحمل وكلاهما لا يقاس به في حال وقد قال له عمر في ( الموطأ ) إني لم أتهمك فدل ذلك على اعتماد كان من عمر وطلب البينة في ذلك الوقت لمعنى الله أعلم به وقد يحتمل أن يكون عمر عنده في ذلك الحين من ليست له صحبة من أهل العراق أو الشام ولم يتمكن من الإيمان في قلوبهم لقرب عهدهم بالإسلام فخشي عليهم أن يختلقوا الكذب على رسول الله عند الرغبة أو الرهبة
ومنها أن قول عمر ألهاني الصفق بالأسواق يدل على أنه كان يقل المجالسة مع النبي وهذا لم يكن لائقا بحقه والجواب أن هذا القول من عمر على معنى الذم لنفسه وحاشاه أن يقل من مجالسته وملازمته وقد كان كثيرا ما يقول فعلت أنا وأبو بكر وعمر وكنت أنا وأبو بكر وعمر ومكانهما منه عال وكان خروجه في بعض الأوقات إلى الأسواق للكفاف وكان من أزهد الناس لأنه وجد فترك
ومنها ما قيل إن عمر قال لأبي موسى أقم البينة وإلا أوجعتك وفي رواية فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك وفي رواية لأجعلنك نكالا فما معنى هذا وأبو موسى كان عنده أمينا ولهذا استعمله وبعثه النبي أيضا ساعيا وعاملا على بعض الصدقات وهذه منزلة رفيعة في الثقة والأمانة وأجيب بأن هذا كله محمول على أن تقديره لأفعلن بك هذا الوعيد إن بان أنك تعمدت كذبا
01 -
( باب التجارة في البحر )
أي هذا باب في بيان إباحة التجارة في ركوب البحر
وقال مطر لا بأس به وما ذكره الله في القرآن إلا بحق ثم تلا وتري الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله
مطر هذا هو الوراق البصري وهو مطر بن طهمان أبو رجاء الخراساني سكن البصرة وكان يكتب المصاحف فلذلك قيل له الوارق روى عن أنس ويقال مرسل ضعفه يحيى بن سعيد في حديثه عن عطاء وكذا روى عن ابن معين وعنه صالح وذكره ابن حبان في الثقات روى له البخاري في كتاب ( الأفعال ) وروى له الباقون وقال الكرماني الظاهر أنه مطر بن الفضل المروزي شيخ البخاري ووصفه المزي والشيخ قطب الدين الحلبي وغيرهما بأنه الوراق ووقع في رواية الحموي

(11/177)


وحده مطرف موضع مطر وليس بصحيح وهو محرف
قوله لا بأس به أي بركوب البحر يدل عليه لفظ التجارة في البحر لأنها لا تكون إلا بالركوب قوله وما ذكره الله أي ما ذكر الله ركوب البحر في القرآن إلا بحق والكلام في هذا الضمير مثل الكلام فيما قبله ولما رأى مطر أن الآية سيقت في موضع الامتنان استدل به على الإباحة واستدلاله حسن لأنه تعالى جعل البحر لعباده لابتغاء فضله من نعمه التي عددها لهم وأراهم في ذلك عظيم قدرته وسخر الرياح باختلافها لحملهم وترددهم وهذا من عظيم آياته ونبههم على شكره عليها بقوله من فضله ولعلكم تشكرون ( فاطر 21 ) وهذه الآية في سورة فاطر وأما التي في النحل وهي وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا ( النحل 41 ) بالواو وهذا يرد قول من زعم منع ركوبه في أبان ركوبه وهو قول يروى عن عمر رضي الله تعالى عنه ولما كتب إلى عمرو بن العاص يسأله عن البحر فقال خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود فكتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه أن لا يركبه أحد طول حياته فلما كان بعد عمر لم يزل يركب حتى كان عمر بن عبد العزيز فاتبع فيه رأي عمر رضي الله تعالى عنه وكان منع عمر لشدة شفقته على المسلمين وأما إذا كان أبان هيجانه وارتجاجه فالأمة مجمعة على أنه لا يجوز ركوبه لأنه تعرض للهلاك وقد نهى الله عباده عن ذلك بقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( البقرة 591 ) وقوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ( النساء 92 )
والفلك السفن الواحد والجمع سواء
الظاهر أنه من كلام البخاري يعني أن المراد من الفلك في الآية السفن أراد أنه الجمع بدليل قوله مواخر ( النحل 41 ) والسفن بضم السين والفاء جمع سفينة قال ابن سيده سميت سفينة لأنها تسفن وجه الماء أي تقشره فعيلة بمعنى فاعلة والجمع سفائن وسفن وسفين قوله الواحد والجمع سواء يعني في الفلك ويدل عليه قوله تعالى في الفلك المشحون ( الشعراء 911 يس 14 ) وقوله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ( يونس 22 ) فذكره في الإفراد والجمع بلفظ واحد وقال بعضهم وقيل إن الفلك بالضم والإسكان جمع فلك بفتحتين مثل أسد وأسد قلت هذا الوجه غير صحيح وإنما الذي يقال إن صمة فاء فلك إذا قوبلت بضم همزة أسد الذي هو جمع يقال جمع وإذا قوبلت بضم قاف قفل يكون مفردا
وقال مجاهد تمخر السفن الريح ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام
قال ابن التين يريد أن السفن تمخر من الريح إن صغرت أي تصوت والريح لا تمخر أي لا تصوت من كبار الفلك لأنها إذا كانت عظيمة صوتت الريح وقال عياض ضبطه الأكثر بنصب السفن وعكسه الأصيلي وقيل ضبط الأصيلي هو الصواب وهو ظاهر القرآن إذ جعل الفعل للسفينة فقال مواخير فيه وقيل ضبط الأكثر هو الصواب بناء على أن الريح الفاعل وهي التي تصرف السفينة في الإقبال والإدبار قوله تمخر بفتح الخاء المعجمة أي تشق يقال مخرت السفينة إذا شقت الماء بصوت وقيل المخر الصوت نفسه قوله من السفن صفة لشيء محذوف أي لا تمخر الريح شيء من السفن إلا الفلك العظام وهو بالرفع بدل عن شيء ويجوز فيه النصب ومواخر جمع ماخرة ومعنى مواخر جواري وقال الزمخشري سواق
3602 - وقال ( الليث ) حدثني ( جعفر بن ربيعة ) عن ( عبد الرحمان بن هرمز ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل خرج في البحر فقضى حاجته وساق الحديث
مطابقته للترجمة في قوله خرج في البحر وأشار بهذا إلى أن ركوب البحر لم يزل متعارفا مألوفا من قديم الزمان وأيضا إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقص الله على إنكاره وهذا الحديث طرف من حديث ساقه بتمامه في كتاب الكفالة على ما يأتي إن شاء الله تعالى ومضى أيضا في كتاب الزكاة في باب ما يستخرج من البحر وذكره هناك بقوله وقال الليث حدثني جعفر ابن ربيعة إلى آخره بصورة التعليق هناك وقد مر الكلام فيه هناك

(11/178)


حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث بهاذا
صرح بهذا وصل المعلق المذكور بقوله وقال الليث وهذا لم يقع في أكثر الروايات في الصحيح وإنما وقع ذكره في رواية أبي ذر وأبي الوقت
11 -
( باب وإذا رأووا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وقوله جل ذكره رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى وإذا رأوا تجارة ( الجمعة 11 ) إلى قوله عن ذكر الله ( النور 73 ) والآية الأولى مر ذكرها عن قريب بقوله باب قول الله عز و جل وإذا رأو تجارة أو لهوا انفضوا إليهاثم ذكر حديث جابر والآية الثانية ذكرها في أول باب التجارة في البر وإنما أعادهما في رواية المستملي لا غير قيل لم يدر ما فائدة الإعادة وقيل ذكرها هنا لمنطوقها وهو الذم وذكرها فيما مضى لمفهومها وهو تخصيص ذمها بحالة اشتغل بها عن الصلاة والخطبة
وقال قتادة كان القوم يتجرون ولكنهم كانوا إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله
هذا أيضا ذكره في باب تجارة البر وأعاده هنا في رواية المستملي
4602 - حدثني ( محمد ) قال حدثني ( محمد بن فضيل ) عن ( حصين ) عن ( سالم بن أبي الجعد ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال أقبلت عير ونحن نصلي مع النبي الجمعة فانفض الناس إلا اثني عشر رجلا فنزلت هذه الآية وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما
هذا أيضا ذكره في باب قول الله عز و جل وإذا رأوا تجارة ( الجمعة 11 ) فإنه أخرجه هناك عن طلق بن غنام عن زائدة عن حصين عن سالم إلى آخره وأخرجه هنا عن محمد هو ابن سلام البيكندي نص عليه الحافظان الدمياطي والمزي عن محمد ابن فضيل مصغر الفضل بن غزوان الضبي الكوفي عن حصين بضم الحاء المهملة وتقدم الكلام فيه هناك وإنما أعاده هنا أيضا في رواية المستملي لا غير وفي رواية النسفي ذكر هذه المقامات كلها ههنا وحذفها فيما مضى
21 -
( باب قول الله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم ( البقرة 762 ) )
أي هذا باب في بيان تفسير قوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم ( البقرة 762 ) من حلالات كسبكم وعن مجاهد المراد بها التجارة وقال ابن بطال إنه وقع في الأصل كلوا بدل أنفقوا وقال إنه غلط وفي ( التلويح ) وفي بعض النسخ كلوا من طيبات ما كسبتم فالأول التلاوة وكان الثاني من طغيان القلم
5602 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت قال النبي إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا
مطابقته للترجمة في قوله بما كسب وقد مضى هذا الحديث في كتاب الزكاة في باب أجر المرأة إذا تصدقت فإنه أخرجه هناك من ثلاث طرق الأول عن آدم عن شعبة عن منصور والأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها الثاني عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عنها والثالث عن يحيى بن يحيى عن

(11/179)


جرير عن منصور عن شقيق عن مسروق عنها وهنا أخرجه عن عثمان بن أبي شيبة أخي أبي بكر بن أبي شيبة عن جرير ابن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن شقيق عن مسروق بن الأجدع عنها وقد مر الكلام فيه هناك قوله غير مفسدة أي غير منفقة في وجه لا يحل
6602 - حدثني ( يحيى بن جعفر ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) قال سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره
مطابقته للترجمة في قوله من كسب زوجها فإن كسبه من التجارة وغيرها وهو مأمور بأن ينفق من طيبات ما كسب ويحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي وهو من أفراده وعبد الرزاق ابن همام الصنعاني اليماني ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وهمام بن منبه
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن يحيى في النفقات وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود فيه عن الحسن بن علي الخلال كلهم عن عبد الرزاق به
قوله من غير أمره أي من غير أمر الزوج قال الكرماني كيف يكون لها أجر وهو بغير أمر الزوج فأجاب بقوله قد يكون بإذنه ولا يكون بأمره ثم قال قد تقدم أنه لا ينقص بعضهم أجر بعض فلم يكن له النصف ثم أجاب بقوله ذلك فيما كان بأمره أو أجرها هو نصف الأجر ولا ينقص عما هو أجره الذي هو النصف وقال ابن التين الحديثان غير متناقضين وذلك أن قوله لها نصف أجره يريد أن أجر الزوج وأجر مناولة الزوجة يجتمعان فيكون للزوج النصف وللمرأة النصف فذلك النصف هو أجرها كله والنصف الذي للزوج هو أجره كله وقال المنذري هو على المجاز أي أنهما سواء في المثوبة كل واحد منها له أجر كامل وهما اثنان فكأنهما نصفان وقيل يحتمل أن أجرهما مثلان فأشبه الشيء المنقسم بنصفين
31 -
( باب من أحب البسط في الرزق )
أي هذا باب في بيان من أحب البسط أي التوسع في الرزق وجواب من محذوف يعني ماذا يفعل وأوضحه في الحديث بأن من أحب هذا فليصل رحمه
7602 - حدثنا ( محمد بن أبي يعقوب الكرماني ) قال حدثنا ( حسان ) قال حدثنا ( يونس ) قال حدثنا ( محمد ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول من سره أن يبسط له رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضحها ويبين جوانبها
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن أبي يعقوب واسمه إسحاق وكنية محمد أبو عبد الله الثاني حسان على وزن فعال بالتشديد ابن إبراهيم أبو هشام العنزي بالعين المهملة والنون المفتوحتين وبالزاي قاضي كرمان مات سنة ست وثمانين ومائة وله مائة سنة الثالث يونس بن يزيد الرابع محمد بن مسلم الزهري الخامس أنس بن مالك
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع والقول وفيه أن شيخه وحسان كرمانيان وكرمان صقع كبير بين فارس وسجستان ومكران وقال النووي كرمان إسم لتلك الديار التي قصبتها برد سير وقد غلب على برد سير حتى كانت مقصد القوافل والملوك والعساكر قلت برد سير بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال وكسر السين المهملات وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء وقال النووي كرمان بفتح الكاف وقال الكرماني الشارح بكسرها قال هو بلدنا وأهل البلد أعلم باسم بلدهم من غيرهم وهم متفقون على كسرها وساعد بعضهم النووي فقال لعل الصواب فيها في الأصل الفتح ثم كثر استعمالها بالكسر تغييرا من العامة قلت

(11/180)


ضبط هذا بالوجهين ولكن الذي ذكره الكرماني هو الأصوب لأنه ادعى اتفاق أهل بلده على الكسر ومع هذا ليس هذا محل المناقشة ولا يبنى على الكسر ولا على الفتح حكم
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الأدب عن حرملة بن يحيى وأخرجه أبو داود في الزكاة عن أحمد بن صالح ويعقوب بن كعب الأنطاكي وأخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن يحيى بن الوزير
ذكر معناه قوله من سره أي من أفرحه قوله أن يبسط كلمة أن مصدرية في محل الرفع لأنه فاعل سره يبسط على صيغة المجهول قوله أو ينسأ بضم الياء وسكون النون بعدها سين مهملة ثم همزة أي يؤخر له وهو من الإنساء وهو التأخير قوله في أثره أي في بقية أثر عمره قال زهير
والمرء ما عاش ممدود له أمل
لا ينتهي العيش حتى ينتهي الأثر
أي ما بقي له من العمر قوله فليصل رحمه جواب من فلذلك دخلته الفاء
واختلفوا في الرحم فقيل كل ذي رحم محرم وقيل وارث وقيل هو القريب سواء كان محرما أو غيره ووصل الرحم تشريك ذوي القربى في الخيرات وهو قد يكون بالمال وبالخدمة وبالزيارة ونحوها وقال عياض لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة والأحاديث تشهد لهذا ولكن للصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يسم واصلا
وفي كتاب ( الترغيب والترهيب ) للحافظ أبي موسى المديني روى من حديث عبد الرحمن بن سمرة أن رسول الله قال إني رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت عليه السلام ليقبض روحه فجاءه بر والده فرد ملك الموت عنه الحديث وقال هو حسن جدا وروى من حديث داود ابن المحبر عن عباد عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة وأبي سعيد أن النبي قال ابن آدم اتق ربك وبر والديك وصل رحمك يمد لك في عمرك وييسر لك يسرك ويجنب عسرك وييسر لك في رزقك ومن حديث داود بن عدي بن علي عن أبيه عن ابن عباس قال رسول الله إن صلة الرحم تزيد في العمر ومن حديث عبد الله بن الجعد عن ثوبان قال رسول الله لا يزيد في العمر إلا بر الوالدين ولا يزيد في الرزق إلا صلة الرحم ومن حديث إبراهيم السامي عن الأوزاعي عن محمد بن علي بن الحسين أخبرني أبي عن جدي عن علي أنه سأل النبي عن قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت ( الرعد 93 ) فقال هي الصدقة على وجهها وبر الوالدين واصطناع المعروف وصلة الرحم تحول الشقاء سعادة وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء زاد محمد بن إسحاق العكاشي عن الأوزاعي يا علي من كانت فيه خصلة واحدة من هذه الأشياء أعطاه الله تعالى ثلاث خصال وروى عن عمر وابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله نحوه ومن حديث عكرمة بن إبراهيم عن زائدة بن أبي الرقاد عن موسى بن الصباح عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي أنه قال إن الإنسان ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فيزيد الله تعالى في عمره ثلاثين سنة وأن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فينقص الله تعالى عمره حتى لا يبقى فيه إلا ثلاثة أيام ثم قال هذا حديث لا أعرفه إلا بهذا الإسناد ومن حديث إسماعيل بن عياش عن داود بن عيسى قال مكتوب في التوراة صلة الرحم وحسن الخلق وبر القرابة تعمر الديار وتكثر الأموال وتزيد في الآجال وإن كان القوم كفارا قال أبو موسى يروى هذا من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعا عن التوراة
قال أبو الفرج فإن قيل أليس قد فرغ من الأجل والرزق فالجواب من خمسة أوجه أحدها أن يكون المراد بالزيادة توسعة الرزق وصحة البدن فإن الغنى يسمى حياة والفقر موتا الثاني أن يكتب أجل العبد مائة سنة ويجعل تزكيته تعمير ثمانين سنة فإذا وصل رحمه زاده الله في تزكيته فعاش عشرين سنة أخرى قالهما ابن قتيبة الثالث أن هذا التأخير في الأصل مما قد فرغ منه لكنه علق الأنعام به بصلة الرحم فكأنه كتب أن فلانا يبقى خمسين سنة فإن وصل رحمه بقي ستين سنة الرابع أن تكون هذه الزيادة في المكتوب والمكتوب غير المعلوم فما علمه الله تعالى من نهاية العمر لا يتغير وما كتبه قد يمحى ويثبت وقد

(11/181)


كان عمر بن الخطاب يقول إن كنت كتبتني شقيا فامحني وما قال إن كنت علمتني لأن ما علم وقوعه لا بد أن يقع ويبقى على هذا الجواب إشكال وهو أن يقال إذا كان المحتوم واقعا فما الذي الذي أفاده زيادة المكتوب ونقصانه فالجواب أن المعاملات على الظواهر والمعلوم الباطن خفي لا يعلق عليه حكم فيجوز أن يكون المكتوب يزيد وينقص ويمحى ويثبت ليبلغ ذلك على لسان الشرع إلى الآدمي فيعلم فضيلة البر وشؤم العقوق ويجوز أن يكون هذا مما يتعلق بالملائكة عليهم السلام فتؤمر بالإثبات والمحو والعلم الحتم لا يطلعون عليه ومن هذا إرسال الرسل إلى من لا يؤمن الخامس أن زيادة الأجل تكون بالبركة فيه وتوفيق صاحبه لفعل الخيرات وبلوغ الأغراض فنال في قصر العمر ما يناله غيره في طويله وزعم عياض أن المراد بذلك بقاء ذكره الجميل بعد الموت على الألسنة فكأنه لم يمت وذكر الحكيم الترمذي أن المراد بذلك قلة المقام في البرزخ
41 -
( باب شراء النبي بالنسيئة )
أي هذا باب في بيان شراء النبي بالنسيئة بفتح النون وسكون السين المهملة وفتح الهمزة وهو الأجل وفي ( المغرب ) يقال بعثه بنساء ونسيء وبالنسيئة بمعنى
8602 - حدثنا ( معلى بن أسد ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الأعمش ) قال ( ذكرنا عند إبراهيم الرهن في السلم ) فقال حدثني ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن النبي اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول معلى بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة ابن أسد أبو الهيثم الثاني عبد الواحد بن زياد الثالث سليمان الأعمش الرابع إبراهيم النخعي الخامس الأسود بن يزيد السادس أم المؤمنين عائشة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعالقول في موضعين وفيه أن شيخه وعبد الواحد بصريان والبقية كوفيون وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم الأعمش وإبراهيم والأسود وفيه رواية الراوي عن خاله وهو إبراهيم يروي عن الأسود وهو خاله
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في أحد عشر موضعا في البيوع وفي الاستقراض وفي الجهاد عن معلى بن أسد وفي السلم عن محمد بن محبوب وفي الشركة عن مسدد وفي البيوع أيضا عن يوسف بن عيسى وعن عمر بن حفص وفي السلم أيضا عن محمد عن يعلى بن عبيد وفي الرهن عن قتيبة وفي الجهاد أيضا عن محمد بن كثير وفي المغازي عن قبيصة بن عقبة وأخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وعن إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم وعن أبي بكر بن أبي شيبة أيضا وعن إسحاق بن إبراهيم أيضا وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن آدم وعن أحمد بن حرب وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر معناه قوله في السلم أي السلف ولم يرد به السلم الذي هو بيع الدين بالعين وهو أن يعطي ذهبا أو فضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم قوله اشترى طعاما من يهودي واختلف في مقدار ما استدانه من الطعام ففي البخاري من حديث عائشة بثلاثين صاعا من شعير وفي أخرى بعشرين وفي ( مصنف ) عبد الرزاق بوسق شعير أخذه لأهله وللبزار من طريق ابن عباس أربعين صاعا وعند الترمذي من حديث ابن عباس رهن درعه بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله وعند ابن أبي شيبة أخذها رزقا لعياله وعند النسائي بثلاثين صاعا من شعير لأهله وفي ( مسند ) الشافعي أن اليهودي يكنى أبا الشحمة وفي ( التوضيح ) وهذا اليهودي يقال له أبو الشحم قاله الخطيب البغدادي في ( مبهماته ) وكذا جاء في رواية الشافعي والبيهقي من حديث جعفر بن أبي طالب عن أبيه أنه رهن درعا عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني طفر في شعير لكنه منقطع كما قال البيهقي ووقع في رواية إمام الحرمين

(11/182)


تسميته بأبي الشحمة كما ذكرنا عن ( مسند ) الإمام الشافعي قوله ورهنه درعا من حديد الدرع بكسر الدال المهملة هو درع الحرب ولهذا قيده بالحديد لأن القميص يسمى درعا وقال ابن فارس درع الحديد مؤنثة ودرع المرأة قميصها مذكر
فإن قلت كان للنبي دروع فأي درع هذه قلت قال أبو عبد الله محمد بن أبي بكر التلمساني في كتاب ( الجوهر ) إن هذه الدرع هي ذات الفضول فإن قلت ما معنى اختياره لرهن الدرع قلت رهن ما هو أشد حاجة إليه لأنه ما وجد شيئا يرهنه غيره فإن قلت ما كانت ضرورته إلى السلف حتى رهن عند اليهودي درعه قلت قد مر أنه أخذه لأهله ورزقا لعياله ويحتمل أنه فعل بيانا للجواز فإن قلت قد ورد في الصحيح أن النبي كان يدخر لأهله قوت سنة فكيف استلف مد اليهودي قلت قد يكون ذلك بعد فراغ قوت السنة وقد يكون كان يدخر قوت السنة لأهله على تقدير أن لا يرد عليه عارض وقيل إنما أخذ النبي الشعير من اليهودي لضيف طرقه ثم فداه أبو بكر رضي الله تعالى عنه فإن قلت لم لم يرهن عند مياسير الصحابة قلت حتى لا يبقى لأحد عليه منة لو أبرأه منه فإن قلت المعاملة مع من يظن أن أكثر ماله حرام ممنوعة فكيف عامل النبي مع هذا اليهودي وقد أخبر الله تعالى أنهم أكالون للسحت قلت هذا عند التيقن أن المأخوذ منه حرام بعينه ولم يكن ذلك على عهد النبي خفيا ومع هذا إن اليهود كانوا باعة في المدينة حينئذ وكانت الأشياء عندهم ممكنة وكان وقتا ضيقا وربما لم يوجد عند غيرهم
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز البيع إلى أجل ثم هل هو رخصة أو عزيمة قال ابن العربي جعلوا الشراء إلى أجل رخصة وهو في الظاهر عزيمة لأن الله تعالى يقول في محكم كتابه يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ( البقرة 282 ) فأنزله أصلا في الدين ورتب عليه كثيرا من الأحكام وفيه جواز معاملة اليهود وإن كانوا يأكلون أموال الربا كما أخبر الله عنهم ولكن مبايعتهم وأكل طعامهم مأذون لنا فيه بإباحة الله وقد ساقاهم النبي على خيبر فإن قلت النصارى كذلك أم لا قلت روى أبو الحسن الطوسي في ( أحكامه ) فقال حدثنا علي بن مسلم الطوسي ببغداد حدثنا محمد ابن يزيد الواسطي عن أبي سلمة عن جابر بن يزيد عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال بعثني النبي إلى حليق النصراني يبعث إليه بأثواب إلى الميسرة قال فأتيته فقلت بعثني إليك رسول الله تبعث إليه بأثواب إلى الميسرة فقال وما الميسرة ومتى الميسرة ما لمحمد ثاغية ولا راغية فأتيت النبي قال فلما رآني قال كذب عدو الله أنا خير من بايع لأن يلبس أحدكم ثوبا من رقاع شتى خير له من أن يأخذ في أمانته ما ليس عنده وفيه رهن في الحضر ومنعه مجاهد في الحضر وقال إنما ذكر الله الرهن في السفر وتبعه داود وفعل النبي كان بالمدينة والله تعالى ذكر وجها من وجوهه وهو السفر وفيه جواز رهن السلاح وآلة الحرب في بلد الجهاد عند الحاجة إلى الطعام لأنه تعارض حينئذ أمران فقدم الأهم منهما لأن نفقة الأهل واجبة لا بد منها واتخاذ آلة الحرب من المصالح لا من الواجبات لأنه يمكن الجهاد بدون آلة فقدم الأهم
9602 - حدثنا ( مسلم ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) ح وحدثني ( محمد بن عبد الله بن حوشب ) قال حدثنا ( أسباط أبو اليسع البصري ) قال ( حدينا هشام الدستوائي ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أنه مشى إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة ولقد رهن النبي درعا له بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرا لأهله ولقد سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد صاع بر ولا صاع حب وإن عنده لتسع نسوة ( الحديث 9602 - طرفه في 8052 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة وأخرجه من طريقين ومسلم على لفظ اسم الفاعل من الإسلام ابن إبراهيم الأزدي الفراهيدي القصاب وهشام هو الدستوائي ومحمد بن عبد الله بن حوشب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين

(11/183)


المعجمة وفي آخره باء موحدة مر في الصلاة وأسباط بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وبالباء الموحدة وفي آخره طاء مهملة وأبو اليسع كنية بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة بلفظ المضارع من وسع يسع
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في خمسة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن رجال هذا الإسناد كلهم بصريون وفيه أن أسباطا هذا ليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد قيل إن اسم أبيه عبد الواحد وفيه أن البخاري قد ساق هذا الحديث هنا على لفظ أسباط وساقه في الرهن على لفظ مسلم بن إبراهيم مع أن طريق مسلم أعلى وذلك لأن أبا اليسع فيه مقال فاحتاج إلى ذكره عقيب من يعتضده ويتقوى به ولأن عادته غالبا أن لا يذكر الحديث الواحد في موضعين بإسناد واحد
ذكر معناه قوله إهالة بكسر الهمزة وتخفيف الهاء قال الداودي هي الألية وفي ( المحكم ) الإهالة ما أذيب من الشحم وقيل الإهالة الشحم والزيت وقيل كل دهن أوتدم به إهالة واستاهل أهل الإهالة وفي كتاب ( الواعي ) الإهالة ما أذيب من شحم الألية وفي ( الصحاح ) الإهالة الودك وقال ابن المبارك هو الدسم إذا جمد على رأس المرقة وقال الخليل هي الألية تقطع ثم تذاب وقال ابن العربي هي الغلالة تكون من الدهن على المرقة رقيقة قوله سنخة بفتح السين المهملة وكسر النون بعدها خاء معجمة وهي المتغيرة الرائحة من طول الزمان من قولهم سنخ الدهن بكسر النون تغير وروي زنخة بالزاي يقال سنخ وزنخ بالسين والزاي أيضا قوله لأهله يعني لأزواجه وهن تسع ومنه يؤخذ أنه لا بأس للرجل أن يذكر عن نفسه أنه ليس عنده ما يقوته ويقوت عياله على غير وجه الشكاية والتسخط بل على وجه الاقتداء به قوله ولقد سمعته يقول قال الكرماني قوله لقد سمعته كلام قتادة وفاعل يقول أنس وقال بعضهم ولقد سمعته يقول هو كلام أنس والضمير في سمعته للنبي أي قال ذلك لما رهن الدرع عند اليهودي مظهرا للسبب في شرائه إلى أجل ووهم من زعم أنه كلام قتادة وجعل الضمير في سمعته لأنس لأنه إخراج للسياق عن ظاهره بغير دليل قلت الأوجه في حق النبي ما قاله الكرماني لأن في نسبة ذلك أن النبي نوع إظهار بعض الشكوى وإظهار الفاقة على سبيل المبالغة وليس ذلك يذكر في حقه قوله ولا صاع حب تعميم بعد تخصيص قوله لتسع بالنصب لأنه اسم إن واللام فيه للتأكيد
وفيه بيان ما كان عليه من التقلل من الدنيا وذلك كله باختياره وإلا فقد أتاه الله مفاتيح خزائن الأرض فردها تواضعا ورضي بزي المساكين ليكون أرفع لدرجته وقد قال كليم الله موسى إني لما أنزلت إلي من خير فقير ( القصص 42 ) والخير كسرة من شعير اشتاقها واشتهاها وقال صاحب ( التوضيح ) وفيه رد على زفر والأوزاعي أن الرهن ممنوع في السلم قلت ليس في الحديث إلا الشراء بالدين وليس فيه ما يتعلق بالسلم فكيف يصح به الرد وكأن صاحب ( التوضيح ) ظن أن فيه شيئا من السلم والظاهر أنه ظن أن قول الأعمش في سند الحديث الماضي ذكرنا عند إبراهيم الرهن في السلم أنه السلم المتعارف وليس كذلك بل المراد به السلف كما ذكرنا وفي الحديث قبول ما تيسر وقد دعى إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجاب أخرجه البيهقي عن الحسن مرسلا وفيه مباشرة الشريف والعالم شراء الحوائج بنفسه وإن كان له من يكفيه لأن جميع المؤمنين كانوا حريصين على كفاية أمره وما يحتاج إلى التصرف فيه رغبة منهم في رضاه وطلب الآخرة والثواب
51 -
( باب كسب الرجل وعمله بيده )
أي هذا باب في بيان فضل كسب الرجل وعمله بيده قوله وعمله بيده من عطف الخاص على العام لأن الكسب أعم من أن يكون بعمل اليد أو بغيرها
0702 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( ابن وهب ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( عروة بن الزبير ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت لما استخلف أبو بكر الصديق قال لقد

(11/184)


علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ويحترف للمسلمن فيه
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ما يدل على أن كسب الرجل بيده أفضل وذلك أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان يحترف أي يكتسب ما يكفي عياله ثم لما شغل بأمر المسلمين حين استخلف لم يكن يتفرغ للاحتراف بيده فصار يحترف للمسلمين وأنه يعتذر عن تركه الاحتراف لأهله فلولا أن الكسب بيده لأهله كان أفضل لم يكن يتأسف بقوله فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال وأشار به إلى بيت مال المسلمين
وهذا الحديث موقوف وهو مما انفرد به البخاري وإسماعيل ابن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس وقد تكرر ذكره وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ويونس هو ابن زيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري المدني
قوله إن حرفتي الحرفة والاحتراف الكسب وكان أبو بكر رضي الله عنه يتجر قبل استخلافه وقد روى ابن ماجه وغيره من حديث أم سلمة أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى في عهد النبي قوله وشغلت على صيغة المجهول قوله بأمر المسلمين أي بالنظر في أمورهم لكونه خليفة قوله فسيأكل آل أبي بكر يعني نفسه ومن تلزمه نفقته لأنه لما اشتغل بأمر المسلمين احتاج إلى أن يأكل هو وأهله من بيت المال وقال ابن التين يقال إن أبا بكر ارتزق كل يوم شاة وكان شأن الخليفة أن يطعم من حضره قصعتين كل يوم غدوة وعشيا وروى ابن سعد بإسناد مرسل برجال ثقات قال لما استخلف أبو بكر رضي الله تعالى عنه أصبح غاديا إلى السوق على رأسه أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهما فقالا كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالا نفرض لك ففرضوا له كل يوم شطر شاة
وفي الطبقات عن حميد بن هلال لما ولي أبو بكر قالت الصحابة رضي الله تعالى عنهم افرضوا للخليفة ما يغنيه قالوا نعم برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف فقال أبو بكر رضيت وعن ميمون قال لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين فقال زيدوني فإن لي عيالا فزاروه خمس مائة فقال أما أن يكون ألفين فزادوه خمس مائة أو كانت ألفين وخمس مائة فزاده خمسمائة ولما حضرت أبا بكر الوفاة حسب ما أنفق من بيت المال فوجدوه سبعة آلاف درهم فأمر بماله غير الرباع فأدخل في بيت المال فكان أكثر مما أنفق قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فربح المسلمون عليه وما ربحوا على غيره وروى ابن سعد وابن المنذر بإسناد صحيح عن مسروق عن عائشة قالت لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي قالت فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه وناضح كان يسقي بستانا له فبعثنا بهما إى عمر رضي الله تعالى عنه فقال رحمه الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده وأخرج ابن سعد من طريق القاسم بن محمد عن عائشة نحوه وزاد أن الخادم كان صيقلا يعمل سيوف المسلمين ويخدم آل بكر ومن طريق ثابت عن أنس نحوه وفيه وقد كنت حريصا على أن أوفر مال المسلمين وقد كنت أصبت من اللحم واللبن وفيه وما كان عنده دينار ولا درهم ما كان إلا خادم ولقحة ومحلب
قوله ويحترف للمسلمين أي يتجر لهم حتى يعود عليهم من ربحه بقدر ما أكل أو أكثر وليس بواجب على الإمام أن يتجر في مال المسلمين بقدر مؤونته إلا أن يتطوع بذلك كما تطوع أبو بكر قوله ويحترف على صيغة المضارع الغائب رواية الكشميهني وفي رواية غيره وأحترف على صيغة المتكلم وحده
ذكر ما يستفاد منه فيه أن أفضل الكسب ما يكسبه الرجل بيده وسيأتي في حديث المقدام عن رسول الله ما يدل على ذلك وروى الحاكم عن أبي بردة يعني ابن نيار سئل رسول الله أي الكسب أطيب وأفضل قال عمل الرجل بيده أو كل عمل مبرور وعن البراء بن عازب نحوه وقال صحيح الإسناد وعن رافع بن خديج مثله وروى النسائي من حديث عائشة أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وقال الماوردي أصول المكاسب

(11/185)


الزراعة والتجارة والصناعة وأيها أطيب فيه ثلاثة مذاهب للناس وأشبهها مذهب الشافعي أن التجارة أطيب والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل وقال النووي وحديث البخاري صريح في ترجيح الزراعة والصنعة لكونهما عمل يده لكن الزراعة أفضلهما لعموم النفع بها للآدمي وغيره وعموم الحاجة إليها وفيه فضيلة أبي بكر وزهده وورعه غاية الورع وفيه أن للعامل أن يأخذ من عرض المال الذي يعمل فيه قدر عمالته إذا لم يكن فوقه إمام يقطع له أجرة معلومة وكل من يتولى عملا من أعمال المسلمين يعطي له شيء من بيت المال لأنه يحتاج إلى كفايته وكفاية عياله لأنه إن لم يعط له شيء لا يرضى أن يعمل شيئا فتضيع أحوال المسلمين وعن ذلك قال أصحابنا ولا بأس برزق القاضي وكان شريح رضي الله تعالى عنه يأخذ على القضاء ذكره البخاري في باب رزق الحكام والعاملين عليها ثم القاضي إن كان فقيرا فالأفضل بل الواجب أخذ كفايته من بيت المال وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع رفقا ببيت المال وقيل الأخذ هو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان لأنه إذا لم يأخذ لم يلتفت إلى أمور القضاء كما ينبغي لاعتماده على غناه فإذا أخذ يلزمه حينئذ إقامة أمور القضاء
1702 - حدثني ( محمد ) قال حدثنا ( عبد الله بن يزيد ) قال حدثنا ( سعيد ) قال حدثني ( أبو الأسود ) عن ( عروة ) قال قالت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها كان أصحاب رسول الله عمال أنفسهم وكان يكون لهم أرواح فقيل لهم لو اغتسلتم ( انظر الحديث 309 )
مطابقته للترجمة في قوله كان أصحاب رسول الله عمال أنفسهم أي كانوا يكتسبون بأيديهم أو بالتجارة أو بالزراعة وأصل هذا الحديث قد مر في كتاب الجمعة في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس فلينظر فيه وأعلم أن في جميع الروايات كذا حدثني أو حدثنا محمد حدثنا عبد الله بن يزيد إلا في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري عن البخاري حدثنا عبد الله بن يزيد فعلى هذا قوله حدثنا محمد هو البخاري وعبد الله بن يزيد هو المقرىء وهو أحد مشايخ البخاري وقد روى عنه كثيرا وقد روى عنه كثيرا وربما روى عنه بواسطة وقال الكرماني قوله محمد قال الغساني لعله محمد بن يحيى الذهلي قلت وكذا قال الحاكم وجزم به فعلى هذا روى البخاري عنه عن عبد الله بن يزيد الذي هو شيخه بواسطة محمد الذهلي وسعيد هو ابن أبي أيوب المصري وقد مر في التهجد وأبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة بن الزبير وقد مر في الغسل
قوله عمال أنفسهم بضم العين وتشديد الميم جمع عامل قوله وكان يكون لهم أرواح وجه هذا التركيب أن في كان ضمير الشان والمراد ماض وذكر يكون بلفظ المضارع استحضارا وإرادة الاستمرار والأرواح جمع ريح وأصله روح قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وأراح اللحم أي أنتن وكانوا يعملون فيعرقون ويحضرون الجمعة تفوح تلك الروايح عنهم فقيل لهم لو اغتسلتم وجواب لو محذوف يعني لو اغتسلتم لذهبت عنكم تلك الروائح الكريهة
وفيه ما كان عليه الصحابة من اختيارهم الكسب بأيديهم وما كانوا عليه من التواضع
رواه همام عن هشام عن أبيه عن عائشة
أي روى الحديث المذكور همام بن يحيى بن دينار الشيباني البصري عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير وفي بعض النسخ وقال همام وهذا تعليق وصله أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق هدبة عنه بلفظ كان القوم خدام أنفسهم فكانوا يروحون إلى الجمعة فأمروا أن يغتسلوا وبهذا اللفظ رواه قريش بن أنس عن هشام عند ابن خزيمة والبزار
2702 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( عيسى بن يونس ) عن ( ثور ) عن ( خالد بن معدان ) عن ( المقدام ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله

(11/186)


لله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير الثاني عيسى بن يونس بن أبي إسحاق واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني الثالث ثور بالثاء المثلثة ابن يزيد من الزيادة الكلاعي بفتح الكاف وتخفيف اللام وبالعين المهملة الشامي الحمصي الحافظ كان قدريا فأخرج من حمص وأحرقوا داره بها فارتحل إلى بيت المقدس ومات به سنة خمسين ومائة الرابع خالد بن معدان بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة وبعد الألف نون الكلاعي أبو عبد الله كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة وقال لقيت من أصحاب النبي سبعين رجلا مات بطرسوس سنة ثلاث أو أربع ومائة الخامس المقدام بكسر الميم ابن معدي كرب الكندي مات سنة سبع وثمانين بحمص
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والإخبار كذلك في موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه رازي والبقية الثلاثة شاميون وحمصيون وفيه ادعى الإسماعيلي انقطاعا بين خالد والمقدام وبينهما جبير ابن نفير يحتاج إلى تحرير وفيه أن المقدام ليس له في البخاري غير هذا الحديث وآخر في الأطعمة وفيه أن ثور بن يزيد المذكور من أفراد البخاري والحديث أيضا من أفراده
ذكر معناه قوله ما أكل أحد وفي رواية الإسماعيلي ما أكل أحد من بني آدم قوله خيرا بالنصب لأنه صفة لقوله طعاما ويجوز فيه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو خير فإن قلت ما الخيرية فيه قلت لأن فيه إيصال النفع إلى الكاسب وإلى غيره والسلامة عن البطالة المؤدية إلى الفضول وكسر النفس والتعفف عن ذل السؤال قوله من أن يؤكل كلمة أن مصدرية أي من أكله قوله من عمل يده بالإفراد وفي رواية الإسماعيلي من عمل يديه بالتثنية قوله فإن نبي الله الفاء تصلح أن تكون للتعليل ويروى وإن داود بالواو وفي رواية الإسماعيلي إن نبي الله داود بلا واو وفي رواية ابن ماجه من حديث خالد بن معدان عن المقدام ما من كسب الرجل أطيب من عمل يديه وفي رواية ابن المنذر من هذا الوجه ما أكل رجل طعاما قط أحل من عمل يديه وفي رواية النسائي من حديث عائشة إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه
فإن قلت ما الحكمة في تعليله قوله ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يديه قلت لأن ذكر الشيء بدليله أوقع في نفس سامعه فإن قلت ما الحكمة في تخصيص داود بالذكر قلت لأن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض كما ذكر الله تعالى في القرآن وإنما قصد الأكل من طريق الأفضل ولهذا أورد النبي قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد وقال أبو الزاهرية كان داود عليه الصلاة و السلام يعمل القفاف ويأكل منها قلت كان يعمل الدروع من الحديد بنص القرآن وكان نبينا يأكل من سعيه الذي بعثه الله عليه في القتال وكان يعمل طعامه بيده ليأكل من عمل يده قيل لعائشة كيف كان رسول الله يعمل في أهله قالت كان في مهنة أهله فإذا أقيمت الصلاة خرج إليها
3702 - حدثنا ( يحيى بن موسى ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) قال حدثنا ( أبو هريرة ) عن رسول الله أن داود عليه السلام كان لا يأكل إلا من عمل يده
مطابقته للترجمة ظاهرة
ويحيى بن موسى بن عبد ربه أبو زكريا السختياني الحدائي البلخي يقال له خت وكلهم قد ذكروا غير مرة
والحديث من أفراده وهو طرف من حديث سيأتي في ترجمة داود عليه الصلاة و السلام بخلاف الذي

(11/187)


قبله وفي رواية الإسماعيلي زيادة وهي خفف على داود عليه الصلاة و السلام القراءة فكان يأمر بدوابه لتسرج فكان يقرأ القرآن قبل أن تسرج وأنه كان لا يأكل إلا من عمل يده
4702 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي عبيد ) مولى عبد الرحمان بن عوف أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه
مطابقته للترجمة من حيث إن الإحتطاب من كسب الرجل بيده ومن عمله ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو عبيد مصغر العبد مولى ( عبد الرحمن بن عوف ) ويقال له أيضا مولى ابن أزهر وقد مضى الحديث في كتاب الزكاة في باب قول الله لا يسألون الناس إلحافا ( البقرة 372 ) ولكن أخرجه هناك من طريق الأعرج عن أبي هريرة وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى
61 -
( باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف )
أي هذا باب في بيان استحباب السهولة وهو ضد الصعب وضد الحزن قاله ابن الأثير وغيره والسماحة من سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء قاله ابن الأثير وفي ( المغرب ) السمح الجود وقال بعضهم السهولة والسماحة متقاربان في المعنى فعطف أحدهما على الآخر من التأكيد اللفظي قلت قد عرفت أنهما متغايران في أصل الوضع فلا يصح أن يقال من التأكيد اللفظي لأن التأكيد اللفظي أن يكون المؤكد والمؤكد لفظا واحد من مادة واحدة كما عرف في موضعه قوله ومن طلب كلمة من شرطية وقوله فليطلبه جوابه قوله في عفاف جملة في محل النصب على الحال من الضمير الذي في فليطلبه والعفاف بفتح العين الكف عما لا يحل وروى الترمذي وابن ماجه وابن حبان من حديث نافع عن ابن عمر وعائشة مرفوعا من طلب حقا فليطلبه في عفاف واف أو غير واف وفي رواية أخرى خذ حقك في عفاف واف أو غير واف وأخذ البخاري هذا وجعله جزأ من ترجمة الباب
6702 - حدثنا ( علي بن عياش ) قال حدثنا ( أبو غسان محمد بن مطرف ) قال حدثني ( محمد بن المنكدر ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال رحم الله رجلا سمحا إذا باع واذا اشترى وإذا اقتضى
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة الألهاني الحمصي وهو من أفراده ومطرف بالطاء المهملة على صيغة اسم الفاعل من التطريف والمنكدر على وزن اسم الفاعل من الانكدار
والحديث أخرجه ابن ماجه في التجارات عن عمرو بن عثمان وأخرجه الترمذي من حديث زيد بن عطاء عن ابن المنكدر عن جابر ولفظه غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلا إذا باع سهلا إذا اشترى سهلا أذا اقتضى وقال

(11/188)


حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه
قوله رحم الله رجلا يحتمل الدعاء ويحتمل الخبر قال الداودي والظاهر أنه دعاء وقال الكرماني ظاهره الإخبار عن حال رجل كان سمحا لكن قرينة الاستقبال المستفاد من إذا تجعله دعاء وتقديره رحم الله رجلا يكون سمحا وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط والسمح بسكون الميم الجواد والمساهل والموافق على ما طلب قوله وإذا اقتضى أي إذا طلب قضاء حقه بسهولة وفي رواية حكاها ابن التين وإذا قضى أي إذا أعظى الذي عليه بسهولة بغير مطل
وروى الترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعا إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء وروى النسائي من حديث عثمان رفعه أدخل الله الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا وروى أحمد من حديث عبد الله بن عمر ونحوه وفي الحديث الحض على المسامحة وحسن المعاملة واستعمال محاسن الأخلاق ومكارمها وترك المشاحة في البيع وذلك سبب لوجود البركة لأنه لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم دينا ودنيا وأما فضله في الآخرة فقد دعا بالرحمة والغفران لفاعله فمن أحب أن تناله هذه الدعوة فليقتد به وليعمل به
وفيه ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم وقال ابن حبيب تستحب السهولة في البيع والشراء وليس هي تلك المطالبة فيه إنما هي ترك المضاجرة ونحوها
71 -
( باب من أنظر موسرا )
أي هذا باب في بيان فضل من أنظر موسرا وقد اختلفوا في حد الموسر فقيل من عنده مؤنته ومؤنة من تلزمه نفقته وقال الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق من عنده خمسون درهما أو قيمتها من الذهب فهو موسر وقال الشافعي قد يكون الشخص بالدرهم غنيا يكسبه وقد يكون فقيرا بالألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله وقيل الموسر من يملك نصاب الزكاة وقيل من لا يحل له الزكاة وقيل من يجد فاضلا عن ثوبه ومسكنه وخادمه ودينه وقوت من يمونه وعند أصحابنا على ما ذكره صاحب ( المبسوط ) و ( المحيط ) الغني على ثلاث مراتب المرتبة الأولى الغني الذي يتعلق به وجوب الزكاة المرتبة الثانية الغني الذي يتعلق به وجوب صدقة الفطر والأضحية وحرمان الزكاة وهو أن يملك ما يفضل عن حوائجه الأصلية ما يبلغ قيمة مائتي درهم مثل دور لا يسكنها وحوانيت يؤجرها ونحو ذلك والمرتبة الثالثة في الغنى غنى حرمة السؤال قيل ما قيمته خمسون درهما وقال عامة العلماء إن من ملك قوت يومه وما يستر به عورته يحرم عليه السؤال وكذا الفقير القوي المكتسب يحرم عليه السؤال قلت هذا كله في حق من يجوز له السؤال وأخذ الصدقة ومن لا يجوز وأما ههنا أعني في إنظار الموسر فالاعتماد على أن الموسر والمعسر يرجعان إلى العرف فمن كان حاله بالنسبة إلى مثله يعد يسارا فهو موسر وكذا عكسه فافهم
7702 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( زهير ) قال حدثنا ( منصور ) أن ( ربعي بن حراش ) قال حدثه أن ( حذيفة ) رضي الله تعالى عنه قال حدثه قال قال النبي تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم قالوا أعملت من الخير شيئا قال كنت آمر فتياني أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر قال قال فتجاوزوا عنه مطابقته للترجمة في قوله كنت آمر فتياني أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر وهكذا وقع في رواية أبي ذر والنسفي عن الله لموسر وهو يطابق الترجمة ووقع في رواية الباقين أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر وكذا أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري المذكور فعلى هذا الحديث لا يطابق الترجمة وقال بعضهم ولعل هذا هو السبب في إيراد التعاليق الآتية لأن فيها ما يطابق الترجمة قلت الأصل هو المطابقة بين الترجمة وحديث الباب

(11/189)


المسند على ما هو المعهود في وضعه ولا يقال وجد المطابقة هنا إلا على رواية أبي ذر والنسفي ولا يحتاج إلى ذكر شيء آخر فافهم
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن قيس أبو عبد الله التميمي اليربوعي الثاني زهير مصغر زهر ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي الثالث منصور بن المعتمر أبو عتاب السلمي الرابع ربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وبالعين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وفي آخره شين معجمة مر في باب إثم من كذب في كتاب العلم الخامس حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه القول في موضع مكررا وفيه أن رجاله كلهم كوفيون وفيه أن شيخه مذكور بالنسبة إلى جده وفيه أن حذيفة حدثه وفي رواية مسلم من طريق نعيم بن أبي هند عن ربعي اجتمع حذيفة وأبو مسعود فقال حذيفة رجل لقي ربه فذكر الحديث وفي آخره فقال أبو مسعود هكذا سمعت رسول الله ومثله رواية أبي عوانة عن عبد الملك عن ربعي كما سيأتي في هذا الباب
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في ذكر بني إسرائيل عن موسى بن إسماعيل وفي الاستقراض عن مسلم بن إبراهيم وأخرجه مسلم في البيوع عن أحمد بن يونس به وعن محمد بن المثنى عن غندر وعن علي بن حجر وإسحاق بن إبراهيم وعن أبي سعيد الأشج وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن محمد بن بشار
ذكر معناه قوله تلقت أي استقبل روح رجل عند الموت وفي رواية عبد الملك بن عمير في ذكر بني إسرائيل أن رجلا كان فيمن كان قبلكم أتاه ملك الموت ليقبض روحهقوله أعملت الهمزة فيه للاستفهام ويروى بحذف همزة الاستفهام وهي مقدرة فيه وفي رواية عبد الملك المذكورة فقال ما أعلم شيئا غير أني فذكره وفي رواية لمسلم من طريق شقيق عن أبي مسعود رفعه حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر قال قال الله تعالى نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه قوله فتياني بكسر الفاء جمع فتى وهو الخادم حرا كان أو مملوكا وقوله أن ينظروا بضم الياء من الإنظار وهو الإمهال وقد ذكرنا أن هذا رواية أبي ذر والنسفي ورواية الباقين أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر وقد مر الكلام فيه في أول الباب قوله ويتجاوزوا عن الموسر والتجاوز المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء وقال الكرماني والظاهر أن صلة ينظروا محذوف وهو عن المعسر ولفظ عن الموسر يتعلق بالتجاوز لكن البخاري جعله متعلقا بذيل الترجمة بالموسر حيث قال باب من أنظر موسرا انتهى قلت لو وقف الكرماني على رواية أبي ذر والنسفي التي ذكرناها في أول الباب لما احتاج إلى هذا التكلف
وفيه والحديث الذي يأتي في الباب الذي يليه أن الرب جل جلاله يغفر الذنوب بأقل حسنة توجد للعبد وذلك والله أعلم إذا حصلت النية فيها لله تعالى وأن يريد بها وجهه وابتغاء مرضاته فهو أكرم الأكرمين ولا يخيب عبده من رحمته وقد قال الله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم ( الحديد 11 ) وفيه إباحة كسب العبد لقوله كنت آمر فتياني وفيه أن العبد يحاسب عند موته بعض الحساب وفيه أنه إن أنظره أو وضع ساغ ذلك وهو شرع من قبلنا وشرعنا لا يخالفه بل ندب إليه
وقال أبو مالك عن ربعي كنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر
أبو مالك اسمه سعد بن طارق الأشجعي الكوفي وهذا التعليق رواه مسلم في ( صحيحه ) عن أبي سعيد الأشح حدثنا أبو خالد الأحمر عن أبي مالك سعد بن طارق عن ربعي عن حذيفة قال أتي الله بعبد من عباده آتاه الله مالا فقال له ماذا عملت في دار الدنيا قال ولا يكتمون الله حديثا قال يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر فقال الله تعالى أنا أحق بذامنك تجاوزوا عن عبدي قال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري هكذا سمعناه من في رسول الله قوله كنت أيسر بضم الهمزة وتشديد السين

(11/190)


من التيسير من باب التفعيل وقيل من أيسر يوسر إيسارا وليس بصحيح لأن القاعدة الصرفية أن يقال أوسر وفي ( المطالع ) أيسر على الموسر أي أسامحه وأعامله بالمياسرة والمساهلة
وتابعه شعبة عن عبد الملك عن ربعي
أي تابع أبا مالك شعبة عن عبد الملك بن أبي عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة في قوله وأنظر المعسر هذه المتابعة رواها البخاري في الاستقراض بسنده فقال حدثنا مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن عبد الملك عن ربعي عن حذيفة قال سمعت النبي يقول مات رجل فقيل له ما عملت من الخير قال كنت أبايع الناس فأتجوز عن الموسر وأخفف عن المعسر فغفر له قال أبو مسعود سمعته من النبي
وقال أبو عوانة عن عبد الملك عن ربعي أنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر
أبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح بن عبد الله اليشكري هذا التعليق وصله البخاري في ذكر بني إسرائيل مطولا عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عبد الملكوقال نعيم بن ابي هند عن ربعي فأقبل من الموسر وأتجاوز عن المعسر
نعيم بضم النون ابن أبي هند الأشجعي وهو نعيم بن النعمان بن أشيم وهو ابن عم سالم بن أبي الجعد وابن عم أبي مالك الأشجعي مات سنة عشر ومائة وهذا التعليق وصله مسلم حدثنا علي بن حجر وإسحاق بن إبراهيم واللفظة لابن حجر قالا حدثنا جرير عن المغيرة عن نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش قال اجتمع حذيفة وأبو مسعود قال حذيفة لقي رجل ربه فقال ما عملت قال ما عملت من الخير إلا أني كنت رجلا ذا مال قال فكنت أطلب به الناس فكنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور قال تجاوزوا عن عبدي قال أبو مسعود هكذا سمعت رسول الله يقول
81 -
( باب من أنظر معسرا )
أي هذا باب في بيان فضل من أنظر معسرا
8702 - حدثنا ( هشام بن عمار ) قال حدثنا ( يحيى بن حمزة ) قال حدثنا ( الزبيدي ) عن ( الزهري ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه ( الحديث 8702 - طرفه في 0843 )
مطابقته للترجمة في قوله فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه
ذكر رجاله وهم ستة الأول هشام ابن عمار بن نصير بن ميسرة أبي الوليد السلمي ويقال الظفري مات في آخر المحرم سنة خمس وأربعين ومائتين قال البخاري أراه بدمشق الثاني يحيى بن حمزة الحضرمي أبو عبد الرحمن قاضي دمشق فل يزل قاضيا بها حتى مات سنة ثلاث وثمانين ومائة وكان مولده سنة ثلاث ومائة رحمه الله الثالث الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة واسمه محمد بن الوليد بن عامر أبو هذيل الرابع محمد بن مسلم الزهري الخامس عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة السادس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه السماع وفيه أن شيخه من أفراده وهو واثنان بعده شاميون والزهري وعبيد الله مدنيان وفيه أن الزهري عن عبيد الله وفي رواية مسلم عن يونس عن الزهري أن عبيد الله بن عبد الله حدثه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في ذكر بني إسرائيل

(11/191)


عن عبد العزيز بن عبد الله وأخرجه مسلم في البيوع عن منصور بن أبي مزاحم ومحمد بن جعفر الوركاني وأخرجه النسائي فيه عن هشام بن عمار به
ذكر معناه قوله كان تاجر يداين الناس وفي رواية النسائي من حديث أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس قوله تجاوزوا عنه وفي رواية النسائي فيقول لرسوله خذ ما يسر واترك ما عسر وتجاوز وروى الحاكم على شرط مسلم ولفظه خذ ما تيسر واترك ما تعسر وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عنا وفيه فقال الله تعالى قد تجاوزت عنك وروى مسلم من حديث حسين بن علي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي قال حدثني أبو اليسر قال رسول الله من أنظر معسرا ووضع له أظله الله في ظل عرشه وروى ابن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن محمد بن كعب عن أبي قتادة سمعت النبي من نفس عن غريمه أو محى عنه كان في ظل العرش يوم القيامة
91 -
( باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا )
أي هذا باب يذكر فيه إذا بين البيعان أي إذا أظهر البيعان ما في المبيع من العيب و البيعان بفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف تثنية بيع وأراد بهما البائع والمشتري وإطلاقه على المشتري بطريق التغليب أو هو من باب إطلاق المشترك وإرادة معنييه معا إذ البيع جاء لمعنيين وفيه خلاف قوله ولم يكتما أي ما في المبيع من العيب قوله ونصحا من باب عطف العام على الخاص وجواب إذا محذوف تقديره إذا بينا ما فيه ولم يكتما بورك لهما فيه أو نحو ذلك ولم يذكره البخاري اكتفاء بما في الحديث على عادته
ويذكر عن العداء بن خالد قال كتب لي النبي هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة
مطابقة هذا التعليق للترجمة تؤخذ من قوله لا داء ولا خبثة ولا غائلة لأن نفي هذه الأشياء بيان بأن المبيع سالم عنها وليس فيها كتمان شيء من ذلك والعداء بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة وفي آخره همزة على وزن فعال هو ابن هودة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة العامري أسلم بعد الفتح صحابي قليل الحديث وكان يسكن البادية وهذا التعليق هكذا وقع وقد وصله الترمذي وقال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عباد بن ليث صاحب الكرابيس قال حدثنا عبد المجيد ابن وهب قال قال لي العداء بن خالد بن هودة ألا أقرئك كتابا كتبه لي رسول الله قال قلت بلى فأخرج لي كتابا هذا ما اشترى العداء بن هودة من محمد رسول الله اشترى منه عبدا أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن ليث
وقد روى عنه هذا الحديث غير واحد من أهل الحديث وأخرجه النسائي أيضا عن محمد بن المثنى عن عباد بن ليث وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن بشار وأخرجه غيرهم وكلهم اتفقوا على أن البائع هو النبي والمشتري العداء وهنا بالعكس فقيل إن الذي وقع هنا مقلوب وقيل صواب وهو من الرواية بالمعنى لأن اشترى وباع بمعنى واحد ولزم من ذلك تقديم اسم رسول الله على اسم العداء وشرحه ابن العربي على ما وقع في الترمذي فقال فيه البداءة باسم المفضول في الشروط إذا كان هو المشتري
ذكر معناه قوله بيع المسلم المسلم بيع المسلم منصوب على أنه مصدر من غير فعله لأن معنى البيع والشراء متقاربان ويجوز أن يكون منصوبا بنزع الخافض تقديره كبيع المسلم ويجوز فيه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو بيع المسلم المسلم والمسلم الثاني منصوب بوقوع فعل البيع عليه قوله لا داء أي لا عيب وقال ابن قتيبة أي لا داء في العبد من الأدواء التي يرد بها كالجنون والجذام والبرص والسل والأوجاع المتقاربة ويقال الداء المرض وهو المشهور

(11/192)


وعين فعله واو بدليل قولهم في الجمع أدواء يقال داء الرجل وأداء وأدأته يتعدى ولا يتعدى وقيل لا داء يكتمه البائع وإلا فلو كان بالعبد داء وبينه البائع لكان من بيع المسلم للمسلم قوله ولا خبثة بكسر الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وفتح الثاء المثلثة وقال ابن التين ضبطناه في أكثر الكتب بضم الخاء وكذلك سمعناه وضبط في بعضها بالكسر وقال الخطابي خبثة على وزن خيرة قيل أراد بها الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب قال تعالى ويحرم عليهم الخبائث ( الأعراف 751 ) والخبثة نوع من أنواع الخبث أراد أنه عبد رقيق لا أنه من قوم لا يحل سبيهم وقيل المراد الأخلاق الخبيثة كالإباق قوله ولا غائلة بالغين المعجمة أي ولا فجور وقيل المراد بالأباق وقال ابن بطال هو من قولهم اغتالني فلان إذا احتال بحيلة يتلف بها مالي وقال ابن العربي الداء ما كان في الخلق بالفتح والخبثة ما كان في الخلق بالضم والغائلة سكوت البائع عما يعلم من مكروه في المبيع ويقال الداء العيب الموجب للخيار والخبثة أن يكون محرما والغائلة ما فيه هلاك مال المشتري ككونه آبقا وقيل الغائلة الخيانة
ذكر ما يستفاد منه على وجه تخريج الترمذي وغيره ذكر ابن العربي فيه ثمان فوائد الأولى البداءة باسم الناقص قبل الكامل في الشروط والأدنى قبل الأعلى وقد ذكرناه الثانية في كتب النبي ذلك له وهو ممن يؤمن عهده ولا يجوز أبدا عليه نقضه لتعليم الأمة لأنه إذا كان هو يفعله فكيف غيره الثالثة أن ذلك على الاستحباب لأنه باع وابتاع من اليهودي من غير إشهاد ولو كان أمرا مفروضا لقام به قبل الخلق وفيه نظر لأن ابتياعه من اليهودي كان برهن الرابعة أنه يكتب اسم الرجل واسم أبيه وجده حتى ينتهى إلى جد يقع به التعريف ويرتفع الاشتراك الموجب للإشكال عند الاحتياج إليه انتهى هذا إنما يتأتى إذا كان الرجل غير معروف أما إذا كان معروفا فلا يحتاج إلى ذكر أبيه وإن لم يكن معروفا وكان أبوه معروفا لم يحتج إلى ذكر الجد كما جاء في البخاري من غير ذكر جد العداء الخامسة لا يحتاج إلى ذكر النسب إلا إذا أفاد تعريفا أو رفع إشكالا السادسة أنه كرر الشراء لأنه لما كانت الإشارة بهذا إلى المكتوب ذكر الشراء في القول المنقول السابعة قال عبد ولم يصفه ولا ذكر الثمن ولا قبضه ولا قبض المشتري قلت إذا كان المبيع حاضرا فلا يحتاج إلى هذا والثمن أيضا إذا كان حاضرا فلا يحتاج إلى ذكره ولا إلى معرفة قدره الثامنة قوله بيع المسلم المسلم ليبين أن الشراء والبيع واحد وقد فرق أبو حنيفة بينهم وجعل لكل واحد حدا منفردا وقال غيره فيه تولي الرجل البيع بنفسه وكذا في حديث اليهودي وكرهه بعضهم لئلا يسامح ذو المنزلة فيكون نقصا من أجره وجاز ذلك للنبي بعصمته في نفسه
وفيه صحة اشتراط سلامة المبيع من سائر العيوب لأنها نكرة في سياق النفي فتعم وفيه مشروعية كتابة الشروط وهو مستحب قطعا وهو أمر زائد على الإشهاد فإن قلت ما فائدة ذكر المفعول وهو قوله المسلم مع أنه لو كان المشتري ذميا لم يجز غشه ولا أن يكتم عنه عيبا يعلمه قلت فائدة ذلك أن المسلم أنصح للمسلم منه للذمي لما بينهما من علاقة الإسلام وغشه له أفحش من غشه للذمي
وقال قتادة الغائلة الزنا والسرقة والإباق
هذا التعليق وصله ابن منده من طريق الأصمعي عن سعيد بن أبي عروبة عنه وفي ( المطالع ) الظاهر أن تفسير قتادة يرجع إلى الخبثة والغائلة معا
وقيل لإبراهيم إن بعض النخاسين يسمى آري خراسان وسجستان فيقول جاء أمس من خراسان جاء اليوم من سجستان فكرهه كراهية شديدة
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة تدل على نفي التدليس والتغرير وهذه الصورة التي ذكرت لإبراهيم النخعي فيها تدليس على المشتري فلذلك كرهه إبراهيم كراهية شديدة
قوله النخاسين بفتح النون وتشديد الخاء المعجمة وكسر السين المهملة جمع النخاس وهو الدلال في الدواب قوله آري خراسان وسجستان الأري بضم الهمزة الممدودة

(11/193)


الراء وتشديد الياء اخر الحروف هو معلف الدابة قاله الخليل وقال التيمى مربط الدابة وقال الأصمى هو حبل يدفن في الأرض ويبرز طرفه تربط به الدابة واصلة من الحبس والاقامة من قولهم تارى بالمكان اذا قام به وقال ابن قرقول الارى كذاقيده جل الرواة ووقع للمروزي أرى بفتح الهمزة والراء على مثال دعى وليس بشيء ووقع لأبي زيد أرى بضم الهمزة وهو أيضا تصحيف وقال بعضهم ووقع لأبي ذر الهروي بضم الهمزة أي أظن قلت قوله أظن غلط لأن المنقول عن أبي زيد هو ما نقله عنه ابن قرقول ثم قال أنه تصحيف وليس المعنى أن أبا ذر قال أظن أنه كذلك يعني مثل ما قال المروزي وقال ابن السكيت مما تضعه العامة في غير موضعه قولهم للمعلف آرى وإنما هو محبس الدابة وهي الأوارى والأواخى وأحدها أرى وأخى وعن الشعبي وزيد بن وهب وغيرهما أمر سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أبا الهياج الأسدي والسائب بن الأقرع أن يقسما للناس يعني الكوفة واحتطوا من وراء السهام فكان المسلمون يعلفون إبلهم ودوابهم في ذلك الموضع حول المسجد فسموه الآرى ( قلت ) وقد اضطربت الرواة فيها اضطرابا شديدا حتى قال بعضهم قرى خراسان موضع آرى خراسان بضم القاف جمع قرية والذي عليه الاعتماد ما قاله التيمي وهو الاصطبل ويدل عليه ما رواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال قيل له إن ناسا من النخاسين وأصحاب الدواب يسمى أحدهم بإصطبل دوابه خراسان وسجستان ثم يأتي السوق فيقول جاءت من خراسان وسجستان قال فكره ذلك إبراهيم وسبب كراهته لما فيه من الغش والتدليس على المشتري ليظن أنها طرية الجلب ورواه دعلج عن محمد بن علي بن زيد حدثنا سعيد بن قيس حدثنا هشيم ولفظه أن بعض النخاسين يسمى أرية خراسان وسجستان ( ح ) وخراسان بضم الخاء الإقليم المعروف موضع الكثير من علماء المسلمين وسجستان بكسر السين المهملة والجيم وسكون السين الثانية وفتح التاء المثناة من فوق اسم للديار التي قصبتها زرنج بفتح الزاي والراء وسكون النون وبالجيم وهذه المملكة خلف كرمان بمسيرة مائة فرسخ وهي إلى ناحية الهند ويقال له السجز بكسر السين المهملة وسكون الجيم وبالزاي
( وقال عقبة بن عامر لا يحل لامريء يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبره )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعقبة بضم العين وسكون القاف ابن عامر الجهني الشريف الفصيح الفرضي الشاعر شهد فتح الشام وهو كان البريد إلى عمر رضي الله تعالى عنه بفتح دمشق ووصل المدينة في سبعة أيام ورجع منها إلى الشام في يومين ونصف بدعائه عند قبر النبي في تقريب طريقه مات بمصر أوليا سنة ثمان وخمسين وقد مر ذكره في الصلاة وهذا التعليق وصله ابن ماجة قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله يقول المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وبه عيب إلا بينه له ورواه أحمد والحاكم أيضا من طريق عبد الرحمن بن شماسة بكسر الشين المعجمة وتخفيف الميم وبعد الألف سين مهملة قوله إلا أخبره وفي رواية الكشميهني إلا أخبر به وروى ابن ماجة أيضا من حديث مكحول وسليمان بن موسى عن واثلة سمعت النبي يقول من باع بيعا لم يبينه لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه
31 - ( حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث رفعه إلى حكيم بن حزام رضي الله عنه قال قال رسول الله البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما )
مطابقته للترجمة في قوله فإن صدقا وبينا إلى آخره
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول سليمان بن حرب أبو أيوب

(11/194)


الواشحي الثاني شعبة بن الحجاج الثالث قتادة بن دعامة الرابع صالح بن أبي مريم أبو الخليل الضبعي الخامس عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أبو محمد الهاشمي السادس حكيم بفتح الحاء وكسر الكاف ابن حزام بكسر الحاء المهملة وخفة الزاي الأسدي وقد مر في الزكاة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بصري وشعبة واسطي وقتادة وصالح بصريان وعبد الله بن الحارث مدني تحول إلى البصرة وفيه قتادة عن صالح وفي رواية تأتي بعد بابين عن قتادة قال سمعت أبا الخليل يحدث عن عبد الله بن الحارث وفيه رفعه إلى حكيم إنما قال ذلك ليشمل سماعه عنه بالواسطة وبدونها وفيه ثلاثة من التابعين الأول قتادة والثاني صالح والثالث عبد الله بن الحارث وهو معدود في التابعين ومذكور في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي فأتى به فحنكه ولم ينسب في شيء من طرق حديثه في الصحيح لكن وقع لأحمد من طريق سعيد عن قتادة عن عبد الله بن الحارث الهاشمي ورواه ابن خزيمة والإسماعيلي عنه من وجه آخر عن شعبة فقال عن قتادة سمعت أبا الخليل يحدث عن عبد الله بن الحارث بن نوفل وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر عن العباس في قصة أبي طالب
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن بدل بن المحبر وعن سليمان بن حرب فرقهما كلاهما عن شعبة وفي حديث بهز وحبان عن همام وحدثني أبو التياح عن عبد الله بن الحارث بهذا وعن حفص بن عمرو عن إسحاق بن حبان عن همام به وأخرجه مسلم في البيوع أيضا عن أبي موسى عن يحيى وعن عمرو بن علي عن يحيى وعن عمرو بن علي عن همام به وأخرجه أبو داود فيه عن أبي الوليد عن شعبة به وأخرجه الترمذي فيه عن ابن بشار عن يحيى به وأخرجه النسائي فيه وفي الشروط عن عمرو بن علي عن يحيى به وعن أبي الأشعث عن سعيد عن قتادة به
ذكر معناه قوله البيعان هكذا هو في سائر طريق الحديث وفي بعضها المتبايعان قال شيخنا ولم أر في شيء من طرقه البائعان وإن كان لفظ البائع أشهر وأغلب من البيع وإنما استعملوا ذلك بالقصر والإدغام من الفعل الثلاثي المعتل العين في ألفاظ محصورة كطيب وميت وكيس وريض ولين وهين واستعملوا في باع الأمرين فقالوا بائع وبيع قوله ما لم يتفرقا هو كذلك في أكثر الروايات بتقديم التاء وبالتشديد وعند مسلم ما لم يفترقا بتقديم الفاء وبالتخفيف وقد فرق بينهما بعض أهل اللغة عن ثعلب أنه سئل هل يتفرقان ويفترقان واحد أم غيران فقال أخبرنا ابن الأعرابي عن المفضل قال يفترقان بالكلام ويتفرقان بالأبدان انتهى وقال شيخنا زين الدين هذا يؤيد ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد هنا التفرق بالأبدان وقال ابن العربي والذي نقله المفضل أو نقل عنه من الفرق بين التفعل والافتعال لا يشهد له القرآن ولا يعضده الاشتقاق قال الله تعالى وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ( البينة 4 ) فذكر التفرق فيما ذكر فيه النبي الافتعال في قوله افترقت اليهود والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة قوله فإن صدقا أي فإن صدق كل واحد منهما في الإخبار عما يتعلق به من الثمن ووصف المبيع ونحو ذلك قوله وبينا أي وبين كل واحد منهما لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة أو السلعة أو الثمن قوله بورك لهما في بيعهما أي كثر نفع المبيع والثمن قوله وإن كتما أي وإن كتم البائع عيب السلعة والمشتري عيب الثمن قوله وكذبا أي وكذب البائع في وصف سلعته والمشتري في وصف ثمنه قوله محقت من المحق وهو النقصان وذهاب البركة وقيل هو أن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه أثر ومنه ويمحق الله الربا ( البقرة 672 ) أي يستأصله ويذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه والمراد يمحق بركة البيع ما يقصده التاجر من الزيادة والنماء فيعامل بنقيض ما قصده وعلق الشارع حصول البركة لهما بشرط الصدق والتبيين والمحق إن وجد ضدهما وهو الكتم والكذب وهل تحصل البركة لأحدهما إذا وجد منه المشروط دون الآخر ظاهر الحديث يقتضيه ولكن يحتمل أن يعود شؤم أحدهما على الآخر
ذكر ما يستفاد منه اختلف العلماء في تأويل قوله ما لم يتفرقا فقال إبراهيم النخعي والثوري في رواية

(11/195)


وربيعة ومالك وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن المراد بالتفرق فيه هو التفرق بالأقوال فإذا قال البائع بعت وقال المشتري قبلت أو اشتريت فقد تفرقا ولا يبقى لهما بعد ذلك خيار ويتم به البيع ولا يقدر المشتري على رد المبيع إلا بخيار الرؤية أو خيار العيب أو خيار الشرط وقال أبو يوسف وعيسى بن أبان وآخرون التفرقة التي تقطع الخيار هي الافتراق بالأبدان بعد المخاطبة بالبيع قبل قبول الآخر وذلك أن الرجل إذا قال لآخر قد بعتك عبدي بألف درهم فللمخاطب بذلك القول أن يقبل ما لم يفارق صاحبه فإذا افترقا لم يكن له بعد ذلك أن يقبل وقال سعيد بن المسيب والزهري وعطاء بن أبي رباح وابن أبي ذئب وسفيان بن عيينة والأوزاعي والليث بن سعد وابن أبي مليكة والحسن البصري وهشام بن يوسف وابنه عبد الرحمن وعبيد الله بن الحسن القاضي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وأبو سليمان ومحمد بن جرير الطبري وأهل الظاهر الفرقة المذكورة في الحديث هي التفرق بالأبدان فلا يتم البيع حتى يوجد التفرق بالأبدان والحاصل من ذلك أن أصحابنا قالوا إن العقد يتم بالإيجاب والقبول ويدخل المبيع في ملك المشتري وإثبات خيار المجلس لأحدهما يستلزم إبطال حق الآخر فينتفي بقوله لا ضرر ولا ضرار في الإسلام والحديث محمول على خيار القبول فإنه إذا أوجب أحدهما فلكل منهما الخيار ما داما في المجلس ولم يأخذا في عمل آخر وفي لفظة إشارة إليه فإنهما متبايعان حالة البيع حقيقة وما بعده أو قبله مجاز أو بعد العقد خيار المجلس غير ثابت لقوله تعالى يا أيها الدين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ( النساء 92 ) فأباح الأكل بوجود التراضي عن التجارة فالبيع تجارة فدل على نفي الخيار وصحة وقوع البيع للمشتري بنفس العقد وجواز تصرفه فيه وقال تعالى أوفوا بالعقود ( المائدة 1 ) وهذا عقد يلزم الوفاء بظاهر الآية وفي إثبات الخيار نفي لزوم الوفاء به وفي الحديث ما يدل على أن نصيحة المسلم واجبة وهذا هو الأصل في هذا الباب وقد كان سيد الخلق يأخذها في البيعة على الناس كما يأخذ عليهم الفرائض قال جرير بايعت رسول الله على السمع والطاعة فشرط علي النصح لكل مسلم وصح أنه قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فحرم بهذا غش المؤمن وخديعته والله أعلم
02 -
( باب بيع الخلط من التمر )
أي هذا باب في بيان بيع الخلط من التمر الخلط بكسر الخاء المعجمة التمر المجتمع على أنواع متفرقة وقال الأصمعي هو كل لون من التمر لا يعرف اسمه وقيل هو نوع رديء وقيل هو المختلط وعن المطرز هو نخل الدقل يعني تمر الدوم كذا ذكره عياض وقال ابن الأثير الدوم ضخام الشجر وقيل هو شجر المقل وقال ابن قرقول هو تمر من تمر النخل رديء يابس وكلمة من في قوله من التمر بيانية
0802 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( شيبان ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال كنا نرزق تمر الجمع وهو الخلط من التمر وكنا نبيع صاعين بصاع فقال النبي لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم
مطابقته للترجمة في قوله وكنا نبيع الصاعين بصاع يعني من تمر الجمع والجمع بفتح الجيم وسكون الميم وهو كل لون من النخيل لا يعرف اسمه وفي ( المغرب ) الجمع الدقل لأنه يجمع من خمسين نخلة وقد نهى النبي عن بيع هذا بقوله لا صاعين بصاع يعني لا تبيعوا الصاعين بصاع لأن التمر كله جنس واحد رديئه وجيده فلا يجوز التفاضل في شيء منه على ما سيأتي الكلام فيه مفصلا
ذكر رجاله وهم خمسة كلهم ذكروا غير مرة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وشيبان بن يحيى التميمي النحوي أصله بصري سكن الكوفة ويحيى هو ابن أبي كثير وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن وأبو سعيد هو الخدري رضي الله تعالى عنه واسمه سعد بن مالك
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن إسحاق بن منصور وأخرجه النسائي فيه عن

(11/196)


إسماعيل بن مسعود وعن هشام بن عفان وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن أبي كريب
وفقه الباب أن التمر كله جنس واحد لا يجوز التفاضل فيه فإن قلت قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا ربا إلا في النسيئة قلت قد ثبت رجوعه عنه وذكر الأثرم في ( سننه ) قلت لأبي عبد الله التمر بالتمر وزنا بوزن قال لا ولكن كيلا بكيل إنما أصل التمر الكيل قلت لأبي عبد الله صاع تمر بصاع واحد وأحد التمرين يدخل في المكيال أكثر فقال إنما هو صاع بصاع أي جائز انتهى قلت ويدخل في معنى التمر جميع الطعام فلا يجوز في الجنس الواحد منه التفاضل ولا النساء بالإجماع فإذا كانا جنسين كحنطة وشعير جاز التفاضل واشترط الحلول وسيجيء البحث فيه عن قريب إن شاء الله تعالى
قوله ولا درهمين بدرهم أي ولا تبيعوا بدرهم يؤيد الحديث الآخر الذهب بالذهب مثلا بمثل إلى أن قال والتمر بالتمر حتى عدد النسئة
12 -
( باب ما قيل في اللحام والجزار )
أي هذا باب في بيان ما قيل في اللحام وهو بياع اللحم والجزار الذي يجزر أي ينحر الإبل وكلاهما على وزن فعال بالتشديد وهذا الباب وقع ههنا عند الأكثرين ووقع عند ابن السكن بعد خمسة أبواب وقال بعضهم وهو أليق لتتوالى تراجم الصناعات قلت توالى التراجم إنما هو أمر مهم والبخاري لا يتوقف غالبا في رعاية التناسب بين الأبواب
1802 - حدثنا ( عمر بن حفص ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( شقيق ) عن ( أبي مسعود ) قال حاء رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب فقال لغلام له قصاب اجعل لي طعاما يكفي خمسة فإني أريد أن أدعو النبي خامس خمسة فإني قد عرفت في وجهه الجوع فدعاهم فجاء معهم رجل فقال النبي إن هذا قد تبعنا فإن شئت أن تأذن له فاذن له وإن شئت أن يرجع رجع فقال لا بل قد أذنت له
مطابقته للترجمة في قوله لغلام له قصاب قال القرطبي اللحام هو الجزار والقصاب على قياس قولهم عطاء وتمار للذي يبيع ذلك فهذا كما رأيت جعل اللحام والجزار والقصاب بمعنى واحد فعلى هذا تحصل المطابقة بين الترجمة والحديث ولكن في عرف الناس اللحام من يبيع اللحم والجزار من يجزر الجزور أي ينحره والقصاب من يذبح الغنم وأصله من القصب وهو القطع يقال قصب القصاب الشاة اي قطعها عضوا عضوا ( ذكر رجاله ) وهم خمسة ذكروا غير مرة والأعمش هو سليمان وشقيق هو ابن سلمة ابو وائل وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المظالم عن أبي النعمان وفي الأطعمة عن محمد بن يوسف وعن عبد الله بن أبي الأسود وأخرجه مسلم في الأطعمة عن قتيبة وعثمان وعن أبي بكر وإسحاق وعن نصر بن علي وأبي سعيد الأشج وعن عبد الله بن معاذ وعن عبد الله بن عبد الرحمن وعن سلمة بن شبيب وأخرجه الترمذي في النكاح عن هناد وأخرجه النسائي في الوليمة عن إسماعيل بن مسعود وعن أحمد بن عبد الله
ذكر معناه قوله قصاب بالجر لأنه صفة لغلام وسيأتي في المظالم من وجه آخر عن الأعمش بلفظ كان له غلام لحام قوله خامس خمسة أي أحد خمسة وقال الداودي جائز أن يقول خامس خمسة وخامس أربعة وعن المهلب إنما صنع طعام خمسة لعلمه أن النبي سيتبعه من أصحابه غيره قوله فجاء معهم رجل أي سادسهم قوله إن هذا قد تبعنا بكسر الباء الموحدة وفتح العين لأنه فعل ماض والضمير الذي فيه يرجع إلى الرجل و نا مفعوله قوله وإن شئت أن يرجع أي الرجل الذي تبعهم رجع ولا يدخل معهم
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الاكتساب بصنعة الجزارة وأنه لا بأس بذلك وقال ابن بطال وإن كان في الجزارة شيء من الضعة لأنه يمتهن فيها نفسه وأن ذلك لا ينقصه ولا يسقط شهادته إذا كان عدلا وفيه جواز استعمال السيد غلامه في الصنائع

(11/197)


التي يطيقها وأخذ كسبه منها وفيه بيان ما كانوا فيه من شظف العيش وقلة الشيء وأنهم كانوا يؤثرون بما عندهم وفيه تأكيد إطعام الطعام والضيافة خصوصا لمن علم حاجته لذلك وفيه أن من صنع طعاما لغيره فلا بأس أن يدعوه إلى منزله ليأكل معه عنده ولكن هل الأولى أن يدعوه إلى الطعام أو يرسله إليه اختار مالك إرساله إليه ليأكل مع أهله إن كان له أهل فقال في الرجل يدعو الرجل يلزمه إذا أراد أن يبعث بمثل ذلك إليه ليأكله مع أهله فإنه قبيح بالرجل أن يذهب يأكل الطيبات ويترك أهله وفيه أنه ينبغي لمن دعا من له منزلة إلى طعامه أن يدعو معه أصحابه الذين هم أهل مجالسته كما فعل أبو شعيب رضي الله تعالى عنه وفيه أنه ينبغي لمن أراد أن يدعو جماعة أن يصنع لهم من الطعام كفايتهم ولا يضيق عليهم محتجا بأن طعام الواحد يكفي الإثنين وطعام الإثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية لأنه لا ينبغي التقصير على الضيف وربما جاء من لم يدعه كما وقع في قصة أبي شعيب وفيه إجابة المدعو للداعي وأنه لم ينص على اسمه بل ذلك تبعا لغيره كجلساء فلان وأصحابه إذ لم ينقل أنه سمى معه جلساءه لكن يحتمل أن أبا شعيب حين رأى النبي وعرف في وجهه الجوع أنه رأى معه أربعة جالسين فكان ذلك تخصيصا لهم وفيه أنه لو دعا رجلا إلى وليمة أو طعام سواء قلنا بالوجوب أو بالاستحباب وكان مع المدعو حالة الدعوة غيره لم يدخل في الدعوة وليس كالهدية عند قوم يشركونه فيها للحديث الوارد في ذلك من أهدي له هدية عند قوم يشركونه فيها والحديث غير صحيح وفيه أنه لا بأس لمن وجد جماعة يذهبون إلى مكان أن يتبعهم لأنه لو كان هذا ممتنعا لنهاه النبي ولرده وإنما الممتنع دخوله معه بغير إذن صاحب الدعوة ورضاه وفيه أنه لا ينبغي للمدعو أن يرد من تبعه إلى الدعوة بل يستأذنه عليه لجواز أن يأذن له وفيه أنه ينبغي للمدعو أن يستأذن صاحب المنزل فيمن تبعه إلى الدعوة لئلا ينكسر خاطره ما لم يكن ثمة داع لعدم دخوله وفيه أنه ينبغي للمدعو إذا استأذن لمن تبعه أن يتلطف في الاستئذان ولا يتحكم على صاحب المنزل بقوله إيذن لهذا ونحو ذلك وفيه أنه ينبغي للمدعو إذا استأذن لمن تبعه أن يعلم صاحب الدعوة أن الأمر في الإذن إليه وأنه ليس للمدعو أن يحتكم عليه ويدعو معه من أراد لقوله وإن شئت رجع هذا مع كونه له أن يتصرف في مال كل من الأمة بغير حضوره وبغير رضاه ولكنه لم يفعل ذلك إلا بالإذن تطييبا لقلوبهم وفيه أنه ينبغي للداعي إذا استأذن المدعو فيمن تبعه أن يأذن له كما فعل أبو شعيب وهذا من مكارم الأخلاق وفيه في قوله إن هذا قد تبعنا دليل على أنه لو كان معهم حالة الدعوة لدخل فيها ولم يحتج إلى الإستئذان وفيه قال القاضي عياض فيه تحريم طعام الطفيليين وقال أصحاب الشافعي لا يجوز التطفل إلا إذا كان بينه وبين صاحب الدار انبساط وروى أبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقا وأكل حراما ودخل سارقا وخرج مغيرا وروى البيهقي في ( سننه ) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله من دخل على قوم لطعام لم يدع إليه فأكل دخل فاسقا وأكل ما لا يحل له وفي إسناده يحيى بن خالد وهو مجهول
22 -
( باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع )
أي هذا باب في بيان ما يمحق أي الشيء الذي يمحق أي يفسد ويبطل الكذب من البائع في مدح سلعته ومن المشتري في التقصير في وفاء الثمن قوله والكتمان بالرفع عطف على الكذب وهو الإخفاء من البائع عن عيب سلعته ومن المشتري عن وصف الثمن
2802 - حدثنا ( بدل بن المحبر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) قال سمعت ( أبا الخليل ) يحدث عن ( عبد الله بن الحارث ) عن ( حكيم بن حزام ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما

(11/198)


مطابقته للترجمة في قوله محقت بركة بيعهما والحديث مضى عن قريب في باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة وههنا بدل بن المحبر عن شعبة والتكرار لأجل الترجمة وتعدد الذي يروي عنه وبدل بفتح الباء الموحدة والدال المهملة بن المحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة وفي آخره راء ابن منبه اليربوعي البصري الواسطي
32 -
( باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ( آل عمران 031 ) )
أي هذا باب في بيان النهي عن الربا خاطب الله تعالى عباده في هذه الآية ناهيا عن تعاطي الربا وأكله أضعافا مضاعفة كانوا في الجاهلية إذا حل أجل الدين إما أن يقضى وإما أن يربى فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده الآخر في القدر وهكذا في كل عام فربما يضاعف القليل حتى يصير كثيرا مضاعفا وأمر عباده بالتقوى لعلهم يفلحون في الدنيا والآخرة ثم توعدهم بالنار وحذرهم منها فقال واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( آل عمران 131 )
3802 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) قال حدثنا ( سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام
مطابقته للترجمة للآية الكريمة التي في موضع الترجمة من حيث إن آكل الربا لا يبالي من أكله الأضعاف المضاعفة هل هي من الحلال أم من الحرام وهذا الحديث بعينه إسنادا ومتنا قد ذكره في باب من لم يبال من حيث كسب المال غير أن في المتن بعض تفاوت يسير يعلم بالنظر فيه وهذا بعيد من عادة البخاري ولا سيما قريب العهد منه على أن في رواية النسفي ليس في الباب سوى هذه الآية وقال بعضهم ولعل البخاري أشار بالترجمة إلى ما أخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا يأتي على الناس زمان يأكلون الربا فمن لم يأكله أصابه غباره قلت سبحان الله هذا عجيب والترجمة هي الآية فكيف يشير بها إلى حديث أبي هريرة والآية في النهي عن أكل الربا والأمر بالتقوى وحديث أبي هريرة يخبر عن فساد الزمان الذي يؤكل فيه الربا قوله بما أخذ القياس حذف الألف من كلمة ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر ولكن ما حذف هنا لوجود عدم الحذف في كلام العرب على وجه القلة
42 -
( باب آكل الربا وشاهده وكاتبه )
أي هذا باب في بيان حكم آكل الربا والربا اسم مقصور وحكي مده وهو شاذ والأصل فيه الزيادة من ربا المال يربو ربوا إذا زاد فيكتب بالألف ولكن وقع في خط المصحف بالواو على لغة من يفخم وعن الثعلبي كتبوه في المصحف بالواو وأجاز الكوفيون كتبه بالياء بسبب كسرة أوله وغلطهم البصريون في ذلك وقال الفراء إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربو بمضموم وصورة الخط على لغتهم وزعم أبو الحسن طاهر ابن غليون أن أبا السماك قرأ الربو بفتح الراء وضم الباء ويجعل معها واوا وقال ابن قتيبة قرأه أبو السماك وأبو السوار بكسر الراء وضم الباء وواو ساكنة وقراءة الحسن بالمد والهمزة وقراءة حمزة والكسائي بالإمالة وقراءة الباقين بالتفخيم وفي شرح المهذبانت بالخيار وفي كتبه بالألف والواو والياء والرماء بالمد والميم
بالضم والربية بالضم والتخفيف لغة فيه وهو في الشرع الزيادة على أصل المال من غير عقد تبايع قاله ابن الأثير وقال أصحابنا الربا فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال كما إذا باع عشرة دراهم بأحد عشر درهما فإن الدرهم فيه فضل وليس في مقابله شيء وهو عين الربا قوله وشاهده أي وفي حكم شاهده أو في إثم شاهده وإثم كاتبه وفي رواية الإسماعيلي وشاهديه بالتثنية
وقوله تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس

(11/199)


ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( البقرة 572 )
وقوله بالجر عطف على قوله آكل الربا أي وفي بيان قوله تعالى وقال الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بإسناده إلى سعيد بن جبير في قوله تعالى الذين يأكلون الربا ( البقرة 572 ) قا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق نفسه وبإسناده إلى أبي حيان آكل الربا يعرف يوم القيامة كما يعرف المجنون في الدنيا وفي كتاب أبي الفضل الجوزي من حديث أيان عن أنس قال رسول الله يأتي آكل الربا يوم القيامة مخبلا يجر شقه ثم قرأ لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس ( البقرة 572 ) وعن السدي المس الجنون وعن أبي عبيدة المس من الشيطان والجن وهو اللمم وفي ( كتاب الربا ) لمحمد بن أسلم السمرقندي حدثنا علي بن إسحاق عن يوسف بن عطية عن ابن سمعان عن مجاهد في قوله تعالى اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( البقرة 872 ) قال فمن كان من أهل الربا فقد حارب الله ومن حارب الله فهو عدو لله ولرسوله وحدثنا علي بن إسحاق أخبرنا يحيى بن المتوكل حدثنا أبو عباد عن أبيه عن جده عن أبي هريرة يرفعه الربا اثنان وسبعون حوبا أدناها بابا بمنزلة الناكح أمه وقال الماوردي أجمع المسلمون على تحريم الربا وعلى أنه من الكبائر وقيل إنه كان محرما في جميع الشرائع قوله لا يقومون ( البقرة 572 ) أي من قبورهم يوم القيامة وقال الطبري إنما خص الآكل بالذكر لأن الذين نزلت فيهم الآيات المذكورة كانت طعمتهم من الربا وإلا فالوعيد حاصل لكل من عمل به سواء أكل منه أو لا قوله ذلك بأنهم قالوا ( البقرة 572 ) أي الذين جرى لهم بسبب أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا أي نظيره وليس هذا قياسا منهم الربا على البيع لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذي شرعه الله في القرآن ولو كان هذا من باب القياس لقالوا إنما الربا مثل البيع وإنما قالوا إنما البيع مثل الربا فلم حرم هذا وأبيح هذا وهذا اعتراض منهم على الشرع فرد الله عليهم بقوله وأحل الله البيع وحرم الربا ( البقرة 572 ) فليسا نظيرين قوله فمن جاءه موعظة من ربه ( البقرة 572 ) أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى ( البقرة 572 ) حال وصول الشرع إليه فله ما سلف ( البقرة 572 ) من المعاملة كقوله عفا الله عما سلف ( المائدة 59 ) ولم يأمر الشارع برد الزيادات المأخوذة في الجاهلية بل عفا عما سلف كما قال تعالى فله ما سلف وأمره إلى الله ( المائدة 59 ) وقال سعيد بن جبير والسدي فله ما سلف ( البقرة 572 ) فله ما أكل من الربا قبل التحريم قوله ومن عاد أي إلى الربا ففعله بعد بلوغ نهي الله له عنه فقد استوجب العقوبة وقامت عليه الحجة ولهذا قال فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( البقرة 572 ) واختلف في عقد الربا هل هو منسوخ لا يجوز بحال أو بيع فاسد إذا أزيل فساده صح بيعه فجمهور العلماء على أنه بيع منسوخ وقال أبو حنيفة هو بيع فاسد إذا أزيل عنه ما يفسده انقلب صحيحا
4802 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال ( نزلت ) حدثنا ( شعبة ) عن ( منصور ) عن ( أبي الضحى ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت لما آخر البقرة قرأهن النبي عليهم في المسجد ثم حرم التجارة في الخمر
مطابقته للآية التي هي مثل الترجمة من حيث إن آيات الربا التي في آخر سورة البقرة مبينة لأحكامه وذامة لآكليه فإن قلت ليس في الحديث شيء يدل على كاتب الربا وشاهده قلت لما كانا معاونين على الأكل صارا كأنهما قائلان أيضا إنما البيع مثل الربا أو كانا راضيين بفعله والرضى بالحرام حرام أو عقد الترجمة لهما ولم يجد حديثا فيهما بشرطه فلم يذكر شيئا والحديث قد مضى في أبواب المساجد في باب تحريم تجارة الخمر في المسجد فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة وأخرجه هنا عن محمد بن بشار عن غندر وهو لقد محمد بن جعفر البصري وأبو الضحى اسمه مسلم بن صبيح الكوفي وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
5802 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جرير بن حازم ) قال حدثنا ( أبو رجاء ) عن ( سمرة بن

(11/200)


جندب ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت ما هذا فقال الذي رأيته في النهر آكل الربا
مطابقته للترجمة في قوله الذي رأيته في النهر آكل الربا وهذا الحديث قد تقدم في كتاب الجنائز بعد باب ما قيل في أولاد المشركين في باب كذا مجردا عن ترجمة فإنه أخرجه هناك مطولا بعين هذا الإسناد وقد مر الكلام فيه مبسوطا وأبو رجاء اسمه عمران العطاردي
قوله رأيت من الرؤيا ويروى أريت بضم الهمزة على صيغة المجهول قوله في أرض مقدسة بالتنكير للتعظيم قوله وعلى وسط النهر هكذا بالواو ويروى على وسط النهر بلا واو فعلى الرواية الأولى الواو للحال ولكن فيه المبتدأ محذوف تقديره وهو على وسط النهر وعلى الرواية الثانية يكون على متعلقة بقوله قائم فإن قلت لم لا يجوز أن يكون رجل في قوله رجل بين يديه حجارة مبتدأ وقوله وعلى وسط النهر يكون خبره مقدما قلت لا يجوز لأنه جاء في رواية ورجل بين يديه حجارة بالواو ولا يجوز دخول الواو بين المبتدأ والخبر ولأن الرجل الذي بين يديه حجارة هو على شط النهر لا على وسطه كما تقدم في آخر كتاب الجنائز
52 -
( باب موكل الربا )
أي هذا باب في بيان إثم موكل الربا أي مطعمه وهو بضم الميم وكسر الكاف اسم فاعل من مزيد أكل وهوأءكل بهمزتين فقلبت الهمزة الثانية التي هي من نفس الكلمة ألفا لانفتاح ما قبلها فصار آكل على وزن افعل واسم الفاعل منه موكل على وزن مفعل وأصله مؤكل بهمزة ساكنة بعد ميم فقلبت واوا لضمة ما قبلها
لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمونواتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ( البقرة 872 )
لقوله تعالى وفي بعض النسخ لقول الله تعالى اللام فيه للتعليل لأن موكل الربا وآكلها آثمان لأن الله تعالى نهى عنه بقوله وذروا ما بقي من الربا ( البقرة 872 ) فأمر الله عباده المؤمنين بتقواه ناهيا لهم عما يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه فقال يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( البقرة 872 ) أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون وذروا ( البقرة 872 ) أي اتركوا ما بقي من الربا وغير ذلك وقد ذكر زيد بن أسلم وابن جريج ومقاتل بن حبان والسدي أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف وبني المغيرة من بني مخزوم كان بينهم ربا في الجاهلية فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه طلب ثقيف أن يأخذه منهم فتشاجروا وقال بنو المغيرة لا نؤدي الربا في الإسلام فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله فنزلت هذه الآية فكتب بها رسول الله إليه يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ( البقرة 872 ) فقالوا نتوب إلى الله ونذر ما بقي من الربا فتركه كلهم قوله فأذنوا بحرب من الله ( البقرة 872 ) قال ابن عباس أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله وعن سعيد بن جبير قال يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب

(11/201)


ثم قرأ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ( البقرة 872 ) وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله ( البقرة 872 ) فمن كان مقيما على الربا لا ينزع منه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلا ضرب عنقه وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام بن حسان عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا والله إن هؤلاء الصيارفة لآكلة الربا وأنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح قوله وإن تبتم ( البقرة 872 ) أي عن الربا فلكم رؤوس أموالكم ( البقرة 872 ) من غير زيادة ولا تظلمون ( البقرة 872 ) بأخذ زيادة لا تظلمون ( البقرة 872 ) بوضع رؤوس الأموال بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقصان منه قوله وإن كان ذو عسرة ( البقرة 872 ) أي وإن كان الذي عليه الدين إما أن تقضي وإما أن تربي ثم ندب الله تعالى إلى الوضع عنه وحرضه على ذلك الخير والثواب الجزيل بقوله وإن تصدقوا خير لكم ( البقرة 872 ) وروى الطبراني من حديث أبي أمامة أن أسعد بن زرارة قال قال رسول الله من سره أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فلييسر على كل معسر أو ليضع عنه وروى أحمد من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال سمعت النبي يقول من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة ثم سمعته يقول من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة قلت سمعتك يا رسول الله تقول من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة ثم سمعتك تقول من أنظر معسر فله بكل يوم مثلاه صدقة قال له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثلاه صدقة وروى الحاكم من حديث سهل بن حنيف أن رسول الله قال من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غازيا أو غارما في عسرته أو مكاتبا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه والأحاديث في هذا الباب كثيرة قوله واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( البقرة 872 ) أي اتقوا عذاب يوم ويجوز أن يكون على ظاهره لأن يوم القيامة يوم مخوف قوله ترجعون فيه ( البقرة 872 ) أي تردون فيه إلى الله ( البقرة 872 ) أي إلى حسابه وجزائه قوله ثم توفى كل نفس ( البقرة 872 ) أي تجازى كل نفس بما كسبت من الخير والشر وهم لا يظلمون ( البقرة 872 ) لأن الله عادل لا ظلم عنده لايظلم عنده
قال ابن عباس هذه آخر آية نزلت على النبي
هذه إشارة إلى آية الربا وهذا التعليق رواه البخاري مسندا في التفسير فقال حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن عاصم عن الشعبي عن ابن عباس آخر آية نزلت آية الربا وقال ابن التين عن الداودي عن ابن عباس آخر آية نزلت اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( البقرة 872 ) قال فإما أن يكون وهم من الرواة لقربها منها أو غير ذلك انتهى وأجيب بأنه ليس بوهم بل هاتان الآيتان نزلتا جملة واحدة فصح أن يقال لكل منهما آخر آية وروى عن البراء أن آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( النساء 672 ) وقال أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه آخر آية نزلت لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( التوبة 821 ) وقيل إن قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( البقرة 872 ) إنها نزلت يوم النحر بمنى في حجة الوداع وروى الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال آخر آية نزلت واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( البقرة 872 ) فكان بين نزولها وبين موت النبي أحد وثلاثون يوما وقال ابن جريج يقولون إن النبي عاش بعدها تسع ليال وبدىء يوم السبت ومات يوم الإثنين رواه ابن جرير وقال مقاتل توفي النبي بعد نزولها بسبع ليال
6802 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عون بن أبي جحيفة ) قال رأيت أبي اشترى عبدا حجاما فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته فقال نهى النبي عن ثمن الكلب وثمن الدم ونهى عن الواشمة والموشومة وآكل الربا وموكله ولعن المصور
مطابقته للترجمة في قوله وآكل الربا وموكله وأبو الوليد اسمه هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري وعون بفتح

(11/202)


العين المهملة وسكون الواو وفي آخره نون وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء واسمه وهب بن عبد الله أبو جحيفة السوائي وقد مر فيما مضى
والحديث أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن حجاج بن منهال وفي الطلاق عن آدم وفي اللباس عن سليمان بن حرب وعن أبي موسى عن غندر وهذا الحديث من أفراده وفي بعض طرقه زيادة كسب الأمة وفي أخرى كسب البغي وتفرد منه بلعن المصور أيضا
ذكر معناه قوله بمحاجمه بفتح الميم جمع محجم بكسر الميم وهو الآلة التي يحجم بها الحجام قوله فسألته أي فسألت أبي الظاهر أن سؤاله عن سبب مشتراه ولكن لا يناسب جوابه بقوله نهى النبي ولكن فيه اختصار بينه في آخر البيوع من وجه آخر عن شعبة بلفظ اشترى حجاما فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك ففيه البيان بأن السؤال إنما وقع عن كسر المحاجم وهو المناسب للجواب وسأل الكرماني هنا بقوله فلم اشتراه ثم أجاب بأنه اشتراه ليكسر محجمه ويمنعه عن تلك الصناعة قلت فيه نظر لا يخفى بل الصواب ما ذكرناه وهو أيضا تنبيه على هذا حيث قال وفي بعض الرواية بعد لفظ حجاما فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته يعني عن الكسر قوله وثمن الدم يعني أجرة الحجامة وأطلق الثمن عليه تجوزا قوله الواشمة هي فاعلة الوشم والموشومة مفعوله والوشم أن يغرز يده أو عضوا من أعضائه بإبرة ثم يذر عليها النيل ونحوه قوله وآكل الربا أي ونهى آكل الربا عن أكله وكذا نهى موكله عن إطعامه غيره ويقال المراد من الآكل آخذه كالمستقرض ومن الموكل معطيه كالمقرض والنهي في هذا كله عن الفعل والتقدير عن فعل الواشمة وفعل الموشومة وفعل الآكل وفعل الموكل وخص الآكل من بين سائر الانتفاعات لأنه أعظم المقاصد قوله ولعن المصور عطف على قوله نهى ولولا أن المصور أعظم ذنبا لما لعنه النبي
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه
الأول فيه جواز شراء العبد الحجام وسؤال عون بن جحيفة عن أبيه إنما كان عن كسر محاجمه لا عن شرائه إياه كما ذكرناه
الثاني فيه النهي عن ثمن الكلب وفيه اختلاف العلماء فقال الحسن وربيعة وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي والشافعي وأحمد وداود ومالك في رواية ثمن الكلب حرام وقال ابن قدامة لا يختلف المذهب في أن بيع الكلب باطل على كل حال وكره أبو هريرة ثمن الكلب ورخص في كلب الصيد خاصة وبه قال عطاء والنخعي
واختلف أصحاب مالك فمنهم من قال لا يجوز ومنهم من قال الكلب المأذون في إمساكه يكره بيعه ويصح ولا تجوز إجارته نص عليه أحمد وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم يجوز وقال مالك في ( الموطأ ) أكره ثمن الكلب الضاري وغير الضاري لنهيه عن ثمن الكلب وفي ( شرح الموطأ ) لابن زرقون واختلف قول مالك في ثمن الكلب المباح اتخاذه فأجازه مرة ومنعه أخرى وبإجازته قال ابن كنانة وأبو حنيفة قال سحنون ويحج بثمنه وروى عنه ابن القاسم أنه كره بيعه وفي ( المدونة ) كان مالك يأمر ببيع الكلب الضاري في الميراث والدين والمغانم ويكره بيعه للرجل ابتداء قال يحيى بن إبراهيم قوله في الميراث يعني لليتيم وأما لأهل الميراث البالغين فلا يباع إلا في الدين والمغانم وروى أبو زيد عن ابن القاسم لا بأس باشتراء كلاب الصيد ولا يجوز بيعها وقال أشهب في ديوانه عن مالك يفسخ بيع الكلب إلا أن يطول وحكى ابن عبد الحكم أنه يفسخ وإن طال وقال ابن حزم في ( المحلى ) ولا يحل بيع كلب أصلا لا كلب صيد ولا كلب ماشية ولا غيرهما فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فله ابتياعه وهو حلال للمشتري حرام للبائع ينتزع منه الثمن متى قدر عليه كالرشوة في دفع الظلم وفداء الأسير ومصانعة الظالم ثم قال وهو قول الشافعي ومالك وأحمد وأبي سليمان وأبي ثور وغيرهم انتهى
وقال عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وابن كنانة وسحنون من المالكية الكلاب التي ينتفع بها يجوز بيعها وتباح أثمانها وعن أبي حنيفة أن الكلب العقور لا يجوز بيعه ولا يباح ثمنه وفي ( البدائع ) وأما بيع ذي ناب من السباع سوى الخنزير كالكلب والفهد والأسد والنمر والذئب والدب والهر ونحوها جائز عند أصحابنا وقال الشافعي لا يجوز بيع الكلب ثم عندنا لا فرق بين المعلم وغيره وفي رواية الأصيلي فيجوز بيعه كيف ما كان وعن أبي يوسف أنه لا يجوز بيع الكلب العقور وأجاب الطحاوي عن النهي الذي في

(11/203)


هذا الحديث وغيره أنه كان حين كان حكم الكلاب أن تقتل وكان لا يحل إمساكها وقد وردت فيه أحاديث كثيرة فما كان على هذا الحكم فثمنه حرام ثم لما أبيح الانتفاع بالكلاب للاصطياد ونحوه ونهى عن قتلها نسخ ما كان من النهي عن بيعها وتناول ثمنها فإن قلت ما وجه هذا النسخ قلت ظاهر لأن الأصل في الأشياء الإباحة فلما ورد النهي عن اتخاذها ورد الأمر بقتلها علمنا أن اتخاذها حرام وأن بيعها حرام وما كان الانتفاع به حراما فثمنه حرام كالخنزير ثم لما وردت الإباحة بالانتفاع بها للاصطياد ونحوه وورد النهي عن قتلها علمنا أنما كان قبل من الحكمين المذكورين قد انتسخ بما ورد بعده ولا شك أن الإباحة بعد التحريم نسخ لذلك التحريم ورفع لحكمه
الثالث فيه النهي عن ثمن الدم وهو أجرة الحجامة فقال الأكثرون النهي فيه على التنزيه على المشهور وذلك لأنه احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه ونقل ابن التين عن كثير من العلماء أنه جائز من غير كراهة كالبناء والخياط وسائر الصناعات وقالوا يعني نهيه عن ثمن الدم أي السائل الذي حرمه الله وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه أجرة الحجام من ذلك أي لا يجوز أخذه وهو قول أبي هريرة والنخعي واعتلوا بأنه نهى عن مهر البغي وكسب الحجام فجمع بينهما ومهر البغي حرام إجماعا فكذلك كسب الحجام وأما الذين حملوا النهي على التنزيه فاستدلوا أيضا بقوله لمحيصة أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك وقال آخرون يجوز للمحتجم إعطاء الحجام الأجرة ولا يجوز للحجام أخذها رواه ابن جرير عن أبي قلابة وعلته أن النبي أعطى الحجام أجرا فجائز لهذا الاقتداء بالنبي في أفعاله وليس للحجام أخذها للنهي عن كسبه وبه قال ابن جرير إلا أنه قال إن أخذ الأجرة رأيت له أن يعلف به ناضحه ومواشيه ولا يأكله فإن أكله لم أر بأكله حراما وفي ( شرح المهذب ) قال الأكثرون لا يحرم أكله لا على الحر ولا على العبد وهو مذهب أحمد المشهور وفي رواية عنه وقال بها فقهاء المحدثين يحرم على الحر دون العبد لحديث محيصة المذكور الرابع في النهي عن فعل الواشمة والموشومة لأنه من عمل الجاهلية وفيه تغيير لخلق الله تعالى وروى الترمذي من حديث ابن عمر عن النبي قال لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة قال نافع الوشم في اللثة وأخرجه البخاري أيضا في اللباس على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وعن عبد الله أن النبي لعن الواشمات والمستوشمات والمتنمصات مبتغيات للحسن مغيرات خلق الله أخرجه الجماعة
الخامس آكل الربا وموكله وإنما اشتركا في الإثم وإن كان الرابح أحدهما لأنهما في الفعل شريكان وسيأتي في آخر البيوع وفي آخر الطلاق أنه لعن آكل الربا وموكله
السادس في التصوير وهو حرام بالإجماع وفاعله يستحق اللعنة وجاء أنه يقال للمصورين يوم القيامة أحيوا ما خلقتم وظاهر الحديث العموم ولكن خفف منه تصوير ما لا روح فيه كالشجر ونحوه
62 -
( باب يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ( البقرة 672 ) )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات ( البقرة 672 ) الآية ويمحق من محق يمحق محقا من باب فعل يفعل بفتح العين فيهما والمحق النقصان وذهاب البركة وقيل هو أن يذهب كله حتى لا يرى منه أثر ومنه يمحق الله الربا ( البقرة 672 ) أي يستأصله ويذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه وفي تفسير الطبري عن ابن مسعود أن النبي قال الربا وإن كثر فإلى قل وقال المهلب سئل بعض العلماء وقيل نحن نرى صاحب الربا يربو ماله وصاحب الصدقة إنما كان مقلا فقال يربي الصدقات يعني أن صاحبها يجدها مثل أحد يوم القيامة وصاحب الربا يجد عمله ممحوقا إن تصدق به أو وصل رحمه لأنه لم يكتب له بذلك حسنة وكان عليه إثم الربا وقال ابن بطال وقالت طائفة إن الربا يمحق في الدنيا والآخرة على عموم اللفظ وقال عبد الرزاق عن معمر أنه قال سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق قوله يربي الصدقات ( البقرة 672 ) أي يزيدها من الإرباء قال الطبري الإرباء الزيادة على الشيء يقال منه أربى فلان على فلان إذا زاد عليه وقرىء ويربي بضم الياء وفتح الراء وكسر الباء المشددة من التربية كما في ( الصحيح ) من تصدق بعدل تمرة الحديث وفيه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل وفي

(11/204)


رواية ابن جرير وأن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله أو قال في كف الله حتى يكون مثل أحد فتصدقوا وهكذا رواه أحمد أيضا وهذا طريق غريب صحيح الإسناد ولكن لفظه عجيب والمحفوظ ما تقدم قوله والله لا يحب كل كفار أثيم ( البقرة 672 ) أي لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل ومناسبة ختم هذه الآية بهذه الصفة هي أن المرابي لا يرضى بما أعطاه الله من الحلال ولا يكتفي بما شرع له من التكسب المباح فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة فهو جحود لما عليه من النعمة ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل وقال الطبري والله لا يحب كل مصر على كفر مقيم عليه مستحل أكل الربا
72 -
( باب ما يكره من الحلف في البيع )
أي هذا باب في بيان كراهة الحلف في البيع مطلقا يعني سواء كان صادقا أو كاذبا فإن كان صادقا فكراهة تنزيه وإن كان كاذبا فكراهة تحريم
8802 - حدثنا ( عمرو بن محمد ) قال حدثنا ( هشيم ) قال أخبرنا ( العوام ) عن إبراهيم بن عبد الرحمان عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه أن رجلا أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( آل عمران 77 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بن محمد الناقد البغدادي مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وهشيم بضم الهاء ابن بشير بضم الباء الموحدة الواسطي والعوام على وزن فعال ابن حوشب الشيباني الواسطي مات سنة ثمان وأربعين ومائة

(11/205)


و ( إبراهيم بن عبد الرحمن ) السكسكي أبو إسماعيل الكوفي و ( عبد الله بن أبي أوفى ) بلفظ أفعل التفضيل واسم أبي أوفى علقمة الأسلمي له ولأبيه صحبة وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة وهو من جملة من رآه أبو حنيفة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم
والحديث من أفراد البخاري وأخرجه أيضا في التفسير عن علي بن أبي هاشم وفي الشهادات عن إسحاق عن يزيد بن هارون
قوله أقام أي روج يقال قامت السوق أي راجت ونفقت والسلعة المتاع والواو في قوله وهو للحال قوله بالله يحتمل أن يكون صلة لحلف وأن لا يكون صلة له بل قسم وقوله ولقد جواب قسم قوله بها أي بدل سلعته أي حلف بأنه أعطى كذا وكذا وما أخذت ويكذب فيه ترويجا لسلعته قوله ليوقع أي لأن يوقع فيها أي في سلعته رجلا من المسلمين الذين يريدون الشراء قوله فنزلت هذه الآية وهي إن الذين يشترون ( آل عمران 77 ) الآية نزلت فيمن يحلف يمينا فاجرة لينفق سلعته وقيل نزلت في الأشعث بن قيس نازع خصما في أرض فقام ليحلف فنزلت قلت روى الإمام أحمد قال حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق بن سلمة حدثنا عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله من اقتطع مال امرىء مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان قال فجاء الأشعث بن قيس فقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمن فحدثناه فقال في كان هذا الحديث خاصمت ابن عم لي إلى رسول الله في بئر كانت لي في يده فجحدني فقال رسول الله ببينتك أنها بئرك وإلا فبيمينه قال قلت يا رسول الله ما لي بينة وإن تجعلها بيمينه ويذهب بئري إن خصمي امرؤ فاجر فقال رسول الله من اقتطع الحديث قال وقرأ رسول الله هذه الآية إن الذين يشترون ( آل عمران 77 ) إلى قوله ولهم عذاب أليم ( آل عمران 77 ) وفي ( تفسير الطبري ) نزلت في أبي رافع وكنانة ابن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وقال الزمخشري نزلت في الذين حرفوا التوراة وقال مقاتل نزلت في رؤوس اليهود كعب بن الأشرف وابن صريا قوله إن الذين يشترون بعهد الله ( آل عمران 77 ) أي بما عاهدوه من الإيمان والإقرار بوحدانيته قوله وأيمانهم ( آل عمران 77 ) أي وأيمانهم الكاذبة ثمنا قليلا ( آل عمران 77 ) أي عوضا يسيرا أولئك لا خلاق لهم ( آل عمران 77 ) أي لا نصيب لهم في الآخرة ولا حظ لهم منها قوله ولا يكلمهم الله ( آل عمران 77 ) أي كلام لطيف ولا ينظر إليهم بعين الرحمة ولا يزكيهم من الذنوب والأدناس وقيل لا يثني عليهم بل يأمر بهم إلى النار ولهم عذاب أليم ( آل عمران 77 ) وقال ابن أبي حاتم عن أبي العالية الأليم الموجع في القرآن كله قال وكذلك فسره سعيد بن جبير والضحاك ومقاتل وقتادة وأبو عمران الجوني وما يتعلق بهذه الآية الكريمة ما رواه الإمام أحمد من حديث أبي ذر قال قال رسول الله ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قلت يا رسول الله من هم خسروا وخابوا قال وأعاد رسول الله ثلاث مرات المسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب والمنان ورواه مسلم وأهل السنن من طريق شعبة وروى أحمد أيضا من حديث أبي ذر وفيه ثلاثة يشنأهم الله التاجر الحلاف أو قال البائع الحلاف والفقير المختال والبخيل المنان
82 -
( باب ما قيل في الصواغ )
أي هذا باب في بيان ما قيل في حق الصواغ والمراد بهذه الترجمة والتراجم التي بعدها من أصحاب المصانع التنبيه على أن هذه كانت في زمن النبي وأنه أقرها مع العلم بها فكان كالنص على جوازها وما لم يذكر يعمل فيه بالقياس والصواغ بفتح الصاد على وزن فعال بالتشديد هو الذي يعمل الصياغة وبضم الصاد جمع صائغ
وقال طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي لا يختلى خلاها وقال العباس إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم فقال إلا الإذخر
مطابقته للترجمة في قوله لقينهم لأن القين يطلق على الحداد والصائغ قاله ابن الأثير وهذان التعليقان أسندهما البخاري في كتاب الحج في باب لا ينفر صيد الحرم وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
قوله لا يختلى بالخاء المعجمة أي لا يقطع والخلا بفتح الخاء مقصورا الرطب من الحشيش

(11/206)


9802 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( علي ابن حسين ) أن ( حسين بن علي ) رضي الله تعالى عنهما قال أخبره أن عليا عليه السلام قال كانت لي شارف من نصيبي من المغنم وكان النبي أعطاني شارفا من الخمس فلما أردت أن أبتني بفاطمة عليها السلام بنت رسول الله واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين وأستعين به في وليمة عرسي
مطابقته للترجمة في قوله من الصواغين
ذكر رجاله وهم سبعة الأول عبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي الثاني عبد الله بن المبارك الثالث يونس بن يزيد الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم السادس حسين علي بن أبي طالب أبو عبد الله أخو الحسن بن علي السابع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والإخبار كذلك في موضعين وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه رواية ابن شهاب بالإسناد المذكور يقال هو أصح الأسانيد وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مروزيان ويونس أيلي والبقية مدنيون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في اللباس وفي الخمس عن عبدان به وأخرجه في المغازي عن أحمد بن صالح وفي الشرب عن إبراهيم بن موسى وأخرجه مسلم في الأشربة عن محمد بن عبد الله عن عبدان به وعن يحيى بن يحيى وعن عبد بن حميد وعن أبي بكر بن إسحاق وأخرجه أبو داود في الخراج عن أحمد بن صالح
ذكر معناه قوله شارف بالشين المعجمة وفي آخره فاء على وزن فاعل وهي المسنة من النوق وعن الأصمعي شارف وشروف قال سيبويه جمع الشارف شرف كالقول في البازل يعني خرج نابها وعن أبي حاتم شارفة والجمع شوارف ولا يقال للبعير شارف وعن الأصمعي أنه يقال للذكر شارف وللأنثى شارفة ويجمع على شرف ولم أسمع فعل جمع فاعل إلا قليلا قوله من المغنم وفي لفظ كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وقال ابن بطال لم يختلف أهل السير أن الخمس لم يكن يوم بدر وذكر إسماعيل بن إسحاق القاضي أنه كان في غزوة بني النضير حين حكم سعد قال وأحسب أن بعضهم قال نزل أمر الخمس بعد ذلك وقيل إنما كان الخمس بعد ذلك يقينا في غنائم حنين وهي آخر غنيمة حضر بها رسول الله قال وإذا كان كذلك فيحتاج قول علي رضي الله تعالى عنه إلى تأويل قلت ذكر ابن إسحاق عبد الله بن جحش لما بعثه النبي في السنة الثانية إلى نخلة في رجب وقيل عمرو بن الحضرمي وغيره واستاقوا الغنيمة وهي أول غنيمة قسم ابن جحش الغنيمة وعزل لرسول الله وذلك قبل أن يفرض الخمس فأخر رسول الله أمر الخمس والأسيرين ثم ذكر خروج رسول الله إلى بدر في رمضان فقسم غنائمها مع الغنيمة الأولى وعزل الخمس فيكون قول علي رضي الله تعالى عنه شارفا من نصيبي من الغنم يريد يوم بدر ويكون قوله وكان رسول الله أعطاني شارفا قبل ذلك من الخمس يعني قبل يوم بدر من غنيمة ابن جحش وقال ابن التين فيه دليل على أن آية الخمس نزلت يوم بدر لأنه لم يكن قبل بنائه بفاطمة رضي الله تعالى عنها مغنم إلا يوم بدر وذلك كله سنة ثنتين من الهجرة في رمضان وكان بناؤه بفاطمة بعد ذلك وذكر أبو محمد في ( مختصره ) أنه تزوجها في السنة الأولى قال ويقال في السنة الثانية على رأس اثنتين وعشرين شهرا وهذا كله كان بعد بدر وذكر أبو عمر عن عبد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي نكحها علي بعد وقعة أحد وقيل تزوجها بعد بنائه بعائشة بسبعة أشهر ونصف وقال ابن الجوزي بنى بها في ذي الحجة وقيل في رجب وقيل في صفر من السنة الثانية قوله أن ابتني أي أدخل بها قوله من بني قينقاع بفتح القافين وسكون الياء آخر الحروف وضم النون وفي آخره عين مهملة وفي نونه ثلاث لغات الضم والفتح والكسر ويصرف على إرادة الحي ولا يصرف على إرادة القبيلة

(11/207)


وهو رهط من اليهود وقيل قينقاع أبو سبط من يهود المدينة وهم أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله وحاربوا فيما بين بدر وأحد فحاصرهم النبي حتى نزلوا على حكمه قوله بإذخر بكسر الهمزة والخاء المعجمة وهي حشيشة طيبة الريح تسقف بها البيوت فوق الخشب ويستعملها الصواغون أيضا قوله في وليمة عرسي الوليمة طعام العرس وقيل الوليمة اسم لكل طعام والعرس بضم الراء وإسكانها بمهملة الأملاك والبناء أنثى وقد يذكر وتصغيرها بغير هاء وهو نادر لأن حقه الهاء إذ هو يؤنث على ثلاثة أحرف والجمع أعراس وعرسات والعروس نعت الرجل والمرأة يقال رجل عروس في رجال أعراس وامرأة عروس في نسوة عرائس ذكره ابن سيده وفي ( التهذيب ) للأزهري العرس طعام الوليمة وهو من أعرس الرجل بأهله إذا بنى عليها ودخل بها وتسمى الوليمة عرسا والعرب تؤنث العرس وعن الفراء والأصمعي وأبي زيد ويعقوب هي أنثى وتصغيرها عريس وعريسة وهو طعام الزفاف والعرس مثل قرط اسم للطعام الذي يتخذ للعروس
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز بيع الإذخر وسائر المباحات والاكتساب منها للرفيع والوضيع وفيه الاستعانة بأهل الصناعة فيما ينفق عندهم وفيه جواز معاملة الصائغ ولو كان يهوديا وفيه الاستعانة على الولائم والتكسب لها من طيب ذلك الكسب وفيه أن طعام الوليمة على الناكح
0902 - حدثنا ( إسحاق ) قال حدثنا ( خالد بن عبد الله ) عن ( خالد ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال إن الله حرم مكة ولم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي وإنما حلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا لمعرف وقال عباس بن عبد المطلب إلا الإذخر لصاغتنا ولسقف بيوتنا فقال إلا الإذخر فقال عكرمة هل تدري ما ينفر صيدها هو أن تنحيه من الظل وتنزل مكانه
مطابقته للترجمة في قوله لصاغتنا وهو جمع صائغ وإسحاق هذا هو ابن شاهين الواسطي نص عليه ابن ماكولا وابن البيع وأكد ذلك قول الإسماعيلي حدثنا ابن عبد الكريم حدثنا إسحاق بن شاهين حدثنا خالد وقول أبي نعيم حدثنا أحمد بن عبد الكريم الوزان حدثنا إسحاق بن شاهين حدثنا خالد وخالد الأول هو الطحان وخالد الثاني هو الحذاء وقد مضى الحديث في كتاب الحج في باب لا ينفر صيد الحرم وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى
قال عبد الوهاب عن خالد لصاغتنا وقبورنا
هذا التعليق وصله البخاري في كتاب الحج وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي
92 -
( باب ذكر القين والحداد )
أي هذا باب في بيان ما جاء في ذكر القين بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون وقال ابن دريد أصل القين الحداد ثم صار لكل صائغ عند العرب قينا وقال الزجاج القين الذي يصلح الأسنة والقين أيضا الحداد قوله والحداد عطف على القين من عطف التفسير وقال بعضهم وكان البخاري اعتمد القول الصائر إلى التغاير بينهما وليس في الحديث الذي أورده في الباب إلا ذكر القين فكأنه ألحق الحداد به في الترجمة لاشتراكهما في الحكم قلت لا يحتاج إلى هذا التكلف الذي لا وجه له فالوجه ما ذكرناه لأن القين يطلق على معان كثيرة فيطلق على العبد قين وعلى الأمة قينة وكذلك يطلق على الجارية المغنية وعلى الماشطة قينة فعطف الحداد على القين ليعلم أن مراده من القين هو الحداد لا غير وذلك كما في قوله تعالى إنما اشكو بثي وحزني إلى الله ( يوسف 68 ) وفي الحديث ليليني منكم ذووا الأحلام والنهي وقالت النحاة هذا من عطف الشيء على مرادفه والتقين التزين بأنواع الزينة وقالت أم أيمن أنا قينت عائشة رضي الله تعالى عنها أي

(11/208)


زينها والقين يجمع على أقيان وقيون وقان يقين قيانة صار قينا وقان الحديدة قينا عملها وقان الإناء قينا أصلحه وفي ( التلويح ) وفي بعض الأصول لم يذكر الحداد
1902 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) عن ( أبي الصحى ) عن ( مسروق ) عن ( خباب ) قال كنت قينا في الجاهلية وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه قال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد فقلت لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث قال دعني حتى أموت وأبعث فسأوتي مالا وولدا فأقضيك فنزلت أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهدا ( مريم 77 )
مطابقته للترجمة في قوله كنت قينا في الجاهلية
ذكر رجاله وهم سبعة الأول محمد بن بشار قد تكرر ذكره الثاني ابن أبي عدي بفتح العين المهملة وكسر الدال وهو محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم الثالث شعبة بن الحجاج الرابع سليمان الأعمش الخامس أبو الضحى بضم الضاد المعجمة واسمه مسلم بن صبيح وقد مر غير مرة السادس مسروق ابن الأجدع والأجدع لقب عبد الرحمن أبوه السابع خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى ابن الأرت وقد مر في الصلاة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في خمسة مواضع وفيه أن شيخه يلقب ببندار ويكنى بأبي بكر وهو وشيخه بصريان وشعبة واسطي سكن البصرة والبقية كوفيون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المظالم عن إسحاق وفي التفسير عن بشر بن خالد وفيه أيضا عن الحميدي وعن محمد بن كثير وعن يحيى بن وكيع وفي الإجارة عن عمرو بن حفص وأخرجه مسلم في ذكر المنافقين عن أبي بكر وأبي سعيد الأشج وعن أبي كريب وعن ابن نمير وعن إسحاق بن إبراهيم وعن إبراهيم بن أبي عمر به وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن أبي عمر به وعن هناد بن السري وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن العلاء به
ذكر معناه قوله كنت قينا أي حدادا قوله على العاص بن وائل بالهمزة بعد الألف وذكر ابن الكلبي عن جماعة في الجاهلية أنهم كانوا زنادقة منهم العاص بن وائل وعقبة بن أبي معيط والوليد بن المغيرة وأبي بن خلف قوله فأتيته أتقاضاه أي فأتيت العاص أطلب منه ديني قال مقاتل صاغ خباب للعاصي شيئا من الحلي فلما طلب منه الأجر قال ألستم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة والولدان قال خباب نعم قال العاص فميعاد ما بيننا الجنة وقال الواحدي قال الكلبي ومقاتل كان خباب قينا وكان يعمل للعاص بن وائل وكان العاصي يؤخر حقه فأتاه يتقاضاه فقال ما عندي اليوم ما أقضيك فقال خباب لست بمفارقك حتى تقضيني فقال العاصي يا خباب مالك ما كنت هكذا وإن كنت لحسن الطلب قال ذلك إذا كنت على دينك وأما اليوم فأنا على الإسلام قال أفلستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا قال بلى قال فأخرني حتى أقضيك في الجنة استهزاء فوالله إن كان ما تقول حقا إني لأفضل فيها نصيبا منك فأنزل الله تعالى الآية انتهى قلت الآية هي قوله تعالى أفرأيت الذي كفر بآياتنا ( مريم 77 ) قوله فقال لا أعطيك أي فقال العاصي لا أعطيك حقك حتى تكفر بمحمد قوله فقلت لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث وفي رواية مسلم فقلت له لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث وفي رواية الترمذي فقلت لا حتى تموت ثم تبعث قال وإني لميت ثم مبعوث فقلت نعم فقال إن لي هنالك مالا وولدا فأقضيك فنزلت أفرأيت الذي كفر ( مريم 77 ) الآية فإن قلت من عين للكفر أجلا فهو كافر الآن إجماعا فكيف يصدر هذا عن خباب ودينه أصح وعقيدته أثبت وإيمانه أقوى وآكد قلت لم يرد به خباب هذا وإنما أراد لا تعطيني حتى تموت وتبعث أو أنك لا تعطيني ذلك في الدنيا فهنالك يؤخذ قسرا منك وقال أبو الفرج لما كان اعتقاد هذا المخاطب أنه لايبعث خاطبه على اعتقاده فكأنه قال لا أكفر أبدا وقيل أراد خباب أنه إذا بعث لا يبقى كفر لأن الدار دار الآخرة قوله

(11/209)


حتى أموت بالنصب أي حتى أن أموت قوله وأبعث عطف على عليه صيغة المجهول قوله فسأوتي على صيغة المجهول قوله فنزلت أفرأيت الذي كفر بآياتنا ( مريم 77 ) أي فنزلت هذه الآية وهو قوله تعالى أفرأيت الذي ( مريم 77 ) الآية قوله أفرأيت ( مريم 77 ) لما كانت مشاهدة الأشياء ورؤيتها طريقا إلى الإحاطة بها علما وإلى صحة الخبر عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبر والفاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب كأنه قال أخبر أيضا بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقب حديث اولئك والفاء بعد همزة الاستفهام عاطفة على جملة الذي يعني العاص بن وائل كفر بآياتنا ( مريم 77 ) أي بالقرآن وقال لأوتين ( مريم 77 ) أي لا أعطين مالا وولدا ( مريم 77 ) يعني في الجنة بعد البعث وقرأ حمزة والكسائي ولد بضم الواو وسكون اللام وقرأ الباقون بفتحهما وهما لغتان كالعرب والعرب وقيس تجعل الولد جمعا والولد واحدا وفي ( ديوان الأدب ) للفارابي في باب فعل بضم الفاء وسكون العين الولد لغة في الولد ويكون واحد وجمعا وذكره أيضا في باب فعل بكسر الفاء وسكون العين وذكره أيضا في باب فعل بفتح الفاء والعين الولد وفي ( المحكم ) الولد والولد ما ولد أياما كان وهو يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى وقد يجوز أن يكون الولد جمع ولد كوثن ووثن والولد كالولد ليس بجمع والولد أيضا الرهط قوله أطلع الجبل الغيب ( مريم 77 ) عن ابن عباس أنظر في اللوح المحفوظ وعن مجاهد أعلم علم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أو لا من قولهم أطلع الجبل إذا ارتقى إلى علاه وطلع الثنية قوله أم أتخذ عند الرحمن عهدا ( مريم 77 ) عن ابن عباس أم قال لا إله إلا الله وعن قتادة أم قدم عملا صالحا فهو يرجوه
ذكر ما يستفاد منه فيه أن الحداد لا يضره مهنة صناعته إذا كان عدلا قال أبو العتاهية
( ألا إنما التقوى هو العز والكرم
وحبك للدنيا هو الذل والعدم )
( وليس على حر تقي نقيصة
إذا أسس التقوى وإن حاك أو حجم )
وفيه أن الكلمة من الاستهزاء يتكلم بها المرء فيكتب له بها سخطة إلى يوم القيامة ألا ترى وعبد الله على استهزائه بقوله سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا ( مريم 97 ) يعني من المال والولد بعد إهلاكنا إياه ويأتينا فردا أي نبعثه وحده تكذيبا لظنه وفيه جواز الإغلاط في اقتضاء الدين لمن خالف الحق وظهر منه الظلم والعدوان
03 -
( باب ذكر الخياط )
أي هذا باب ما جاء فيه من ذكر الخياط وهو بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف ويلتبس هذا بالحناط بفتح الحاء المهملة وتشديد النون وهو بياع الحنطة وبالخباط بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة وهو بياع الخبط منهم عيسى بن أبي عيسى كان خباطا ثم صار حناطا
2902 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول إن خياطا دعا رسول الله لطعام صنعه قال أنس بن مالك فذهبت مع رسول الله إلى ذلك الطعام فقرب إلى رسول الله خبزا ومرقا فيه دباء وقديد فرأيت النبي يتتبع الدباء من حوالى القصعة قال فلم أزل احب الدباء من يومئذ
مطابقته للترجمة في قوله إن خياطا وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة اسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس ابن مالك
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن قتيبة بن سعيد والقعنبي وأبي نعيم وإسماعيل بن أبي أويس وأخرجه مسلم في الأطعمة عن قتيبة وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن ميمون الخياط وفي الشمائل عن قتيبة وقال الترمذي حسن صحيح
والدباء بضم الدال المهملة

(11/210)


وتشديد الباء الموحدة ممدودا وهو القرع قال ابن ولاد واحدته دباءة وفي ( الجامع ) للقزاز الدبا بالقصر لغة في القرع وذكره ابن سيده في الممدود الذي ليس بمقصور من لفظه وفي ( شرح المهذب ) هو القرع اليابس قلت فيه نظر لأن القرع اليابس لا يطبخ بدليل حديث الباب وقال أبو حنيفة في ( كتاب النبات ) الدباء من اليقطين ينقرش ولا ينهض كجنس البطيخ والقثاء وقد روى عن ابن عباس كل ورقة اتسعت ورقت فهي يقطين
قوله خبزا قال الإسماعيلي الخبز الذي جاء به الخياط كان من شعير قوله ومرقا فيه دباء وقديدا قال الداودي فيه دليل على أنه صنع بذلك الخبز والمرق ثريدا لقوله من حوالي القصعة وقال القرطبي أما تتبعه من حوالي القصعة لأن الطعام كان مختلطا فكان يأكل ما يعجبه منه وهو الدباء ويترك ما لا يعجبه وهو القديد
ذكر ما يستفاد منه فيه الإجابة إلى الدعوة وقد اختلف فيها فمنهم من أوجبها ومنهم من قال هي سنة ومنهم من قال هي مندوب إليها وفيه دلالة على تواضع النبي إذا أجاب دعوة الخياط وشبهه وفيه فضيلة أنس رضي الله تعالى عنه حيث بلغت محبته لرسول الله إلى أنه كان يحب ما أحبه من الأطعمة وفيه دليل على فضيلة القرع على غيره وذكر أصحابنا أن من قال كان النبي يحب القرع فقال آخر لا أحب القرع يخشى عليه من الكفر وفيه ما قاله الكرماني إن الصحفة التي قربت إليه كانت له وحده فإذا كانت له ولغيره فالمستحب أن يأكل مما يليه وفيه جواز أكل الشريف طعام الخياط والصائغ وإجابته إلى دعوته وفيه إتيانه منازل أصحابه والائتمار بأمرهم وقد قال شعيب عليه الصلاة و السلام وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ( هود 88 ) فتأسى به في الإجابة وفيه الإجابة إلى الثريد وهو خير الطعام قال الخطابي وفيه جواز الإجارة على الخياطة ردا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة وفي صنعة الخياطة معنى ليس في سائر ما ذكره البخاري من ذكر القين والصائغ والنجار لأن هؤلاء الصناع إنما تكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والخشب والفضة والذهب وهي أمور من صنعة يوقف على حدها ولا يختلط بها غيرها والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيوط من عنده فيجمع إلى الصنعة الآلة وإحداهما معناها التجارة والأخرى الإجارة وحصة إحداهما لا تتميز من الأخرى وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان يخرز بخيوطه ويصبغ هذا بصبغة على العادة المعتادة فيما بين الصناع وجميع ذلك فاسد في القياس إلا أن النبي وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها إذ لو طولبوا بغيرها لشق عليهم فصار بمعزل من موضع القياس والعمل به ماض صحيح لما فيه من الإرفاق
13 -
( باب ذكر النساج )
أي هذا باب فيه ما جاء من ذكر النساج بفتح النون وتشديد السين المهملة وفي آخره جيم ويلتبس بالنساخ بالخاء المعجمة في آخره
3902 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم قال سمعت سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال جاءت امرأة ببردة قال أتدرون ما البردة فقيل له نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها قالت يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها فأخذها النبي محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره فقال رجل من القوم يا رسول الله اكسنيها فقال نعم فجلس النبي في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما أحسنت سألتها إياه لقد علمت أنه لا يرد سائلا فقال الرجل والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت قال سهل فكانت كفنه

(11/211)


مطابقته للترجمة في قوله منسوج وفي قوله إني نسجتها والكلمتان تدلان على النساج ضرورة
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب من استعد الكفن في زمن النبي فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل رضي الله تعالى عنه أن امرأة جاءت إلى النبي إلى آخره وههنا قد أخرجه عن يحيى بن بكير عن ( يعقوب بن عبد الرحمن ) بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري من قارة أصله مدني سكن الإسكندرية عن ( أبي حازم ) سلمة بن دينار المديني القاص من عباد أهل المدينة وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
قوله البردة بضم الباء الموحدة كساء مربع يلبسها الأعراب والشملة كساء يشتمل به قوله منسوج ويروى منسوجة وارتفاعها على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو منسوج قوله في حاشيتها قال الجوهري حاشية الثوب أحد جوانبه وقال القزاز حاشيتاه ناحيتاه الثانية في طرفها الهدب وقال الكرماني هو من باب القلب أي منسوج فيها حاشيتها وكذا هو فيما مضى من الباب المذكور قوله محتاجا إليها بالنصب على الحال وهي رواية الكشميهني وفي رواية غيره محتاج بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو محتاج إليه قوله ثم رجع فطواها يعني رجع إلى منزله بعد قيامه من مجلسه قوله ما أحسنت كلمة ما نافية
23 -
( باب النجار )
أي هذا باب في بيان ما جاء في ذكر النجار بفتح النون وتشديد الجيم وفي رواية الكشميهني باب النجارة بكسر النون وتخفيف الجيم وفي آخرها هاء وبه ترجم أبو نعيم في ( المستخرج ) والأول أشبه لبقية التراجم
4902 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أبي حازم ) قال ( أتى رجال إلى سهل بن سعد ) يسألونه عن المنبر فقال بعث رسول الله إلى فلانة امرأة قد سمها سهل أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس فأمرته يعملها من طرفاء الغابة ثم جاء بها فأرسلت إلى رسول الله بها فأمر بها فوضعت فجلس عليه
مطابقته للترجمة في قوله غلامك النجار والحديث قد مضى بأطول منه في كتاب الجمعة في باب الخطبة على المنبر فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم أن رجالا أتوا سهل بن سعد إلى آخره وأخرجه هنا عن قتيبة أيضا عن عبد العزيز هو ابن أبي حازم سلمة بن دينار المذكور في حديث الباب السابق وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
5902 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) قال حدثنا ( عبد الواحد بن أيمن ) عن أبيه عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه فإن لي غلاما نجارا قال إن شئت قال فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد النبي على المنبر الذي صنع فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت قال بكت على ما كانت تسمع من الذكر
مطابقته للترجمة في قوله غلاما نجارا وقد مضى هذا الحديث في كتاب الجمعة في باب الخطبة على المنبر فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن أبي مريم عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن يحيى بن سعيدابن أنس أنه سمع جابر بن عبد الله قال كان جذع يقوم عليه النبي فلما وضع له المنبر سمعنا الجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي فوضع يده عليه وههنا أخرجه عن خلاد بفتح الخاء

(11/212)


المعجمة وتشديد اللام على وزن فعال ابن يحيى بن صفوان أبي محمد السلمي الكوفي وهو من أفراد البخاري وعبد الواحد ابن أيمن على وزن أفعل ضد الأيسر المخزومي المكي وأبوه أيمن الحبشي مولى ابن أبي عمرو المخزومي المكي وأبوه أيمن الحبشي مولى ابن عمر المخزومي وهو من أفراد البخاري
قوله النخلة أي الجذع قوله يسكت بضم الياء على صيغة المجهول من التسكيت قوله قال بكت على ما كانت أي على فراق ما كانت تسمع من الذكر فإن قلت من فاعل قال قلت يحتمل أن يكون أحد الرواة للحديث ولكن خرج وكيع في روايته عن عبد الواحد بن أيمن بأنه النبي أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد عنه
وفيه فضيلة الذكر ومعجزة ظاهرة للنبي وفيه رد للقدرية لأن الصياح ضرب من الكلام وهم لا يجوزون الكلام إلا من ذي فم ولسان كأنهم لم يسمعوا قوله تعالى وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا الآية وفيه أن الأشياء التي لا روح لها تعقل إلا أنها لا تتكلم حتى يؤذن لها
33 -
( باب شراء الإمام الحوائج بنفسه )
أي هذا باب فيما جاء من شراء الإمام الحوائج بنفسه كذا هذه الترجمة عن أبي ذر عن غير الكشميهني وليست هذه الترجمة موجودة في رواية الباقين وروي باب شراء الحوائج بنفسه بغير ذكر لفظ الإمام وهو أعم ولفظ الحوائج منصوب على المفعولية عند ذكر لفظ الإمام وعند سقوطه مجرور بالإضافة وفائدة هذه الترجمة دفع وهم من يتوهم أن تعاطي ذلك يقدح في المروءة
وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
هذا التعليق وصله البخاري في كتاب الهبة وسيأتي إن شاء الله تعالى
اشترى النبي جملا من عمر
هذا التعليق وصله البخاري في باب شراء الإبل الهيم يأتي بعد باب أن شاء الله تعالى وهذا التعليق ما ثبت في كتاب إلا في رواية الكشميهني وحده
وقال عبد الرحمان بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما جاء مشرك بغنم فاشترى النبي منه شاة
هذا التعليق وصله البخاري في حديث سيأتي في أواخر البيوع في باب الشراء والبيع مع المشركين
واشترى النبي من جابر بعيرا
هذا طرف من حديث موصول يأتي في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى
وهذه التعاليق تطابق الترجمة بلا خلاف وفائدتها بيان جواز مباشرة الكبير والشريف والحاكم شراء الحوائج بأنفسهم وإن كان لهم من يكفيهم إذا فعل ذلك واحد منهم لإظهار التواضع والمسكنة والاقتداء بالنبي وبمن بعده من الصحابة والتابعين والصالحين وكان فعل النبي بذلك للتشريع لأمته ولإظهار التواضع
6902 - حدثنا ( يوسف بن عيسى ) قال حدثنا ( أبو معاوية ) قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت اشترى رسول الله من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى الحديث في أوائل البيوع في باب شراء النبي بالنسيئة فإنه أخرجه هناك عن معلى بن أسد عن عبد الواحد عن الأعمش إلى آخره وأخرجه هنا عن يوسف بن عيسى أبي يعقوب المروزي عن

(11/213)


أبي معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي الضرير عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة أم المؤمنين وقد مضى الكلام فيه هناك
43 -
( باب شراء الدواب والحمير )
أي هذا باب في بيان حكم شراء الدواب وهو جمع دابة وقد عرف أن الدابة في أصل الوضع لكل ما يدب على وجه الأرض ثم استعملت في العرف لكل حيوان يمشي على أربع وهي تتناول الحمير وذكر الحمير لا فائدة فيه حتى أن حديثي الباب ليس فيهما ذكر حمير وقال بعضهم وليس في حديثي الباب ذكر الحمير فكأنه أشار إلى إلحاقها في الحكم بالإبل لأن في الباب إنما فيهما ذكر بعير وجمل ولا اختصاص في حكم المذكور بدابة دون دابة فهذا وجه الترجمة انتهى قلت ذكر كلاما ثم نقضه بنفسه لأنه ذكر أولا بطريق المساعدة للبخاري بقوله فكأنه أشار إلى إلحاقها أي إلحاق الحمير في الحكم بالإبل ثم قال والاختصاص في الحكم المذكور بدابة دون دابة فهذا ينقض كلامه الأول على ما لا يخفى على أن لقائل أن يقول ما وجه تخصيص إلحاق الحمير في الحكم بالإبل فإن الحكم في البقر والغنم كذلك ووقع في رواية أبي ذر والحمر بضمتين وفي رواية غيره الحمير وكلاهما جمع لأن الحمار يجمع على حمير وحمر وأحمرة ويجمع الحمر على حمرات جمع صحة
وإذا اشترى دابة أو جملا وهو عليه هل يكون ذلك قبضا قبل أن ينزل
هذا أيضا من جملة الترجمة قوله أو جملا لا طائل تحته لأنه يدخل في قوله دابة أللهم إلا أن يقال إنما ذكر الجمل على الخصوص لكونه مذكورا في حديث الباب لأن الشراء وقع عليه فيه قوله وهو عليه أي والحال أن البائع عليه أي على الجمل وقال الكرماني أي البائع عليه لا المشتري قلت لاجاجة إلى قوله لا المشتري لأن قوله اشترى قرينة على أن البائع هو الذي عليه وهذه القرينة تجوزعود الضمير إلى البائع وإن كان غير مذكور ظاهرا قوله هل يكون ذلك أي الشراء المذكور قبضا قبل أن ينزل البائع من دابته التي باعها وهو عليها وفيه خلاف فلذلك لم يذكر جواب الاستفهام
وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال النبي لعمر يعنيه يعني جملا صعبا
هذا التعليق سيأتي في كتاب الهبة إن شاء الله تعالى
7902 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( عبيد الله ) عن ( وهب بن كيسان ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال كنت مع النبي في غزاة فأبطأ بي جملي وأعيا فأتى علي النبي فقال جابر فقلت نعم قال ما شأنك قلت أبطأ علي جملي وأعيا فتخلفت فنزل يحجنه بمحجنه ثم قال اركب فركبت فلقد رأيته أكفه عن رسول الله قال تزوجت قلت نعم قال بكرا أم ثيبا قلت بل ثيبا قال أفلا جارية وتلاعبها تلاعبك قلت إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن قال أما إنك قادم فإذا قدمت فالكيس الكيس ثم قال أتبيع جملك قلت نعم فاشتراه مني بأوقية ثم قدم رسول الله قبلي وقدمت بالغداة فجئنا إلى المسجد فوجدته على باب المسجد قال آلآن قدمت قلت نعم قال فدع جملك فادخل فصل ركعتين فدخلت فصليت فأمر بلالا أن يزن له أوقية فوزن لي بلال فأرجح في الميزان فانطلقت حتى وليت فقال ادع لي جابرا

(11/214)


قلت الآن يرد علي الجمل ولم يكن شيء أبغض إلي منه قال خذ جملك ولك ثمنه الكيس الولد كنأ عن العقل ( انظر الحديث 344 أطرافه )
مطابقته للترجمة في لفظ الجمل فإنه ذكر فيه مكررا والجمل من الدواب وعبد الوهاب ابن عبد المجيد الثقفي البصري وعبيد الله ابن عمر ووهب بن كيسان بفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة في آخره نون أبو نعيم الأسدي
وهذا الحديث ذكره البخاري في نحو عشرين موضعا وسنقف على كلها في مواضعها إن شاء الله تعالى وأخرجه في الشروط مطولا جدا وقال المزي حديث البعير مطول ومنهم من اختصره ورواه البخاري من طريق وهب بن كيسان عن جابر ومن طريق الشعبي عنه وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي بألفاظ مختلفة وأسانيد متغايرة
ذكر معناه قوله في غزاة قوله فأبطأ بي جملي قال الفراء الجمل زوج الناقة والجمع جمال وأجمال وجمالات وجمائل ويطلق عليه البعير لأن جابرا قال في الحديث في رواية أبي داود بعته يعني بعيره من النبي واشترطت حملانه إلى أهله وقال في آخره ترأني إنما ما كستك لأذهب بجملك خذ جملك وثمنه فهما لك وقال أهل اللغة البعير الجمل البازل وقيل الجذع وقد يكون للأنثى ويجمع على أبعرة وأباعر وأباعير وبعران وبعران قوله وأعيى أي عجز عن الذهاب إلى مقصده لعيه وعجزه عن المشي يقال عييت بأمري إذا لم تهتد لوجهه وأعياني هو ويقال أعيى فهو معيي ولا يقال عيا وأعياه الله كلاهما بالألف يستعمل لازما ومتعديا قوله فأتى على النبي وفي رواية الطحاوي فأدركه رسول الله وفي رواية للبخاري فمر النبي فضربه فدعا له فسار سيرا ليس يسير مثله وفي رواية مسلم كان يعني جابرا يسير على جمل له قد أعي فأراد أن يسيبه قال فلحقني النبي فدعا لي فسار سيرا لم يسر مثله قوله فقال جابر قال الكرماني جابر ليس هو فاعل قال ولا منادى بل هو خبر لمبتدأ محذوف قلت نعم قوله ليس هو فاعل قال صحيح وأما قوله ولا منادى غير صحيح بل هو منادى تقديره فقال النبي يا جابر وحذف منه حرف النداء وكذا وقع في رواية الطحاوي فقال فأدركه رسول الله فقال ما شأنك يا جابر فقال أعيى ناضحي يا رسول الله فقال أمعك شيء فأعطاه قضيبا أو عودا فنخسه أو قال فضربه به فسار مسيرة لم يكن يسير مثلها وذكر هنا الناضح موضع البعير و الناضح بالنون والضاد المعجمة والحاء المهملة البعير الذي يستقى عليه والأنثى ناضحة وسانية قوله ما شأنك أي ما حالك وما جرى لك حتى تأخرت عن الناس قوله فنزل أي نزل رسول الله قال في ( التوضيح ) فيه نزول الشارع لأصحابه قوله يحجنه جملة وقعت حالا وهو مضارع حجن بالحاء المهملة والجيم والنون يقال حجنت الشيء إذا اجتذبته بالمحجن إلى نفسك والمحجن بكسر الميم عصا في رأسه اعوجاج يلتقط به الراكب ما سقط منه قوله أكفه أي أمنعه حتى لا يتجاوز رسول الله قوله تزوجت أي أتزوجت وهمزة الاستفهام مقدرة فيه قوله بكرا أم ثيبا أي أتزوجت بكرا أم تزوجت ثيبا والثيب من ليس ببكر ويقع على الذكر والأنثى يقال رجل ثيب وامرأة ثيب وقد يطلق على المرأة البالغة وإن كانت بكرا مجازا أو اتساعا والمراد ههنا العذراء قوله أفلا جارية أي أفلا تزوجت جارية أي بكرا قوله تلاعبها وتلاعبك وفي رواية قال فأين أنت من العذراء ولعابها وفي رواية أخرى فهلا تزوجت بكرا تضاحكك وتضاحكها وتلاعبها وتلاعبك وقال النووي أما قوله ولعابها فهو بكسر اللام ووقع لبعض رواة البخاري بضمها وقال القاضي عياض وأما الرواية في كتاب مسلم فبالكسر لا غير وهو من الملاعبة مصدر لاعب ملاعبة كقاتل مقاتلة قال وقد حمل جمهور المتكلمين في شرح هذا الحديث قوله تلاعبها على

(11/215)


اللعب المعروف ويؤيده تضاحكها وتضاحكك وقال بعضهم يحتمل أن يكون من اللعاب وهو الريق قوله قلت إن لي إخوات وفي رواية لمسلم قلت له إن عبد الله هلك وترك تسع بنات أو سبع بنات فإني كرهت أن آتيهن أو أجيئهن بمثلهن فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهم وتصلحهن قال فبارك الله لك أو قال لي خيرا وفي رواية أخرى لمسلم توفي والدي أو استشهد ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوج إليهن مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن قوله وتمشطهن من مشطت الماشطة المرأة إذا سرحت شعرها وهو من باب نصر ينصر والمصدر المشط والمشاطة ما سقط منه قوله أما إنك قادم قال الداودي يحتمل أن يكون إعلاما قوله فإذا قدمت أي المدينة قوله فالكيس جواب إذا وانتصابه بفعل مضمر أي فالزم الكيس وهو بفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة واختلفوا في معناه فقال البخاري إنه الولد وقال الخطابي هذا مشكل وله وجهان إما أن يكون حضه على طلب الولد واستعمال الكيس والرفق فيه إذ كان جابر لا ولد له إذ ذاك أو يكون أمره بالتحفظ والتوقي عند إصابة أهله مخافة أن تكون حائضا فيقدم عليها لطول الغيبة وامتداد العزبة والكيس شدة المحافظة على الشيء وقيل الكيس هنا الجماع وقيل العقل كأنه جعل طلب الولد عقلا وقال النووي والمراد بالعقل حثه على ابتغاء الولد قوله أتبيع جملة قلت نعم وفي رواية لمسلم بعنيه بوقية قلت لا ثم قال بعنيه فبعته بوقية واستثبت عليه حملانه إلى أهلي وفي رواية له أفتبيعنيه فاستحييت ولم يكن لي ناضح غيره قال قلت نعم فبعته إياه على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة وفي رواية أخرى قال لي بعني جملك هذا قال قلت لا بل هو لك يا رسول الله قال لا بعينهقال قلت فإن لرجل على أوقية ذهب فهو لك بها قال قد أخذته فتبلغ عليه إلى المدينة قوله فاشتراه مني بأوقية بضم الهمزة وكسر القاف وتشديدالياء آخر الحروف والجمع يشدد ويخفف مثل أثافي وأثاف وقد جاء في رواية للبخاري وغيره وقية بدون الهمزة وليست بلغة عالية وكانت الوقية قديما عبارة عن أربعين درهما وقد اختلفت الروايات ههنا ففي رواية أنه باعه بخمس أواقي وزاد في أوقية وفي بعضها بأوقيتين ودرهم أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وفي رواية بأربعة دنانير وفي الأخرى بأوقية ولم يقل ذهبا ولا فضة وقال الداودي ليس لأوقية الذهب وزن يحفظ وأما أوقية الفضة فأربعون درهما فإن قلت ما حكم اختلاف هذه الروايات وسببها قلت سببها نقل الحديث على المعنى وقد تجد الحديث الواحد قد حدث به جماعة من الصحابة والتابعين بألفاظ مختلفة أو عبارات متقاربة ترجع إلى معنى واحد فإن قلت كيف التلفيق بين هذه الروايات قلت إما ذكر الأوقية المهملة فيفسرها قوله أوقية ذهب وإليه يرجع اختلاف الألفاظ إذ هي في رواية سالم بن أبي الجعد عن جابر يفسره بقوله إن لرجل علي أوقية ذهب فهو لك بها ويكون قوله في الرواية الأخرى فبعته منه بخمس أواقي أي فضة صرف أوقية الذهب حينئذ كأنه أخبر مرة عما وقع به البيع من أوقية الذهب أولا ومرة عما كان به القضاء من عدلها فضة والله أعلم ويعضد هذا في آخر الحديث في رواية مسلم خذ حملك ودراهمك فهو لك وفي رواية من قال مأتي درهم لأنه خمس أواقي أو يكون هذا كله زيادة على الأوقية كما قال فما زال يزيدني وأما ذكر الأربعة الدنانير فموافقة لأوقية إذ قد يحتمل أن يحتمل أن يكون وزان أوقية الذهب حينئذ وزان أربعة دنانيرهم لأن دنانيرهم مختلفة وكذلك دراهمهم ولأن أوقية الذهب غير محققة الوزن بخلاف الفضة أو يكون المراد بذلك أنها صرف أربعين درهما فأربعة دنانير موافقة لأوقية الفضة إذ هي صرفها ثم قال أوقية ذهب لأنه أخذ عن الأوقية عدلها من الذهب الدنانير المذكور أو يكون ذكر الأربعة دنانير في ابتداء المماكسة وانعقد البيع بأوقية وأما قوله أوقيتان فيحتمل أن الواحدة هي التي وقع بها البيع والثانية زادها إياه ألا ترى كيف قال في الرواية الأخرى وزادني أوقية وذكره الدرهم والدرهمين مطابق لقوله وزادني قيراطا في بعض الروايات قوله فدع أي أترك قوله فادخل ويروى وادخل بالواو قوله حتى وليت بفتح اللام المشددة أي أدبرت قوله أدع بصيغة المفرد ويروى ادعوا بصيغة الجمع قوله منه أي من رد الجمل قوله الكيس الولد هذا تفسير البخاري

(11/216)


ذكر ما يستفاد منه فيه ذكر العمل الصالح ليأتي بالأمر على وجهه لا يريد به فخرا وهذا في قوله كنت في غزاة وفيه تفقد الإمام أو كبير القوم وأصحابه وذكرهم له ما ينزل بهم عند سؤاله وهذا في قوله ما شأنك وفيه توقير الصحابي النبي وهو واجب بلا شك وهذا في قوله أكفه عن رسول الله وفيه حض على تزويج البكر وفضيلة تزويج الأبكار وهو في قوله فهلا جارية وفيه ملاعبة الرجل أهله وملاطفته لها وحسن العشرة وهو في قوله تلاعبها وتلاعبك وفيه فضيلة جابر وإيثاره مصلحة أخواته على نفسه وهو في قوله إن لي أخوات وفيه استحباب ركعتين عند القدوم من السفر وهو في قوله فادخل فصل ركعتين وفيه استحباب إرجاح الميزان في وفاء الثمن وقضاء الديون وهو في قوله فأرجح في الميزان وفيه صحة التوكيل في الوزن ولكن الوكيل لا يرجح إلا بإذن وفيه الزيادة في الثمن ومذهب مالك والشافعي والكوفيين أن الزيادة في المبيع من البائع وفي الثمن من المشتري والحط منه يجوز سواء قبض الثمن أم لا بحديث جابر رضي الله تعالى عنه وهي عندهم هبة مستأنفة وقال ابن القاسم هبة فإن وجد بالمبيع عيبا رجع بالثمن والهبة وعند الحنفية الزيادة في الثمن أو الحط منه يلحقان بأصل العقد ولو بعد تمام العقد وكذلك الزيادة في المبيع تصح وتلتحق بأصل العقد ويتعلق الاستحقاق بكلمة أي بكل ما وقع عليه في العقد من الثمن والزيادة عليه وفيه جواز طلب البيع من الرجل سلعته ابتداء وإن لم يعرضها للبيع
53 -
( باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع بها الناس في الإسلام )
أي هذا باب في بيان جواز التبايع في الأسواق التي كانت في الجاهلية قبل الإسلام وقصده من وضع هذه الترجمة الإشارة إلى أن مواضع المعاصي وأفعال الجاهلية لا يمنع من فعل الطاعة فيها
8902 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله ليس عليكم جناح في مواسم الحج قرأ ابن عباس كذا
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا الحديث في كتاب الحج في باب التجارة أيام المواسم والبيع في أسواق الجاهلية فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن الهيثم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وههنا أخرجه عن علي بن عبد الله الذي يقال له ابن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وقد مر الكلام فيه هناك
قوله تأثموا أي تحرجوا من الإثم وكفوا عنه يقال تأثم فلان إذا فعل فعلا خرج به عن الإثم كما يقال تحرج إذا فعل ما يخرج به من الحرج والله سبحانه وتعالى أعلم
63 -
( باب شراء الإبل الهيم أو الأجرب الهائم المخالف للقصد في كل شيء )
أي هذا باب في بيان شراء الإبل الهيم و الهيم بكسر الهاء جمع أهيم والمؤنث هيماء والأهيم العطشان الذي لا يروى وهو من هامت الدابة تهيم هيمانا بالتحريك وقال ابن الأثير في حديث الاستسقاء هامت دوابنا أي عطشت ومنه حديث ابن عمر أن رجلا باعه إبلا هيما أي مراضا جمع أهيم وهو الذي أصابه الهيام والهيام هو داء يكسبها العطش فتمص الماء مصا ولا تروى منه وقال ابن سيده الهيام والهيام داء يصيب الإبل عن بعض المياه بتهامة يصيبها منه مثل الحمى وقال الهجري الهيام داء يصيبها عن شرب النجل إذا كثر طحلبه واكتنفت به الذبان جمع ذباب وقال الفراء والهيام الهيام بضم الهاء وكسرها وفي ( كتاب الإبل ) للنضر بن شميل وأما الهيام فنحو الدوار جنون يأخذ الإبل حتى تهلك وفي كتاب ( خلق الإبل ) للأصمعي إذا سخن جلد البعير وله شره للماء ونحل جسمه فذلك الهيام وقيل الهيام داء يكون معه الجرب ولهذا ترجم البخاري شراء الإبل الهيم والأجرب وأما معنى قوله تعالى فشاربون شرب الهيم ( الواقعة 55 ) فقال ابن عباس هيام

(11/217)


الأرض الهيام بالفتح تراب يخالطه رمل ينشف الماء نشفا وفي تقديره وجهان أحدهما أن الهيم جمع هيام جمع على فعل ثم خفف وكسرت الهاء لأجل الياء والثاني أن يذهب إلى المعنى وأن المراد الرمال الهيم وهي التي لا تروى يقال رمل أهيم قوله أو الأجرب أي أو شراء الأجرب من الإبل وفي رواية النسفي والأجرب بدون الهمزة وقال بعضهم وهو من عطف المنفرد على الجمع في الصفة لأن الموصوف هنا الإبل وهم اسم جنس صالح للجمع والمفرد قلت قال صاحب ( المخصص ) الإبل اسم واحد ليس بجمع ولا اسم جمع وإنما هو دال عليه وجمعها آبال وعن سيبويه قالوا إبلان لأنه اسم لم يكسر عليه وإنما يريدون قطيعين قوله الهائم المخالف للقصد في كل شيء أي يهيم ويذهب على وجهه وقال ابن التين وليس الهائم واحد الهيم فانظر لم أدخل البخاري هذا في تبويبه وأجيب عن هذا بأن البخاري لما رأى أن الهيم من الإبل كالذي قاله النضر بن شميل شبهها بالرجل الهائم من العشق فقال الهائم المخالف للقصد في كل شيء فكذلك الإبل الهيم تخالف القصد في قيامها وقعودها ودورها مع الشمس كالحرباء
9902 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال قال ( عمرو ) كان ههنا رجل إسمه نواس وكانت عنده إبل هيم فذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فاشترى تلك الإبل من شريك له فجاء إليه شريكه فقال بعنا تلك الإبل فقال ممن بعتها قال من شيخ كذا وكذا فقال ويحك ذاك والله ابن عمر فجاءه فقال إن شريكي باعك إبلا هيما ولم يعرفك قال فاستقها قال فلما ذهب يستاقها فقال دعها رضينا بقضاء رسول الله لا عدوى سمع سفيان عمرا
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه شراء الإبل الهيم وهو شراء عبد الله بن عمر وهذا الحديث من أفراد البخاري وعلى هو ابن عبد الله المعروف بابن المدني وفي بعض النسخ حدثنا علي بن عبد الله وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار المكي
قوله كان ههنا أي بمكة وفي رواية ابن أبي عمر عن سفيان عند الإسماعيلي من أهل مكة قوله نواس بفتح النون وتشديد الواو وفي آخره نون وقال ابن قرقول هكذا هو عند الأصيلي والكافة وعند القابسي بكسر النون وتخفيف الواو وعند الكشميهني نواسي بالفتح والتشديد وياء النسب قوله فجاء إليه أي إلى نواس قوله قال من شيخ ويروى فقال من شيخ بالفاء قوله ويحك كلمة ويح تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها بخلاف ويل فإنها للذي يستحقها وذكر ابن سيده أنها كلمة تقال للرحمة وكذلك وقيل ويح تقبيح وفي الجامع هو مصدر لافعل له وفي الصحاح لك أن تقول ويحا لزيد وويح لزيد ولك أن تقول ويحك وويح زيد قوله ذاك أي الرجل الذي بعث الإبل الهيم له والله ابن عمر قوله ولم يعرفك بفتح الياء ويروى عن المستملي ولم يعرفك بضم الياء من التعريف يعني لم يعلمك بأنها هيم قوله فاستقها بصيغة الأمر قال الكرماني من السوق قلت لا بل هو أمر من الاستياق والقائل به هو ابن عمر وهذا يحتمل أن يكون قاله مجمعا على رد المبيع أو مختبرا هل الرجل مسقط لها أم لا قوله فلما ذهب أي شريك نواس قوله يستاقها جملة حالية قوله فقال دعها أي قال ابن عمر دع الإبل ولا تستقها قوله لا عدوى تفسير لقوله رضينا بقضاء رسول الله يعني بحكمه بأنه لا عدوى وهو اسم من الإعداء يقال أعداه الداء يعديه إعداء وهو أن يصيبه ما بصاحب الداء وذلك أن يكون ببعير جرب مثلا فيتقي مخالطته بإبل أخرى حذار أن يتعدى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه وقد أبطله الشارع بقوله لا عدوى يعني ليس الأمر كذلك وإنما الله عز و جل هو الذي يمرض وينزل الداء ولهذا قال في الحديث فمن أعدى البعير الأول أي من أين صار فيه الجرب وقال الجوهري العدوى ما يعدى من جرب أو غيره وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره والعدوى أيضا طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك أي ينتقم منه وقيل معنى لا عدوى هنا رضيت بهذا البيع على ما فيه من العيب ولا أعدي على البائع حاكما واختار

(11/218)


ابن التين هذا المعنى وقال الداودي معنى قوله لا عدوى النهي عن الاعتداء والظلم قلت الحديث يكون موقوفا على اختيار ابن التين ويكون من كلام ابن عمر وعلى ما فسرنا أولا يكون في حكم المرفوع قوله سمع سفيان عمرا هذا قول شيخ البخاري علي بن عبد الله أي سمع سفيان بن عيينة عمرو بن دينار والحديث رواه الحميدي في ( مسنده ) عن سفيان قال حدثنا عمرو به
وفي الحديث جواز شراء المعيب ومنعه إذا كان البائع قد عرف عيبه ورضيه المشتري وليس هذا من الغش وأما ابن عمر فرضي بالعيب والتزمه فصحت الصفقة فيه وفيه تجنب ظلم الصالح لقوله ويحك ذاك ابن عمر
73 -
( باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها )
أي هذا باب في بيع السلاح في أيام الفتنة هل يمنع أم لا وأيام الفتنة ما يقع من الحروب بين المسلمين ولم يذكر الحكم على عادته اكتفاء بما ذكره في الباب من الحديث والأثر قوله وغيرها أي وغير أيام الفتنة والحكم فيه على التفصيل وهو أن بيع السلاح في أيام الفتنة مكروه لأنه إعانة لمن اشتراه وهذا إذا اشتبه عليه الحال إما إذا تحقق الباغي فالبيع لمن كان في الجانب الذي على الحق لا بأس به وأما البيع في غير أيام الفتنة فلا يمنع لحديث الباب فافهم
وكره عمران بن حصين بيعه في الفتنة
أي كره بيع السلاح في أيام الفتنة وهذا وصله ابن عدي في ( الكامل ) من طريق أبي الأشهب عن أبي رجاء عن عمران ورواه الطبراني في ( الكبير ) من وجه آخر عن أبي رجاء عن عمران مرفوعا وإسناده ضعيف
00 - 1 - 2 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( ابن أفلح ) عن ( أبي محمد ) مولى ( أبي قتادة ) عن ( أبي قتادة ) رضي الله تعالى عنه قال خرجنا مع رسول الله عام حنين فأعطاه يعني درعا فبعت الدرع فابتعت به مخرقا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة وهو قوله وغيرها أي وغير الفتنة فإن بيع أبي قتادة درعه كان في غير أيام الفتنة وبهذا يرد على الإسماعيلي في قوله هذا الحديث ليس في شيء من ترجمة الباب
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبد الله بن مسلمة القعنبي الثاني مالك بن أنس الثالث يحيى بن سعيد الأنصاري الرابع ابن أفلح واسمه عمر بن كثير ضد القليل مولى أبي أيوب الأنصاري الخامس أبو محمد واسمه نافع بن عياش الأقرع مولى أبي قتادة السادس أبو قتادة واسمه الحارث بن ربعي الأنصاري
ولطائف إسناده أن رواته كلهم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد أولهم يحيى
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الخمس عن القعنبي وفي المغازي عن عبد الله بن ابن يوسف وفي الأحكام عن قتيبة عن ليث به وأخرجه مسلم في المغازي عن قتيبة به وعن يحيى بن يحيى عن هشيم وعن أبي الطاهر عن ابن وهب وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي به وأخرجه الترمذي في السير عن إسحاق بن موسى الأنصاري وعن ابن أبي عمر وأخرجه ابن ماجه في الجهاد عن محمد بن الصباح عن سفيان ببعضه
ذكر معناه قوله خرجنا مع رسول الله عام حنين وكان عام الحنين في السنة الثامنة من الهجرة وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وهذا الحديث وقع هنا مختصرا وقال الخطابي سقط من الحديث شيء لا يتم الكلام إلا به وهو أنه يعني أبا قتادة قتل رجلا من الكفار فأعطاه النبي سلبه وكان الدرع من سلبه ورد عليه ابن التين بأنه تعسف في الرد على البخاري لأنه إنما أراد جواز بيع الدرع فذكر موضعه من الحديث وحذف سائره وهكذا يفعل كثيرا قوله فأعطاه أي فأعطى النبي أبا قتادة وكان مقتضى الحال أن يقول فأعطاني ولكنه من باب الالتفات وكان الدرع من سلب كافر قتله أبو قتادة والذي شهد له

(11/219)


بالقتل الأسود بن خزاعة وعبيد الله بن أنيس قاله المنذري قوله فابتعت به أي اشتريت به أي بثمن الدرع قوله مخرفا بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء بعدها فاء وهو البستان وبكسر الميم الوعاء الذي يجمع فيه الثمار وقيل الحائط من النخل يخرف فيه الرطب أي يجتنى وقيل للنخلة مخرف وللطريق مخرف وفي ( المحكم ) المخرف القطعة الصغيرة من النخل ست أو سبع يشترى بها الرجل للخرفة قوله في بني سلمة بكسر اللام بطن من الأنصار قوله فإنه أي فإن المخرف لأول مال بفتح اللام للتأكيد قوله تأثلته أي جمعته وهو من باب التفعل فيه معنى التكلف مأخوذ من الأثلة وهو الأصل أي اتخذته أصلا للمال ومادته همزة وثاء مثلثة ولام يقال مال مؤثل ومجد مؤثل أي مجموع ذو أصل
83 -
( باب في العطار وبيع المسك )
أي هذا باب في العطار على وزن فعال بالتشديد وهو الذي يبيع العطر وهو الطيب قوله وبيع المسك عطف على ما قبله
1012 - حدثني ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( أبو بردة بن عبد الله ) قال سمعت ( أبا بردة بن أبي موسى ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة ( الحديث 1012 - طرفه في 4355 )
مطابقته للترجمة للجزء الثاني منها وهو بيع المسك وقال بعضهم وبيع المسك ليس في حديث الباب سوى ذكر المسك وكأنه ألحق العطار به لاشتراكهما في الرائحة الطيبة قلت صاحب المسك أعم من أن يكون حامله أو بائعه ولكن القرينة الحالية تدل على أن المراد منه بائعه فتقع المطابقة بين الحديث والترجمة وأما أنه ذكر العطار وإن لم يكن له ذكر في الحديث فلأنه قال وبيع المسك وهو يستلزم البائع وبائع المسك يسمى العطار وإن كان يبيع غير المسك من أنواع الطيب
ذكر رجاله وهم خمسة الأول موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي الثاني عبد الواحد بن زياد العبدي الثالث أبو بردة بضم الباء الموحدة واسمه بريد مصغر البرد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الرابع أبو بردة بالضم أيضا واسمه عامر بن أبي موسى الخامس أبوه أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه السماع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه وشيخ شيخه بصريان والبقية كوفيون وفيه رواية الابن عن الأب وعن الجد على ما لا يخفى
وأخرجه البخاري أيضا عن أبي كريب وأخرجه مسلم في الأدب عن أبي بكر ابن أبي شيبة وعن أبي كريب عن أبي أسامة
ذكر معناه قوله مثل الجليس الجليس على وزن فعيل هو الذي يجالس الرجل يقال جالسته فهو جليسي وجلسي قوله كير الحداد بكسر الكاف وسكون الياء هو زق أو جلد غليظ ينفخ به النار وفي رواية أسامة كحامل المسك ونافخ الكير وفي الكلام لف ونشر وقال الكرماني المشبه به الكير أو صاحب الكير لاحتمال عطف الكير على الصاحب وعلى المسك فأجاب بأن ظاهر اللفظ أنه الكير والمناسب للتشبيه أنه صاحبه قوله لا يعدمك بفتح الياء وفتح الدال من عدمت الشيء بالكسر أعدمه أي فقدته وقال ابن التين وضبط في البخاري بضم الياء وكسر الدال من عدمت الشيء بالكسر أعدمه ومعناه ليس يعدوك قلت هو رواية أبي ذر فيكون من الإعدام وفاعل لا يعدمك قوله تشتريه وأصله أن تشتريه وكلمة إما زائدة ويجوز أن يكون الفاعل ما يدل عليه إما أي لا يعدمك أحد الأمرين قوله

(11/220)


وأما تشتريه أو تجد ريحه وفي رواية أبي أسامة إما أن يجديك وإما أن تبتاع منه ورواية عبد الواحد أرجح لأن الإجداء وهو الإعطاء لا يتعين بخلاف الرائحة فإنها لازمة سواء وجد البيع أو لم يوجد قوله وكير الحداد إلى آخره وفي رواية أبي أسامة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك
ذكر ما يستفاد منه فيه النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته كالمغتاب والخائض في الباطل والندب إلي من ينال بمجالسته الخير من ذكر الله وتعلم العلم وأفعال البر كلها وفي الحديث المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل وفيه دليل على إباحة المقايسات في الدين قاله ابن حبان عند ذكر هذا الحديث وفيه جواز ضرب الأمثال وفيه دليل على طهارة المسك وفي ( صحيح مسلم ) عن أبي سعيد قال قال رسول الله المسك أطيب الطيب وفي كتاب ( الأشراف ) روينا عن النبي بسند جيد أنه كان له مسك يتطيب به وعلى هذا جل العلماء من الصحابة وغيرهم وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وأنس وسلمان رضي الله تعالى عنهم ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد والشافعي ومالك والليث وأحمد وإسحاق وخالف في ذلك آخرون فذكر ابن أبي شيبة قال عمر رضي الله تعالى عنه لا تحنطوني به وكرهه وكذا عمر ابن عبد العزيز وعطاء والحسن ومجاهد والضحاك وقال أكثرهم لا يصلح للحي ولا للميت لأنه ميتة وهو عندهم بمنزلة ما أبين من الحيوان قال ابن المنذر لا يصح ذلك إلا عن عطاء قلت روى ابن أبي شيبة عن عطاء من طريق جيدة أنه سئل أطيب الميت بالمسك قال نعم أوليس الذي تخمرون به المسك فهو خلاف ما قاله ابن المنذر عنه وقولهم إنه بمنزلة ما أبين من الحيوان قياس غير صحيح لأن ما قطع من الحي يجري فيه الدم وهذا ليس سبيل نافجة المسك لأنها تسقط عند الاحتكاك كسقوط الشعرة وقال أبو الفضل عياض وقع الإجماع على طهارته وجواز استعماله وقال أصحابنا المسك حلال بالإجماع بحل استعماله للرجال والنساء ويقال انقرض الخلاف الذي كان فيه واستقر الإجماع على طهارته وجواز بيعه وقال المهلب أصل المسك التحريم لأنه دم فلما تغير عن الحالة المكروهة من الدم وهي الزهم وفاح الرائحة صار حلالا بطيب الرائحة وانتقلت حاله كالخمر تتخل فتحل بعد أن كانت حراما بانتقال الحال وفي ( شرح المهذب ) نقل أصحابنا عن الشيعة فيه مذهبا باطلا وهو مستثنى من القاعدة المعروفة أن ما أبين من حي فهو ميت أو يقال هو في معنى الجنين والبيض واللبن وذكر المسعودي في ( مروج الذهب ) أنه تدفع مواد الدم إلى سرة الغزال فإذا استحكم لون الدم فيها ونضح آذاه ذلك وحكه فيفزع حينئذ إلى أحد الصخور والأحجار الحارة من حر الشمس فيجت بها ملتذا بذلك فينفجر حينئذ وتسيل على تلك الأحجار كانفجار الجراح والدمل ويجد بخروجه لذة فإذا فرغ ما في نافجته اندمل حينئذ ثم اندفعت إليه مواد من الدم تجتمع ثانية فيخرج رجال نبت يقصدون تلك الحجارة والجبال فيجدونه قد جف بعد إحكام المواد ونضج الطبيعة وجففته الشمس وأثر فيه الهوى فيودعونه في نوافج معهم قد أخذوها من غزلان اصطادوها معدة معهم ولغزاله نابان صغيران محدودا الأعلى منها مدلى على أسنانه السفلى ويداه قصيرتان ورجلاه طويلتان وربما رموها بالسهام فيصرعونها ويقطعون عنها نوافجها والدم في سررها خام لم ينضج وطري لم يدرك فيكون لرائحته سهولة فيبقى زمانا حتى تزول عنه تلك الروائح السهلة الكريهة وتكتسب موادا من الهوى وتصير مسكا
93 -
( باب ذكر الحجام )
أي هذا باب فيما جاء من ذكر الحجام ولما ذكر في باب موكل الربا النهي عن ثمن الدم الذي هو الحجامة وظاهره التحريم عقد هذا الباب هنا وفيه حديثان يدلان على جواز الحجامة وأخذ الأجرة فذكرهما ليدل على أن النهي المذكور فيه إما منسوخ كما ذهب إليه البعض وإما أنه محمول على التنزيه كما ذهب إليه آخرون وهذا الذي يذكر ههنا هو الوجه لا ما ذكره بعضهم مما لا طائل تحته
2012 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( حميد ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله

(11/221)


تعالى عنه قال حجم أبو طيبة رسول الله فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا من خراجه
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه أن أبا طيبة حجم رسول الله فيطلق عليه أنه حجام ورجاله قد ذكروا غير مرة
والحديث أخرجه أبو داود في البيوع أيضا عن القعنبي وأبو طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة قيل إسمه دينار وقيل نافع وقيل ميسرة وقال ابن الحذاء عاش مائة وثلاثا وأربعين سنة وهو مولى محيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالصاد المهملة ابن مسعود الأنصاري وأهله هم بنو بياضة
قوله من خراجه بفتح الخاء المعجمة وهو ما يقرره السيد على عبده أن يؤديه إليه كل يوم
وفيه دليل على جواز الحجامة وجواز أخذ الأجرة عليها وفيه دليل على إباحة مقاطعة المولى عبده على خراج معلوم مياومة أو مشاهرة وفيه جواز وضع الضريبة عنه والتخفيف عليه وروي أن النبي سأله كم ضريبتك فقال ثلاثة آصع فوضع عنه صاعا وإنما أضيف الوضع إليه لأنه كان هو الآمر به وهذا رواه الطحاوي فقال حدثنا فهد قال حدثنا أبو غسان قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله دعا أبا طيبة فحجمه فسأله كم ضريبتك فقال ثلاثة آصع فوضع عنه صاعا وأخرجه أبو يعلى في ( مسنده ) بإسناده إلى جابر ولفظه قال بعث رسول الله إلى أبي طيبة فحجمه إلى آخره نحوه وأبو بشر اسمه جعفر بن إياس اليشكري وعلل بعضهم الحديث بأنه لم يسمع من سليمان بن قيس وأخرج الطحاوي أيضا من حديث أبي جميلة عن علي رضي الله تعالى عنه قال احتجم رسول الله وأعطى أجره ولو كان به بأس لم يعطه وأخرجه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) وأبو جميلة اسمه ميسرة وثقه ابن حبان فإن قلت روى الطحاوي عن المزني عن الشافعي عن ابن أبي فديك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أحد بني حارثة عن أبيه أنه سأل رسول الله عن كسب الحجام فنهاه أن يأكل من كسبه ثم عاد فنهاه ثم عاد فنهاه فلم يزل يراجعه حتى قال له رسول الله أعلف كسبه ناضحك وأطعمه رقيقك قلت في إباحته أن يطعمه الرقيق والناضح دليل على أنه ليس بحرام ألا ترى أن المال الحرام الذي لا يحل للرجل لا يحل له أيضا أن يطعمه رقيقه ولا ناضحه لأن رسول الله قد قال في الرقيق أطعموهم مما تأكلون فلما ثبت إباحة النبي لمحيصة أن يعلف ذلك ناضحه ويطعم رقيقه من كسب حجامه دل ذلك على نسخ ما تقدم من نهيه عن ذلك وثبت حل ذلك له ولغيره قاله الطحاوي ثم قال وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
3012 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( خالد ) هو ( ابن عبد الله ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال احتجم النبي وأعطى الذي حجمه ولو كان حراما لم يعطه
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله حجمه يقتضي الحجام وخالد بن عبد الله هو الطحان الواسطي وخالد الثاني هو خالد بن مهران الحذاء البصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإجارة عن مسدد عن يزيد بن زريع وأخرجه أبو داود في البيوع عن مسدد به
قوله أعطى الذي حجمه لم يذكر المفعول الثاني وهو نحو شيئا أو صاعا من تمر بقرينة الحديث السابق قوله ولو كان أي الذي أعطاه النبي له حراما لم يعطه وهذا نص في إباحة أجر الحجام
وفيه استعمال الأحير من غير تسمية أحره وإعطاؤه قدرها وأكثر قاله الداودي ولعل محمل الحديث أنهم كانوا يعلمون مقدارها فدخلوا على العادة

(11/222)


4 -
( باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء )
أي هذا باب في بيان حكم التجارة في الشيء الذي يكره لبسه للرجال والنساء والمراد من قوله لبسه يعني إستعماله ويذكر اللبس ويراد به الاستعمال كما في حديث أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس أي من طول ما استعمل والذي يكره استعماله للرجال والنساء مثل النمرقة التي فيها تصاوير فإن استعمالها يكره للرجال والنساء جميعا وبهذا يندفع اعتراض من قال جعل البخاري هذه الترجمة فيم يكره لبسه للرجال والنساء وقد قال النبي في قصة علي رضي الله تعالى عنه شفقها خمرا بين الفواطم وكان على زينب بنت رسول الله حلة سيراء فإنما المعنى من لا خلاق له من الرجال فأما النساء فلا فإن أراد شراء ما فيه تصاوير فحديث عمر لا يدخل في هذه الترجمة انتهى قلت بل يدخل لأن الترجمة لها جزآن أحدهما قوله للرجال والآخر قوله للنساء فحديث عمر يدخل في الجزء الأول وحديث عائشة يدخل في الجزء الثاني إن كان اللبس على معناه الأصلي وإن جعلناه بمعنى الاستعمال كما ذكرناه يدخل في الجزأين جميعا فافهم فإنه موضع تعسف فيه الشراح وهذا الذي ذكرته فتح لي من الأنوار الإلهية والفيوض الربانية
4012 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( أبو بكر بن حفص ) عن ( سالم بن عبد الله ابن عمر ) عن أبيه قال ( أرسل ) النبي ( إلى عمر ) رضي الله تعالى عنه بحلة حرير أو سيراء فرآها عليه فقال إني لم أرسل بها إليك لتلبسها إنما يلبسها من لا خلاق له إنما بعثت إليك لتستمتع بها يعني تبيعها
مطابقته للجزء الأول من الترجمة وقد ذكرناه الآن ورجاله قد ذكروا وأبو بكر بن حفص هو عبد الله بن حفص ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري مر في أول الغسل
والحديث أخرجه مسلم بألفاظ مختلفة ففي لفظ إني لم أبعث لها لتلبسها ولكن بعثن إليك بها لتصيب بها وفي لفظ تبيعها وتصيب بها حاجتم وفي لفظ إنما بعثت بها إليك لتستمتع بها وفي لفظ إنما بعث بها إليك لتنتفع بها ولم أبعث إليك لتلبسها وفي لفظ إنما بعث بها إليك لتصيب بها مالا
قوله بحلة بضم الحاء المهملة وهي واحدة الحلل وهي برود اليمن ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد قوله أوسيراء بكسر السين المهملة وفتح الياء آخر الحروف وبالمد وهو برد فيه خطوط صفر وقيل هي المضلعة بالحرير وقيل إنها حرير محض وقال ابن الأثير هو نوع من البرد يخالطه حرير كالسيور فهو فعلاء من السير القد هكذا يروى على الصفة وقال بعض المتأخرين إنما هو حلة سيراء على الإضافة واحتج بأن سيبويه قال لم يأت فعلاء صفة لكن اسما وقد مر في كتاب الجمعة حديث عمر بأطول من هذا من وجه آخر
5012 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( القاسم بن محمد ) عن ( عائشة ) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله قام على الباب فلم يدخله فعرفت في وجهه الكراهية فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت فقال رسول الله ما بال هاذه النمرقة قلت اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة قد مر في أول الباب وقال الكرماني الاشتراء أعم من التجارة فكيف يدل على الخاص الذي هو التجارة التي عقد عليها الباب فأجاب بأن حرمة الجزء مستلزمة لحرمة الكل وهو من باب إطلاق الكل

(11/223)


وإرادة الجزء
ورجاله مشهورون مذكورون غير مرة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن إسماعيل بن عبد الله وفي اللباس عن القعنبي وفي اللباس أيضا عن حجاج بن منهال وفي بدء الخلق عن محمد هو ابن سلام عن مخلد هو ابن يزيد وأخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عبد الوارث بن عبد الصمد وعن قتيبة بن سعيد وعن محمد بن رمح وعن هارون بن سعيد وعن أبي بكر بن إسحاق
قوله نمرقة بضم النون والراء ضبطه ابن السكيت هكذا وضبطها أيضا بكسر النون والراء وبغير هاء وجمعها نمارق وقال ابن التين ضبطناها في الكتب بفتح النون وضم الراء وقال عياض وغيره هي وسادة وقيل مرفقة وقيل هي المجالس ولعله يعني الطنافس وفي ( المحكم ) النمرق والنمرقة قد قيل هي التي يلبسها الرجل وفي ( الجامع ) النمرق تجعل تحت الرحل وفي ( الصحاح ) النمرقة وسادة صغيرة وربما سموا الطنفسة التي تحت الرحل نمرقة قوله الصور بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته وعلى معنى صفته يقال صورة الفعل كذا وكذا أي هيئته وصورة الأمر كذا وكذا أي صفته قوله أحيوا بفتح الهمزة أمر تعجيز من الإحياء قوله ما خلقتم أي صورتم كصورة الحيوان قوله لا تدخله الملائكة أي غير الحفظة وقيل ملائكة الوحي وأما الحفظة فلا تفارقه إلا عند الجماع والخلاء كما أخرجه ابن عدي وضعفه
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه الأول أن بيع الثياب التي فيها الصور المكروهة فظاهر حديث عائشة أن بيعها لا يجوز لكن قد جاءت آثار مرفوعة عن النبي تدل على جواز بيع ما تمتهن فيها الصورة منها ستر عائشة فيه تصاوير فهتكه فجعلته قطعتين فاتكأ على إحداهما رواه وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها فإذا تعارضت الآثار فالأصل الإباحة حتى برد الحظر ويحتمل أن يكون معنى حديث عائشة في النمرقة لو لم يعارضه غيره محمولا على الكراهة دون التحريم بدليل أنه لم يفسخ البيع في النمرقة التي اشترتها عائشة
الثاني أن تصوير الحيوان حرام واختلفوا في هذا الباب فقال قوم من أهل الحديث وطائفة من الظاهرية التصوير حرام سواء في ذلك ظاهر حديث عبد الله قال قال رسول الله أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون رواه مسلم وغيره وقال الجمهور من الفقهاء وأهل الحديث كل صورة لا تشبه صورة الحيوان كصور الشجر والحجر والجبل ونحو ذلك فلا بأس بها واحتجوا في ذلك بما رواه مسلم قال قرأت على نصر بن علي الجهضمي عن عبد الأعلى قال حدثنا يحيى بن إسحاق عن سعيد بن أبي الحسن قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إني رجل أصور هذه الصور فافتني فيها فقال ادن مني ثم قال أدن مني فدنا منه حتى وضع يده على رأسه قال أنبئك بما سمعت من رسول الله سمعت رسول الله يقول كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فيعذبه في جهنم وقال إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له فأقر به نصر بن علي والدليل على ذلك ما رواه الطحاوي من حديث مجاهد عن أبي هريرة قال استأذن جبريل عليه السلام على رسول الله فقال أدخل فقال كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تماثيل خيل ورجال فإما أن تقطع رؤوسها وإما أن تجعلها بساطا فإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تماثيل قال الطحاوي فلما أبيحت التماثيل بعد قطع رؤوسها الذي لو قطع من ذي الروح لم يبق دل ذلك على إباحة تصوير ما لا روح له وعلى خروج ما لا روح لمثله من الصور مما قد نهى عنه في الآثار
الثالث فيه أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة وقد مر عن قريب أن المراد من الملائكة غير الحفظة وقال النووي أما الملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والاستغفار وقال الخطابي إنما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمنع دخول الملائكة بسببه وأشار القاضي إلى نحو ما قال الخطابي والأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة وأنهم يمنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث قاله النووي وقال أيضا ولأن الجر والذي كانت في بيت النبي تحت

(11/224)


السرير كان له فيه عذر ظاهر فإنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل عليه السلام من دخول البيت وعلل بالجرو فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل عليه السلام انتهى العلم وعدمه لا يؤثر في هذا الأمر والعلة في امتناعهم عن الدخول وجود الصورة والكلب مطلقا والله أعلم
14 -
( باب صاحب السلعة أحق بالسوم )
أي هذا باب في بيان أن صاحب السلعة أي المتاع أحق بالسوم بفتح السين وسكون الواو أي أحق بذكر قدر الثمن وتقديره يقال سام البائع السلعة عرضها على البيع وذكر ثمنها وسامها المشتري بمعنى استامها سوما يعني يسأل شراءها وقال ابن بطال لا خلاف بين العلماء في هذه المسألة وإن متولى السلعة من مالك أو وكيل أولى بالسوم من طالب شرائها وبعضهم نقل كلام ابن بطال هذا ثم قال لكنه ليس ذلك بواجب انتهى قلت لا معنى لهذا الاستدراك لأن ابن بطال قد صرح بالأولوية وهو لا يفهم منه الوجوب أصلا حتى يقال لكن كذا
6012 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( أبي التياح ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي يا بني النجار ثامنوني بحائطكم وفيه خرب ونخل
مطابقته للترجمة في قوله ثامنوني لأن معناه قدروا لي ثمن حائطكم أي قيمته وثامنه بكذا أي قدر معه الثمن وعبد الوارث هو ابن سعيد والتياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة واسمه يزيد بن حميد والإسناد كله بصريون وقد مضى هذا الحديث في كتاب الصلاة في باب نبش قبور المشركين فإنه أخرجه هناك مطولا عن مسدد عن عبد الوارث الخ وههنا أخرجه عن موسى بن إسماعيل المنقري عن عبد الوارث وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى قوله يا بني النجار هم قبيلة من الأنصار قوله بحائطكم وهذا الحائط الذي بنى فيه مسجد رسول الله قوله وفيه خرب
24 -
( باب كم يجوز الخيار )
أي هذا باب يذكر فيه كم يجوز الخيار هكذا هو التقدير لأن الباب منون ولكن ليس في حديثي الباب بيان لذلك قيل لعله أخذ من عدم تحديده في الحديث أنه لا يتقيد بل يعرض الأمر فيه إلى الحاجة لتفاوت السلع في ذلك قلت فعلى هذا كان ينبغي أن لا يذكر في الترجمة لفظة كم التي هي استفهامية بمعنى أي عدد ثم معنى الخيار قال ابن الأثير الخيار اسم من الاختيار وهو طلب خير الأمرين أما إمضاء البيع أو فسخه قال بعضهم وهو خياران خيار المجلس وخيار الشرط قلت قال ابن الأثير الخيار على ثلاثة أضرب خيار المجلس وخيار الشرط وخيار النقيصة وبين الكل فقال وأما خيار النقيصة فإن يظهر بالمبيع عيب يوجب الرد أو يلتزم البائع فيه شرطا لم يكن فيه انتهى
7012 - حدثنا ( صدقة ) قال أخبرنا ( عبد الوهاب ) قال سمعت ( يحيى ) قال سمعت ( نافعا ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا قال نافع وكان ابن عمر إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه
قد ذكرنا الآن أنه ليس في هذا الحديث ولا في الذي بعده بيان مقدار مدة الخيار وليس فيهما إلا بيان ثبوت الخيار وقال بعضهم يحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله كم يجوز الخيار أي كم يخير أحد المتبايعين الآخر مرة وأشار إلى ما في الطريق الآتية بعد ثلاثة أبواب من زيادة همام ويختار ثلاث مرار لكنه لما لم تكن الزيادة ثابتة أبقى الترجمة على

(11/225)


الاستفهام كعادته انتهى قلت هذا الاحتمال الذي ذكره لا يساعد البخاري في ذكره لفظة كم لأن موضوعها للعدد والعدد في مدة الخيار لا في تخيير أحد المتبايعين الآخر وليس في حديثي الباب ما يدل على هذا وقوله وأشار إلى زيادة همام لا يفيد لأنه يعقد ترجمة ثم يشير إلى ما تتضمنه الترجمة في باب آخر وهذا مما لا يفيده
ورجال الحديث كلهم ذكروا وصدقة بالفتحات هو ابن الفضل المروزي من أفراده ومضى ذكره في باب العلم بالليل وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي ويحيى بن سعيد الأنصاري
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن محمد بن المثنى وابن أبي عمر كلاهما عن عبد الوهاب وأخرجه الترمذي فيه عن واصل بن عبد الأعلى وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي عن الثقفي وعن علي بن حجر
ذكر معناه قوله إن المتبايعين بالخيار هكذا في رواية الأكثرين على الأصل وحكى ابن التين عن القابسي أن المتبايعان قال وهي لغة قلت هذه لغة بلحارث بن كعب في إجراء المثنى بالألف دائما وفي رواية أيوب عن نافع في البا الذي يليه البيعان بتشديد الياء آخر الحروف وقد ذكرنا في باب إذا بين البائعان أن البيع بمعنى البائع كالضيق بمعنى الضائق قوله ما لم يتفرقا مضى الكلام فيه هناك مستوفى قوله أو يكون البيع خيارا كلمة إو بمعنى إلا أن و يكون بالنصب أراد أن يكون البيع بخيار وقال الترمذي معناه أن يخبر البائع المشتري بعد إيجاب البيع فإذا خيره فاختار البيع فليس له بعد ذلك خيار في فسخ البيع وإن لم يتفرقا ثم قال الترمذي وهكذا فسره الشافعي وغيره قلت وممن فسره بذلك الثوري والأوزاعي وسفيان بن عيينة وإسحاق بن راهويه حكاه ابن المنذر في ( الأشراف ) عنهم وقال شيخنا في ( شرح الترمذي ) وفي تأويل ذلك قولان أحدهما أن المراد إلا بيعا شرط فيه خيار الشرط فلا ينقضي الخيار بفراق المجلس بل يمتد إلى انقضاء خيار الشرط والقول الثاني أن المراد إلا بيعا شرط فيه نفي خيار المجلس فإنه ينعقد في الحال وينقضي خيار المجلس قال وهذا وجه لأصحابنا والصحيح الذي ذكره الترمذي قلت روى الطحاوي حديث ابن عمر هذا ولفظه البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وربما قال أو يكون بيع خيار وقال أصحابنا المعنى كل بيعين فلا بيع بينهما حاصل إلا في صورتين إحداهما عند التفرق إما بالأقوال وإما بالأبدان والأخرى عند وجود شرط الخيار لأحد المتبايعين بأن يشترط أحدهما الخيار ثلاثة أيام أو نحوها وإلى هذا ذهب الليث وأبو ثور وقالت طائفة معنى هذا الكلام أن يقول أحد المتبايعين بعد تمام البيع لصاحبه إختر إنفاذ البيع أو فسخه فإن اختار إمضاء البيع تم البيع بينهما وإن لم يتفرقا وإليه ذهب الثوري والأوزاعي وروي ذلك عن الشافعي وكان أحمد يقول هما بالخيار أبدا قالا هذا القول أو لم يقولا حتى يتفرقا بإبدانهما من مكانهما قوله قال نافع إلى آخره هو موصول بالإسناد المذكور وإنما كان ابن عمر يفارق صاحبه ليلزم العقد وقد ذكره مسلم أيضا فقال قال نافع فكان يعني ابن عمر إذا بايع رجلا وأراد أن لا يقيله قام فمشى هنيهة ثم رجع إليه وذكره الترمذي أيضا فقال قال أي نافع كان ابن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب له
8012 - حدثنا ( حفص بن عمر ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أبي الخليل ) عن ( عبد الله بن الحارث ) عن ( حكيم بن حزام ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا
قد ذكرنا ما يتعلق بالترجمة عن قريب وقد مضى هذا الحديث عن قريب في باب إذا بين البائعان فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل إلى آخره وهنا أخرجه عن حفص بن عمر بن الحارث الأزدي وهو من أفراده عن همام بن يحيى الأزدي البصري عن قتادة عن أبي الخليل واسمه صالح بن أبي مريم
قوله عن أبي الخليل وفي رواية شعبة التي تأتي بعد باب عن قتادة عن صالح أبي الخليل وفي رواية أحمد عن غندر عن شعبة عن قتادة سمعت أبا الخليل
وزاد أحمد قال حدثنا بهز قال قال همام فذكرت ذلك لأبي التياح فقال كنت مع أبي الخليل لما حدثه عبد الله بن الحارث بهذا الحديث

(11/226)


ذكر عن أبي المعالي أحمد بن يحيى بن هبة الله بن البيع أن أحمد هذا هو ابن حنبل وبهز بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وفي آخره زاي ابن راشد مر في باب الغسل بالصاع وهمام هو ابن يحيى وأبو التياح اسمه يزيد وقد مر عن قريب وهذا الطريق وصله أبو عوانة في ( صحيحه ) عن أبي جعفر الدارمي واسمه وأحمد بن سعيد عن بهز به
34 -
( باب إذا لم يوقت في الخيار هل يجوز البيع )
أي هذا باب يذكر فيه الخيار ولكن إذا لم يؤقت البائع أو المشتري زمانا في الخيار بيوم أو نحوه هل يجوز ذلك البيع وقال الكرماني يعني إذا لم يوقت في البيع زمان الخيار بمدة هل يكون ذلك البيع لازما في تلك الحال أو جائزا ومعنى اللزوم أن لا يسعه الفسخ والجواز ضد ذلك انتهى قلت لم يذكر جواب الاستفهام لما فيه من الخلاف
9012 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وربما قال أو يكون بيع خيار
مطابقته للترجمة في مجرد ذكر الخيار ولكنه عن التوقيت ساكت وهو وجه آخر في حديث ابن عمر رواه عن أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني إلى آخره وأخرجه مسلم أيضا من هذا الوجه عن أبي الربيع وأبي كامل كلاهما عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر الحديث
قوله أو يقول أحدهما معناه إلا أن يقول أحد البيعين لصاحبه إختر بلفظ الأمر من الاختيار ولفظ يقول منصوب بأن وقال بعضهم في إثبات الواو في يقول نظر لأنه مجزوم عطفا على قوله ما لم يتفرقا قلت ظن هذا أن كلمة أو للعطف وليس كذلك بل بمعنى إلا أن كما ذكرنا ولم ينحصر معنى أو للعطف بل تأتي لأثني عشر معنى كما ذكره النحاة منها أنها تكون بمعنى إلى وينتصب المضار بعدها بأن مضمرة نحو لألزمنك أو تقضيني حقي والعجب من هذا القائل أنه لم يكتف بما تعسف في ظنه ثم وجهه بقوله فلعل الضمة أشبعت كما أشبعت الياء في قراءة من قرأ إنه من يتقي ويصبر ( يونس 09 ) وترك المعنى الصحيح وذكره بالاحتمال فقال ويحتمل أن يكون بمعنى إلا أن قوله أو يكون بيع خيار إلا أن يكون بيع خيار يعني بيع شرط الخيار فيه فلا يبطل بالتفرق
44 -
( باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا )
أي هذا باب يذكر فيه البيعان بالخيار
وبه قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
أي بخيار البيعين ما لم يتفرقا قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد مضى أن ابن عمر كان إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه وروى الترمذي من طريق ابن فضيل عن يحيى بن سعيد وكان ابن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب له وقد ذكرنا عن مسلم نحوه
وشريح والشعبي وطاووس وعطاء وابن أبي مليكة
وشريح بالرفع عطف على قوله ابن عمر وما بعده عطف عليه وشريح بضم الشين المعجمة وفي آخره حاء مهملة ابن الحارث الكندي أبو أمية الكوفي أدرك النبي ولم يلقه استقضاه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على الكوفة وأقره علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأقام على القضاء ستين سنة مات سنة ثمان وسبعين وقيل سنة ثمانين وكان له عشرون ومائة سنة وتعليق شريح وصله سعيد بن منصور عن هشيم عن محمد بن علي سمعت أبا الضحى يحدث أنه شهد شريحا واختصم إليه رجلان اشترى أحدهما من الآخر دارا بأربعة آلاف فأوجبها له ثم بدا له في بيعها قبل أن يفارق صاحبه فقال لا حاجة لي فيها فقال البائع قد بعتك فأوجبت لك فاختصما إلى شريح فقال هو بالخيار ما لم يتفرقا قال محمد وشهدت

(11/227)


الشعبي قضى بذلك قوله والشعبي هو عامر بن شراحيل ووصل تعليقه ابن أبي شيبة فقال حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي في رجل اشترى من رجل برذونا فأراد أن يرد قبل أن يتفرقا فقضى الشعبي أنه قد وجب عليه فشهد عنده أبو الضحى أن شريحا أتى مثل ذلك فرده على البائع فرجع الشعبي إلى قول شريح قوله وطاووس هو ابن كيسان اليمان ووصل الشافعي في ( الأم ) تعليقه فقال أخبرنا ابن عيينة عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال خير رسول الله رجلا بعد البيع وقال وكان أبي يحلف ما الخيار إلا بعد البيع قوله وعطاء هو ابن أبي رباح المكي وابن أبي مليكة بضم الميم هو عبد الله بن أبي مليكة ووصل تعليقهما ابن أبي شيبة عن جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة وعطاء قالا البيعان بالخيار حتى يتفرقا عن رضى
0112 - حدثني ( إسحاق ) قال أخبرنا ( حبان ) قال حدثنا ( شعبة ) قال ( قتادة ) أخبرني عن ( صالح أبي الخليل ) عن ( عبد الله بن الحارث ) قال سمعت ( حكيم بن حزام ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى الحديث في باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن قتادة إلى آخره وأخرجه أيضا عن قريب في باب كم يجوز الخيار عن حفص بن عمر عن همام عن قتادة إلى آخره وأخرجه هنا عن إسحاق قال الغساني لم أحد إسحاق هذا منسوبا عند أحد من رواه ( الجامع ) ولعله إسحاق بن منصور فقد روى مسلم في ( صحيحه ) عنه عن حبان بن هلال وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن هلال وقد مضى البحث فيه مستوفى في باب إذا بين البيعان
1112 - حدثنا حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار
هذا الحديث رواه البخاري أولا من طريق يحيى عن نافع ثم من طريق أيوب عن نافع ثم من طريق الليث عن نافع على ما يأتي وكذلك أخرجه مسلم من هذه الطرق وأخرجه ابن جريج أيضا عن نافع ومن طريق عبيد الله عن نافع أيضا وروى أيضا من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع وروى إسماعيل أيضا عن نافع وإسماعيل هذا قال أبو العباس الطرقي وأظنه ابن إبراهيم بن عقبة وقال ابن عساكر هو إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص وأخرج من طريقه النسائي قال أخبرنا محمد بن علي بن حرب حدثنا محيريز بن الوضاح عن إسماعيل عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون بيع دون خيار فإذا كان البيع عن خيار فقد وجب البيع
وقال الكرماني قوله إلا بيع الخيار فيه ثلاثة أقوال أصحها أنه استثناه من أصل الحكم أي هما بالخيار إلا بيعا جرى فيه التخاير وهو اختيار إمضاء العقد فإن العقد يلزم به وإن لم يتفرقا بعد والثاني أن الاستثناء من مفهوم الغاية أي أنهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيعا شرط فيه خيار يوم مثلا فإن الخيار باق بعد التفرق إلى مضي الأمد المشروط والثالث أن معناه إلا البيع الذي شرط فيه أن لا خيار لهما في المجلس فيلزم البيع بنفس العقد ولا يكون فيه خيار أصلا قلت قد ذكرنا هذا فيما مضى عن قريب بما فيه الكفاية
54 -
( باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع )
أي هذا باب يذكر فيه إذا خير أحد المتابعين صاحبه بعد البيع قبل التفرق فقد وجب البيع أي لزم
2112 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله

(11/228)


أنه قال إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذالك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع
مطابقته للترجمة في قوله أن يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع
وأخرجه مسلم أيضا في البيوع عن قتيبة عن الليث عن نافع إلى آخره نحو رواية البخاري سندا ومتنا وأخرجه النسائي فيه وفي الشروط أخرجه ابن ماجه في التجارات جميعا بإسناده الذي قبله
قوله إذا تبايع تفاعل وباب التفاعل يأتي بمعنى المفاعلة وكانا جميعا تأكيد لما قبله قوله أو يخبر أحدهما الآخر قال بعضهم يحبر بإسكان الراء عطفا على قوله ما لم يتفرقا ويحتمل نصب الراء على أن أو بمعنى إلا أن انتهى قلت قد ذكرت عن قريب أن هذا القائل ظن أن أو حرف العطف وليس كذلك بل هو بمعنى إلا وتضمر أن بعدها والمعنى إلا أن يخير أحدهما الآخر قال النووي معنى أو يخير أحدهما الآخر يقول له إختر أي إمضاء البيع فإذا اختار وجب البيع أي لزم وانبرم فإن خير أحدهما الآخر فسكت لم ينقطع خيار الساكت وفي انقطاع خيار القائل وجهان لأصحابنا أصحهما الانقطاع لظاهر لفظ الحديث وقال الخطابي هذا أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الأحاديث وكذلك قوله في آخره وإن تفرقا بعد أن تبايعا فيه البيان الواضح أن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن فائدة انتهى قلت قوله أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس فيما إذا أوجب أحد المتبايعين والآخر مخير إن شاء قبله وإن شاء رده وأما إذا حصل الإيجاب والقبول في الطرفين فقد تم العقد فلا خيار بعد ذلك إلا بشرط شرط فيه أو خيار العيب والدليل عليه حديث سمرة أخرجه النسائي ولفظه أن النبي قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ويأخذ كل واحد منهما من البيع ما هوى ويتخيران ثلاث مرات قال الطحاوي قوله في هذا الحديث ويأخذ كل منهما ما هوى يدل على أن الخيار الذي للمتبايعين إنما هو قبل انعقاد البيع بينهما فيكون العقد بينه وبين صاحبه فيما يرضاه منه لا فيما سواه مما لا يرضاه إذ لا خلاف بين القائلين في هذا الباب بأن الافتراق المذكور في الحديث هو بعد البيع بالأبدان أنه ليس للمبتاع أن يأخذ ما رضي به من المبيع ويترك بقيته وإنما له عنده أن يأخذه كله أو يدعه كله انتهى قلت فدل هذا أن التفرق بالقول لا بالأبدان وقول الخطابي وهو مبطل لكل تأويل إلى آخره غير مسلم لأن التأويلين إذا تقابلا وقف الحديث ويعمل بالقياس وهو أن تقاس العقود من البيع ونحوها التي تكون بالمنافع كالإجارات على ما كان يملك من الإبضاع كالأنكحة فكما لا تشترط فيها الفرقة بالأبدان بعد العقد فكذلك لا تشترط في عقود البيع والجامع كون كل منهما عقدا يتم بالإيجاب والقبول وقال مالك ليس لفرقتهما حد معروف ولا وقت معلوم وهذه جهالة وقف البيع عليها كبيع الملامسة والمنابذة وكبيع بخيار إلى أجل مجهول وما كان كذلك فهو فاسد قطعا
64 -
( باب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع )
أي هذا باب يذكر فيه إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع أي هل يكون العقد جائزا حينئذ أم لازما ولم يذكر الجواب اكتفاء بما في الحديث وهو قوله لا بيع بينهما أي بين المتبايعين ما داما في المجلس سواء كان البائع بالخيار أو المشتري إلا بيع الخيار إذا شرط فيه فإن قلت كيف خص البائع بالخيار إذا كان المشتري كذلك أيضا قلت كأنه أراد به الرد على من حصر الخيار في المشتري دون البائع فإن الحديث سوى بينهما في ذلك
3112 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار
مطابقته للترجمة في قوله لا بيع بينهما أي لا بيع لازما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار يعني فيلزم باشتراطه كما ذكرناه واعترض ابن التين

(11/229)


على هذا التبويب فقال لو يأت فيه هنا بما يدل على خيار البائع وحده قلت قوله كل بيعين لا بيع بينهما أعم من أن يكون الخيار للبائع أو للمشتري فإنه غير لازم إلا إذا شرط الخيار كما ذكرناه الآن وسفيان هو الثوري نص عليه المزي في ( الأطراف ) والحديث أخرجه النسائي في البيوع وفي الشروط عن عبد الحميد بن محمد الحراني وقد مر وجه الاستثناء عن قريب
4112 - حدثني ( إسحاق ) قال حدثنا ( حبان ) قال حدثنا ( همام ) قال حدثنا ( قتادة ) عن ( أبي الخليل ) عن ( عبد الله بن الحارث ) عن ( حكيم بن حزام ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
هذا الحديث قد مر غير مرة في كتاب البيوع وإسحاق هو ابن منصور وحبان بالفتح هو ابن هلال وأبو الخليل هو صالح بن أبي مريم قوله حدثني وفي بعض النسخ بصيغة الجمع وهو الأكثر قوله ما لم يتفرقا هو رواية الكشميهني وفي رواية غيره حتى يتفرقا
قال همام وجدت في كتابي يختار ثلاث مرار فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما
همام هو ابن يحيى قوله وجدت في كتابي يعني المحفوظ هو الذي رويته لكن الموجود في كتابي بخيار منكرا بدون الألف واللام وهو مكتوب ثلاث مرات وفي بعضها بإضافته إلى ثلاث مرار وفي بعضها يختار بلفظ الفعل وحينئذ يحتمل أن يكون ثلاث مرار ومتعلقا بقوله يختار وقال ابن التين وقول همام إلى آخره غير محفوظ والرواة على خلافه وإذا خالف الواحد الرواة جميعا لم يقبل قوله سيما أنه وجده في كتابه وربما أدخل على الرجل في كتبه إذا لم يكن شديد الضبط وقال أبو داود إن هماما تفرد بذلك عن أصحاب قتادة ووقع في رواية أحمد عن عثمان عن همام قال وجدت في كتابي الخيار ثلاث مرار ولم يصرح همام عمن حدثه بهذه الزيادة قلت فرجع الأمر إلى ما قاله ابن التين قوله فإن صدقا إلى آخره من تتمة حديث حكيم بن حزام وقال الكرماني فإن قلت صدقا إلى آخره هل هو داخل تحت الموجود في كتابه أو هو مروي من الحفظ متعلق بما قبله قلت يحتملهما والظاهر هو الثاني قلت لا شك أنه من جملة حديث حكيم كما ذكرناه وقوله قال همام إلى قوله مرارا معترض في أثناء حديث حكيم وقد مر حديثه في باب إذا بين البيعان وقد مر الكلام فيه مستقصى
قال وحدثنا همام قال حدثنا أبو التياح أنه سمع عبد الله بن الحارث يحدث بهذا الحديث عن حكيم بن حزام عن النبي
أي قال حبان بن هلال المذكور وحدثنا همام بن يحيى المذكور حدثنا أبو التياح يزيد بن حميد إلى آخره وقال الكرماني فإن قلت لم قال ههنا حدثنا وقال فيما قبله قال همام قلت الثانيفيما سمع منه في مقام النقل والتحمل والأول في مقام المذاكرة والمحاورة وقال بعضهم وفي جزمه بذلك نظر والذي يظهر أنه من حديث ساقه بالإسناد عبر بقوله حدثنا وحيث ذكر كلام همام عبر عنه بقوله قال انتهى قلت الكرماني لم يجزم بما قاله والجزم بالشيء القطع به وقوله والذي يظهر إلى آخره هو حاصل كلام الكرماني على ما لا يخفى والله أعلم
74 -
( باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا ولم ينكر البائع على المشتري أواشتري عبدا فأعتقه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اشترى إلى آخره أي إذا اشترى شخص شيئا فوهبه من ساعته يعني على الفور قبل أن يتفرقا والحال أن البائع لم ينكر على المشتري قوله أو اشترى عبدا فأعتقه قبل أن يتفرقا وقال الكرماني هذا مما ثبت

(11/230)


بالقياس على الهبة الثابتة بالحديث وإنما لم يذكر جواب إذا لمكان الاختلاف فيه فإن المالكية والحنفية جعلوا القبض في جميع الأشياء بالتخلية وعند الشافعية والحنابلة تكفي التخلية في الدور والعقار دون المنقولات
وقال طاووس فيمن يشتري السلعة على الرضا ثم باعها وجبت له والربح له
مطابقته للترجمة ظاهرة تظهر بالتأمل ووصل هذا التعليق سعيد بن منصور وعبد الرزاق من طريق ابن طاووس عن أبيه نحوه وزاد عبد الرزاق وعن معمر عن أيوب بن سيرين إذا بعت شيئا على الرضى قال الخيار لهما حتى يتفرقا عن رضى قوله على الرضى أي على شرط أنه لو رضي به أجاز العقد قوله وجبت أي المبايعة أو السلعة قاله الكرماني قلت رجوع الضمير الذي في وجبت إلى السلعة ظاهر وأما رجوعه إلى المبايعة فبالقرينة الدالة عليه
6112 - قال ( أبو عبد الله ) وقال ( الليث ) حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عمر رضي الله تعالى عنهما قال بعت من أمير المؤمنين عثمان مالا بالوادي بمال له بخيبر

(11/231)


فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يراددني البيع وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا قال عبد الله فلما وجب بيعي وبيعه رأيت أني قد غبنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال وساقني إلى المدينة بثلاث ليال
مطابقته للترجمة من حيث إن للبايعين التصرف على حسب إرادتهما قبل التفرق إجازة وفسخا
قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله وقال الليث أي ابن سعد المصري حدثني ( عبد الرحمن بن خالد ) بن مسافر الفهمي المصري وإليها عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وهذا التعليق وصله الإسماعيلي عن أبي عمران حدثنا الرمادي قال وأخبرني يعقوب بن سفيان قال وأنبأنا القاسم حدثنا ابن زنجويه قالوا حدثنا أبو صالح حدثنا الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد بهذا وقال أبو نعيم ذكره البخاري فقال وقال الليث ولم يذكر من دونه وقد دل على أن الحديث لأبي صالح وأبو صالح ليس من شرطه قوله مالا أي أرضا أو عقارا قوله بالوادي قال الكرماني اللام للعهد وهو عبارة عن واد معهود عندهم وقيل هو وادي القرى قلت وادي القرى من أعمال المدينة قوله بخيبر وهو بلدة عنزة في جهة الشمال والشروق عن المدينة على نحو ست مراحل وخيبر بلغة اليهود حصن قوله فلما تبايعنا رجعت على عقبي وفي رواية أيوب بن سويد طفقت أنكص على عقبي القهقرى وعقبي بلفظ المفرد والمثنى قوله خشية أن يرادني خشية منصوب على أنه مفعول له ومعنى أن يرادني أن يطلب استرداده مني وهو بتشديد الدال وأصله يرادني قوله وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا أراد أن هذا هو السبب في خروجه من بيت عثمان وأنه فعل ذلك ليجب البيع ولا يبقى خيار في فسخه قلت قوله وكانت السنة تدل على أنه كان هكذا في أول الأمر وعن هذا قال ابن بطال وكانت السنة تدل على أن ذلك كان في أول الأمر فأما في الزمن الذي فعل ابن عمر ذلك فكان التفرق بالأبدان متروكا فلذلك فعله ابن عمر لأنه كان شديد الإتباع واعترض بعضهم على هذا بقوله وقد وقع في رواية أيوب بن سويد كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار ما لم يتفرق المتبايعان فتبايعت أنا وعثمان فساق القصة قال وفيها إشعار باستمرار ذلك انتهى قلت القول فيه مثل ما قال ابن بطال في حديث الباب وقوله وفيها إشعار باستمرار ذلك غير مسلم لأن هذه دعوى بلا برهان على أنا نقول ذكر ابن رشد في ( المقدمات ) له أن عثمان قال لابن عمر ليست السنة بافتراق الأبدان قد انتسخ ذلك وقد اعترض عليه بعضهم بقوله هذه الزيادة لم أر لها إسنادا قلت لا يلزم من عدم رؤيته إسناده عدم رؤية قائله أو غيره فهذا لا يشفي العليل ولا يروى الغليل قوله قال عبد الله يعني ابن عمر قوله إلى أرض ثمود وهم قبيلة من العرب الأولى وهم قوم صالح عليه السلام يصرف ولا يصرف وأرضهم قريبة من تبوك وحاصل المعنى أنه يبين وجه غبنه عثمان بقوله سقته يعني زدت المسافة التي كانت بينه وبين أرضه التي صارت إليه على المسافة التي كانت بينه وبين أرضه التي باعها بثلاث ليال وأنه نقص المسافة التي بيني وبين أرضي التي أخذتها عن المسافة التي كانت بيني وبين الأرض التي بعتها بثلاث ليال وإنما قال إلى المدينة لأنهما جميعا كانا بها فرأى ابن عمر الغبطة في القرب من المدينة فلذلك قال رأيت قد غبنته
ذكر ما يستفاد منه احتج به من قال إن الافتراق بالكلام وقالوا لو كان معنى الحديث التفرق بالأبدان لكان المراد منه الحض والندب إلى حسن المعاملة من المسلم للمسلم ألا ترى إلى قول ابن عمر وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار قال ذلك لما ذكرنا وقال ابن التين وذكر عبد الملك أن في بعض الروايات وكانت السنة يومئذ قال ولو كان على الإلزام لقال كانت السنة وتكون إلى يوم الدين قال ابن بطال حكى ابن عمر أن الناس كانوا يلتزمون حينئذ الندب لأنه كان زمن مكارمة وأن الوقت الذي حكى فيه التفرق بالأبدان كان التفرق بالأبدان متروكا ولو كان على الوجوب ما قال وكانت السنة فلذلك جاز أن يرجع على عقبه لأنه فهم أن المراد بذلك الحض والندب لا سيما هو الذي حضر فعل النبي في هبته البكر له بحضرة البائع قبل التفرق وقال الطحاوي روينا عن ابن عمر ما يدل على أن رأيه كان في الفرقة بخلاف ما ذهب إليه من قال إن البيع لا يتم إلا بها وهو ما حدثنا سليمان بن شعيب حدثنا بشر بن بكر حدثنا الأوزاعي حدثني الزهري عن

(11/232)


حمزة بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال ما أدركت الصفقة حيا فهو من مال المبتاع قال ابن حزم صح هذا عن ابن عمر ولا يعلم له مخالف من الصحابة وقال ابن المنذر يعني في السلعة تتلف عند البائع قبل أن يقبضها المشتري بعد تمام البيع قال ابن المنذر هي من مال المشتري لأنه لو كان عبدا فأعتقه المشتري كان عتقه جائزا ولو أعتقه البائع لم يجز عتقه قال الطحاوي فهذا ابن عمر يذهب فيما أدركت الصفقة حيا فهلك بعدها أنه من مال المشتري فدل ذلك أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك وأن المبيع ينتقل من ملك البائع إلى ملك المبتاع حتى يهلك من ماله إن هلك وفيه جواز بيع الأرض بالأرض وفيه جواز بيع العين الغائبة على الصفة وفيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى وفيه أن الغبن لا يرد به البيع
84 -
( باب ما يكره من الخداع في البيع )
أي هذا باب في بيان كراهة الخداع في البيع ولكن الخداع لا ينسخ به البيع وفيه خلاف نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى
7112 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الله ابن دينار ) عن ( عبد الله ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رجلا ذكر للنبي أنه يخدع في البيوع فقال إذا بايعت فقل لا خلابة
مطابقته للترجمة من حيث إن الخداع لو لم يكن مكروها لما قال لذلك المخدوع إذا بايعت فقل لا خلابة أي لا خديعة على ما يجيء تفسيرها كما ينبغي عن قريب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في تلك الحيل عن إسماعيل وأخرجه أبو داود في البيوع عن القعنبي وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة
ذكر معناه قوله إن رجلا وهو حبان بن منقذ بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ومنقذ اسم فاعل من الإنقاذ وهو التخليص الصحابي ابن الصحابي الأنصاري المازني شهد أحدا وما بعدها ومات في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه وقد شج في بعض مغازيه مع النبي بحجر ببعض الحصون فأصابته في رأسه مأمومة فتغير بها لسانه وعقله لكنه لم يخرج عن التمييز وروى الدارقطني من حديث ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن رجلا من الأنصار كانت بلسانه لوثة وكان لا يزال يغبن في البيوع فذكر ذلك للنبي فقال إذا بعت فقل لا خلابة مرتين وقال إبن إسحاق وحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال هو جدي منقذ بن عمرو وكان رجلا قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه ونازعته عقله وكان لا يدع التجارة وكان لا يزال يغبن وفيه وكان عمر عمرا طويلا عاش ثلاثين ومائة سنة وفي لفظ عن ابن عمر كان حبان بن منقذ رجلا ضعيفا وكان قد سقع في رأسه مأمومة فجعل رسول الله له الخيار فيما يشتري ثلاثا وكان قد ثقل لسانه فكنت أسمعه يقول لا حذابة لا حذابة وقال الدارقطني وكان ضرير البصر وفي الطبراني لما عمي قال له النبي ذلك وقال ابن قرقول إن هذا الرجل كان ألثغ ولا يعطيه لسانه إخراج الكلام وكان ينطق يا باثنتين من تحت أو ذالا معجمة قوله ذكر للنبي وفي رواية إبن إسحاق فشكى إلى النبي ما يلقى من الغبن قوله لا خلابة بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة يقال خلبة يخلبه خلبا وخلابة وخالبة ورجل خالب وخلاب وخلبوت وخلبوب خداع الأخيرة عن كراع يعني خلبوب بالبائين الموحدتين وقال الجوهري خداع كذاب وامرأة خلبوت على مثال جبروت وخلوب وخالبة وخلابة وفي ( المنتهى ) الخلب القطع والخديعة باللسان خلبه يخلبه من باب نصره ينصره وخلبه يخلبه من باب ضربه يضربه واختلبه اختلابا والخلوب الخادع والخلابة الخداعة من النساء وعن أبي جعفر عن بعض شيوخه لا خيانة بالنون وهو تصحيف
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه الأول مذهب الحنفية والشافعية على أن العين غير لازم فلا خيار للمغبون سواء قل الغبن أو كثر وهو الأصح من روايتي مالك وقال البغداديون من أصحابه للمغبون الخيار بشرط أن يبلغ الغبن ثلث

(11/233)


القيمة وإن كان دونه فلا هكذا حده أبو بكر وابن أبي موسى من الحنابلة وقيل السدس وعن داود العقد باطل وعن مالك إن كانا عارفين بتلك السلعة وسعرها وقت البيع لم يفسخ البيع كثيرا كان الغبن أو قليلا فإن كان أحدهما غير عارف بذلك فسخ البيع ألا أن يريد أن يمضيه ولم يحد مالك حدا وأثبت هؤلاء خيار الغبن بالحديث المذكور
وأجاب الحنفية والشافعية وجمهور العلماء عن الحديث بأنها واقعة عين وحكاية حال وقال ابن العربي ينبغي أن يقال إنه كله مخصوص بصاحبه لا يتعدى إلى غيره فإن كان يخدع في البيوع فيحتمل أن الخديعة كانت في العيب أو في العين أو في الكذب أو في الغبن في الثمن وليست قضية عامة فتحمل على العموم وإنما هي خاصة في عين وحكاية حال فلا يصح دعوى العموم فيها عند أحد ثم أورد ابن العربي على نفسه قول عمر رضي الله تعالى عنه فيما رواه الدارقطني من طريق ابن أبي لهيعة حدثنا حبان بن واسع عن طلحة بن يزيد بن ركانة أنه كلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم في البيوع فقال ما أجد لكم شيئا أوسع مما جعل رسول الله لحبان ابن منقذ فذكر الحديث فلم يجعل عمر خاصا به ثم أجاب عنه بضعف الحديث من أجل ابن لهيعة انتهى وقال الجمهور أيضا لو كان الغبن مثبتا للخيار لما احتاج إلى اشتراط الخيار كما رواه البيهقي والدارقطني في بعض طرق الحديث أنه اشترط الخيار ثلاثا ولا احتاج أيضا إلى قوله لا خلابة
الثاني استدل به الشافعي وأحمد وإسحاق رضي الله تعالى عنهم على حجر السفيه الذي لا يحسن التصرف ووجه ذلك أنه لما طلب أهله إلى النبي الحجر عليه دعاه فنهاه عن البيع وهذا هوالحجر وهو المنع قلنا هذا نهي خاص به لضعف عقله ولا يسري هذا في الحجر على الحر العاقل البالغ لأن في حقه إهدار الآدمية وقد روى الترمذي من حديث أنس أن رجلا كان في عقدته ضعف وكان يبايع وأن أهله أتوا النبي فقالوا يا رسول الله أحجر عليه فدعاه النبي فنهاه قال يا رسول الله إني لا أصبر عن البيع فقال إذا بايعت فقل ها ولا خلابة ورواه بقية أصحاب السنن وقال النووي هذا الرجل المبهم هو حبان بن منقذ وقال ابن العربي هو منقذ بن عمرو والأول أرجح قوله في عقدته ضعف أرادت ضعف العقل وعقدة الرجل ما عقد عليه ضميره ونيته أي عزم عليه ونواه
الثالث استدل به أبو حنيفة إلى أن ضعيف العقل لا يحجر عليه لأنه لما قال له إنه لا يصبر على البيع أذن له فيه بالصفة التي ذكرها فهذا دال على عدم الحجر
الرابع استدل به ابن حزم على أنه يتعين في اللفظ الموجب للخيار ذكر الخلابة دون غيره من الألفاظ فلو كان لا خديعة أو غش أو لا كيد أو لا مكر أو لا عيب أو لا ضرر أو لا داء أو لا غائلة أو لا خبث أو على السلامة أو نحو هذا لم يكن له الخيار المجعول لمن قال لا خلابة إلا أن يكون في لسانه خلل يعجز عن اللفظ بها فيكفي أن يأتي بما يقدر عليه من هذا للفظ كما كان يفعل هذا الرجل المذكور من قوله لا خيابة بالياء آخر الحروف أو لا خذابة بالذال على اختلاف الروايتين وكذلك إن لم يكن يحسن العربية فقال معناها باللسان الذي يحسنه فإنه يثبت له الخيار وقال بعضهم ومن أسهل ما يرد به عليه أنه ثبت في ( صحيح ) مسلم أنه كان يقول لا خيابة بالتحتانية بدل اللام وبالذال المعجمة بدل اللام أيضا وكأنه كان لا يفصح باللام للثغة لسانه ومع ذلك لم يتغير الحكم في حقه عند أحد من الصحابة الذين كانوا يشهدون له بأن النبي جعله بالخيار فدل على أنهم اكتفوا في ذلك بالمعنى انتهى قلت هذا عجيب وكيف يكون هذا أسهل ما يرد به عليه وهو قائل بما ذكره هذا القائل عند العجز وكلامه عند القدرة
الخامس قال بعضهم استدل به على أن أمد خيار الشرط ثلاثة أيام من غير زيادة لأنه حكم ورد على خلاف الأصل فيقتصر به على أقصى ما ورد فيه ويؤيده جعل الخيار في المصراة ثلاثة أيام واعتبار الثلاث في غير موضع انتهى
قلت هذا الباب فيه اختلاف الفقهاء فقالت طائفة البيع بشرط الخيار جائز والشرط لازم إلى الأمد الذي اشترط إليه الخيار وهذا قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وابن المنذر وقال الليث يجوز الخيار إلى ثلاثة أيام فأقل وقال عبيد الله بن الحسن لا يعجبني شرط الخيار الطويل إلا أن الخيار للمشتري ما رضي البائع وقال ابن شبرمة والثوري لا يجوز البيع إذا شرط فيه الخيار للبائع أو لهما وقال سفيان البيع فاسد بذلك فإن شرط الخيار للمشتري عشرة أيام أو أكثر جاز وقال مالك يجوز شرط الخيار في بيع الثوب اليوم واليومين والجارية إلى خمسة أيام والجمعة والدابة تركب

(11/234)


اليوم وشبهه ويسار عليها البريد ونحوه وفي الدار الشهر ليختبر ويشاور فيها ولا فرق بين شرط الخيار للبائع والمشتري وقال الأوزاعي يجوز أن يشترط شهرا أو أكثر وقال أبو حنيفة والشافعي وزفر الخيار في البيع ثلاثة أيام ولا يجوز الزيادة عليها فإن زاد فسد البيع وروي أيضا عن ابن شبرمة وفي ( شرح المهذب ) ويجوز شرط خيار ثلاثة أيام في البيوع التي لا ربا فيها فأما البيوع التي فيها ربا وهي الصرف وبيع الطعام بالطعام فلا يجوز فيها شرط الخيار فإنه لا يجوز أن يتفرقا قبل تمام البيع وروى ابن ماجه بسند جيد حسن من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر قال سمعت رجلا من الأنصار يشكو إلى النبي أنه يغبن في البيوع فقال إذا بايعت فقل لا خلابة ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال ولما رواه البخاري في ( تاريخه ) بسند صحيح إلى ابن إسحاق جعله عن منقذ بن عمرو وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان قال قال رسول الله لمنقذ بن عمرو قل لا خلابة إذا بعت بيعا فأنت بالخيار ثلاثا وروى عبد الرزاق في ( مصنفه ) من حديث أبان ابن أبي عياش عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلا اشترى من رجل بعيرا واشترط عليه الخيار أربعة أيام فأبطل رسول الله البيع وقال الخيار ثلاثة أيام وذكره عبد الحق في أحكامه من جهة عبد الرزاق وأعله بابن أبي عياش وقال إنه لا يحتج بحديثه مع أنه كان رجلا صالحا وروى الدارقطني في سننه عن أحمد بن عبد الله بن ميسرة حدثنا أبو علقمة حدثنا نافع عن ابن عمر عن النبي قال الخيار ثلاثة أيام وأحمد بن عبد الله بن ميسرة إن كان هو الحراني فهو متروك وقال ابن حبان ثم التقدير بالثلاث خرج مخرج الغالب لأن النظر يحصل فيها غالبا وهذا لا يمنع من الزيادة عند الحاجة كما قدرت حجارة الاستنجاء بالثلاث ثم تجب الزيادة عند الحاجة والله أعلم
94 -
( باب ما ذكر في الأسواق )
أي هذا باب في بيان ما ذكر في الأسواق وهو جمع سوق وهي موضع البياعات وهي مؤنثة وقد تذكر
وقال عبد الرحمان بن عوف لما قدمنا المدينة قلت هل من سوق فيه تجارة قال سوق قينقاع
مطابقته للترجمة في قوله سوق بني قينقاع وهذا قطعة من حديث أنس أخرجه موصولا قال لما قدم عبد الرحمن ابن عوف المدينة الحديث وقد ذكره في أول كتاب البيوع ومر الكلام فيه مستوفى وقال ابن بطال أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأسواق للأشراف والفضلاء فإن قلت روى أحمد والبزار والحاكم وصححه من حديث جبير بن مطعم أن النبي قال أحب البقاع إلى الله تعالى المساجد وأبغض البقاع إلى الله تعالى الأسواق وأخرجه ابن حبان والحاكم أيضا من حديث ابن عمر نحوه قلت هذا لم يثبت على شرطه من أنها شر البقاع فكأنه أشار بهذه الترجمة إلى هذا ولكن لا يعلم إلا من الخارج وقال ابن بطال وهذا أخرج على الغالب والأقرب سوق يذكر الله فيها أكثر من كثير من المساجد
وقال أنس قال عبد الرحمان دلوني على السوق
هذا أيضا في نفس حديث أنس المذكور في أول كتاب البيوع
وقال عمر ألهاني الصفق بالأسواق
هذا التعليق أيضا وصله البخاري في أثناء حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه في باب الخروج في التجارة في كتاب البيوع
8112 - حدثنا ( محمد بن الصباح ) قال حدثنا ( إسماعيل بن زكريا ) عن ( محمد بن سوقة ) عن ( نافع ابن جبير بن مطعم ) قال ( حدثتني عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله يغزو جيش الكعبة

(11/235)


فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم قالت قلت يا رسول الله كيف يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم قال يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم
مطابقته للترجمة في قوله وفيهم أسواقهم حيث ذكر هذا اللفظ في الحديث
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن الصباح بفتح الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة قد مر في باب من استوى قاعدا في صلاته الثاني إسماعيل بن زكريا أبو زياد الأسدي مولاهم الخلقاني قال البخاري جاء نعيه إلى أهله سنة أربع وسبعين ومائة الثالث محمد بن سوقة بضم السين المهملة وسكون الواو وبالقاف أبو بكر الغنوي مر في كتاب العيد الرابع نافع بن جبير مصغر الجبر ضد الكسر ابن مطعم بلفظ اسم الفاعل من الإطعام مر في باب الرجل يوصي بصاحبه الخامس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بغدادي أصله هروي نزل بغداد وأن إسماعيل ومحمد بن سوقة كوفيان وأن نافعا مدني وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية فإن محمد بن سوقة من صغارالتابعين وكان ثقة عابدا صالحا وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر تقدم في العيدين وفيه أن نافعا هذا ليس له في البخاري عن عائشة سوى هذا الحديث ووقع في رواية محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا عن محمد بن سوقة سمعت نافع بن جبير
أخرجه الإسماعيلي وفيه حدثتني عائشة هكذا قال إسماعيل بن زكريا عن محمد بن سوقة وخالفه سفيان بن عيينة فقال عن محمد بن سوقة عن نافع بن جبير عن أم سلمة أخرجه الترمذي ويحتمل أن يكون نافع بن جبير سمعه منهما فإن روايته عن عائشة أتم من روايته عن أم سلمة وأخرجه مسلم من وجه آخر عن عائشة حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا القاسم ابن الفضل الحراني عن محمد بن زياد عن عبد الله بن الزبير أن عائشة قالت عبث رسول الله في منامه فقلنا يا رسول الله صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله فقال رسول الله العجب أن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كان بالبيداء خسف بهم فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس قال نعم فيهم المستبصر والمخبور وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم
ذكر معناه قوله يغزو جيش الكعبة أي يقصد عسكر من العساكر تخريب الكعبة قوله ببيداء من الأرض وفي رواية مسلم بالبيداء وفي رواية لمسلم عن أبي جعفر الباقر قال هي بيداء المدينة وهي بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ممدودة وهي في الأصل المفازة التي لا شيء فيها وهي في هذا الحديث اسم موضع مخصوص بين مكة والمدينة قوله يخسف بأولهم وآخرهم وزاد الترمذي في حديث صفية ولم ينج أوسطهم وفي مسلم أيضا في حديث حفصة فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم قوله وفيهم أسواقهم جملة حالية وهو جمع سوق والتقدير أهل أسواقهم الذين يبيعون ويشترون كما في المدن وفي ( مستخرج ) أبي نعيم وفيهم أشرافهم بالشين المعجمة والراء والفاء وفي رواية محمد بن بكار عند الإسماعيلي وفيه سواهم وقال وقع في رواية البخاري وفيهم أسواقهم وليس هذا الحرف في حديثنا وأظن أن أسواقهم تصحيف فإن الكلام في الخسف بالناس لا بالأسواق وقال بعضهم بل لفظ سواهم تصحيف فإنه بمعنى قوله ومن ليس منهم فيلزم منه التكرار بخلاف رواية البخاري رضي الله تعالى عنه نعم أقرب الروايات إلى الصواب رواية أبي نعيم انتهى قلت لا نسلم لزوم التكرار لأن معنى أسواقهم أهل أسواقهم كما ذكرنا والمراد بقوله ومن ليس منهم الضعفاء والأسارى الذين لا يقصدون التخريب ولا نسلم أيضا أن أقرب الروايات إلى الصواب رواية أبي نعيم لأن أشرافهم هم عظماء الجيش الذي يقصدون التخريب ورواية البخاري على حالها صحيحة على التفسير الذي ذكرنا وقوله بل لفظ سواهم تصحيف غير صحيح لأن معناه وفي الجيش الذين يقصدون التخريب سواهم ممن لا يقصد ولا يقدر قوله قال يخسف بأولهم وآخرهم أي قال في جواب عائشة يخسف بأولهم وآخرهم يعني كلهم هذا الذي يفهم منه بحسب العرف قال الكرماني لم يعلم

(11/236)


منه العموم إذ حكم الوسط غير مذكور والجواب ما قلنا أو نقول إن الوسط آخر بالنسبة إلى الأول وأول بالنسبة إلى الآخر على أنا قد ذكرنا الآن أن في رواية صفية ولم ينج أوسطهم وهذا يغني عن تكلف الجواب قوله ثم يبعثون على نياتهم أي يخسف بالكل لشؤم الأشرار ثم أنه تعالى يبعث لكل منهم في الحشر بحسب قصده إن خيرا فخير وإن شرا فشر
ذكر ما يستفاد منه يستفاد منه قطعا قصد هذا الجيش تخريب الكعبة ثم خسفهم بالبيداء وعدم وصولهم إلى الكعبة لإخبار لمخبر الصادق بذلك وقال ابن التين يحتمل أن يكون هذا الجيش الذي يخسف بهم هم الذين يهدمون الكعبة فينتقم منهم فيخسف بهم رد عليه بوجهين أحدهما أن في بعض طرق الحديث عند مسلم أن ناسا من أمتي والذين يهدمونها من كفار الحبشة والآخر أن مقتضى كلامه يخسف بهم بعد الهدم وليس كذلك بل خسفهم قبل الوصول إلى مكة فضلا عن هدمها ومما يستفاد منه أن من كثر سواد قوم في معصية وفتنة أن العقوبة تلزمه معهم إذا لم يكونوا مغلوبين على ذلك ومن ذلك أن مالكا استنبط من هذا أن من وجد مع قوم يشربون الخمر وهو لا يشرب أنه يعاقب واعترض عليه بعضهم بأن العقوبة التي في الحديث هي الهجمة السماوية فلا يقاس عليها العقوبات الشرعية وفيه نظر لأن العقوبات الشرعية أيضا بالأمور السماوية ومن ذلك أن الأعمال تعتبر بنية العامل والشارع أيضا قال ولكل امرىء ما نوى ومن ذلك وجوب التحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم إلا لمن اضطر فإن قلت ما تقول في مصاحبة التاجر لأهل الفتنة هل هي إعانة لهم على ظلمهم أو هي من ضرورات البشرية قلت ظاهر الحديث يدل على الثاني والله أعلم فإن قلت ما ذنب من أكره على الخروج أو من جمعه وإياهم الطريق قلت إن عائشة لما سألت وأم سلمة أيضا سألت قالت فقلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها رواه مسلم أجاب بقوله يبعثون على نياتهم بها فماتوا حين حضرت آجالهم ويبعثون على نياتهم
9112 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعا وعشرين درجة وذلك بأنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لا ينهزه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع بها درجة أو حطت عنه بها خطيئة والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه اللهم صلي عليه أللهم ارحمه ما لم يحدث فيه ما لم يؤذ فيه وقال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه
مطابقته للترجمة في قوله في سوقه والغرض من إيراد هذا الحديث هنا ذكر السوق وجواز الصلاة فيه مع أنه أخرج هذا الحديث في أبواب الجماعة في باب فضل الجماعة عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد عن الأعمش قال سمعت أبا صالح يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله الحديث وهنا أخرجه عن قتيبة عن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان الزيات السمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
قوله لا ينهزه بضم الياء آخر الحروف وسكون النون وكسر الهاء بعدها زاي أي ينهضه وزنا ومعنى وهذه الجملة كالبيان للجملة السابقة عليها قوله أللهم صل عليه أي يقول اللهم صل عليه وهو أيضا بيان لقوله تصلي وكذلك قوله أللهم ارحمه لقوله أللهم صل عليه وكذا قوله ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه ومعناه ما لم يؤذ أحدكم الملائكة نتن الحدث
0212 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( حميد الطويل ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي في السوق فقال رجل يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي

(11/237)


فقال إنما دعوت هذا فقال النبي سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي
مطابقته للترجمة في قوله في السوق وأخرجه البخاري أيضا في صفة النبي عن حفص بن عمر وروى عن جماعة من الصحابة في هذا الباب منهم علي رضي الله تعالى عنه أخرج حديثه أبو داود حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة قالا حدثنا أبو أسامة عن فطر بن خليفة عن المنذر عن محمد بن الحنفية قال قال علي رضي الله تعالى عنه قلت يا رسول الله إن ولد لي بعدك ولد أؤسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم قال علي للنبي وأخرجه الترمذي عن ابن بشار عن يحيى بن سعيد عن فطر بن خليفة إلى آخره نحوه وقال حديث صحيح وأخرجه الطحاوي حدثنا أبو أمية قال حدثنا علي بن قادم قال حدثنا فطر عن المنذر الثوري عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله إن ولد لي ابن أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم وكانت رخصة من رسول الله لعلي رضي الله تعالى عنه ثم قال الطحاوي فذهب قوم إلى أنه لا بأس بأن تكنى الرجال بأبي القاسم وأن يتسمى مع ذلك بمحمد واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
قلت أراد بالقوم هؤلاء محمد بن الحنفية ومالكا وأحمد في رواية فإنهم قالوا لا بأس للرجل أن يجمع بين التكني بأبي القاسم والتسمي بمحمد وهو مذهب الجمهور وأجيب عن حديث الباب بأجوبة الأول أنه منسوخ والثاني أنه نهي تنزيه والثالث أن النهي عن التكني بأبي القاسم يختص بمن اسمه محمدا وأحمد ولا بأس بها لمن لم يكن اسمه ذلك
وقال الطحاوي وكان في زمن أصحاب رسول الله جماعة قد كانوا متسمين بمحمد مكتنين بأبي القاسم منهم محمد بن طلحة ومحمد بن الأشعث ومحمد بن أبي حذيفة قلت محمد بن طلحة هو محمد بن طلحة بن عبد الله وذكره ابن الأثير في الصحابة وقال حمله أبوه إلى رسول الله فمسح رأسه وسماه محمدا وكان يكنى أبا القاسم وكان محمد هذا يلقب بالسجاد لكثرة صلاته وشدة اجتهاده في العبادة قتل يوم الجمل مع أبيه سنة ست وثلاثين وكان هواه مع علي رضي الله تعالى عنه إلا أنه أطاع أباه فلما رآه علي قال هذا السجاد قتله بر أبيه ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي قيل إنه ولد على عهد النبي وقال أبو نعيم لا تصح له صحبة وروى عن عائشة رضي الله تعالى عنها ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي كنيته أبو القاسم ولد بأرض الحبشة على عهد النبي وهو ابن خال معاوية بن أبي سفيان ولما قتل أبوه أبو حذيفة أخذه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وكفله إلى أن كبر ثم سار إلى مصر فصار من أشد الناس على عثمان وقال أبو نعيم هو أحد من دخل على عثمان حين حوصر فقتل ولما استولى معاوية على مصر أخذه وحبسه فهرب من السجن فظفر به رشد بن مولى معاوية فقتله قلت ومن جملة من تسمى بمحمد وتكنى بأبي القاسم من أبناء وجوه الصحابة محمد بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن سعيد بن أبي وقاص ومحمد بن حاطب ومحمد بن المنتشر ذكرهم البيهقي في ( سننه ) في باب من رخص في الجمع بين التسمي بمحمد والتكني بأبي القاسم وقال محمد بن سيرين وإبراهيم النخعي والشافعي لا ينبغي لأحد أن يتكنى بأبي القاسم كان اسمه محمدا أو لم يكن وفي ( التوضيح ) ومذهب الشافعي وأهل الظاهر أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلا سواء كان اسمه محمدا أم لم يكن لظاهر الحديث أي حديث الباب وهو حديث أنس المذكور وقال أحمد وطائفة من الظاهرية لا ينبغي لأحد اسمه محمد أن يتكنى بأبي القاسم ولا بأس لمن لم يكن اسمه محمدا أن يكنى بأبي القاسم واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ورواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه بأسانيد مختلفة وألفاظ متغايرة وروى الطحاوي أيضا من حديث جابر نحوه وأخرجه ابن ماجه أيضا وروى محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي أنا أبو القاسم الله يعطي وأنا أقسم وروى مسلم عن عبد الرحمن عن أبي زرعة عنه من تسمى باسمي فلا يتكن بكنيتي ومن تكن بكنيتي فلا يتسم باسمي وروى ابن أبي ليلى من حديث أم حفصة بنت عبيد عن عمها البراء بن عازب من تسمى باسمي فلا يتكن بكنيتي وفي لفظ لا تجمعوا بين كنيتي وإسمي
قوله سموا أمر من سمى يسمي تسمية قوله ولا تكنوا قال ابن التين ضبط في أكثر الكتب بفتح التاء وضم النون المشددة

(11/238)


وفي بعضها بضم التاء والنون وفي بعضها بفتح التاء والنون مشددة مفتوحة على حذف إحدى التاءين قلت لأن أصله لا تتكنوا
1212 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) قال حدثنا ( زهير ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال دعا رجل بالبقيع يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي فقال لم أعنك قال سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة السابق وقال ابن التين ليس هذا الحديث مما يدخل في هذا التبويب لأنه ليس فيه ذكر السوق وقال بعضهم وفائدة إيراد الطريق الثانية قوله فيها إنه كان بالبقيع فأشار إلى أن المراد بالسوق في الرواية الأولى السوق الذي كان بالبقيع انتهى قلت هذا يحتاج إلى دليل على أن المراد ما ذكره والبقيع في الأصل من الأرض المكان المتسع ولا يسمى بقيعا إلا وفيه شجر أو أصولها وبقيع الغرقد موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها كان به شجر الغرقد فذهب وبقي اسمه وفائدة إيراد هذا الطريق وإن لم يكن فيه ذكر السوق التنبيه على أنه رواه من طريقين فالمطابقة للترجمة في الطريق الأولى ظاهرة وأما الطريق الثانية ففي الحقيقة تبع للطريق الأول فيدخل في حكمه وقال الكرماني ما وجه تعلقه بالترجمة قلت كان في البقيع سوق في ذلك الوقت قلت هذا يحتاج إلى الدليل كما ذكرناه عند قول بعضهم والظاهر أنه أخذ ما قاله الكرماني ومالك بن إسماعيل بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي وزهير هو ابن معاوية قوله لم أعنك أي لم أقصدك وقال الكرماني الأمر للوجوب أولا والنهي للتحريم آخرا قلت قد ذكرنا جوابه عن قريب
2212 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عبيد الله بن أبي يزيد ) عن ( نافع بن جبير بن مطعم ) عن ( أبي هريرة الدوسي ) رضي الله تعالى عنه قال خرج النبي في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى أتى سوق بني قينقاع فجلس بفناء بيت فاطمة فقال أثم لكع أثم لكع فحبسته شيئا فظننت أنها تلبسه سخابا أو تغسله فجاء يشتد حتى عانقه وقبله وقال أللهم أحببه وأحب من يحبه ( الحديث 2212 - طرفه في 4885 )
مطابقته للترجمة في قوله حتى أتى سوق بني قينقاع وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعبيد الله ابن أبي يزيد من الزيادة قد مر في باب وضع الماء عند الخلاء
والحديث أخرجه البخاري أيضا في للباس عن اسحاق بن ابراهيم الحنظلي وأخرجه مسلم في الفضائل عن ابن أبي عمر عن سفيان به وعن أحمد بن حنبل عنه ببعضه وأخرجه النسائي في المناقب عن حسين بن حرب وأخرجه ابن ماجه في السنة عن أحمد بن عبدة عن سفيان نحوه مختصرا
ذكر معناه قوله عن عبيد الله وفي رواية مسلم عن سفيان حدثني عبيد الله قوله نافع بن جبير هو المذكور في الحديث الأول وليس له عن أبي هريرة في البخاري سوى هذا الحديث قوله الدوسي بفتح الدال المهملة وسكون الواو وبالسين المهملة نسبة إلى أبي هريرة إلى دوس بن عدنان بن عبد الله قبيلة في الأزد قوله في طائفة النهار أي في قطعة منه قال الكرماني وفي بعضها في صائفة النهار أي حر النهار يقال يوم صائف أي حار قلت هذا هو الأوجه قوله لا يكلمني ولا أكلمه أما من جانب النبي فلعله كان مشغول الفكر بوحي أو غيره وأما من جانب أبي هريرة فللتوقير وكان ذلك شأن الصحابة إذا لم يروا منه نشاطا قوله فجلس بفناء بيت فاطمة رضي الله تعالى عنها الفناء بكسر الفاء بعدها نون ممدودة اسم للموضع المتسع الذي أمام البيت وقال الداودي سقط بعض الحديث عن النافل وإنما أدخل حديث في حديث إذ ليس بيت فاطمة في سوق بني قينقاع إنما بيتها بين بيوت النبي قيل ليس فيه إدخال حديث في حديث ولكن فيه بعض سقط ورواية مسلم تبينه ولفظه عن سفيان حتى جاء سوق بني قينقاع ثم

(11/239)


انصرف حتى أتى فناء فاطمة رضي الله تعالى عنها وأخرجه الحميدي في ( مسنده ) عن سفيان فقال فيه حتى إذا أتى فناء بيت عائشة فجلس فيه والأول أرجح قوله فقال أثم لكع أي قال النبي وأراد به الحسن وقيل الحسين على ما سيأتي والهمزة في إثم للاستفهام و ثم بفتح الثاء المثلثة اسم يشار به إلى المكان البعيد وهو ظرف لا يتصرف فلذلك غلط من أعربه مفعولا لرأيت في قوله تعالى وإذا رأيت ثم رأيت ( الإنسان 02 ) ولكع بضم اللام وفتح الكاف وبالعين المهملة قال الأصمعي الكلع العيس الذي لا يتجه لنظر ولا لغيره مأخوذ من الملاكيع وهو الذي يخرج مع السلا من البطن وقال الأزهري القول قول الأصمعي ألا ترى أن النبي قال للحسن وهو صغير أين لكع أراد أنه لصغره لا يتجه لمنطق ولا ما يصلحه ولم يرد أنه لئيم ولا عبد وعلم منه أن اللئيم يسمى لكعا أيضا وكذلك العبد يسمى به وفي ( التلويح ) الأشبه والأجود أن يحمل الحديث على ما قاله بلال بن جرير الخطفي وسئل عن اللكع فقال في لغتنا هو الصغير قال الهروي وإلى هذا ذهب الحسن إذا قال الإنسان لا يكع يريد يا صغير ويقال للمرأة لكيعة ولكعاء ولكاع وملكعانة ذكره في ( الموعب ) وقال سيبويه لا يقال ملكعانة إلا في النداء وعن ابن يزيد اللكع الغلو والأنثى لكعة وفي ( المحكم ) اللكع المهر وفي ( الجامع ) أصل اللكع من اللكع ولكن قلب قوله فحسبته شيئا أي فحبست فاطمة الحسن أي منعته من المبادرة إلى الخروج إليه قليلا قوله فظننت قائله أبو هريرة أنها أي أن فاطمة تلبسه بضم التاء من الإلباس أي تلبس الصغير سخابا بكسر السين المهملة وبالخاء المعجمة الخفيفة وبعد الألف باء موحدة قال الخطابي هي قلادة تتخذ من طيب ليس فيها ذهب ولا فضة وقال الداودي من قرنفل وقال الهروي هي قلادة من خيط فيها خرز تلبسه الصبيان والجواري وروى الإسماعيلي عن ابن أبي عمر أحد رواة هذا الحديث قال السخاب شيء يعمل من الحنظل كالقميص والوشاح قوله أو تغسله بالتشديد وفي رواية الحميدي وتغسله بالواو قوله فجاء يشتد أي يسرع في المشي وفي رواية عمر بن موسى عند الإسماعيلي فجاء الحسن أو الحسين وقد أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر فقال في روايته أثم لكع يعني حسنا وكذا قال الحميدي في ( مسنده ) وسيأتي في اللباس من طريق ورقاء عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ فقال أين لكع أدع لي الحسن بن علي فقام الحسن بن علي يمشي قوله حتى عانقه وفي رواية ورقاء عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ فقال النبي بيده هكذا أي مدها فقال الحسن بيده هكذا فالتزمه قوله أللهم أحبه بلفظ الدعاء وبالإدغام وفي رواية الكشميهني أحببه بفك الإدغام وزاد مسلم عن ابن أبي عمر فقال أللهم إني أحبه فأحبه قوله وأحب أمر أيضا وقوله من يحبه في محل النصب مفعوله
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان ما كان الصحابة عليه من توقير النبي والمشي معه وفيه ما كان للنبي عليه من التواضع من الدخول في السوق والجلوس بفناء الدار ورحمته الصغير والمزاح معه وقال السهيلي وكان يمزح ولا يقول إلا حقا وههنا أراد تشبيهه بالفلو والمهر لأنه طفل وإذا قصد بالكلام التشبيه لم يكن إلا صدقا وفيه جواز المعانقة وفيها خلاف فقال محمد بن سيرين وعبد الله بن عون وأبو حنيفة ومحمد المعانقة مكروهة واحتجوا في ذلك بما رواه الترمذي حدثنا سويد قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا حنظلة بن عبيد الله عن أنس بن مالك قال قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أفينحني له فقال لا قال أفيلتزمه ويقبله قال لا قال أفيأخذ بيده ويصافحه قال نعم قال الترمذي هذا حديث حسن وقال الشعبي وأبو مجلز لاحق بن حميد وعمرو بن ميمون والأسود بن هلال وأبو يوسف لا بأس بالمعانقة وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي حدثنا فهد قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء وقال حدثنا أسد بن عمرو عن مجالد بن سعيد عن عامر عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال لما قدمنا على النبي من عند النجاشي تلقاني فاعتنقني ورجاله ثقات ومجالد بن سعيد وثقه النسائي وروى له الأربعة وروى الطحاوي عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يتعانقون قال فدل ذلك على أن ما روي عن رسول الله من إباحة المعانقة كان متأخرا عما روي عنه من النهي عن ذلك وفي ( التلويح ) معانقته للحسن إباحة ذلك

(11/240)


وأما معانقة الرجل للرجل فاستحبها سفيان وكرهها مالك قال هي بدعة وتناظر مالك وسفيان في ذلك فاحتج سفيان بأن النبي فعل ذلك بجعفر قال مالك هو خاص له فقال ما يخصه بغير ذلك فسكت مالك وقال صاحب ( الهداية ) الخلاف في المعانقة في إزار واحد وأما إذا كان على المعانق قميص أو جبة لا بأس باتفاق أصحابنا وهو الصحيح وفيه جواز التقبيل قال الفقيه أبو الليث في ( شرح الجامع الصغير ) القبلة على خمسة أوجه قبلة تحية وقبلة شفقة وقبلة رحمة وقبلة شهوة وقبلة مودة فأما قبلة التحية فكالمؤمنين يقبل بعضهما بعضا على اليد وقبلة الشفقة قبلة الولد لوالده أو لوالدته وقبلة الرحمة قبلة الوالد لولده والوالدة لولدها على الخد وقبلة الشهوة قبلة الزوج لزوجته على الفم وقبلة المودة قبلة الأخ والأخت على الخد وزاد بعضهم من أصحابنا قبلة ديانة وهي القبلة على الحجر الأسود وقد وردت أحاديث وآثار كثيرة في جواز التقبيل ولكن محل ذلك إذا كان على وجه المبرة والإكرام وأما إذا كان على وجه الشهوة فلا يجوز إلا في حق الزوجين وأما المصافحة فلا بأس بها بلا خلاف لأنها سنة قديمة وروى الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة ابن اليمان عن النبي قال إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر
قال سفيان قال عبيد الله أخبرني أنه رأى نافع بن جبير أوتر بركعة
هذا موصول بالإسناد المذكور وسفيان هو ابن عيينة وعبيد الله هو ابن أبي يزيد المذكور في الحديث وقد تقدم الراوي على قوله أخبرني أنه وهذا لا يضر وفائدة إيراد هذه الزيادة التنبيه على لقي عبيد الله لنافع بن جبير فلا تضر العنعنة في الطريق الموصول لأن ما ثبت لقاؤه لمن حدث عنه ولم يكن مدلسا حملت عنعنته على السماع اتفاقا وإنما الخلاف في المدلس أو فيمن لم يثبت لقيه لمن روى عنه وقال الكرماني ما وجه ذكر الوتر في هذا الباب ثم أجاب بأنه لما روى عن نافع انتهز الفرصة لبيان من ثبت منه مما اختلف في جوازه انتهى قلت لا وجه لما ذكره أصلا والوجه ما ذكرناه
74 - ( حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا أبو ضمرة قال حدثنا موسى عن نافع قال حدثنا ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد النبي فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام قال وحدثنا ابن عمر رضي الله عنهما قال نهى النبي أن يباع الطعام إذا اشتراه حتى يستوفيه )
قيل ليس لذكر هذا الحديث ههنا وجه ( قلت ) يمكن أن يؤخذ وجه المطابقة بين هذا الحديث وبين الترجمة من لفظ الركبان لأن الشراء منهم يكون باستقبال الناس إياهم في موضع وهذا الموضع يطلق عليه السوق لأن السوق في اللغة موضع البياعات وهذا وإن كان فيه نوع تعسف فيستأنس به في وجه المطابقة فافهم وإبراهيم بن المنذر على لفظ اسم الفاعل من الإنذار أبو إسحاق الحزامي المدني وهو من أفراد البخاري وأبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء اسمه أنس بن عياض وقد مر في باب التبرز في البيوت وموسى بن عقبة بالقاف ابن أبي عياش المدني مولى الزبير بن العوام مات سنة إحدى وأربعين ومائة والإسناد كله مدنيون والحديث المذكور من أفراده وحديث بيع الطعام قبل القبض أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي بأسانيد مختلفة وألفاظ متباينة قوله من الركبان وهم الجماعة من أصحاب الإبل في السفر وهو جمع راكب وهو في الأصل يطلق على راكب الإبل خاصة ثم اتسع فيه فأطلق على كل من ركب دابة قوله على عهد النبي أي على زمنه قوله فيبعث أي النبي قوله من يمنعهم في محل النصب لأنه مفعول يبعث قوله أن يبيعوه أي بأن يبيعوه فكلمة أن مصدرية أي من البيع في مكان اشتروه حتى ينقلوه ويبيعوه حيث يباع الطعام في الأسواق لأن القبض شرط وبالنقل المذكور يحصل القبض ووجه نهيه عن بيع ما يشترى من الركبان إلا بعد التحويل إلى موضع يريد أن يبيع فيه الرفق بالناس ولذلك ورد النهي عن تلقي

(11/241)


الركبان لأن فيه ضررا لغيرهم من حيث السعر فلذلك أمرهم بالنقل عند تلقي الركبان ليوسعوا على أهل الأسواق قوله ثم قال أي ثم قال نافع وحدثنا عبد الله بن عمر وهذا داخل في الإسناد الأول قوله حتى يستوفيه أي يقبضه وفي رواية مسلم حتى يكتاله والقبض والاستيفاء سواء
والذي يستفاد من الحديث أنه نهى عن بيع الطعام إلا بعد القبض وهذا الباب فيه خلاف قال القاضي عياض في شرح مسلم اختلف الناس في جواز بيع المشتريات قبل قبضها فمنعه الشافعي في كل شيء وانفرد عثمان التيمي فأجازه في كل شيء ومنعه أبو حنيفة في كل شيء إلا العقار وما لا ينقل ومنعه آخرون في سائر المكيلات والموزونات ومنعه مالك في سائر المكيلات والموزونات إذا كانت طعاما وقال ابن قدامة في المغني ومن اشترى ما يحتاج إلى القبض لم يجز بيعه حتى يقبضه ولا أرى بين أهل العلم فيه خلافا إلا ما حكى عن عثمان التيمي أنه قال لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه وقال ابن عبد البر هذا قول مردود بالسنة وأما غير ذلك فيجوز بيعه قبل قبضه في أظهر الروايتين ونحوه قول مالك وابن المنذر انتهى وقال عطاء بن أبي رباح والثوري وابن عيينة وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي في الجديد ومالك في رواية وأحمد في رواية وأبو ثور وداود النهي الذي ورد في البيع قبل القبض قد وقع على الطعام وغيره وهو مذهب ابن عباس أيضا ولكن أبو حنيفة قال لا بأس ببيع الدور والأرضين قبل القبض لأنها لا تنقل ولا تحول وقال الشافعي هو في كل مبيع عقارا أو غيره وهو قول الثوري ومحمد بن الحسن وهو مذهب جابر أيضا -
05 -
( باب كراهية السخب في السوق )
أي هذا باب في بيان كراهية السخب وهو رفع الصوت بالخصام وهو بفتح السين المهملة والخاء المعجمة والباء الموحدة ويروى الصخب بالصاد المهملة والصاد والسين يتقاربان في المخرج ويبدل أحدهما عن الآخر قوله في السوق وفي بعض النسخ في الأسواق
5212 - حدثنا ( محمد بن سنان ) قال حدثنا ( فليح ) قال حدثنا ( هلال ) عن ( عطاء بن يسار ) قال ل ( قيت عبد الله بن عمرو بن العاص ) رضي الله تعالى عنهما قلت أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( الأحزاب 54 ) وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إلاه إلا الله ويفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ( الحديث 5212 - طرفه في 8384 )
مطابقته للترجمة في قوله ولا سخاب في الأسواق فالسخب مذموم في نفسه ولا سيما إذا كان في الأسواق وهي مجمع الناس من كل جنس ولا يسخب فيها إلا كل فاجر شرير ولو لم يكن السخب مذموما مكروها لما قال الله في التوراة في حق سيد الخلق ولا سخاب في الأسواق ولا كان بسخاب في غير الأسواق
ورجاله كلهم تقدموا في أول كتاب العلم ومحمد بن سنان بكسر السين المهملة وبالنون أبو بكر العوفي وهو من أفراده وفليح بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ابن سليمان أبو يحيى الخزاعي وكان اسمه عبد الملك وفليح لقبه وغلب على اسمه وهلال بكسر الهاء ابن علي في الأصح ويقال هلال بن أبي هلال الفهري المديني وعطاء بن يسار ضد اليمين أبو محمد الهلالي وليس لهلال عن عطاء عن عبد الله بن عمرو في الصحيح غير هذا الحديث
ذكر معناه قوله قال أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة فإن قلت هل قرأ عبد الله بن عمرو التوراة حتى سأل عنه عطاء بن يسار عن صفة رسول الله فيها قلت نعم كما روى البزار من حديث ابن لهيعة عن

(11/242)


وهب عنه أنه رأى في المنام كأن في إحدى يديه عسلا وفي الأخرى سمنا وكأنه يلعقهما فأصبح فذكر ذلك للنبي فقال تقرأ الكتابين التوراة والقرآن فكان يقرؤهما قوله قال أجل بفتح الهمزة والجيم وباللام من حروف الإيحاب جواب مثل نعم فيكون تصديقا للمخبر وإعلاما للمستخبر ووعدا للطالب ومن يجيب عن قول الكرماني شرطه أن يكون تصديقا للمخبر وهنا ليس كذلك قوله والله إنه لموصوف أكد كلامه بالمؤكدات وهي الحلف بالله وبالجملة الإسمية وبدخول إن عليها وبدخول لام التأكيد على الخبر قوله يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( الأحزاب 54 ) هذا كله في القرآن في سورة الأحزاب وتمام الآية وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ( الأحزاب 64 ) قوله شاهدا أي لأمتك المؤمنين بتصديقهم وعلى الكافرين بتكذيبهم أي مقبولا قولك عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول شاهد العدل في الحكم فإن قلت انتصاب شاهدا بماذا قلت على الحال المقدرة كما في قولك مررت برجل معه صقر صائدا غدا أي مقدرا به الصيد غدا قوله ومبشرا أي للمؤمنين نذيرا للكافرين وداعيا إلى الله أي إلى توحيده قوله بإذنه أي بأمره لك بالدعاء وقيل بإذنه بتوفيقه وسراجا جلى به الله ظلمات الكفر فاهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدي به وصفه بالإنارة لأن من السراج ما لا يضيء إذا قل سليطه أي زيته ودقت فتيلته قوله وحرزا بكسر الحاء المهملة أي حافظا والحرز في الأصل الموضع الحصين فاستعير لغيره وسمى التعويذ أيضا حرزا والمعنى حافظا لدين الأميين يقال حرزت الشيء أحرزه حرزا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ والأميون العرب لأن الكتابة كانت عندهم قليلة قوله سميتك المتوكل يعني لقناعته باليسير من الرزق واعتماده على الله تعالى في الرزق والنصر والصبر على انتظار الفرج والأخذ بمحاسن الأخلاق واليقين بتمام وعد الله فتوكل عليه فسمى المتوكل قوله ليس بفظ أي سيىء الخلق ولا غليظ أي شديد في القول وقول القائل لعمر رضي الله تعالى عنه أنت أفظ وأغلظ من رسول قيل لم يأت أفعل هنا للمفاضلة بينه وبين من أشرك معه بل بمعنى أنت فظ غليظ على الجملة لا على التفصيل وههنا التفات لأن القياس يقتضي الخطاب بأن يقال ولست ولكن التفت من الخطاب إلى الغيبة قوله ولا سخاب على وزن فعال بالتشديد من السخب وفي ( التلويح ) وفيه ذم الأسواق وأهلها الذين يكونون بهذه الصفة المذمومة من الصخب واللغط والزيادة في المدحة والذم لما يتبايعونه والأيمان الحانثة ولهذا قال شر البقاع الأسواق لما يغلب على أهلها من هذه الأحوال المذمومة انتهى قلت ليس فيه الذم إلا لأهل السوق الموصوفين بهذه الصفات وليس فيه الذم لنفس الأسواق ظاهرا وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله ولا يدفع بالسيئة السيئة أي لا يسيء إلى من أساء إليه على سبيل المجازاة المباحة ما لم تنتهك حرمة الله تعالى لكن يأخذ بالفضل قوله حتى يقيم به أي حتى ينقى به الشرك ويثبت التوحيد قوله الملة العوجاء هي ملة الرب ووصفها بالعوج لما دخل فيها من عبادة الأصنام وتغييرهم ملة إبراهيم عليه الصلاة و السلام عن استقامتها وإمالتهم بعد قوامها والمراد من إقامتها إخراجها من الكفر إلى الإيمان قوله أعينا عميا الأعين جمع عين والعمي بضم العين جمع عمياء قال ابن التين كذا للأصيلي يعني جعل عميا صفة للأعين وفي بعض روايات الشيخ أبي الحسن أعين عمي بالإضافة و عمي على هذه الرواية جمع أعمى قوله وآذانا صما كذلك بالروايتين إحداهما يكون الصم جمع صماء صفة للآذان والأخرى يكون وآذان صم بالإضافة فعلى هذا يكون الصم جمع أصم قوله وقلوبا غلفا وقع في رواية النسفي والمستملي والغلف بضم الغين المعجمة جمع أغلف سواء كان مضافا أو غير مضاف وترك الإضافة فيه بين والآن يجيء تفسيره
تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال
أي تابع فليحا عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال في روايته عن عطاء وأخرج البخاري هذه المتابعة مسندة فقال حدثنا عبد الله حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال بن أبي هلال عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو بن العاص إن هذه الآية التي في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك ( الأحزاب 54 ) الحديث أخرجه في سورة الفتح وعبد الله شيخه هو ابن سلمة قاله أبو علي بن السكن وقال أبو مسعود الدمشقي هو عبد الله بن محمد بن رجاء وقال الجياني هو عبد الله بن عبد الله بن صالح

(11/243)


كاتب الليث والحاكم قطع على أن البخاري لم يخرج في ( صحيحه ) عن عبد الله بن صالح كاتب الليث نعم أخرج هذا الحديث في كتاب ( الأدب ) عن عبد الله بن صالح
وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن ابن سلام
سعيد هذا هو ابن أبي هلال هو المذكور في سند الحديث عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن سلام الصحابي وقد خالف سعيد هذا عبد العزيز وفليحا في تعيين الصحابي وهذه الطريقة وصلها الدارمي في ( مسنده ) ويعقوب بن سفيان في ( تاريخه ) والطبراني جميعا بإسناد واحد عنه ولا مانع أن يكون عطاء حمل الحديث عن كل من عبد الله بن عمرو وعبد الله ابن سلام ورواه الترمذي من حديث محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال مكتوب في التوراة صفة محمد
غلف كل شيء في غلاف وسيف أغلف وقوس غلفاء ورجل أغلف إذا لم يكن مختونا قاله أبو عبد الله
غلف كل شيء بإضافة غلف إلى كل شيء وهو مبتدأ وقوله في غلاف خبره يعني أنه مستور عن الفهم والتمييز يقال سيف أغلف إذا كان في غلاف وكذا يقال قوس غلفاء إذا كانت في غلاف يصنع له مثل الجعبة ونحوها قوله قاله أبو عبد الله هو البخاري نفسه
15 -
( باب الكيل على البائع والمعطى )
هذا باب في بيان مؤونة الكيل على البائع وكذا مؤونة الوزن أي فيما يوزن على البائع قوله والمعطي أي ومؤونة الكيل على المعطي أيضا سواء كان بائعا أو موفيا للدين أو غير ذلك
وقال الفقهاء إن الكيل والوزن فيما يكال ويوزن من المبيعات على البائع ومن عليه الكيل والوزن فعليه أجرة ذلك وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأبي ثور وقال الثوري كل بيع فيه كيل أو وزن أو عدد فهو على البائع حتى يوفيه إياه فإن قال أبيعك النخلة فجذاذها على المشتري وفي ( التوضيح ) وعندنا أن مؤونة الكيل على البائع ووزن الثمن على المشتري وفي أجرة النقادوجهان وينبغي أن يكون على البائع وأجرة النقل المحتاج إليه في تسليم المنقول على المشتري صرح به المتولي وقال بعض أصحابنا على الإمام أن ينصب كيالا ووزانا في الأسواق ويرزقهما من سهم المصالح
وقالت الحنفية وأجرة نقد الثمن ووزنه على المشتري وعن محمد بن الحسن أجرة نقد الثمن على البائع وعنه أن أجرة النقد على رب الدين بعد القبض وقبله على المدين وأجرة الكيال على البائع فيما إذا كان البيع مكايلة وكذا أجرة وزن المبيع وذرعه وعده على البائع لأن هذه الأشياء من تمام التسليم وهو على البائع وكذا إتمامه
وقول الله تعالى وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ( المطففين 3 ) يعني كالوا لهم ووزنوا لهم كقوله يسمعونكم يسمعون لكم
قول الله بالجر عطفا على قوله الكيل والتقدير باب في بيان الكيل وفي بيان معنى قوله وإذا كالوهم ( المطففين 3 ) وقد بينه بقوله يعني كالوهم إلى آخره وفي بعض النسخ لقول الله تعالى وإذا كالوهم ( المطففين 3 ) فعلى هذه يقع هذا تعليلا للترجمة فوجهه أنه لما كان الكيل على البائع وعلى المعطي بالتفسير الذي ذكرناه وجب عليهما توفية الحق الذي عليهما في الكيل والوزن فإذا خانوا فيهما بزيادة أو نقصان فقد دخلا تحت قوله تعالى ويل للمطففين الذين ( المطففين 1 ) إلى قوله يخسرون ( المطففين 1 ) وعلى النسخة المشهورة تكون الآية من الترجمة وهذه السورة مكية في رواية همام وقتادة ومحمد بن ثور عن معمر وقال السدي مدنية وقال الكلبي نزلت على النبي في طريقه من مكة إلى المدينة وقال أبو العباس في ( مقامات التنزيل ) نظرت في اختلافهم فوجدت أول السورة مدنيا كما قال السدي وآخرها مكيا كما قال قتادة وقال الواحدي عن السدي قدم رسول الله

(11/244)


المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل الله هذه الآية وفي ( تفسير ) الطبري كان عيسى بن عمر فيما ذكر عنه يجعلهما حرفين ويقف علي كالوا وعلى وزنوا فيما ذكر ثم يبتدىء فيقول هم يخسرون والصواب عندنا في ذلك الوقف على هم يعني كالوهم قوله يعني كالوا لهم حذف الجار وأوصل الفعل وفيه وجه آخر وهو أن يكون على حذف المضاف وهو المكيل والموزون أي كالوا مكيلهم
وقال النبي اكتالوا حتى تستوفوا
هذا التعليق ذكره ابن أبي شيبة من حديث طارق بن عبد الله المحاربي بسند صحيح قوله اكتالوا أمر للجماعة من الاكتيال والفرق بين الكيل والاكتيال أن الاكتيال إنما يستعمل إذا كان الكيل لنفسه كما يقال فلان مكتسب لنفسه وكاسب لنفسه ولغيره وكما يقال اشتوى إذا اتخذ الشواء لنفسه وإذا قيل شوى هو أعم من أن يكون لنفسه ولغيره
ويذكر عن عثمان رضي الله تعالى عنه أن النبي قال له إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل
مطابقته للترجمة من حيث إن معنى قوله إذا بعت فكل هو معنى قوله في الترجمة باب الكيل على البائع وقال ابن التين هذا لا يطابق الترجمة لأن معنى قوله إذا بعت فكل أي فأوف وإذا ابتعت فاكتل أي استوف قال والمعنى أنه إذا أعطى أو أخذ لا يزيد ولا ينقص أي لا لك ولا عليك قلت لا ينحصر معناه على ما ذكره لأنه جاء في حديث رواه الليث ولفظه أن عثمان قال كنت أشتري التمر من سوق بني قينقاع ثم أجلبه إلى المدينة ثم أفرغه لهم وأخبرهم بما فيه من المكيلة فيعطوني ما رضيت به من الربح ويأخذونه بخبري فبلغ ذلك النبي فقال له إذا بعت فكل فظهر من ذلك أن معناه إعطاء الكيل حقه وهو أن يكون الكيل عليه وليس المراد منه طلب عدم الزيادة أو نقصانه فظهر من ذلك أن وجه المطابقة بين الحديث والترجمة ما ذكرناه
وهذا التعليق وصله الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة عن منقذ مولى سراقة عن عثمان بهذا ومنقذ مجهول الحال لكن له طريق آخر أخرجه أحمد وابن ماجه والبزار من طريق موسى بن وردان عن سعيد ابن المسيب عن عثمان به فإن قلت في طريقه ابن لهيعة قلت هو من قديم حديثه لأن ابن عبد الحكم أورده في ( فتوح مصر ) من طريق الليث عنه
6212 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه النهي عن بيع الطعام إلا بعد الاستيفاء وهو القبض وإذا أراد البيع بعده يكون الكيل عليه وهو معنى الترجمة وقد مضى معنى هذا الحديث في آخر حديث عن ابن عمر أيضا في آخر باب ما ذكر في الأسواق
والحديث رواه البخاري أيضا عن عبد الله بن سلمة عن نافع عن ابن عمر على ما يأتي إن شاء الله تعالى وأخرجه مسلم في حديث نافع في لفظ فنهانا رسول الله أن نبيعه حتى ننقله من مكانه وفي لفظ حتى يستوفيه ويقبضه وروي من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر ولفظه فلا يبعه حتى يقبضه وروي من حديث سالم عن ابن عمر ولفظه أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه وفي لفظ حتى يؤووه إلى رحالهم وروي أيضا من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله وروي أيضا من حديث جابر بن عبد الله يقول كان رسول الله يقول إذا ابتعت الطعام فلا تبعه حتى تستوفيه ورواه أبو داود من حديث ابن عمر ولفظه نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه وروي أيضا من حديث ابن عباس من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه وروي أيضا من حديث زيد بن ثابت نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يجوزوها إلى رحالهم وقد مضى الكلام فيه مستوفى في آخر باب الأسواق

(11/245)


7212 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( جرير ) عن ( مغيرة ) عن ( الشعبي ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال توفي عبد الله بن عمرو بن حرام وعليه دين فاستعنت النبي على غرمائه أن يضعوا من دينه فطلب النبي إليهم فلم يفعلوا فقال لي النبي اذهب فصنف تمرك أصنافا العجوة على حدة وعذق زيد على حدة ثم أرسل إلي ففعلت ثم أرسلت إلى النبي فجلس على أعلاه أو في وسطه ثم قال كل للقوم فكلتهم حتى أوفيتهم الذي لهم وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء
مطابقته للترجمة في قوله كل للقوم فإنه يعطي والترجمة باب الكيل على البائع والمعطي وعبدان هو عبد الله بن عثمان وقد تكرر ذكره وجرير هو ابن عبد الحميد ومغيرة بضم الميم وكسرها هو ابن مقسم بكسر الميم أبو هشام الضبي الكوفي والشعبي هو عامر بن شراحيل
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستقراض عن موسى وفي الوصايا حدثنا محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب وفي المغازي عن أحمد بن أبي شريح وفي علامات النبوة عن أبي نعيم وأخرجه النسائي في الوصايا عن القاسم بن زكريا وعن علي بن حجر به وعن عبد الرحمن بن محمد
ذكر معناه قوله عبد الله بن عمرو بن حرام هو والد جابر بن عبد الله الصحابي وحرام بفتح المهملتين قوله وعليه دين الواو فيه للحال قوله فاستعنت من الاستعانة وهو طلب العون قوله أن يضعوا من دينه أي أن يتركوا منه شيئا قوله فلم يفعلوا أي لم يتركوا شيئا وكانوا يهودا قوله فصنف تمرك أصنافا أي اعزل كل صنف منه على حدة قوله العجوة على حدة منصوب بعامل محذوف تقديره ضع العجوة وحدها وهو ضرب من أجود التمر بالمدينة قوله وعذق زيد على حدة بالنصب أيضا عطف على العجزة أي ضع عذق زيد وحده والعذق بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وزيد علم شخص نسب إليه هذا النوع من التمر وفي ( التوضيح ) نوع من التمر رديء وفي ( الصحاح ) العذق بالفتح النخلة وبالكسر الكباسة قوله ففعلت أي ما أمر به النبي قوله فجلس على أعلاه أي فجلس النبي أعلى التمر وفيه حذف وهو فجاء فجلس قوله ثم قال كل بكسر الكاف وسكون اللام لأنه أمر من كال يكيل قوله وبقي تمري إلى آخره فيه معجزة ظاهرة للنبي وظهور بركته
وقال فراس عن الشعبي قال حدثني جابر عن النبي فما زال يكيل لهم حتى أداه
فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وفي آخره سين مهملة ابن يحيى المكتب وقد مر في الزكاة وهذا طرف من الحديث المذكور وصله البخاري في آخر أبواب الوصايا بتمامه وفيه اللفظ المذكور
وقال هشام عن وهب عن جابر قال النبي جذ له فأوف له
هشام هو ابن عروة ووهب هو ابن كيسان مولى عبد الله بن الزبير بن العوام مات سنة تسع وعشرين ومائة وقد وصل البخاري هذا التعليق في الاستقراض قوله جذ بضم الجيم وتشديد الذال المعجمة ويجوز فيها الحركات الثلاث وهو أمر من الجذاذ وهو قطع العراجين قوله له أي للغريم في الموضعين
ومما يستفاد من الحديث أن بعض الورثة يقوم مقام البعض
25 -
( باب ما يستحب من الكيل )
أي هذا باب في بيان استحباب الكيل في المبيعات وقال ابن بطال مندوب إليه فيما ينفقه المرء على عياله

(11/246)


8212 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال حدثنا ( الوليد ) عن ( ثور ) عن ( خالد بن معدان ) عن ( المقدام بن معديكرب ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال كيلوا طعامكم يبارك لكم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الأمر على وجه الاستحباب في كيل الطعام عند الإنفاق على ما نذكره في معنى الحديث وإبراهيم بن موسى بن يزيد أبو إسحاق الرازق يعرف بالصغير والوليد بن مسلم القرشي الدمشقي وثور باسم الحيوان المشهور ابن يزيد من الزيادة الحمصي وخالد بن معدان بفتح الميم الكلاعي بفتح الكاف وتخفيف اللام وبالعين المهملة أبو كريب الحمصي والمقدام بكسر الميم ابن معدي كرب أبو يحيى الكندي نزل الشام وسكن حمص
وهذا الحديث من أفراد البخاري
قوله عن ثور وفي رواية الإسماعيلي حدثنا ثور قوله عن خالد بن معدان عن المقدام هكذا رواه الوليد وغيره وروى أبو الربيع الزهراني عن المقدام بن المبارك فأدخل بين خالد جبير بن نفير وهكذا رواه الإسماعيلي ورواه ابن ماجه وفي رواية عن خالد عن المقدام عن أبي أيوب الأنصاري فذكره من مسند أبي أيوب ورجح الدارقطني هذه الزيادة قوله كيلوا أمر للجماعة ويبارك لكم بالجزم جوابه ويروى يبارك لكم فيه
ثم السر في الكيل لأنه يتعرف به ما يقوته وما يستعده وقال ابن بطال لأنهم إذا اكتالوا يزيدون في الأكل فلا يبلغ لهم الطعام إلى المدة التي كانوا يقدرونها وقال عليه الصلاة و السلام كيلوا أي أخرجوا بكيل معلوم إلى المدة التي قدرتم مع ما وضع الله عز و جل من البركة في مد المدينة بدعوته وقال أبو الفرج البغدادي يشبه أن تكون هذه البركة للتسمية عليه في الكيل فإن قلت هذا يعارضه حديث عائشة كان عندي شطر شعير فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني قلت كانت تخرج قوتها بغير كيل وهي متقوتة باليسير فبورك لها فيه مع بركة النبي الباقية عليها وفي بيتها فلما كالته علمت المدة التي يبلغ إليها عند انقضائهافإن قلت يعارضه أيضا ما روي أن النبي دخل على حفصة فوجدها تكتال على خادمها فقال لا توكي فيوكي الله عليك قلت كان ذلك لأنه في معنى الإحصاء على الخادم والتضييق أما إذا اكتال على معنى معرفة المقادير وما يكفي الإنسان فهو الذي في حديث الباب وقد كان يدخر لأهله قوت سنة ولم يكن ذاك إلا بعد معرفة الكيل وقال بعضهم والذي يظهر لي أن حديث المقدام محمول على الطعام الذي يشترى فالبركة تحصل فيه بالكيل لامتثال أمر الشارع وإذا لم يمتثل الأمر فيه بالإكتيال نزعت منه لشؤم العصيان وحديث عائشة محمول على أنها كالته للاختبار فلذلك دخله النقص انتهى قلت هذا ليس بظهور فكيف يقول حديث المقدام محمول على الطعام الذي يشترى وهذا غير صحيح لأن البخاري ترجم على حديث المقدام رضي الله تعالى عنه باستحباب الكيل والطعام الذي يشترى الكيل فيه واجب فهذا الظهور الذي أداه إلى أن جعل المستحب واجبا والواجب مستحبا وقال المحب الطبري يحتمل أن يكون معنى قوله كيلوا طعامكم أي إذا ادخرتموه طالبين من الله البركة واثقين بالإجباة فكان ما كاله بعد ذلك إنما يكيله ليتعرف مقداره فيكون ذلك شكا بالإجابة فيعاقب بسرعة نفادة ويحتمل أن تكون البركة التي تحصل بالكيل بسبب السلامة من سوء الظن بالخادم لأنه إذا أخرج بغير حساب قد يفرغ ما يخرجه وهو لا يشعر فيتهم من يتولى أمره بالأخذ منه وقد يكون بريئا فإذا كاله أمن من ذلك
35 -
( باب بركة صاع النبي ومده )
أي هذا باب في بيان بركة صاع النبي قوله ومده أي ومد النبي وفي رواية النسفي ومدهم بصيغة الجمع وكذا لأبي ذر عن غير الكشميهني وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم وقال بعضهم الضمير يعود للمحذوف في صاع النبي أي صاع أهل مدينة النبي ومدهم ويحتمل أن يكون الجمع لإرادة التعظيم قلت هذا التعسف لأجل عود الضمير والتقدير بصاع أهل مدينة النبي غير موجه ولا مقبول لأن الترجمة في بيان بركة صاع النبي على الخصوص لا في بيان صاع أهل المدينة
ولأهل المدينة صيعان مختلفة فروى ابن حبان في ( صحيحه ) من حديث أبي هريرة أن رسول الله

(11/247)


قيل له يا رسول الله صاعنا أصغر الصيعان ومدنا أكبر الأمداد فقال أللهم بارك لنا في صاعنا وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا واجعل لنا مع البركة بركتينقال ابن حبان وفي ترك المصطفى الإنكار عليهم حيث قالوا صاعنا أصغر الصيعان بيان واضح أن صاع المدينة أصغر الصيعان وروى الدارقطني من حديث إسحاق بن سليمان الرازي قال قلت لمالك ابن أنس يا أبا عبد الله كم وزن صاع النبي قال خمسة أرطال وثلث بالعراقي وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا يحيى ابن آدم قال سمعت حسن بن صالح يقول صاع عمر رضي الله تعالى عنه ثمانية أرطال وقال شريك أكثر من سبعة أرطال وأقل من ثمانية وروى البخاري في ( صحيحه ) عن السائب بن يزيد قال كان الصاع على عهد رسول الله مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وروى الطحاوي عن ابن عمر أنه قال حدثنا علي بن صالح وبشر بن الوليد جميعا عن أبي يوسف قال قدمت المدينة فأخرج إلي من أثق به صاعا فقال هذا صاع النبي فقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل ثم قال إن مالكا سئل عن ذلك فقال هو تقدير عبد الملك لصاع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وروى الطحاوي أيضا من حديث إبراهيم قال عبرنا الصاع فوجدنا حجاجيا والحجاجي عندهم ثمانية أرطال بالبغدادي انتهى وأيضا الأصل خلاف التقدير وأيضا فلا ضرورة إليه وأما وجه الضمير في رواية مدهم فهو أن يعود إلى أهل المدينة وإن لم يمض ذكرهم لأن القرينة اللفظية تدل على ذلك وهو لفظ الصاع والمد ولأن أهل المدينة اصطلحوا على لفظ الصاع والمد كما أن أهل العراق اصطلحوا على لفظ المكوك قال عياض المكوك مكيال أهل العراق يسع صاعا ونصف صاع بالمدني وكما أن أهل مصر اصطلحوا على القدح والربع والويبة وإذا ذكر الصاع والمد يتبادر أذهان الناس غالبا إلى أنهما لأجل المدينة
فيه عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي
أي في صاع النبي أي في دعائه بالبركة فيه روي عن عائشة عن النبي وقد مضى هذا في آخر كتاب الحج في حديث طويل عن عائشة وفيه أللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا
9212 - حدثنا ( موسى ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( عمرو بن يحيى ) عن ( عباد بن تميم الأنصاري ) عن ( عبد الله بن زيد ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم عليه الصلاة و السلام لمكة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن ما دعا فيه النبي ففيه البركة وموسى هو ابن إسماعيل ووهيب بالتصغير ابن خالد البصري وعمرو بن يحيى بن عمارة الأنصاري المدني وعبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري النجاري المازني
والحديث أخرجه مسلم في المناسك عن قتيبة وعن أبي كامل الجحدري وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم
والكلام في حرم مكة وحرم المدينة قد مضى في كتاب الحج وفيه الدعاء لما ذكر وهو علم من أعلام نبوته فما أكثر بركته وكم يؤكل ويدخر وينقل إلى سائر بلاد الله تعالى والمراد بالبركة في المد والصاع ما يكال بهما وأضمر ذلك لفهم السامع وهذا من باب تسمية الشيء باسم ما قرب منه كذا قيل قلت هذا من باب ذكر المحل وإرادة الحال فافهم
0312 - حدثني ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس ابن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال أللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم ومدهم يعني أهل المدينة

(11/248)


مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن القعنبي وفي كفارات الأيمان عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم والنسائي جميعا في المناسك عن قتيبة
قوله أللهم بارك لهم البركة النماء والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم وقيل يحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهي ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكاة والكفارات فتكون بمعنى الثبات والبقاء بها لبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها ويحتمل أن تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدر بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكفي مثله من غيره في غير المدينة أو ترجع البركة في التصرف بها في التجارة وأرباحها أو إلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها أو تكون الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه بما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم وملكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه فزاد مدهم وصار هاشميا مثل مد النبي مرتين أو مرة ونصفا وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته وقبولها هذا كله كلام القاضي عياض رحمه الله قوله في مكيالهم بكسر الميم آلة الكيل ويستحب أن يتخذ ذلك المكيال رجاء لإجابة دعوته والاستنان بأهل البلد الذين دعا لهم
45 -
( باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة )
أي هذا باب في بيان ما يذكر في بيع الطعام قبل القبض قوله والحكرة بضم الحاء المهملة وسكون الكاف حبس السلع عن البيع وقال الكرماني الحكرة احتكار الطعام أي حبسه يتربص به الغلاء هذا بحسب اللغة وأما الفقهاء فقد اشترطوا لها شروطا مذكورة في الفقه وقال الإسماعيلي ليس في أحاديث الباب ذكر الحكرة وساعد بعضهم البخاري في ذلك فقال وكأن المصنف استنبط ذلك من الأمر بنقل الطعام إلى الرحال ومنع بيع الطعام قبل استيفائه قلت سبحان الله هذا استنباط عجيب فما وجه هذا الاستنباط وكيف يستنبط منه الإحتكار الشرعي وليس الأمر إلا ما قاله الإسماعيلي أللهم إلا إذا قلنا إن البخاري لم يرد بقوله والحكرة إلا معناها اللغوي وهو الحبس مطلقا فحينئذ يطلق على الذي يشتري مجازفة ولم ينقله إلى رحله أنه محتكر لغة لا شرعا فافهم فإنه دقيق لا يخطر إلا بخاطر من شرح الله صدره بفيضه
وقد ورد في ذم الاحتكار أحاديث منها ما رواه معمر بن عبد الله مرفوعا لا يحتكر إلا خاطىء رواه مسلم وروى ابن ماجه من حديث عمر رضي الله تعالى عنه من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس وروي أيضا عنه مرفوعا الجالب مرزوق والمحتكر ملعون وأخرجه الحاكم وإسناده ضعيف وروى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعا من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برىء من الله تعالى وبرىء منه ورواه الحاكم أيضا وفي إسناده مقال وروى الحاكم أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا من احتكر حكرة يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطىء
1312 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال أخبرنا ( الوليد بن مسلم ) عن ( الأوزاعي ) عن ( الزهري ) عن ( سالم ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله أن يبيعوه حتى يؤوه إلى رحالهم
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إنه يتضمن منع بيع الطعام قبل القبض لأن الإيواء المذكور فيه عبارة عن القبض وضربهم على تركه يدل على اشتراط القبض والترجمة فيما يذكر في الطعام والذي ذكر في الطعام يعني الذي ذكره في أمر الطعام هذا يعني منع بيعه قبل الإيواء الذي هو عبارة عن القبض
وإسحاق بن إبراهيم هو إسحاق بن راهويه والوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو والزهري محمد بن مسلم
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن عياش الرقام وأخرجه مسلم في البيوع عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن

(11/249)


سالم بن عمر أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه وأخرجه أبو داود فيه عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق وأخرجه النسائي فيه عن نصر بن علي عن يزيد بن زريع
قوله مجازفة نصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي يشترون الطعام شراء مجازفة ويجوز أن يكون نصبا على الحال يعني حال كونهم مجازفين والجزاف مثلث الجيم والكسر أفصح وأشهر وهو البيع بلا كيل ولا وزن ولا تقدير وقال ابن سيده وهو يرجع إلى المساهلة وهو دخيل وقال القرطبي في حديث الباب دليل لمن سوى بين الجزاف والمكيل من الطعام في المنع من بيع ذاك حتى يقبض ورأى أن نقل الجزاف قبضه وبه قال الكوفيون والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود وحمله مالك على الأولى والأحب
ولو باع الجزاف قبل نقله جاز لأنه بنفس تمام العقد في التخلية بينه وبين المشتري صار في ضمانه وإلى جواز ذلك صار سعيد بن المسيب والحسن والحكم والأوزاعي وإسحاق وقال ابن قدامة إباحة بيع الصبرة جزافا مع جهل البائع والمشتري بقدرها لا نعلم فيه خلافا فإذا اشترى الصبرة جزافا لم يجز بيعها حتى ينقلها نص عليه أحمد في رواية الأثرم وعنه رواية أخرى بيعها قبل نقلها اختاره القاضي وهو مذهب مالك ونقلها قبضها كما جاء في الخبر وفي ( شرح المهذب ) عند الشافعي بيع الصبرة من الحنطة والتمر مجازفة صحيح وليس بحرام وهل هو مكروه فيه قولان أصحهما مكروه كراهة تنزيه والبيع بصبرة الدراهم كذلك حكمه وعن مالك أنه لا يصح البيع إذا كان بائع الصبرة جزافا يعلم قدرها كأنه اعتمد على ما رواه الحارث بن أبي أسامة عن الواقدي عن عبد الحميد بن عمر أن ابن أبي أنس قال سمع النبي عثمان يقول في هذا الوعاء كذا وكذا ولا أبيعه إلا مجازفة فقال النبي إذا سميت كيلا فكل وعند عبد الرزاق قال قال ابن المبارك إن النبي قال لا يحل لرجل باع طعاما قد علم كيله حتى يعلم صاحبه
2312 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( وهيب ) عن ( ابن طاوس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله نهى أن يبيع الرجل طعاما حتى يستوفيه قلت لابن عباس كيف ذاك قال ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ ( الحديث 2312 - طرفه في 5312 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها فيما يذكر في البيع قبل القبض وأنه لا يصح حتى يقبضه أو يستوفيه فكذلك الحديث في أنه لا يصح حتى يستوفيه ورجاله قد ذكروا غير مرة وابن طاووس هو عبد الله
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم أيضا وأخرجه أبو داود فيه عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن رافع به وعن أحمد بن حرب وقتيبة
قوله حتى يستوفيه أي حتى يقبضه وقد ذكرنا أن القبض والاستيفاء بمعنى واحد قوله قلت لابن عباس القائل هو طاووس قوله كيف ذاك يعني كيف حال هذا البيع حتى نهى عنه قوله قال ذاك أي قال ابن عباس يكون حال ذاك البيع دراهم بدراهم والطعام غائب وهو معنى قوله والطعام مرجأ أي مؤخر مؤجل معناه أن يشتري من إنسان طعاما بدرهم إلى أجل ثم يبيعه منه أو من غيره قبل أن يقبضه بدرهمين مثلا فلا يجوز لأنه في التقدير بيع درهم بدرهم والطعام غائب فكأنه قد باعه درهمه الذي اشتري به الطعام بدرهمين فهو وربا لأنه بيع غائب بناجز فلا يصح وقال ابن التين قول ابن عباس دراهم بدراهم تأوله علماء السلف وهو أن يشتري منه طعام بمائة إلى أجل ويبيعه منه قبل قبضه بمائة وعشرين وهو غير جائز لأنه في التقدير بيع دراهم بدراهم والطعام مؤجل غائب وقيل معناه أن يبيعه من آخر ويحيله به قوله والطعام مرجأ مبدتأ وخبر وقعت حالا ومرجأ بضم الميم وسكون الراء يهمز ولا يهمز وأصله من أرجيت الأمر وأرجأته إذا أخرته فتقول من الهمز مرجىء بكسر الجيم للفاعل والمفعول مرجأ للفاعل وإذا لم تهمز قلت مرج ومرجى للمفعول ومنه قيل المرجئة وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة سموا مرجئة لاعتقادهم

(11/250)


أن الله تعالى نهتلى أرجأ تعذيبهم على المعاضي أي أخره عنهم وكذلك المرجئة تهمز ولا تهمز وقال ابن الأثير وفي الخطابي على اختلاف نسخه مرجى بالتشديد
قال أبو عبد الله مرجؤن أي مؤخرون
أبو عبد الله هو البخاري نفسه هذا التفسير موافق لتفسير أبي عبيدة حيث قال في قوله تعالى وآخرون مرجؤون لأمر الله ( التوبة 601 ) يقال أرجأتك أي أخرتك وأراد به البخاري شرح قول ابن عباس والطعام مرجأ وقد مر الكلام فيه وهذا في رواية المستملي وحده وليس في رواية غيره شيء من ذلك
3312 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عبد الله بن دينار ) قال سمعت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما يقول قال النبي من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في مطابقة الحديث السابق وهذا الحديث عن ابن عمر قد مر في باب الكيل على البائع غير أن رجاله هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر وههنا عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن شعبة ابن الحجاج عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
4312 - حدثنا ( علي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال كان ( عمرو بن دينار يحدثه ) عن ( الزهري ) عن ( مالك بن أوس ) أنه قال ( من عنده صرف ) فقال ( طلحة ) أنا ( حتى يجيء خازننا من الغابة ) قال ( سفيان ) هو الذي ( حفظناه من الزهري ليس فيه زيادة ) فقال أخبرني ( مالك بن أوس ) أنه سمع ( عمر ابن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه يخبر عن رسول الله قال الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه اشتراط القبض لما فيه من الربويات وفي الترجمة ما يشعر باشتراط القبض في الطعام وزعم ابن بطال أنه لا مطابقته بين الحديث والترجمة هنا فلذلك أدخله في باب بيع ما ليس عندك وهو مغاير للنسخ المروية عن البخاري وعلي هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة ومالك بن أوس بفتح الهمزة وسكون الواو وفي آخره سين مهملة ابن الحدثان بفتح المهملتين وبالمثلثة التابعي عند الجمهور قال البخاري قال بعضهم له صحبة ولا يصح وقال بعضهم ركب بخيل في الجاهلية وقيل إنه رأى أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وروى عن النبي مرسلا
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن الزهري وأخرجه مسلم في البيوع أيضا عن قتيبة ومحمد ابن رمح وعن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وزهير بن حرب وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم به وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن محمد بن رمح به وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد وهشام بن عمار ونصر بن علي ومحمد بن الصباح خمستهم عن سفيان عن الزهري به
ذكر معناه قوله من عنده صرف أي من عنده دراهم يعوضها بالدنانير لأن الصرف بيع أحد النقدين بالآخر قوله فقال طلحة هو ابن عبد الله أحد العشرة المبشرة فأنا أعطيك الدراهم لكن إصبر حتى يجيء الخازن من الغابة والغابة بالغين المعجمة والباء الموحدة في الأصل الأجمة ذات الشجر المتكاثف سميت بها لأنها تغيب ما فيها وجمعها غابات ولكن المراد بها هنا غابة المدينة وهي موضع قريب منها من عواليها وبها أموال أهل المدينة وهي المذكورة في عمل منبر النبي قوله قال سفيان هو ابن عيينة قال بالإسناد المذكور قوله هو الذي حفظناه عن الزهري أي الذي كان عمرو يحدثه عن الزهري هو الذي حفظناه عن الزهري بلا زيادة فيه قال الكرماني وغرضه منه تصديق عمرو

(11/251)


وقال بعضهم أبعد الكرماني في قوله هذا قلت ما أبعد فيه بل غرضه هذا وشيء آخر وهو الإشارة إلى أنه حفظه من الزهري بالسماع قوله فقال أخبرني أي قال الزهري أخبرني مالك بن أوس قوله بخبر جملة حالية قوله الذهب بالذهب ويروى الذهب بالورق بكسر الراء وهو رواية أكثر أصحاب ابن عيينة عن الزهري وهي رواية أكثر أصحاب الزهري ثم معنى قوله الذهب بالذهبأي بيع الذهب بالذهب ربا إلا أن يقول كل واحد من المتصارفين لصاحبه هاء يعني خذ أو هات فإذا قال أحدهما خذ يقول الآخر هات والمراد أنهما يتقابضان في المجلس قبل التفرق منه وأن يكون العوضان متماثلين متساويين في الوزن كما في حديث أبي بكرة سيأتي نهانا رسول الله أن نبيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا سواء بسواء ثم الكلام في الذهب هل مذكر أم مؤنث فقال في ( المنتهى ) ربما أنث في اللغة الحجازية والقطعة منه ذهبة ويجمع على أذهاب وذهوب وفي ( تهذيب الأزهري ) لا يجوز تأنيثه إلا أن يجعل جمعا لذهبة وفي ( الموعب ) عن صاحب ( العين ) الذهب التبر والقطعة منه ذهبة يذكر ويؤنث وعن ابن الأنباري الذهب أنثى وربما ذكر وعن الفراء وجمعه ذهبان وأما قوله هاء وهاء فقال صاحب ( العين ) هو حرف يستعمل في المناولة تقول هاء وهاك وإذا لم تجىء بالكاف مددت فكان المدة في هاء خلف من كاف المخاطبة فنقول للرجل هاء وللمرأة هائي وللاثنين هاؤما وللرجال هاؤموا وللنساء هاؤن وفي ( المنتهى ) تقول هاء يا رجل بهمزة ساكنة مثال هع أي خذ وفي ( الجامع ) فيه لغتان بألف ساكنة وهمزة مفتوحة وهو اسم الفعل ولغة إخرى هايا رجل كأنه من هاي يهاي فحذفت الياء للجزم ومنهم من يجعله بمنزلة الصوت ها يا رجل وهايا رجلان وهايا رجال وها يا امرأة وها يا امرأتان وها يا نسوة وفي ( شرح المشكاة ) فيه لغتان المد والقصر والأول أفصح وأشهر وأصله هاك فأبدلت من الكاف معناه خذ فيقول صاحبه مثله والهمزة مفتوحة ويقال بالكسر ومعناه التقابض وقال المالكي وحق ها أن لا يقع بعدها إلا كما لا يقع بعدها هذ وبعد أن وقع يجب تقدير قول قبله يكون به محكيا فكأنه قيل ولا الذهب بالذهب إلا مقول عنده من المتبايعين هاء وهاء وقال الطيبي ومحله النصب على الظرفية والمستثنى منه مقدر يعني بيع الذهب بالذهب ربا في جميع الأزمنة إلا عند الحضور والتقابض قوله والبر بالبر أي وبيع البر بالبر وهكذا يقدر في البواقي
ذكر ما يستفاد منه أجمع المسلمون على تحريم الربا في هذه الأشياء الأربعة التي ذكرت في حديث عمر رضي الله تعالى عنه وشيئان آخران وهما الفضة والملح فهذه الأشياء الستة مجمع عليها واختلفوا فيما سواها فذهب أهل الظاهر ومسروق وطاووس والشعبي وقتادة وعثمان البتي فيما ذكره الماوردي إلى أنه يتوقف التحريم عليها وقال سائر العلماء بل يتعدى إلى ما في معناها فأما الذهب والفضة والعلة فيهما عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه الوزن في جنس واحد فالحق بهما كل موزون وعند الشافعي العلة فيهما جنس الأثمان وأما الأربعة الباقية ففيها عشرة مذاهب الأول مذهب أهل الظاهر أنه لا ربا في غير الأجناس الستة الثاني ذهب أبو بكر الأصم إلى أن العلة فيها كونها منتفعا بها فيحرم التفاضل في كل ما ينتفع به حكاه عنه القاضي حسين الثالث مذهب ابن سيرين وأبي بكر الأودي الشافعي أن العلة الجنسية فحرم كل شيء بيع بجنسه كالتراب بالتراب متفاضلا والثوب بالثوبين والشاة بالشاتين الرابع مذهب الحسن بن أبي الحسن أن العلة المنفعة في الجنس فيجوز عنده بيع ثوب قيمته دينار بثوبين قيمتهما دينار ويحرم عنده بيع ثوب قيمته دينار بثوب قيمته ديناران الخامس مذهب سعيد بن جبير أن العلة تفاوت المنفعة في الجنس فيحرم التفاضل في الحنطة بالشعير لتفاوت منافعهما وكذلك الباقلاء بالحمص والدخن بالذرة السادس مذهب ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن العلة كونه جنسا تجب فيه الزكاة ويحرم الربا في جنس تجب فيه الزكاة من المواشي والزروع وغيرهما ونفاه عما لا زكاة فيه السابع مذهب مالك كونه مقتاتا مدخرا فحرم الربا في كل ما كان قوتا مدخرا ونفاه عما ليس بقوت كالفواكه وعما هو قوت لا يدخر كاللحم الثامن مذهب أبي حنيفة أن العلة الكيل مع جنس أو الوزن مع جنس فحرم الربا في كل مكيل وإن لم يؤكل كالجص والنورة والأشنان ونفاه عما لا يكال ولا يوزن وإن كان مأكولا كالسفرجل والرمان التاسع مذهب سعيد بن المسيب وهو قول الشافعي في القديم أن العلة كونه مطعوما يكال أو يوزن فحرمه في كل مطعوم يكال أو يوزن

(11/252)


ونفاه عما سواه وهو كل ما لا يؤكل ولا يشرب أو يؤكل ولا يوزن كالسفرجل والبطيخ العاشر أن العلة كونه مطعوما فقط سواء كان مكيلا أو موزونا أم لا ولا ربا فيما سوى المطعوم غير الذهب والفضة وهو مذهب الشافعي في الجديد وفي ( شرح المهذب ) وهو مذهب أحمد وابن المنذر
قلت مذهب مالك في الموطأ أن العلة هي الإدخار للأكل غالبا وإليه ذهب ابن نافع وفي ( التمهيد ) قال مالك فلا تجوز في الفواكه التي تيبس وتدخر إلا مثلا بمثل يدا بيد إذا كانت من صنف واحد ويجيء على ما روى عن مالك أن العلة الإدخار للاقتيات أن لا يجرى الربا في الفواكه التي تيبس لأنها ليست بمقتات ولا يجري الربا في البيض لأنها وإن كانت مقتاتة فليست بمدخرة وذكر صاحب ( الجواهر ) ينقسم ما يطعم إلى ثلاثة أقسام إحداها ما اتفق على أنه طعام يجري فيه حكم الربا كالفواكه والخضر والبقول والزروع التي تؤكل غداء أو يعتصر منها ما يتغدى من الزيت كحب القرطم وزريعة الفجل الحمراء وما أشبه ذلك والثاني ما اتفق على أنه ليس بغداء بل هو دواء وذلك كالبر والزعفران والشاهترج وما يشبهها والثالث ما اختلف فيه للاختلاف في أحواله وعادات الناس فيه فمنه الطلع والبلح الصغير ومنه التوابل كالفلفل والكزبرة وما في معناها من الكمونين والزاريانج والأنيسون ففي إلحاق كل واحد منها بالطعام قولان ومنها الحلبة وفي إلحاقها بالطعام ثلاثة أقوال مفرق في الثالث فيلحق به الخضراء دون اليابسة ومنها الماء العذب قيل بإلحاقه بالطعام لما كان مما يتطعم وبه قوام الأجسام وقيل يمنع إلحاقه لأنه مشروب وليس بمطعوم وأما العلة في تحريم الربا في النقدين الثمنية وهل المعتبر في ذلك كونهما ثمنين في كل الأمصار أو جلها وفي كل الأعصار فتكون العلة بحسب ذلك قاصرة عليها أو المعتبر مطلق الثمنية فتكون متعدية إلى غيرهما في ذلك خلاف يبنى عليه الخلاف في جريان الربا في الفلوس إذا بيع بعضها ببعض أو بذهب أو بورق وفي ( الروضة ) والمراد بالمطعوم ما يعد للطعم غالبا تقوتا أو تأدما أو تفكها أو غيرها فيدخل فيه الفواكه والحبوب والبقول والتوابل وغيرها وسواء ما أكل نادرا كالبلوط والطرثوب وما أكل غالبا وما أكل وحده أو مع غيره ويجري الربا في الزعفران على الأصح وسواء أكل للتداوي كالاهليلج والبليلج والسقمونيا وغيرها وما أكل لغرض آخر وفي ( التتمة ) وجه أن ما يقتات كثيره ويستعمل قليله في الأدوية كالسقمونيا لا ربا فيه وهو ضعيف والطين الخراساني ليس ربويا على الأصح ودهن الكتاب والسمك وحب الكتان وماء الورد والعود ليس ربويا على الأصح والزنجبيل والمصطكى ربوي على الأصح والماء إذا صححنا بيعه ربوي على الأصح ولا ربا في الحيوان لكن ما يباح أكله على هيئته كالسمك الصغير على وجه لا يجري فيه الربا في الأصح وأما الذهب والفضية فقيل يثبت فيهما الربا لعينهما لا لعلة وقال الجمهور العلة فيهما صلاحية التمنية الغالية وإن شئت قلت جوهرية الأثمان غالبا والعبارتان تشملان التبر والمضروب والحلي والأواني منهما وفي تعدي الحكم إلى الفلوس إذا أراجت وجه والصحيح أنها لا ربا فيها لانتفاء الثمنية الغالبة ولا يتعدى إلى غير الفلوس من الحديد والرصاص والنحاس وغيرها قطعا انتهى
55 -
( باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الطعام قبل القبض وكلمة أن مصدرية قوله وبيع ما ليس عندك بالجر عطف على بيع الطعام وليس في حديثي الباب بيع ما ليس عندك قاله ابن التين واعترض به ويمكن أن يجاب عنه بأنه استنبط من حديثي الباب أن بيع ما ليس عندك داخل في البيع قبل القبض ولا حاجة إلى ما قاله بعضهم وكأن بيع ما ليس عندك لم يثبت على شرطه فلذلك استنبطه من النص عن البيع قبل القبض وحديث ما ليس عندك رواه أصحاب السنن الأربعة فأبو داود أخرجه عن مسدد عن أبي عوانة وأخرجه الترمذي والنسائي عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه عن بندار والكل أخرجوه عن حكيم بن حزام فلفظ الترمذي سألت رسول الله فقلت يأتيني الرجل فيسألني من المبيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه منه قال لا تبع ما ليس عندك وأخرجت الأربعة أيضا نحوه عن عبد الله بن عمرو

(11/253)


5312 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال الذي ( حفظناه من عمرو بن دينار ) قال سمع ( طاوسا ) يقول سمعت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يقول أما الذي نهى عنه النبي فهو الطعام أن يباع حتى يقبض قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
قوله الذي حفظناه إلى آخره كان سفيان يشير بذلك إلى أن في رواية غير عمرو بن دينار عن طاووس زيادة على ما حدثهم به عمرو بن دينار عنه قوله أما الذي نهى عنه قد علم أن كلمة أما في مثل هذا تقتضي التقسيم ويقدر هنا ما يدل عليه السياق وهو وأما غير ما نهى عنه فلا أظنه إلا مثله في أنه لا يباع أيضا قبل القبض قوله أن يباع قال الكرماني ما محل أن يباع فأجاب رفع بأن يكون بدلا من الطعام ثم قال فإذا أبدل النكرة من المعرفة فلا بد من النعت فأجاب بأن فعل المضارع مع أن معرفة موغلة في التعريف قوله ولا أحسب كل شيء إلا مثله أي إلا مثل الطعام يدل عليه رواية مسلم من طريق معمر عن ابن طاووس عن أبيه وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام وقال الترمذي والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم كرهوا أن يبيع الرجل ما ليس عنده
وقال ابن المنذر قوله وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين أحدهما أن يقول أبيعك عبدا أو دارا وهو غائب في وقت البيع فلا يجوز لاحتمال عدم رضى صاحبه أو أن يتلف وهذا يشبه بيع الغرر والثاني أن يقول أبيع هذه الدار بكذا على أن أشتريها لك من صاحبها أو على أن يسلمها إليك صاحبها وهذا مفسوخ على كل حال لأنه غرر إذ قد يجوز أن لا يقدر على شرائها أو لا يسلمها إليه مالكها وهذا أصح القولين عندي
وقال غيره ومن بيع ما ليس عندك العينة وهي دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بأن يقول أبيعك بالدراهم التي سألتني سلعة وكذا ليست عندي ابتاعها لك فبكم تشتريها مني فوافقه على الثمن ثم يبتاعها ويسلمها إليه فهذه العينة المكروهة وهي بيع ما ليس عندك وبيع ما لم تقبضه فإن وقع هذا البيع فسخ عند مالك في مشهور مذهبه وعند جماعة من العلماء لو قيل للبائع إن أعطيت السلعة ابتاعها منك بما اشتريتها جاز ذلك وكأنك إنما أسلفته الثمن الذي ابتاعها وقد روي عن مالك أنه لا يفسخ البيع لأن المأمور كان ضامنا للسلعة لو هلكت وقال ابن القاسم وأحب إلي أن يتورع عن أخذ ما زاده عليه وقال عيسى بن دينار بل يفسخ البيع إلا أن يفوت السلعة فتكون فيها القيمة وعلى هذا سائر العلما بالحجاز والعراق وقال ابن الأثير ابن عباس كره العينة هو أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها منه فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن فهذه أيضا عينة وهي أهون من الأولى وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة لأن العين هو المال الحاضر من النقد والمشتري إنما يشتري بها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة
6312 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في باب الكيل على البائع فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره وهنا عن عبد الله بن مسلمة القعنبي قوله من ابتاع أي من اشترى قوله فلا يبيعه أي ويروى فلا يبعه بالجزم قوله حتى يستوفيه أي حتى يقبضه
زاد إسماعيل من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه
أي زاد إسماعيل بن أبي أويس في روايته عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال من ابتاع إلى آخره قال

(11/254)


بعضهم يريد به الزيادة في المعنى لأن في قوله حتى يقبضه زيادة في المعنى على قوله حتى يستوفيه لأنه قد يستوفيه بالكيل بأن يكيله البائع ولا يقبضه المشتري بل يحبسه عنده لينقده الثمن مثلا انتهى قلت الأمر الذي ذكره بالعكس لأن لفظ الاستيفاء يشعر بأن له زيادة في المعنى على لفظ الإقباض من حيث إنه إذا أقبض بعضه وحبس بعضه لأجل الثمن يطلق عليه معنى الإقباض في الجملة ولا يقال له استوفاه حتى يقبض الكل بل المراد بهذه الزيادة زيادة رواية أخرى وهو يقبضه لأن الرواية المشهورة حتى يستوفيه
65 -
( باب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله والأدب في ذلك )
أي هذا باب في بيان من إذا اشترى طعاما جزافا إلى آخره قوله جزافا قد مر تفسيره عن قريب ويقال هذا لفظ معرب عن كذا فقوله حتى يؤويه من الإيواء والمراد منه النقل والتحويل إلى المنزل وثلاثيه أوى يأوي وآويت غيري وآويته بالقصر أيضا وأنكر بعضهم المقصور المتعدي وقال الأزهري هي اللغة الفصيحة قوله إلى رحله أي منزله قوله والأدب بالجر أي وفيه بيان الأدب عطفا على قوله فيه بيان من اشترى قوله في ذلك أي في ترك الإيواء ومراده من يبيعه قبل أن يؤويه إلى رحله
7312 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سالم ابن عبد الله ) أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال لقد رأيت الناس في عهد رسول الله يبتاعون جزافا يعني الطعام يضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا الحديث في باب ما يذكر في بيع الطعام بالطعام فإنه أخرجه هناك عن إسحاق ابن إبراهيم عن الليث بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن سالم وهنا أخرجه عن يحيى بن بكير المخزومي المصري عن الليث بن سعد المصري عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن محمد بن شهاب الزهري عن سالم قوله يبتاعون ويروى يتبايعون
75 -
( باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اشترى شخص متاعا أو اشترى دابة فوضعه عند المتاع أي البائع أو مات البائع قبل أن يقبض المبيع وجواب إذا محذوف ولم يذكره لمكان الاختلاف فيه قال ابن بطال اختلف العلماء في هلاك المبيع قبل القبض فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن ضمانه إن تلف من البائع وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور من المشتري وأما مالك ففرق بين الثياب والحيوان فقال ما كان من الثياب والطعام فهلك قبل القبض فضمانه من البائع وقال ابن القاسم لأنه لا يعرف هلاكه ولا بينة عليه وأما الدواب والحيوان والعقار فمصيبته من المشتري وقال ابن حبيب اختلف العلماء فيمن باع عبدا واحتبسه بالثمن وهلك في يده قبل أن يأتي المشتري بالثمن فكان سعيد بن المسيب وربيعة والليث يقولون هو من البائع وأخذه ابن وهب وكان مالك قد أخذ به أيضا وقال سليمان بن يسار مصيبته من المشتري سواء حبسه البائع بالثمن أم لا ورجع مالك إلى قول سليمان
وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع
أي قال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كلمة ما شرطية فلذلك دخلت الفاء في جوابها وهو قوله فهو من المبتاع وإسناد الإدراك إلى الصفقة مجاز أي ما كان عند العقد غير ميت قوله مجموعا صفة لقوله حيا وأراد به لم يتغير عن حالته قوله من المبتاع أي من المشتري وهذا تعليق وصله الطحاوي والدارقطني من طريق الأوزاعي عن الزهري عن حمزة

(11/255)


ابن عبد الله بن عمر عن أبيه قال ما أدركت الصفقة حيا فهو من مال المبتاع وليس فيه لفظ مجموعا وهذا رواه الطحاوي جوابا عما قالوا إن ابن عمر روى عنه حديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وأنه كان يرى التفرق بالأبدان والدليل عليه أنه كان إذا بايع رجلا شيئا فأراد أن لا يقبله قام فمشى هنيهة قالوا فهذا يدل على أنه كان يرى التفرق بالأبدان وأجاب عنه الطحاوي فقال وقد روي عنه ما يدل على أن رأيه كان في الفرقة بالأقوال وأن المبيع ينتقل بتلك الأقوال من ملك البائع إلى ملك المشتري حتى يهلك من مالك إن هلك وروى حديث حمزة بن عبد الله هذا واعترض عليه بعضهم بقوله وما قاله ليس بلازم وكيف يحتج بأمر محتمل في معارضة أمر مصرح به فابن عمر قد تقدم عنه التصريح بأنه كان يرى الفرقة بالأبدان والمنقول عنه هنا يحتمل أن يكون قبل التفرق بالأبدان ويحتمل أن يكون بعده فحمله على ما بعده أولى جمعا بين حديثيه انتهى قلت هذا ما هو بأول من تصرف بهذا الاعتراض فإن ابن حزم سبقه بهذا ولكن الجواب عن هذا بما يقطع شغبهما هو أن قوله هذا يعارض فعله ذاك صريحا والاحتمال الذي ذكره هذا القائل هنا يحتمل أن يكون هناك أيضا فسقط العمل بالاحتمالات فبقي الفعل والقول والأخذ بالقول أولى لأنه أقوى
8312 - حدثنا ( فروة بن أبي المغراء ) قال أخبرنا ( علي بن مسهر ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت لقل يوم كان يأتي على النبي إلا يأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار فلما أذن له في الخروج إلى المدينة لم يرعنا إلا وقد أتانا ظهرا فخبر به أبو بكر فقال ما جاءنا النبي في هذه الساعة إلا لأمر حدث فلما دخل عليه قال لأبي بكر أخرج من عندك قال يا رسول الله إنما هما ابنتاي يعني عائشة وأسماء قال أشعرت أنه قد اذن لي في الخروج قال الصحبة يا رسول الله قال الصحبة قال يا رسول الله إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج فخذ إحداهما قال قد أخذتها بالثمن
مطابقته للترجمة من حيث إن لها جزأين أما دلالته على الجزء الأول فظاهرة لأنه لما أخذ الناقة من أبي بكر بقوله قد أخذتها بالثمن الذي هو كناية عن البيع تركه عند أبي بكر فهذا يطابق قوله فتركه عند البائع وأما دلالته على الجزء الثاني وهو قوله أو مات قبل أن يقبض فبطريق الإعلام أن حكم الموت قبل القبض حكم الوضع عند البائع قياسا عليه ولكن البخاري لم يجزم بالحكم كما ذكرنا لمكان الاختلاف فيه ولكن تصدير الترجمة بأثر ابن عمر يدل على أن اختياره ما ذهب إليه ابن عمر وهو أن الهالك في الصورة المذكورة من مال المبتاع
ذكر رجاله وهم خمسة الأول فروة بفتح الفاء وسكون الراء ابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء والمد واسم أبي المغراء معديكرب الكندي الثاني علي بن مسهر بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وبالراء قاضي الموصل الثالث هشام بن عروة الرابع أبوه عروة بن الزبير بن العوام الخامس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإخبار كذلك في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وعلي كوفيان وهشام وأبوه مدنيان
وهذا الحديث من أفراده وسيأتي في أول الهجرة مطولا إن شاء الله تعالى
ذكر معناهقوله لقل يوم اللام جواب قسم محذوف وقوله قل فعل ماض وفيه معنى النفي أي ما يأتي يوم عليه إلا يأتي فيه بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله بيت أبي بكر منصوب على المفعولية قوله أحد نصب على الظرفية بتقدير في قوله لم يرعنا بفتح الياء وضم الراء وسكون العين المهملة من الروع وهو الفزع يعني أتانا بغتة وقت الظهر

(11/256)


قوله فخبر به على صيغة المجهول أي خبر بالنبي أبو بكر يعني أخبره مخبر بأنه جاء قوله حدث بفتح الدال قوله أخرج بفتح الهمزة أمر من الإخراج قوله من عندك بفتح الميم مفعول أخرج ويروى ما عندك وكلمة ما عامة تتناول العقلاء وغيرهم قوله الصحبة بالنصب أي أنا أريد أو أطلب الصحبة معك عند الخروج ويجوز الرفع أي مرادي الصحبة أو مطلوبي وكذا لفظة الصحبة الثانية بالنصب أي أنا أريد أو أطلب الصحبة أيضا أو ألزم صحبتك ويجوز بالرفع أي مطلوبي أيضا الصحبة أو الصحبة مبذولة قوله أعددتهما قال ابن التين وقع في رواية للبخاري عددتهما للخروج يعني بدون الهمزة قال صوابه أعددتهما لأنه رباعي قلت قوله رباعي بالنسبة إلى عدد حروفه ولا يقال في مصطلح الصرفيين إلا ثلاثي مزيد فيه
ذكر ما يستفاد منه قال المهلب وجه استدلال البخاري في هذا الباب بحديث عائشة أن قول الرسول لأبي بكر رضي الله تعالى عنه في الناقة قد أخذتها لم يكن أخذا باليد ولا بحيازة شخصها وإنما كان التزامه لابتياعها بالثمن وإخراجها من ملك أبي بكر لأن قوله قد أخذتها يوجب أخذا صحيحا وإخراجا واجبا للناقة من ملك أبي بكر إلى ملك النبي بالثمن الذي يكون عوضا منها فهل يكون التصرف بالمبيع قبل القبض أو الضياع إلا لصاحب الذمة الضامنة لها انتهى قلت وقال بعضهم وليس ما قاله بواضح لأن القصة ما سيقت لبيان ذلك فلذلك اختصر فيها قدر الثمن وصفة العقد فيحمل كل ذلك على أن الراوي اختصره لأنه ليس من غرضه في سياقه وكذلك اختصر صفة القبض فلا يكون فيه حجة في عدم اشتراط القبض انتهى قلت الذي قاله المهلب أوضح ما يكون لأن ترك سوق القصة لبيان ذلك لا يستلزم نفي صحة ما قاله المهلب ولا الاختصار فيها قدر الثمن وصفة العقد ولا الأمر فيه مبني على غرض الراوي في اختصاره الحديث وتقطيعه والعمل على متن الحديث وصحة الاستدلال بألفاظه وقد صرح في الحديث بالأخذ الصحيح لاشترائه بالثمن وهو يوجب الإخراج من ملك البائع إلى ملك المشتري وقد استدل به أبو حنيفة وغيره بأن الافتراق بالكلام لا بالأبدان لأن النبي قال قد أخذتها بالثمن قبل أن يفترقا وتم البيع بينهما فافهم
85 -
( باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك )
أي هذا باب يذكر فيه لا يبيع على بيع أخيه وهو أن يقول في زمن الخيار إفسخ بيعك وأنا أبيعك مثله بأقل منه ويحرم أيضا الشراء بأن يقول للبائع إفسخ وأنا أشتري بأكثر منه قوله ولا يسوم على سوم أخيه وهو السوم على السوم وهو أن يتفق صاحب السلعة والراغب فيها على البيع ولم يعقداه فيقول آخر لصاحبها أنا أشتريها بأكثر أو للراغب أنا أبيعك خيرا منها بأرخص وهذا حرام بعد استقرار الثمن بخلاف ما يباع فيمن يزيد فإنه قبل الاستقرار وقوله لا يبيع نفي وكذلك لا يسوم ويروى لا يبع ولا يسم بصورة النهي قوله حتى يأذن له أي حتى يأذن أخوه للبائع بذلك أو يترك أخوه اتفاقه مع البائع وتقييده بالإذن أو الترك يرجع إلى البيع والسوم جميعا فإن قلت لم يقع ذكر السوم في حديثي الباب قلت قد وقع في بعض طرق هذا الحديث وأن يستام الرجل على سوم أخيه أخرجه في الشروط من حديث أبي هريرة فكأنه أشار بذلك إليه وهذا له وجه لأنه في كتابه أخرجه فيه فإن قلت لم يذكر أيضا شيئا لقوله حتى يأذن له أو يترك قلت ذكر هذا القيد في بعض طرق هذا الحديث وهو ما رواه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث بلفظ لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له فكأنه أشار إليه واكتفى به كذا قيل ولكن هذا بعيد من وجهين أحدهما أنه غير مذكور في كتابه والإشارة إلى ما ذكر في كتاب غيره بعيد والآخر أن الاستثناء في الحديث المذكور يختص بقوله ولا يخطب على خطبة أخيه وإن كان يحتمل أن يكون استثناء من الحكمين
9312 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال لا يبيع بعضكم على بيع أخيه

(11/257)


مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس
والحديث أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن عبد الله بن يوسف عن مالك فرقهما وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن محمد بن حاتم وإسحاق ابن منصور في النهي عن تلقي السلع وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن مالك وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن سويد بن سعيد قوله لا يبيع كذا بإثبات الياء عند الأكثرين بصورة النفي وفي رواية الكشميهني لا يبع بصيغة النهي قوله على بيع أخيه وفي رواية عبد الله بن يوسف عن مالك بلفظ على بيع بعضه وتقييده بأخيه يدل عى أن ذلك يختص بالمسلم وبه قال الأوزاعي وأبو عبيد بن جويرية من الشافعية وأصرح من ذلك ما رواه مسلم من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ لا يسوم المسلم على المسلم وعند الجمهور لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر وذكر الأخ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له وقام الإجماع على كراهة سوم الذمي على مثله وإنما حرم بيع البعض على بعض لأنه يوغر الصدور ويورث الشحناء ولهذا لو أذن له في ذلك ارتفع على الأصح
0412 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( الزهري ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال نهى رسول الله أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها
مطابقته للترجمة في قوله ولا يبيع الرجل على بيع أخيه وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة والزهري هو محمد بن مسلم
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن عمرو الناقد وزهير بن حرب وابن أبي عمر وفي البيوع عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو داود عن أبي الطاهر بن السرح في البيوع ببعضه لا تناجشوا وفي النكاح ببعضه لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه وأخرجه الترمذي عن قتيبة بن سعيد وأحمد بن منيع في البيوع ببعضه لا يبيع حاضر لباد وفي موضع آخر منه ببعضه لا تناجشوا وفي النكاح ببعضه لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يبيع الرجل على بيع أخيه وفيه عن قتيبة وحده ببعضه لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إناثها وأخرجه النسائي في النكاح عن محمد بن منصور وسعيد بن عبد الرحمن بتمامه ولم يذكر السوم وأخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار وسهل بن أبي سهل في النكاح ببعضه لا يخطب الرجل على خطبة أخيه وفي التجارات ببعضه لا تناجشوا وفيه عن هشام بن عمار وحده ببعضه لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه وفيه عن أبي بكر بن أبي شيبة ببعضه لا يبيع حاضر لباد
ذكر معناه قوله لباد البادي هو الذي يكون في البادية مسكنه المضارب والخيام وصورة البيع للبادي أن يقدم غريب من البادية بمتاع ليبيعه بسعر يومه فيقول له بلدي اتركه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى منه وهذا فعل حرام لكن يصح بيعه لأن النهي راجع إلى أمر خارج عن نفس العقد وقيل أن لا يكون الحاضر سمسارا للبدوي وحينئذ يصير أعم ويتناول البيع والشراء قوله ولا تناجشوا هذا عطف على مقدر لأنه لا يصح عطفه على قوله نهى ولا على قوله أن يبيع والتقدير نهى وقال لا تناجشوا و النجش بفتح النون والجيم وفي آخره شين معجمة وفي ( المغرب ) النجش بفتحتين ويروى بسكون الجيم ويقال نجش ينجش نجشا من باب نصر ينصر وفي ( الزاهر ) أصل النجش مدح الشيء وإطراؤه وفي ( الغريبين ) النجش تنفير الناس من الشيء إلى غيره وفي ( الجامع ) أصله من الختل يقال نجش الرجل إذا ختل ويقال أصل النجش الإثارة وسمي الناجش ناجشا لأنه يثير الرغبة في السلعة ويرفع ثمنها قوله ولا يبيع الرجل على بيع أخيه قد فسرناه عن قريب وقال ابن قرقول يأتي كثير من الأحاديث على لفظ الخبر وقد أتى بلفظ النهي وكلاهما صحيح وقال ابن الأثير كثير من روايات هذا الحديث لا يبيع بإثبات الياء والفعل غير مجزوم وذلك لحن وإن صحت الرواية فتكون لا نافية وقد أعطاها معنى النهي لأنه إذا نفى هذا البيع فكأنه استمر عدمه والمراد

(11/258)


من النهي عن الفعل إنما هو طلب إعدامه أو استبقاء عدمه فكان النهي الوارد من الواجب صدقه يفيد ما يراد من النهي قوله ولا يخطب على خطبة أخيه الخطبة بالكسر اسم من خطب يخطب من باب نصر ينصر فهو خاطب وأما الخطبة بالضم فهو من القول والكلام وصورته أن يخطب الرجل المرأة فتركن هي إليه ويتفقا على صداق معلوم ويتراضيا ولم يبق إلا العقد فيجيء آخر ويخطب ويزيد في الصداق ويأتي الكلام فيه عن قريب قوله ولا تسأل بالرفع خبر بمعنى النهي وبالكسر نهي حقيقي ومعناه نهي المرأة الأجنبية أن تسأل الزوج طلاق زوجته لينكحها ويصير لها من نفقته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك بإكفاء ما في الإناء إذا كبته وكفأته وأكفأته إذا أملته وقال التيمي هذا مثل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها قوله لتكفأ بفتح الفاء كذا في رواية أبي الحسن وقال ابن التين وهو ما سمعناه ووقع في بعض رواياته كسر الفاء وقال ابن قرقول ويروى لتكفىء وتستكفيء ما في صحفتها أي تقلبه لتفرغه من خير زوجها لطلاقه إياها وقد تسهل الهمزة وذكر الهروي الحديث لتكتفي تفتعل من كفأت الإناء إذا كببته ليفرغ ما فيها وقيل صورته أن يخطب الرجل المرأة وله امرأة فتشترط عليه طلاق الأولى لتنفرد به قال النووي المراد بأختها غيرهما سواء كانت أختها في النسب أو الإسلام أو كافرة
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه
الأول بيع الحاضر للبادي إنما نهى عنه لأن فيه التضييق على الناس وأهل الحاضرة أفضل لإقامتهم الجماعات وعلمهم وغير ذلك واختلف في أهل القرى هل هم مرادون بهذا الحديث فقال مالك إن كانوا يعرفون الأثمان فلا بأس به وإن كانوا يشبهون أهل البادية فلا يباع ولا يشار عليهم وقال شيخنا لا يلزم من النهي عن البيع تحريم الإشارة عليه إذا استشاره وهو قول الأوزاعي قال وقد أمر بنصحه في بعض طرق هذا الحديث وهو قوله إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له وحكى الرافعي عن أبي الطيب وأبي إسحاق المروزي أنه يجب عليه إرشاده إليه بذلا للنصيحة وعن أبي حفص بن الوكيل أنه لا يرشده توسعا على الناس ونقل مثله عن مالك بل حكى ابن العربي عنه أنه لو سأله عن السعر لا يخبره به لحق أهل الحضر ثم ظاهر الحديث تحريم بيع الحاضر للبادي سواء كان الحضري هو الذي التمس ذلك من البدوي أو كان البدوي هو الذي سأله الحضري في ذلك وجزم الرافعي بأنه إنما يحرم إذا ابتدأ الحضري لسؤال ذلك وفيه نظر لخروجه عن ظاهر الحديث وخصص بعض أصحاب الشافعي تحريم بيع الحاضر للبادي بما إذا تربص الحاضر بسلعة البادي ليغالي في ثمنها فأما إذا باعها الحضري للبادي بسعر يومه فلا بأس به قلت في التقييد بذلك مخالفة لظاهر الحديث ولفهم راوي الحديث وهو ابن عباس إذا سئل عن ذلك فقال لا يكون له سمسارا فلم يفرق بين أن يبيع له في ذلك اليوم بسعر يومه أو يتربص به ليزداد ثمنه وظاهر الحديث أيضا تحريم بيع الحاضر للبادي سواء كان البادي يريد بيعه في يومه أو يريد الإقامة والتربص بسلعته وحمل الرافعي النهي على الصورة الأولى فقال فيما إذا قصد البدوي الإقامة في البلد ليبيعه على التدريج فسأله تفويضه إليه فلا بأس به لأنه لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك عنه لما فيه من الإضرار له وفي الحديث حجة لمن ذهب إلى تحريم بيع الحاضر للبادي وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو قول مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وحكى مجاهد جوازه وهو قول أبي حنيفة وآخرين وقالوا إن النهي منسوخ ثم اختلفوا هل يقتضي النهي الفساد أم لا فذهب مالك وأحمد إلى أنه لا يصح بيع الحاضر للبادي وذهب الشافعي والجمهور إلى أنه يصح وإن حرم تعاطيه وفيه حجة لمن ذهب إلى تعميم التحريم في بيع الحاضر للبادي سواء كان البلد كبيرا بحيث لا يظهر لنا خير الحضري متاع البدوي فيه تأثير أو صغير أو سواء كان متاع البادي كثيرا أو قليلا لا يوسع على أهل البلد لو باعه البادي بنفسه وسواء كان ذلك المتاع يعم وجوده أم يعز وسواء رخص سعر ذلك المتاع أم غلى وحمل البغوي في ( التهذيب ) النهي فيه على ما تعم الحاجة إليه سواء فيه المطعومات وغيرها كالصوف وغيره أما ما لا تعم الحاجة إليه كالأشياء النادرة فلا يدخل تحت النهي وفيه نظر لا يخفى وفي ( التوضيح ) فإن فعل وباع هل يؤدب قال ابن القاسم نعم إعتاده وقال ابن وهب يزجر عالما أو جاهلا ولا يؤدب
الثاني من الوجوه في النجش ولا خيار فيه إذا وقع خلافا لمالك

(11/259)


وابن حبيب وعن مالك إنما له الخيار إذا علم وهو عيب من العيوب كما في المصراة وعن ابن حبيب لا خيار إذا لم يكن للبائع مواطأة وقال أهل الظاهر البيع باطل مردود على بائعه إذا ثبت ذلك عليه
الثالث البيع على بيع أخيه وقد بينا صورته في أول الباب وهذا محله عند التراكن والاقتراب فأما البيع والشراء فيمن يزيد فلا بأس فيه في الزيادة على زيادة أخيه وذلك لما رواه الترمذي من حديث أنس أن رسول الله باع حلسا وقدحا وقال من يشتري هذا الحلس والقدح فقال رجل أخذتهما بدرهم فقال النبي من يزيد على درهم فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه وأخرجه بقية الأربعة وهو قول مالك والشافعي وجمهور أهل العلم وكره بعض أهل العلم الزيادة على زيادة أخيه ولم يروا صحة هذا الحديث وضعفه الأزدي بالأخضر بن عجلان في سنده وحجة الجمهور على تقدير عدم الثبوت أنه لو ساوم وأراد شراء سلعته وأعطى فيها ثمنا لم يرض به صاحب السلعة ولم يركن إليه ليبيعه فإنه يجوز لغيره طلب شرائها قطعا ولا يقول أحد إنه يحرم السوم بعد ذلك قطعا كالخطبة على خطبة أخيه إذا رد الخاطب الأول لأنه لا فرق بين الموضعين وذكر الترمذي عن بعض أهل العلم جواز ذلك يعني بيع من يزيد في الغنائم والمواريث قال ابن العربي الباب واحد والمعنى مشترك لا تختص به غنيمة ولا ميراث قلت روى الدارقطني من رواية ابن لهيعة قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال نهى رسول الله عن بيع المزايدة ولا يبع أحدكم على بيع أخيه إلا الغنائم والمواريث ثم رواه من طريقين آخرين أحدهما عن الواقدي بمثله وقال شيخنا رحمه الله والظاهر أن الحديث خرج على الغالب وعلى ما كانوا يعتادون فيه مزايدة وهي غنائم والمواريث فإنه وقع البيع في غيرهما مزايدة فالمعنى واحد كما قاله ابن العربي
الرابع لا يخطب على خطبة أخيه هذا إنما يحرم إذا حصل التراضي صريحا فإن لم يصرح ولكن جرى ما يدل على التراضي كالمشاورة والسكوت عند الخطبة فالأصح أن لا تحريم وقال بعض المالكية لا يحرم حتى يرضوا بالزوج ويسمى المهر واستدل بفاطمة بنت قيس خطبني أبو جهم ومعاوية فلم ينكر الشارع ذلك بل خطبها لأسامة وقد يقال لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول وأما الشارع فأشار لأسامة لأنه خطب ولم يعلم أنها رضيت بواحد منهما ولو أخبرته لم يشر عليها وقال القرطبي اختلف أصحابنا في التراكن فقيل هو مجرد الرضى بالزوج والميل إليه وقيل تسمية الصداق وزعم الطبري أن النهي فيها منسوخ بخطبته عليه الصلاة و السلام فاطمة بنت قيس لأسامة
الخامس لا تسأل المرأة إلى آخره وقد ذكرناه
95 -
( باب بيع المزايدة )
أي هذا باب في بيان حكم بيع المزايدة وهي على وزن مفاعلة تقتضي التشارك في أصل الفعل بين اثنين ولم يصرح بالحكم اكتفاء بما ذكره في الباب
وقال عطاء أدركت الناس لا يرون بأسا فيمن يزيد ببيع المغانم
هذا يوضح ما في الترجمة من الإبهام وهو وجه مطابقة الأثر بالترجمة أيضا وقد وصل هذا التعليق أبو بكر ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عمن سمع مجاهدا وعطاء قالا لا بأس ببيع من يزيد وهذا أعم من تقييد البخاري ببيع المغانم وقد ذكرنا في الباب السابق ما فيه الكفاية
1412 - حدثنا ( بشر بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( الحسين المكتب ) عن ( عطاء بن أبي رباح ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله من يشتريه مني فعرضه للزيادة ليستقصي فيه للمفلس الذي باعه عليه وبهذا

(11/260)


يرد على الإسماعيلي في قوله ليس في قصة المدبر بيع المزايدة فإن بيع المزايدة أن يعطي به واحد ثمنا ثم يعطي به غيره زيادة عليها
ذكر رجاله وهم خمسة الأول بشر بكسر الباء الموحدة ابن محمد أبو محمد الثاني عبد الله بن المبارك الثالث الحسين بن ذكوان المعلم المكتب بلفظ اسم الفاعل من التكتيب وقال الكرماني من الاكتاب وليس كذلك الرابع عطاء الخامس جابر بن عبد الله
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وعبد الله مروزيان وأن الحسين بصري وعطاء مكي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الاستقراض عن مسدد وأخرجه مسلم من طرق كثيرة وأخرج من حديث عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره فبلغ ذلك النبي فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه قال عمرو سمعت جابر بن عبدالله يقول عبدا قبطيا مات عام أول وفي لفظ له في إمارة ابن الزبير وأخرجه أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم عن عبدالملك بن أبي سليمان عن عطاء وإسماعيل بن أبي خالد عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن رجلا اعتق غلاما له عن دبر منه ولم يكن له مال غيره فأمر به رسول الله فبيع بسبعمائة أو تسعمائة وفي لفظ له قال يعني النبي أنت أحق بثمنه والله أغنى عنه وأخرجه الترمذي من حديث عمرو بن دينار عن جابر أن رجلا من الأنصار دبر غلاما له فمات ولم يترك مالا غيره فباعه النبي فاشتراه نعيم ابن النحام الحديث وأخرجه النسائي من طرق كثيرة فمن طريق أبي الزبير عن جابر أن رجلا من الأنصار يقال له أبو مذكور أعتق غلاما له عن دبر يقال له يعقوب لم يكن له مال غيره فدعا به رسول الله فقال من يشتريه فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه وأخرجه ابن ماجه من حديث عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال دبر رجل منا غلاما ولم يكن له مال غيره فباعه النبي فاشتراه ابن النحام رجل من بني عدي
ذكر معناه قوله أن رجلا هذا الرجل من الأنصار كما قال في رواية لمسلم أعتق رجل من بني عذرة يقال له أبو مذكور وكذا وقع بكنيته عند مسلم وأبي داود والنسائي وقال الذهبي في ( تجريد الصحابة ) في باب الكنى أبو مذكور الصحابي أعتق غلاما له عن ذبر قوله غلاما له واسمه يعقوب كما ذكرناه عن النسائي الآن وكذا ذكره في رواية لمسلم وأبي داود قوله عن دبر بأن قال أنت حر بعد موتي قوله نعيم بن عبد الله نعيم بضم النون تصغير النعم ابن عبد الله النحام بفتح النون وتشديد الحاء المهملة العدوي القرشي ووصف بالنحام لأن النبي قال دخلت الجنة فسمعت نحمة نعيم فيها والنحمة السعلة أسلم قديما وأقام بمكة إلى قبيل الفتح وكان يمنعه قومه من الهجرة لشرفه فيهم لأنه ان ينفق عليهم فقالوا أقم عندنا على أي دين شئت ولما قدم المدينة اعتنقه رسول الله ت وقبله واستشهد يوم اليرموك سنة خمس عشرة وقيل استشهد يوم أجنادين في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه سنة ثلاث عشرة وعرفت مما ذكرناه أن النحام صفة لنعيم ووقع للبخاري في باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل عقيب باب الاستقراض فابتاعه منه نعيم بن النحام وكذا في رواية الترمذي فاشتراه نعيم بن النحام وكذا وقع في ( مسند ) أحمد والصواب نعيم بن عبد الله كما وقع ههنا وفي رواية مسلم وزيادة ابن خطأ من بعض الرواة فإن النحام صفة لنعيم لا لأبيإ كما ذكرناوفي رواية الترمذي ( فمات ولم يتركمالا غيره ) وهذا مما نسب به سفيان بن عيينة إلى الخطأ أعني قوله فمات ولم يكن سيده مات كما هو مصرح به في الأحاديث الصحيحة وقد بين الشافعي خطأ ابن عيينة فيها بعد أن رواه عنه وقال البيهقي من طريق شريك عن سلمة بن كهيل عن عطاء وأبي الزبير عن جابر أن رجلا مات وترك مدبرا ودينا ثم قال البيهقي وقد أجمعوا على خطأ شريك في ذلك وقال شيخنا وقد رواه الأوزاعي وحسين المعلم وعبد المجيد بن سهيل كلهم عن عطاء لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة بل صرحوا بخلافها قوله بكذا وكذا وقد بينه مسلم في روايته بثمانمائة درهم وفي

(11/261)


رواية أبي داود بسبعمائة أو تسعمائة قوله فدفعه إليه أي فدفع النبي الثمن الذي بيع به المدبر المذكور إليه أي إلى الرجل المذكور وهو نعيم بن عبد الله
ذكر ما يستفاد منه ولما روى الترمذي حديث جابر قال والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم لم يروا ببيع المدبر بأسا وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وكره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي بيع المدبر وهو قول سفيان الثوري ومالك والأوزاعي وفي ( التلويح اختلف العلماء هل المدبر يباع أم لا فذهب أبو حنيفة ومالك وجماعة من أهل الكوفة إلى أنه ليس للسيد أن يبيع مدبره وأجازه الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وأهل الظاهر وهو قول عائشة ومجاهد والحسن وطاووس وكرهه ابن عمر وزيد بن ثابت ومحمد بن سيرين وابن المسيب والزهري والشعبي والنخعي وابن أبي ليلى والليث بن سعد وعن الأوزاعي لا يباع إلا من رجل يريد عتقه وجوز أحمد بيعه بشرط أن يكون على السيد دين وعن مالك يجوز بيعه عند الموت ولا يجوز في حال الحياة وكذا ذكره ابن الجوزي عنه وحكى مالك إجماع أهل المدينة على بيع المدبر أو هبته
وعند أئمتنا الحنفية المدبر على نوعين مدبر مطلق نحو ما إذا قال لعبده إذا مت فأنت حر أو أنت حر يوم أموت أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر أو دبرتك فحكم هذا أنه لا يباع ولا يوهب ويستخدم ويؤجر وتوطؤ المدبرة وتنكح وبموت المولى يعتق المدبر من ثلث ماله ويسعى في ثلثيه أي ثلثي قيمته إن كان المولى فقيرا ولم يكن له مال غيره ويسعى في كل قيمته لو كان مديونا بدين مستغرق جميع ماله
النوع الثاني مدبر مقيد نحو قوله إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا فأنت حر أو قال إن مت إلى عشر سنين أو بعد موت فلان ويعتق إن وجد الشرط وإلا فيجوز بيعه
واحتجوا في عدم جواز بيع المدبر المطلق بما رواه الدارقطني من رواية عبيدة بن حسان رضي الله تعالى عنهما عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من الثلث فإن قلت قال الدارقطني لم يسنده غير عبيدة بن حسان وهو ضعيف وإنما هو عن ابن عمر من قوله وروى الدارقطني أيضا عن علي بن ظبيان حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وغير ابن ظبيان يرويه موقوفا وعلي بن ظبيان ضعيف قلت احتج بهذا الحديث الكرخي والطحاوي والرازي وغيرهم وهم أساطين في الحديث وقال أبو الوليد الباجي إن عمر رضي الله تعالى عنه رد بيع المدبرة في ملأ خير القرون وهم حضور متوافرون وهو إجماع منهم أن بيع المدبر لا يجوز
والجواب عن حديث جابر من وجوه الأول قال ابن بطال لا حجة فيه لأن في الحديث أن سيده كان عليه دين فثبت أن بيعه كان لذلك الثاني أنها قضية عين تحتمل التأويل وتأوله بعض المالكية على أنه لم يكن له مال غيره فرد تصرفه الثالث أنه يحتمل أنه باع منفعته بأن أجره والإجارة تسمى بيعا بلغة أهل اليمن لأن فيها بيع المنفعة ويؤيده ما ذكره ابن حزم فقال وروي عن أبي جعفر محمد بن علي عن النبي مرسلا أنه باع خدمة المدبر وقال ابن سيرين لا بأس ببيع خدمة المدبر وكذا قاله ابن المسيب وذكر أبو الوليد عن جابر أنه باع خدمة المدبر الرابع أن سيد المدبر الذي باعه النبي كان سفيها فلهذا تولى النبي بيعه بنفسه وبيع المدبر عند من يجوزه لا يفتقر فيه إلى بيع الإمام الخامس يحتمل أنه باعه في وقت كان يباع الحر المديون كما روي أنه باع حرا بدينه ثم نسخ بقوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ( البقرة 082 )
06 -
( باب النجش )
أي هذا باب في بيان حكم النجش بفتح النون وسكون الجيم وفتحها وقد مر الكلام فيه في قوله ولا تتناجشوا في باب لا يبيع على بيع أخيه
ومن قال لا يجوز ذلك البيع

(11/262)


أي وباب في بيان من قال لا يجوز عطفا على باب النجش وقوله ذلك إشارة إلى البيع الذي وقع بالنجش واختلفوا فيه فنقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطأة البائع وصنيعه والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعي قياسا على المصراة والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم وهو قول الحنفية
وقال ابن أبي أوفى الناجش آكل ربا خائن
ابن أبي أوفى هو عبد الله بن أبي أوفى واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث أبو إبراهيم وقيل أبو محمد وقيل أبو معاوية أخو زيد بن أبي أوفى لهما ولأبيهما صحبة وهو من جملة من رآه أبو حنيفة وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة وهذا طرف من حديث أورده البخاري في الشهادات في باب قول الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( آل عمران 77 ) ثم ساق فيه من طريق يزيد بن هارون عن السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى قال أقام رجل سلعته فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط فنزلت قال ابن أبي أوفى الناجش آكل ربا خائن وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن ابن أبي أوفى مرفوعا لكن قال ملعون بدل خائن قوله الناجش اسم فاعل من نجش وقد مر تفسيره قوله آكل ربا قال الكرماني أي كآكل الربا قلت مراده المبالغة في كونه عاصيا مع علمه بالنهي كما أن آكل الربا عاص مع علمه بحرمة الربا ويروى آكل الربا بالألف واللام قوله خائن خبر بعد خبر وخيانته في كونه غاشا خادعا
وهو خداع باطل لا يحل
هذا من كلام البخاري أي النجش خداع أي مخادعة لأنه مشارك لمن يزيد في السلعة وهو لا يريد أن يشتريها بغرور الغير وخداعه قوله باطل غير حق لا يفيد شيئا أصلا لا يحل فعله
قال النبي الخديعة في النار
هذا التعليق رواه ابن عدي في ( الكامل ) من حديث قيس بن سعد بن عبادة لولا أني سمعت رسول الله يقول المكر والخديعة في النار لكنت من أمكر الناس ورواه أبو داود بسند لا بأس به قوله الخديعة في النار أي صاحب الخديعة في النار ويحتمل أن يكون فعيلا بمعنى الفاعل والتاء للمبالغة نحو رجل علامة
ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
أي قال من عمل الحديث وهذا يأتي موصولا من حديث عائشة في كتاب الصلح قوله أمرنا أي شرعنا الذي نحن عليه قوله فهو رد أي مردود عليه فلا يقبل منه
2412 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى النبي عن النجش ( الحديث 2412 - طرفه في 3696 )
قد مر تفسير النجش وما فيه من أقوال العلماء والحديث أخرجه البخاري أيضا في ترك الحيل عن قتيبة وأخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن مصعب بن عبد الله الزبيري وأبي حذافة أحمد بن إسماعيل قال أبو عمر رواه أبو سعيد إسماعيل بن محمد قاضي المدائن عن يحيى بن موسى البلخي أنبأنا عبد الله بن نافع عن مالك عن نافع عن ابن عمر نهى رسول الله عن التخيير والتخيير أن يمدح الرجل السلعة بما ليس فيها هكذا قال التخيير وفسره ولم يتابع على هذا اللفظ والمعروف النجش
16 -
( باب بيع الغرر وحبل الحبلة )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الغرر وبيان حكم بيع حبل الحبلة الغرر بفتح الغين المعجمة وبراءين أولاهما مفتوحة

(11/263)


وهو في الأصل الخطر من غر يغر بالكسر والخطر هو الذي لا يدري أيكون أم لا وقال ابن عرفة الغرر هو ما كان ظاهره يغر وباطنه مجهول ومنه سمي الشيطان غرورا لأنه يحمل على محاب النفس ووراء ذلك ما يسوء قال والغرور ما رأيت له ظاهر تحبه وباطنه مكروه أو مجهول وقال الأزهري بيع الغرر ما يكون على غير عهدة ولاثقة قال ويدخل فيها البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان وقال صاحب ( المشارق ) بيع الغرر بيع المخاطرة وهو الجهل بالثمن أو المثمن أو سلامته أو أجله
وقال أبو عمر بيع يجمع وجوها كثيرة منها المجهول كله في الثمن أو المثمن إذا لم يوقف على حقيقة جملته ومنها بيع الآبق والجمل الشارد والحيتان في الآجام والطائر غير الداجن قال والقمار كله من بيع الغرر وحكى الترمذي عن الشافعي أن بيع السمك في الماء من بيوع الغرر وبيع الطير في السماء والعبد الآبق وقال شيخنا ما حكاه الترمذي عن الشافعي من أن بيع السمك في الماء من بيوع الغرر وهو فيما إذا كان السمك في ماء كثير بحيث لا يمكن تحصيله منه وكذا إذا كان يمكن تحصيله ولكن بمشقة شديدة وأما إذا كان في ماء يسير بحيث يمكن تحصيله منه بغير مشقة فإنه يصح لأنه مقدور على تحصيله وتسليمه وهذا كله إذا كان مرئيا في الماء القليل بأن يكون الماء صافيا فأما إذا لم يكن مرئيا بأن يكون كدرا فإنه لا يصح بلا خلاف كما قاله النووي والرافعي قلت بيع الآبق يصح إذا كان البائع والمشتري يعرفان موضعه كذا قاله أصحابنا وقال شيخنا يدخل في بيع الطير في السماء بيع حمام البرج في حال طيرانه وإن جرت عادته بالرجوع لأنه يجوز أن لا يرجع وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى صحة البيع لجريان العادة برجوعه وأما إذا كان في البرج فحكمه حكم بيع السمك في الماء اليسير فإن كان فيه كوى مفتوحة لا يؤمن خروجه لم يصح وإن لم يمكنه الخروج ولكن كان البرج كبيرا بحيث يحصل التعب والمشقة في تحصيله لم يصح أيضا قال وفرق الأصحاب بين بيع الحمام في حال غيبته عن البرج وبين بيع النحل في حال غيبته عن الكوارة فصححوا المنع في حمام البرج وصححوا الصحة في بيع النحل والفرق بينهما أن الطير تعترضه الجوارح في خروجه بخلاف النحل وقيد ابن الرفعة في المطلب صحة بيع النحل فيما إذا كانت أم النحل في الكوارة فإذا لم تكن لا يصح
فإن قلت لم يذكر في الباب بيع الغرر صريحا وذكره في الترجمة لماذا قلت لما كان في حديث الباب النهي عن بيع حبل الحبلة وهو نوع من أنواع بيع الغرر ذكر الغرر الذي هو عام ثم عطف عليه حبل الحبلة من عطف الخاص على العام لينبه بذلك على أن أنواع الغرر كثيرة وإن لم يذكر منها إلا حبل الحبلة من باب التنبيه بنوع ممنوع مخصوص معلول بعلة على كل نوع توجد فيه تلك العلة
وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن بيع الغرر منها ما رواه مسلم في ( صحيحه ) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال نهى رسول الله عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر وأخرجه الأربعة أيضا ومنها حديث ابن عمر رواه البيهقي من حديث نافع عنه قال نهى رسول الله عن بيع الغرر ومنها حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجه ابن ماجه من حديث عطاء عنه قال نهى رسول الله عن بيع الغرر ومنها حديث أبي سعيد أخرجه ابن ماجه أيضا من حديث شهر بن حوشب عنه قال نهى رسول الله عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعما في ضروعها إلا بكيل وعن شراء العبد وهو آبق وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شراء الصدقات حتى تقبض وعن ضربة القانص ومنها حديث علي رضي الله تعالى عنه أخرجه أبو داود وفيه قد نهى النبي عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع التمرة قبل أن تدرك ومنها حديث ابن مسعود أخرجه أحمد عنه قال قال رسول الله لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر ومنها حديث عمران بن الحصين رضي الله تعالى عنه أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب البيوع أن النبي نهى عن بيع ما في ضروع الماشية قبل أن تحلب وعن بيع الجنين في بطون الأنعام وعن بيع السمك في الماء وعن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة وعن بيع الغرر
93 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي

(11/264)


الله عنهما أن رسول الله نهى عن بيع حبل الحبلة )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة بل هي جزء من الحديث والحديث أخرجه أبو داود في البيوع أيضا عن القعنبي عن مالك وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك وليس التفسير في حديث القعنبي قوله حبل الحبلة بفتح الباء الموحدة فيهما وحكى النووي إسكان الباء في الأول وهو غلط والصواب الفتح وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها وينتج الذي في بطنها فسر ذلك نافع وذكر ابن السكيت وأبو عبيد أن الحبل مختص بالآدميات وإنما يقال في غيرهن الحمل قال ابن السكيت إلا في حديث نهى عن بيع حبل الحبلة وذلك أن تكون الإبل حوامل فيبيع حبل ذلك الحبل وفي المحكم كل ذات ظفر حبلى قال الشاعر
أو ذيخة حبلى مجح مقرب
( قلت ) الذيخ بكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ذكر الضباع والأنثى ذيخة قوله مجح بضم الميم وكسر الجيم وفي آخره حاء مهملة مشددة قال أبو زيد قيس كلها تقول لكل سبعة إذا حملت فأقربت وعظم بطنها قد أجحت فهي مجح والمقرب بكسر الراء إذا قربت ولادتها وقال ابن دريد يقال لكل أنثى من الإنس وغيرهم حبلت وكذا ذكره الهروي والأخفش في نوادرهما وفي الجامع امرأة حبلى وسنور حبلى وأنشد
إن في دارنا ثلاث حبالى
فوددنا لو قد وضعن جميعا
جارتي ثم هرتي ثم شاتي
فإذا ما وضعن كن ربيعا
جارتي للمخيض والهر للفار
وشاتي إذا اشتهيت مجيعا
وحكاه في الموعب عن صاحب العين والكسائي وهذا يرد قول النووي اتفق أهل اللغة أن الحبل مختص بالآدميات وفي الغريبين أن الحبل يراد به ما في بطون النوق أدخلت فيها الهاء للمبالغة كما تقول نكحة وسخرة وقال صاحب مجمع الغرائب ليس الهاء في الحبلة على قياس نكحة ولا مبالغة ههنا في المعنى ولعل الهروي طلب لزيادة الهاء وجها فأطلق ذلك من غير تثبت وفي المغرب حبل الحبلة مصدر حبلت المرأة وإنما أدخلت التاء لإشعار الأنوثة لأن معناه أن يبيع ما سوف تحمله الجنين إن كان أنثى وقال بعضهم الحبلة جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء للمبالغة قلت ليس كذلك وقد قال ابن الأثير الحبلة بالتحريك مصدر سمي به المحمول كما سمي بالحمل وإنما دخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه فالحبل الأول يرد به ما في بطون النوق من الحمل والثاني حبل الذي في بطون النوق
( ويستفاد منه ) أنه من بيع الغرر فلا يجوز قال النووي النهي عن بيع الغرر أصل من أصول البيع فيدخل تحته مسائل كثيرة جدا قلت وقد ذكرنا أنواعا من ذلك عن قريب قال ومن بيوع الغرر ما اعتاده الناس من الاستجرار من الأسواق بالأوراق مثلا فإنه لا يصح لأن الثمن ليس حاضرا فيكون من المعاطاة ولم توجد صيغة يصح بها العقد قلت هذا الذي ذكره لا يعمل به لأن فيه مشقة كثيرة على الناس وحضور الثمن ليس بشرط لصحة العقد وبيع المعاطاة صحيح وجميع الناس اليوم في الأسواق بالمعاطاة يأتي رجل إلى بايع فيشتري منه جملة قماش بثمن معين فيدفع الثمن ويأخذ المبيع من غير أن يوجد لفظ بعت واشتريت فإذا حكمنا بفساد هذا العقد يحصل فساد كثير في معاملات الناس وروى الطبري عن ابن سيرين بإسناد صحيح قال لا أعلم ببيع الغرر بأسا وقال ابن بطال لعله لم يبلغه النهي وإلا فكل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد لم يصح وكذلك إذا كان لا يصح غالبا فإن كان يصح غالبا كالثمرة في أول بدو صلاحها أو كان يسيرا تبعا كالحمل مع الحامل جاز لقلة الغرر ولعل هذا هو الذي أراد ابن سيرين لكن يمنع من ذلك ما رواه ابن المنذر عنه أنه قال لا بأس ببيع العبد الآبق إذا كان علمهما فيه واحد فهذا يدل على أنه بيع الغرر إن سلم في المآل
( وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها )
أي كان بيع حبل الحبلة بيعا يتبايعه أهل الجاهلية قوله كان الرجل إلى آخره بيان لقوله وكان بيعا قوله يبتاع

(11/265)


الجزور بفتح الجيم وهو واحد الإبل يقع على الذكر والأنثى ( فإن قلت ) ذكر الجزور قيد أم لا قلت لا لأن حكم غير الجزور مثل حكمه وإنما هو مثال وقال بعضهم يحتمل أن يكون قيدا قلت هذا احتمال غير ناشيء عن دليل فلا يعتبر به وإنما مثل به لكثرة الجزور عندهم قوله إلى أن تنتج الناقة بضم أوله وفتح ثالثه أي تلد ولدا وهو على صيغة المجهول والناقة مرفوع بإسناد تنتج إليها قال الجوهري نتجت الناقة على ما لم يسم فاعله تنتج نتاجا وقد نتجها أهلها نجا إذا تولوا نتاجها بمنزلة القابلة للمرأة فهي منتوجة ونتجت الفرس إذا حان نتاجها وقال يعقوب إذا استبان حملها وكذلك الناقة فهي نتوج ولا يقال منتج وأتت الناقة على منتجها أي الوقت الذي تنتج فيه وهو مفعل بكسر العين ويقال للشاتين إذا كانتا سنا واحدا هما نتيجة وغنم فلان نتاج أي في سن واحدة وحكى الأخفش نتج وأنتج بمعنى وجاء في الحديث فأنتج هذان وولد هذا وقد أنكره بعضهم يعني أن الصواب كونه ثلاثيا قلت هذا في حديث الأقرع والأبرص قوله ثم تنتج التي في بطنها أي ثم تعيش المولودة حتى تكبر ثم تلد قيل هذا زائد على رواية عبد الله بن عمر فإنه اقتصر على قوله ثم تحمل التي في بطنها ورواية جويرية أخصر منها ولفظه أن تنتج الناقة ما في بطنها وبظاهر هذه الرواية قال سعيد بن المسيب فيما رواه عنه مالك وقال به مالك والشافعي وجماعة وهو أن يبيع بثمن إلى أن تلد الناقة وقال آخرون أن يبيع بثمن إلى أن تحمل الدابة وتلد وتحمل ولدها ولم يشترطوا وضع حمل الولد وقال أبو عبيدة وأبو عبيد وأحمد واسحق وابن حبيب المالكي وأكثر أهل اللغة هو بيع ولد نتاج الدابة والمنع في هذا أنه بيع معدوم ومجهول وغير مقدور على تسليمه ثم اعلم أن قوله وكان بيعا إلى آخره هكذا وقع في الموطأ تفسيرا متصلا بالحديث وقال الإسماعيلي هو مدرج يعني أن التفسير من كلام نافع وقال الخطيب تفسير حبل الحبلة ليس من كلام عبد الله بن عمر إنما هو من كلام نافع أدرج في الحديث ثم رواه من طريق أبي سلمة التبوذكي حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله أن أهل الجاهلية كانوا يبتاعون الجزور إلى حبل الحبلة وأن رسول الله نهى عن ذلك وقد أخرجه مسلم من رواية الليث والترمذي والنسائي من رواية أيوب كلاهما عن نافع بدون التفسير وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر بدون التفسير أيضا والله أعلم
26 -
( باب بيع الملامسة )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الملامسة وهي مفاعلة من اللمس وقد علم أن باب المفاعلة لمشاركة اثنين في أصل الفعل وفي ( المغرب ) الملامسة واللماس أن يقول لصاحبه إذا لمست ثوبك ولمست ثوبي فقد وجب البيع وعن أبي حنيفة هي أن يقول أبيعك هذا المتاع بكذا فإذا لمستك وجب البيع أو يقول المشتري كذلك ويقال الملامسة أن يلمس ثوبا مطويا ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه أو يقول إذا لمسته فقد بعتكه أو يبيعه شيئا على أنه متى لمسه فقد لزم البيع وعن الزهري الملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو النهار ولا يقلبه إلا بذلك وروى النسائي من حديث أبي هريرة الملامسة أن يقول الرجل للرجل أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر واحد منهما ثوب الآخر ولكن بلمسه لمسا ويقال اختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور هي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته الثاني أن يجعلا نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة الثالث أن يجعلا للمس شرطا في قطع خيار المجلس وغيره والبيع على التأويلات كلها باطل
وقال أنس نهى عنه النبي
أي نهى عن بيع الملامسة وبهذا اتضح حكم الترجمة لأنها على إطلاقها تحتمل المنع وتحتمل الجواز وهو تعليق وصله البخاري في باب بيع المخاصرة عن أنس نهى رسول الله عن المحاقلة والمخاصرة والملامسة والمنابذة والمزابنة والمخاصرة بيع الثمار خصرا لم يبد صلاحها

(11/266)


4412 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عامر بن سعد ) أن ( أبا سعيد ) رضي الله تعالى عنه أخبره أن رسول الله نهى عن المنابذة وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه
مطابقته للترجمة في قوله ونهى عن الملامسة ورجاله قد ذكروا غير مرة وسعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء المصري وعقيل بضم العين ابن خالد الأيلي وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري وعامر بن سعد بن أبي وقاص مر في الإيمان وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن يحيى بن بكير عن الليث وأخرجه مسلم في البيوع عن أبي الطاهر وحرملة بن يحيى وعن عمرو الناقد وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن صالح وأخرجه النسائي فيه عن يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين وعن أبي داود الحراني وعن إبراهيم بن يعقوب
ذكر معناه قوله المنابذة مفاعلة من النبذ وقد ذكرنا أن المفاعلة تستدعي الفعل من الجانبين ولا يوجد هذا إلا فيما رواه مسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه وقيل أن يجعل النبذ نفس البيع وهو تأويل الشافعي وقيل يقول بعتك فإذا انبذته إليك فقد انقطع الخيار ولزوم البيع وقيل المراد نبذ الحصى ونبذ الحصاة أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه الحصاة أو يقول بعتك ولي الخيار إلى أن أرمي هذه الحصاة أو يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعا معناه أن يقول إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو بيع منك بكذا وهذان البيعان أعني الملامسة والمنابذة عند جماعة العلماء من بيع الغرر والقمار لأنه إذا لم يتأمل ما اشتراه ولا علم صفته يكون مغرورا ومن هذا بيع الشيء الغائب على الصفة فإن وجد كما وصف لزم المشتري ولا خيار له إذا رآه وإن كان على غير الصفة فله الخيار وهو قول أحمد وإسحاق وهو مروي عن ابن سيرين وأيوب والحارث العكلي والحكم وحماد وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز بيع الغائب على الصفة وغير الصفة وللمشتري خيار الرؤية وروي ذلك أيضا عن ابن عباس والنخعي والشعبي والحسن البصري ومكحول والأوزاعي وسفيان وقال صاحب ( التلويح ) كأنهم استندوا إلى ما رواه الدارقطني عن أبي هريرة يرفعه من اشترى شيئا لم يره فله الخيار قلت هذا الحديث رواه الدارقطني في ( سننه ) عن داهر بن نوح حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي حدثنا وهيب اليشكري عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه وقال الدارقطني عمر بن إبراهيم هذا يقال له الكردي يضع الأحاديث وهذا باطل لا يصح لم يروه غيره وإنما يروى عن ابن سيرين من قوله قلت روى الطحاوي عن علقمة بن أبي وقاص أن طلحة اشترى من عثمان بن عفان مالا فقيل لعثمان إنك قد غبنت فقال عثمان لي الخيار لأني بعت ما لم أره وقال طلحة لأني اشتريت ما لم أره فحكما بينهما جبير بن مطعم فقضى أن الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان
5412 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال نهي عن لبستين أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ثم يرفعه على منكبه وعن بيعتين اللماس والنباذ
مطابقته للترجمة في قوله والنباذ وهذا الحديث مضى في كتاب الصلاة في باب ما يستر من العورة فإنه أخرجه هناك عن قبيصة عن عقبة عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال نهى رسول الله عن بيعتين عن

(11/267)


اللماس والنباذ وأن يشتمل الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد وأخرجه هنا عن قتيبة بن سعيد عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وقد أخرج البخاري حديث أبي هريرة من طرق ولم يذكر في شيء منها تفسير المنابذة والملامسة ووقع في تفسيرهما في ( صحيح مسلم ) والنسائي وظاهر الطرق كلها أن التفسير من الحديث المرفوع لكن وقع في رواية النسائي ما يشعر بأنه من كلام من دون النبي ولفظه وزعم أن الملامسة أن يقول إلى آخره فالأقرب أن يكون ذلك من الصحابي لبعد أن يعبر الصحابي عن النبي بلفظ وزعم ولوقوع التفسير في حديث أبي سعيد الخدري من قوله أيضا نهى عن لبستين اقتصر على لبسة واحدة قال الكرماني اختصر الحديث والنوع الثاني هو اشتمال الصماء وقد تركه لشهرته قلت ما يعجبني هذا الجواب وليس الموضع مما يقبل الاختصار لأن المذكور فيه شيئان فكيف يترك أحدهما اختصارا لشهرته فلقائل أن يقول لم ترك النوع الأول وهو أشهر من النوع الثاني وأيضا ما غرضه من هذا الاختصار هنا نعم يوجد الاختصار لغرض صحيح فيما يكون غير مخل والذي يظهر لي أنه من أحد الرواة وأعجب من هذا قول بعضهم وقد وقع بيان الثانية عند أحمد في طريق هشام عن محمد بن سيرين ولفظه أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وأن يرتدي في ثوب يرفع طرفيه على عاتقه وقد مضى تفسير هذه الألفاظ في كتاب الصلاة والاحتباء أن يجمع بين ظهره وساقيه بعمامته
36 -
( باب بيع المنابذة )
أي هذا باب في بيان حكم بيع المنابذة
وقال أنس نهى عنه النبي
أي نهى عن بيع المنابذةالنبي وهذا التعليق وصله البخاري في باب بيع المخاصرة وقد ذكرناه في أول باب بيع الملامسة
6412 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( محمد بن يحيى بن حبان ) وعن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نهى عن الملامسة والمنابذة
مطابقته للترجمة في قوله والمنابذة هذا طريق آخر عن أبي هريرة عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن محمد ابن يحيى بن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وعن أبي الزناد عن عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج
قوله عن الأعرج متعلق بمحمد وبأبي الزناد لأن مالكا يروي عنهما وهما يرويان عن الأعرج
وأخرجه النسائي أيضا في البيوع عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك
7412 - حدثنا ( عباس بن الوليد ) قال حدثنا ( عبد الأعلى ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عطاء بن يزيد ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال نهى النبي عن لبستين وعن بيعتين الملامسة والمنابذة
مطابقته للترجمة في قوله والمنابذة وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن الوليد الرقام البصري وعبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي البصري ومعمر بفتح الميمين ابن راشد والزهري محمد بن مسلم وعطاء بن يزيد من الزيادة أبو يزيد الليثي ويقال الجندعي من أهل المدينة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن علي ابن عبيد الله عن سفيان وأخرجه أبو داود في البيوع أيضا عن قتيبة وأبي الطاهر بن السرح كلاهما عن سفيان به وعن الحسن بن علي عن عبد الرزاق عن معمر به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به وعن الحسين ابن حريث بالنهي عن لبستين في الزينة والنهي عن بيعتين في البيوع وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن أبي بكر

(11/268)


ابن أبي شيبة وسهل بن أبي سهل الرازي كلاهما عن سفيان بالنهي عن بيعتين في اللباس عن أبي بكر وحده بالنهي عن اللبستين
46 -
( باب النهي للبائع أن لا يحفل الأبل والبقر والغنم وكل محفلة والمصراة التي صرى لبنها وحقن فيه وجمع فلم يحلب أياما وأصل التصرية حبس الماء يقال منه صريت الماء إذا حبسته )
أي هذا باب في بيان النهي للبائع أن لا يحفل بضم الياء وتشديد الفاء من التحفيل وفي ( المحكم ) حفل اللبن في الضرع يحفل حفلا وحفولا وتحفل واحتفل واجتمع وحفله هو وحفله وضرع حافل والجمع حفل وناقة حافلة وحفول والتحفيل التجميع قال أبو عبيد سميت بذلك لأن اللبن يكثر في ضرعها وكل شيء كثرته فقد حفلته واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ويقال مجلس حافل إذا كثر الخلق فيه ومنه المحفل ووقع في رواية النسفي باب نهي البائع أن يحفل الإبل والغنم بدون كلمة لا وبدون ذكر البقر وذكره أبو نعيم أيضا بدون كلمة لا وقال بعضهم لا زائدة وجزم به وقال الكرماني لا يجب كونها زائدة لاحتمال أن تكون مفسرة ولا يحفل بيانا للنهي وقيد بقوله للبائع وهو المالك إشارة إلى أنه لو حفل لأجل عياله أو لأجل الضيف لم يمنع من ذلك فإن قلت ليس للبقر ذكر في الحديث فلم ذكرها في الترجمة قلت لأنها في معنى الإبل والغنم في الحكم وفيه خلاف داود الظاهري على ما يأتي إن شاء الله تعالى
قوله وكل محفلةبالنصب عطف على الإبل أي لا يحفل كل ما من شأنها التحفيل وهو من باب عطف العام على الخاص وأشار بهذا إلى إلحاق غير النعم من مأكول اللحم بالنعم للجامع بينهما وهو تغرير المشتري وقالت الحنابلة وبعض الشافعية يختص ذلك بالنعم واختلفوا في غير المأكول كالأتان والجارية فالأصح لا يرد اللبن عوضا وبه قالت الحنابلة في الأتان دون الجارية قوله والمصراة مرفوع لأنه مبتدأ وخبره قوله التي صري لبنها والمصراة بضم الميم وتشديد الراء اسم مفعول من التصرية يقال صريت الناقة بالتخفيف وصريتها بالتشديد وأصريتها إذا حفلتها وناقة صرياء محفلة وجمعها صرايا على غير قياس وقال الأزهري ذكر الشافعي المصراة وفسرها أنها التي تصر أخلافها ولا تحلب أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها فإذا حلبها المشتري استغزرها وقال الأزهري جائز أن تكون سميت مصراة من صر أخلافها كما ذكر إلا أنه لما اجتمعت في الكلمة ثلاث راآت قلبت إحداها ياء كما في تظنيت في تظننت كراهة اجتماع الأمثال قال وجائز أن تكون من الصري وهو الجمع وإليه ذهب الأكثرون انتهى قلت إذا كانت المصراة من الصر بالتشديد يكون اسم المفعول منه مصرورة ولكنها تكون من صرر على وزن فعل فيكون اسم المفعول منه مصرر ولكن لما قلبت الراء الثالثة ياء لما ذكره قلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت مصراة وإذا كانت من الصري وهو معتل اللام اليائي فالقياس أن يكون اسم المفعول منه مصراة وأصلها مصرية قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها والقياس التصريفي أن يكون أصلها من صرى يصري تصرية من باب التفعيل ففعل بها ما ذكرنا ولذلك قال الخطابي اختلف أهل العلم واللغة في تفسير المصراة ومن أين أخذت واشتقت وقول البخاري والمصراة التي صري لبنها على القياس الذي ذكرناه وهو الصحيح قوله وحقن فيه معنى صرى وعطف عليه على سبيل العطف التفسيري لأنه بمعناه والضمير في فيه يرجع إلى الثدي بقرينة ذكر اللبن قوله وأصل التصرية إلى آخره تفسير أكثر أهل اللغة وأبو عبيد أيضا فسر هكذا وأشار البخاري بهذا إلى أن الصحيح في تفسير المصراة أن تكون من صرى من باب فعل بالتشديد ومنه يقال صريت الماء أي حبسته وجمعته ويكون أصل مصراة على هذا مصرية فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وهذا هو الصحيح وأكثر ما تكلموا فيه خارج عن قانون التصريف فافهم
8412 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( جعفر بن ربيعة ) عن ( الأعرج ) قال ( أبو هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بين أن يحتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع تمر

(11/269)


مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز
وهذا الحديث أخرجه بقية الأئمة الستة من طرق وقد رواه عن أبي هريرة محمد بن زياد ومحمد بن سيرين والأعرج وهمام وأبو صالح وموسى بن يسار وثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ومجاهد والوليد بن رباح أما رواية محمد بن زياد فانفرد بها الترمذي فقال حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال قال النبي من اشترى مصراة فهو بالخيار يعني إذا حلبها إن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر وأخرجه الطحاوي أيضا من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة وأما رواية محمد بن سيرين فأخرجها مسلم عن محمد بن عمرو بن حبلة عن أبي عامر العقدي وأخرجها مسلم وأبو داود والنسائي من رواية أيوب عن محمد بن سيرين وأما رواية الأعرج فأخرجها الشيخان وأبو داود من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج وأما رواية همام فانفرد بها مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام وأما رواية أبي صالح فانفرد بها مسلم أيضا من رواية يعقوب ابن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه وأما رواية موسى بن يسار فأخرجها مسلم والنسائي من رواية داود بن قيس عنه وأما رواية ثابت وهو ابن عياض فأخرجها البخاري وأبو داود من رواية زياد بن سعد عنه وأما رواية مجاهد والوليد بن رباح فذكرهما البخاري تعليقا على ما يأتي وأخرج الطحاوي هذا الحديث من ثمان طرق عن ابن سيرين بطريقين أحدهما معه خلاس بن عمرو ومحمد بن زياد وموسى بن يسار والأعرج وعكرمة وأبو إسحاق السبيعي وعبد الرحمن بن سعد مع عكرمة
قوله لا تصروا الإبل بفتح التاء وضم الصاد وهو نهي للجماعة والإبل منصوب ويروى لا تصر بضم التاء وفتح الصاد بصيغة الإفراد على بناء المجهول الإبل مرفوع به والغنم عطف على الإبل بالوجهين قوله فمن ابتاعها أي فمن اشترى المصراة قوله بعد قال الكرماني أي بعد هذا النهي أو بعد صر البائع قلت الوجه الثاني هو الأوجه والأول فيه البعد قوله فإنه أي فإن الذي ابتاعها قوله بخير النظرين أي بخير الرأيين قوله أن يحتلبها بكسر إن كذا في الأصل على أنها شرطية ويحتلبها بالجزم لأنه فعل الشرط وفي رواية ابن خزيمة والإسماعيلي من طريق أسد بن موسى عن الليث بعد أن يحلبها بفتح أن ونصب يحلبها وظاهر الحديث أن الخيار لا يثبت إلا بعد الحلب والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار ولو لم يحلب لكن لما كانت التصرية لا تعرف غالبا إلا بعد الحلب ذكر قيدا في ثبوت الخيار فلو ظهرت التصرية بعد الحلب فالخيار ثابت قوله وإن شاء ردها وفي رواية مالك وإن سخطها ردها قوله وصاع تمر منصوب بشيء مقدر والتقدير ورد معها صاع تمر قيل يجوز أن يكون مفعولا معه وأجيب بأن جمهور النحاة على أن شرط المفعول معه أن يكون فاعلا نحو جئت أنا وزيدا
ذكر ما يستفاد منه احتج بهذا الحديث ابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وأبو سليمان وزفر وأبو يوسف في بعض الروايات فقالوا من اشترى مصراة فحلبها فلم يرض بها فإنه يردها إن شاء ويرد معها صاعا من تمر إلا أن مالكا قال يؤدي أهل كل بلد صاعا من أغلب عيشهم وابن أبي ليلى قال يرد معها قيمة صاع من تمر وهو قول أبي يوسف ولكنه غير مشهور عنه وقال زفر يرد معها صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف صاع من تمر وفي ( شرح الموطأ ) للأشبيلي قال مالك إذا احتلبها ثلاثا وسخطها لاختلاف لبنها ردها ومعها صاعا من قوت ذلك البلد تمرا كان أو برا أو غيره وبه قال الطبري وأبو علي بن أبي هريرة من أصحاب الشافعي وعن مالك يرد مكيلة ما حلب من اللبن تمرا أو قيمته وقال أكثر أصحاب الشافعي لا يكون إلا من التمر وإذا لم يجد المشتري التمر فهل ينتقل إلى غيره حكى الماوردي فيه وجهين أحدهما يرد قيمته بالمدينة والثاني قيمته بأقرب بلاد التمر إليه واقتصر الرافعي على نقل الوجه الأول عن الماوردي والوجهان معا في ( الحاوي ) فإن اتفق المتبايعان على غير التمر في رد بدل لبن المصراة فقد حكى الرافعي عن ابن كج وجهين في إجزاء البر عن التمر إذا اتفقا عليه فكان كالاستبدال عما في ذمته وقال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف في المشهور عنه ومالك في رواية وأشهب من المالكية وابن أبي ليلى في رواية وطائفة من أهل العراق ليس للمشتري رد المصراة بخيار العيب ولكنه يرجع بالنقصان لأنه وجد ما يمنع الرد وهو الزيادة المنفصلة عنها وفي الرجوع بالنقصان روايتان عن أبي حنيفة في رواية ( شرح الطحاوي ) يرجع

(11/270)


على البائع بالنقصان من الثمن لتعذر الرد وفي رواية ( الأسرار ) لا يرجع لأن اجتماع اللبن وجمعه لا يكون عيبا
وأجابوا عن الحديث بأجوبة
الأول ما قاله محمد بن شجاع إن هذا الحديث نسخه حديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فلما قطع بالفرقة الخيار ثبت بذلك أن لا خيار لأحد بعد ذلك إلا لمن استثناه سيدنا رسول الله في هذا وهو قوله إلا بيع الخيار المجهول ورده الطحاوي بأن الخيار المجهول في المصراة إنما هو خيار عيب وخيار العيب لا تقطعه الفرقة
الثاني ما قاله عيسى بن أبان كان ذلك في أول الإسلام حيث كانت العقوبات في الديون حتى نسخ الله سبحانه وتعالى الربا فردت الأشياء المأخوذة إلى أمثالها
الثالث ما قاله ابن التين ومن جملة ما رووا به حديث المصراة بالاضطراب قال مرة صاعا من تمر ومرة صاعا من طعام ومرة مثل أو مثلي لبنها
الرابع أن الحديث وإن وقع بنقل العدل الضابط عن مثله إلى قائله لا بد في اعتباره أن يكون غير شاذ ولا معلول وهذا معلول لأنه يخالف عموم الكتاب والسنة المشهورة فيتوقف بها عن العمل بظاهره أما عموم الكتاب فقوله تعالى فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( البقرة 491 ) وقوله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم ( النحل 621 ) وأما الحديث فقوله الخراج بالضمان رواه الترمذي من حديث ابن عباس وصححه ورواه الطحاوي من حديث عائشة ويروى الغلة بالضمان والمراد بالخراج ما يحصل من غلة العين المبتاعة عبدا كان أو أمة أو ملكا وذلك أن يشتريه فيستعمله زمانا ثم يعثر منه على عيب قديم لم يطلعه البائع عليه أو لم يعرفه فله رد العين المبيعة وأخذ الثمن ويكون للمشتري ما استعمله لأن المبيع لو كان تلف في يده لكان من ضمانه ولم يكن له على البائع شيء
ثم أن هؤلاء قد زعموا أن رجلا لو اشترى شاة فحلبها ثم أصاب عيبا غير التحفيل والتصرية أنه يردها ويكون اللبن له وكذلك لو اشترى جارية مثلا فولدت عنده ثم ردها على البائع لعيب وجد بها يكون الولد له قالوا لأن ذلك من الخراج الذي جعله النبي للمشتري بالضمان فإذا كان الأمر كذلك فالصاع من التمر الذي يوجبه هؤلاء على مشتري المصراة إذا ردها على بايعها بسبب التصرية والتحفيل لا يخلو إما أن يكون عوضا من جميع اللبن الذي احتلبه منها كان بعضه في ضرعها وقت وقوع البيع وحدث بعضه في ضرعها بعد البيع وأما أن يكون عوضا عن اللبن الذي في ضرعها وقت وقوع البيع خاصة فإن أرادوا الوجه الأول فقد ناقضوا أصلهم الذي جعلوا به اللبن والولد للمشتري بعد الرد بالعيب في الصورتين اللتين ذكرناهما وذلك لأنهم جعلوا حكمهما كحكم الخراج الذي فعله النبي للمشتري بالضمان وإن أرادوا به الوجه الثاني فقد جعلوا للبائع صاعا دينا بدين وهذا غير جائز لا في قولهم ولا في قول غيرهم وأي المعنيين أرادوا فهم فيه تاركون أصلا من أصولهم وقد كان هؤلاء أولى بالقول بنسح الحكم في المصراة لكونهم يجعلون اللبن في حكم الخراج وغيرهم لا يجعلون كذلك فظهر من ذلك فساد كلامهم وفساد ما ذهبوا إليه فإن قلت لا نسلم أن يكون اللبن في حكم الخراج لأن اللبن ليس بغلة وإنما كان محفلا فيها فيلزم رده قلت هذا ممنوع لأن الغلة هي الدخل الذي يحصل وهي أعم من أن يكون لبنا أو غيره وأيضا يلزمهم على هذا أن يردوا عوض اللبن إذا ردت المصراة بعيب آخر غير التصرية ولم يقولوا به فإن قلت هذا حكم خاص في نفسه وحديث الخراج بالضمان عام والخاص يقضي على العام قلت هذا زعمك وإنما الأصل ترجيح العام على الخاص في العمل به ولهذا رجحنا قوله في الأرض ما أخرجت ففيه العشر على الخاص الوارد بقوله ليس في الخضراوات صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وأمثال ذلك كثيرة
ويذكر عن أبي صالح ومجاهد والوليد بن رباح وموسى بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صاع تمر
التعليق عن أبي صالح ذكوان الزيات رواه مسلم قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري عن سهيل عن أبيه أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله قال من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاث أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر انتهى وأحاديث المصراة على نوعين أحدهما مطلق عن ذكر مدة الخيار وبه أخذت المالكية وحكموا فيها بالرد مطلقا والآخر منها مقيد ذكر مدة الخيار كما في رواية مسلم

(11/271)


هذه وبه أخذت الشافعية واستدل به بعضهم على أن المشتري لو لم يطلع على التصرية إلا بعد الثلاث أنه لا يثبت له خيار الرد لظاهر الحديث وقال شيخنا والصحيح عند أصحاب الشافعي ثبوته كسائر العيوب ولكنه على الفور عندهم بلا خلاف لا يمتد بعد الاطلاع عليه
وأما التعليق عن مجاهد فوصله البزار حدثنا محمد بن موسى القطان حدثنا عمرو بن أبان حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي هريرة وفيه من ابتاع مصراة فله أن يردها وصاعا من طعام ومحمد بن مسلم فيه مقال وقال صاحب ( التلويح ) والذي علقه عن مجاهد لم أره إلا ما في مسند البزار قلت رواه الطبراني أيضا في الأوسط والدارقطني في سننه
وأما التعليق عن الوليد بن رباح بفتح الراء والباء الموحدة فوصله أحمد بن منيع بلفظ من اشترى مصراة فليرد معها صاعا من تمر
وأما التعليق عن موسى بن يسار بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة فوصله مسلم حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها فإن رضي حلابها أمسكها وإلا ردها ومعها صاع تمر
وقال بعضهم عن ابن سيرين صاعا من طعام وهو بالخيار ثلاثا
التعليق عن محمد بن سيرين رواه مسلم حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد حدثنا أبو عامر يعني العقدي حدثنا قرة عن محمد عن أبي هريرة عن النبي قال من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها صاعا لا سمراء ورواه الترمذي أيضا ثم قال معنى من طعام لا سمراء لا بر وقال البيهقي المراد بالطعام هنا التمر لقوله لا سمراء قلت لا يعلم أن المراد من الطعام ههنا التمر ولا قوله لا سمراء يدل عليه لأن الذي يفهم منه أن لا يكون قمحا وغيره أعم من أن يكون تمرا أو غيره وقال بعضهم وروى ابن المنذر من طريق ابن عون عن ابن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لا سمراء تمر ليس ببر فهذه الرواية تبين أن المراد بالطعام التمر ولما كان المتبادر إلى الذهن أن المراد بالطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء ورد هذا بما رواه البزار من طريق أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين بلفظ إن ردها ردها ومعها صاع من بر لا سمراء قلت الظاهر من قوله لا سمراء نفي لقمح مخصوص وهي الحنطة الشامية وقد روى الطحاوي من طريق أيوب عن ابن سيرين أن المراد بالسمراء الحنطة الشامية وهي كانت أغلى ثمنا من البر الحجازي فكأنه أمر برد الصاع من البر الحجازي لأن البر الشامي لكونه أغلى ثمنا قصد التخفيف عليهم وجاء في الحديث أيضا أن الطعام غير التمر وهو ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة نحو حديث الباب وفيه وإن ردها رد معها صاعا من تمر فإن ظاهره يقتضي التخيير بين التمر والطعام وأن الطعام غير التمر
وقال بعضهم عن ابن سيرين صاعا من تمر ولم يذكر ثلاثا والتمر أكثر
هذا التعليق رواه مسلم حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله من اشترى شاة مصراة فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر لا سمراء قوله والتمر أكثر من كلام البخاري أي أكثر من الطعام قاله الكرماني وقيل أكثر عددا من الروايات التي لم ينص عليه أو أبدلته بذكر الطعام وقال بعضهم قد أخذ بظاهر هذا الحديث جمهور أهل العلم وأفتى به ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهم من الصحابة وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا أو كثيرا ولا بين أن يكون تمر تلك البلد أم لا انتهى
قلت أبو حنيفة غير منفرد بترك العمل بحديث المصراة بل مذهب الكوفيين وابن أبي ليلى ومالك في رواية مثل مذهب أبي حنيفة وقد نهى النبي عن التصرية وروى ابن ماجه من حديث ابن مسعود أنه قال أشهد على الصادق المصدوق أبي القاسم أنه قال بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم انتهى قلت والكل مجمعون على أن التصرية حرام وغش وخداع ولأجل كون بيعها صحيحا مع كونها حراما أجاب

(11/272)


عنها بما ذكرناه فيما مضى عن قريب وأقوى الوجوه في ترك العمل بها مخالفتها للأصول من ثمانية أوجه
أحدها أنه أوجب من الرد من غير عيب ولا شرط الثاني أنه قدر الخيار بثلاثة أيام وإنما يتقيد بالثلاث خيار الشرط الثالث أنه أوجب الرد بعد ذهاب جزء من المبيع الرابع أنه أوجب البدل مع قيام المبدل الخامس أنه قدره بالتمر أو بالطعام والمتلفات إنما تضمن بأمثالها أو قيمتها بالنقد السادس أن البن من ذوات الأمثال فجعل ضمانه في هذا الخبر بالقيمة السابع أنه يؤدي إلى الربا فيما إذا باعها بصاع تمر الثامن أنه يؤدي إلى الجمع بين العوض والمعوض
وقال هذا القائل أيضا لم ينفرد أبو هريرة برواية هذا الأصل فقد أخرجه أبو داود من حديث عمر وأخرجه الطبراني من وجه آخر عنه وإبو يعلى من حديث أنس وأخرجه البيهقي في ( الخلافيات ) من طريق عمرو بن عوف المزني وأخرجه أحمد من رواية رجل من الصحابة لم يسم وقال ابن عبد البر هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل
قلت أما حديثابن عمر فرواه أبو داود من رواية صدقة بن سعيد الجعفي عن جميع بن عمير التيمي قال سمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله من ابتاع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا قال الخطابي ليس إسناده بذلك وقال البيهقي تفرد به جميع بن عمير وقال البخاري فيه نظر وذكره ابن حبان في الضعفاء وقال كان رافضيا يضع الحديث وقال ابن نمير كان من أكذب الناس وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه وقال أبو حاتم كوفي صالح الحديث من عنق الشيعة وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى وفي سنده إسماعيل ابن مسلم المكي وهو ضعيف وأخرجه البيهقي أيضا من رواية إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أنس بن مالك قال قال رسول الله من اشترى شاة محفلة فإن لصاحبها أن يحتلبها فإن رضيها فليمسكها وإلا فليردها وصاعا من تمر والمحفوظ أنه مرسل وأما حديث رجل من الصحابة فأخرجه أحمد عنه عن النبي قال لا يتلقى الجلب ولا يبيع حاضر لباد ومن اشترى شاة مصراة أو ناقة قال شعبة إنما قال ناقة مرة واحدة فهو منها بأحد النظرين إذا هو حلب إن ردها رد معها صاعا من طعام قال الحكم أو صاعا من تمر ثم إن بعضهم قد تصدى للجواب عما قالت الحنفية في هذا الموضع فما قالوا إن هذا يعني حديث المصراة خبر واحد لا يفيد إلا الظن وهو مخالف لقياس الأصول المقطوع به فلا يلزم العمل به
ثم قال هذا القائل وتعقب بأن التوقف في خبر الواحد إنما هو في مخالفة الأصول لا في مخالفة قياس الأصول وهذا الخبر إنما خالف قياس الأصول بدليل أن الأصول الكتاب والسنة والإجماع والقياس والكتاب والسنة في الحقيقة هما الأصل والآخران مردودان اليهما فالسنة أصل والقياس فرع فكيف يرد الأصل بالفرع بل الحديث الصحيح أصل بنفسه فكيف يقال إن الأصل يخالف نفسه انتهى قلت قوله وهو مخالف لقياس الأصول لم يقل به الحنفية كذا وكيف ينقل عنهم ما لم يقولوا أو قالوا فينقل عنهم بخلاف ما أرادوا منه لعدم التروي وعدم إدراك التحقيق فيه فكيف يقال وهو مخالف لقياس الأصول والحال أن القياس أصل من الأصول لأن الحنفية عدوا القياس أصلا رابعا على ما في كتبهم المشهورة فيكون معنى ما نقلوا من هذا وهو مخالف لأصل الأصول وهو كلام فاسد وقوله والقياس فرع كلام فاسد أيضا لأنه عد أصلا رابعا فكيف يقول إنه فرع حتى يترتب عليه قوله فكيف يرد الأصل بالفرع ثم إنه نقل عن ابن السمعاني من قوله متى ثبت الخبر صار أصلا من الأصول ولا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر لأنه إن وافقه فذاك وإن خالفه لم يجز رد أحدهما لأنه رد للخبر وهو مردود باتفاق انتهى
قلت ثم نقل عن ابن السمعاني من قوله والأولى عندي في هذه المسألة تسليم الأقيسة لكنها ليست لازمة لأن السنة الثابتة مقدمة عليها وعلى تقدير التنزل فلا نسلم أنه مخالف لقياس الأصول لأن الذي ادعوه عليه من المخالفة بينوها بأوجه أحدها أن المعلوم من الأصول أن ضمان المثليات بالمثل والمتقومات بالقيمة وههنا إن كان اللبن مثليا فليضمن باللبن وإن كان متقوما فليضمن بأحد النقدين وقد وقع هنا مضمونا بالتمر فخالف الأصل والجواب منع الحصر فإن الحر يضمن في ديته بالإبل وليست مثلا له ولا قيمة وأيضا فضمان المثل بالمثل ليس مطردا فقد يضمن المثل بالقيمة إذا تعذرت المماثلة كمن أتلف شاة لبونا كان عليه قيمتها ولا يجعل بإزاء لبنها لبنا آخر لتعذر المماثلة انتهى قلت

(11/273)


قوله فلا نسلم أنه مخالف لقياس الأصول إلى آخرهغير مسلم لأن مخالفته للقاعدة الأصلية ظاهرة وهي أن ضمان المثل بالمثل وضمان المتقوم بالقيمة وهذه القاعدة مطردة في بابها وضمان المثل بالقيمة عند التعذر خارج عن باب القاعدة المذكورة فلا يرد عليها الاعتراض بذلك لأن باب التعذر مستثنى عنها والتعذر تارة يكون بالاستحالة كما في ضمان الحر بالإبل وتارة يكون بالعدم كتعذر المماثلة في ضمان لبن الشاة واللبون وأيضا في مسألة الشاة اللبون اللبن جزء من أجزائها فيدخل في ضمان الكل ودفع الصاع من التمر أو غيره مع اللبن في المصراة إنما كان في وقت العقوبة في الأموال بالمعاصي وذلك لأن النبي نص على أن بيع المحفلات خلابة والخلابة حرام فكان من فعل هذا وباع صار مخالفا لما أمر به رسول الله وداخلا فيما نهى عنه فكانت عقوبته في ذلك أن يجعل اللبن المحلوب في الأيام الثلاثة للمشتري بصاع من تمر ولعله يساوي آصعا كثيرة ثم نسخت العقوبات في الأموال بالمعاصي وردت الأشياء إلى ما ذكرناه من القاعدة الأصلية
ثم ذكر ابن السمعاني عن الحنفية أنهم قالوا إن القواعد تقتضي أن يكون المضمون مقدر الضمان بقدر التالف وذلك مختلف وقد قدر ههنا بمقدار واحد وهو الصاع فخرج عن القياس والجواب منع التعميم في المضمونات كالموضحة فأرشها مقدر مع اختلافها بالكبر والصغر والغرة مقدرة في الجنين مع اختلافه انتهى قلت لا نسلم منع التعميم في بابه كما ذكرنا وما مثل به على وجه الإيراد على القاعدة غير وارد لأنا قلنا إن الذي يفعل من ذلك عند التعذر خارج من باب القاعدة غير داخل فيها حتى يمنع اطراد القاعدة ثم ذكر عنهم أيضا أن اللبن التالف إن كان موجودا عند العقد فقد ذهب جزء من المعقود عليه من أصل الخلقة وذلك مانع من الرد فقد حدث على ملك المشتري فلا يضمنه وإن كان مختلطا فما كان منه موجودا عند العقد وما كان حادثا لم يحب ضمانه والجواب أن يقال إنما يمتنع الرد بالنقص إذا لم يكن لاستعلام العيب وإلا فلا يمتنع وهنا كذلك انتهى قلت الذي قالوه كلام واضح صحيح والجواب الذي أجابه ليس بشيء فهل يرضى أحد أن يرد هذا الكلام بمثل هذا الجواب وليس العجب منه وإنما العجب من الذي ينقله في تأليفه ويرضى به
ثم ذكر عنهم فيما قالوا بأنه خالف الأصول في جعل الخيار فيه ثلاثا مع أن خيار العيب لا يقدر بالثلاث وكذا خيار المجلس عند من يقول به وخيار الرؤية عند من يثبته ثم أجاب بأن حكم المصراة انفرد بأصله عن مماثله فلا تستغرب أن ينفرد بوصف زائد على غيره انتهى قلت لانفراده بأصله عن مماثله قلنا إنه منسوخ كما ذكرنا فيما مضى
ثم ذكر عنهم أنهم قالوا يلزم من الأخذ به الجمع بين العوض والمعوض ثم أجاب بأن التمر عوض عن اللبن لا عن الشاة قلت ليس دفع التمر الإجزاء لما ارتكب من العصيان حين كانت العقوبة بالأموال في المعاصي
ثم ذكر عنهم بأنه مخالف لقاعدة الربا فيما إذا اشترى شاة بصاع فإذا استرد معها صاعا فقد استرجع الصاع الذي هو الثمن فيكون قد باع شاة وصاعا بصاع الجواب أن الربا إنما يعتبر في العقود لا في الفسوخ بدليل أنهما لو تبايعا ذهبا بفضة لم يجز أن يتفرقا قبل القبض فلو تقابلا في هذا العقد بعينه جاز التفرق قبل القبض انتهى قلت ذكره هذه المسألة تأكيدا لما قاله من الجواب لا يفيده لأن بالإقالة صار العقد كأنه لم يكن وعاد كل شيء إلى أصله فلا يحتاج إلى أن يقال جاز التفرق قبل القبض
ثم ذكر عنهم بأنهم قالوا يلزم منه ضمان الأعيان مع بقائها فيما إذا كان اللبن موجودا والأعيان لا تضمن بالبدل إلا مع فواتها كالمغصوب والجواب أن اللبن وإن كان موجودا لكنه تعذر رده لاختلاطه باللبن الحادث بعد العقد وتعذر تمييزه فأشبه الآبق بعد الغصب فإنه يضمن قيمته مع بقاء عينه لتعذر الرد انتهى قلت لما تعذر رد اللبن لاختلاطه باللبن الحادث صار حكمه حكم العدم فيضمن بالبدل كالعين المغصوبة إذا هلكت عند الغاصب وتشبيهه بالعبد الآبق غير صحيح لأنه إذا تعذر رده صار في حكم الهالك فيتعين القيمة
ثم نقل عنهم بأنه يلزم منه إثبات الرد بغير عيب ولا شرط ثم أجاب بأنه لما رأى ضرعا مملوءا لبنا ظن أنه عادة لها فكان البايع شرط له ذلك فتبين له الأمر بخلافه فثبت له الرد لفقد الشرط المعنوي انتهى قلت البيع بمثل هذا الشرط فاسد إن كان لفظيا فبالمعنوي بالأولى ولا يصح من الشروط إلا شرط الخيار بالنص الوارد فيه وأما العيب فإذا ظهر فإنه يرده ولا يحتاج فيه إلى الشرط

(11/274)


9412 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( معتمر ) قال سمعت أبي يقول حدثنا ( أبو عثمان ) عن ( عبد الله ابن مسعود ) رضي الله تعالى عنه قال من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعا ونهى النبي أن تلقى البيوع ( الحديث 9412 - طرفه في 4612 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه داخل في الحديث السابق المطابق للترجمة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول مسدد الثاني معتمر بضم الميم الأولى وكسر الثانية ابن سليمان الثالث أبوه سليمان بن طرخان الرابع أبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون أسلم في عهد النبي وأدى إليه الصدقات وغزا غزوات في عهد عمر رضي الله تعالى عنه مات في سنة خمس وتسعين وعمره مائة وثلاثون سنة الخامس عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع وفيه السماع وفيه القول في موضعين وفيه أن رجاله كلهم بصريون غير ابن مسعود وفيه رواية الابن عن الأب وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري مفرقا عن مسدد ويزيد بن زريع وأخرجه مسلم فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه الترمذي فيه عن هناد بن السري وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن يحيى بن حكيم ثم إن هذا الحديث رواه الأكثرون عن معتمر بن سليمان موقوفا وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن معاذ عن معتمر بن سليمان مرفوعا وذكر أن رفعه غلط ورواه أكثر أصحاب سليمان عنه كما هنا موقوفا حديث المحفلة من كلام ابن مسعود وحديث النهي عن التلقي مرفوع وخالفهم أبو خالد الأحمر عن سليمان التيمي فرواه بهذا الإسناد مرفوعا أخرجه الإسماعيلي وأشار إلى وهمه أيضا
ذكر معناه قوله فردها فليرد معها صاعا قال الكرماني هو من قبيل
( علفتها تبنا وماء باردا )
بأن يقال إن ثمة إضمارا أي وسقيتها ماء أو يجعل علفتها مجازا عن فعل شامل للتعليف والسقي نحو أعطيتها وقيل فردها أي أراد ردها فليرد معها وقال بعضهم يجوز أن تكون مع بمعنى بعد فيكون المعنى فليرد بعدها صاعا واستشهد لقوله هذا بقوله تعالى وأسلمت مع سليمان ( النمل 44 ) قلت لم يذكر النحاة لمع إلا ثلاث معان أحدها موضع الاجتماع ولهذا يخبر بها عن الذوات نحو والله معكم ( محمد 53 ) الثاني زمانه نحو جئتك مع العصر والثالث مرادفة عند وما رأيت في كتب القوم ما يدل على ما ذكره قوله تلقى أي يستقبل والتلقي الاستقبال وهو بضم التاء وفتح اللام وتشديد القاف ويروى بالتخفيف قوله البيوع أي أصحاب البيوع أو المراد من البيوع المبيعات
0512 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لا تلقوا الركبان ولا يبيع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا يبيع حاضر لباد ولا تصروا الغنم ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر
مطابقته للترجمة أوضح ما يكون ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة الكل عن مالك
قوله لا تلقوا الركبان بفتح القاف وأصله لا تتلقوا بتاءين فحذفت إحداهما أي لا تستقبلوا الذين يحملون المتاع إلى البلد للاشتراء منهم قبل قدوم البلد ومعرفة السعر وقال ابن عبد البر وأما قوله لا تلقوا الركبان فقد روي هذا المعنى بألفاظ مختلفة فرواه الأعرج عن أبي هريرة لا تلقوا الركبان وفي رواية ابن سيرين لا تلقوا الجلب ولا رواية أبي صالح وغيره نهى أن يتلقى السلع حتى يدخل الأسواق وروى

(11/275)


ابن عباس لا تستقبلوا السوق ولا يتلقى بعضكم لبعض والمعنى واحد فحمله مالك على أنه لا يجوز أن يشتري أحد من الجلب السلع الهابطة إلى الأسواق سواء هبطت من أطراف المصر أو من البوادي حتى يبلغ بالسلعة سوقها وقيل لمالك أرأيت إن كان تلك على رأس ستة أميال فقال لا بأس بذلك والحيوان وغيره في ذلك سواء وعن ابن القاسم إذا تلقاها متلق واشتراها قبل أن يهبط بها إلى السوق وقال ابن القاسم يفرض فإن نقصت عن ذلك الثمن لزمت المشتري قال سحنون وقال لي غير ابن القاسم يفسخ البيع وقال الليث أكره تلقي السلع وشراءها في الطريق أو على بابك حتى تقف السلعة في سوقها وسبب ذلك الرفق بأهل الأسواق لئلا ينقطعوا بهم عما له جلسوا يبتغون من فضل الله تعالى فنهوا عن ذلك لأن في ذلك إفسادا عليهم وقال الشافعي رفقا بصاحب السلعة لئلا يبخس في ثمن سلعته وعند أبي حنيفة من أجل الضرر فإن لم يضر بالناس تلقي ذلك لضيق المعيشة وحاجتهم إلى تلك السلعة فلا بأس بذلك وقال ابن حزم لا يحل لأحد أن يتلقى الجلب سواء خرج لذلك أو كان سائرا على طريق الجلاب وسواء بعد موضع تلقيه أو قرب ولو أنه عن السوق على ذراع فصاعدا لا لأصحابه ولا لغير ذلك أضر ذلك بالناس أو لم يضر فمن تلقى جلبا أي شيء كان فإن الجالب بالخيار إذا دخل السوق متى ما دخله ولو بعد أعوام في إمضاء البيع أو رده قوله ولا يبيع بعضكم على بيع بعض إلى آخره قد مر الكلام فيه فيما مضى مستوفى والله تعالى أعلم
56 -
( باب إن شاء رد المصراة وفي حلبتها صاع من تمر )
أي هذا باب يذكر فيه إن شاء المشتري ترك بيعه رد المصراة والحال أن الواجب في حلبتها صاع من تمر الحلبة بسكون اللام اسم الفعل ويجوز الفتح على أنه بمعنى المحلوب وأشار بهذا إلى أن الواجب رد صاع من تمر سواء كان اللبن قليلا أو كثيرا قوله رد فعل ماض والمصراة مفعوله والجملة جواب الشرط
1512 - حدثنا ( محمد بن عمرو ) قال حدثنا ( المكي ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( زياد ) أن ( ثابتا ) مولى ( عبد الرحمان بن زيد ) أخبره أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر
مطابقتها للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن عمرو بفتح العين كذا وقع في رواية الأكثرين بغير ذكر جده ووقع في رواية عبد الرحمن الهمداني عن المستملي محمد بن عمرو بن جبلة وكذا قال أبو أحمد الجرجاني في روايته عن الفربري وفي رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري حدثنا محمد بن عمرو يعني ابن جبلة وأهمل الباقون ذكر جده وجزم الدارقطني بأنه محمد بن عمرو أبو غسان المعروف بزنيج بضم الزاي وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره جيم وجزم الحاكم والكلاباذي بأنه محمد بن عمرو السواق بفتح السين المهملة وبالقاف البلخي وكذا قاله الكرماني وقال مات سنة ست وثلاثين ومائتين الثاني المكي على صورة النسبة إلى مكة وهو اسمه المكي بن إبراهيم وقد مر في باب إثم من كذب في كتاب العلم الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرابع زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن سعد بن عبد الرحمن الخامس ثابت بالثاء المثلثة ابن عياض بن الأحنف السادس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار كذلك في موضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه السماع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن المكي هو شيخه ولكنه روى عنه ههنا بواسطة وفيه أن شيخه من أفراده وهو البلخي على رواية الحاكم والرازي على رواية الدارقطني وأن شيخ شيخه زيادا بلخيان ولكن زياد أسكن خراسان ثم مكة وكان شريك ابن جريج وأن ثابتا مدني
والحديث أخرجه أبو داود في البيوع أيضا عن عبد الله بن مخلد التميمي عن المكي
قوله غنما هو اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور وعلى الإناث وقال الكرماني وهذا الصاع إنما يجب في الغنم وما في حكمها من مأكول اللحم بخلاف النهي عن التصرية وثبوت الخيار فإنهما عامان لجميع

(11/276)


الحيوانات وقال النووي في ( شرح مسلم ) بردها بدون الصاع لأن الأصل أنه إذا أتلف شيئا لغيره رد مثله إن كان مثليا وإلا فقيمته وأما جنس آخر من العروض فخلاف الأصول قلت هذا بعينه مذهب الحنفية قوله ففي حلبتها صاع من تمر ظاهره أن صاع التمر في مقابل المصراة سواء كانت واحدة أو أكثر لقوله من اشترى غنما لأنا قد ذكرنا أنه اسم جنس ثم قال وفي حلبتها صاع من تمر ونقل ابن عبد البر عمن استعمل الحديث وابن بطال عن أكثر العلماء وابن قدامة عن الشافعية والحنابلة وعن أكثر المالكية يرد عن كل واحدة صاعا وقال المازري من المستبشع أن يغرم متلف لبن ألف شاة كما يغرم متلف لبن شاة واحدة قلت استغنت الحنفية عن مثل هذه التعسفات ومذهبهم كما مر أن المصراة لا ترد ولكنه يرجع بنقصان العيب على أن فيه روايتين عن أبي حنيفة
66 -
( باب بيع العبد الزاني )
أي هذا باب في جواز بيع العبد الزاني مع بيان عيبه
وقال شريح إن شاء رد من الزنا
شريح هو ابن الحارث الكندي القاضي وقد مر غير مرة وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور بإسناد صحيح من طريق ابن سيرين أن رجلا اشترى من رجل جارية كانت فجرت ولم يعلم بذلك المشتري فخاصمه إلى شريح فقال إن شاء رد من الزنا قلت وعند الحنفية الزنا عيب في الأمة دون الغلام لأنه يخل بالمقصود منها وهو الاستفراش وطلب الولد والمقصود من الغلام الاستخدام وكذلك إذا كانت بنت الزنا فهو عيب وعند محمد في ( الأمالي ) لو اشترى جارية بالغة وكانت قد زنت عند البائع فللمشتري أن يردها وإن لم تزن عنده للحوق العار بالأولاد ولكن المذهب أن العيوب كلها لا بد لها من المعاودة عند المشتري حتى يرد إلا الزنا في الجارية كما ذكره محمد
2512 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( سعيد المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أنه سمعه يقول قال النبي إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر
مطابقته للترجمة في قوله فليبعها فإنه يدل على جواز بيع الزاني وفيه الإشعار بأن الزنا عيب
ورجاله قد ذكروا غير مرة واسم أبي سعيد كيسان المديني مولى بني ليث وكان سعيد يسكن المقبرة فنسب إليها
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن عبد العزيز بن عبد الله وفي المحاربين عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم في الحدود وأخرجه النسائي عن عيسى بن حماد وقال الدارقطني رواه ابن جريج وإسماعيل ابن أمية وأسامة بن زيد وعبد الرحمن بن إسحاق وأيوب بن موسى ومحمد بن عجلان وابن أبي ذئب وعبيد الله بن عمر فقالوا عن سعيد عن أبي هريرة لم يذكروا أبا سعيد وفي مسلم كذلك
ذكر معناه قوله فتبين زناها أي بالبينة أو بالحبل أو بالإقرار قوله فليجلدها وفي رواية أيوب بن موسى فليجلدها الحد قال أبو عمر لا نعلم أحدا ذكر فيه الحد غيره قوله ولا يثرب من التثريب بالثاء المثلثة بعد التاء المثناة من فوق وهو التعيير والاستقصاء في اللوم أي لا يزيد في الحد ولا يؤذيها بالكلام وقال الخطابي معناه أن لا يقتصر على التثريب بل يقام عليها الحد قوله ولو بحبل أي ولو كان البيع بحبل من شعر وهذا مبالغة في التحريض ببيعها وذكر الحبل بمعنى التقليل والتزهيد عن الزانية
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز بيع الزاني وقال أهل الظاهر البيع واجب وفيه أن الزنا عيب في الجارية وقد ذكرنا أنه ليس بعيب في الغلام إلا إذا كان معتادا به وفيه أن الزانية تجلد وممن كان يجلدها إذا زنت أو يأمر برجمها ابن مسعود وأبو برزة وفاطمة وابن عمر وزيد بن ثابت وإبراهيم النخعي وأشياخ الأنصار وعبد الرحمن بن أبي ليلى

(11/277)


وعلقمة والأسود وأبو جعفر محمد بن علي أبو ميسرة
واختلف العلماء في العبد إذا زنى هل الزنا عيب فيه يجب رده به أم لا فقال مالك هو عيب في العبد والأمة وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور وقول الشافعي كل ما ينقص من الثمن فهو عيب وقالت الحنفية هو عيب في الجارية دون الغلام كما ذكرناه ثم هل يجلدها السيد أم لا فقال مالك والشافعي وأحمد نعم وقال أبو حنيفة لا يقيم الجلد أو الحد إلا الإمام بخلاف التعزير واحتج بحديث أربع إلى الوالي فذكر منها الحدود
وهل يكتفي السيد يعلم الزنا أم لا فيه روايتان عند المالكية ولم يذكر في الحديث عدد الجلد وروى النسائي أن رجلا أتى النبي فقال إن جاريتي زنت وتبين زناها قال إجلدها خمسين ثم أتاه فقال عادت وتبين زناها قال إجلدها خمسين ثم أتاه فقال عادت قال بعها ولو بحبل من شعر والأمة لا ترجم سواء كانت متزوجة أم لا
والزاني إذا حد ثم زنى ثانيا لزمه حد آخر على ذلك الأئمة الأربعة والإحصان في الرجم شرط والشروط سبعة الحرية والعقل والبلوغ والإسلام وعن أبي يوسف أنه ليس بشرط وبه قال الشافعي وأحمد لأنه رجم يهوديين قلنا كان ذلك بحكم التوراة قبل نزول آية الجلد في أول ما دخل النبي المدينة وصار منسوخا بها ثم نسخ الجلد في حق المحصن والشرط الخامس الوطء والسادس أن يكون الوطء بنكاح صحيح والشرط السابع كونهما محصنين حالة الدخول حتى لو دخل بالمنكوحة الكافرة أو المملوكة أو المجنونة أو الصبية لم يكن محصنا وكذلك لو كان الزوج عبدا أو صبيا أو مجنونا أو كافرا وهي مسلمة عاقلة بالغة فإن قلت كيف يتصور أن يكون الزوج كافرا والمرأة مسلمة قلت صورته أن يكونا كافرين فأسلمت المرأة ودخل بها الزوج قبل عرض الإسلام عليه
ومنه استنبط قوم جواز البيع بالغبن قالوا لأنه بيع خطير بثمن يسير وقال القرطبي هذا ليس بصحيح لأن الغبن المختلف فيه إنما هو مع الجهالة من المغبون وأما مع علم البائع بقدر ما باع وما قبض فلا يختلف فيه لأنه عن علم منه ورضى فهو إسقاط لبعض الثمن لا سيما أن الحديث خرج على جهة التزهيد وترك الغبطة وفيه ترك اختلاط الفساق وفراقهم فإن قلت فما معنى أمره ببيع الأمة الزانية والذي يشتريها يلزمه من اجتنابها ومباعدتها ما يلزم البائع وكيف يكره شيئا ويرتضيه لأخيه المسلم قلت لعل الثاني يصونها بهيبته أو بالإحسان إليها أو لعلها تستعف عند الثاني بأن يزوجها أو يعفها بنفسه ونحو ذلك
4512 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( أبي هريرة وزيد بن خالد ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها ولو بنفير قال ابن شهاب لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعبيد الله بن عبد الله بالتصغير في الإبن والتكبير في الأب ابن عتبة بن مسعود وزيد بن خالد الجهني الصحابي المدني مر في باب الغضب في الموعظة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن عبد الله بن يوسف عن مالك وفي العتق عن مالك بن إسماعيل عن سفيان بن عيينة وفي البيوع أيضا عن زهير بن حرب وأخرجه مسلم في الحدود عن عمرو الناقد وعن أبي الطاهر وعن محمد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به وأخرجه النسائي في الرجم عن قتيبة عن مالك به وعن الحارث بن مسكين عن سفيان به وعن أبي داود الحراني وعن محمد بن بكير وعن أبي الطاهر بن السرح ولم يذكر أبا هريرة وأخرجه ابن ماجه في الحدود عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح
وقال أبو عمر تابع مالكا على سند هذا الحديث يونس بن يزيد ويحيى بن سعيد ورواه عقيل والزبيدي وابن أخي الزهري

(11/278)


عن عبيد الله عن شبل بن خالد المزني أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره أن رسول الله سئل عن الأمة الحديث إلا أن عقيلا وحده قال مالك بن عبد الله وقال الآخران عبد الله بن مالك وكذا قال يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن شبل ابن خالد عن عبد الله بن مالك الأوسي فجمع يونس الإسنادين جميعا في هذا الحديث وانفرد مالك بإسناد واحد وعند عقيل والزبيدي وابن أخي الزهري فيه أيضا بإسناد آخر عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل أن النبي سئل عن الأمة إذا زنت الحديث هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث جعل شبلا مع أبي هريرة وزيد فأخطأ وأدخل إسناد حديث في آخر ولم يتم حديث شبل قال أحمد بن زهير سمعت يحيى يقول شبل لم يسمع من النبي شيئا وفي رواية ليست له صحبة يقال شبل بن معبد وشبل بن حامد روى عن عبد الله بن مالك عن النبي قال يحيى وهذا عندي أشبه قلت ذكر الذهبي في ( تجريد الصحابة ) شبل بن معبد وقيل ابن حامد وقيل ابن خليد المزني أو البجلي روى عنه عبيد الله بن عبد الله وذكر أيضا مالك بن عبد الله الأوسي وقال المستغفري له صحبة ويقال الأويسي وصوابه عبد الله بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر معناه قوله ولم تحصن بضم التاء وسكون الحاء من الإحصان ويروى بضم التاء وفتح الحاء وتشديد الصاد من التحصن من باب التفعل الإحصان المنع والمرأة تكون محصنة بالإسلام والعفاف والحرية والتزوج يقال أحصنت المرأة فهي محصنة وكذا الرجل والمحصن بالفتح يكون بمعنى الفاعل والمفعول وهو أحد الثلاثة التي جئن نوادر يقال أحصن فهو محصن وأسهب فهو مسهب وأفلج فهو مفلج وقال الطحاوي لم يقل هذه اللفظة غير مالك بن أنس عن الزهري قال أبو عمر وهو من رواية ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما رواه مالك رحمه الله تعالى ومفهومه أنها إذا أحصنت لا تجلد بل ترجم كالحرة لكن الأمة تجلد محصنة كانت أو غير محصنة ولكن لا اعتبار للمفهوم حيث نطق القرآن صريحا بخلافه في قوله تعالى فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( النساء 52 ) فالحديث دل على جلد غير المحصن والآية على جلد المحصن لأن الرجم لا ينصف فيجلدان عملا بالدليلين أو يكون الإحصان بمعنى العفة عن الزنا كما في قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ( النور 4 ) أي العفيفات وقال الخطابي ذكر الإحصان في الحديث غريب مشكل جدا إلا أن يقال معناه العتق وقيل معناه ما لم تتزوج وقد اختلف فيه في قوله تعالى فإذا أحصن ( النساء 52 ) هل هو الإسلام أو التزوج فتحد المتزوجة وإن كانت كافرة قاله الشافعي أو الحرية وحديث علي رضي الله تعالى عنه أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن أخرجه مسلم موقوفا والنسائي مرفوعا فتحد الأمة على كل حال أي على أي حالة كانت ويعتذر عن الإحصان في الآية لأنه أغلب حال الإماء وإحصان الأمة عند مالك والكوفيين إسلامها قاله ابن بطال قوله ثم إن زنت فاجلدوها أي بعد الجلد أي إذا جلدت ثم زنت تجلد مرة أخرى بخلاف ما لو زنت مرات ولم تجلد لواحدة منهن فيكفي حد واحد للجميع قوله بضفير بفتح الضاد المعجمة وكسر الفاء هو الحبل المنسوج أو المفتول يقال أضفر نسج الشعر وفتله وهو فعيل بمعنى مفعول وقال ابن فارس هو الضفر حبل الشعر وغيره عريضا وهو مثل تضربه العرب للتقليل مثل لو منعوني عقالا ولو فرسن شاة قوله قال ابن شهاب هو المذكور في سند الحديث وقد تردد ابن شهاب بقوله لا أدري أبعد الثلاثة الهمزة فيه للاستفهام هل أراد أن بيعها يكون بعد الزنية الثالثة أو الرابعة وقد جزم أبو سعيد المقبري أنه في الثالثة كما ذكره البخاري أولا
76 -
( باب البيع والشراء مع النساء )
أي هذا باب في بيان حكم البيع والشراء بالنساء
5512 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال ( عروة بن الزبير ) قالت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها دخل رسول الله فذكرت له فقال رسول الله اشتري وأعتقي فإن الولاء لمن أعتق ثم قام النبي من العشي فأثنى على

(11/279)


الله بما هو أهله ثم قال ما بال أناس يشترطون شروطا ليس في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن اشترط مائة شرط شرط الله أحق وأوثق
مطابقته للترجمة في قوله اشترى يخاطب به عائشة والبيع والشراء كان في بريرة حيث اشترتها عائشة من أهلها وصدق البيع والشراء هنا من النساء مع الرجال وقال بعضهم شاهد الترجمة منه قوله ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله لإشعاره بأن قصة المبايعة كانت مع رجال وكان الكلام في ذلك مع عائشة زوج النبي قلت فيما ذكره بعد والأقرب الأوجه ما ذكرناه وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي
وهذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع عديدة بيناها في كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء في المسجد واستقصينا الكلام فيه من سائر الوجوه
وقد أكثر الناس في حديث عائشة في قصة بريرة من الإمعان في بيانه على اختلاف ألفاظه واختلاف رواته وقد ألف محمد بن جرير فيه كتابا وللناس فيه أبواب أكثرها تكلف وتأويلات ممكنة لا يقطع بصحتها
قوله فذكرت له أي للنبي والذي ذكرت له عائشة مطوي هنا يوضحه رواية عمرة عن عائشة قالت أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي وقال أهلها إن شئت أعطيتها ما بقي وقال سفيان مرة إن شئت أعتقيها ويكون الولاء لنا فلما جاء رسول الله ذكرته ذلك فقال إبتعيها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق الحديث فهذا كله مطوي ههنا من أول الكلام إلى قوله فذكرت له فإن أردت التحقيق فارجع إلى الباب المذكور في كتاب الصلاة قوله وأوثق أي أحكم وأقوى
6512 - حدثنا ( حسان بن أبي عباد ) قال حدثنا ( همام ) قال سمعت ( نافعا ) يحدث عن ( عبد الله ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها ساومت بريرة فخرج إلى الصلاة فلما جاء قالت إنهم أبوا أن يبيعوها إلا أن يشترطوا الولاء فقال النبي إنما الولاء لمن أعتق قلت لنافع حرا كان زوجها أو عبدا قال ما يدريني
مطابقته للترجمة في قوله ساومت فإنها ما ساومت إلا أهل بريرة وهو البيع والشراء بين الرجال والنساء و حسان على وزن فعال بالتشديد ابن أبي عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة واسمه أيضا حسان مر في العمرة وهو من أفراد البخاري قال أبو حاتم منكر الحديث وهو بصري سكن مكة مات سنة ثلاث عشرة ومائتين وهمام بن يحيى والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفرائض عن حفص بن عمر
قوله ساومت بريرة بفتح الباء الموحدة وبراءين أولاهما مكسورة بنت صفوان كانت لقوم من الأنصار وكانت قبطية ذكرها الذهبي في الصحابيات واختلف في اسم زوجها والأصح أن أسمه مغيث بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وآخره ثاء مثلثة وقيل مقسم وقيل معتب اسم فاعل من التعتيب قوله فخرج أي النبي إلى الصلاة وقبله كلام مقدر بعد قوله ساومت بريرة والتقدير طلبت عائشة من أهل بريرة أن يبيعوها لها فقالوا نبيعها لك على أن ولاءها لنا وأرادت أن تخبر بذلك النبي فخرج إلى الصلاة فلما جاء النبي من الصلاة قالت إنهم إلى آخره قوله ما يدريني كلمة ما استفهامية أي أي شيء يدريني أي يعلمني وفيه خلاف ذكرناه في باب البيع والشراء على المنبر
86 -
( باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجر وهل يعينه أو ينصحه )
أي هذا باب يذكر فيه هل يبيع حاضر لباد وهو الذي يأتي من البادية ومعه شيء يريد بيعه وقد مر تفسيره غير مرة وأراد البخاري بهذه الترجمة الإشارة إلى أن النهي الوارد عن بيع الحاضر للبادي إنما هو إذا كان بأجر لأن الذي يبيع بأجرة لا يكون غرضه نصح البائع وإنما غرضه تحصيل الأجرة وأما إذا كان بغير أجر يكون ذلك من باب النصيحة

(11/280)


والإعانة فيقتضي ذلك جواز بيع الحاضر للبادي من غير كراهة فعلم من ذلك أن النهي الوارد فيه محمول على معنى خاص وهو البيع بأجر وقال ابن بطال أراد البخاري جواز ذلك بغير أجر ومنعه إذا كان بأجر كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا يكون له سمسارا فكأنه أجاز ذلك لغير السمسار إذا كان من طريق النصح وجواب الاستفهامين يعلم من المذكور في الباب واكتفى به على جاري عادته بذلك في بعض التراجم
وقال النبي إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له
ذكر هذا التعليق تأييدا لجواز بيع الحاضر للبادي إذا كان بغير أجر لأنه يكون من باب النصيحة التي أمر بها رسول الله ووصل هذا التعليق أحمد من حديث عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه حدثني أبي قال قال رسول الله دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل الرجل فلينصح له انتهى والنصح إخلاص العمل من شوائب الفساد ومعناه حيازة الحظ للمنصوح له وروى أبو داود من طريق سالم المكي أن أعرابيا حدثه أنه قدم بحلوبة له على طلحة بن عبيد الله فقال له إن النبي نهى أن يبيع حاضر لباد ولكن إذهب إلى السوق وانظر من يبايعك فشاورني حتى آمرك وأنهاك
ورخص فيه عطاء
أي ورخص عطاء بن أبي رباح في بيع الحاضر للبادي ووصله عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن عطاء بن أبي رباح قال سألته عن أعرابي أبيع له فرخص لي فإن قلت يعارض هذا ما رواه سعيد بن منصور من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما نهى رسول الله أن يبيع حاضر لباد لأنه أراد أن يصيب المسلمون غرتهم فأما اليوم فلا بأس فقال عطاء لا يصلح اليوم قلت أجاب بعضهم بأن الجمع بين الروايتين أن يحمل قول عطاء هذا على كراهة التنزيه قلت الأوجه أن يحمل ترخيصه فيما إذا كان بلا أجر ومنعه فيما إذا كان بأجر وقال بعضهم أخذ بقول مجاهد أبو حنيفة وتمسكوا بعموم قوله الدين النصيحة وزعموا أنه ناسخ لحديث النهي وحمل الجمهور حديث الدين النصيحة على عمومه إلا في بيع الحاضر للبادي فهو خاص فيقضي على العام وهذا الكلام فيه تناقض وقضاء الخاص على العام ليس بمطلق على زعمكم أيضا لاحتمال أن يكون الخاص ظنيا والعام قطعيا أو يكون الخاص منسوخا وأيضا يحتمل أن يكون الخاص مقارنا أو متأخرا أو متقدما وقوله والنسخ لا يثبت في الاحتمال مسلم ولكن من قال إن قوله الدين النصيحة ناسخ لحديث النهي بالاحتمال بل الأصلي عندنا في مثل هذا بالتراجيح منها أن أحد الخبرين عمل به الأمة فههنا كذلك فإن قوله الدين النصيحة عمل به جميع الأمة ولم يكن خلاف فيه لأحد بخلاف حديث النهي فإن الكل لم يعمل به فهذا الوجه من جملة ما يدل على النسخ ومنها أن يكون أحد الخبرين أشهر من الآخر وههنا كذلك بلا خلاف
7531 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( إسماعيل ) عن ( قيس ) قال سمعت ( جريرا ) رضي الله تعالى عنه يقول بايعت رسول الله على شهادة أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم
مطابقته للترجمة في قوله أو ينصحه وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وإسماعيل هو ابن أبي خالد واسم أبي خالد سعد وقيل هرمز وقيل كثير وقيس هو ابن أبي حازم واسمه عوف سمع من العشرة المبشرة والثلاثة أعني اسماعيل وقيسا وجريرا بجليون كوفيون مكتنون بأبي عبد الله وهذا من النوادر والحديث مضى في آخر كتاب الإيمان من باب قول النبي الدين النصيحة لله ولرسوله ومر الكلام فيه مستوفى
8512 - حدثنا ( الصلت بن محمد ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( عبد الله بن عبد الواحد ) قال حدثنا ( طاووس )

(11/281)


عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله لا تلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لباد قال فقلت لابن عباس ما قوله لا يبيع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا
مطابقته للترجمة من حيث إن قوله لا يبيع حاضر لباد يوضح الإبهام الذي في الترجمة بالاستفهام وأن جوابه لا يبيع
ذكر رجاله وهم ستة الأول الصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق ابن محمد بن عبد الرحمن الخاركي مر في الصلاة الثاني عبد الواحد بن زياد العبدي الثالث معمر بفتح الميمين ابن راشد الرابع عبد الله بن طاووس الخامس أبوه طاووس بن كيسان السادس عبد الله بن العباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وعبد الواحد ومعمر بصريون وعبد الله وأبوه يمانيان وفيه رواية الابن عن الأب
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الإجارة عن مسدد وأخرجه مسلم في البيوع أيضا عن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن عبيد وأخرجه النسائي عن محمد بن رافع وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن عباس بن عبد العظيم
ذكر معناه قوله لا تلقوا الركبان أصله لا تتلقوا بتاءين فحذفت إحداهما كما في نارا تلظى أصله تتلظى والركبان بضم الراء جمع راكب ولا يبيع بصورة النفي ويروى ولا يبع بصورة النهي وفي رواية الكشميهني لا تلقوا الركبان للبيع قوله سمسارا أي دلالا والسمسار في الأصل هو القيم بالأمر والحافظ له ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره ومعناه أن يبيع له بالأجرة وقد مر الكلام فيما مضى من الذي ذكر في هذا الباب وقال الكرماني لو خالف النهي وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم قلت هذا عجيب منهم لأن النهي عندهم يرفع الحكم مطلقا فكيف يقولون صح البيع مع التحريم وهذا لا يمشي إلا على أصل الحنفية وقال أيضا قال أبو حنيفة يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا لحديث الدين النصيحة قلت ليس على الإطلاق بل إنما يجوز إذا لم يكن فيه ضرر لأحد المتعاقدين
96 -
( باب من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر )

(11/282)


7 -
( باب لا يبيع حاضر لباد بالسمسرة )
أي هذا باب يذكر فيه لا يبيع حاضر لباد بالسمسرة قال صاحب ( المغرب ) السمسرة مصدر وهي أن يتوكل الرجل من الحاضرة للقادمة فيبيع لهم ما يجلبونه وفي ( التلويح ) كذا هذا الباب في البخاري وذكر ابن بطال أن في نسخته لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة وكذا ترجم له الإسماعيلي وهذا يكون بالقياس على البيع حاصله أن الحاضر كما لا يبيع للبادي فكذلك لا يشتري له وقال ابن حبيب المالكي الشراء للبادي مثل البيع له وقد اختلف العلماء في شراء الحاضر للبادي فكرهت طائفة كما كرهوا البيع له واحتجوا بأن البيع في اللغة يقع على الشراء كما يقع الشراء على البيع كقوله تعالى وشروه بثمن بخس ( يوسف 02 ) أي باعوه وهو من الأضداد وروي ذلك عن أنس وأجازت طائفة الشراء لهم وقالوا إن النهي إنما جاء في البيع خاصة ولم يعدوا ظاهر اللفظ روي ذلك عن الحسن البصري رحمه الله واختلف قول مالك في ذلك فمرة قال لا يشتري له ولا يشتري عليه ومرة أجاز الشراء له وبهذا قال الليث والشافعي وقال الكرماني قال إبراهيم والعرب تطلق البيع على الشراء ثم قال الكرماني هذا صحيح على مذهب من جوز استعمال اللفظ المشترك في معنييه أللهم إلا أن يقال البيع والشراء ضدان فلا يصح إرادتهما معا فإن قلت فما توجيهه قلت وجهه أن يحمل على عموم المجاز انتهى قلت قول إبراهيم العرب تطلق البيع على الشراء ليس مبينا أنه مشترك واستعمل في معنييه بل هما من الأضداد كما مر
وكرهه ابن سيرين وإبراهيم للبائع وللمشتري
أي كره محمد بن سيرين وإبراهيم النخعي شراء الحاضر للبادي كما يكرهان بيعه له ووصل تعليق ابن سيرين أبو عوانة في ( صحيحه ) من طريق سلمة بن علقمة عن ابن سيرين قال لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبيع حاضر لباد ونهيتم أن تبيعوا وتبتاعوا لهم قال نعم قال محمد وصدق إنها كلمة جامعة وروى أبو داود من طريق أبي بلال عن ابن سيرين عن أنس بلفظ كان يقال لا يبيع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا انتهى
قوله وهي كلمة جامعة أراد به أن لفظ لا يبيع كما يستعمل في معناه يستعمل في معنى الشراء أيضا وقال ابن حزم وروي عن إبراهيم قال كان يعجبهم أن يصيبوا من الأعراب شيئا وقال أيضا بيع الحاضر للبادي باطل فإن فعل فسخ البيع والشراء أبدا وحكم فيه بحكم الغصب وقال الترمذي رخص بعضهم في أن يشتري حاضر لباد وقال الشافعي يكره أن يبيع حاضر لباد فإن باع فالبيع جائز
وقال إبراهيم إن العرب تقول بع لي ثوبا وهي تعني الشراء
إنما قال إبراهيم النخعي هذا الكلام في معرض الاحتجاج فيما ذهب إليه من التسوية في الكراهة بين بيع الحاضر للبادي وبين شرائه له قوله تعني يعني تقصد وتريد
0612 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) قال أخبرني ( ابن جريج ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله لا يبتاع المرء على بيع أخيه ولا تناجشوا ولا يبيع حاضر لباد
مطابقته للترجمة في قوله ولا يبيع حاضر لباد ولفظ السمسرة وإن لم يكن مذكورا في الحديث فمتبادر إلى الذهب من اللام في قوله لباد فافهم ورجاله قد ذكروا غير مرة وابن جريج هو عبد الملك قوله عن ابن شهاب وفي رواية الإسماعيلي من طريق أبي عاصم عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب قوله لا يبتاع المرء كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره لا يبيع وقد مضى الكلام في ألفاظ هذا الحديث في الأبواب الماضية
1612 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( معاذ ) قال حدثنا ( ابن عون ) عن ( محمد ) قال ( أنس

(11/283)


ابن مالك ) رضي الله تعالى عنه نهينا أن يبيع حاضر لباد
مطابقته للترجمة ظاهرة والكلام في لفظ السمسرة ما ذكرناه في الحديث السابق ومعاذ بضم الميم وبالذال المعجمة ابن معاذ البصري قاضيها مر في الحج وابن عون هو عبد الله بن عون ومحمد هو ابن سيرين
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن أبي موسى عن معاذ بن معاذ وعن أبي موسى عن ابن أبي عدي كلاهما عن ابن عون وعن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمر وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى وعن أبي موسى
قوله نهينا يدل على الرفع كما في قوله أمرنا قوله أن يبيع حاضر لباد وزاد مسلم من طريق يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن أنس وإن كان أخاه أو أباه وهذه ثلاثة أبواب متوالية في كلها بيع حاضر لباد لكن في الأول استفهام بهل وفي الثاني نص على الكراهة بأجر وفي الثالث نهي في صورة النفي مقيد بالسمسرة وهو ترتيب حسن فيه إشارة إلى الأحكام المذكورة فيها وإلى تكثير الطرق للتقوية والتأكيد وإلى إسناد كل حكم إلى رواية الشيخ الذي استدل به عليه
17 -
( باب النهي عن تلقي الركبان )
أي هذا باب في بيان النهي عن تلقي الركبان أي عن استقبالهم لابتياع ما يحملونه إلى البلد قبل أن يقدموا الأسواق
وأن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز
وأن بيعه بفتح الهمزة أي وأن بيع متلقي الركبان مردود والضمير يرجع إلى المتلقي الذي يدل عليه قوله عن تلقي الركبان كما في قوله إعدلوا هو أقرب ( المائدة 8 ) أي العدل الذي هو المصدر يدل عليه إعدلوا والمراد بالبيع العقد وقوله مردود أي باطل يرد إذا وقع وقد ذهب البخاري في هذا إلى مذهب الظاهرية وقال بعضهم جزم البخاري بأن البيع مردود بناء على أن النهي يقتض الفساد لكن محل ذلك عند المحققين فيما يرجع الى ذات النهي لا فيما إذا كان يرجع إلى أمر خارج عنه فيصح البيع ويثبت الخيار بشرطه انتهى قلت هؤلاء المحققون هم الحنفية فإن مذهبهم في باب النهي هذا وينبني على هذا الأصل مسائل كثيرة محلها كتب الفروع وقال ابن حزم وهو حرام سواء خرج للتلقي أم لا بعد موضع تلقيه أم قرب ولو أنه عن السوق على ذراع والجالب بالخيار إذا دخل السوق في إمضاء البيع أو رده وقال ابن المنذر كره تلقي السلع بالشراء مالك والليث والأوزاعي فذهب مالك إلى أنه لا يجوز تلقي السلع حتى تصل إلى السوق ومن تلقاها فاشتراها منهم يشترك فيها أهل السوق إن شاءوا كان واحدا منهم وقال ابن القاسم وإن لم يكن للسلعة سوق عرضت على الناس في المصر فيشتركون فيها إن أحبوا فإن أخذوها وإلا ردوها عليه ولا يرد على بائعها وقال غيره يفسخ البيع في ذلك وقال الشافعي من تلقاها فقد أساء وصاحب السلعة بالخيار إذا قدم به السوق في إنفاذ البيع أورده لأنهم يتلقونهم فيخبرونهم بكساد السلع وكثرتها وهم أهل غرة ومكر وخديعة وحجته حديث أبي هريرة فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار وذهب مالك أن نهيه عن التلقي إنما يريد به نفع أهل السوق لا نفع رب السلعة وعلى ذلك يدل مذهب الكوفيين والأوزاعي وقال الأبهري معناه لئلا يستفيد الأغنياء وأصحاب الأموال بالشراء دون أهل الضعف فيؤدي ذلك إلى الضرر بهم في معايشهم ولهذا المعنى قال مالك إنه يشترك معهم إذا تلقوا السلع ولا ينفرد بها الأغنياء
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان التلقي في أرض لا يضر بأهلها فلا بأس به وإن كان يضرهم فهو مكروه واحتج الكوفيون بحديث ابن عمر قال كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهانا رسول الله أن نبيعه حتى نبلغ به سوق الطعام وقال الطحاوي في هذا الحديث إباحة التلقي وفي أحاديث غيره النهي عنه وأولى بنا أن نجعل ذلك على غير التضاد فيكون ما نهى عنه من التلقي لما في ذلك من الضرر على غير المتلقين المقيمين في السوق وما أبيح من التلقي هو ما لا ضرر فيه عليهم وقال الطحاوي أيضا والحجة في إجازة الشراء مع التلقي المنهي عنه حديث أبي هريرة لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فهو بالخيار إذا أتى السوق فيه جعل الخيار مع النهي وهو دال على الصحة إذ لا يكون الخيار إلا فيها إذ لو كان فاسدا لأجبر بائعه ومشتريه على فسخه قلت حديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم وأبو داود والطحاوي أيضا وحديث ابن

(11/284)


عمر المذكور الآن أخرجه مسلم والطحاوي قوله لأن صاحبه أي صاحب التلقي عاص آثم أي مرتكب الإثم إذا كان به أي بالنهي عن تلقي الركبان عالما لأنه ارتكب المعصية مع علمه بورود النهي عن ذلك والعلم شرط لكل ما نهى عنه قوله وهو خداع أي تلقي الركبان خداع للمقيمين في الأسواق أو لغير المتلقين والخداع حرام لقوله الخديعة في النار أي صاحب الخديعة وقال بعضهم لا يلزم من ذلك أي من كونه خداعا أن يكون البيع مردودا لأن النهي لا يرجع إلى نفس العقد ولا يخل بشيء من أركانه وشرائطه بل لدفع الضرر بالركبان قلت هذا التعليل هو الذي يقول به الحنفية في أبواب النهي والعجب من الشافعية أنهم يقولون إن النهي يقتضي الفساد ثم مطلقا في بعض المواضع يذهبون إلى ما قاله الحنفية وقال بعضهم يمكن أن يحمل قول البخاري إن البيع مردود على ما إذا اختار البائع رده فلا يخالف الراجح قلت هذا الحمل الذي ذكره هذا القائل يرده هذه التأكيدات التي ذكرها وهي قوله لأن صاحبه عاص إلى آخره ولم يبق بعد هذه إلا أن يقال كاد أن يخرج من الإيمان ألا ترى إلى الإسماعيلي كيف اعترض عليه وألزمه هذا التناقض ببيع المصراة فإن فيه خداعا ومع ذلك لم يبطل البيع وبكونه فصل في بيع الحاضر للبادي بين أن يبيع له بأجر أو بغير أجر واستدل عليه أيضا بحديث حكيم بن حزام الماضي في بيع الخيار ففيه فإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما قال فلم يبطل بيعها بالكذب والكتمان للعيب وقد ورد بإسناد صحيح أن صاحب السلعة إذا باعها لمن تلقاه يصير بالخيار إذا دخل السوق ثم ساقه من حديث أبي هريرة انتهى ولو كان للحمل الذي ذكر القائل المذكور وجه لذكره الإسماعيلي ولا أطنب في هذا الاعتراض وقال ابن المنذر أجاز أبو حنيفة التلقي وكرهه الجمهور قلت ليس مذهب أبي حنيفة كما ذكره على الإطلاق ولكن على التفصيل الذي ذكرناه عن قريب والعجب من ابن المنذر وأمثاله كيف ينقلون عن أبي حنيفة شيئا لم يقل به وإنما ذلك منهم من أريحية العصبية على ما لا يخفى
2612 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( عبيد الله العمري ) عن ( سعيد بن أبي سعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال نهى النبي عن التلقي وأن يبيع حاضر لباد
مطابقته للترجمة في قوله عن التلقي وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وسعيد هو المقبري وهذا من أفراده مشتمل على حكمين مضى البحث فيهما
3612 - حدثني ( عياش بن الوليد ) قال حدثنا ( عبد الأعلى ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه قال سألت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما ما معنى قوله لا يبيعن حاضر لباد فقال لا يكن له سمسارا ( انظر الحديث 8512وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا الحديث مختصر عن الحديث الذي رواه في باب هل يبيع حاضر لباد فبالنظر إلى أصل الحديث المطابقة موجودة وعياش بتشديد الياء آخر الحروف والشين المعجمة ابن الوليد أبو الوليد الرقام البصري وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وابن طاووس هو عبد الله وقد مر الكلام فيه هناك
4612 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثني ( التيمي ) عن ( أبي عثمان ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال من اشترى محفلة فليرد معها صاعا ونهى النبي عن تلقي البيوع
مطابقته للترجمة في قوله عن تلقي البيوع التميمي هو سليمان بن طرخان أبو المعتمر وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون وهؤلاء كلهم بصريون وقد مضى الحديث في باب النهي للبائع أن لا يحفل فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن

(11/285)


معتمر عن أبيه سليمان التميمي عن أبي عثمان عبد الرحمن النهدي عن عبد الله بن مسعود ومضى الكلام فيه هناك
27 -
( باب منتهى التلقي )
أي هذا باب في بيان منتهى جواز التلقي وهو إلى أعلى سوق البلد وأما التلقي المحرم فهو ما كان إلى خارج البلد واعلم أن التلقي له ابتداء وانتهاء وأما ابتداؤه فهو من الخروج من منزله إلى السوق وأما انتهاؤه فهو من جهة البلد لا حد له وأما من جهة التلقي فهو أن يخرج من أعلى السوق وأما التلقي في أعلى السوق فهو جائز لما في حديث ابن عمر كانوا يتبايعون في أعلاه وأما ما كان خارجا من السوق في الحاضرة أو قريبا منها بحيث يجد من يسأله عن سعرها فهذا يكره له أن يشتري هناك لأنه داخل في معنى التلقي وإن خرج من السوق ولم يخرج عن البلد فقد صرح الشافعية بأنه لا يدخل في النهي وأما الموضع البعيد الذي لا يقدر فيه على ذلك فيجوز فيه البيع وليس بتلق قال مالك وأكره أن يشتري في نواحي المصر حتى يهبط إلى السوق وقال ابن المنذر بلغني هذا القول عن أحمد وإسحاق أنهما نهيا عن التلقي خارج السوق ورخصا في ذلك في أعلاه ومذاهب العلماء في حد التلقي متقاربة وروى عن يحيى بن سعيد أنه قال في مقدار الميل من المدينة أو آخر منازلها هو من تلقي البيوع المنهي عنه وروى ابن القاسم عن مالك أن الميل من المدينة ليس بتلق وقيل له فإن كان على ستة أميال قال لا بأس بالشراء وليس بتلق وعلم من ذلك أن التلقي الممنوع عنده إذا خرج من مقدار ستة أميال وروى أشهب عنه في الذين يخرجون ويشترون الفاكهة من مواضعها أنه لا بأس به لأنه ليس بتلق لأنهم يشترون من غير جالب وقال ابن حبيب لا يجوز للرجل في الحضر أن يشتري ما مر به من السلع وإن كان على بابه إذا كان لها مواقف في السوق يباع فيها وهو متلق إن فعل ذلك وما لم يكن لها موقف وإنما يطاف بها فأدخلت أزقة الحاضرة فلا بأس أن يشتري وإن لم يبلغ السوق وقال الليث من كان على بابه أو في طريقه فمرت به سلعة فاشتراها فلا بأس بذلك والمتلقي عنده الخارج القاصد إليه وقال ابن حبيب ومن كان موضعه غير الحاضرة قريبا منها أو بعيدا لا بأس أن يشتري ما مر به للأكل خاصة لا للبيع ورواه أشهب عن مالك رحمه الله
6612 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهانا النبي أن نبيعه حتى نبلغ به سوق الطعام
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يذكر منع النبي لهم إلا عن بيعهم في مكانه فعلم أن مثل ذلك التلقي كان غير منهي مقررا على حاله وقوله نبلغ به سوق الطعاميدل على أن منتهى التلقي هو أن يخرج عن أعلى السوق وعلى ما يجيء الآن مشروحا بأوضح منه
ورجال الحديث قد تكرر ذكرهم وجويرية تصغير جارية هو ابن أسماء بن عبيد الضبعي وقال

(11/286)


المازري فإن قيل المنع من بيع الحاضر للبادي سببه الرفق لأهل البلد واحتمل فيه غبن البادي والمنع من التلقي أن لا يغبن البادي فالجواب أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل إلى مصلحة الناس والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد لا للواحد على الواحد فلما كان البادي إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق واشتروا رخيصا فانتفع به جميع سكان البلد نظر الشرع لأهل البلد على البادي ولما كان في التلقي إنما ينفع المتلقي خاصة وهو واحد في قبالة واحد لم يكن في إباحة التلقي مصلحة لا سيما وينضاف إلى ذلك علة ثانية وهو لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص وقطع الموارد عنهم وهم أكثر من المتلقي فنظر الشرع لهم عليه فلا تناقض في المسألتين بل هما متفقان في الحكمة والمصلحة
قال أبو عبد الله هذا في أعلى السوق يبينه حديث عبيد الله
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأشار بهذا إلى حديث جويرية المذكور وأراد به أن التلقي المذكور فيه كان إلى أعلى السوق بينه حديث عبيد الله العمري الذي يأتي بعده حيث قال كانوا يتبايعون الطعام في أعلى السوق ففهم منه أن التلقي إلى خارج البلد هو المنهي لا غير وقول البخاري هذا وقع عقيب رواية عبد الله بن عمر في رواية أبي ذر ووقع في رواية غيره عقيب حديث جويرية
7612 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال كانوا يتبايعون الطعام في أعلى السوق فيبيعونه في مكانهم فنهاهم رسول الله أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه
هذا لبيان الموعود الذي وعده بقوله بينه حديث عبيد الله العمري عن نافع الذي روى عنه يحيى القطان وقال بعضهم أراد البخاري بذلك الرد على من استدل به على جواز تلقي الركبان لإطلاق قول ابن عمر كنا نتلقى الركبان ولا دلالة فيه لأن معناه أنهم كانوا يتلقونهم في أعلى السوق كما في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع وقد صرح مالك في روايته عن نافع بقوله ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق فدل على أن التلقي الذي لم ينه عنه إنما هو ما بلغ السوق انتهى قلت البخاري لم يورد هذا الحديث لما ذكره هذا القائل لأنه صرح بأنه لبيان المراد من حديث جويرية عن نافع ولو أراد هذا الذي ذكره لكان ترجم له ووجه بيانه هو أن التلقي المذكور في حديث جويرية كان إلى أعلى السوق بينه حديث عبيد الله حيث قال كانوا يتبايعون الطعام في أعلى السوق ففهم منه أن التلقي إلى خارج البلد هو المنهي عنه لا غير قوله حتى ينقلوه الغرض منه حتى يقبضوه لأن العرف في قبض المنقول أن ينقل عن مكانه
37 -
( باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اشترط الشخص في البيع شروطا لا تحل قوله لا تحل صفة شروطا وليس هو جواب إذا وجواب إذا محذوف تقديره لا يفسد البيع بذلك
8612 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت جاءتني بريرة فقالت كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام وقية فأعينيني فقلت إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول الله جالس فقالت إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء فسمع النبي فأخبرت عائشة النبي فقال خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ثم قام رسول الله

(11/287)


في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق
مطابقته للترجمة في قوله ما بال رجال يشترطون إلى آخره وقد مضى هذا الحديث مختصرا في باب البيع والشراء مع النساء ومضى مطولا في كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد رواه عن عمرة عن عائشة وقد مر البحث فيه هناك مستقصى ولكن نذكر بعض شيء
قوله أواق جمع أوقية وأصلها أواقي بتشديد الياء فحذفت إحدى الياءين تخفيفا والثانية على طريقة قاض وفي مقدار الأوقية خلاف قوله أن أعدها لهم أي أعد تسع أواق لأهلك وأعتقك ويكون ولاؤك لي بأن يفسخ الكتابة لعجز المكاتب عن أداء النجوم قوله من عندهم ويروى من عندها أي من عند أهلها قوله جالس أي عند عائشة قوله فقالت أي بريرة قوله عرضت ذلك أي ما قالته لها عائشة قوله فأبوا أي امتنعوا قوله فسمع النبي أي ما قالته بريرة قوله فأخبرت عائشة قيل ما الفائدة في إخبار عائشة حيث سمع النبي وأجيب بأنه سمع شيئا مجملا فأخبرته عائشة به مفصلا قوله فقال خذيها أي فقال النبي خذي بريرة أي اشتريها قوله أما بعد أي بعد حمد الله والثناء عليه قوله ما بال رجال هذا جواب أما والأصل فيه أن يكون بالفاء وقد تحذف قوله ما كان كلمة ما موصولة متضمنة معنى الشرط فلذلك دخلت الفاء في جوابه وهو قوله فهو باطل قوله وإن كان مائة شرط مبالغة وقوله شرط مصدر ليكون معناه مائة مرة حتى يوافق الرواية المصرحة بلفظ المرة قوله وشرط الله أوثق فيه سجع وهو من محسنات الكلام إذا لم يكن فيه تكلف وإنما نهى عن سجع الكهان لما فيه من التكلف
وقال النووي رحمه الله هذا حديث عظيم كثير الأحكام والقواعد وفيه مواضع تشعبت فيها المذاهب
أحدها أنها كانت مكاتبة وباعها الموالي واشترتها عائشة وأقر النبي بيعها فاحتجت به طائفة من العلماء أنه يجوز بيع المكاتب وممن جوزه عطاء والنخعي وأحمد وقال ابن مسعود وربيعة وأبو حنيفة والشافعي وبعض المالكية ومالك في رواية عنه لا يجوز بيعه وقال بعض العلماء يجوز بيعه للعتق لا للاستخدام وأجاب من أبطل بيعه عن حديث بريرة أنها عجزت نفسها وفسخوا الكتابة
الموضع الثاني قوله اشتريتها إلى آخره مشكل من حديث الشراء وشرط الولاء لهم وإفساد البيع بهذا الشرط ومخادعة البائعين وشرط ما لا يصح لهم ولا يحصل لهم وكيفية الإذن لعائشة ولهذا الإشكال أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته وهذا منقول عن يحيى بن أكثم والجمهور على صحته واختلفوا في تأويله فقيل اشترطي لهم الولاء أي عليهم كما في قوله تعالى ولهم اللعنة ( الرعد 52 ) أي وعليهم نقل هذا عن الشافعي والمزني وقيل معنى اشترطي أظهري لهم حكم الولاء وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنهم لما ألحوا في اشتراطه ومخالفة الأمر قال لعائشة هذا بمعنى لا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط باطل مردود وقيل هذا الشرط خاص في قصة عائشة وهي قضية عين لا عموم لها
الثالث أن الولاء لمن أعتق وقد أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق عبده أو أمته عن نفسه وأن يرث به وأما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير وقال جماعة من التابعين يرثه كعكسه
الرابع أنه خير بريرة في فسخ نكاحها وأجمعت الأمة على أنه إذا اعتقت كلها تحت زوجها وهو عبد كان لها خيار في فسخ النكاح فإن كان حرا فلا خيار لها عند الشافعي ومالك وقال أبو حنيفة لها الخيار
الخامس أن قوله كل شرط إلى آخره صريح في إبطال كل شرط ليس له أصل في كتاب الله تعالى وقام الإجماع على أن من شرط في البيع شرطا لا يحل أنه لا يجوز عملا بهذا الحديث واختلفوا في غيرها من الشروط على مذاهب مختلفة فذهبت طائفة إلى أن البيع جائز والشرط باطل على نص حديث بريرة وهو قول ابن أبي ليلى والحسن البصري والشعبي والنخعي والحكم وابن جرير وأبو ثور وذهبت طائفة أخرى إلى جوازهما واحتجوا بحديث جابر رضي الله تعالى عنه في بيعه جمله واستثنائه حمله إلى المدينة وروي

(11/288)


ذلك عن حماد وابن شبرمة وبعض التابعين وذهبت طائفة ثالثة إلى بطلانهما واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي نهى عن بيع وشرط وهو قول عمر وولده وابن مسعود والكوفيين والشافعي وقد يجوز عند مالك البيع والشرط مثل أن يشترط البائع ما لم يدخل في صفقة البيع مثل أن يشتري زرعا ويشترط على البائع حصده أو دارا ويشترط سكناها مدة يسيرة أو يشترط ركوب الدابة يوما أو يومين وأبو حنيفة والشافعي لا يجيزان هذا البيع كله ومما أجازه مالك فيه البيع والشرط شراء العبد بشرط عتقه إتباعا للسنة في بريرة وبه قال الليث والشافعي في رواية الربيع وأجاز ابن أبي ليلى هذا البيع وأبطل الشرط وبه قال أبو ثور وأبطل أبو حنيفة البيع والشرط وأخذ بعموم نهيه عن بيع وشرط ومما أجازه مالك فيه البيع وإبطال الشرط كشراء العبد على أن يكون الولاء للبائع وهذا البيع أجمعت الأمة على جوازه وإبطال الشرط فيه لمخالفته السنة وكذلك من باع سلعة وشرط أن لا ينقد المشتري الثمن إلى ثلاثة أيام ونحوها فالبيع جائز والشرط باطل عند مالك وأجاز ابن الماجشون البيع والشرط وممن أجاز هذا البيع الثوري ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق ولم يفرقوا بين ثلاثة أيام وأكثر منها وأجاز أبو حنيفة البيع والشرط إلى ثلاثة أيام وإن قال إلى أربعة أيام بطل البيع لأن اشتراط الخيار بأكثر من ثلاثة أيام لا يجوز عنده وبه قال أبو ثور
ومما يبطل فيه عند مالك البيع والشرط مثل أن يبيعه جارية على أن لا يبيعها ولا يهبها على أن يتخذها أم ولد فالبيع عنده فاسد وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأجازت طائفة هذا البيع وأبطلت الشرط وهذا قول الشعبي والنخعي والحسن وابن أبي ليلى وأبي ثور وقال حماد الكوفي البيع جائز والشرط لازم ومما يبطل فيه البيع والشرط عند مالك والشافعي والكوفيين نحو بيع الأمة والناقة واستثناء ما في بطنها وهو عندهم من بيوع الغرر وقد أجاز هذا البيع والشرط النخعي والحسن وأحمد وإسحاق وأبو ثور واحتجوا بأن ابن عمر أعتق جارية واستثنى ما في بطنها
ومما حكي عن عبد الوارث بن سعيد قال قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة فقلت ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا فقال البيع باطل والشرط باطل ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال البيع جائز والشرط باطل ثم أتيت ابن شبرمة فقال البيع جائز والشرط جائز فقلت سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا على مسألة واحدة فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال ما أدري ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي نهى عن بيع وشرط البيع باطل والشرط باطل ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال ما أدري ما قالا حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أمرني رسول الله أن أشتري بريرة فأعتقيها البيع جائز والشرط باطل ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال ما أدري ما قالا حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال بعت من النبي ناقة فاشترط لي حملانها إلى المدينة البيع جائز والشرط جائز
9612 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن عائشة أم المؤمنين أرادت أن تشتري جارية فتعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله فقال لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي في قوله نبيعكها على أن ولاءها لنا وهذا الشرط باطل والترجمة فيه وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في الفرائض عن إسماعيل وقتيبة فرقهما وأخرجه مسلم في العتق عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود في الفرائض والنسائي في البيوع جميعا عن قتيبة به والكلام فيه قد مر في الحديث الذي قبله وفي الباب الذي فيه الترجمة البيع والشراء مع النساء
47 -
( باب بيع التمر بالتمر )
أي هذا باب في بيان حكم بيع التمر بالتمر

(11/289)


712 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( مالك بن أويس ) قال سمع ( عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال البر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء
هذا الحديث قد مر من رواية عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أويس عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة ومر الكلام فيه مستوفى وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي
57 -
( باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام )
أي هذا باب في حكم بيع الزبيب إلى آخره
1712 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله نهى عن المزابنة والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الزبيب بالكرم كيلا
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث المعنى وقال الإسماعيلي ليس في الحديث الذي ذكره البخاري من جهة النص الزبيب بالزبيب ولا الطعام بالطعام فلو حقق الحديث ببيع التمر في رؤوس الشجر بمثله من جنسه يابسا أو صحح الكلام على قدر ما ورد به لفظ الخبر كان أولى وقال بعضهم كأن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرقه من ذكر الطعام وهو في رواية الليث عن نافع كما سيأتي انتهى قلت هذا الذي قاله لا يساعد البخاري والوجه ما ذكرناه من أنه أخذ في الترجمة من حيث المعنى وهذا المقدار كاف في المطابقة وربما يأتي بعض الأبواب لا توجد المطابقة فيه إلا بأدنى من هذا المقدار والغرض وجود شيء ما من المناسبة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن عبد الله بن يوسف فرقهما وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى والنسائي فيه عن قتيبة به
والمزابنة مفاعلة لا تكون إلا بين اثنين وأصلها الدفع الشديد قال الداودي كانوا قد كثرت فيهم المدافعة بالخصام فسميت المزابنة ولما كان كل واحد من المتبايعين يدفع الآخر في هذه المبايعة عن حقه سميت بذلك وقال ابن سيده الزبن دفع الشيء عن الشيء زبن الشيء يزبنه زبنا وزبن به وفي ( الجامع ) للقزاز المزابنة كل بيع فيه غرر وهو بيع كل جزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده وأصله أن المغبون يريد أن يفسخ البيع ويريد الغابن أن لا يفسخه فيتزابنان عليه أي يتدافعان وعند الشافعي هو بيع مجهول بمجهول أو معلوم من جنس تحريم الربا في نقده وخالفه مالك في هذا القيد سواء كان مما يحرم الربا في نقده أو لا ولا مطعوما كان أو غير مطعوم قوله والمزابنة بيع الثمر إلى آخره قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أن تفسير المزابنة في هذا الحديث من قول ابن عمر أو مرفوعه وأقل ذلك أن يكون من قوله وهو رواي الحديث فيسلم له وكيف ولا مخالف في ذلك قوله بيع الثمر بالتمر قال الكرماني بيع الثمر بالمثلثة بالتمر بالفوقية ومعناه الرطب بالتمر وليس المراد كل الثمار فإن سائر الثمار يجوز بيعها بالتمر قوله كيلا أي من حيث الكيل نصب على التمييز قوله بالكرم بسكون الراء شجر العنب لكن المراد هنا نفس العنب قال الكرماني وهو من باب القلب إذ المناسب لقرينته أن يدخل الجار على الزبيب لا على الكرم وقال أبو عمر وأجمعوا على تحريم بيع العنب بالزبيب وعلى تحريم بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية وهو المحاقلة وسواء عند جمهورهم كان الرطب والعنب على الشجر أو مقطوعا وقال أبو حنيفة إن كان مقطوعا جاز بيعه بمثله من اليابس وقال ابن بطال أجمع العلماء على أنه لا يجوز بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر لأنه مزابنة وقد نهى عنه وأما رطب ذلك مع يابسه إذا كان مقطوعا وأمكن فيه المماثلة فجمهور العلماء لا يجيزون بيع شيء من ذلك بجنسه لا متماثلا ولا متفاضلا وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يجوز بيع الحنطة الرطبة باليابسة والتمر بالرطب مثلا بمثل ولا يجيزه متفاضلا قال ابن المنذر وأظن أن أبا ثور وافقه

(11/290)


2712 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال أخبرنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي نهى عن المزابنة قال والمزابنة أن يبيع الثمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي
مطابقته للترجمة نحو مطابقة الحديث السابق للترجمة ورجاله قد ذكروا كلهم وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وأيوب هو السختياني
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن أبي الربيع الزهراني وأبي كامل الجحدري كلاهما عن حماد مقطعا وعن علي بن حجر وزهير بن حرب كلاهما عن إسماعيل بن علية عنه به مقطعا أيضا وأخرجه النسائي فيه عن زياد بن أيوب عن ابن علية
قوله قال أي عبد الله بن عمر قوله أن يبيع بدل أو بيان لقوله المزابنة كذا قيل قلت كلمة أن مصدرية في محل الرفع على الخبرية وتقديره المزابنة بيع التمر بكيل قوله بكيل أي من الزبيب أو التمر قوله إن زاد حال من فاعل يبيع بتقدير القول أي ببيعه قائلا إن زاد التمر المخروص على ما يساوي الكيل فهو لي وإن نقس فعلي بتشديد الياء
( قال وحدثني زيد بن ثابت أن النبي رخص في العرايا بخرصها )
أي قال عبد الله بن عمرو حدثني زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه وهذا أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن يحيى بن بكير عن الليث وعن القعنبي عن مالك وعن محمد بن عبد الله بن المبارك وفي الشرب عن محمد بن يوسف وأخرجه مسلم في البيوع أيضا عن يحيى ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة وعن محمد بن رافع وعن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن يحيى بن يحيى وعن محمد بن المثنى عن سليمان بن بلال وهشيم فرقهما وعن محمد بن رمح وعن أبي الربيع وأبي كامل وعن علي بن حجر وعن محمد بن المثنى عن يحيى بن القطان وأخرجه الترمذي في البيوع عن هناد وعن قتيبة وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن أبي قدامة وفيه وفي الشروط عن عيسى بن حماد وعن أبي داود الحراني وأخرجه ابن ماجة في التجارات عن محمد بن رمح به وعن هشام بن عمار ومحمد بن الصباح
( ذكر معناه ) قوله في العرايا جمع عرية فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصده ويحتمل أن تكون فعيلة بمعنى فاعلة من عرى يعرى إذا قلع ثوبه كأنها عريت من جملة التحريم وفي التلويح العرية النخلة المعراة وهي التي وهبت تمرة عامها والعرية أيضا التي تعزل عن المساومة عند بيع النخل وقيل هي النخلة التي قد أكل ما عليها واستعرى الناس في كل وجه أكلوا الرطب من ذلك وفي الجامع وأنت معروفي الصحاح فيعروها الذي أعطيته أي يأتيها وهي فعيلة بمعنى مفعولة وإنما أدخلت فيها الهاء لأنها أفردت فصارت في عداد الأسماء مثل النطيحة والأكيلة ولو جئت بها مع النخلة قلت نخلة عرى وقيل عراه يعروه إذا أتاه يطلب منه عرية فأعراه أي إياها كما يقال سألني فأسألته فالعرية اسم للنخلة المعطى ثمرها فهي اسم لعطية خاصة وقد سمت العرب عطايا خاصة بأسماء خاصة كالمنيحة لعطية الشاة والأفقار لما ركب فقاره فعلى هذا أن العرية عطية لا بيع ثم اختلفوا في تفسير العطية شرعا فقال مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق العرية المذكورة في الحديث هي إعطاء الرجل من جملة حائطه نخلة أو نخلتين عاما وقال قوم العرية النخلة والنخلتان والثلاث يجعل للقوم فيبيعون ثمرها بخرصها تمرا وهو قول يحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إسحاق وروي عن زيد بن ثابت وقال قوم مثل هذا إلا أنهم خصوا بذلك المساكين يجعل لهم تمر النخل فيصعب عليهم القيام عليها فأبيح لهم أن يبيعوه بما شاؤا من التمر وهو قول سفيان بن حسين وسفيان بن عيينة وقال قوم العرية الرجل يعري النخلة أو يستثني من ماله النخلة أو النخلتين يأكلها فيبيعها بمثل خرصها وهو قول عبد ربه بن سعيد الأنصاري وقال قوم العرية أن يأتي أوان الرطب وهناك قوم فقراء لا مال لهم يريدون ابتياع رطب يأكلونه مع الناس ولهم فضول تمر من أقواتهم فإن لهم أن يشتروا الرطب بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق وهو قول الشافعي وأبي ثور ولا عرية عندهما في غير النخل والعنب

(11/291)


وقال الطحاوي وكان أبو حنيفة يقول فيما سمعت أحمد بن أبي عمران يذكر أنه سمع محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال معنى ذلك عندنا أن يعرى الرجل الرجل تمر نخلة من نخله فلم يسلم ذلك إليه حتى يبدو له يعني يظهر له أن لا يمكنه من ذلك فيعطيه مكانه خرصه تمرا فيخرج بذلك عن إخلاف الوعد وقال ابن الأثير العرية هي أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يدرك الرطب ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله ولا نخل لهم يطعمهم منه ويكون قد فضل له تمر من قوته فيجيء إلى صاحب النخل فيقول له بعني تمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بتمر تلك النخلات ليصيب من رطبها مع الناس فرخص فيه إذا كان دون خمسة أوسق وقال ابن زرقون هي عطية ثمر النخل دون الرقاب كانوا يعطون ذلك إذا دهمتهم سنة لمن لا نخل له فيعطيه من نخله ما سمحت به نفسه مثل الأفقار والمنحة والعمرى وكانت العرب تتمدح بالأعراء وقال النووي رحمه الله العرية هي أن يخرص الخارص نخلات فيقول هذا الرطب الذي عليها إذا يبس يجيء منه ثلاثة أوسق من التمر مثلا فيعطيه صاحبه لإنسان بثلاثة أوسق ويتقاصان في المجلس فيتسلم الثمن ويتسلم بايع الرطب الرطب بالتخلية وهذا جائز فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق وفي جوازه في خمسة أوسق قولان للشافعي أصحهما لا يجوز والأصح أنه يجوز ذلك للفقراء والأغنياء وأنه لا يجوز في غير الرطب والعنب وبه قال أحمد وقال أبو عمر فجملة قول مالك وأصحابه في العرايا أن العراية هي أن يهب الرجل حائطه خمسة أوسق فما دونها ثم يريد أن يشتريها من المعري عند طيب الثمرة فأبيح له أن يشتريها بخرصها تمرا عند الجذاذ وإن عجل له لم يجز ولا يجوز ذلك لغير المعري لأن الرخصة وردت فيه وجائز بيعها من غيره بالدنانير والدراهم وسائر العروض وقال أيضا ولا يجوز البيع في العرايا عند مالك وأصحابه إلا لوجهين إما لدفع ضرر دخول المعرى على المعرى وإما لأن يرفق المعرى فتكفيه المؤلة فيها فأرخص له أن يشتريها منه بخرصها تمرا إلى الجذاذ وفي الاستذكار يجوز الإعراء في كل نوع من الثمر كان مما ييبس ويدخر أم لا وفي القثاء والموز والبطيخ قاله ابن حبيب قبل الأبار وبعده لعام أو لأعوام في جميع الحائط أو بعضه وقال عبد الوهاب بيع العارية جائز بأربعة شروط أحدها أن يزهي وهو قول جمهور الفقهاء وقال يزيد بن حبيب يجوز وقبل بدو الصلاح والثاني أن يكون خمسة أوسق فأدنى وهو رواية المصريين عن مالك وروى عنه أبو الفرج عمرو بن محمد أنه لا يجوز إلا في خمسة أوسق فإن خرصت أقل من خمسة أوسق فلما جذت وجد أكثر ففي المدونة روى صدقة بن حبيب عن مالك أن الفضل لصاحب العارية ولو أقل من الخرص ضمن الخرص ولو خلطه قبل أن يكيله لم يكن عليه زيادة ولا نقص والثالث أن يعطيه خرصها عند الجذاذ ولا يجوز له تعجيل الخرص تمرا خلافا للشافعي في قوله أنه يجب عليه أن يعجل الخرص تمرا ولا يجوز أن يفترقا حتى يتقابضا والشرط الرابع أن يكون من صنعها فإذا باعها بخرصها إلى الجذاذ ثم أراد تعجيل الخرص جاز قاله ابن حبيب وعن مالك فيما يصح ذلك فيه من الثمار روايتان إحداهما أنه لا يجوز إلا في النخل والعنب وبه قال الشافعي والثانية أنه يجوز في كل ما ييبس ويدخر من الثمار كالجوز واللوز والتين والزيتون والفستق رواه أحمد وقال أشهب في الزيتون يجوز إذا كان ييبس ويدخر وأما النخل الذي لا يتتمر والعنب الذي لا يتزبب فعلى اشتراط التيبيس يجب أن لا يجوز
67 -
( باب بيع الشعير بالشعير )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الشعير بالشعير كيف هو وهو أنه يجوز إذا كانا متساويين يدا بيد على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى
قوله
4712 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( مالك بن أوس ) قال أخبره أنه التمس صرفا بمائة دينار فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني فأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتي خازني من الغابة وعمر يسمع ذلك فقال

(11/292)


والله لا تفارقه حتى تأخذ منه قال رسول الله الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر إلا هاء وهاء ( انظر الحديث 4312 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله والشعير بالشعير والحديث مضى في باب ما يذكر في بيع الطعام قوله صرفا قال العلماء بيع الذهب بالفضة يسمى صرفا لصرفه عن مقتضى البياعات من جواز التفرق قبل التقابض وقيل من صريفهما وهو تصويتهما في الميزان كما أن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة يسمى مراطلة قوله فتراوضنا بالضاد المعجمة يقال فلان يراوض فلانا على أمر كذا أي يداريه ليدخله فيه قوله حتى يأتي أي اصبر حتى يأتي وإنما قال له ذلك لأنه ظن جوازه كسائر البيوع وما كان بلغه حكم المسألة فلما أبلغه عمر رضي الله تعالى عنه ترك المصارفة
77 -
( باب بيع الذهب بالذهب )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الذهب بالذهب كيف هو وهو أنه يجوز إذا كانا متساويين يدا بيد
87 -
( باب بيع الفضة بالفضة )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الفضة بالفضة ما حكمه يعني يجوز متساويتين في المجلس
6712 - حدثنا ( عبيد الله بن سعد ) قال حدثنا ( عمي ) قال حدثنا ( ابن أخي الزهري ) عن ( عمه ) قال حدثني ( سالم بن عبد الله ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن أبا سعيد حدثه مثل ذلك حديثا عن رسول الله فلقيه عبد الله بن عمر فقال يا أبا سعيد ما هذا الذي تحدث

(11/293)


عن رسول الله فقال أبو سعيد في الصرف سمعت رسول الله يقول الذهب بالذهب مثلا بمثل والورق بالورق مثلا بمثل
مطابقته للترجمة في قوله والورق بالورق مثلا بمثل والورق بكسر الراء الفضة
ذكر رجاله وهم سبعة الأول عبيد الله بضم العين ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الثاني عمه يعقوب بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الثالث محمد بن عبد الله بن مسلم الرابع عمه محمد بن مسلم الزهري الخامس سالم بن عبد الله بن عمر السادس عبد الله ابن عمر بن الخطاب السابع أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع وفيه اللقى وفيه السماع وهو عمه وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن رجال الإسناد كلهم مدنيون وأن شيخ البخاري من أفراده وابن أخي الزهري كلهم زهريون وأن شيخه مات ببغداد سنة ستين ومائتين وفيه رواية الراوي عن عمه في موضعين وفيه رواية الراوي عن أبيه الصحابي ورواية الصحابي عن الصحابي
قوله إن أبا سعيد حدثه أي حدث عبد الله بن عمر قوله مثل ذلك قال الكرماني أي مثل حديث أبي بكرة في وجوب المساواة فإن قلت ما وجه فلقيه إذ الكلام يتم بدونه قلت يعني فلقيه بعد ذلك مرة أخرى انتهى وقيل هذا الحديث أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن يعقوب بن إبراهيم شيخ شيخ البخاري بلفظ إن أبا سعيد حدثه حديثا مثل حديث عمر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله في الصرف قال أبو سعيد فذكره فظهر بهذه الرواية معنى قوله مثل ذلك أي مثل حديث عمر أي حديث عمر الماضي قريبا في قصة طلحة بن عبيد الله انتهى قلت حديث عمر الذي ذكره مضى في باب ما يذكر في بيع الطعام والذي قاله الكرماني أقرب لأنه مذكور في الباب الذي قبله وليس بينهما باب آخر قوله ما هذا أي ما هذا الذي تحدثه وإنما قال ما هذا لأنه كان يعتقد قبل ذلك جواز المفاضلة قوله في الصرف أي في شأن الصرف وهو بيع الذهب بالفضة وبالعكس قوله الذهب بالذهب يجوز في الذهب الرفع والنصب أما الرفع فعلى أنه مبتدأ خبره محذوف أي الذهب يباع بالذهب أو يكون مرفوعا بإسناد الفعل المبني للمفعول إليه تقديره يباع الذهب وأما النصب فعلى أنه مفعول لفعل مقدر تقديره بيعوا الذهب بالذهب وقوله الذهب يتناول جميع أنواعه من مضروب وغير مضروب وصحيح ومكسور وجيد ورديء وقال بعضهم وخالص ومغشوش قلت قوله ومغشوش ليس على إطلاقه فإنه إذا كان غشه كثيرا غالبا على الذهب يكون حكمه حكم العروض قوله مثلا بمثل بالنصب في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر بالرفع مثل بمثل فوجهه بإسناد الفعل المبني للمفعول إليه تقديره يباع مثل بمثل وأما وجه النصب فعلى أنه حال تقديره الذهب يباع بالذهب حال كونهما متماثلين يعني متساويين وقال بعضهم هو مصدر في موضع الحال قلت قوله مصدر ليس بصحيح على ما لا يخفى
7712 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق ألا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز ( انظر الحديث 6712 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله ولا تبيعوا الورق بالورق والورق بكسر الراء هو الفضة
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن يحيى بن يحيى عن مالك وعن قتيبة ومحمد بن رمح وعن شيبان بن فروخ وعن أبي موسى وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن مالك به وعن حميد بن مسعدة وإسماعيل بن مسعود
قوله إلا مثلا

(11/294)


بمثل أي إلا حال كونهما متماثلين أي متساويين قوله ولا تشفوا بضم التاء من الإشفاف وهو التفضيل وقال بعضهم هو رباعي من أشف قلت لا بل هو ثلاثي مزيد فيه يقال شف الدرهم يشف إذا زاد وإذا نقص من الأضداد وأشفه غيره يشفه وفي الحديثنهى عن شف ما لم يضمن بكسر الشين وهو الزيادة والربح قوله بناجز من النجز بالنون والجيم والزاي والمراد بالغائب المؤجل وبالناجز الحاضر يعني لا بد من التقابض في المجلس
وقال ابن بطال فيه حجة للشافعي في قوله من كان له على آخر دراهم والآخر عليه دنانير لم يجز أن يقاضي أحدهما الآخر بماله لأنه يدخل في معنى بيع الذهب بالورق دينا لأنه إذا لم يجز غائب بناجز فأحرى أن لا يجوز غائب بغائب فإن قلت روى الترمذي من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير فآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق فآخذ مكانها الدنانير فأتيت رسول الله فوجدته خارجا من بيت حفصة فسألته عن ذلك فقال لا بأس به بالقيمة قلت قال ابن بطال لا يدخل هذا في بيع الذهب بالورق دينا لأن النهي الذي بقبض الدراهم عن الدنانير لم يقصد إلى التأخير في الصرف قلت قال الترمذي هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر وروى داود عن أبي هند هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عمر موقوفا والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنه لا بأس أن يقبض عن الذهب من الورق والورق من الذهب وهو قول أحمد وإسحاق وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم ذلك
97 -
( باب بيع الدينار بالدينار نساء )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الدينار بالدينار حال كونه نساء بفتح النون والسين المهملة وبالمد ومعناه مؤخرا وقال ابن الأثير النساء التأخير يقال نسأت الشيء نساء وأنسأته إنساء قلت مادته من النون والسين والهمزة وفي الحديث من أحب أن ينسأ في أجله أي يؤخر
9712 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( الضحاك بن مخلد ) قال حدثنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عمرو بن دينار ) أن ( أبا صالح الزيات ) أخبره أنه سمع ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه يقول الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم فقلت له فإن ابن عباس لا يقوله فقال أبو سعيد سألته فقلت سمعته من النبي أو وجدته في كتاب الله قال كل ذلك لا أقول وأنتم أعلم برسول الله مني ولكنني أخبرني أسامة أن النبي قال لا ربا إلا في النسيئة
مطابقته للترجمة في قوله الدينار بالدينار
ذكر رجاله وهم ثمانية الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني الثاني أبو عاصم الضحاك بن مخلد وهو شيخ البخاري حدث عنه بالواسطة وفي مواضع أخر حدث عنه بغير واسطة الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرابع عمرو بن دينار الخامس أبو صالح واسمه ذكوان الزيات السمان كان يجلب الزيت والسمن إلى الكوفة السادس أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك السابع عبد الله بن عباس الثامن أسامة ابن زيد رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع وفيه السماع في موضعين وفيه السؤال وفيه القول في سبعة مواضع وفيه أن شيخه والضحاك بصريان وابن جريج وعمرو مكيان وأبو صالح مدني سكن الكوفة وفيه ثلاثة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن محمد بن حاتم ومحمد بن عباد وابن أبي عمر وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن الصباح خمستهم عن سفيان عن عمرو بن دينار عنه به

(11/295)


ذكر معناه قوله سمع أبا سعيد الخدري يقول الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم كذا وقع في هذا الطريق وفي رواية مسلم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم مثل بمثل من زاد أو أزداد فقد أربى فقلت أرأيت هذا الذي يقول أشيء سمعته من رسول الله أو وجدته في كتاب الله تعالى فقال لم أسمعه من رسول الله ولم أجده في كتاب الله تعالى ولكن حدثني أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال الربا في النسيئة قوله إن ابن عباس لا يقول وفي رواية مسلم يقول غير هذا قوله قال أبو سعيد سألته وفي رواية مسلم قد لقيت ابن عباس فقلت له قوله كل ذلك بالرفع أي لم يكن لا السماع من النبي ولا الوجدان في كتاب الله تعالى ويجوز بالنصب على أنه مفعول مقدم وفاعله قوله لا أقول والفرق بين الإعرابين أن المرفوع هو السلب الكلي والمنصوب لسلب الكل والأول أبلغ وأعم وإن كان أخص من وجه آخر وفي رواية مسلم لم أسمعه من رسول الله ولم أجده في كتاب الله تعالى كما ذكرناه الآن وفي رواية أخرى لمسلم رضي الله تعالى عنه عن عطاء أن أبا سعيد لقي ابن عباس فذكر نحوه وفيه فقال كل لا أقول أما رسول الله فأنتم أعلم به وأما كتاب الله فلا أعلمه أي لا أعلم هذا الحكم فيه ومعنى قوله أنتم أعلم برسول الله لأنكم كنتم بالغين كاملين عند ملازمة رسول الله وأنا كنت صغيرا قوله لا ربا إلا في النسيئة وفي رواية مسلم الربا في النسيئة وفي رواية لمسلم عن ابن عباس إنما الربا في النسيئة وفي رواية عطاء عنه ألا إنما الربا وفي رواية طاووس عنه لا ربا فيما كان يدا بيد وروى الحاكم من طريق حبان العدوي بالحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف سألت أبا مجلز عن الصرف فقال كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا بعين يدا بيد وكان يقول إنما الربا في النسيئة فلقيه أبو سعيد بالشعير فذكر القصة والحديث وفيه التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد مثلا بمثل فمن زاد فهو ربا فقال ابن عباس استغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه أشد النهي
واتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع ببينه وبين حديث أبي سعيد فقيل منسوخ وقيل معنى لا ربا لا ربا أغلظ شديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل وأيضا فنفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر وقال الطبري معنى حديث أسامة لا ربا إلا في النسيئة إذا اختلف أنواع المبيع والفضل فيه يدا بيد ربا جمعا بينه وبين حديث أبي سعيد وقال الكرماني فإن قلت ما التلفيق بين حديث أسامة وحديث أبي سعيد قلت الحصر إنما يختلف بحسب اختلاف اعتقاد السامع فلعله كان يعتقد الربا في غير الجنس حالا فقيل ردا لاعتقاده لا ربا إلا في النسيئة أي فيه مطلقا وقد أوله العلماء بأنه محمول على غير الربويات وهو كبيع الدين بالدين مؤجلا بأن يكون له ثوب موصوف فيبيعه بعبد موصوف مؤجلا وإن باعه به حالا يجوز أو محمول على الأجناس المختلفة فإنه لا ربا فيها من حيث التفاضل بل يجوز متفاضلا يدا بيد وهو مجمل وحديث أبي سعيد مبين فوجب العمل بالمبين وتنزيل المجمل عليه أو هو منسوخ وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره
08 -
( باب بيع الورق بالذهب نسيئة )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الورق أي الفضة بالذهب حال كونه نسيئة أي مؤجلا
1812 - حدثنا ( حفص بن عمر ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( حبيب بن أبي ثابت ) قال سمعت ( أبا المنهال ) قال سألت ( البراء بن عازب وزيد بن أرقم ) رضي الله تعالى ( عنهم ) عن الصرف فكل واحد

(11/296)


منهما يقول هذا خير مني فكلاهما يقول نهى رسول الله عن بيع الذهب بالورق دينا
مطابقته للترجمة في قوله نهى النبي عن بيع الذهب بالورق دينا أي نسيئة فإن قلت كيف هذه المطابقة والترجمة بيع الورق بالذهب والحديث عكسه وهو بيع الذهب بالورق قلت الباء تدخل على الثمن إذا كان العوضان غير النقدين اللذين هما للثمنية أما إذا كانا نقدين فلا تفاوت في أيهما دخلت فهما في المعنى سواء وقد مضى الحديث في باب التجارة في البر فإنه أخرجه هناك عن الفضل بن يعقوب عن الحجاج بن محمد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار وعامر بن مصعب كلاهما عن أبي المنهال يقول سألت البراء بن العازب وزيد بن أرقم الحديث
قوله عن الصرف أي بيع الدراهم بالذهب أو عكسه قوله هذا خير مني وفي رواية سفيان قال والق زيد بن أرقم فاسأله فإنه كان أعظمنا تجارة فسألته الحديث
وفي الحديث ما كانت الصحابة عليه من التواضع وإنصاف بعضهم بعضا ومعرفة بعضهم حق الآخر
18 -
( باب بيع الذهب بالورق يدا بيد )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الذهب بالورق حال كونه يدا بيد وهذه الترجمة عكس الترجمة السابقة فإن قلت ذكر في تلك الترجمة نسيئة وفي هذه يدا بيد هل فيه زيادة نكتة قلت نعم أما في تلك الترجمة فلأنه أخرجه هناك من وجه آخر عن أبي المنهال بلفظ إن كان يدا بيد فلا بأس وإن كان نساء فلا يصلح وأما هنا فلأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي فيه فقد أخرجه مسلم عن أبي الربيع عن عباد الذي أخرجه البخاري من طريقه وفيه فسأله رجل فقال يدا بيد فلأجل هذه النكتة قال هناك نسيئة وقال هنا يدا بيد
2812 - حدثنا ( عمران بن ميسرة ) قال حدثنا ( عباد بن العوام ) قال أخبرنا ( يحيى بن أبي إسحاق ) قال حدثنا عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال نهى النبي عن الفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا والفضة بالذهب كيف شئنا ( انظر الحديث 5712 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه مختصر من الحديث الذي فيه ذكر يدا بيد كما ذكرنا الآن فاندفع قول من قال ذكر في الترجمة يدا بيد وليس في الحديث ذلك وقد مضى هذا الحديث قبله بثلاثة أبواب في باب بيع الذهب بالذهب فإنه أخرجه هناك عن صدقة بن الفضل عن إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق عن ( عبد الرحمن بن أبي بكرة ) عن أبيه وهنا أخرجه عن عمران بن ميسرة ضد الميمنة وهو من أفراده عن عباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ابن العوام بفتح العين المهملة وتشديد الواو عن يحيى بن أبي إسحاق إلى آخره
قوله إلا سواء بسواء أي متساويين قوله وأمرنا هو أمر إباحة قوله أن نبتاع أي نشتري واحتج به على جواز بيع الربويات بعضها ببعض إذا كان سواء بسواء ويدا بيد وعند اختلاف الجنس يجوز كيف كان إذا كان يدا بيد وروى مسلم إذا اختلف الأجناس فبيعوا كيف شئتم
28 -
( باب بيع المزابنة وهي بيع التمر بالثمر وبيع الزبيب بالكرم وبيع العرايا )
أي هذا باب في بيان حكم بيع المزابنة وقد مر الكلام فيها وفي العرايا في باب بيع الزبيب بالزبيب مستوفى قوله وهي أي المزابنة بيع التمر بالتاء المثناة من فوق قوله بالثمر بالثاء المثلثة وفتح الميم وأراد به الرطب يعني بيع التمر اليابس بالرطب قوله بالكرم أي بالعنب

(11/297)


قال أنس نهى النبي عن المزابنة والمحاقلة
مطابقته للترجمة ظاهرة وسيأتي هذا التعليق موصولا في باب المخاصرة والمحاقلة مفاعلة من الحقل بالحاء المهملة والقاف وهو الزرع وموضعه وهي بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية وقيل هي المزارعة بالثلث أو الربع أو نحوه مما يخرج منها فيكون كالمخابرة وروى جابر أن النبي نهى عن المخابرة والمحاقلة والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع قبل إدراكه وقال الليث بمائة فرق من الحنطة والمخابرة كراء الأرض بالثلث أو الربع وقيل هي بيع الزرع قبل إدراكه وقال الليث الحقل الزرع إذا تشعب قبل أن يغلظ وقال الهروي إذا كانت المحاقلة مأخوذة من هذا فهو بيع الزرع قبل إدراكه قال والمحقلة المزرعة وقيل لا تنبت البقلة إلا الحقلة وقال أبو عبيد المحاقلة مأخوذة من الحقل وهو الذي يسميه الناس القراح بالعراق وفي الحديث ما تصنعون بمحاقلكم أي بمزارعكم وتقول للرجل أحقل أي ازرع وإنما وقع الخطر في المحاقلة والمزابنة لأنهما من الكيل وليس يجوز شيء من الكيل والوزن إذا كانا من جنس واحد إلا يدا بيد ومثلا بمثل وهذا مجهول لا يدري أيهما أكثر
3812 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه ولا تبيعوا الثمر بالتمر
مطابقته للترجمة في قوله ولا تبيعوا الثمر بالتمر فإنه بيع المزابنة قوله التمر بالتاء المثناة من فوق وسكون الميم وقوله بالثمر بالثاء المثلثة وفتح الميم وهو الرطب
ورجاله قد ذكروا غير مرة وعقيل بضم العين والحديث أخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن جحين بن المثنى عن الليث
قوله يبدو صلاحه أي يظهر قال النووي يبدو بلا همز ومما ينبغي أن ينبه عليه أنه يقع في كثير من كتب المحدثين وغيرهم حتى يبدوا هكذا بألف في الخط وهو خطأ والصواب حذفها في مثل هذا للناصب وإنما اختلفوا في إثباتها إذا لم يكن ناصب مثل زيد يبدوا والاختيار حذفها أيضا ويقع مثله في حتى تزهوا وصوابه حذف الألف قوله صلاحه هو ظهور حمرته أو صفرته وفي رواية لمسلم في حديث جابر حتى يطعم وفي رواية حتى يشقه والإشقاق أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء وفي رواية حتى تشقح وقال سعيد بن مينا الراوي عن جابر يحمار ويصفار ويؤكل منها وفي رواية للطحاوي في حديث ابن عباس حتى يؤكل منه وفي رواية له في حديث جابر حتى يطيب وفي رواية له في حديث عمر رضي الله تعالى عنه حتى يصلح وفي رواية لمسلم في حديث ابن عمر ما صلاحه قال تذهب عاهته
ثم إعلم أن بدو الصلاح متفاوت بتفاوت الأثمار فبدو صلاح التين أن يطيب وتوجد فيه الحلاوة ويظهر السواد في أسوده والبياض في أبيضه وكذلك العنب الأسود بدو صلاحه أن يتحول إلى السواد وأن ينحو أبيضه إلى البياض مع النضج وكذلك الزيتون بدو صلاحه أن يتحول إلى السواد وبدو صلاح القثاء والفقوص أن ينعقد ويبلغ مبلغا يوجد له طعم وأما البطيح فإن ينحو ناحية الاصفرار والطيب وأما اللوز فروى أشهب وابن نافع عن مالك أنه يباع إذا بلغ في شجره قبل أن يطيب فإنه لا يطيب حتى ينزع وأما الجزر واللفت والفجل والثوم والبصل فبدو صلاحه إذا استقل ورقه وتم وانتفع به ولم يكن في قلعه فساد والبر والفول والجلبان والحمص والعدس إذا يبس والياسمين وسائر الأنوار أن يفتح أكمامه ويظهر نوره والقصيل والقصب والقرطم إذا بلغ أنه يرعى دون فساد
ذكر مذاهب العلماء في هذا الباب قال النووي فإن باع الثمر قبل بدو صلاحه بشرط القطع صح بالإجماع قال أصحابنا ولو شرط القطع ثم لم يقطع فالبيع صحيح ويلزمه البائع بالقطع فإن تراضيا على إبقائه جاز وإن باع بشرط التبقية فالبيع باطل بالإجماع لأنه ربما تتلف الثمرة قبل إدراكها فيكون البائع قد أكل مال أخيه بالباطل وأما إذا شرط القطع فقد انتفى هذا الضرر وإن باعها مطلقا بلا شرط القطع فمذهبنا ومذهب الجمهور أن البيع باطل وبه

(11/298)


قال مالك وقال أبو حنيفة يجب شرط القطع انتهى قلت مذهب الثوري وابن أبي ليلى والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق عدم جواز بيع الثمار في رؤوس النخل حتى تحمر أو تصفر
ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد جواز بيع الثمار على الأشجار بعد ظهورها وبه قال مالك في رواية وأحمد في قول وحجتهم في هذا ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع وزاد الترمذي ومن باع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع وقال هذا الحديث حسن صحيح وجه التمسك به انه جعل فيه تمر النخل لبائعها إلا أن يشترط المبتاع فيكون له باشتراطه إياها ويكون ذلك مبتاعا لها وفي هذا إباحة بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها لأن كل ما لا يدخل في بيع غيره إلا بالاشتراط هو الذي يكون مبيعا وحده وما لا يدخل في بيع غيره من غير اشتراط هو الذي لا يجوز أن يكون مبيعا وحده
قوله قد أبرت من قولهم فلان أبر نخله إذا لقحه والاسم منه الإبار كالإزار وأجابوا عن الحديث المذكور أن المراد منه البيع قبل أن يتكون فيكون بائعها بائعا بما ليس عنده وقد نهى رسول الله عن ذلك وقال الطحاوي رحمه الله ما ملخصه أن قوما قالوا إن النهي المذكور ليس للتحريم ولكنه على المشورة منه عليهم لكثرة ما كانوا يختصمون إليه فيه ورووا في ذلك عن زيد بن ثابت قال كان الناس في عهد النبي يتبايعون الثمار فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع إنه أصاب الثمر العفن والدمان وأصابه قشام عاهات يحتجون بها فقال لما كثرت عنده الخصومة في ذلك لا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم فكان نهيه عن ذلك على هذا المعنى وأخرج الطحاوي حديث زيد هذا بإسناد صحيح وأخرجه النسائي أيضا والبيهقي قوله العفن بفتحتين الفساد وأما بكسر الفاء فهو من الصفات المشبهة والدمان بفتح الدال المهملة وتخفيف الميم وفي آخره نون هو فساد التمر قبل إدراكه حتى يسود ويروى باللام وبالراء في موضع النون والقشام بضم القاف داء يقع في الثمرة فتهلك
قال سالم وأخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت أن رسول الله رخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غيره
هذا موصول بالإسناد المذكور وسيأتي في آخر الباب أنه أفرد حديث زيد بن ثابت من طريق نافع عن ابن عمر وقد ذكر في باب بيع الزبيب بالزبيب من وجه آخر عن نافع مضموما في سياق واحد
وأخرجه الترمذي ولم يفصل حديث ابن عمر من حديث زيد بن ثابت وأشار إلى أنه وهم فيه والصواب التفصيل
قوله رخص بعد ذلك أي بعد النهي عن بيع التمر بالثمر في بيع العرايا وقال بعضهم وهذا من أصرح ما ورد في الرد على من حمل من الحنفية النهي عن بيع التمر بالثمر على عمومه ومنع أن يكون بيع العرايا مستثنى منه وزعموا أنهما حكمان وردا في سياق واحد وكذلك من زعم منهم كما حكاه ابن المنذر عنهم أن بيع العرايا منسوخ بالنهي عن بيع التمر بالثمر لأن المنسوخ لا يكون إلا بعد الناسخ انتهى قلت إبقاء النهي على العموم أولى من إبطال شيء منه ولا منع من أن يكون النهي عن بيع الثمر بالتمر وبيع العرايا حكمين واردين في سياق واحد وعموم النهي ثابت بيقين وقول زيد بن ثابت إنه رخص بعد ذلك لا يخرجه عن عمومه المتيقن لأن معنى كلامه أن النبي أظهر بعد نهيه عن بيع التمر بالثمر أن بيع العرية رخصة لا أنه مستثنى منه على أن العرية في الأصل عطية وهبة
فإن قلت الرخصة لا دخل لها في العطايا والهبات ولا تكون الرخصة إلا في شيء محرم ولو كانت العرية رخصة لم يكن لقوله ورخص بعد ذلك في بيع العرية فائدة ولا معنى قلت معنى الرخصة فيه أن الرجل إذا أعرى الرجل شيئا من ثمره فقد وعد أن يسلمه إليه ليملكه المسلم إليه بقبضه إياه وعلى الرجل أن يفي بوعده وإن كان غير مأخوذ به في الحكم فرخص للمعري أن يحبس ما أعرى بأن يعطي المعري خرصة تمرا بدلا منه من غير أن يكون إثما ولا في حكم من أخلف موعدا فهذا موضع الرخصة
فإن قلت كيف سميت العرية بيعا قلت سميت

(11/299)


بذلك لتصورها بصورة البيع لا أن يكون بيعا حقيقة ألا ترى أنه لم يملكها المعري له لانعدام القبض ولأنه لو كانت بيعا لكانت بيع التمر بالثمر إلى أجل وأنه لا يجوز بلا خلاف فدل ذلك على أن العرية المرخص فيها ليست ببيع حقيقة بل هي عطية كما نص عليه أبو حنيفة في تفسيره العرية ونقل ابن المنذر عن بعض الحنفية غير صحيح
قوله بالرطب أو التمر كلمة أو تحتمل أن تكون للتخيير وتحتمل أن تكون للشك ولكن يؤيد كونها للتخيير ما رواه النسائي والطبراني من طريق صالح بن كيسان والبيهقي من طريق الأوزاعي كلاهما عن الزهري بلفظ بالرطب وبالتمر ولم يرخص في غير ذلك هكذا ذكره بالواو
5812 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله نهى عن المزابنة والمزابنة اشتراء والثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في باب بيع الزبيب بالزبيب فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك وهنا عن عبد الله ابن يوسف عن مالك قوله اشتراء الثمر بالثاء المثلثة قوله بالتمر بالتاء المثناة من فوق وسكون الميم قوله وبيع الكرم أي العنب وكيلا في الموضعين منصوب على التمييز
6812 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( داود بن الحصين ) عن ( أبي سفيان ) مولى ( ابن أبي أحمد ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رؤوس النخل
مطابقته للترجمة ظاهرة وداود بن الحصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة مولى عمرو بن عثمان بن عفان مات سنة خمس وثلاثين ومائة وأبو سفيان مشهور بكنيته حتى قال الحاكم لا يعرف اسمه وقال الكلاباذي اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي وكذا روى أبو داود عن شيخه القعنبي في ( سننه ) وابن أبي أحمد هو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش الأسدي ابن أخي زينب بنت جحش أم المؤمنين وحكى الواقدي أن أبا سفيان كان مولى لبني عبد الأشهل وكان يجالس عبد الله بن أبي أحمد فنسب إليه
ورجال هذا الحديث كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري وليس لداود هذا ولا لشيخه في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الباب الذي يليه
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن أبي الطاهر ابن أبي السرح عن ابن وهب وأخرجه ابن ماجه في ( الأحكام ) عن محمد بن يحيى
قوله نهى عن المزابنة والمحاقلة قد مر تفسيرهما عن قريب وفسر هنا المزابنة بقوله والمزابنة اشتراء الثمر بالثاء المثلثة بالتمر بالتاء المثناة من فوق في رؤوس النخل وزاد ابن مهدي عن مالك عند الإسماعيلي لفظ كيلا وهو موافق لحديث ابن عمر الذي قبله وقال بعضهم ذكر الكيل ليس بقيد قلت لا نسلم ذلك لأن الإشتراء بماذا يكون ومعيار الزبيب والتمر هو الكيل ووقع في ( الموطأ ) في هذا الحديث تفسير المحاقلة بقوله والمحاقلة كراء الأرض وكذا وقع في رواية مسلم
78712 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( أبو معاوية ) عن ( الشيباني ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى النبي عن المحاقلة والمزابنة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير وقد تقدم والشيباني بالشين المعجمة هو سليمان أبو إسحق وقد تقدم وهذا الحديث من أفراده وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه مسلم والترمذي من حديث قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال نهى رسول الله عن المحاقلة والمزابنة وعن زيد بن ثابت أخرجه الترمذي من طريق ابن إسحق عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن النبي نهى عن المحاقلة

(11/300)


والمزابنة وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أخرجه أبو داود من حديث أبي عياش عنه سمع عنه يقول نهى رسول الله عن بيع الرطب بالتمر نسيئة
133 - ( حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم أن رسول الله أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها )
مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب من حيث أنه قد ذكر حديث عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت في ضمن حديث أخرجه عن عبد الله بن عمر برواية سالم عنه وهنا ذكره بإسناد مستقل عن ابن عمر عن زيد برواية نافع عن مولاه عبد الله والحديث أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن أبي النعمان وفي الشرب عن محمد بن يوسف وأخرجه مسلم في البيوع أيضا عن يحيى بن يحيى ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب ومحمد بن رافع ومحمد بن المثنى ومحمد بن رمح وأبي الربيع الزهراني وأبي كامل الجحدري وعلي بن حجر وأخرجه الترمذي عن هناد بن السري وعن قتيبة عن حماد بن زيد به وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن أبي قدامة وفي الشروط عن عيسى بن حماد وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن محمد بن رمح به وعن هشام بن عمار ومحمد بن الصباح قوله أرخص لصاحب العرية بفتح العين المهملة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف وقد استوفينا الكلام فيه فيما مضى عن قريب قوله أن يبيعها بخرصها بفتح الخاء مصدر وبكسرها اسم للشيء المخروص ومعناه بقدر ما فيها إذا صار تمرا وزاد الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن القعنبي شيخ البخاري فيه كيلا ومثله للبخاري من رواية موسى بن عقبة عن نافع وسيأتي بعد باب ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك فقال بخرصها من التمر ونحوه للبخاري من رواية يحيى بن سعيد عن نافع في كتاب الشرب ولمسلم من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد بلفظ رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا ومن طريق الليث عن يحيى بن سعيد بلفظ رخص في بيع العرية بخرصها تمرا
( باب بيع الثمر على رؤس النخل بالذهب والفضة )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الثمر بالثاء المثلثة والميم المفتوحتين قوله على رؤوس النخل جملة وقعت حالا من الثمر والباء في بالذهب تتعلق بلفظ بيع الثمر وذكر الذهب والفضة ليس بقيد لأنه يجوز بيعه بالعروض أيضا ولكن لما كان غالب ما يتعامل به الناس هو الذهب والفضة فلذلك ذكرهما وأيضا فيه اتباع لظاهر لفظ الحديث لأن المذكور فيه الدينار والدرهم وهما الذهب والفضة
134 - ( حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا ابن جريج عن عطاء وأبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال نهى النبي عن بيع الثمر حتى يطيب ولا يباع شيء منه إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا )
مطابقته للترجمة في قوله ولا يباع شيء منه إلا بالدينار والدرهم وهما الذهب والفضة ( فإن قلت ) ليس في الحديث ذكر رؤس النخل ( قلت ) المراد من قوله بيع الثمر أي الثمر الكائن على رؤس الشجر يدل عليه قوله حتى يطيب فإن الثمر الذي هو الرطب لا يطيب إلا على رؤس الشجر ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي ولكنه سكن مصر سمع عبد الله بن وهب وهو من أفراده وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز وقد تكرر ذكره وأبو الزبير بضم الزاي وفتح الباء الموحدة واسمه محمد بن مسلم بن تدرس بلفظ مخاطب مضارع الدرس والحديث أخرجه أبو داود في البيوع أيضا عن إسحق بن إسماعيل وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن هشام بن عمار قوله عن عطاء وأبي الزبير كذا جمع بينهما عبد الله بن وهب وتابعه أبو عاصم عند مسلم ويحيى بن أيوب عند الطحاوي كلاهما عن ابن جريج ورواه سفيان بن عيينة

(11/301)


عند مسلم عن ابن جريج أخبرني عطاء قوله عن جابر وفي رواية أبي عاصم المذكور أنهما سمعا جابر بن عبد الله قوله عن بيع الثمر بالثاء المثلثة أي الرطب قوله حتى يطيب أي طعمه والغرض منه أن يبدو صلاحه قوله ولا يباع شيء منه أي من الثمر قوله إلا بالدينار والدرهم وقد ذكرنا الآن وجه ذكرهما قوله إلا العرايا أي إلا العرايا بالابتياع بالدينار والدرهم ويفسر هذا رواية يحيى بن أيوب فإن في روايته أن رسول الله رخص فيها أي في العرايا وهي بيع الرطب فيها بعد أن يخرص ويعرف قدره بقدر ذلك من التمر وقد مر أن قوما منهم الأئمة الثلاثة احتجوا بهذا الحديث وأمثاله على عدم جواز بيع الثمار على رؤس النخل حتى تحمر أو تصفر وأجاز ذلك قوم بعد ظهورها ومنهم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه وقال ابن المنذر ادعى الكوفيون أن بيع العرايا منسوخ بنهيه عن بيع الثمر بالتمر وهذا مردود لأن الذي روى النهي عن بيع الثمر بالتمر هو الذي روى الرخصة في العرايا وقال بعضهم ورواية سالم الماضية في الباب الذي قبله تدل على أن الرخصة في بيع العرايا وقع بعد النهي عن بيع التمر بالثمر ولفظه عن ابن عمر مرفوعا ولا تبيعوا الثمر بالتمر قال وعن زيد بن ثابت أنه رخص بعد ذلك في بيع العرية وهذا هو الذي يقتضيه لفظ الرخصة فإنها تكون بعد منع انتهى قلت أما قول ابن المنذر فإنه مردود لأن رواية من روى النهي عن بيع الثمر بالتمر وروى الرخصة في العرايا لا يستلزم منع النسخ على أنا قد ذكرنا فيما مضى أن هذا النقل عن الكوفيين الحنفية غير صحيح وأما قول هذا القائل الذي قال ورواية مسلم إلى آخره فقد رويناه فيما مضى في الباب الذي قبله ولأن هذا الحديث مشتمل على حكمين مقرونين أحدهما النهي عن بيع الثمر بالتمر والآخر الترخيص في العرايا ولا يلزم من ذكرهما مقرونين أن يكون حكمهما واحدا ثم خرج أحدهما عن الآخر لأن كلا منهما كلام مستقل بذاته وقد يقرن الشيء بالشيء وحكمهما مختلف ونظائر هذا كثيرة وقد ذكر أهل التحقيق من الأصوليين أن من العمل بالوجوه الفاسدة ما قال بعضهم أن القران في النظم يوجب القران في الحكم وقول زيد بن ثابت أنه رخص في بيع العرية كلام تام لا يفتقر إلى ما يتم به فإن قلت الاستثناء في الحديث يقتضي أن العرايا قد خرجت من صدر الكلام فيقتضي أن تكون الرخصة بعد المنع قلت الاستثناء من قوله ولا يباع شيء منه إلا بالدينار والدرهم ولم تكن العرية داخلة في صدر الكلام الذي هو النهي عن بيع التمر بالثمر لأنها عطية وهبة فلا تدخل تحت البيع حتى يستثنى منه ولما لم يكن بيعا بين بالاستثناء أنه لا يجعل فيها الدينار والدرهم كما في البيع والدليل على كونها هبة ما رواه الطحاوي فقال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا محمد بن عون قال حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله نهى البايع والمبتاع عن المزابنة قال وقال زيد بن ثابت رخص في العرايا في النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تمرا ورواه الطبراني أيضا في الكبير ثم قال الطحاوي فهذا زيد بن ثابت وهو أحد من روى عن النبي الرخصة في العرية فقد أخبر أنها الهبة وقال الطحاوي أيضا وقد روى عن النبي أنه قال خففوا في الصدقات فإن في المال العرية والوصية حدثنا بذلك أبو بكرة قال حدثنا أبو عمر الضرير قال أخبرنا جرير بن خازم قال سمعت قيس بن سعد يحدث عن مكحول الشامي عن رسول الله بذلك فدل على أن العرية إنما هي شيء يملكه أرباب الأموال قوما في حياتهم كما يملكون الوصايا بعد مماتهم قلت إسناده صحيح وهو مرسل والمرسل حجة عندنا فإن قلت زيد بن ثابت سمى العرية بيعا حيث قال ورخص بعد ذلك في بيع العرية قلت سماها بيعا لتصورها بصورة البيع لا أنها بيع حقيقة لانعدام القبض ولأنها لو جعلت بيعا حقيقة لكان بيع الثمر بالتمر إلى أجل وأنه لا يجوز بلا خلاف وقد ذكرنا هذا مرة فيما مضى
135 - ( حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال سمعت مالكا وسأله عبيد الله بن الربيع قال أحدثك داود عن أبي سفيان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق قال نعم )

(11/302)


مطابقته للترجمة من حيث أن الحديث السابق فيه ذكر العرايا وهذا الحديث في العرايا فهو مطابق له من هذه الحيثية والمطابق للمطابق مطابق لذلك المطابق والحديث السابق فيه ذكر العرايا مطلقا وهذا الحديث يشعر أن المراد من ذلك المطلق هو المقيد بخمسة أوسق كما يجيء بيانه مفصلا إن شاء الله تعالى
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول عبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي الثاني مالك بن أنس الثالث عبيد الله بتصغير العبد ابن الربيع وكان الربيع حاجب للخليفة أبي جعفر المنصور وهو والد الفضل وزير الخليفة هرون الرشيد الرابع داود بن الحصين بضم الحاء وقد مضى في الباب الذي قبله الخامس أبو سفيان مولى ابن أبي أحمد وقد مضى هو أيضا مع داود هناك السادس أبو هريرة
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد بصيغة الاستفهام في موضع وفيه السماع والسؤال وهو إطلاق السماع على ما قرىء على الشيخ فأقر به بقوله نعم والاصطلاح عند المحدثين على أن السماع مخصوص بما حدث به الشيخ لفظا وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وهو بصري وداود وأبو سفيان مدنيان وقد ذكرنا أنه ليس لداود ولا لأبي سفيان حديث في البخاري سوى حديثين أحدهما هذا والآخر عن أبي سعيد المذكور في الباب الذي قبله
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الشروط عن يحيى بن قزعة عن مالك به وأخرجه مسلم في البيوع عن القعنبي ويحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي به وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة وعن أبي كريب عن زيد بن وهب كلاهما عن مالك وأخرجه النسائي فيه وفي الشروط عن إسحاق بن منصور الكوسج ويعقوب بن إبراهيم الدورقي كلاهما عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به
( ذكر معناه ) قوله رخص بالتشديد من الترخيص كذا هو عند الأكثرين وفي رواية الكشميهني أرخص من الأرخاص قوله في بيع العرايا أي في بيع ثمر العرايا لأن العرايا هي النخل قوله في خمسة أوسق وهو وسق بفتح الواو وقيل بالكسر أيضا والفتح أفصح وهو ستون صاعا وهو ثلاثمائة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمد والأصل في الوسق الحمل وكل شيء وسقته فقد حملته قوله أو دون خمسة أوسق شك من الراوي وقد بينه مسلم في روايته أن الشك من داود بن الحصين ولفظه عن أبي هريرة أن رسول الله رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة شك داود قال خمسة أو دون خمسة والحديث رواه الطحاوي أيضا حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا القعنبي وعثمان بن عمر قالا حدثنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق شك داود في خمسة أو فيما دون خمسة قوله قال نعم القائل هو مالك وهذا التحمل يسمى عرض السماع وكان مالك يختاره على التحديث في لفظه واختلف المحدثون فيما إذا سكت الشيخ فالصحيح أنه ينزل منزلة الإقرار إذا كان عارفا ولم يمنعه مانع والأولى أن يقول نعم لما فيه من قطع النزاع
( ذكر ما يستفاد منه ) قال ابن قدامة في المغني العرايا لا تجوز إلا فيما دون خمسة أوسق وبهذا قال ابن المنذر والشافعي في أحد قوليه وقال مالك والشافعي في قوله الآخر تجوز في الخمسة ورواه الجوزجاني عن إسماعيل بن سعيد عن أحمد واتفقا على أنها لا تجوز في الزيادة على خمسة أوسق وقال أيضا إنما يجوز بيعها بخرصها من التمر لا أقل منه ولا أكثر ويجب أن يكون التمر الذي يشتري به معلوما بالكيل ولا يجوز جزافا ولا نعلم في هذا عند من أباح بيع العرايا اختلافا واختلف في معنى خرصها من التمر فقيل معناه أن يطيف الخارص بالعرية فينظر كم يجيء منها تمرا فيشتريها بمثله من التمر وهذا مذهب الشافعي ونقل حنبل عن أحمد أنه قال بخرصها رطبا ويعطي تمرا ولا يجوز أن يشتريها بخرصها رطبا وهو أحد

(11/303)


الوجوه لأصحاب الشافعي والثاني يجوز والثالث يجوز مع اختلاف النوع ولا يجوز مع اتفاقه ولا يجوز بيعها إلا لمحتاج إلى أكلها رطبا ولا يجوز بيعها لغني وهذا أحد قولي الشافعي وأباحها في القول الآخر مطلقا للغني والمحتاج ولا يجوز بيعها في غير النخل وهو مذهب الليث وقال القاضي يجوز في بقية الثمار من العنب والتين وغيرهما وهو قول مالك والأوزاعي وأجازه الشافعي في النخل والعنب دون غيرهما انتهى وقال القاضي قوله فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق ما يدل أنه يختص بما يوسق ويكال وقال الكرماني قال الشافعي الأصل تحريم بيع المزابنة وجاءت العرايا رخصة والراوي شك في الخمسة فوجب الأخذ باليقين وطرح المشكوك فبقيت الخمسة على التحريم الذي هو الأصل انتهى ( قلت ) يرد عليه ما رواه أحمد والطحاوي والبيهقي من حديث محمد بن إسحق عن محمد بن يحيى بن حبان عن الواسع بن حبان عن جابر بن عبد الله أن رسول الله رخص في العرية في الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة وقال في كل عشرة أقناء قنو يوضع في المسجد للمساكين هذا لفظ الطحاوي والأقناء جمع قنو بكسر القاف وسكون النون وهو العذق بما فيه من الرطب وقال المازري ذهب ابن المنذر إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق لوروده في حديث جابر من غير شك فيه فتعين طرح الرواية التي وقع فيها الشك والأخذ بالرواية المتيقنة قال وألزم المزني الشافعي رضي الله تعالى عنه القول به انتهى ( قلت ) الإلزام موجود فيما رواه أحمد والطحاوي رضي الله تعالى عنهما أيضا وقال بعضهم وفيما نقله المازري نظر لأن ما نقله ليس في شيء من كتب ابن المنذر انتهى ( قلت ) هذه مدافعة بغير وجه لأنه لا يلزم من نفي كون هذا في كتبه بدعواه أن يرد ما نقله المازري لإمكان اطلاعه فيما لم يطلع عليه هذا القائل واحتج بعض المالكية بأن لفظة دون خمسة أوسق صالحة لجميع ما تحت الخمسة فلو علمنا بها للزم رفع هذه الرخصة ورد بأن العمل بها ممكن بأن يحمل على أقل ما تصدق عليه قيل وهو المفتى به في مذهب الشافعية
136 - ( حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال قال يحيى بن سعيد سمعت بشيرا قال سمعت سهل بن أبي حثمة أن رسول الله نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا وقال سفيان مرة أخرى إلا أنه رخص في العرية يبيعها أهلها بخرصها يأكلونها رطبا قال هو سواء قال سفيان فقلت ليحيى وأنا غلام إن أهل مكة يقولون إن النبي رخص لهم في بيع العرايا فقال وما يدري أهل مكة قلت إنهم يروونه عن جابر فسكت قال سفيان إنما أردت أن جابرا من أهل المدينة قيل لسفيان وليس فيه نهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه قال لا )
مطابقته للترجمة في قوله نهى عن بيع الثمر بالثاء المثلثة بالتمر وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة ويحيى بن سعيد الأنصاري وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء ابن يسار بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة ضد اليمين الأنصاري المديني وقد مر في كتاب الوضوء في باب من تمضمض من السويق وسهل بن أبي حثمة بفتح المهملة وسكون الثاء المثلثة وهو سهل بن أبي حثمة واسمه عامر بن ساعدة الأنصاري وكنيته أبو يحيى وقيل أبو محمد والحديث أخرجه البخاري أيضا في الشرب عن زكريا عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن بشير بن يسار عن رافع وسهل به وأخرجه مسلم في البيوع أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة والحسن بن علي والقعنبي وقتيبة ومحمد بن رمح ومحمد بن المثنى وإسحق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن علي به وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به وعن الحسين بن عيسى وفيه وفي الشروط عن عبد الله بن محمد قوله قال قال يحيى وسيأتي في آخر الباب ما يدل على أن سفيان صرح بتحديث يحيى بن سعيد له به

(11/304)


قوله سمعت سهل بن أبي حثمة وفي رواية مسلم من حديث الوليد بن كثير عن بشير بن يسار بن رافع بن خديج وسهل بن حثمة حدثناه وفي رواية لمسلم من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن بعض أصحاب النبي سهل بن أبي حثمة قوله أن تباع بدل من العارية قوله بخرصها قد ذكرنا عن قريب أنه بفتح الخاء وكسرها وأنكر ابن العربي الفتح وجوزهما النووي قال ومعناه بقدر ما فيها إذا صار تمرا والخرص هو التخمين والحدس قوله رطبا بضم الراء وقال الكرماني وروى بفتحها فهو متناول للعنب وقال أهل النخلة هم البائعون لا المشتري والآكل هو المشتري لا البائع ثم قال قلت الضمير في يأكلها أهلها راجع إلى الثمار التي يدل عليها الخرص وأهل الثمار هم المشترون وذكر الأكل ليس بقيد بل هو لبيان الواقع وعن أبي عبيد أنه شرطه قوله هو سواء أي هذا القول الأول سواء بلا تفاوت بينهما إذ الضمير المنصوب في يأكلها عائد إلى الثمار كما في الأول والمرفوع إلى أهل المخروص فحاصلها واحد ويحتمل أن يراد بسواء المساواة بين الثمر والرطب على تقدير الجفاف قوله قال سفيان مرة أخرى إلى آخره هو من كلام علي بن عبد الله وسفيان هو ابن عيينة والغرض أن سفيان بن عيينة حدثهم به مرتين على لفظين والمعنى واحد قيل أشار بقوله هو سواء إليه أي المعنى واحد قوله قال سفيان ليحيى أي بالإسناد المذكور قلت ليحيى هو ابن سعيد المذكور لما حدثه به قوله وأنا غلام جملة اسمية وقعت حالا وفيه أشار سفيان إلى قدم طلبه وأنه كان في سن الصبى يناظر شيوخه ويباحثهم قوله وما يدري أهل مكة بضم الياء وأهل مكة كلام إضافي منصوب به قوله أنهم أي أهل مكة يروون هذا الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قوله قال سفيان أي قال بالإسناد المذكور قوله إنما أردت أي إنما كان الحامل لي على قولي ليحيى بن سعيد أنهم يروون عن جابر أن جابرا من أهل المدينة فرجع الحديث إلى أهل المدينة قوله قيل لسفيان بلفظ قيل هو علي بن عبد الله المذكور في أول الحديث ولكن لم يعرف القائل من هو قوله وليس فيه أي في هذا الحديث قوله قال لا أي ليس فيه نهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وإن كان هو صحيحا من رواية غيره
( باب تفسير العرايا )
أي هذا باب في بيان تفسير العرايا وهو جمع عارية وقد استقصينا الكلام في هذا الباب في باب بيع الزبيب بالزبيب
( وقال مالك العرية أن يعري الرجل الرجل النخلة ثم يتأذى بدخوله عليه فرخص له أن يشتريها منه بتمر )
مالك هو ابن أنس صاحب المذهب قوله أن يعرى بضم الياء من الإعراء وهو الإعطاء يقال عروت الرجل إذا أتيته تسأله معروفه فأعراه أي أعطاه فالرجل الأول مرفوع لأنه فاعل والرجل الثاني منصوب لأنه مفعول وقوله النخلة منصوب أيضا على المفعولية قوله بتمر بالتاء المثناة من فوق وهذا التعليق وصله ابن عبد البر من طريق ابن وهب عن مالك وروى الطحاوي من طريق ابن نافع عن مالك أن العرية النخلة للرجل في حائط غيره وكانت العادة أنهم يخرجون بأهلهم في وقت الثمار إلى البساتين فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك بخرص نخلتك تمرا فرخص له في ذلك
( وقال ابن إدريس العرية لا تكون إلا بالكيل من التمر يدا بيد لا يكون بالجزاف ومما يقويه قول سهل ابن أبي حثمة بالأوسق الموسقة )
ابن إدريس هذا هو عبد الله الأودي الكوفي كذا قاله ابن التين وعليه الأكثرون وتردد ابن بطال فيه وجزم المزي في

(11/305)


التهذيب بأنه الشافعي حيث قال هذا الكلام كله قول محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه وأن له هذا الموضع في صحيح محمد بن إسماعيل البخاري وموضع آخر في كتاب الزكاة وكلام ابن بطال يدل على أن قوله ومما يقويه إلى آخره من كلام البخاري لا من كلام ابن إدريس وقال ابن بطال هذا إجماع فلا يحتاج إلى تقوية ولم يأت ذكر الأوساق الموسقة إلا في حديث مالك عن داود بن الحصين وفي حديث جابر من رواية ابن إسحق لا في رواية ابن أبي حثمة وإنما يروى عن سهل من قوله من رواية الليث عن جعفر بن أبي ربيعة عن الأعرج قال سمعت سهل بن أبي حثمة قال لا يباع التمر في رؤس النخل بالأوسق الموسقة إلا أوسق ثلاثة أو أربعة أو خمسة فيأكلها الناس وهي المزابنة قوله لا يكون إلا بالكيل أي لا بد أن يكون معلوم القدر إذ لا بد من العلم بالمساواة قوله يدا بيد أي لا بد من التقابض في المجلس قوله بالجزاف بضم الجيم وفتحها وكسرها وهو معرب كزاف قوله ومما يقويه أي ومما يقوي كلام ابن إدريس بأنه لا يكون جزافا قول سهل بن أبي حثمة يعني في كونه مكيلا معلوم المقدار قوله بالأوسق جمع وسق جمع قلة وقوله الموسقة تأكيد كقوله تعالى والقناطير المقنطرة وكقول الناس آلاف مؤلفة
( وقال ابن إسحاق في حديثه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما كانت العرايا أن يعري الرجل الرجل في ماله النخلة والنخلتين )
أي قال محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي وحديثه عن نافع وصله الترمذي قال حدثنا هناد حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن النبي نهى عن المحاقلة والمزابنة إلا أنه قد أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بمثل خرصها انتهى وأما تفسيره فوصله أبو داود عنه قال حدثنا هناد حدثنا عبدة عن ابن إسحق قال العرايا أن يهب الرجل للرجل النخلات فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها
( وقال يزيد عن سفيان بن حسين العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها رخص لهم أن يبيعوها بما شاؤا من التمر )
يزيد من الزيادة هو ابن هرون الواسطي أحد الأعلام وسفيان بن حسين الواسطي من أتباع التابعين قوله أن ينتظروا بها أي جذاذها والجمهور على أنه بعكس هذا قالوا كان سبب الرخصة أن المساكين الذين ما كان لهم نخلات ولا نقود يشترون بها الرطب وقد فضل من قوتهم التمر كانوا وعيالهم يشتهون الرطب فرخص لهم في شراء الرطب بالتمر وهذا التعليق وصله الإمام أحمد في حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه عن زيد بن ثابت مرفوعا في العرايا قال سفيان بن حسين فذكره وحكى عن الشافعي أنه قيد العرية بالمساكين محتجا بحديث سفيان بن حسين هذا وهو اختيار المزني وأنكره الشيخ أبو حامد نقله عن الشافعي قيل لعل مستند الشافعي ما ذكره في اختلاف الحديث عن محمود بن لبيد قال قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم هذه قال فلان وأصحابه شكوا إلى رسول الله أن الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ولا فضة يشترون بها منه وعندهم فضل تمر من قوت سنتهم فرخص لهم أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا
137 - ( حدثنا محمد قال أخبرنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم أن رسول الله رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا )

(11/306)


محمد وقع كذا غير منسوب في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي المجاور بمكة وهو من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وموسى بن عقبة بضم العين وسكون القاف ابن أبي عياش الأسدي المديني وقد مر الكلام فيه في باب بيع الزبيب بالزبيب قوله كيلا نصب على التمييز أي من حيث الكيل
( قال موسى بن عقبة والعرايا نخلات معلومات تأتيها فتشتريها )
هذا تفسيره للعرايا قال الكرماني كيف صح كلامه تفسيرا للعرايا وهو صادق على كل ما يباع في الدنيا من النخلات بأي غرض كان قلت غرضه بيان أنها مشتقة من عروت إذا أتيت وترددت إليه لا من العرى بمعنى التجرد انتهى قلت وتبعه بعضهم بل أخذ منه بقوله لعله أراد أن يبين أنها مشتقة من عروت إلى آخره نحو ما قاله الكرماني قلت هذا توجيه بعيد جدا فأي شيء من كلامه هذا يوضح أن غرضه بيان الاشتقاق ويمكن أن يقال أنه اختصره للعلم به
( كمل الجزء الحادي عشر من عمدة القاري شرح صحيح الإمام البخاري قدس الله سره وهو أول العقد الثاني ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني عشر ومطلعه ( باب بيع الثمار ) نسأله سبحانه التوفيق لإتمامه على هذا الوجه الحسن وما ذلك على الله بعزيز )

(11/307)


عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الثاني عشر
58 -
( باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الثمار بكسر الثاء المثلثة حمع ثمرة بفتح الميم وهو يتناول الرطب وغيره قوله قبل أن يبدو بنصب الواو أي قبل أن يظهر ولا يهمز كما ذكرناه عن قريب وإنما لم يجزم بحكم المسألة بالنفي أو بالإثبات لقوة الخلاف فيها بين العلماء فقال ابن أبي ليلى والثوري لا يجوز بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها مطلقا ومن نقل فيه الإجماع فقدوهم وقال يزيد بن أبي حبيب يجوز مطلقا ولو شرط التبقية ومن نقل فيه الإجماع أيضا فقد وهم وقال الشافعي وأحمد ومالك في رواية إن شرط القطع لم يبطل وإلا بطل وقالت الحنفية يصح إن لم يشترط التبقية والنهي محمول على بيع الثمار قبل أن يوجد أصلا وقيل هو على ظاهره لكن النهي فيه للتنزيه وقد ذكرنا مذهب أصحابنا ومذهب مخالفيهم في باب بيع المزابنة بدلائلهم
3912 - وقال ( الليث ) عن ( أبي الزناد ) كان ( عروة بن الزبير ) يحدث عن ( سهل بن أبي حثمة الأنصاري من بني حارثة ) أنه حدثه عن ( زيد بن ثابت ) رضي الله تعالى عنه قال كان الناس في عهد رسول الله يتبايعون الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان أصابه مراض أصابه قشام عاهات يحتجون بها فقال رسول الله لما كثرت عنده الخصومة في ذالك فإما لا فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم قال وأخبرني خارجة ابن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا فيتبين الأصفر من الأحمر
مطابقته للترجمة في قوله فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر والليث هو ابن سعد وأبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون هو عبد الله بن ذكوان وهذا كما رأيت غير موصول
وأخرجه أبو داود حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عنبسة بن خالد قال حدثني يونس قال سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وما ذكر في ذلك فقال كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة عن زيد بن ثابت قال كان الناس يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع قد أصاب الثمر الدمان وأصابه قشام وأصابه مراض عاهات يحتجون بها فلما كثرت خصومتهم عند

(12/2)


النبي قال رسول الله كالمشورة يشير بها فأما لا فلا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحه لكثرة خصومتهم واختلافهم وأخرجه البيهقي أيضا في ( سننه ) موصولا وأخرجه الطحاوي في معرض الجواب عن الأحاديث التي فيها النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها التي احتجت بها الشافعية والمالكية والحنابلة حيث قالوا لا يجوز بيع الثمار في رؤوس النخل حتى تحمر أو تصفر فقال الطحاوي وقد قال قوم إن النهي الذي كان من رسول الله عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها لم يكن منه تحريم ذلك ولكنه على المشورة منه عليهم لكثرة ما كانوا يختصمون إليه فيه ورووا في ذلك عن زيد بن ثابت حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أبو زرعة وهب الله عن يونس بن زيد قال قال أبو الزناد كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري أنه أخبره أن زيد بن ثابت كان يقول كان الناس في عهد رسول الله يتبايعون الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع إنه أصاب الثمر العفن والدمان وأصابه مراق قال أبو جعفر الصواب هو مراق وأصابه قشام عاهات يحتجون بها والقشام شيء يصيبه حتى لا يرطب قال فقال رسول الله لما كثرت عنده الخصومة في ذلك فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم فدل ما ذكرنا أن أول ما روينا في أول هذا الباب عن رسول الله من نهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها إنما كان على هذا المعنى لا على ما سواه
ذكر معناه قوله من بني حارثة بالحاء المهملة والثاء المثلثة وفي هذا الإسناد رواية تابعي عن مثله عن صحابي عن مثله والأربعة مدنيون قوله في عهد رسول الله أي في زمنه وأيامه قوله فإذا جذ الناس بالجيم والذال المعجمة المشددة أي فإذا قطعوا ثمر النخل ومنه الجذاذ وهو المبالغة في الأمر كذا في الرواية جذ على صيغة الثلاثي وفي رواية ابن ذر عن المستملي والسرخسي أجذ بزيادة ألف على صيغة الثلاثي المزيد فيه ومثله قال النسفي وقال ابن التين أكثر الروايات أجذ قال ومعناه دخلوا في زمن الجذاذ مثل أظلم دخل في الظلام وفي ( المحكم ) جذ النخل يجذه جذا وجذاذا وجذاذا صرمه قوله تقاضيهم بالضاد المعجمة يقال تقاضيت ديني وبديني واستقضيته طلبت قضاه قوله قال المبتاع أي المشتري وهو من الصيغ التي يشترك فيها الفاعل والمفعول والفرق بالقرينة قوله الدمان بفتح الدال المهملة وتخفيف الميم ضبطه أبو عبيد وضبط الخطابي بضم أوله وقال عياض هما صحيحان والضم رواية القابسي والفتح رواية السرخسي قال ورواها بعضهم بالكسر وذكره أبو عبيد عن ابن أبي الزناد بلفظ الإدمان زاد في أوله الألف وفتحها وفتح الدال وفسره أبو عبيد بأنه فساد الطلع وتعفنه وسواده وقال الأصمعي الدمال باللام العفن وقال القزاز الدمان فساد النخل قبل إدراكه وإنما يقع ذلك في الطلع يخرج قلب النخلة أسود معفونا ووقع في رواية يونس الدمار بالراء بدل النون وهو تصحيف قاله عياض ووجهه غيره بأنه أراد الهلاك كأنه قرأه بفتح أوله وفي ( التلويح ) وعند أبي داود في رواية ابن داسة الدمار بالراء كأنه ذهب إلى الفساد المهلك لجميعه المذهب له وقال الخطابي لا معنى له وقال الأصمعي الدمال باللام في آخره التمر المتعفن وزعم بعضهم أنه فساد التمر وعفنه قبل إدراكه حتى تسود من الدمن وهو السرقين والذي في ( غريب ) الخطابي بالضم وكأنه الأشبه لأن ما كان من الأدواء والعاهات فهو بالضم كالسعال والزكام والصداع قوله أصابه مراض كذا هو بضم الميم عند الأكثر قاله الخطابي لأنه اسم لجميع الأمراض وفي رواية الكشميهني والنسفي مراض بكسر الميم ويروى أصابه مرض قوله قشام بضم القاف وتخفيف الشين المعجمة قال الأصمعي هو أن ينتفض ثمر النخل قبل أن يصير بلحا وقيل هو أكال يقع في الثمر وقال الطحاوي في روايته والقشام شيء يصيبه حتى لا يرطب قوله أصابه ثالثا بدل من أصابه ثانيا وهو بدل من الأول قوله عاهات مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الأمور الثلاثة عاهات أي آفات وأمراض وهو جمع عاهة وأصلها عوهة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وذكره الجوهري في الأجوف الواوي وقال العاهة الآفة يقال عيه الزرع وإيف وأرض معيوهة وأعاه القوم أصابت ماشيتهم العاهة وقال الأموي أعوه القوم مثله قوله يحتجون بها قال الكرماني جمع لفظ يحتجون نظرا إلى أن لفظ المبتاع جنس

(12/3)


صالح للقليل والكثير انتهى قلت فيه نظر لا يخفى وإنما جمعه باعتبار المبتاع ومن معه من أهل الخصومات بقرينة قوله يتبايعون قوله فأما لا أصله فإن لا تتركوا هذه المبايعة فزيدت كلمة ما للتوكيد وأدغمت النون في الميم وحذف الفعل وقال الجواليقي العوام يفتحون الألف والصواب كسرها وأصله أن لا يكون كذلك الأمر فافعل هذا وما زائدة وعن سيبويه أفعل هذا إن كنت لا تفعل غيره لكنهم حذفوا لكثرة استعمالهم إياه وقال ابن الأنباري دخلت ما صلة كقوله عز و جل فإما ترين من البشر أحدا ( مريم 62 ) فاكتفى بلا من الفعل كما تقول العرب من سلم عليك فسلم عليه ومن لا يعني ومن لا يسلم عليك فلا تسلم عليه فاكتفى بلا من الفعل وأجاز من أكرمني أكرمته ومن لا معناه من لا يكرمني لم أكرمه وقد أمالت العرب لا إمالة خفيفة والعوام يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء وهو خطأ ومعناه إن لم يكن هذا فليكن هذا قيل وإنما يجوز إمالتها لتضمنها الجملة وإلا فالقياس أن لا تمال الحروف وقال التيمي قد تكتب لا هذه بلام وياء وتكون لا ممالة ومنهم من يكتبها بالألف ويجعل عليها فتحة محرفة علامة للإمالة فمن كتب بالياء تبع لفظ الإمالة ومن كتب بالألف تبع أصل الكلمة قوله حتى يبدو صلاح الثمر صلاح الثمر هو أن يصير إلى الصفة التي يطلب كونه على تلك الصفة وهو بظهور النضج والحلاوة وزوال العفوصة وبالتموه واللين وبالتلون وبطيب الأكل وقيل هو بطلوع الثريا وهما متلازمان قوله كالمشورة بفتح الميم وضم الشين المعجمة وسكون الواو على وزن فعولة ويقال بسكون الشين وفتح الواو على وزن مفعلة وقال ابن سيده هي مفعلة لا مفعولة لأنها مصدر والمصادر لا تجيء على مثال مفعولة وقال الفراء مشورة قليلة وزعم صاحب الثقيف والحريري في آخرين أن تسكين الشين فتح الواو مما لحن فيه العامة ولكن الفراء نقله وهي مشتقة من شرث العسل إذا اجتنيته فكان المستشير يجتني الرأي من المشير وقيل أخذ من قولك شرت الدابة إذا أجريتها مقبلة ومدبرة لتسبر جريها وتختبر جوهرها فكان المستشير يستخرج الرأي الذي عند المشير وكلا الإشتقاقين متقارب معناه من الآخر والمراد بهذه المشورة أن لا يشتروا شيئا حتى يتكامل صلاح جميع هذه الثمرة لئلا تجري منازعة
قوله وأخبرني أي قال أبو الزناد وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت وإنما قال بالواو عطفا على كلامه السابق وخارجة بالخاء المعجمة والجيم هو أحد الفقهاء السبعة قوله حتى تطلع الثريا وهو مصغر الثروي وصار علما للنجم المخصوص والمعنى حتى تطلع مع الفجر وقد روى أبو داود من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل بلد وفي رواية أبي حنيفة عن عطاء رفعت العاهة من الثمار والنجم هو الثريا وطلوعها صباحا يقع في أول فصل الصيف وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار والمعتبر في الحقيقة النضج وطلوع النجم علامة له وقد بينه في الحديث بقوله ويتبين الأصفر من الأحمر
قال أبو عبد الله رواه علي بن بحر قال حدثنا حكام قال حدثنا عنبسة عن زكرياء عن أبي الزناد عن عروة عن سهل عن زيد
أبو عبد الله هو البخاري رحمه الله تعالى قوله رواه أي روى الحديث المذكور علي بن بحر ضد البر القطان الرازي وهو أحد شيوخ البخاري مات سنة أربع وثلاثين ومائتين وحكام على وزن فعال بالتشديد للمبالغة ابن سلم بفتح السين المهملة وسكون اللام وهو أيضا رازي توفي سنة تسعين ومائة وعنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ابن سعيد بن ضريس بالضاد المعجمة مصغر ضرس كوفي ولي قضاء الري فعرف بالرازي وليس لعنبسه هذا في البخاري سوى هذا الموضع الموقوف كذا لشيخه زكريا بن خالد الرازي ولا يعرف له راو غير عنبسة وأبو الزناد عبد الله ابن ذكوان وعروة هو ابن الزبير بن العوام وسهل هو ابن أبي حثمة وزيد هو ابن ثابت الأنصاري
وقد روى أبو داود حديث الباب من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد قال سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وما ذكر في ذلك فقال كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة عن زيد بن ثابت قال كان الناس يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها الحديث فذكره نحو حديث الباب وعنبسة بن خالد هذا غير عنبسة بن سعيد فافهم

(12/4)


4912 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه مسلم وأبو داود جميعا بإسناد مثل إسناد البخاري
قوله نهى عن بيع الثمار وذلك لأنه لا يؤمن أن تصيبها آفة فتتلف فيضيع مال صاحبه قوله نهى البائع لأنه يريد أكل المال بالباطل ونهى المبتاع أي المشتري لأنه يوافقه على حرام ولأنه بصدد تضييع لماله وفيه أيضا قطع النزاع والتخاصم ومقتضى الحديث جواز بيعها بعد بدو الصلاح مطلقا سواء شرط الإبقاء أو لم يشترط لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها وقد جعل النهي ممتدا إلى غاية بدو الصلاح والمعنى فيه أن يؤمن فيها العاهة وتغلب السلامة فيثق المشتري بحصولها بخلاف ما قبل بدو الصلاح فإنه بصدد الغرر
واختلف السلف في قوله حتى يبدو صلاحها هل المراد منه جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلا جاز بيع ثمرة جميع البساتين وإن لم يبد الصلاح فيها أو لا بد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة أو لا بد من بدو الصلاح في كل جنس على حدة أو في كل شجرة على حدة على أقوال والأول قول الليث وهو عند المالكية بشرط أن يكون الصلاح متلاحقا والثاني قول أحمد وعنه في رواية كالرابع والثالث قول الشافعية قلت هذا كله غير محتاج إليه عند الحنفية
5912 - حدثنا ( ابن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( حميد الطويل ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نهى أن تباع ثمرة النخل حتى تزهو قال أبو عبد الله يعني حتى تحمر
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل بكسر التاء المثناة من فوق أبو الحسن المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وهذا الحديث من أفراده
قوله ثمرة النخل ذكر النخل ليس بقيد وإنما ذكره لكونه الغالب عندهم قوله حتى تزهو قال ابن الأعرابي زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وأزهي إذا احمر واصفر وقال غيره يزهو خطأ وإنما يقال يزهي وقد حكاهما أبو زيد الأنصاري وقال الخليل أزهي الثمر وفي ( المحكم ) الزهو والزهو البسر إذا ظهرت فيه الحمرة وقيل إذا لون واحدته زهوة وأزهي النخل وزهي تلون بحمرة وصفرة وقال الخطابي الصواب في العربية يزهى وقال القرطبي هل حديث الباب وغيره يدل على التحريم أو الكراهة فبالأول قال الجمهور وإلى الثاني صار أبو حنيفة
قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه فسر لفظ تزهو بقوله تحمر قيل رواية الإسماعيلي تشعر بأن قائل ذلك هو عبد الله بن المبارك فإذا صح هذا يكون لفظ أبو زائدا ليبقى قال عبد الله ويكون المراد به عبد الله بن المبارك أحد رواة الحديث المذكور
6912 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( سليم بن حيان ) قال حدثنا ( سعيد بن ميناء ) قال سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى النبي أن تباع الثمرة حتى تشقح فقيل وما تشقح قال تحمار وتصفار ويؤكل منها
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن سعيد القطان وسليم بفتح السين المهملة وكسر اللام ابن حيان من الحياة وسعيد بن ميناء بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون ممدودا ومقصورا تقدم في باب التكبير على الجنازة
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن عبد الله بن هشام وأخرجه أبو داود فيه عن أبي بكر بن محمد بن خلاد الباهلي عن يحيى
قوله حتى تشقح بضم أوله وسكون ثانيه قال بعضهم من أشقح يشقح إشقاحا إذا احمر أو اصفر والإسم الشقحة بضم الشين المعجمة وسكون القاف بعدها حاء مهملة وقال الكرماني التشقح تغير اللون إلى الصفرة أو الحمرة والشقحة لون خلص في الحمرة انتهى قلت هذا كما ترى جعله بعضهم من باب الأفعال وجعله الكرماني من باب التفعيل وقال ابن

(12/5)


الأثير نهى عن بيع الثمر حتى تشقح هو أن يحمر أو يصفر يقال أشقحت البسرة وشقحت إشقاحا وتشقيحا والاسم الشقحة قوله قيل ما تشقح إلى آخره هذا التفسير من قول سعيد بن ميناء راوي الحديث بين ذلك أحمد في روايته لهذا الحديث عن بهز بن أسد عن سليم بن حيان أنه هو الذي سأل سعيد بن ميناء عن ذلك فأجابه بذلك وكذلك أخرجه مسلم من طريق بهز قال حدثنا سليم بن حيان حدثنا سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله عن المزابنة والمحاقلة والمخابرة وعن بيع الثمرة حتى تشقح قال قلت لسعيد ما تشقح قال تحمار وتصفار ويؤكل منها وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سليم بن حيان فقال في روايته قلت لجابر ما تشقح الحديث قلت هذا يدل على أن السائل عن ذلك هو سعيد بن ميناء والذي فسره هو جابر قوله تحمار وتصفار كلاهما من باب الافعيلال من الثلاثي الذي زيدت فيه الألف والتضعيف لأن أصلهما حمر وصفر وقال الخطابي أراد بالإحمرار والإصفرار ظهور أوائل الحمرة والصفرة قبل أن يشبع وإنما يقال تفعال من اللون الغير المتمكن قلت فيه نظر لأنهم إذا أرادوا في لفظ حمر مبالغة يقولون احمر فيزيدون على أصل الكلمة الألف والتضعيف ثم إذا أرادوا المبالغة فيه يقولون إحمار فيزيدون فيه ألفين والتضعيف واللون الغير المتمكن هو الثلاثي المجرد أعني حمر فإذا تمكن يقال احمر وإذا ازداد في التمكن يقال احمار لأن الزيادة تدل على التكثير والمبالغة وقال بعضهم وإنما يقال يفعال في اللون الغير المتمكن إذا كان يتلون وأنكر هذا بعض أهل اللغة وقال لا فرق بين يحمر ويحمار انتهى قلت قائل هذا ما مس شيئا من علم الصرف والتحقيق فيه ما ذكرناه
68 -
( باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها )
أي هذا باب في بيان حكم بيع ثمر النخل وقال بعضهم هذه الترجمة معقودة لحكم بيع الأصول والتي قبلها لحكم بيع الثمار انتهى قلت هذا كلام فاسد غير صحيح بل كل من الترجمتين معقودة لبيع الثمار أما الترجمة الأولى فهي قوله باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ولم يذكر فيه النخل ليشمل ثمار جميع الأشجار المثمرة وههنا ذكر النخل والمراد ثمرته وليس المراد عين النخل لأن بيع عين النخل لا يحتاج أن يقيد ببدو الصلاح أو بعدمه ألا ترى في الحديث يقول وعن النخل حتى تزهو والزهو صفة الثمرة لا صفة عين النخل والتقدير عن ثمر النخل فافهم
7912 - حدثني ( علي بن الهيثم ) قال حدثنا ( معلى ) حدثنا ( هشيم ) قال أخبرنا ( حميد ) قال حدثنا ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وعن النخل حتى يزهو قيل وما يزهو قال يحمار ويصفار
مطابقته للترجمة في قوله وعن النخل أي وعن ثمر النخل كما ذكرنا وعلي بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة البغدادي وهو من أفراده ومعلى بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة ابن منصور الرازي الحافظ طلبوه على القضاء فامتنع مات سنة إحدى عشرة ومائتين وهو من كبار شيوخ البخاري وإنما روى عنه في ( الجامع ) بواسطة وهشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير الوسطي مر في التيمم والحديث من أفراده
قوله حدثني وفي بعض النسخ حدثنا علي قوله وعن النخل أي عن بيع ثمر النخل وهذا ليس بتكرار لأن المراد بقوله نهى عن بيع الثمرة غير ثمر النخل بقرينة عطفه عليه ولأن الزهو مخصوص بالرطب والباقي قد شرح عن قريب ولم يسم السائل عن ذلك في هذه الرواية ولا المسؤول وسيأتي بعد خمسة أبواب عن حميد برواية إسماعيل بن جعفر عنه وفيه قلنا لأنس ما زهوها قال تحمر

(12/6)


78 -
( باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع )
أي هذا باب يذكر فيه إذا باع شخص الثمار قبل بدو صلاحها ثم أصابته عاهة أي آفة فهو من البائع أي من مال البائع والفاء جواب إذا لتضمن معنى الشرط فهذا يدل على أن البخاري قائل بصحة هذا البيع وإن لم يبد صلاحه لأنه إذا لم يفسد فالبيع صحيح
8912 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( حميد ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل له وما تزهي قال حتى تحمر فقال أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ) إن منع الله الثمرة إلى آخره لأن الثمرة إذا أصابتها آفة ولم يقبضها المشتري تكون من ضمان البائع فإذا قبضها المشتري فهو من مال المشتري
وفي هذا الباب أقوال للعلماء وتفصيل فقال ابن قدامة في ( المغني ) الكلام في هذه المسألة على وجوه
الأول أن ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع في الجملة وبهذا قال أكثر أهل المدينة منهم يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك وأبو عبيد وجماعة من أهل الحديث الثاني أن الجائحة كل آفة لا صنع للآدمي فيها كالريح والبرد والجراد والعطش الثالث أن ظاهر المذهب أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها إلا أن ما جرت العادة بتلف مثله كالشيء اليسير الذي لا ينضبط فلا يلتفت إليه
وقال أحمد إني لا أقول في عشرة ثمرات وعشرين ثمرة لا أدري ما الثلث ولكن إذا كانت جائحة فوق الثلث أو الربع أو الخمس توضع ومنه رواية أخرى إن ما كان دون الثلث فهو من ضمان المشتري وبه قال مالك والشافعي في القديم لأنه لا بد أن يأكل الطائر منها وينثر الريح ويسقط منها فلم يكن بد من ضابط وحد فاصل بين هذا وبين الجائحة والثلث قد رأينا الشرع اعتبره في مواضع منها الوصية وعطايا المريض إذا ثبت هذا فإنه إذا تلف شيء له قدر خارج عن العادة وضع من الثمن بقدر الذاهب وإن تلف الجميع بطل العقد ويرجع المشتري بجميع الثمن وإن تلف البعض وكان الثلث فما زاد وضع بقسطه من الثمن وإن كان دونه لم يرجع بشيء وإن اختلفا في الجائحة أو في قدر ما أتلفت فالقول قول البائع لأن الأصل السلامة انتهى
وقال جمهور السلف والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي في الجديد وأبو جعفر الطبري وداود وأصحابه ما ذهب من الثمر المبيع الذي أصابته جائحة من شيء سواء كان قليلا أو كثيرا بعد قبض المشتري إياه فهو ذاهب من مال المشتري والذي ذهب في يد البائع قبل قبض المشتري فذاك يبطل الثمن عن المشتري
ذكر معناه قوله حتى تزهى بضم التاء من الإذهاء قال الخطابي هذه الرواية هي الصواب ولا يقال في النخل يزهو وإنما يقال يزهى لا غير ورد عليه غيره فقال زهى إذا طال واكتمل وأزهى إذا احمر واصفر قوله فقيل له وما تزهى لم يسم السائل في هذه الرواية ولا المسؤول أيضا وقد رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بلفظ قيل يا رسول الله وما تزهى قال حتى تحمر وهكذا أخرجه الطحاوي من طريق يحيى بن أيوب وأبو عوانة من طريق سليمان ابن بلال كلاهما عن حميد وظاهره الرفع ورواه إسماعيل بن جعفر وغيره عن حميد موقوفا على أنس كما مضى في الباب الذي قبله قوله فقال أي رسول الله ويروى فقال رسول الله أرأيت أي أخبرني قال أهل البلاغة هو من باب الكناية حيث استفهم وأراد الأمر قوله إذا منع الله الثمرة إلى آخره هكذا صرح مالك برفع هذه الجملة وتابعه محمد ابن عباد عن الدراوردي عن حميد مقتصرا على هذه الجملة الأخيرة وجزم الدارقطني وغير واحد من الحفاظ بأنه أخطأ فيه وبذلك جزم ابن أبي حاتم في ( العلل ) عن أبيه وأبي زرعة والخطأ في رواية عبد العزيز من محمد بن عباد فقد رواه إبراهيم ابن حمزة عن الدراوردي كرواية إسماعيل بن جعفر الآتي ذكرها ورواه معتمر بن سليمان وبشر بن المفضل عن حميد

(12/7)


فقال فيه قال أفرأيت إلى آخره قال فلا أدري أنس قال بم يستحل أو حدث به عن النبي أخرجه الخطيب في ( المدرج ) ورواه إسماعيل بن جعفر عن حميد فعطفه على كلام أنس في تفسير قوله تزهى وظاهره الوقف وأخرجه الجوزقي من طريق زيد بن هارون والخطيب من طريق أبي خالد الأحمر كلاهما عن حميد بلفظ قال أرأيت إن منع الله الثمرة الحديث ورواه ابن المبارك وهشيم كا تقدم آنفا عن حميد فلم يذكرا هذا القدر المختلف فيه وتابعهما جماعة من أصحاب حميد عنه على ذلك قيل وليس في جميع ما تقدم ما يمنع أن يكون التفسير مرفوعا لأن مع الذي رفعه زيادة علم عن ما عند الذي وقفه وليس في رواية الذي وقفه ما ينفي قول من رفعه قوله بم يأخذ أحدكم مال أخيه أي بأي شيء يأخذ أحدكم مال أخيه إذا تلف الثمر لأنه إذا تلف الثمر لا يبقى للمشتري في مقابلة ما دفع شيء فيكون أخذ البائع بالباطل ويروى بم يستحل أحدكم مال أخيه وفيه إجراء الحكم على الغالب لأن تطرق التلف إلى ما بدا صلاحه ممكن وعدم تطرقه إلى ما لم يبد صلاحه ممكن فأنيط الحكم في الغالب في الحالين
9912 - قال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال لو أن رجلا ابتاع تمرا قبل أن يبدو صلاحه ثم أصابته عاهة كان ما أصابه على ربه قال أخبرني سالم بن عبد الله عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال لا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحها ولا تبيعوا الثمر بالتمر
أشار بهذا التعليق عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد أن ابن شهاب الزهري استنبط الحكم المترجم به من الحديث
قوله ابتاع أي اشترى قوله ثمرا بالثاء المثلثة قوله عاهة أي آفة قوله على ربه أي واقع على صاحبه وهو بائعه محسوب عليه وفهم من هذا أن الزهري أطلق كلامه ولم يفصل هل كان حصول العاهة قبل قبض المشتري أو بعده فمذهب الحنفية بالتفصيل كما ذكرناه عن قريب وقبض المشتري الثمار في رؤوس النخل يكون بالتخلية بأن يخلى البائع بين المشتري وبينها وإمكانه إياه منها قوله أخبرني من كلام الزهري فإنه قال أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله أن رسول الله قال لا تتبايعوا الثمر إلى آخره فكأن الزهري استنبط ما قاله من عموم النهي وقد مضى هذا في باب بيع المزابنة فإنه قال حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحها ولا تبيعوا الثمر بالتمر الحديث وقد مر الكلام فيه هناك قوله لا تبيعوا الثمر بالثاء المثلثة وفتح الميم قوله بالتمر بالتاء المثناة من فوق وسكون الميم وقال الكرماني هذا عام خصص بالعرايا قلت قد ذكرنا فيما مضى أن هذا العام على عمومه وأن بيع العرايا حكم مستقل بذاته لا يحتاج إلى شيء ليخرج من عموم الحديث المذكور
88 -
( باب شراء الطعام إلى أجل )
أي هذا باب في بيان حكم شراء الطعام إلى أجل
00 - 2 - 2 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال ( ذكرنا عند إبراهيم الرهن في السلف ) فقال ل ( ا بأس به ثم ) حدثنا عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن النبي اشترى طعاما من يهودي إلى إجل فرهنه درعه
مطابقته للترجمة في قوله اشترى طعاما من يهودي إلى أجل وهذا الحديث مضى في باب شراء النبي بالنسيئة فإنه أخرجه هناك عن معلى بن أسد عن عبد الواحد عن الأعمش وهو سليمان وهنا أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن الأعمش وإبراهيم هوالنخعي قوله في السلف أي السلم وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى

(12/8)


98 -
( باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أراد الشخص بيع تمر بتمر خير من ثمره وكلاهما بالتاء المثناة من فوق وسكون الميم وجواب إذا محذوف تقديره ماذا يضع حتى يسلم من الربا
2022 - حدثنا ( قتيبة ) عن ( مالك ) عن ( عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمان ) عن ( سعيد ابن المسيب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) وعن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال رسول الله أكل تمر خيبر هكذا قال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين بالثلاثة فقال رسول الله لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله بع الجمع جنيبا فإنه أسلم من الربا فإن التمر كله جنس واحد فلا يجوز بيع صاع منه بصاع من تمر آخر إلا سواء بسواء فلا يجوز بالتفاضل وعبد المجيد بن سهيل مصغر سهل ضد الصعب ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني يكنى أبا وهب ويقال أبو محمد
والحديث أخرجه البخاري في الوكالة عن عبد الله بن يوسف وفي المغازي عن إسماعيل بن أبي أويس وفي نسخة عن القعنبي ثلاثتهم أعني قتيبة وعبد الله بن يوسف وإسماعيل عن مالك وأخرجه في الاعتصام عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال كلاهما عن عبد المجيد المذكور عنه عن أبي سعيد وأبي هريرة به وأخرجه مسلم في البيوع عن القعنبي عن سليمان بن بلال به وعن يحيى بن يحيى عن مالك به وأخرجه النسائي فيه عن محمد ابن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك وعن نصر بن علي وإسماعيل بن مسعود كلاهما عن خالد بن الحارث عن سعيد عن قتادة عنه عن أبي سعيد بمعناه ولم يذكر أبا هريرة
ذكر معناه قوله عن سعيد بن المسيب وفي رواية سليمان بن بلال عن عبد المجيد أنه سمع سعيد بن المسيب أخرجه البخاري في الاعتصام قوله عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة وفي رواية سليمان المذكور أن أبا سعيد وأبا هريرة حدثاه وقال ابن عبد البر ذكر أبي هريرة لا يوجد في هذا الحديث إلا لعبد المجيد وقد رواه قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وحده وكذلك رواه جماعة من أصحاب أبي سعيد عنه قوله استعمل رجلا قيل هو سواد بن غزية وقيل مالك بن صعصعة ذكره الخطيب قلت سواد بفتح السين المهملة وتخفيف الواو وفي آخره دال مهملة ابن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد الياء آخر الحروف على وزن عطية ابن وهب حليف الأنصار وهو الذي أسر يومئذ خالد بن هشام ومالك بن صعصعة الخزرجي ثم المازني قوله تمر جنيب بفتح الجيم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة قال مالك هو الكبيس وقال الطحاوي هو الطيب وقيل الصلب وقيل الذي أخرج منه حشفه ورديئه وقال التيمي هو تمر غريب غير الذي كانوا يعهدونه وقال الخطابي هو نوع من التمر وهو أجود تمورهم وهو بخلاف الجمع بفتح الجيم وسكون الميم وهو كل لون من النخل لا يعرف اسمه وقيل هو تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوبا فيه ولا يختلط إلا لرداءته قوله بالصاعين وفي رواية سليمان بالصاعين من الجمع أي غير الصاعين اللذين هما عوض الصاع الذي هو من الجنيب وكون المعرفة المعادة عين الأول عند عدم القرينة على المغايرة وهو كقوله تؤتي الملك من تشاء ( آل عمران 62 ) فإنه فيه غير الأول قوله بالثلاثة كذا وفي رواية القايسي بالتاء وفي رواية أكثرين بالثلاث بلا تاء وكلاهما جائز لأن الصاع يذكر ويؤنث قوله لا تفعل وفي رواية سليمان ولكن مثلا بمثل أي بع المثل بالمثل وزاد في آخره وكذلك الميزان أي في بيع ما يوزن من المقتات بمثله قوله بع الجمع أي التمر الذي يقال له الجمع بالدراهم ثم ابتع أي ثم اشتر بالدراهم جنيبا وأمره بذلك ليكون بصفقتين فلا يدخله الربا

(12/9)


ذكر ما يستفاد منه قال ابن عبد البر لا خلاف بين أهل العلم في أن ما دخل في الجنس الواحد من جنس التفاضل والزيادة لم تجز فيه الزيادة لا في كيل ولا في وزن والوزن والكيل في ذلك سواء عندهم إلا أن كان أصله الكل لا يباع إلا كيلا وما كان أصله الوزن لا يباع إلا وزنا وما كان أصله الكيل فبيع وزنا فهو عندهم مماثلة وإن كرهوا ذلك وما كان موزونا فلا يجوز أن يباع كيلا عند جميعهم لأن المماثلة لا تدرك بالكيل إلا فيما كان كيلا لا وزنا اتباعا للسنة وأجمعوا أن الذهب والورق والنحاس وما أشبهه لا يجوز يبيع شىء كله كيلا لكيل يوجه من الوجوه والتمر كله على اختلاف انواعه جنس واحد لا يجوز فيه التفاضل في البيع والمعاوضة وكذلك البر والزبيب وكل طعام مكيل هذا حكم الطعام المقتات عند مالك وعند الشافعي الطعام كله مقتات أو غير مقتات وعند الكوفيين الطعام المكيل والموزون دون غيره وقد احتج بحديث الباب من أجاز بيع الطعام من رجل نقدا ويبتاع منه طعاما قبل الافتراق وبعده لأنه لم يخص فيه بائع الطعام ولا مبتاعه من غيره وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأبي ثور ولا يجوز هذا عند مالك وقال ابن بطال وزعم قوم أن بيع العامل الصاعين بالصاع كان قبل نزول آية الربا وقبل إخبارهم بتحريم التفاضل بذلك فلذلك لم يأمره بفسخه قال وهذه غفلة لأنه قال في غنائم خيبر للسعدين أريتما فردا وفتح خيبر مقدم على ما كان بعد ذلك مما وقع في ثمرها وجميع أمرها وقد احتج بعض الشافعية بهذا الحديث على أن العينة ليست حراما يعني الحيلة التي يعملها بعضهم توصلا إلى مقصود الربا بأن يريد أن يعطيه مائة درهم بمائتين فيبيعه ثوبا بمائتين ثم يشتري منه بمائة ودليل هذا من الحديث أن النبي قال له بع هذا واشتر بثمنه من هذا ولم يفرق بين أن يشتري من المشتري أو من غيره فدل على أنه لا فرق وقال النووي وهذا كله ليس بحرام عند الشافعي وأبي حنيفة وآخرين وقال مالك وأحمد هو حرام وفي الحديث حجة على من يقول إن بيع الربا جائز بأصله من حيث إنه بيع ممنوع بوصفه من حيث هو ربا فيسقط الربا ويصح البيع قال القرطبي ولو كان على ما ذكر لما فسخ رسول الله هذه الصفقة ولا أمر برد الزيادة على الصاع وفيه جواز اختيار طيب الطعام وقال ابن الجوزي وفي التخيير له التمر الطيب وإقرارهم عليه دليل على أن النفس يرفق بها لحقها وهو عكس ما يصنعه جهال المتزهدين من حملهم على أنفسهم ما لا يطيقون جهلا منهم بالسنة وفيه جواز الوكالة في البيع وغيره وفيه أن البيوع الفاسدة ترد
09 -
( باب من باع نخلا قد أبرت أو أرضا مزروعة أو بإجارة )
أي هذا باب في بيان حكم من باع نخلا والنخل اسم جنس يذكر ويؤنث والجمع نخيل قوله قد أبرت جملة وقعت صفة لقوله نخلا وهو على صيغة المجهول بتشديد الباء الموحدة من التأبير وهو التشقيق والتلقيح ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيه شيء من طلع النخلة الذكر قال القرطبي يقال أبرت النخلة آبرها بكسر الباء وضمها فهي مأبورة وإبار كل ثمر بحسبه وبما جرت عادتهم فيه بما يثبت ثمره ويعقده وقد يعبر بالتأبير عن ظهور الثمرة وعن انعقادها وأن يفعل فيها شيء وقال النووي أبرته آبره أبرا وإبرا بالتخفيف كأكلته أكلا وأبرته بالتشديد أؤبره تأبيرا كعلمته أعلمه تعليما والإبار شق طلع النخلة سواء خط فيه شيء أم لا ولو تأبرت بنفسها أي تشققت فحكمها في البيع حكم المؤبرة بفعل الآدمي قوله أو أرضا أو باع أرضا مزروعة قوله أو بإجارة عطف على باع بتقدير فعل مقدر تقديره أو أخذ بإجارة وجواب من محذوف تقديره فثمرتها للذي أبرها ولم يذكره اكتفاء بما في الحديثقال أبو عبد الله وقال لي إبراهيم أخبرنا هشام قال أخبرنا ابن جريج قال سمعت ابن أبي مليكة يخبر عن نافع مولى ابن عمر أن أيما نخل بيعت قد أبرت لم يذكر الثمر فالثمر للذي أبرها وكذلك العبد والحرث سمى له نافع هؤلاء الثلاث
مطابقته للترجمة في قوله نخل بيعت قد أبرت فإن قلت للترجمة ثلاثة أجزاء الأول بيع النخل المؤبرة والثاني بيع الأرض

(12/10)


المزروعة والثالث الإجارة فأين مطابقة الحديث لهذه الأجزاء قلت قوله نخل بيعت قد أبرت مطابق للجزى الأول وقوله والحرث هو الزرع مطابق للجزء الثاني فالزرع للبائع إذا باع الأرض المزروعة ويفهم منه أنه إذا آجر أرضه وفيها زرع فالزرع له وإن كانت الإجارة فاسدة عندنا في ظاهر الرواية وقال خواهر زاده إن كان الزرع قد أدرك جازت الإجارة ويؤمر الآجر بالحصاد والتسليم فعلى كل حال فالزرع للمؤجر وهذا مطابق للجزء الثالث ولم أر أحدا من الشراح قد تنبه لهذا مع دعوى بعضهم الدعاوى العريضة في هذا الفن
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إبراهيم بن يوسف ين يزيد بن زادان الفراء هكذا نسبه في ( التلويح ) وقال بعضهم إبراهيم بن موسى الرازي وقال المزي إبراهيم بن المنذر
إذا قالت حذام فصدقوها
الثاني هشام بن يوسف أبو عبد الرحمن وقال المزي هشام هذا هو ابن سليمان بن عكرمة بن خالد بن العاص القرشي المخزومي الثالث عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج الرابع عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير بن عبد الله الخامس نافع مولى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه الأخبار بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه السماع وفيه أن إبراهيم رازي وأن هشاما صنعاني قاضيها وكان من الأبناء وأن ابن جريج وابن أبي مليكة مكيان وأن نافعا مدني وهذا الأثر من أفراده
ذكر حكمه أما حكمه أولا فإنه ذكر هذا عن إبراهيم المذكور على سبيل المحاورة والمذاكرة حيث قال قال لي إبراهيم ولم يقل حدثني وقد تقدم غير مرة أن قول البخاري عن شيوخه بهذه الصيغة يدل على أنه أخذه منهم في حالة المذاكرة وأما ثانيا فإنه موقوف على نافع لأن ابن جريج رواه عن نافع هكذا موقوفا وقال أبو العباس الطرقي الصحيح من رواية نافع ما اقتصر عليه في هذا الحديث من التأبير خاصة قال وحديث العبد يعني من ابتاع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع يذكره عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال وقد رواه عن نافع عبد ربه بن سعيد وبكير بن الأشج فجمعا بين الحديثين مثل رواية سالم وعكرمة بن خالد فإنهما رويا الحديثين جميعا عن ابن عمر عن النبي وقال أبو عمر اتفق نافع وسالم عن ابن عمر مرفوعا في قصة النخل واختلفا في قصة العبد رفعها سالم ووقفها نافع على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقال البيهقي ونافع يروي حديث النخل عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي وحديث العبد عن ابن عمر موقوفا قيل وحديث الحرث لم يروه غير ابن جريج ووصل مالك والليث وغيرهما عن نافع عن ابن عمر قصة النخل دون غيرها واختلف على نافع وسالم في رفع ما عدا النخل فرواه الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعا في قصة النخل والعبد معا وروى مالك والليث وأيوب وعبيد الله بن عمر وغيرهم عن نافع عن ابن عمر قصة النخل وعن ابن عمر عن عمر قصة العبد موقوفة كذلك أخرجه أبو داود من طريق مالك بالإسنادين معا
ذكر معناه قوله أيما نخل كلمة أي تجيء لمعان خمسة أحدها للشرط نحو أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى ( الإسراء 11 ) وهنا كذلك تقديره أي نخل من النخيل بيعت فلذلك دخلت الفاء في جوابها وهو قوله فالثمر للذي أبرها وذكر النخل ليس بقيد وإنما ذكر لأجل أن سبب ورود الحديث كان في النخل وهو الظاهر وإما لأن الغالب في أشجارهم كان النخل وفي معناه كل ثمر بارز يرى في الشجر كالعنب والتفاح إذ أبيع أصول الشجر لم تدخل هذه الثمار في بيعها إلا أن يشترط قوله بيعت بكسر الباء على صيغة المجهول قوله قد أبرت على صيغة المجهول أيضا وقعت حالا والجملة التي قبلها صفة وكذلك قوله لم يذكر الثمر جملة حالية قيد بها لأنه إذا ذكر الثمر لأحد من المتعاقدين فهو له بمقتضى الشرط قوله وكذلك العبد يحتمل وجهين أحدهما إذا بيعت الأم الحامل ولها ولد رقيق منفصل فهو للبائع وإن كان جنينا لم يظهر فهو للمشتري والثاني إذا بيع العبد وله مال على مذهب من يقول إنه يملك فإنه للبائع وروى مسلم قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله يقول من ابتاع نخلا

(12/11)


قبل أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع ومن ابتاع عبدا له فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع قوله والحرث أي الزرع فإنه للبائع إذا باع الأرض المزروعة قوله سمى له نافع أي سمى لابن جريج هؤلاء الثلاثة أي التمر والعبد والحرث وهو بتمامه موقوف على نافع
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه الأول أخذ بظاهر هذا وبظاهر حديث ابن عمر المرفوع الذي هو عقيب هذا كما يأتي إن شاء الله تعالى مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق فقالوا من باع نخلا قد أبرت ولم يشترط ثمرته المبتاع فالثمرة للبائع وهي في النخل متروكة إلى الجذاذ وعلى البائع السقي وعلى المشتري تخليته وما يكفيه من الماء وكذلك إذا باع الثمرة دون الأصل فعلى البائع السقي وقال أبو حنيفة سواء أبرت أو لم تؤبر هي للبائع وللمشتري أن يطالبه بقلعها عن النخل في الحال ولا يلزمه أن يصبر إلى الجذاذ فإن اشترط البائع في البيع ترك الثمرة إلى الجذاذ فالبيع فاسد وقال أبو حنيفة تعليق الحكم بالإبار إما للتنبيه له على ما لم يؤبر أو لغير ذلك أو لم يقصد به نفي الحكم عما سوى الحكم المذكور
وتلخيص مأخذ اختلافهم في الحديث أن أبا حنيفة استعمل الحديث لفظا ومعقولا واستعمله مالك والشافعي لفظا ودليلا ولكن الشافعي يستعمل دلالته من غير تخصيص ويستعملها مالك مخصصة وبيان ذلك أن أبا حنيفة جعل الثمرة للبائع في الحالين وكأنه رأى أن ذكر الإبار تنبيه على ما قبل الإبار وهذا المعنى يسمى في الأصول معقول الخطاب واستعمله مالك والشافعي على أن المسكوت عنه حكمه حكم المنطوق وهذا يسميه أهل الأصول دليل الخطاب وقول الثوري وأهل الظاهر وفقهاء أصحاب الحديث كقول الشافعي وقول الأوزاعي نحو قول أبي حنيفة وقال ابن أبي ليلى سواء أبرت أو لم تؤبر الثمرة للمشتري اشترط أو لم يشترط قال أبو عمر إنه خالف لحديث ورده جهلا به
الثاني أن المالكية استدلت به على كون الثمرة مع الإطلاق للبائع بعد الإبار إلا أن يشترط وأنها قبل الإبار للمشتري قلت كأن مالكا يرى أن ذكر الإبار ههنا لتعليق الحكم ليدل على أن ما عداه بخلافه
الثالث قال مالك إذا لم يشترط المشتري الثمرة في شراء الأصل جاز له شراؤها بعد شراء الأصل وهذا مشهور قوله وعنه أنه لا يجوز له إفرادها بالشراء ما لم تطب وهو قول الشافعي
الرابع استدل به أشهب من المالكية على جواز اشتراط بعض الثمر وقال يجوز لمن ابتاع نخلا قد أبرت أن يشترط من الثمر نصفها أو جزءا منها وكذلك في مال العبد لأن ما جاز اشتراط جميعه جاز اشتراط بعضه وما لم يدخل الربا في جميعه فأحرى أن لا يدخل في بعضه وقال ابن القاسم لا يجوز لمبتاع النخل المؤبر أن يشترط منها جزءا وإنما له أن يشترط جميعها أو لا يشترط شيئا منها
الخامس استدلت به أصحابنا على أن من باع رقيقا وله مال أن ماله لا يدخل في البيع ويكون للبائع إلا أن يشترطه المبتاع
السادس استدل به على أن المؤبر يخالف في الحكم غير المؤبر وقالت الشافعية لو باع نخلة بعضها مؤبر وبعضها غير مؤبر فالجميع للبائع فإن باع نخلتين فكذلك بشرط اتحاد الصفة فإن أفرد فلكل حكمه ويشترط كونهما في بستان واحد فإن تعدد فلكل حكمه ونص أحمد على أن الذي يؤبر للبائع والذي لا يؤبر للمشتري وجعلت المالكية الحكم للأغلب
السابع اختلف الشافعية فيما لو باع نخلة وبقيت ثمرتها ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة فقال ابن أبي هريرة هو للمشتري لأنه ليس للبائع إلا ما وجد دون ما لم يوجد وقال الجمهور وهو للبائع لكونه من ثمرة المؤبر دون غيرها
الثامن روى ابن القاسم عن مالك أن من اشترى أرضا مزروعة ولم يسنبل فالزرع للبائع إلا أن يشترطه المشتري وإن وقع البيع والبذر ولم ينته فهو للمبتاع بغير شرط وروى ابن عبد الحكم عن مالك إن كان الزرع لقح أكثره ولقاحه أن يتحبب ويسنبل حتى لو يبس حينئذ لم يكن فسادا فهو للبائع إلا أن يشترطه المشتري وإن كان لم يلقح فهو للمبتاع
التاسع إن وقع العقد على النخل أو على العبد خاصة ثم زاده شيئا يلحق الثمرة والمال وقال ابن القاسم إن كان بحضرة البائع وتقديره جاز وإلا فلا وقال أشهب يجوز في الثمرة ولا يجوز في مال العبد
العاشر استدل به الطحاوي على جواز بيع الثمرة على رؤوس النخل قبل بدو صلاحها وذلك لأنه جعل فيه ثمر النخل للبائع عند عدم اشتراط المشتري فإذا اشترط المشتري ذلك يكون له ويكون المشتري مشتريا لها أيضا واعترض البيهقي عليه فقال إنه يستدل بالشيء في غير ما ورد فيه حتى إذا جاء ما ورد فيه استدل بغيره عليه كذلك فيستدل لجواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بحديث التأبير ولا يعمل

(12/12)


بحديث التأبير انتهى قلت هل البيهقي عن الدلالات الأربعة للنص وهي عبارة النص وإشارته ودلالته واقتضاؤه وبهذه يكون الاستدلال بالنصوص والطحاوي ما ترك العمل بالحديث غاية ما في الباب أنه استدل على ما ذهب إليه بإشارة النص والخصم استدل بعبارته وهما سواء في إيجاب الحكم ولم يوافق الخصم في العمل بعبارته لأن عبارته تعليق الحكم بالإبارة للتنبيه على ما لم يؤبر أو لغير ذلك فافهم فإن فيه دقة عظيمة لا يفهمها إلا من له يد في وجوه الاستدلالات بالنصوص
4022 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه البخاري أيضا في الشروط عن عبد الله بن يوسف أيضا وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه النسائي في الشروط عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن هشام بن عمار خمستهم عن مالك به وقد مضى الكلام فيه في أثر نافع قبله
19 -
( باب بيع الزرع بالطعام كيلا )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الزرع بالطعام كيلا أي من حيث الكيل نصب على التمييز
5022 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى رسول الله عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا أو كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام ونهى عن ذالك كله
مطابقته للترجمة في قوله وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام والحديث أخرجه مسلم والنسائي كلاهما في البيوع نحو رواية البخاري وأخرجه ابن ماجه في التجارات نحوه
قوله عن المزابنة قد مضى تفسيرها غير مرة قوله أن يبيع يدل عن المزابنة قوله ثمر حائطه بالثاء المثلثة وفتح الميم وأراد به الرطب والحائط هو البستان من النخل إذا كان عليه حائط وهو الجدار وجمعه حوائط قوله إن كان نخلا أي إن كان الحائط نخلا وهذه الشروط تفصيل له ويقدر جزاء الشرط الثاني نهى أن يبيعه لقرينة السياق وكذا يقدر جزاء الشرط الأول وأما بيع الزرع بالطعام فيسمى بالمحاقلة وأطلق عليها المزابنة تغليبا أو تشبيها وقد مضى تفسير المحاقلة أيضا قوله ونهى عن ذلك أي عن المذكور كله
وقال ابن بطال أجمع العلماء على أنه لا يجوز بيع الزرع قبل أن يقطع بالطعام لأنه بيع مجهول بمعلوم وأما بيع رطب ذلك بيابسه بعد القطع وإمكان المماثلة فالجمهور لا يجيزون بيع شيء من ذلك بجنسه لا متفاضلا ولا متماثلا خلافا لأبي حنيفة قلت هذا الحديث مشتمل على ثلاثة أحكام الأول بيع الثمر بالثاء المثلثة على رؤوس النخل بالتمر وهو المزابنة وهو غير جائز والثاني بيع العنب على رؤوس الكرم بالزبيب كيلا وهو أيضا المزابنة وهو أيضا غير جائز والثالث بيع الزرع على الأرض بكيل من طعام وهو الحنطة وهذا محاقلة وهو أيضا غير جائز وقال الترمذي المحاقلة بيع الزرع بالحنطة والمزابنة بيع الثمر على رؤوس النحل بالتمر والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا بيع المحاقلة والمزابنة وقال بعضهم واحتج الطحاوي لأبي حنيفة في جواز بيع الزرع الرطب بالحب اليابس بأنهم أجمعوا على جواز بيع الرطب بالرطب مثلا بمثل مع أن رطوبة أحدهما ليست كرطوبة الآخر بل يختلف اختلافا متباينا ثم قال وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد وبأن الرطب بالرطب وإن تفاوت لكنه نقصان يسير فعفى عنه لقلته بخلاف الرطب بالتمر فإن تفاوته تفاوت كثير انتهى قلت

(12/13)


29 -
( باب بيع النخل بأصله )
أي هذا باب في بيان حكم بيع ثمر النخل بأصله أي بأصل النخل
6022 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال أيما امرىء أبر نخلا ثم باع أصلها فللذي أبر ثمر النخل إلا أن يشترطه المبتاع
مطابقته للترجمة في قوله ثم باع أصلها والحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه عن قتيبة عن الليث إلى آخره نحوه وتفسير التأبير قد مضى قوله ثم باع أصلها أي أصل النخل والنخل قد يستعمل مؤنثا نحو قوله تعالى والنخل باسقات ( ق 01 ) والإضافة بيانية نحو شجر الأراك لأن المراد من الأصل هو النخلة لا أرضها قوله إلا أن يشترطه المبتاع أي المشتري ولفظ المبتاع وإن كان عاما فالاستثناء يخصصه للمشتري وأيضا لفظ الافتعال يدل عليه يقال كسب لعياله واكتسب لنفسه ولا يقال اكتسب لعياله فافهم وقال ابن بطال ذهب الجمهور إلى منع من اشترى النخل وحده أن يشتري ثمره قبل أن يبدو صلاحه في صفقة أخرى بخلاف ما لو اشتراها تبعا للنخل فيجوز وروى ابن القاسم عن مالك الجواز مطلقا قال والأول أولى لعموم النهي عن ذلك والله أعلم
39 -
( باب بيع المخاضرة )
أي هذا باب في بيان حكم بيع المخاضرة والمخاضرة بالخاء والضاد المعجمتين مفاعلة من الخضرة والمراد بها بيع الثمار والحبوب وهي خضر قبل أن يبدو صلاحها
7022 - حدثنا ( إسحاق بن وهب ) قال حدثنا ( عمر بن يونس ) قال حدثني أبي قال حدثني ( إسحاق بن أبي طلحة الأنصاري ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أنه قال نهى رسول الله عن المحاقلة والمخاضرة والملامسة والمنابذة والمزابنة
مطابقته للترجمة في قوله والمخاضرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إسحاق بن وهب العلاف الثاني عمر بن يونس الحنفي الثالث أبوه يونس بن القاسم أبو عمر الحنفي الرابع إسحاق بن أبي طلحة وهو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك الخامس أنس بن مالك
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه واسطي وعمر بن يونس يمامي وأبوه كذلك وإسحاق بن أبي طلحة مدني وكان يسكن دار جده بالمدينة توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة وفيه رواية الراوي عن عمه
وهذا الحديث من أفراده وهذه المنهيات خمسة قد مر تفسير الكل فيما مضى وتفسير المخاضرة في أول هذا الباب وزعم الإسماعيلي أن في بعض الروايات والمخاضرة بيع الثمار قبل أن تطعم وبيع الزرع قبل أن يشتد ويفرك منه وقال ابن بطال أجمعوا أنه لا يجوز بيع الزرع أخضر إلا الفصيل للدواب وأجمعوا أنه يجوز بيع البقول إذا قلعت من الأرض وأحاط المشتري بها علما قال ومن بيع المخاضرة شراؤها مغيبة في الأرض كالفجل والكراث والبصل واللفت وشبهه فأجاز شراءها مالك وقال إذا استقل ورقه وأمن والأمان عنده أن يكون ما يقطع منه ليس بفساد وقال أبو حنيفة بيع اللفت في الأرض جائز وهو بالخيار إذا رآه وقال الشافعي لا يجوز بيع ما لا يرى وهو عندي بيع الغرر وفي ( التوضيح ) واختلفوا في بيع القثاء والبطيخ وما يأتي بطنا بعد بطن فقال مالك يجوز بيعه إذا بدا صلاحه ويكون للمشتري ما ينبت حتى ينقطع ثمره لأن وقته معروف عند الناس وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز بيع بطن منه إلا بعد طيبه كالبطن الأول وهو عندهم من بيع ما لم يخلق وجعله مالك كالثمرة إذا بدا صلاحها جاز ما بدا صلاجه وما لم يبد لحاجتهم إلى ذلك ولو منعوا منهم لأضرهم لأن ما يدعو إليه الضرر يجوز فيه بعض ==التالي هو ج23.وج24.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آيات ورد فيها "العرش" ويسبحون واشتقاقاتهم

  العرش آيات ورد فيها "العرش " ويسبحون واشتقاقاتهم   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِ...