حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج21.وج22.عمدة القاري شرح صحيح البخاري المؤلف العلاّمة بدر الدين العيني

 ج21.وج22.عمدة القاري شرح صحيح البخاري - ط. دار الكتب العلمية المؤلف العلاّمة بدر الدين العيني 

 

ج21.عمدة القاري شرح صحيح البخاري - ط. دار الكتب العلمية المؤلف العلاّمة بدر الدين العيني  

 

أبي مريم الجمحي الثاني ابن أبي حازم عبد العزيز الثالث أبوه أبو حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمة بن دينار الرابع أبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون واسمه محمد بن طريف الخامس سهل ابن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بصري والبقية مدنيون وفيه أن في الطريق الأول روى عن شيخه بالتحديث بصيغة الجمع وفي الطريق الثاني عنه أيضا بصيغة الإفراد وفيه أن شيخه يروي عن شيخين أحدهما ابن أبي حازم والآخر أبو غسان وفي التفسير عن أبي غسان وحده واللفظ لأبي غسان وكذا أخرجه مسلم وابن أبي حاتم وأبو عوانة والطحاوي في آخرين من طريق سعيد شيخ البخاري عن أبي غسان وحده
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن سعيد بن أبي مريم وأخرجه مسلم في الصوم عن أبي بكر محمد بن إسحاق ومحمد بن سهل بن عسكر كلاهما عن سعيد بن أبي مريم وأخرجه النسائي فيه عن أبي بكر بن إسحاق به
ذكر معناه قوله ربط أحدهم في رجليه قلت في مسلم جعل الرجل يأخذ خيطا أبيض وخيطا أسود فيضعهما تحت وسادته وينظر متى يستبينا قلت لا منافاة لاحتمال أن يكون بعضهم فعل هذا وبعضهم فعل هذا وقال بعضهم أو يكونوا يجعلونهما تحت الوسادة إلى السحر فيربطونهما حينئذ في أرجلهم ليشاهدوهما انتهى قلت هذا بعيد لأنه لا حاجة حينئذ إلى الربط في أرجلهم لأنهم في يقظة حينئذ لأن المشاهدة لا تكون إلا عن يقظان فلا يحتاج إلى الربط في الرجل ففي أي موضع كان تحصل المشاهدة قوله حتى يتبين له كذا هو بالتشديد في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني حتى يستبين من الإستبانة وذلك من التبين من باب التفعل وذاك من باب الاستفعال قوله رؤيتهما بضم الراء وسكون الهمزة وفتح الياء آخر الحروف وضم التاء المثناة من فوق وهو من رأى بالعين يقال رأى رأيا ورؤية وراءة مثل راعة فيتعدى إلى مفعول واحد وإذا كان بمعنى العلم يتعدى إلى مفعولين يقال رأى زيدا عالما وهذا هكذا في رواية أبي ذر وهو مرفوع لأنه فاعل لقوله حتى يتبين له ( البقرة 781 ) وفي رواية النسفي رأيهما بكسر الراء وسكون الهمزة وضم الياء آخر الحروف ومعناه منظرهما ومنه قوله تعالى أحسن أثاثا ورءيا ( مريم 47 ) وفي رواية مسلم زيهما بكسر الزاي وتشديد الياء بلا همز ومعناه لونهما ويروى رئيهما بفتح الراء وكسرها وكسر الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف قال عياض هذا غلط لأن الرئي التابع من الجن فلا معنى له ههنا فإن صحت به الرواية فيكون معناه مرئيهما قوله فأنزل الله بعد بضم الدال أي بعد نزول حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ( البقرة 781 ) فإن قلت كيف الجمع على هذا بين حديث عدي وحديث سهل هذا قلت قال القرطبي يصح الجمع بأن يكون حديث عدي متأخرا عن حديث سهل وأن عديا لم يسمع ما جرى في حديث سهل وإنما سمع الآية مجردة وعلى هذا فيكون من الفجر ( البقرة 781 ) متعلقا بقوله يتبين ( البقرة 781 ) وعلى مقتضى حديث سهل يكون في موضع الحال متعلقا بمحذوف قال ويحتمل أن يكون الحديثان قضية واحدة وذكر بعض الرواة من الفجر ( البقرة 781 ) متصلا بما قبله كما ثبت في القرآن العزيز وإن كان قد نزل منفردا كما بينه في حديث سهل وحديث سهل يقتضي أن يكون منفردا وذاك أن فرض الصيام كان في السنة الثانية بلا خلاف وقال سهل في حديثه كان رجال إلى قوله والخيط الأسود ( البقرة 781 ) ثم أنزل من الفجر ( البقرة 781 ) فدل هذا على أن الصحابة كانوا يفعلون هذا إلى أن أسلم عدي في السنة التاسعة وقيل العاشرة حتى أخبره النبي بأن ذلك سواد الليل وبياض النهار قوله فأنزل الله بعد ذلك من الفجر روى أنه كان بينهما عام قال الطحاوي فلما كان حكم هذه الآية قد أشكل على أصحاب النبي حتى بين الله لهم من ذلك ما بين وحتى أنزل من الفجر ( البقرة 781 ) بعدما كان قد أنزل الله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 ) فكان الحكم أن يأكلوا ويشربوا حتى يتبين لهم حتى نسخ الله عز و جل بقوله من الفجر ( البقرة 781 ) على ما ذكرنا وقد بينه سهل في حديثه انتهى وقال عياض وليس المراد أن هذا كان حكم الشرع أولا ثم نسخ بقوله من الفجر ( البقرة 781 ) كما أشار إليه

(10/295)


الطحاوي والداودي وإنما المراد أن ذلك فعله وتأوله من لم يكن مخالطا للنبي إنما هو من الأعراب ومن لا فقه عنده أو لم يكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار انتهى قلت قد ذكرنا فيما مضى أن ذلك كان اسما لسواد الليل وبياض النهار في الجاهلية قبل الإسلام وعن هذا قال الداودي أحسب أن المحفوظ حديث عدي لأن الله لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة إليه وإن يكن حديث سهل محفوظا فإنما هو الذي فرض عليهم ثم نسخ بالفجر
71 -
( باب قول النبي لا يمنعنكم من سحوركم آذان بلال )
أي هذا باب في بيان قول النبي إلى آخره قوله لا يمنعنكم بنون التأكيد في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني لا يمنعكم بسكون العين من غير نون التأكيد والسحور بفتح السين اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر والفعل نفسه وأكثر ما يروى بالفتح وقيل إن الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام
8191 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أبي أسامة ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر والقاسم بن محمد ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر
قال القاسم ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا ( انظر الحديث 226 )
مطابقته للترجمة من حيث إن معناه ومعنى الترجمة واحد وإن اختلف اللفظ وقال ابن بطال ولم يصح عند البخاري عن النبي لفظ الترجمة فاستخرج معناه من حديث عائشة وقال صاحب ( التلويح ) فيه نظر من حيث إن البخاري صح عنده لفظ الترجمة وذلك أنه ذكر في باب الآذان قبل الفجر حديث ابن مسعود عن النبي أنه قال لا يمنعن أحدكم أو واحدا منكم آذان بلال من سحوره فلو خرجه أبو عبد الله في هذا الباب لكان أمس وقال ابن بطال ولفظ الترجمة رواه وكيع عن أبي هلال عن سوادة بن حنظلة عن سمرة قال رسول الله لا يمنعكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق وقال الترمذي هو حديث حسن وقد مضى في كتاب مواقيت الصلاة في باب الآذان قبل الفجر عن يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها إلى آخره وهنا أخرجه عن عبيد بن إسماعيل اسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي مر في الحيض عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
قوله والقاسم بالجر عطف على نافع لا على ابن عمر لأن عبيد الله بن عمر رواه عن نافع عن ابن عمرو عن القاسم عن عائشة والحاصل أن لعبيد الله هنا شيخان يروي عنهما وهما نافع والقاسم بن محمد وقال ابن التين وأخطأ من ضبطه بالرفع قوله حتى يؤذن ابن أم مكتوم هو عمرو بن القيس العامري وقيل غير ذلك وقد مر فيما مضى وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله قوله إلا أن يرقى بفتح القاف أي يصعد يقال رقى يرقى رقيا من باب علم يعلم قوله وينزل بالنصب أي وأن ينزل وكلمة أن مصدرية وكلمة ذا في الموضعين في محل الرفع على الفاعلية وقال المهلب والذي يفهم من اختلاف ألفاظ هذا الحديث أن بلالا كانت رتبته أن يؤذن بليل على أمره به الشارع من الوقت ليرجع القائم وينبه النائم وليدرك السحور منهم من لم يتسحر وقد روى هذا كله ابن مسعود عن رسول الله فكانوا يتسحرون بعد آذانه وفيه قريب أذان ابن أم مكتوم من آذان بلال وقال الداودي قوله لم يكن بين أذانيهما إلى آخره وقد قيل له أصبحت أصبحت دليل على أن ابن أم مكتوم كان يراعي قرب طلوع الفجر أو طلوعه لأنه لم يكن يكتفي بآذان بلال في علم الوقت لأن بلالا فيما يدل عليه

(10/296)


الحديث كان تختلف أوقاته وإنما حكى من قال ينزل ذا ويرقى ذا ما شاهد في بعض الأوقات ولو كان فعله لا يختلف لا كتفى به رسول الله ولم يقل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ولقال إذا فرغ بلال فكفوا ولكنه جعل أول أذان ابن أم مكتوم علامة للكف ويحتمل أن لابن أم مكتوم من يراعي الوقت ولولا ذلك لكان ربما خفي عنه الوقت ويبين ذلك ما روى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم قال كان ابن أم مكتوم ضرير البصر ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر إذن وقدروى الطحاوي من حديث أنيسة وكانت حجت مع رسول الله أنها قالت كان إذا نزل وأراد أن يصعد ابن أم مكتوم تعلقوا به قالوا كما أنت حتى نتسحر وقال أبو عبد الملك هذا الحديث فيه صعوبة وكيف لا يكون بين آذانيهما إلا ذلك وهذا يؤذن بليل وهذا بعد الفجر فإن صح أن بلالا كان يصلي ويذكر الله في الموضع الذي هو به حين يسمع مجيء ابن أم مكتوم وهذا ليس يبين لأنه قال لم يكن بين آذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا فإذا أبطأ بعد الآذان لصلاة وذكر لم يقل ذلك وإنما يقال لما نزل هذا طلع هذا وقال الداودي فعلى هذا كان في وقت تأخر بلال بآذانه فشهده القاسم فظن أن ذلك عادتهما قال وليس بمنكر أن يأكلوا حتى يأخذ الآخر في آذانه وجاء أنه كان لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت أي دخلت في الصباح أو قاربته وقال صاحب ( التوضيح ) قوله فشهده القاسم غلط فتأمله قلت لأن قاسما لم يدرك هذا
ومما يستفاد من هذا الباب أن الصائم له أن يأكل ويشرب إل طلوع الفجر الصادق فإذا طلع الفجر الصادق كف وهذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين وذهب معمر وسليمان الأعمش وأبو مجلز والحكم بن عتيبة إلى جواز التسحر ما لم تطلع الشمس واحتجوا في ذلك بحديث حذيفة رواه الطحاوي من رواية زر بن حبيش قال تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال كل فقلت إني أريد الصوم فقال وأنا أريد الصوم قال فأكلنا وشربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة قال هكذا فعل بي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أو صنعت مع رسول الله قلت بعد الصبح قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع وأخرجه النسائي وأحمد في ( مسنده ) وقال ابن حزم عن الحسن كل ما امتريت وعن ابن جريج قلت لعطاء أيكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدري لعلي أصبحت قال لا بأس بذلك هو شك وقال ابن شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق وعن معمر أنه كان يؤخر السحور جدا حتى يقول الجاهل لا صوم له وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر من طرق عن أبي بكر أنه أمر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وقال ابن المنذر ذهب بعضهم إلى أن المراد بتبين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض من الطرق والسكك والبيوت وروى بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي وله صحبة أن أبا بكر رضي الله عنه قال له أخرج فانظر هل طلع الفجر قال فنظرت ثم أتيته فقلت قد ابيض وسطع ثم قال أخرج فانظر هل طلع فنظرت فقلت قد اعترض فقال الآن أبلغني شرابي وروى من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت وروى الترمذي وقال حدثنا هناد حدثنا ملازم بن عمر وحدثني عبيد الله بن النعمان عن قيس بن طلق بن علي حدثني أبي طلق بن علي أن رسول الله قال وكلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر قوله لا يهيدنكم أي يمنعنكم الأكل من هاد يهيد وأصل الهيد الزجر قوله الساطع المصعد قال الخطابي سطوعه ارتفاعه مصعدا قبل أن يعترض قال ومعنى الأحمر ههنا أن يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة والله أعلم بالصواب

(10/297)


81 -
( باب تأخير السحور )
أي هذا باب في بيان حكم تأخير السحور إلى قرب طلوع الفجر الصادق وفي كثير من النسخ باب تعجيل السحور أي الإسراع خوفا من طلوع الفجر في أول الشروع وقال ابن بطال ولو ترجم له باب تأخير السحور لكان حسنا وقال صاحب التلويح وكأنه لم ير ما في نسخة أخرى صحيحة من كتاب ( الصحيح ) باب تأخير السحور وقال بعضهم ولم أر في شيء من نسخ البخاري قلت ليت شعري هل أحاط هو بجميع نسخ البخاري في أيدي الناس وفي البلاد وعدم رؤيته ذلك لا يستلزم العدم
0291 - حدثنا ( محمد بن عبيد الله ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله عنه قال كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله
( انظر الحديث 775 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه تأخير السحور بحيث أن سهلا كان يسرع بعد تسحره إلى الصلاة مع النبي مخافة الفوات وأما المطابقة في نسخة باب تعجيل السحور فأظهر من ذلك
وهذا الحديث من أفراد البخاري وقد أخرجه في باب وقت الفجر عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان عن أبي حازم أنه سمع سهل بن سعد إلى آخره وههنا أخرجه عن محمد بن عبيد الله أبي ثابت المدني من كبار مشايخ البخاري عن عبد العزيز بن أبي حازم وأبو حازم اسمه سلمة بن دينار قوله ثم تكون سرعتي أي اتسرع لأن أدرك السحور أي الصلاة وفي رواية سليمان بن بلال ثم تكون سرعة بي وتكون تامة وكلمة أن مصدرية قوله أن أدرك السحور كذا هو في رواية الكشميهني والنسفي وفي رواية الجمهور أن أدرك السجود ويؤيده أن في الرواية التي مضت في المواقيت أن أدرك صلاة الفجر وفي رواية الإسماعيلي صلاة الصبح وفي رواية أخرى صلاة الغداة وقال المزي أخرج البخاري حديث كنت أتسحر في الصوم عن محمد بن عبيد الله وقتيبة كلاهما عنه به وحديث قتيبة ذكره خلف ولم يجده في ( الصحيح ) ولا ذكره أبو مسعود وقال بعضهم رأيت هنا بخط القطب ومغلطاي محمد بن عبيد بغير إضافة وهو غلط والصواب عبيد الله قلت ليس في الأدب أن يقال إنه غلط لأن الظاهر أن مغلطاي تبع القطب ويحتمل أن تكون لفظة الله ساقطة من نسخة القطب لسهو الكاتب
91 -
( باب قدركم بين السحور وصلاة الفجر )
أي هذا باب في بيان مقدار الزمان الذي بين السحور وصلاة الصبح
1291 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) عن ( زيد بن ثابت ) رضي الله عنه قال تسحرنا مع النبي ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الآذن والسحور قال قدر خمسين آية
( انظر الحديث 575 ) ح
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه تأخير السحور إلى أن يبقى من الوقت بين الآذان وأكل السحور مقدار قراءة خمسين آية وأما المطابقة في نسخة باب تعجيل السحور فمن حيث ء يدل على أنهم كانوا يستعجلون به حتى يبقى بينهم وبين الفجر المقدار المذكور ولا يقدمونه أكثر من المقدار المذكور والحديث قد مضى في باب وقت الفجر في كتاب مواقيت الصلاة فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن عاصم عن همام عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن زيد بن ثابت

(10/298)


حدثه إلى آخره وهنا أخرجه عن مسلم بن إبراهيم عن هشام الدستوائي إلى آخره وفيه رواية الصحابي عن الصحابي
قوله قلت القائل هو أنس الذي سال والمسؤول عنه هو زيد بن ثابت وقال بعضهم قلت مقول أنس قلت ليس كذلك بل هو قوله والمقول هو قوله كم كان بين الأذان والسحور قوله قال أي زيد بن ثابت قوله قدر خمسين آية أي مقدار قراءة خمسين آية وقال بعضهم قدر خمسين آية أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة قلت هذا بطريق الحدس والتخمين وهو أعم من تقييده بهذه القيود وأيضا السرعة والبطء من صفات القارىء لا من صفات الآية ويجوز في قوله قدر الرفع والنصب أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو قدر خمسين آية يعني الزمان الذي بين الأذان والسحور وأما النصب فعلى أنه خبر كان المقدر تقديره كان الزمان بينهما قدر خمسين آية وقال المهلب فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقولهم قدر حلب شاة وقدر نحر جزور فعدل زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة
وفيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود والنبي كان ينظر إلى ما هو أرفق بأمته وفيه الاجتماع على السحور وقال بعضهم وفيه جواز المشي بالليل للحاجة لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي قلت لا نسلم نفي بيتوته مع النبي في تلك الليلة التي تسحر فيها مع النبي ولا يلزم من ذلك أن يبيت معه كل ليلة وقال أيضا هذا القائل وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله تسحرنا مع رسول الله ولم يقل نحن ورسول الله لما يشعر لفظ المعية بالتبعية قلت كلمة مع موضوعة للمصاحبة وإشعارها بالتبعية ليس من موضوع الكلمة ومعنى قوله تسحرنا مع رسول الله أي في صحبته وقوله تسحرنا بدل على أنه لم يكن وحده مع النبي في تلك الليلة فإن قلت الحديث يدل على أن الفراغ من السحور كان قبل الفجر بمقدار قراءة خمسين آية وقد مر في حديث حذيفة أن تسحرهم كان بعدالصبح غير أن الشمس لم تطلع قلت أجاب بعضهم بأن لا معارضة بل يحمل على اختلاف الحال فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة انتهى قلت هذا الجواب لا يشفي العليل لا يروي الغليل بل الجواب القاطع ما ذكره الحافظ أبو جعفر الطحاوي بقوله بعد أن روى حديث حذيفة وقد جاء عن رسول الله خلاف ما روي عن حذيفة فذكر الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان وغيرهما منها قوله لا يمنعن أحدكم أذان بلال الحديث وقال أيضا وقد يحتمل أن يكون حديث حذيفة والله أعلم قيل نزول قوله تعالى ( البقرة781 ) الآية وقال أبو بكر الرازي ما ملخصه لا يثبت ذلك من حذيفة ومع ذلك من أخبار الآحاد فلا يجوز الاعتراض على القرآن قال الله تعالى ( البقرة781 ) فأوجب الصيام بظهور الخيط الأبيض الذي هو بياض الفجر فكيف يجوز التسحر الذي هو الأكل بعد هذا مع تحريم الله إياه بالقرآن
02 -
( باب بركة السحور من غير إيجاب لأن النبي وأصحابه واصلوا ولم يذكر السحور )
أي هذا باب في بيان بركة السحور وأشار به إلى قوله تسحروا فإن في السحور بركة أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قوله من غير إيجاب جملة في مجل النصب على الحال لأن الجملة إذا وقعت بعد النكرة تكون صفة وإذا وقعت بعد الحال تكون حالا والمعنى من غير أن يكون واجبا ثم علل لعدم الوجوب بقوله لأن النبي وأصحابه واصلوا في صومهم ولم يذكر فيه السحور ولو كان السحور واجبا لذكر فيه وقوله لم يذكر على صيغة المجهول قوله السحور بالألف واللام في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني والنسفي ولم يذكر سحور بدون اللام فإن قلت قوله تسحروا أمر ومقتضاه الوجوب قلت

(10/299)


أجيب بأنه أمر ندب بالإجماع وقال القاضي عياض أجمع الفقهاء على أن السحور مندوب إليه ليس بواجب والأوجه أن يقال إن الأمر الذي مقتضاه الوجوب هو المجرد عن القرائن وههنا قرينة تدفع الوجوب وهو أن السحور إنما هو أكل للشهوة وحفظ القوة وهو منفعة لنا فلو قلنا بالوجوب ينقلب علينا وهو مردود وقال ابن بطال في هذه الترجمة غفلة من البخاري لأن قد خرج بعد هذا حديث أبي سعيد أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر فجعل غاية الوصال السحر وهو وقت السحور قال والمفسر يقضي على المجمل انتهى وأجيب بأن البخاري لم يترجم على عدم مشروعية السحور وإنما ترجم على عدم إيجابه وأخذ من الوصال عدم وجوب السحور
2291 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه أن النبي واصل فواصل الناس فشق عليهم فناهم قالوا إنك تواصل قال لست كهيئتكم إني أظل أطعم واسقى
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وهو قوله لأن النبي وأصحابه واصلوا
ورجاله قد تكرر ذكرهم وجويرية تصغير جارية وهو جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري وعبد الله هو ابن عمر
وأخرجه مسلم وقال حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي نهى عن الوصال قالوا إنك تواصل قال إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى
قوله واصل أي بين الصومين في غير إفطار بالليل وواصل الناس أيضا تبعا له صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قوله فشق عليهم أي فشق الوصال على الناس لمشقة الجوع والعطش قوله فنهاهم أي عن الوصال لما رأى مشقتهم قوله إنك مواصل ويروى فإنك تواصل قوله لست كهيئتكم أي لسي حالي مثل حالكم ويقال لفظ الهيئة زائد أي لست كأحدكم قوله أظل بفتح الهمزة والظاء المعجمة من ظل يظل يقال ظللت أعمل كذا بالكسر ظلولا إذا عملته بالنهار دون الليل فإن قلت إذا كان لفظ ظل لا يكون إلا بالنهار فكيف يكون المعنى هنا قلت قد جاء ظل أيضا بمعنى صار قال تعالى ( النحل85 ) ويجوز أيضا إرادة الوقت المطلق لا المقيد بالنهار ويؤيده ما جاء في الرواية الأخرى لفظ أبيت أطعم وأسقى ويجوز أن يكون ظل على بابه ويكون المعنى أظل أطعم وأسقى لا على صورة طعامكم وسقيكم لأن الله تعالى يفيض عليه ما يسد مسد طعامه وشرابه من حيث إنه يشغله عن إحساس الجوع والعطش ويقويه على الطاعة ويحرسه عن تحليل يفضي إلى ضعف القوي وكلال الحواس
فإن قلت هل يجوز أن يكون المعنى على ظاهره بأن يرزقه طعاما وشرابا من الجنة قلت قد قيل ذلك ولا مانع منه لأنه أكرم على الله من ذلك فإن قلت لو كان المعنى على حقيقته لم يكن مواصلا قلت طعام الجنة وشرابها ليس كطعام الدنيا وشرابها فلا يقطع الوصال وقيل هو من خصائصه لا يشاركه فيه أحد من الأمة فإن قلت ما حكمة النهي فيه قلت إيراث الضعف والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف الطاعات والقيام بحقوقها وللعلماء فيه اختلاف في أنه نهى تحريم أو تنزيه والظاهر الأول فإن قلت هل هو نهي عن عبادة في حق من أطاقها وحرص عليها قلت لا لأنه كان خوفا أن يؤدي ذلك إلى المنازعة لأنه كان من خصائصه كما قال بعضهم فإن قلت جاء الوصال عن جماعة من الصحابة وغيرهم ففي كتاب ( الأوائل ) للعسكري كان ابن الزبير يواصل خمسة عشر يوما حتى تيبس أمعاؤه فإذا كان يوم فطره أتى بسمن وصبر فيحساه حتى لا تنفتق الأمعاء وعن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه كان يواصل ليلة ست عشرة وليلة سبع عشرة من رمضان لا يفرق بينهما ويفطر على السمن فقيل له فقال السمن يبل عروقي والماء يخرج من جسدي قلت قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن رسول الله نهى عن الوصال واختلفوا في تأويله فقيل نهى عنه رفقا بهم فمن قدر على الوصال فلا حرج عليه لأنه لله عز و جل يدع طعامه وشرابه وكان عبد الله بن الزبير وجماعة يواصلون الأيام وكان أحمد وإسحاق لا يكرهان الوصال من سحر إلى سحرلا غير وكره

(10/300)


أبو حنيفة ومالك والشافعي وجماعة من أهل الفقه والأثر الوصال على كل حال لمن قوي عليه ولغيره ولم يجيزوا الوصال لأحد لحديث الباب وقال الخطابي الوصال من خصائص النبي ومحظور على أمته وذهب أهل الظاهر إلى تحريمه وفي ( شرح المهذب ) مكروه كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه كما ذكرناه وقال الطبري وروي عن بعض الصحابة وغيرهم من تركهم الأكل الأيام ذوات العدد وكان ذلك منهم على أنحاء شتى فمنهم من كان ذلك منه لقدرته عليه فيصرف فطره إلى أهل الفقر والحاجة ومنهم من كان يفعله استغناء عنه أو كانت نفسه قد اعتادته كما روى الأعمش عن التيمي أنه قال ربم ألبث ثلاثين يوما ما أطعم من غير صوم وما يمنعني ذلك من حوائجي وقال الأعمش كان إبراهيم التيمي يمكث شهرين لا يأكل ولكنه يشرب شربة من نبيذ ومنهم من كان يفعله منعا لنفسه شهوتها ما لم تدعه إليه الضرورة ولا يخاف العجز عن أداء واجب عليه إرادة قهرها وحملها على الأفضل
3291 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن صهيب ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال قال النبي تسحروا فإن في السحور بركة
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاهل قد ذكروا غير مرة
والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن قتيبة به وابن ماجة عن أحمد بن عبيدة ولما أخرجه الترمذي قال وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس وعمرو بن العاص والعرباض بن سارية وعتبة بن عبد وأبي الدرداء قلت وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وأبي أمامة وأبي سعيد الخدري والمقدام بن معدي كرب وعائشة وميسرة الفجر ورجل آخر غير مسمى
أما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي عنه مرفوعا وموقوفا بلفظ حديث أنس وروى أبو يعلى في ( مسنده ) عنه أن رسول الله دعا بالبركة في السحور والثريد وفي رواية له قال السحور بركة والثريد بركة والجماعة بركة وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه النسائي أيضا مرفوعا وموقوفا وقال الموقوف أولى بالصواب قال شيخنا هكذا حكاه المزي في ( الأطراف ) ولم أره في ( السنن الصغرى ) ولا ( الكبرى ) وأما حديث جابر فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) عنه باللفظ المتقدم وفيه مقال وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه عن عن النبي قال استعينوا بطعام السحر على صيام النهار والقيلولة على قيام الليل وأخرجه الحاكم في ( مستدركه ) وأما حديث عمرو بن العاص فأخرجه مسلم والنسائي أيضا عن قتيبة ورواه مسلم أيضا من طرق وأبو داود من رواية موسى بن علي بسند وأما حديث العرباض بن سارية فأخرجه أبو داود والنسائي عنه قال دعاني رسول الله إلى السحور في رمضان فقال هلم إلى الغداء المبارك وعند النسائي هلموا وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) وضعفه ابن القطان وأما حديث عتبة بن عبد وأبي الدرداء فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) عنهما قالا قال رسول الله تسحروا من آخر الليل وكان يقول هو الغداء المبارك وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فأخرجه ابن عدي عنه أن رسول الله قال تسحروا ولو بشربة من ماء وأفطروا ولو على شربة من ماء وفي سنده حسن بن عبد الله بن حمزة وهو متروك وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) عنه قال قال رسول الله تسحروا ولو بجرعة من ماء وأما حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب فأخرجه ابن حبان أيضا عنه قال قال رسول الله إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني في ( مسند الشاميين ) عنه قال سمعت رسول الله يقول اللهم بارك لأمتي في سحورها تسحروا ولو بشربة من ماء ولو بتمرة ولو بحبات زبيب فإن الملائكة تصلي عليكم وفيه مقال وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أحمد في ( مسنده ) عنه قال قال رسول الله السحور بركة ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله عز و جل وملائكته يصلون على المتسحرين ورواه ابن عدي أيضا عنه قال قال رسول الله اللهم صل على المتسحرين تسحروا ولو أن يأكل أحدكم لقمة أو يجرع جرعة ماء وفيه مقال وأما حديث المقدم بن معدي كرب فأخرجه النسائي عنه عن النبي قال عليكم بالسحور فإنه هو الغداء المبارك وروي مرسلا

(10/301)


أيضا وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فأخرجه أبو يعلى في مسنده عنها قالت قال رسول الله قرب إلينا الغذاء المبارك يعني السحور وأولو آكله ولو حسوة فإنها اكلة بركة وهو فصل بين صومكم وصوم النصارى وفيه مقال وقال الذهبي ميسرة الفجر له صحبة من أعراض البصرة قال يا رسول الله متى كنت نبيا وإما حديث الصحابي الذي لم يسم فأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن الحارث يحدث عن رجل من أصحاب النبي قال دخلت على النبي وهو يتسحر فقال إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه ورجال إسناده ثقات قوله تسحروا قد ذكرنا أنه أمر ندب بالإجماع قوله في السحور قال شيخنا رحمه الله روينا بفتح السين وضمها وهو بالضم الفعل وبالفتح اسم ما يتسحر به كالوضوء والسعوط والحنوط ونحوها قوله بركة قد ذكروا فيها معان الأول إنه يبارك باليسير منه بحيث يحصل به الإعانة على الصوم ويدل عليه قوله ولو بجرعة ماء ولو بتمرة ونحو ذلك ويكون ذلك بالخاصية كما بورك في الثريد والطعام إذا هدى في الحرارة واجتماع الجماعة على الطعام لقوله اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه الثاني يراد بالبركة نفي التبعة فيه وقد ذكر صاحب الفردوس من حديث أبي هريرة ثلاثة لا يحاسب عليها العبد اكلة السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان الثالث يراد بالبركة القوة عن الصيام وغيره من أعمال النهار الرابع يراد بالبركة الرخصة والصدقة وهو الزيادة في الأكل على الأكل عند الإفطار كما كان أولا ثم نسخ واصل البركة في اللغة الزيادة والنماء وقال عياض قد تكون هذه البركة ما يتفق للمتسحر من ذكر أو صلاة أو استغفار وغيره من زيادات الأعمال التي لولا القيام للسحور لكان الإنسان نائما عنها وتاركا لها وتجديد النية للصوم ليخرج من الاختلاف وقال ابن دقيق العيد هذه البركة يجوز أن تعودوا إلى الأمور الأخروية فإن اتامة السنة توجب الأجر وزيادته ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير أضرار بالصائم قال ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم وهذا أحد الوجوه المقتضية بالزيادة في الأجور الأخروية
باب إذا نوى بالنهار صوما
أي هذا باب يذكر فيه إذا نوى الإنسان بالنهار صوما وجواب إذا محذوف تقديره هل يصح أولا وإنما لم يذكروا الجواب لاختلاف العلماء فيه على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى ( وقالت أم الدرداء كان ابو الدرداء يقول عندكم طعام فإن قلنا لا قال فإني صائم يومي هذا )
أم الدرداء اسمها خيرة بسكون الياء آخره الحروف واسم أبي الدرداء عويمر الأنصاري تقدما في فضل الفجر في جماعة ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة من طريق ابي قلابة أم الدرداء قالت كان أبو الدرداء يغدو أحيانا ضحى فيسأل الغداء فربما لم يوافقه عندنا فيقول إذا أنا صائم
وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن العباس وحذيفة رضي الله عنهم
أي فعل أبو طلحة مثلما فعل أبو الدرداء واسم أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري ووصل أثره عبد الرزاق ن طريق قتادة وابن أبي شيبة من طريق حميد كلهما عن أنس ولفظ قتادة إن أبا طلحة كان يأتي أهله فيقول هل من غذاء فإن قالوا لا صام يومه ذلك قال قتادة وكانت معاذ يفعله قوله أبو هريرة عطف على قوله أبو طلحة أي وفعله أيضا أبو هريرة ووصل أثره البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن عثمان بن بن نجيح عن سعيد بن المسيب قال رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم يأتي أهله فيقول عندكم شيئا فإن قالوا لا قال فانا صائم قوله وابن عباس أي فعله ابن عباس فوصل اثره الطحاوي

(10/302)


من طريق عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يصبح حتى يظهر ثم يقول والله لقد أصبحت وما أريد الصوم وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم ولأصومن يومي هذا قوله وحذيفة أي وفعله حذيفة فوصل أثره عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمان السلمي قال قال حذيفة من بدا له الصيام بعد ما تزول الشمس فليصم وفي رواية ابن أبي شيبة أن حذيفة بدا له في الصوم بعد ما زلات الشمس فصام
وقد اختلف العلماء فيمن نوى الصوم بعد طلوع الفجر الصادق فقال الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق لا يجوز صوم رمضان إلا بنية من الليل وهو مذهب الظاهرية وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر تجوز النية في صوم رمضان والنذر المعين وصوم النفل إلى ما قبل الزوال
وقال ابن المنذر اختلفوا فيمن أصبح يريد الإفطار ثم بدا له أن يصوم تطوعا فقالت طائفة له أن يصوم متى ما بدا له فذكر أبا الدرداء وأبا طلحة وأبا هريرة وحذيفة وابن عباس وابن مسعود وأبا أيوب رضي الله تعالى عنهم ثم قال وبه قال الشافعي وأحمد وقال بعضهم والذي نقله ابن المنذر عن الشافعي من الجواز مطلقا سواء كان قبل الزوال أو بعده هو أحد القولين للشافعي والذي نص عليه في معظم كتبه التفرقة وقال مالك في النافلة لا يصوم إلا أن يبيت إلا أن كان يسرد الصوم فلا يحتاج إلى التبييت ولكن المعروف عن مالك والليث وابن أبي ذئب أنه لا يصح صيام التطوع إلا بنية من الليل وقال مجاهد الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار فإذا جاوز ذلك فإنما بقي له بقدر ما بقي من النهار وقال الشعبي من أراد الصوم فهو مخير ما بينه وبين نصف النهار وعن الحسن إذا تسحر الرجل فقد وجب عليه الصوم فإن أفطر فعليه القضاء وإن هم بالصوم فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر وروى ابن أبي شيبة عن المعتمر عن حميد عن أنس من حدث نفسه بالصيام فهو بالخيار ما لم يتكمل حتى يمتد النهار وقال سفيان بن سعيد وأحمد بن حنبل من أصبح وهو ينوي الفطر إلا أنه لم يأكل ولم يشرب ولا وطىء فله أن ينوي الصوم ما لم تغب الشمس ويصح الصوم
4291 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله عنه أن النبي بعث رجلا ينادهي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم ومن لم يأكل فلا يأكل
مطابقته للترجمة في جواز نية الصوم بالنهار لأن قوله فليتم وقوله فلا يأكل يدلان على جواز النية بالصوم في النهار ولم يشترط التبيين وهذا الحديث من ثلاثيات البخاري وهو خامس الثلاثيات له وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد بتصغير العبد مولى سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان بن عبيد الله والحديث أخرجه البخاري أيضا في الصوم عن مكي بن إبراهيم وأخرجه في خبر الواحد عن مسدد عن يحيى بن سعيد وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن قتيبة عن حاتم بن إسماعيل وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى عن يحيى
ذكر معناه قوله عن سلمة بن الأكوع وفي رواية يحيى القطان عن يزيد بن أبي عبيد حدثنا سلمة بن الأكوع كما سيأتي في خبر الواحد قوله بعث رجلا ينادي في الناس وفي رواية يحيى قال لرجل من أسلم أذن في قومك واسم هذا الرجل هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي وأخرج حديثه أحمد وابن أبي حيثمة من طريق ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن خبيب بن هند بن أسماء الأسلمي عن أبيه قال بعثني النبي إلى قومي من أسلم فقال مرقومك أن يصوموا هذا اليوم يوم عاشوراء فمن وجدته منهم قد أكل في أول يومه فليصم آخره وقد احتج أصحابنا بهذا الحديث وبحديث الباب على صحة الصيام لمن لم ينو من الليل سواء كان رمضان أو غيره لأنه أمر بالصوم في أثناء النهار فدل على أن النية لا تشترط من الليل وقال بعضهم وأجيب بأن ذلك يتوقف على أن صيام يوم عاشوراء كان واجبا والذي يترجح من أقوال العلماء أنه لم يكن فرضا انتهى قلت روى الشيخان من حديث عائشة قالت كان يوم عاشوراء يوما

(10/303)


تصومه قريش من الجاهلية وكان عليه الصلاة و السلام يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان قال من شاء صامه ومن شاء تركه فهذا الحديث ينادي بأعلى صوته أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا وعن عائشة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن سمرة أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان فمن شاء صام ومن شاء ترك ذكره ابن شداد في أحكامه وعن النبي أنه أرسل إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم متفق عليه وكان صوما واجبا متعنيا وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي رحمه الله ففي هذه الأثار وجوب صوم عاشوراء وفي أمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بصومه بعدما أصبحوا وأمره بالإمساك بعد ما أكلوا دليل على وجوبه إذا لا يأمر في النفل بالإمساك إلى آخر النهار بعد الأكل ولا بصومه لمن لم يصمه
وفيه دليل أيضا على أن من كان عليه صوم يوم بعينه ولم يكن نوى صومه من الليل تجزيه النية بعد ما أصبح والأكثرون على أنه كان فرضا ونسخ بصوم رمضان فإن قلت يعارض ما ذكرتم حديث معاوية أنه قال على المنبر يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله يقول هذا يوم عاشوراء لم يكتب الله عليكم صايمه فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر وأنا صائم قلت بعد النسخ لم يبق مكتوبا علينا ولأن المثبت أولى من النافي وقال القائل المذكور والذي يترجح من أقوال العلماء أنه أي إن صوم يوم عاشوراء لم يكن فرضا وعلى تقدير أنه كان فرضا فقد نسخ بلا ريب فقد نسخ حكمه وشرائطه انتهى قلت هذا مكابرة فلا يترجح من أقوال العلماء إلا إن كان فرضا لما ذكرنا من الدلائل وقوله فنسخ حكمه وشرائطه غير صحيح ألا ترى أن التوجه إلى بيت المقدس قد نسخ ولم تنسخ سائر أحكام الصلاة وشرائطها وقوله وأمره بالإمساك لا يستلزم الأجزاء لأن الأمر بالإمساك يحتمل أن يكون لحرمة الوقت قلت الاحتمال إذا كان ناشئا عن غير دليل لا يعتبر به فبالاحتمال المطلق لا يثبت الحكم ولا ينفي ثم استدل هذا القائل في قوله الأمر بالإمساك لا يستلزم الأجزاء بقوله كما يؤمر من قدم من سفر في رمضان نهارا وكما يؤمر من أفطر يوم الشك ثم رؤي الهلال وكل ذلك لا ينافي أمرهم بالقضاء بل قد ورد ذلك صريحا في حديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة عن عمه إن أم أسلم أتت النبي فقال صمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوه قلت هذا القياس باطل لأن الرمضانية متعينة في الصورة الأولى ونفيت في الثانية فكيف لا يؤمر بالقضاء بخلاف ما نحن فيه
والحديث الذي قوى كلامه به غير صحيح من وجوه الأول إن النسائي أخرجه ولم يذكر واقضوه وقال عبد الحق في ( الأحكام الكبرى ) ولا يصح هذا الحديث في القضاء وقال ابن حزم في ( المحلى ) لفظة واقضوا موضوعه بلا شك الثاني إن البيهقي قال عبد الرحمن هذا مجهول ومختلف في اسم أبيه ولا يدري من عمه وقال المنذري قيل عبد الرحمان بن مسلمة كما ذكره أبو داود وقيل ابن سلمة وقيل ابن المنهال بن سلمة ورواه ابن حزم من طريق شعبة عن قتادة عن عبد الرحمان بن المنهال بن سلمة الخزاعي عن عمه أن رسول الله قال لأسلم صوموا اليوم قالوا إنا قد أكلنا قال صوموا بقية يومكم يعني عاشوراء وفي رواية أخرى أخرجها ابن حزم أيضا عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الرحمان بن مسلمة الخزاعي عن عمه قال غدونا على رسول الله صبيحة عاشوراء فقال لنا أصبحتم صياما قلنا قد تغدينا يا رسول الله فقال فصوموا بقية يومكم ولم يأمرهم بالقضاء الثالث أن شعبة قال كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال حدثن كتبت وإذا قال عن فلان أو قال فلان لم أكبه وهو مدلس دلس عن مجهولين وقال الكرابيسي وغيره فإذا قال المدلس حدثنا يكون حجة وإذا قال فلان قال أو عن فلان لا يكون حجة فلا يجوز الاحتجاج به فإذا كانت الرواية يعني عن الثقة المعروف بالحفظ والضبط لا تكون حجة فكيف تكون حجة وقد رواه عن مجهول وقال القاضي عياض رواية واقضوا قاطعة لحجة المخالف ونص ما يقوله الجمهور وجوب اعتبار النية من الليل وأن نيته من النهار غير معتبرة ورد عليه بأنه كيف يحتج بما ليس بحجة على خصمه مع علمه ويعتقد أنه يخفي وذكر ما ذكرنا من الوجوه ثم قال هذا القائل واحتج الجمهور

(10/304)


لاشتراط النية في الصوم من الليل بما أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن عمر عن أخته حفصة أن النبي قال من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له لفظ النسائي ولأبي داود والترمذي من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له واختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي والنسائي الموقوف بعد أن أطنب في تخريج طرقه وحكى الترمذي في العلل عن البخاري ترجيح وقفه وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة فصححوا الحديث المذكور منهم ابن خزيمة وابن حبان والحكم وابن حزم وروى له الدارقطني طريقا أخرى وقال رجالها ثقات وأبعد من خصه من الحنفية بصيام القضاء والنذر وأبعد من ذلك تفرقة الطحاوي بين صوم الفرض إذا كان في يوم بعينه كعاشوراء فتجزي النية في النهار أولا في يوم بعينه كرمضان فلا يجزي إلا بنية من الليل وبين صوم التطوع فيجزي في الليل وفي النهار وقد تعقبه إمام الحرمين بأنه كلام غث لا أصل له انتهى قلت قال الترمذي حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه يعني من الوجه الذي رواه عن إسحاق بن منصور عن ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة عن النبي قال من لم يجمع الصيم قبل الفجر فلا صيام له وفي بعض النسخ تفرد به يحيى بن أيوب قال وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح ورواه النسائي عن أحمد بن الأزهر عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب وقال النسائي ورواية حمزة الصواب عندنا موقوف ولم يصح رفعه لأن يحيى بن أيوب ليس بالقوي وحديث ابن جريج عن الزهري غير محفوظ والله أعلم
وقال شيخنا وأما الموقوف الذي ذكر الترمذي أنه أصح فقد رواه مالك في ( الموطأ ) كذلك عن نافع عن ان عمر قوله ومن طريقه رواه النسائي ورواه النسائي أيضا من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قوله وقد جاء من طرق موقوفا على حفصة رواه النسائي من رواية عبيد الله بن عمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة ومن رواية يونس ومعمر وابن عيينة عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن نافع عن أبيه عن حفصة ومن رواية ابن عيينة عن الزهري عن حمزة عن حفصة لم يذكر ابن عمر ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن عائشة وحفصة رضي الله تعال عنهما قولهما مرسلا
وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عند حديث رواه إسحاق بن حازم عن عبد الله ابن أبي بكر عن سالم عن أبيه عن حفصة مرفوعا لا صيام لمن لم ينومن الليل ورواه يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة مرفوعا قلت له أيهما أصح قال لا أدري لأن عبد الله بن أبي بكر أدرك سالما وروى عنه ولا أدري سمع هذا الحديث منه أو سمعه من الزهري عن سالم وقد روي هذا عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة قولها وهو عندي أشبه وقال أبو عمر في إسناد هذا الحديث اضطراب وفيه يحيى بن أيوب الغافقي قال النسائي ليس بالقوي والصواب في موقوف ولذلك لم يخرجه الشيخان وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به وذكره أبو الفرج في الضعفاء والمتروكين وقال أحمد هو سيء الحفظ وهم يردون الحديث بأقل من هذا والجرح مقدم على التعديل ولا يلتفت إلى قول الدارقطني وهو من الثقات الرفعاء
وأما قول هذا القائل وأبعد من خصه من الحنفية بصيام القضاء والنذر فكلام ساقط لا طائل تحته لأن من لم يخص هذا الحديث بصيام القضاء والنذر المطلق وصوم الكفارات يلزم منه النسخ لمطلق الكتاب بخبر الواحد فلا يجوز ذلك بيانه أن قوله تعالى إلى قوله ( البقرة781 ) مبيح للأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر ثم الأمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر متأخر عنه لأن كلمة ثم للتعقيب مع التراخي فكان هذا أمرا بالصيام متراخيا عن أول النهار والأمر بالصوم أمر بالنية إذ لا صوم شرعا بدون النية فكان أمرا بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار وقد أتى به فيخرج عن العهدة
وفيه دلالة أن الإمساك في أول النهار يقع صوما وجدت فيه النية أو لم توجد لأن إتمام الشيء يقتضى سابقة وجود بعض شيء منه فإذا شرطنا النية في أول الليل بخبر الواحد يكون نسخا لمطلق الكتاب فلا يجوز ذلك فحينئذ يحمل ذلك على الصيام

(10/305)


الخاص المعين وهو الذي ذكرناه لأن مشروع الوقت في هذا متنوع فيحتاج إلى التعيين بالنية بخلاف شهر رمضان لأن الصوم فيه غير متنوع فلا يحتاج فيه إلى التعيين وكذلك النذر المعين فهذا هو السر الخفي في هذا التخصيص الذي استبدعه من لا وقوف له على دقائق الكلام ومدارك استخراج المعاني من النصوص ولم يكتف المدعي بعد هذا الكلام لبعد إدراكه حتى ادعى الأبعدية في تفرقة الطحاوي بين صوم الفرض وصوم التطوع فهذه دعوى باطلة لأن حامل الطحاوي على هذه التفرقة ما رواه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال لي رسول الله ذات يوم يا عائشة هل عندكم شيء قالت فقلت لا يا رسول الله ما عندنا شيء قال فإني صائم وبنحوه روى عن علي وابن مسعود وابن عباس وأبي طلحة رضي الله تعالى عنهم ثم إن هذا القائل نقل عن إمام الحرمين كلاما لا يوجد أسمج منه لأن من يتعقب كلام أحد إن لم يذكر وجهه بما يقبله العلماء يكون كلامه هو غثاء لا أصل له وأجاب بعض أصحابنا عن الحديث المذكور أعني حديث حفصة رضي الله تعالى عنها بعد التسليم بصحته وسلامته عن الاضطراب بأنه محمول على نفي الفضيلة والكمال كما في قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد

(10/306)


عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الحادي عشر
22 -
( باب الصائم يصبح جنبا )
أي هذا باب في بيان حكم الصائم حال كونه يصبح جنبا هل يصح صومه أم لا وأطلق الترجمة للخلاف الموجود فيه
6291 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( سمي ) مولى ( أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام بن المغيرة ) أنه سمع ( أبا بكر بن عبد الرحمان ) قال ( كنت ) أنا ( وأبي حين دخلنا على عائشة وأم سلمة ) ( ح ) حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام ) أن أباه ( عبد الرحمان أخبر مروان ) أن ( عائشة وأم سلمة ) أخبرتاه أن رسول الله كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم وقال مروان لعبد الرحمان بن الحارث أقسم بالله لتقرعن بها أبا هريرة ومروان يومئذ على المدينة فقال أبو بكر فكره ذلك عبد الرحمان ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة وكانت لأبي هريرة هنالك أرض فقال عبد الرحمان لأبي هريرة إني ذاكر لك أمرا ولولا مروان أقسم علي فيه لم أذكره لك فذكر قول عائشة وأم سلمة فقال كذلك حدثني الفضل بن عباس وهو أعلم
مطابقته للترجمة في قوله كان يدركه الفجر وهو جنب
ذكر رجاله وهم عشرة الأول عبد الله بن مسلمة القعنبي الثاني مالك بن أنس الثالث سمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف وقد مر في الأذان الرابع أبو بكر بن عبد الرحمن القرشي راهب قريش مر في الصلاة الخامس عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ابن عم عكرمة بن أبي جهل بن هشام مات سنة ثلاث وأربعين السادس أبو اليمان الحكم بن نافع السابع شعيب بن أبي حمزة الثامن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري التاسع أم المؤمنين عائشة العاشر أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة

(11/2)


الإفراد في موضعين وبصيغة التثنية في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه السماع في موضع وفيه القول في موضعين وفيه أبو اليمان وشعيب حمصيان والبقية كلهم مدنيون وفيه أربعة من التابعين وهم أبو بكر وأبوه عبد الرحمن والزهري ومروان
ذكر الاختلاف فيه فيه اختلاف كثير جدا على أبي بكر بن عبد الرحمن وغيره وقد اختلف فيه على الزهري أيضا ففي رواية النسائي من طريق إسماعيل بن أمية عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة وحديث عائشة رواه ابن ماجه من رواية الشعبي عن مسروق عنها بمعناه وقد اختلف فيه على الشعبي أيضا وحديث عائشة وأم سلمة فيه قصة لم يذكرها الترمذي وذكرها مسلم من طريق ابن جريج قال أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر قال سمعت أبا هريرة يقص يقول في قصصه من أدركه الفجر حنبا فلا يصم قال فذكر ذلك أبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث لأبيه فأنكر ذلك فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة فسألهما عبد الرحمن عن ذلك فكلتاهما قالت كان النبي يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم قال فانطلقنا حتى دخلنا على مروان فذكر ذلك له عبد الرحمن فقال مروان عزمت عليه إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول فجئنا أبا هريرة وأبو بكر حاضر ذلك كله قالا فذكر ذلك له عبد الرحمن فقال أبو هريرة لهما قالتاه لك قال نعم قال هما أعلم ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن عباس قال أبو هريرة سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي قال فرجع أبو هريرة عما كان يقول من ذلك الحديث هكذا ذكره مسلم لم يرفع قول أبي هريرة وقد رواه عبد الرزاق في ( مصنفه ) عن معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله من أدركه الصبح جنبا فلا صوم له وذكر الحديث بنحوه ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن حبان في ( صحيحه ) وقد رواه البخاري أخصر منه من رواية ابن شهاب إلى قوله كذلك حدثني الفضل بن عباس وهو أعلم وفي رواية للنسائي من رواية أبي عياض عن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فأتاه فأخبره قال هن أعلم يريد أزواج النبي ولم يذكر أبو هريرة في هذه الرواية من حدثه وهكذا النسائي أيضا من رواية ابن أبي ذئب عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن عائشة أخبرته ليس فيه ذكر أم سلمة وفيه فذهب عبد الرحمن فأخبره بذلك قال أبو هريرة فهي أعلم برسول الله منا إنما كان أسامة بن زيد حدثني ذلك ففي هذه الرواية أن المخبر لأبي هريرة أسامة وقد تقدم أنه الفضل وفي رواية للنسائي أخبرنيه مخبر وفي رواية له فقال هكذا كنت أحسب ولم يحكه عن أحد وفي رواية للنسائي من رواية الحكم عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقال عائشة إذا أعلم برسول الله ولابن حبان من رواية عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه فقال هما أعلم يريد عائشة وأم سلمة وفي مصنف عبد الرزاق من رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال هكذا حدثني الفضل بن عباس وهن أعلم وفيه أيضا من الاختلاف ما يقتضي أن عبد الرحمن لم يشافه عائشة وأم سلمة بالسؤال عن ذلك ففي النسائي من رواية أبي عياض عن عبد الرحمن بن الحارث قال أرسلني مروان إلى عائشة فأتيتها فلقيت غلامها ذكوان فأرسلته إليها فسألها عن ذلك وفيه فأرسلني إلى أم سلمة فلقيت غلامها نافعا فأرسلته إليها فسألها عن ذلك الحديث والأحاديث التي فيها أن عبد الرحمن شافهها بالسؤال أكثر وأصح ومع هذا فيجوز أن يكون أرسل المولى أولا ثم أتى هو فشافهته أو أن المولى كان واسطة في الدخول عليها مع عبد الرحمن
ذكر معناه قوله وحدثنا أبو اليمان عطف على قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة فأخرجه من طريقين وأخرجه بقية الأئمة الستة خلا ابن ماجه من طرق عديدة قوله كنت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة هكذا أورده البخاري في هذا الطريق من رواية مالك مختصرا ثم ذكر الطريق الثاني عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الله وربما يظن ظان أن سياقهما واحد وليس كذلك فإنه يذكر لفظ مالك بعدما بين وليس فيه ذكر مروان ولا قصة أبي هريرة نعم قد رواه مالك في ( الموطأ ) عن سمي مطولا ورواه مالك في الموطأ عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن

(11/3)


مختصرا وأخرجه مسلم من هذا الوجه وقال حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة زوجتي النبي أنهما قالتا إن كان رسول الله ليصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم قوله إن أباه عبد الرحمن أخبر مروان هو مروان بن عبد الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن قصي القرشي الأموي أبو عبد الملك ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع ولم يصح له سماع من النبي وقال مالك ولد يوم أحد وقيل يوم الخندق وقيل ولد بمكة وقيل بالطائف ولم ير النبي لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفى النبي أباه الحكم وكان مع أبيه حتى استخلف عثمان رضي الله تعالى عنه فردهما واستكتب عثمان مروان وضمه إليه واستعمله معاوية على المدينة ومكة والطائف ثم عزله عن المدينة سنة ثمان وأربعين ولما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يعهد إلى أحد بايع الناس بالشام مروان بالخلافة ثم مات وكانت خلافته تسعة أشهر مات في رمضان سنة خمس وستين روى له الجماعة سوى مسلم قوله كان يدركه الفجر وهو جنب أي والحال أنه جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم وفي رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة كان يدركه الفجر في رمضان من غير حلم وسيأتي بعد بابين وفي رواية للنسائي من طريق عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عنها كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم وفي لفظ له كان يصبح جنبا مني فيصوم ويأمرني بالصيام
وقال القرطبي في هذا فائدتان أحدهما أنه كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز والثانية أن ذلك كان من جماع لا من احتلام لأنه كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه قيل في قول عائشة من غير احتلام إشارة إلى جواز الاحتلام عليه وإلا لما كان لاستثنائه معنى ورد بأن الاحتلام من الشيطان وهو معصوم عنه ولكن الاحتلام يطلق على الإنزال وقد يقع الإنزال من غير رؤية شيء في المنام
قوله فقال مروان لعبد الرحمن بن الحارث أقسم بالله لتقرعن بها أبا هريرة وفي رواية النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن فقال مروان لعبد الرحمن إلق أبا هريرة فحدثه بهذا فقال إنه لجاري وإني لأكره أن استقبله بما يكره فقال أعزم عليك لتلقينه ومن طريق عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه فقال عبد الرحمن لمروان غفر الله لك إنه لي صديق ولا أحب أن أرد عليه قوله وكان سبب ذلك أن أبا هريرة كان يفتى أن من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم على ما رواه مالك عن سمي عن أبي بكر أن أبا هريرة كان يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم وفي رواية للنسائي من طريق المقبري كان أبو هريرة يفتي الناس أن من أصبح جنبا فلا يصوم ذلك اليوم وإليه كان يذهب إبراهيم النخعي وعروة بن الزبير وطاووس ولكن أبا هريرة لم يثبت على قوله هذا حيث رد العلم بهذه المسألة إلى عائشة فقال عائشة أعلم مني أو قال أعلم بأمر رسول الله مني وقال أبو عمر روى عن أبي هريرة محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان الرجوع عن ذلك وحكاه الحازمي عن سعيد بن المسيب وقال الخطابي وابن المنذر أحسن ما سمعت من خبر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه منسوخ لأن الجماع كان محرما على الصائم بعد النوم فلما أباح الله تعالى الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم لارتفاع الحظر فكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل على الأمر الأول ولم يعلم بالنسخ فلما سمع خبر عائشة وأم سلمة رجع إليه قوله لتفزعن بالفاء والزاي من الفزع وهو الخوف أي لتخيفنه بهذه القصة التي تخالف فتواه وقد أكد هذا باللام والنون المشددة وهذا كذا وقع في رواية الأكثرين ووقع في رواية الكشميهني تقرعن من القرع بالقاف والراء أي لتقرعن أبا هريرة بهذه القصة يقال قرعت بكذا سمع فلان إذا أعلمته إعلاما صريحا وقال الكرماني ويروى لتعرفن من التعريف قوله ومروان يومئذ على المدينة أي حاكما عليها من جهة معاوية بن أبي سفيان قوله فكره ذلك عبد الرحمن أي فكره عبد الرحمن فعل ما قاله مروان من قرع أبي هريرة وإفزاعه فيما كان يفتي به قوله ثم قدر لنا أي قال أبو بكر بن عبد الرحمن ثم بعد ذلك قدر الله لنا الاجتماع بذي الحليفة وهو الموضع المعروف وهو ميقات أهل المدينة وكان لأبي هريرة هنالك أي في ذي الحليفة أرض وكان أبو هريرة هناك في ذلك الوقت فإن قلت ففي رواية مالك

(11/4)


فقال مروان لعبد الرحمن أقسمت عليك لتركبن دابتي فإنها بالباب ولتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه فركب عبد الرحمن وركبت معه أي قال أبو بكر بن عبد الرحمن وركبت مع عبد الرحمن فهذه تخالف رواية الكتاب فإن العقيق غير ذي الحليفة لأن العقيق واد بظاهر المدينة مسيل للماء وهو الذي ورد ذكره في الحديث أنه واد مبارك وكل مسيل شقه ماء السيل فهو عقيق والجمع أعقة قلت لا تخالف بين الروايتين من حيث إن أبا هريرة كانت له أرض أيضا بالعقيق فالظاهر أن أبا بكر وأباه عبد الرحمن قصدا أبا هريرة للاجتماع له امتثالا لأمر مروان فأتيا إلى العقيق بناء على أنه هناك فلم يجداه فذهبا إلى ذي الحليفة فوجداه هناك فإن قلت وقع في رواية معمر عن الزهري عن أبي بكر فقال مروان عزمت عليكما لما ذهبتما إلى أبي هريرة قال فلقينا أبا هريرة عند باب المسجد قلت الجواب الحسن هنا أن يقال المراد بالمسجد مسجد ذي الحليفة لأنهم ذكروا أن بذي الحليفة عدة آبار ومسجدان للنبي وقال بعضهم الظاهر أن المراد بالمسجد هنا مسجد أبي هريرة بالعقيق لا المسجد النبوي قلت سبحان الله ما أبعد هذا من منهج الصواب لأنه قال أولا في التوفيق بين قوله بذي الحليفة وقوله بالعقيق يحتمل أن يكونا يعني أبا بكر وأباه عبد الرحمن قصدا إلى العقيق بناء على أن أبا هريرة فيها فلم يجداه قال ثم وجداه بذي الحليفة وكان له بها أيضا أرض ومعنى كلامه أنهما لما لم يجداه بالعقيق ذهبا إلى ذي الحليفة فوجداه هناك عند باب المسجد فيلزم من مقتضى كلامه أنهم عادوا من ذي الحليفة إلى العقيق ولاقياه فيها عند باب المسجد وهذا كلام خارج أجنبي عن مقتضى معنى التركيب لأنهم لو كانوا عادوا من ذي الحليفة إلى العقيق كيف كان أبو بكر وعبد الرحمن يقولان لقينا أبا هريرة عند باب المسجد والحال أن أبا هريرة كان معهما على مقتضى كلامه ثم ذكر هذا القائل وجها آخر أبعد من الأول حيث قال أو يجمع بأنهما التقيا بالعقيق فذكر له عبد الرحمن القصة مجملة أو لم يذكرها بل شرع فيها ثم لم يتهيأ له ذكر تفصيلها وسماع جواب أبي هريرة إلا بعد أن رجعا إلى المدينة وأرادا دخول المسجد النبوي قلت الذي حمله على هذا التفسير تفسيره المسجد بمسجد العقيق ولو فسره بمسجد ذي الحليفة لاستراح وأراح على أنا نقول من قال إنه كان لأبي هريرة مسجد بالعقيق وأما المسجد الذي بذي الحليفة فقد نص عليه أهل السير والإخباريون ولا دلالة أصلا في الحديث على هذا التوجيه الذي ذكره ولا قال به أحد قبله قوله إني ذاكر أمرا وفي رواية الكشميهني إني أذكر لك بصيغة المضارع قوله لم أذكره لك وفي رواية الكشميهني لم أذكر ذلك قوله كذلك حدثني الفضل بن عباس وقد أحال أبو هريرة فيه مرة على الفضل ومرة على أسامة بن زيد فيما رواه عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده ومرة قال أخبرنيه مخبر ومرة قال حدثني فلان وفلان فيما رواه ابن حبان عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عنه على ما ذكرناه عن قريب وروي عنه أنه قال لا ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدرك الصبح جنبا فلا يصم محمد ورب الكعبة قاله ثم حدثنيه الفضل قوله وهو أعلم أي الفضل أعلم مني بما روى والعهدة عليه في ذلك لا علي
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان الحكم الذي بوب الباب لأجله وفيه دخول الفقهاء على السلطان ومذاكرتهم له بالعلم وفيه ما كان عليه مروان من الاشتغال بالعلم ومسائل الدين مع ما كان عليه من الدنيا ومروان عندهم أحد العلماء وكذلك ابنه عبد الملك وفيه ما يدل على أن الشيء إذا تنوزع فيه رد إلى من يظن أنه يوجد عنده علم منه وذلك أن أزواج النبي أعلم الناس بهذا المعنى بعده وفيه أن من كان عنده علم في شيء وسمع بخلافه كان عليه إنكاره من ثقة سمع ذلك أو غيره حتى يتبين له صحة خلاف ما عنده وفيه أن الحجة القاطعة عند الاختلاف فيما لا نص فيه من الكتاب وسنة رسول الله وفيه إثبات الحجة في العمل بخبر الواحد العدل وأن المرأة في ذلك كالرجل سواء وأن طريق الإخبار في هذا غير طريق الشهادات وفيه طلب الحجة وطلب الدليل والبحث على العلم حتى يصح فيه وجه ألا ترى أن مرواه لما أخبره عبد الرحمن بن الحارث عن عائشة وأم سلمة بما أخبره به من هذا الحديث بعث إلى أبي هريرة طالبا

(11/5)


للحجة وباحثا عن موقعها ليعرف من أين قال أبو هريرة ما قاله من ذلك وفيه اعتراف العالم بالحق وإنصافه إذا سمع الحجة وهكذا أهل العلم والدين أولو إنصاف واعتراف وفيه دليل على ترجيح رواية صاحب الخبر إذا عارضه حديث آخر وترجيح ما رواه النساء مما يختص بهن إذا خالفهن فيه الرجال وكذلك الأمر فيما يختص بالرجال على ما أحكمه الأصوليون في باب الترجيح للآثار وفيه حسن الأدب مع الأكابر وتقدير الاعتذار قبل تبليغ ما يظن المبلغ أن المبلغ يكرهه
وقد اختلف العلماء فيمن أصبح جنبا وهو يريد الصوم هل يصح صومه أم لا على سبعة أقوال الأول أن الصوم صحيح مطلقا فرضا كان أو تطوعا أخر الغسل عن طلوع الفجر عمدا أو لنوم أو نسيان لعموم الحديث وبه قال علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو ذر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم وقال أبو عمر إنه الذي عليه جماعة فقهاء الأمصار بالعراق والحجاز أئمة الفتوى بالأمصار مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي والليث وأصحابهم وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن علية وأبو عبيدة وداود وابن جرير الطبري وجماعة من أهل الحديث الثاني أنه لا يصح صوم من أصبح جنبا مطلقا وبه قال الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وأبو هريرة ثم رجع أبو هريرة عنه كما ذكرناه الثالث التفرقة بين أن يؤخر الغسل عالما بجنابته أم لا فإن علم وأخره عمدا لم يصح وإلا صح روي ذلك عن طاووس وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وقال صاحب ( الإكمال ) ومثله عن أبي هريرة الرابع التفرقة بين الفرض والنفل فلا يجزيه في الفرض ويجزيه في النفل روي ذلك عن إبراهيم النخعي أيضا حكاه صاحب ( الإكمال ) عن الحسن البصري وحكى أبو عمر عن الحسن بن حي أنه كان يستحب لمن أصبح جنبا في رمضان أن يقضيه وكان يقول يصوم الرجل تطوعا وإن أصبح جنبا فلا قضاء عليه الخامس أن يتم صومه ذلك اليوم ويقضيه روي ذلك عن سالم بن عبد الله والحسن البصري أيضا وعطاء بن أبي رباح السادس أنه يستحب القضاء في الفرض دون النفل حكاه في ( الاستذكار ) عن الحسن بن صالح بن حي السابع أنه لا يبطل صومه إلا أن تطلع عليه الشمس قبل أن يغتسل ويصلي فيبطل صومه قاله ابن حزم بناء على مذهبه في أن المعصية عمدا تبطل الصوم
فإن قلت حديث الفضل فيه أن من أصبح جنبا فلا يصوم وحديث عائشة وأم سلمة فيه حكاية فعله أنه كان يصبح جنبا ثم يصوم فهلا جمعتم بين الحديثين بحمل حديثهما على أنه من الخصائص وحديث الفضل لغيره من الأمة وأيضا فليس في حديثيهما أنه أخر الغسل عن طلوع الفجر عمدا فلعله نام عن ذلك قلت الأصل عدم التخصيص ومع ذلك ففي الحديث التصريح بعدم الخصوص فروى مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله وهو واقف على الباب وأنا أسمع يا رسول الله إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال رسول الله وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم فقال له الرجل يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله وقال إني أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما اتقي ومن طريق مالك أخرجه أبو داود وأخرجه مسلم والنسائي من رواية إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن عبد الرحمن بنحوه
وقال همام وابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة كان النبي يأمر بالفطر والأول أسند همام هو ابن منبه الصنعاني وقد مر في باب حسن إسلام المرء وهذا التعليق وصله أحمد وابن حبان من طريق معمر عنه بلفظ قال رسول الله إذا نودي للصلاة صلاة الصبح أحدكم جنب فلا يصم يومئذ قوله وابن عبد الله بالرفع عطف على همام وكان لعبد الله بنون ستة قال الكرماني والظاهر أن المراد بابن عبد الله هنا هو سالم لأنه يروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قلت الجزم بأنه سالم بن عبد الله غير صحيح لأن فيه اختلافا فقيل هو عبد الله بن عمر وقيل هو عبيد الله بن عبد الله بالتكبير والتصغير في اسم الابن ولأجل هذا الاختلاف لم يسمه البخاري صريحا وأما تعليق

(11/6)


ابن عبد الله بن عمر فوصله عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن ابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة به فقيل قد اختلف على الزهري في اسمه فقال شعيب عنه أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر قال قال أبو هريرة كان رسول الله يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا أخرجه النسائي والطبراني في مسند الشاميين وقال عقيل عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به فاختلف على الزهري هل هو عبد الله بالتكبير أو عبيد الله بالتصغير قوله والأول أسند قال الكرماني أي حديث أمهات المؤمنين أسند أي أصح إسنادا قلت ليس المراد بقوله أسند أي أصح لأن الإسناد إلى أبي هريرة هو الإسناد إلى أمي المؤمنين في أكثر الطرق وقال شيخنا زين الدين رحمه الله والأول أسند يريد والله أعلم أن حديث أبي هريرة مختلف في إسناده فليس في أحد من الصحيحين إسناده إلى النبي وإنما قال كذلك حدثني الفضل بن عباس وقد ذكرنا أن أبا هريرة أحال فيه عليه وعلى غيره تارة بتصريح وتارة بإبهام وقال الدارقطني معناه أظهر إسنادا وأبين في الاتصال وقال ابن التين أي الطريق الأول أوضح رفعا وقال بعضهم معناه أقوى إسنادا لأن حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاء عنهما من طرق كثيرة جدا بمعنى واحد حتى قال ابن عبد البر إنه صح وتواتر وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي به قلت قد ذكرنا الآن أن الإسناد إلى أبي هريرة هو الإسناد إلى أمي المؤمنين في أكثر الطرق فإن قلت كيف هذا وقد روى أبو عمر من رواية عطاء بن مينا عن أبي هريرة أنه قال كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر وإن ذلك من كيس أبي هريرة قلت لا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك وذكر ابن خزيمة أن بعض العلماء توهم أن أبا هريرة غلط في هذا الحديث ثم رد عليه بأنه لم يغلط بل أحال على رواية صادق إلا أن الخبر منسوخ انتهى
وقد ذكرنا وجه النسخ بأن حديث عائشة هو الناسخ لحديث الفضل ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ فاستمر أبو هريرة على الفتيا به ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه ويؤيد ذلك أن في حديث عائشة الذي رواه مسلم من حديث أبي يونس مولى عائشة عنها وقد ذكرنا عن قريب ما يشعر بأن ذلك كان بعد الحديبية لقوله فيها غفر الله لك ما تقدم وما تأخر وأشار إلى آية الفتح وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية والله أعلم ومنهم من جمع بين الحديثين بأن الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل بأن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز ويعكر على حمله على الإرشاد التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر وبالنهي عن الصيام فكيف يصح الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان وقيل هو محمول على من أدركه الفجر مجامعا فاستدام بعد طلوعه عالما بذلك ويعكر عليه ما رواه النسائي من طريق أبي حازم عن عبد الملك ابن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه أن أبا هريرة كان يقول من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم وحكى ابن التين عن بعضهم أنه سقط كلمة لا من حديث الفضل وكان في الأصل من أصبح جنبا في رمضان فلا يفطر فلما سقطت لا صار فليفطر وهذا كلام واه لا يلتفت إليه لأنه يستلزم عدم الوثوق بكثير من الأحاديث بطرقها مثل هذا الاحتمال فكان قائله ما وقف على شيء من طرق هذا الحديث إلا على اللفظ المذكور والله أعلم
32 -
( باب المباشرة للصائم )
أي هذا باب في بيان حكم المباشرة للصائم المباشرة مفاعلة وهي الملامسة وأصله من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وخارجا منه وليس المراد بهذه الترجمة الجماع
وقالت عائشة رضي الله عنها يحرم عليه فرجها أي يحرم على الصائم فرج امرأته وهذا التعليق وصله الطحاوي وقال حدثنا ربيع المؤذن قال حدثنا شعيب قال حدثا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال أنه قال سألت عائشة ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم قالت فرجها وبنحوه أخرج ابن حزم في ( المحلي ) من طريق معمر عن أيوب السختياني عن أبي

(11/7)


قلابة عن مسروق قال سألت عائشة أم المؤمنين ما يحل للرجل من امرأته صائما فقال كل شيء إلا الجماع وأبو مرة اسمه يزيد مولى عقيل بن أبي طالب روى له الجماعة وحكيم بن عقال العجلي البصري وثقه ابن حبان
42 -
( باب القبلة للصائم )
أي هذا باب في بيان حكم القبلة للصائم
وقال جابر بن زيد إن نظر فأمنى يتم صومه
جابر بن زيد هو أبو الشعثاء الأزدي وقد تقدم وهذا الأثر وقع هنا في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر في آخر الباب السابق ووصله ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن هرم سئل جابر بن زيد فذكره
8291 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( عائشة ) عن النبي ح وحدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت إن كان رسول الله ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت ( انظر الحديث 7291 )
مطابقته للترجمة في قوله ليقبل بعض أزواجه وهو صائم وهذا الفعل هو المباشرة ويحيى هو ابن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة بن الزبير
والحديث أخرجه النسائي في الصوم عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى بن سعيد
قوله

(11/8)


إن كان كلمة إن مخففة من الثقيلة فتدخل على الجملتين فإن دخلت على الإسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين وإن دخلت على الفعلية وجب إعمالها والأكثر كون الفعل ماضيا ناسخا وهنا كذلك قوله ليقبل اللام فيه مفتوحة للتأكيد قوله وهو صائم جملة حالية قوله ثم ضحكت قيل كان ضحكها تنبيها على أنها صاحبة القضية ليكون أبلغ في الثقة بحديثها وقال القاضي عياض يحتمل ضحكها التعجب مما خالفه فيه أو من نفسها حيث جاءت بمثل هذا الحديث الذي يستحي من ذكره لا سيما حديث المرأة عن نفسها للرجال لكنها اضطرت إلى ذكره لتبليغ الحديث فتعجبت من ضرورة الحال المضطرة لها إلى ذلك وقيل ضحكت سرورا بتذكر مكانها من رسول الله وحالها معه
ذكر بيان الخلاف في هذا الباب ذهب شريح وإبراهيم النخعي والشعبي وأبو قلابة ومحمد بن الحنفية ومسروق ابن الأجدع وعبد الله بن شبرمة إلى أنه ليس للصائم أن يباشر القبلة فإن قبل فقد أفطر وعليه أن يقضي يوما واحتجوا بما رواه ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضني عن ميمونة مولاة النبي قالت سئل النبي عن رجل قبل امرأته وهما صائمان قال قد أفطرا وأخرجه الطحاوي ولفظه عن ميمونة بنت سعد قالت سئل النبي عن القبلة للصائم فقال أفطرا جميعا وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وأبو يزيد الضني بكسر الضاد المعجمة والنون المشددة نسبة إلى ضنة قال الدارقطني ليس بمعروف وقال ابن حزم مجهول وميمونة بنت سعد وقيل سعيد خادم النبي وأخرجه ابن حزم ولفظه عن ميمونة بنت عقبة مولاة النبي وقال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث وكذا قال السهيلي والبيهقي وقال الترمذي سألت محمدا عنه يعني البخاري فقال هذا حديث منكر لا أحدث به وأبو يزيد لا أعرف اسمه وهو رجل مجهول قوله قد أفطرا أي المقبل والمقبل كلاهما أفطرا يعني انتقض صومهما وقال أبو عمر وممن كره القبلة للصائم عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وقد روي عن ابن مسعود أنه يقضي يوما مكانه وروي عن ابن عباس أنه قال إن عروق الخصيتين معلقة بالأنف فإذا وجد الريح تحرك وإذا تحرك دعي إلى ما هو أكثر من ذلك والشيخ أملك لأربه وكره مالك القبلة للصائم في رمضان للشيخ والشاب وعن عطاء عن ابن عباس أنه أرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب وقال عياض منهم من أباحها على الإطلاق وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أحمد وإسحاق وداود من الفقهاء ومنهم من كرهها على الإطلاق وهو مشهور قول مالك ومنهم من كرهها للشاب وأباحها للشيخ وهو المروي عن ابن عباس ومذهب أبي حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي وحكاه الخطابي عن مالك ومنهم من أباحها في النفل ومنعها في الفرض وهي رواية ابن وهب عن مالك وقال النووي إن حركت القبلة الشهوة فهي حرام على الأصح عند أصحابنا وقيل مكروه كراهة تنزيه انتهى وقال أصحابنا الحنفية في فروعهم لا بأس بالقبلة والمعانقة إذا أمن على نفسه أو كان شيخا كبيرا ويكره له مس فرجها وعن أبي حنيفة تكره المعانقة والمصافحة والمباشرة الفاحشة بلا ثوب والتقبيل الفاحش مكروه وهو أن يمضغ شفتيها قاله محمد فإن قلت روى أبو داود من طريق مصدع أبي يحيى عن عائشة رضي الله تعالى عنه أن النبي كان يقبلها ويمص لسانها قلت كلمة ويمص لسانها غير محفوظة وإسناده ضعيف والآفة من محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع وتفرد به أبو داود وحكى ابن الأعرابي عن أبي داود أنه قال هذا الحديث ليس بصحيح وعن يحيى بن محمد بن دينار وقال أبو داود كان تغير قبل أن يموت وسعد بن أوس ضعفه يحيى أيضا قيل على تقدير صحة الحديث يجوز أن يكون التقبيل وهو صائم في وقت والمص في وقت آخر ويجوز أن يمصه ولا يبتلعه ولأنه لم يتحقق انفصال ما على لسانها من البلل وفيه نظر لا يخفى وقال ابن قدامة إن قبل فأمنى أفطر بلا خلاف فإن أمذى أفطر عندنا وعند مالك وقال أبو حنيفة والشافعي لا يفطر وروي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي واللمس بشهوة كالقبلة فإن كان بغير شهوة فليس مكروها بحال
ولما أخرج الترمذي حديث عائشة من رواية عمرو بن ميمون أن النبي كان يقبل في شهر الصوم قال وفي الباب عن عمر بن الخطاب وحفصة وأبي سعيد وأم سلمة

(11/9)


وابن عباس وأنس وأبي هريرة قلت وفي الباب أيضا عن علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو وأم حبيبة وميمونة زوجي النبي وميمونة بنت سعد مولاة النبي ورجل من الأنصار عن امرأته
أما حديث عائشة فروي من طرق عديدة حتى إن الطحاوي أخرجه من عشرين طريقا وأما حديث عمر بن الخطاب فأخرجه أبو داود والنسائي من حديث جابر بن عبد الله قال قال عمر ابن الخطاب هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم قلت لا بأس قال فمه قال النسائي هذا حديث منكر وقد أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم في ( مستدركه ) وقال ) صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأما حديث حفصة فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من رواية أبي الضحى مسلم بن صبيح عن شتير بن شكل عن حفصة قالت كان النبي يقبل وهو صائم وأما حديث أبي سعيد فأخرجه النسائي عنه قال رخص رسول الله في القبلة للصائم والحجامة وأما حديث أم سلمة فأخرجه مسلم من رواية عبد ربه بن سعيد عن عبد الله بن كعب الحميري عن عمر بن أبي سلمة أنه قال لرسول الله أيقبل الصائم فقال له رسول الله سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله يصنع ذلك فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له رسول الله أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له ورواه ابن حبان أيضا في ( صحيحه ) وروى البخاري عنها أيضا على ما سيأتي وأما حديث ابن عباس فأخرجه القاضي يوسف بن إسماعيل قال حدثنا سليمان ابن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال حدثني رجل من بني سدوس قال سمعت ابن عباس يقول كان رسول الله يصيب من الرؤوس وهو صائم يعني القبل وروينا هذا الحديث عن شيخنا زين الدين رحمه الله قال أخبرني به أبو المظفر محمد بن يحيى القرشي بقراءتي عليه أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف ابن المعلم أخبرنا عمر بن محمد المؤدب أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري أخبرنا الحسن بن علي الجوهري أخبرنا علي بن محمد بن أحمد بن كيسان أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب إلى آخر ما ذكرناه وأما حديث أنس فأخرجه الطبراني في ( الصغير ) و ( الأوسط ) من رواية معتمر بن سليمان عن أبيه قال سئل رسول الله أيقبل الصائم قال وما بأس ذلك ريحانة يشمها ورجاله ثقات وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي من رواية أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة عن النبي مثل حديث قبله وأبو العنبس اسمه محارب بن عبيد بن كعب
وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فذكره ابن أبي حاتم في ( كتاب العلل ) فقال سألت أبي عن حديث رواه قيس بن حفص بن قيس بن القعقاع الدارمي حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا سليمان الأعمش عن أبي الضحى عن شيتر بن شكل عن علي أن رسول الله كان يقبل وهو صائم ثم قال سمعت أبي يقول هذا خطأ إنما هو الأعمش عن أبي الضحى عن شتير بن شكل عن حفصة عن النبي وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) في ترجمة غالب بن عبد الله الجزري عن نافع عن ابن عمر أن النبي كان يقبل وهو صائم ولا يعيد الوضوء وغالب الجزري ضعيف وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والطبراني في ( الكبير ) عنه قال كنا عند النبي فجاء شاب فقال يا رسول الله أقبل وأنا صائم قال لا قال فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم قال نعم قال فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه وفي إسناده ابن لهيعة مختلف في الاحتجاج به وأما حديث أم حبيبة فأخرجه النسائي عنها أن رسول الله كان يقبل وهو صائم قال النسائي الصواب عن حفصة وأما حديث ميمونة زوج النبي فذكره ابن أبي حاتم في ( العلل ) قالت كان رسول الله يقبل وهو صائم قال أبو زرعة رواه هكذا عمرو بن أبي قيس وهو خطأ ورواه الثوري وآخرون عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأما حديث ميمونة مولاة النبي فأخرجه ابن ماجه وقد ذكرناه وأما حديث الرجل الأنصاري عن امرأته فأخرجه أحمد مطولا وفيه أن رسول الله يفعل ذلك
فإن قلت قوله يقبل وهو صائم ولا يلزم منه أن يكون في رمضان قلت في رواية الترمذي كان يقبل في شهر

(11/10)


الصوم وهذا يلزم منه أن يكون في رمضان لأنه شهر الصوم وقد جاء صريحا في رواية مسلم كان يقبل في رمضان وهو صائم فإن قلت لا يلزم من قوله في رمضان أن يكون بالنهار قلت في رواية عن عائشة في ( الصحيحين ) كان يقبل ويباشر وهو صائم فبين أن ذلك في حالة الصيام
9291 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام بن أبي عبد الله ) قال حدثنا ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( زينب ابنة ) أم ( سلمة ) عن ( أمها ) رضي الله تعالى عنهما قالت بينما أنا مع رسول الله في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال ما لك أنفست قلت نعم فدخلت معه في الخميلة وكانت هي ورسول الله يغتسلان من إناء واحد وكان يقبلها وهو صائم
مطابقته للترجمة في قوله وكان يقبلها وهو صائم والحديث مضى في كتاب الحيض في باب من سمى النفاس حيضا فإنه أخرجه هناك عن مكي بن إبراهيم عن هشام إلى آخره وزاد هنا قوله وكانت هي إلى آخره وهناك بينا أنا مع رسول الله مضطجعة في خميصة وهنا فدخلت معه في الخميلة وهناك فاضطجعت معه في الخميلة ويحيى هو القطان وهشام هو الدستوائي والخميلة بفتح الخاء المعجمة ثوب من صوف له علم قوله حيضتي بكسر الحاء قوله أنفست الصحيح فيه أنه بفتح النون وكسر الفاء معناه أحضت وبقية المباحث مرت هناك
52 -
( باب اغتسال الصائم )
أي هذا باب في بيان حكم الاغتسال للصائم وهو جوازه قيل إنما أطلق الاغتسال ليشمل جميع أنواعه من الفرض والسنة وغيرهما وقال بعضهم وكأنه يشير إلى ضعف ما روي عن علي رضي الله تعالى عنه من النهي عن دخول الصائم الحمام أخرجه عبد الرزاق وفي إسناده ضعف واعتمده الحنفية فكرهوا الاغتسال للصائم انتهى قلت قوله كأنه يشير كلام كاد أن يكون عبثا لأنه لا يصح أن يراد بالإشارة معناها اللغوي ولا معناها الاصطلاحي وقوله واعتمده الحنفية غير صحيح على إطلاقه لأن قوله كرهوا الاغتسال للصائم رواية عن أبي حنيفة غير معتمد عليها والمذهب المختار أنه لا يكره ذكره الحسن عن أبي حنيفة نبه عليه صاحب ( الواقعات ) وذكر في ( الروضة ) و ( جوامع الفقه ) لا يكره الاغتسال وبل الثوب وصب الماء على الرأس للحر وروى أبو داود بسند صحيح عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي قال لقد رأيت النبي بالعرج يصب على رأسه الماء وهو صائم من الحر أو من العطش وفي ( المصنف ) حدثنا أزهر عن ابن عون كان ابن سيرين لا يرى بأسا أن يبل الثوب ثم يلقيه على وجهه وحدثنا يحيى ابن سعيد عن عثمان بن أبي العاص أنه كان يصب عليه الماء ويروح عنه وهو صائم
وبل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ثوبا فألقاه عليه وهو صائم
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الثوب المبلول إذا ألقي على البدن بل البدن فيشبه البدن الذي سكب عليه الماء قوله فألقاه عليه رواية الكشميهني وفي رواية غيره فألقي عليه على صيغة المجهول فكأنه أمر غيره وألقاه عليه قوله وهو صائم جملة وقعت حالا هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي عثمان قال رأيت ابن عمر يبل الثوب ثم يلقيه عليه وقال بعضهم وأراد البخاري بأثر ابن عمر هذا معارضة ما جاء عن إبراهيم النخعي بأقوى منه فإن وكيعا روى عن الحسن بن صالح عن مغيره عنه أنه كان يكره للصائم بل الثياب قلت هذا كلام صادر من غير تأمل فأنه اعترف أن الذي رواه إبراهيم أقوى من الذي ذكره البخاري معلقا فكيف تصح المعارضة حينئذ بل الذي يقال إنه أراد به الإشارة إلى ما روى عن ابن عمر من فعله ذلك فافهم
ودخل الشعبي الحمام وهو صائم

(11/11)


مطابقته للترجمة ظاهرة والشعبي هو عامر بن شراحيل ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة عن الأحوص عن أبي إسحاق قال رأيت الشعبي يدخل الحمام وهو صائم
وقال ابن عباس لا بأس أن يتطعم القدر أو الشيء
مطابقته للترجمة من حيث إن التطعم من الشيء الذي هو إدخال الطعام في الفم من غير بلغ لا يضر الصوم فإيصال الماء إلى البشرة بالطريق الأولى أن لا يضر وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة من طريق عكرمه عنه بلفظ لا بأس أن يتطاعم القدر ورواه البيهقي عن العمري أنبأنا عبد الله الشريحي أنبأنا أبو القاسم البغوي حدثنا علي بن الجدع أنبأنا شريك عن سليمان عن عكرمة عن ابن عباس ولفظه لا بأس أن يتطاعم الصائم بالشيء يعني المرقة ونحوها
قوله أن يتطعم القدر بكسر القاف وهو الظرف الذي يطبخ فيه الطعام والتقدير من طعام القدر وأراد بقوله أو الشيء أي شيء كان من المطعومات وهو من عطف العام على الخاص وقال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عطاء عنه قال لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم وعن الحسن لا بأس أن يتطاعم الصائم العسل والسمن ونحوه ويمجه وعن مجاهد وعطاء لا بأس أن يتطعم الطعام من القدر وعن الحكم نحوه وفعله عروة وفي ( التوضيح ) وعندنا يستحب له أن يحترز عن ذوق الطعام خوف الوصول إلى حلقه وقال الكوفيون إذا لم يدخل حلقه لا يفطر وصومه تام وهو قول الأوزاعي وقال مالك أكرهه ولا يفطره إن لم يدخل حلقه وهو مثل قولنا وقال ابن عباس لا بأس أن تمضغ الصائمة لصبيها الطعام وهو قول الحسن البصري والنخعي وكرهه مالك والثوري والكوفيون إلا لمن لم يجد بدا من ذلك وبه صرح أصحابنا وفي ( المحيط ) ويكره الذوق للصائم ولا يفطره وفيه لا بأس أن يذوق الصائم العسل أو الطعام ليشتريه ليعرف جيده ورديئه كيلا يغبن فيه متى لم يذقه وهو المروي عن الحسن البصري ولا بأس للمرأة أن تمضغ الطعام لصبيها إذا لم تجد منه بدا
وقال الحسن لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم
مطابقته للترجمة من حيث أن المضمضة جزء للغسل وقال بعضهم وهذا التعليق وصله عبد الرزاق بمعناه قلت لم يبين ذلك بل روى عنه ابن أبي شيبة خلاف ذلك فقال حدثني عبد الأعلى عن هشام عن الحسن أنه كان يكره أن يمضمض الرجل إذا أفطر وإذا أراد أن يشرب قوله والتبرد أعم من أن يكون في سائر جسده أو في بعضه مثل ما إذا تبرد بالماء على وجهه أو على رجليه
وقال ابن مسعود إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا
ذكر في وجه مطابقته للترجمة وجوه الأول أن الإدهان من الليل يقتضي استصحاب أثره في النهار وهو مما يرطب الدماغ ويقوي النفس فهو أبلغ من الاستعانة ببرد الاغتسال لحظة من النهار ثم يذهب أثره قلت هذا بعيد جدا لأن الادهان في نفسها متفاوتة وما كل دهن يرطب الدماغ بل فيها ما يضره يعرفه من ينظر في علم الطب وقوله أبلغ من الاستعانة إلى آخره غير مسلم لأن الاغتسال بالماء لتحصيل البرودة والدهن يقوي الحرارة وهو ضد ذاك فكيف يقول هو أبلغ إلى آخره الوجه الثاني قاله بعضهم إن المانع من الاغتسال لعله سلك به مسلك استحباب التقشف في الصيام كما ورد مثله في الحج والادهان والترجل في مخالفة التقشف كالاغتسال قلت هذا أبعد من الأول لأن الترجمة في جواز الاغتسال لا في منعه وكذلك أثر ابن مسعود في الجواز لا في المنع فكيف يجعل الجواز مناسبا للمنع الوجه الثالث ما قيل أراد البخاري الرد على من كره الاغتسال للصائم لأنه إن كرهه خشية وصول الماء إلى حلقه فالعلة باطلة بالمضمضة وبالسواك وبذوق القدر ونحو ذلك وإن كرهه للرفاهية فقد استحب السلف للصائم الترفه والتجمل والادهان والكحل ونحو ذلك قلت هذا أقرب إلى القبول ولكن تحقيقه أن يقال إن بالاغتسال يحصل التطهر والتنظف للصائم وهو في ضيافة الله تعالى ينتظر المائدة ومن حاله هذه يحسن له التطهر والتنظف

(11/12)


والتطيب وهذه تحصل بالاغتسال والادهان والترجل
قوله دهينا على وزن فعيل بمعنى مفعول أي مدهونا قوله مترجلا من الترجل وهو تسريح الشعر وتنظيفه وكذلك الترجيل ومنه أخذ المرجل وهو المشط وروي عن قتادة أنه قال يستحب للصائم أن يدهن حتى يذهب عنه غبرة الصوم وأجازه الكوفيون والشافعي رضي الله تعالى عنه وقال لا بأس أن يدهن الصائم شاربه وممن أجاز الدهن للصائم مطرف وابن عبد الحكم وإصبغ ذكره ابن حبيب وكرهه ابن أبي ليلى
وقال أنس إن لي أبزنا أتقحم فيه وأنا صائم
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الدخول في الإبزن فوق الاغتسال والإبزن بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي وفي آخره نون وهو الحوض وقال ابن قرقول مثل الحوض الصغير من فخار ونحوه وقيل هو حجر منقور كالحوض وقال أبو ذر كالقدر يسخن فيه الماء وهو فارسي معرب ولذلك لا يصرف وفي ( المحكم ) هو شيء يتخذ من الضفر للماء له جوف وفي كتاب ( لغة المنصوري ) لابن الحشا ومن خطه أبزن ضبطه بالكسر قال وهو مستنقع يكون أكثر ذلك في الحمام وقد يكون في غيره ويتخذ من صفر ومن خشب وقال صاحب ( التلويح ) الذي قرأته على جماعة من فضلاء الأطباء وعد جماعة أبزن بضم الهمزة قوله اتقحم فيه أي أدخل ومادته قاف وحاء مهملة وميم قوله وأنا صائم جملة حالية وهذا التعليق وصله قاسم بن ثابت في ( غريب الحديث ) له من طريق عيسى بن طهمان سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول إن لي إبزن إذا وجدت الحر تقحمت فيه وأنا صائم
ويذكر عن النبي أنه استاك وهو صائم مطابقته للترجمة من حيث إنه يحصل به تطهير الفم كما ورد في الحديث السواك مطهرة للفم كما يحصل الطهير للبدن بالاغتسال فمن هذه الحيثية تحصل المطابقة بين الترجمة وبين الحديث الذي ذكره بصيغة التمريض فإن قلت في استنان الصائم إزالة الخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك قلت إنما مدح النبي الخلوف نهيا للناس عن تعزز مكالمة الصائمين بسبب الخلوف لا نهيا للصوام عن السواك والله غني عن وصول الرائحة الطيبة إليه فعلمنا يقينا أنه لم يرد بالنهي استبقاء الرائحة وإنما أراد نهي الناس عن كراهتها وروى الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال رأيت النبي ما لا أحصي يتسوك وهو صائم ثم قال حديث عامر بن ربيعة حديث حسن وأخرجه أبو داود أيضا عن محمد بن الصباح عن شريك وعن مسدد عن يحيى عن سفيان كلاهما عن عاصم ولفظه رأيت رسول الله يستاك وهو صائم زاد في رواية ما لا أعد ولا أحصي قال صاحب ( الإمام ) ومداره على عاصم بن عبيد الله قال البخاري منكر الحديث وقال النووي في ( الخلاصة ) بعد أن حكى عن الترمذي أنه حسنه لكن مداره على عاصم بن عبيد الله وقد ضعفه الجمهور فلعله اعتضد انتهى وقال المزي وأحسن ما قيل فيه قول العجلي لا بأس به وقول ابن عدي هو مع ضعفه يكتب حديثه وقال البيهقي بعد تخريجه عاصم بن عبيد الله ليس بالقوي
ولما روى الترمذي حديث عامر بن ربيعة قال وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها قلت حديث عائشة رواه ابن ماجه والبيهقي من رواية أبي إسماعيل المؤدب واسمه إبراهيم بن سليمان عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت قال رسول الله من خير خصال الصائم السواك ومجالد بن سعيد ضعفه الجمهور ووثقه النسائي وروى له مسلم مقرونا بغيره
قلت وفي الباب أيضا عن أنس وحبان بن المنذر وخباب بن الأرت وأبي هريرة فحديث أنس رواه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي إسحاق الخوارزمي قاضي خوارزم قال سألت عاصما الأحول فقلت أيستاك الصائم فقال نعم فقلت برطب السواك ويابسة قال نعم قلت أول النهار وآخره قال نعم قلت عمن قال عن أنس بن مالك عن النبي قال الدارقطني أبو إسحاق الخوارزمي ضعيف يبلغ عن عاصم الأحول بالمناكير لا يحتج به انتهى

(11/13)


ورواه النسائي في كتاب ( الأسماء والكنى ) في ترجمة أبي إسحاق وقال اسمه إبراهيم بن عبد الرحمن منكر الحديث وحديث حبان بن المنذر رواه أبو بكر الخطيب نحو حديث خباب بن الأرت وحديث خباب بن الأرت رواه الطبراني والدارقطني والبيهقي من طريقه من رواية كيسان أبي عمر القصاب عن عمر بن عبد الرحمن عن خباب عن النبي إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانتا نورا بين عينيه يوم القيامة قال الدارقطني كيسان أبو عمر ليس بالقوي وقد ضعفه يحيى بن معين والساجي وحديث أبي هريرة رواه البيهقي من رواية عمر بن قيس عن عطاء عن أبي هريرة قال لك السواك إلى العصر فإذا صليت العصر فألقه فإني سمعت رسول الله يقول خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وعمر بن قيس هو الملقب بسند مكي متروك قاله أحمد والنسائي وغيرهما ولكن الحديث المرفوع منه صحيح أخرجه البخاري ومسلم من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
وأما استدلال أبي هريرة به على السواك فليس في الصحيح وأما حكم السواك للصائم فاختلف العلماء فيه على ستة أقوال الأول أنه لا بأس به للصائم مطلقا قبل الزوال وبعده ويروى عن علي وابن عمر أنه لا بأس بالسواك الرطب للصائم ورواه ذلك أيضا عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وابن علية ورويت الرخصة في السواك للصائم عن عمر وابن عباس وقال ابن علية السواك سنة للصائم والمفطر والرطب واليابس سواء الثاني كراهيته للصائم بعد الزوال واستحبابه قبله برطب أو يابس وهو قول الشافعي في أصح قوليه وأبي ثور وقد روي عن علي رضي الله تعالى عنه كراهة السواك بعد الزوال رواه الطبراني الثالث كراهته للصائم بعد العصر فقط ويروى عن أبي هريرة الرابع التفرقة بين صوم الفرض وصوم النفل فيكره في الفرض بعد الزوال ولا يكره في النفل لأنه أبعد عن الرياء حكاه المسعودي عن أحمد بن حنبل وحكاه صاحب المعتمد من الشافعية عن القاضي حسين الخامس أنه يكره السواك للصائم بالسواك الرطب دون غيره سواء أول النهار وآخره وهو قول مالك وأصحابه وممن روي عنه كراهة السواك الرطب للصائم الشعبي وزياد بن حدير وأبو ميسرة والحكم ابن عتيبة وقتادة السادس كراهته للصائم بعد الزوال مطلقا وكراهة الرطب للصائم مطلقا وهو قول أحمد وإسحاق بن راهويه
وقال ابن عمر يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وهذا التعليق روى معناه ابن أبي شيبة عن حفص عن عبيد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر بلفظ كان يستاك إذا أراد أن يروح إلى الظهر وهو صائم
وقال عطاء إن ازدرد ريقه لا أقول يفطر
أي قال عطاء بن أبي رباح في أثر ابن عمر المذكور إن ازدرد أي إن ابتلع ريقه بعد التسوك لا يفطر وأصل ازدرد ازترد لأنه من زرد إذا بلع فنقل إلى باب الافتعال فصار ازترد ثم قلبت التاء دالا فصار ازدرد
وقال ابن سيرين لا بأس بالسواك الرطب قيل له طعم قال والماء له طعم وأنت تمضمض به
ابن سيرين هو محمد بن سيرين وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن عبيد بن سهل الفداني عن عقبة بن أبي حمزة المازني قال أتى محمد بن سيرين رجل فقال ما ترى في السواك للصائم قال لا بأس به قال إنه جريدة وله طعم قال الماء له طعم وأنت تمضمض به فإن قلت لا طعم للماء لأنه تفه قلت قال الله تعالى ومن لم يطعمه فإنه منى ( البقرة 942 ) وقال صاحب ( المجمل ) الطعام يقع على كل ما يطعم حتى الماء
ولم يرع أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسا

(11/14)


بيان لطائف إسناده
أنس هو ابن مالك الصحابي والحسن هو البصري وإبراهيم هو النخعي ومسألة الكحل للصائم وقعت هنا استطرادا لاقصدا فلذلك لاتطلب فيها المطابقة للترجمة * أما التعليق عن أنس فرواه أبو داود في السنن من طريق عبيدالله بن أبي بكر بن أنس ( ( عن أنس أنه كان يكتحل وهو صائم ) ) قال الترمذي ليس إسناده بالقوي ولا يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الباب شيء وأبو عاتكة اسمه طريف بن سليمان وقيل سليمان وقيل سلمان بن طريف قال البخاري هو منكر الحديث وقال أبو حاتم الرازي ذاهب الحديث وقال النسائي ليس بثقة وروى ابن ماجه بسند صحيح لابأس به ( ( عن عائشة قالت اكتحل رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو صائم ) ) وفي كتاب الصيام لابن أبي عاصم بسند لابأس به من حديث نافع ( ( عن ابن عمر خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعيناه مملوءتان من الأثمد في رمضان وهو صائم ) ) ( فإن قلت ) يعارض هذا حديث رواه أبو داود عن عبدالرحمن بن النعمان بن معبد بن هودة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر بالأثمد المروح عند النوم وقال ليتقه الصائم ( قلت ) قال أبو داود قال لي يحيى بن معين هذا حديث منكر وقال الأثرم عن أحمد هذا حديث منكر فلا معارضة حينئذ وروى ابن عدي في الكامل والبيهقي من طريقه والطبراني في الكبير من رواية حبان بن علي عن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يكتحل بالأثمد وهو صائم ومحمد هذا قال فيه البخاري منكر الحديث وقال ابن معين ليس حديثه بشيء وروى الحارث بن أبي أسامة عن أبي زكريا يحيى بن إسحاق حدثنا سعيد بن زيد عن عمرو بن خالد عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب وعن حبيب بن أبي ثابت عن نافع ( ( عن ابن عمر قال انتظرنا النبي صلى الله عليه و سلم أن يخرج في رمضان إلينا فخرج من بيت أم سلمة وقد كحلته وملأت عينيه كحلا ) ) وليس هذان الحديثان صريحين في الكحل للصائم إنما ذكر فيهما رمضان فقط ولعله كان في رمضان في الليل والله أعلم وروى البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عباس قال اقل رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ( من اكتحل بالأثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا ) ) قال البيهقي إسناده ضعيف وفيه روى الضحاك عن ابن عباس والضحاك لم يلق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وروى ابن الجوزي في كتاب فضائل الشهور من حديث أبي هريرة في حديث طويل فيه صيام عاشوراء والاكتحال فيه قال ابن ناصر هذا حديث حسن عزيز رجاله ثقات وإسناده على شرط الصحيح ورواه ابن الجوزي في الموضوعات وقال شيخنا والحق ماقاله ابن الجوزي وأنه حديث موضوع وروى الطبراني في الأوسط من حديث بريرة ( 0قالت رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يكتحل بالأثمد وهو صائم ) ) وأما أثر الحسن فوصله عبدالرزاق بإسناد صحيح عنه قال ( ( لابأس بالكحل للصائم ) ) وأما أثر ابراهيم فاختلف عنه فروى سعيد بن منصور عن جرير عن القعقاع بن يزيد سألت إبراهيم أيكتحل الصائم قال نعم قلت أجد طعم الصبر في حلقي قال ليس بشيء ) ) وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم قال لابأس بالكحل للصائم مالم يجد طعمه وأما حكم المسألة فقد اختلفوا في الكحل للصائم فلم ير الشافعي به بأسا سواء وجد طعم الكحل في الحلق ام لا واختلف قول مالك فيه في الجواز والكراهة قال في المدونة يفطر ما وصل إلى الحلق من العين وقال أبو مصعب لايفطر وذهب الثوري وابن المبارك وأحمد وغسحاق إلى كراهة الكحل للصائم وحكى عن أحمد أنه إذا وجد طعمه في الحلق أفطر وعن عطاء والحسن البصري والنخعي والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي ثور يجوز بلا كراهة وأنه لايفطر به سواء وجد طعمه أم لا وحكى ابن المنذر عن سليمان التيمي ومنصور بن المعتمر وابن شبرمة وابن أبي ليلى أنهم قالوا يبطل صومه وقال ابن قتادة يجوز بالأثمد ويكره بالصبر وفي سنن ابي داود عن الأعمش قال ما رأيت أحدا من أصحابنا يكره الكحل للصائم *
38 - ( حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي بكر قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه و سلم يدركه الفجر
عمدة القري ج11 ص ا5
جنبا في رمضان من غير حلم فيغتسل ويصوم )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا الحديث قبل هذا الباب ببابين في باب الصائم يصبح جنبا وتقدمت المباحث فيه هناك وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعروة هو ابن الزبير بن العوام وأبو بكر هو ابن عبد الرحمن بن الحارث قوله من غير حلم بضم الحاء تقديره من جنابة من غير حلم فاكتفى بالصفة عن الموصوف لظهوره
39 - ( حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام بن المغيرة أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن قال كنت أنا وأبي فذهبت معه حتى دخلنا على عائشة رضي الله عنها قالت أشهد على رسول الله إن كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصومه ثم دخلنا على أم سلمة فقالت مثل ذلك )
هذا الحديث أيضا مضى في باب الصائم يصبح جنبا فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره مطولا وتقدم الكلام فيه هناك -
62 -
( باب الصائم إذا أكل أو شرب نا
أي هذا باب في بيان حكم الصائم إذا أكل أو شرب حال كونه ناسيا وإنما لم يذكر جواب إذا لمكان الخلاف فيه تقديره هل يجب عليه القضاء أم لا
وقال عطاء إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس به إن لم يملك
مطابقته للترجمة من حيث إن حكم دخول الماء في حلق الصائم بعد الاستنثار ولم يملك دفعه كحكم شرب الماء ناسيا في عدم وجوب القضاء وعطاء هو ابن أبي رباح وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن ابن جريج أن إنسانا قال لعطاء استنثرت فدخل الماء في حلقي قال لا بأس لم تملك وقال صاحب ( التلويح ) لا بأس إن لم تملك كذا في نسخة السماع وفي غيرها سقوط إن وفي نسخة إذ لم تملك قلت وقع في رواية أبي ذر والنسفي لا بأس لم يملك بإسقاط إن ومعنى قوله إن لم يملك يعني دفع الماء بأن غلبه فإن ملك دفع الماء فلم يدفع حتى دخل حلقه أفطر ويروى إن لم يملك دفعه وقوله لم يملك بدون إن استئناف كلام تعليلا لما تقدم عليه قال الكرماني فإن قلت لا بأس هو جزاء الشرط فلا بد من الفاء قلت هو مفسر للجزاء المحذوف والجملة الشرطية جزاء لقوله إن استنثر وعلى نسخة سقوط إن الفاء محذوفة كقوله
من يفعل الحسنات الله يشكرها
وقوله إن استنثر من الاستنثار وهو إخراج ما في الأنف بعد الاستنشاق وقيل هو نفس الاستنشاق
وقال الحسن إن دخل حلقه الذباب فلا شيء عليه
مطابقته للترجمة من حيث إن حكم دخول الذباب في حلق الصائم كحكم الأكل ناسيا في عدم وجوب القضاء وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة من طريق وكيع عن الربيع عنه قال لا يفطر الرجل بدخول حلقه الذباب وعن ابن عباس والشعبي إذا دخل الذباب لا يفطر وبه قالت الأئمة الأربعة وأبو ثور وقال ابن المنذر ولم يحفظ عن غيرهم خلافه وفي ( المحيط ) ولو دخل حلقه الذباب أو الدخان أو الغبار لم يفطره وكذا لو بقي بلل في فمه بعد المضمضة وابتلعه مع ريقه لعدم إمكان الاحتراز عنه بخلاف ما لو دخل المطر أو الثلج حلقه حيث يفطره وفي ( الكتاب ) في الأصح وفي ( المبسوط ) في الصحيح وفي ( الذخيرة ) قيل يفسد صومه في المطر ولا يفسد في الثلج وفي بعض المواضع على العكس وفي ( الجامع الأصغر ) يفسد فيهما وهو المختار

(11/16)


ولو خاض الماء فدخل أذنه لا يفطره بخلاف الدهن وإن كان بغير صنعه لوجود إصلاح بدنه ولو صب الماء في أذن نفسه فالصحيح أنه لا يفطره لعدم إصلاح البدن به لأن الماء يضر بالدماغ وفي ( الخزانة ) لو دخل حلقه من دموعه أو عرق جبينه قطرتان ونحوهما لا يضره والكثير الذي يجد ملوحته في حلقه يفسد صومه لا صلاته ولو نزل المخاط من أنفه في حلقه علي تعمد منه فلا شيء عليه ولو ابتلع بزاق غيره أفسد صومه ولا كفارة عليه كذا في ( المحيط ) وفي ( البدائع ) لو ابتلع ريق حبيبه أو صديقه قال الحلواني عليه الكفارة لأنه لا يعافه بل يلتذ به وقيل لا كفارة فيه ولو جمع ريقه في فيه ثم ابتلعه لم يفطره ويكره ذكره المرغيناني
وقال الحسن ومجاهد إن جامع ناسيا فلا شيء عليه
مطابقته للترجمة من حيث إن حكم الجماع ناسيا كحكم الأكل والشرب ناسيا في عدم وجوب شيء عليه وتعليق الحسن وصله عبد الرزاق عن الثوري عن رجل عن الحسن قال هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسيا وتعليق مجاهد وصله عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لو وطىء رجل امرأته وهو صائم ناسيا في رمضان لم يكن عليه فيه شيء وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وهو قول علي وأبي هريرة وابن عمر وعطاء وطاووس ومجاهد وعبيد الله بن الحسن والنخعي والحسن بن صالح وأبي ثور وابن أبي ذئب والأوزاعي والثوري وكذلك في الأكل والشرب ناسيا وقال ابن علية وربيعة والليث ومالك يفطر وعليه القضاء زاد أحمد والكفارة في الجماع ناسيا وهو أحد الوجهين للشافعية
40 - ( حدثنا عبدان قال أخبرنا يزيد بن زريع قال حدثنا هشام قال حدثنا ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد مروا غير مرة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي وهشام هو الدستوائي يروي على محمد بن سيرين والحديث أخرجه مسلم من رواية إسماعيل بن علية عن هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ولفظه من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وأخرجه أبو داود وقال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن أيوب وحبيب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إني أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم قال الله أطعمك وسقاك وأخرجه الترمذي وقال حدثنا أبو سعيد حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله وأخرجه النسائي من رواية عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة إذا أكل الصائم أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه ورواه ابن ماجه من رواية عوف عن خلاس ومحمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر ناسيا وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وروى ابن حبان أيضا من رواية محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة وفي رواية الدارقطني من طريق ابن علية عن هشام فإنما هو رزق ساقه الله إليه وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث أبي هريرة وفي الباب عن أبي سعيد وأم إسحق فحديث أبي سعيد رواه الدارقطني من رواية الفزاري عن عطية عن أبي سعيد قال قال النبي من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه إن الله أطعمه وسقاه قال الدارقطني الفزاري هذا هو محمد بن عبيد الله العزرمي ( قلت ) هو ضعيف وحديث أم إسحق رواه أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا بشار بن عبد الملك قال حدثتني أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحق

(11/17)


أنها كانت عند رسول الله فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه ومعه ذو اليدين فناولها رسول الله عرقا فقال ذو اليدين يا أم إسحق أصيبي من هذا فذكرت أني كنت صائمة فبردت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها فقال النبي ما لك قالت كنت صائمة فنسيت فقال ذو اليدين الآن بعدما شبعت فقال النبي أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك وبشار بن عبد الملك المزني ضعفه يحيى بن معين وأم حكيم اسمها خولة قوله إذا نسي أي الصائم قوله فأكل وشرب ويروى أو شرب قوله فليتم صومه وفي رواية الترمذي فلا يفطر قال شيخنا يجوز أن يكون لا في جواب الشرط للنهي ويفطر مجزوما ويجوز أن تكون لا نافية ويفطر مرفوعا وهو أولى فإنه لم يرد به النهي عن الإفطار وإنما المراد أنه لم يحصل إفطار الناسي بالأكل ويكون تقديره من أكل أو شرب ناسيا لم يفطر قوله فإنما تعليل لكون الناسي لا يفطر ووجه ذلك أن الرزق لما كان من الله ليس فيه للعبد تحيل فلا ينسب إليه شبه الأكل ناسيا به لأنه لا صنع للعبد فيه وإلا فالأكل متعمدا حيث جاز له الفطر رزق من الله تعالى بإجماع العلماء وكذلك هو رزق وإن لم يجز له الفطر على مذهب أهل السنة وقد يستدل بمفهوم هذا الحديث من يقول بأن الحرام لا يسمى رزقا وهو مذهب المعتزلة والمسألة مقررة في الأصول ( فإن قلت ) كيف وجه الاستدلال بهذا الحديث على أن الأكل والشرب ناسيا لا يوجب شيئا ولا ينقض صومه ( قلت ) قوله فليتم أمر بالإتمام وسمى الذي يتمه صوما والحمل على الحقيقة الشرعية هو الوجه ثم لا فرق عندنا وعند الشافعي بين القليل والكثير وقال الرافعي فيه وجهان كالوجهين في بطلان الصلاة بالكلام الكثير وحمل بعض الشافعية الحديث على صوم التطوع حكاه ابن التين عن ابن شعبان وكذا قال ابن القصار لأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان فيحمل على التطوع وقال المهلب وغيره لم لم يذكر في الحديث إثبات القضاء فيحمل على سقوط الكفارة عنه وإثبات عذره ورفع الإثم عنه وبقاء نيته التي بيتها والجواب عن ذلك كله بما رواه ابن حبان من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة المذكور آنفا فإن فيه تعيين رمضان ونفي القضاء والكفارة ( فإن قلت ) قال الدارقطني تفرد به محمد بن مرزوق عن محمد بن عبد الله الأنصاري ( قلت ) أخرجه ابن خزيمة أيضا عن إبراهيم بن محمد الباهلي وأخرجه الحاكم من طريق أبي حازم الرازي كلاهما عن الأنصاري -
72 -
( باب السواك الرطب واليابس للصائم )
أي هذا باب في بيان حكم استعمال السواك الرطب وبيان حكم استعمال السواك اليابس قوله الرطب واليابس صفتان للسواك وهكذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين وقع باب سواك الرطب واليابس من قبيل قولهم مسجد الجامع والأصل فيه أن الصفة لا يضاف إليها موصوفها فإن وجد ذلك يقدر موصوف كما في هذه الصورة والتقدير مسجد المكان الجامع وكذلك قولهم صلاة الأولى أي صلاة الساعة الأولى وكذلك التقدير في سواك الرطب سواك الشجر الرطب قلت مذهب الكوفيين في هذا أن الصفة يذهب بها مذهب الجنس ثم يضاف الموصوف إليها كما يضاف بعض الجنس إليه نحو خاتم حديد فعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير محذوف وقال بعضهم وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب كالمالكية والشعبي قلت لم يكن مراده أصلا من وضع هذه الترجمة ما قاله هذا القائل وإنما لما أورد في هذا الباب الأحاديث التي ذكرها فيه التي دلت بعمومها على جواز الاستياك للصائم مطلقا سواء كان سواكا رطبا أو سواكا يابسا ترجم لذلك بقوله باب السواك الرطب إلى آخره
ويذكر عن عامر بن ربيعة قال رأيت النبي يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد
مطابقته للترجمة من حديث دلالة عموم قوله يستاك على جواز الاستياك مطلقا سواء كان الاستياك بالسواك الرطب أو اليابس وسواء كان صائما فرضا أو تطوعا وسواء كان في أول النهار أو في آخره وقد ذكر البخاري في باب اغتسال الصائم ويذكر عن النبي أنه استاك وهو صائم وذكر هنا ويذكر عن عامر بن ربيعة إلى آخره وذكرنا

(11/18)


هناك أن حديث عامر بن ربيعة هذا أخرجه أبو داود والترمذي موصولا وإنما ذكر في الموضعين بصيغة التمريض لأن في سنده عاصم بن عبيد الله قال البخاري منكر الحديث وقد استوفينا الكلام فيه هناك فليرجع إليه من يريد الوقوف عليه
وقال أبو هريرة عن النبي لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء
مطابقته للترجمة من حيث إن قوله بالسواك أعم من السواك الرطب والسواك اليابس ومضمون الحديث يقتضي إباحته في كل وقت وفي كل حال ووصل هذا التعليق النسائي عن سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وفي ( الموطأ ) عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء قال أبو عمر هذا يدخل في المسند عندهم لاتصاله من غير ما وجه وبهذا اللفظ رواه أكثر الرواة عن مالك ورواه بشر بن عمر وروح بن عبادة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة أن رسول الله قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء وأخرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) من حديث روح ورواه الدارقطني في ( غرائب مالك ) من حديث إسماعيل بن أبي أويس وعبد الرحمن بن مهدي ومطرف بن عبد الرحمن وابن عتمة بما يقتضي أن لفظهم مع كل وضوء ورواه الحاكم في ( مستدركه مصححا بلفظ لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء ورواه المثنى عنه مع كل طهارة ورواه أبو معشر عنه لولا أن أشق على الناس لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع الوضوء بسواك والله أعلم
ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي
أي يروى نحو حديث أبي هريرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعن زيد بن خالد الجهني أبو عبد الرحمن من مشاهير الصحابة وهذان التعليقان رواهما أبو نعيم الحافظ فالأول من حديث إسحاق بن محمد الفروي عن عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الله بن عقيل عنه بلفظ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة والثاني من حديث ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة عن زيد ولفظه لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة وإنما ذكره بصيغة التمريض لأجل محمد بن إسحاق فإنه لم يحتج به ولكن ذكره في ( المتابعات ) وأما الأول فضعفه ظاهر بابن عقيل الفروي فإنه مختلف فيه وروى ابن عدي حديث جابر من وجه آخر بلفظ لجعلت السواك عليهم عزيمة وإسناده ضعيف فإن قلت هل فرق بين قوله نحوه وبين قوله مثله قلت إذا كان الحديثان على لفظ واحد يقال مثله وإذا كان الثاني على مثل معاني الأول يقال نحوه
واختلف أهل الحديث فيما إذا روى الراوي حديثا بسنده ثم ذكر سندا آخر ولم يسق لفظ متنه وإنما قال بعده مثله أو نحوه فهل يسوغ للراوي عنه أن يروي لفظ الحديث المذكور أولا لإسناد الثاني أم لا على ثلاثة مذاهب أظهرها أنه لا يجوز مطلقا وهو قول شعبة ورجحه ابن الصلاح وابن دقيق العيد والثاني أنه إن عرف الراوي بالتحفظ والتمييز للألفاظ جاز وإلا فلا وهو قول الثوري وابن معين والثالث وهو اختيار الحاكم التفرقة بين قوله مثله وبين قوله نحوه فإن قال مثله جاز بالشرط المذكور وإن قال نحوه لم يجز وهو قول يحيى بن معين وقال الخطيب هذا الذي قاله ابن معين بناء على منع الرواية بالمعنى فأما على جوازها فلا فرق
ولم يخص الصائم من غيره
هذا من كلام البخاري أي لم يخص النبي فيما رواه عنه من الصحابة أبو هريرة وجابر وزيد بن خالد المذكور الآن الصائم من غير الصائم ولا السواك اليابس من غيره فيدخل في عموم الإباحة كل جنس من السواك رطبا إو يابسا ولو افترق الحكم فيه بين الرطب واليابس في ذلك لبينه لأن الله عز و جل فرض عليه البيان لأمته

(11/19)


وقالت عائشة عن النبي السواك مطهرة للفم مرضاة للرب
وقع هذا في بعض النسخ مقدما فوق حديث أبي هريرة وليس هذا وحده بل وقع في غير رواية أبي ذر في سياق الآثار والأحاديث في هذا الباب تقديم وتأخير وليس يبني عليه عظيم أمر وأما التعليق عن عائشة فوصله أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه عنها
قوله مطهرة بفتح الميم إما مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل من التطهير وإما بمعنى الآلة وفي ( الصحاح ) المطهرة والمطهرة يعني بفتح الميم وكسرهما الإداوة والفتح أعلى والجمع المطاهر ويقال السواك مطهرة للفم قوله مرضاة للرب المرضاة بالفتح مصدر ميمي بمعنى الرضى ويجوز أن يكون بمعنى المفعول أي مرضى الرب وقال الطيبي يمكن أن يقال إنها مثل الولد المبخلة مجينة أي السواك مظنة للطهارة والرضى أي يحمل السواك الرجل على الطهارة ورضى الرب وعطف مرضاة يحتمل الترتيب بأن تكون الطهارة به علة للرضى وأن يكونا مستقلين في العلية قلت يؤخذ الجواب من هذا السؤال من يسأل كيف يكون السواك سببا لرضى الله تعالى ويمكن أن يقال أيضا من حيث إن الإتيان بالمندوب موجب للثواب ومن جهة أنه مقدمة للصلاة وهي مناجاة الرب ولا شك أن طيب الرائحة يقتضي رضى صاحب المناجاة
وقال عطاء وقتادة يبتلع ريقه
أي قال عطاء بن أبي رباح وقتادة بن دعامة يبتلع الصائم ريقه يعني ليس عليه شيء إذا بلع ريقه وقد ذكرنا عن قريب عن أصحابنا أن الصائم إذا جمع ريقه في فمه ثم ابتلعه لم يفطر ولكنه يكره قوله يبتلع من باب الافتعال كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي يبلع من البلع وفي رواية الحموي يتبلع من باب التفعل الذي يدل على التكلف وتعليق عطاء وصله سعيد بن منصور عن ابن المارك عن ابن جريج قلت لعطاء الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم قال لا يضره وما بقي في فيه وكذلك أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج ووقع في أصل البخاري وما بقي فيه وقال ابن بطال ظاهرة إباحة الازدراد لما بقي في الفم من ماء المضمضة وليس كذلك لأن عبد الرزاق رواه بلفظ وماذا بقي في فيه فكأن ذا سقطت من رواة البخاري وأثر قتادة وصله عبد بن حميد في التفسير عن عبد الرزاق عن معمر عنه نحو ما روى عن عطاء
41 - ( حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا معمر قال حدثني الزهري عن عطاء بن يزيد عن حمران قال رأيت عثمان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثا ثم تمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم غسل يده اليسرى إلى المرفق ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ثم اليسرى ثلاثا ثم قال رأيت رسول الله توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال من توضأ نحو وضوئي هذا ثم يصلي ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء إلا غفر له ما تقدم من ذنبه )
قد مر هذا الحديث في كتاب الوضوء في باب الوضوء ثلاثا ثلاثا فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب إلى آخره وأخرجه هنا عن عبدان وهو عبد الله بن عثمان المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن معمر بن راشد الأزدي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري إلى آخره ومناسبة ذكره هذا الحديث في هذا الباب في قوله توضأ فإن معناه توضأ وضوءا كاملا جامعا للسنن ومن جملته السواك وقال ابن بطال حديث عثمان حجة واضحة في إباحة كل جنس من السواك رطبا كان أو يابسا وهو انتزاع ابن سيرين منه حين قال لا بأس بالسواك الرطب

(11/20)


فقيل له طعم فقال والماء له طعم وهذا لا انفكاك منه لأن الماء أرق من ريق السواك وقد أباح الله تعالى المضمضة بالماء في الوضوء للصائم قوله بشيء أي بما لا يتعلق بالصلاة قوله إلا غفر له ويروى بدون كلمة الاستثناء ووجه الاستثناء هو الاستفهام الإنكاري المفيد للنفي ويحتمل أن يقال المراد لا يحدث نفسه بشيء من الأشياء في شأن الركعتين إلا بأنه قد غفر له وبقية الكلام مرت هناك -
82 -
( باب قول النبي إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء )
أي هذا باب فيما جاء من قول النبي إذا توضأ إلى آخره وهذه القطعة من حديث لم يوصلها البخاري وأوصلها مسلم وقال حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق عن همام قال حدثنا معمر عن قتادة عن همام بن منبه قال حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله فذكر أحاديث منها وقال رسول الله إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم ليستنثر وفي لفظ له من رواية الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي قال إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا وإذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر قوله إذا توضأ أي أحدكم كما في رواية مسلم قوله بمنخره المنخر ثقب الأنف وقد تكسر الميم اتباعا للخاء
ولم يميز بين الصائم وغيره
هذا من كلام البخاري أي لم يميز النبي في الحديث المذكور بين الصائم وغيره بل ذكره على العموم ولو كان بينهما فرق لميزه النبي لكن جاء تمييز الصائم من غيره في المبالغة في ذلك كما ورد في حديث عاصم بن لقيط بن صبره عن أبيه أن النبي قال له بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما رواه أصحاب ( السنن ) وصححه ابن خزيمة وغيره
وقال الحسن لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل إلى حلقه ويكتحل
هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن هشام عنه نحوه والسعود بفتح السين وقد يروى بضمها هو الدواء الذي يصب في الأنف قوله إن لم يصل أي السعوط إلى حلقه وقيد به لأنه إذا وصل إلى حلقه يضر صومه ويقضي يوما قوله ويكتحل من كلام الحسن أي يكتحل الصائم يعني يجوز للصائم الاكتحال وقد مر الكلام فيه عن قريب مستقصى
وقال عطاء إن تمضمض ثم أفرغ ما فيه من الماء لا يضيره إن لم يزدرد ريقه وماذا بقي في فيه
هذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن ابن المبارك عن ابن جريج عنه وقد مضى الكلام فيه عن قريب عند قوله وقال عطاء قتادة يبتلع ريقه قوله لا يضيره من ضاره يضيره ضيرا بمعنى ضره وهو رواية المستملي وفي رواية غيره لا يضره من ضره بالتشديد قوله إن لم يزدرد أي لم يبلع ريقه قوله وماذا بقي في فيه أي في فمه وهذه الجملة وقعت حالا وقد ذكرنا أن في رواية البخاري وما بقي في فيه فكلمة ما على رواية البخاري موصولة وعلى رواية ماذا بقي في فيه استفهامية كأنه قال وأي شيء يبقى في فيه بعد أن يمج الماء إلا أثر الماء فإذا بلع ريقه لا يضره وفي نسخة صاحب ( التلويح ) بخطه لا يضيره لأنه لم يزدرد ريقه أي يبلع ريقه
ولا يمضغ العلك فان ازدرد ريق العلك لا أقول إنه يفطر ولاكن ينهى عنه فإن استنثر فدخل الماء حلقه لا بأس لأنه لم يملك
لا يمضغ العلك بكلمة لا رواية الأكثرين وفي رواية المستملي ويمضغ العلك بدون كلمة لا والأول أولى وكذلك أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء يمضغ الصائم العلك قال لا قلت إنه يمج ريق العلك ولا يزدرده ولا يمصه قال نعم وقلت له أيتسوك الصائم قال نعم قلت أيزدرد ريقه قال لا قلت ففعل أيضره قال لا ولكن ينهى عن ذلك والعلك بكسر

(11/21)


العين المهملة وسكون اللام هو الذي يمضغ مثل المصطكى وقال الشافعي يكره لأنه يجفف الفم ويعطش ون وصل منه شيء إلى الجوف بطل الصوم وكرهه أيضا إبراهيم والشعبي وفي رواية جابر عنه لا بأس به للصائم ما لم يبلع ريقه وروى ابن أبي شيبة عن أبي خالد عن ابن جريج عن عطاء إنه سئل عن مضغ العلك فكرهه وقال هو مؤداه وقال ابن المنذر رخص مضغ العلك أكثر العلماء إن كان لا يتحلب منه شيء فإن تحلب فازدرده فالجمهور على أنه يفطر قوله فان استنثر أصله من نثر ينثر بالكسر إذا امتخط واستنثر استفعل منه أي استنشق الماء ثم استخرج ما في أنفقه فينثره وقيل الاستنثار تحريك النثرة وهي طرف الأنف قوله لم يملك أي لم يملك منع دخول الماء في حلقه
92 -
( باب إذا جامع في رمضان )
أي هذا باب يذكر فيه إذا جامع الصائم في نهار رمضان عامدا وجبت عليه الكفارة وجواب إذا محذوف كما قدرناه
ويذكر عن أبي هريرة رفعه من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه
أشار بقوله يذكر على صيغة المجهول التي هي صيغة التمريض إلى أن حديث أبي هريرة هذا ليس على شرطه ونبينه الآن قوله رفعه أي رفع أبو هريرة حديث من أفطر يوما ومراده أنه ليس بموقوف عليه بل هو مرفوع إلى رسول الله فإن قلت كيف يرجع الضمير المنصوب في رفعه إلى شيء متأخر عنه قلت رفعه جملة حالية متأخرة رتبة عن مفعول ما لم يسم فاعله لقوله يذكر وهو قوله من أفطر قال الكرماني وفي بعض الرواية رفعه بلفظ الإسم مرفوعا بأنه مفعول يذكر وحينئذ يكون الحديث يعني قوله من أفطر يوما بدلا عن الضمير يعني الضمير الذي أضيف إليه لفظ الرفع كما في قوله ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء رسول الله فإن السمع بدل عن الضمير جوز النحاة مثله قوله وإن صامه أي وإن صام الدهر وهو معطوف على مقدر تقديره إن لم يصمه وإن صامه
ثم هذا التعليق رواه أصحاب السنن الأربعة فقال أبو داود حدثنا سليمان بن حرب حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن ابن مطوس عن أبيه قال ابن كثير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما في رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر وقال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثنا حبيب عن عمارة عن ابن المطوس قال فلقيت ابن المطوس فحدثني عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله فذكر مثل حديث ابن كثير وسليمان قال أبو داود اختلف على سفيان وشعبة عنهما ابن المطوس وأبو المطوس وقال الترمذي حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت حدثنا أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صوم الدهر كله وإن صامه وقال النسائي أخبرنا عمرو بن منصور قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي المطوس عن أبي هريرة عن النبي قال من أفطر يوما من رمضان من غير مرض ولا رخصة لم يقضه صيام الدهر كله وإن صامه وقال أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان ثم ذكر كلمة معناها عن حبيب قال حدثنا أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه ثم رواه النسائي من طرق كثيرة وقال ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن المطوس عن أبيه المطوس عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر

(11/22)


ذكر بيان حال هذا الحديث قال أبو داود اختلف على سفيان وشعبة بن المطوس وأبو المطوس قال الترمذي حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال شيخنا يريد الحديث المرفوع ومع هذا فقد روي مرفوعا من غير طريق أبي المطوس رواه الدارقطني قال حدثنا الحسن بن أحمد بن سعيد الرهاوي حدثنا العباس بن عبيد الله حدثنا عمار بن مطر حدثنا قيس عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله ابن مالك عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان من غير مرض ولا رخصة لم يقض عنه صيام وإن صام الدهر كله قلت عمار بن مطر هالك قال أبو حاتم كان يكذب وقال ابن عدي أحاديثه بواطيل وقال الدارقطني ضعيف وقد روي موقوفا على أبي هريرة من غير طريق أبي المطوس ورواه النسائي عن زكريا بن يحيى عن عمرو بن محمد بن الحسن عن أبيه عن شريك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال من أفطر يوما من رمضان لم يقضه يوم من أيام الدنيا ورواه أيضا عن هلال ابن العلاء عن أبيه عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن حبيب بن أبي ثابت عن علي بن حسين عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأتى أبا هريرة فقال لا يقبل منك صوم سنة وقال الترمذي سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس لا أعرف له غير هذا الحديث وقال البخاري في ( التاريخ ) تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا قلت أبو المطوس بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الواو المفتوحة وآخره سين مهملة من أفراد الكنى وكذلك أبوه المطوس من أفراد الأسماء وقد اختلف في اسم أبي المطوس فقال البخاري وأبو حاتم الرازي وابن حبان اسمه يزيد وقال يحيى بن معين اسمه عبد الله وأبو داود قال لا يسمى وقد اختلف فيه فقال ابن معين ثقة وقال ابن حبان يروي عن أبيه ما لا يتابع عليه لا يجوز الاحتجاج بأفراده وقال صاحب ( الميزان ) ضعيف قال ولا يعرف هو ولا أبوه قلت ومع هذا صحح ابن خزيمة هذا الحديث ورواه من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة الحديث وقال مهنا سألت أحمد عن هذا الحديث فقال يقولون عن ابن المطوس وعن أبي المطوس وبعضهم يقول عن حبيب عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس قال لا أعرف المطوس ولا ابن المطوس قلت أتعرف الحديث من غير هذا الوجه قال لا وكذا قاله أبو علي الطوسي وقال ابن عبد البر يحمل أن يكون لو صح على التغليظ وهو حديث ضعيف لا يحتج به
ذكر ما روي عن غير أبي هريرة في هذا الباب فروي عن ابن عمر قال قال رسول الله من أفطر يوما من رمضان متعمدا في غير سبيل خرج من الحسنات كيوم ولدته أمه وأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) وفي سنده محمد بن الحارث قال ابن معين ليس هو بشيء وقال مرة ليس بثقة وعن الفلاس إنه متروك الحديث وفيه محمد بن عبد الرحمن ابن البيلماني قال ابن معين ليس بشيء وروي عن مصاد بن عقبة عن مقاتل بن حبان عن عمرو بن مرة عن عبد الوارث الأنصاري قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله من أفطر يوما من شهر رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يوما ومن أفطر يومين كان عليه أن يصوم ستين يوما ومن أفطر ثلاثة أيام كان عليه تسعين يوما أخرجه الدارقطني وقال لا يثبت هذا الإسناد ولا يصح عن عمرو بن مرة وأعله ابن القطان بعبد الوارث وعن ابن معين إنه مجهول وروي عن جابر رضي الله تعالى عنه أخرجه الدارقطني من رواية الحارث بن عبيدة الكلاعي عن مقاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن النبي قال من أفطر يوما من شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعا قال الدارقطني الحارث بن عبيدة ومقاتل ضعيفان
قوله من غير عذر ولا مرض من ذكر الخاص بعد العام لأن المرض داخل في العذر وفي رواية الترمذي من غير رخصة ولا مرض وهو أيضا من هذا القبيل لأن المرض داخل في الرخصة ثم إنه أطلق الإفطار فلا يخلو إما

(11/23)


أن يكون بجماع أو غيره ناسيا أو عامدا ولكن المراد منه الإفطار في الأكل أو الشرب عامدا وإما ناسيا فقد ذكره فيما مضى وأما بالجماع فسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى
وبه قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
أي وبما روي عن أبي هريرة قال ابن مسعود موقوفا عليه وقد وصله البيهقي راويا من طريقين أحدهما من رواية المغيرة بن عبد الله اليشكري قال حدثت أن عبد الله بن مسعود قال من أفطر يوما من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله عز و جل فإن شاء غفر له وإن شاء عذبه والمغيرة هذا من ثقات التابعين أخرج له مسلم وذكره ابن حبان في الثقات ولكنه منقطع فإنه قال حدثت عنه والطريق الثاني من رواية أبي أسامة عن عبد الملك قال حدثنا أبو المغيرة الثقفي عن عرفجة قال قال عبد الله بن مسعود من أفطر يوما من رمضان متعمدا من غير علة ثم قضى طول الدهر لم يقبل منه قال البيهقي عبد الملك هذا أظنه ابن حسين النخعي ليس بالقوي فإن قلت كيف قال وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة رفعه وابن مسعود وقفه فكيف يكون ابن مسعود قائلا بما قال أبو هريرة قلت لم يثبت رفعه عند البخاري فلذلك ذكره بصيغة التمريض وروى عن أبي هريرة بطرق موقوفا وقيل فيه ثلاث علل الإضطراب لأنه اختلف على حبيب بن أبي ثابت اختلافا كثير والجهالة بحال أبي المطوس والشك في سماع أبيه من أبي هريرة وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء
وقال سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم وقتادة وحماد يقضي يوما مكانه
أي قال هؤلاء فيمن أفطر في نهار رمضان عامدا أن عليه القضاء فقط بغير كفارة وقال ابن بطال نظرت أقوال التابعين الذين ذكرهم البخاري في هذا الباب في المصنفات فلم أر قولهم بسقوط الكفارة إلا في الفطر بالأكل لا المجامعة فيحتمل أن يكون عندهم الأكل والجماع سواء في سقوط الكفارة إذ كل ما أفسد الصيام من أكل أو شرب أو جماع فاسم الفطر يقع عليه وفاعله مفطر بذلك من صيامه وقد قال يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي فدخل أعظم الشهوات وهي شهوة الجماع في ذلك انتهى قلت حكي عن الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير والزهري وابن سيرين أنه لا كفارة على الواطىء في نهار رمضان واعتبروه بقضائه قال الزهري هو خاص بذلك الرجل يعني في رواية أبي هريرة جاء رجل إلى النبي فقال هلكت الحديث على ما يأتي وقال الخطابي لم يحضر عليه برهان وقال قوم هو منسوخ ولم يقم دليل نسخه وعند الجمهور يجب عليه القضاء والكفارة لحديث أبي هريرة على ما نبينه إن شاء الله تعالى والذين ذكرهم البخاري ستة من التابعين الأول سعيد بن المسيب فوصل أثره مسدد وغيره في قصة المجامع قال يقضي يوما مكانه ويستغفر الله تعالى الثاني عامر بن شراحيل الشعبي فوصل أثره ابن أبي شيبة حدثنا شريك عن مغيرة عن إبراهيم وعن أبي خالد عن الشعبي قالا يقضي يوما مكانه الثالث سعيد بن جبير فوصل أثره ابن أبي شيبة أيضا حدثنا عبدة عن سعيد عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير في رجل أفطر يوما متعمدا قال يستغفر الله من ذلك ويتوب ويقضي يوما مكانه الرابع إبراهيم النخعي فوصل أثره ابن أبي شيبة وقد مر الآن مع الشعبي الخامس قتادة فوصل أثر عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قصة المجامع في رمضان السادس حماد بن أبي سليمان أحد من أخذ عنه الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه فوصله عبد الرزاق عن أبي حنيفة عنه
5391 - حدثنا ( عبد الله بن منير ) قال سمع ( يزيد بن هرون ) قال حدثنا ( يحيى ) هو ( ابن سعيد ) أن عبد الرحمان بن القاسم أخبره عن محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام بن خويلد عن عباد ابن عبد الله بن الزبير قال أخبره أنه سمع عائشة رضي الله تعالى عنها تقول إن رجلا أتى النبي صلى الله

(11/24)


عليه وسلم فقال إنه احترق قال مالك قال أصبت أهلي في رمضان فأتي النبي بمكتل يدعى العرق فقال أين المحترق قال أنا قال تصدق بهذا ( الحديث 5391 - طرفه في 2286 )
مطابقته للترجمة في قوله أصبت أهلي في رمضان أراد أنه جامع في نهار رمضان
ذكر رجاله وهم سبعة الأول عبد الله بن منير بضم الميم وكسر النون الزاهد أبو عبد الرحمن الثاني يزيد من الزيادة ابن هارون أبو خالد الثالث يحيى بن سعيد الأنصاري الرابع ( عبد الرحمن بن القاسم ) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه الخامس محمد بن جعفر السادس عباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ابن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه السابع أم المؤمنين ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الأخبار بصيغة الإفراد في موضعين وفيه السماع في موضعين وفيه أن شيخه مروزي وأنه من أفراده وأن يزيد بن هارون واسطي والبقية مدنيون وفيه أربعة من التابعين في نسق واحد ويحيى وعبد الرحمن تابعيان صغيران من طبقة واحدة وفوقهما قليلا محمد بن جعفر وأما ابن عمه عباد فمن أوساط التابعين
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المحاربين وأخرجه مسلم في الصوم عن محمد بن رمح وعن محمد بن المثنى وعن أبي الطاهر وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان بن داود وعن محمد بن عوف وأخرجه النسائي فيه عن الحارث بن مسكين وعن عيسى بن حماد وعن إسحاق بن إبراهيم وعن يحيى بن حبيب
ذكر معناه قوله إن رجلا زعم ابن بشكوال أن هذا الرجل هو سلمة صخر البياضي فيما ذكره ابن أبي شيبة في ( مسنده ) وعند ابن الجارود سلمان بن صخر وفي ( جامع الترمذي ) سلمة بن صخر قال حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا هارون بن إسماعيل حدثنا علي بن المبارك حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة أن سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضي رمضان فلما مضى نصف رمضان وقع عليها ليلا فأتى رسول الله فذكر له ذلك فقال أعتق رقبة قال لا أجدها قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكينا قال لا فقال رسول الله لفروة بن عمرو أعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر أو ستة عشر صاعا وقال صاحب ( التلويح ) فهذا غير ما ذكره ابن بشكوال فينظر والله أعلم قلت لا شك أنه غير لأن ابن بشكوال استند إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق سلمان بن يسار عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته في رمضان وأنه وطأها فقال النبي حرر رقبة قلت لا أملك رقبة غيرها وضرب صفحة رقبته قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال فأطعم ستين مسكينا قال والذي بعثك بالحق ما لنا طعام قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك انتهى والظاهر أنهما واقعتان فإن في قصة المجامع في حديث الباب أنه كان صائما وفي قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلا كما في رواية الترمذي المذكورة آنفا فافترقا واجتماعهما في كونهما من بني بياضة وفي صفة الكفارة وكونها مرتبة وفي كون كل منهما كان لا يقدر على شيء من خصالها لا يستلزم اتحاد القصتين والله أعلم قوله إنه احترق وفي رواية أبي هريرة أنه عبر بقوله هلكت ورواية الاحتراق تفسر رواية الهلاك وكأنه لما اعتقد أن مرتكب الإثم يعذب بالنار أطلق على نفسه أنه احترق لذلك أو مراده أنه يحترق بالنار يوم القيامة فجعل المتوقع كالواقع واستعمل بدله لفظ الماضي أو شبه ما وقع فيه من الجماع في الصوم بالاحتراق وفي رواية البيهقي جاءه رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد وأهلكت وفي رواية وهو يدعو بالويل وفي رواية يلطم وجهه وفي رواية الحجاج بن أرطأة يدعو ويله وفي مرسل سعيد بن المسيب عند الدارقطني ويحثي على رأسه التراب قوله قال مالك أي قال رسول الله ما شأنك وما جرى عليك قوله أصبت أهلي في رمضان كناية عن وطئها وفي رواية الطحاوي وقعت على امرأتي في رمضان قوله فأتي النبي بضم الهمزة وكسر التاء على صيغة المجهول قوله بمكتل بكسر الميم الزنبيل الكبير قيل إنه يسع خمسة عشر صاعا كان فيه كتلا من التمر أي قطعا مجتمعة ويجمع على مكاتل وقال القاضي المكتل

(11/25)


والقفة والزبيل سواء وسمي الزبيل لحمل الزبل فيه قاله ابن دريد والزبيل بكسر الزاي ويقال بفتحها وكلاهما لغتان وفي ( المحكم ) الزبيل الجراب وقيل الوعاء يحمل فيه والزبيل القفة والجمع زبل وزبلان وفي ( الصحاح ) الزبيل معروف فإذا كسرته شددته فقلت زبيل لأنه ليس في كلام العرب فعليل بالفتح وجاء فيه لغة أخرى وهي زنبيل بكسر الزاي وسكون النون قال بعضهم وقد تدغم النون فتشدد الياء مع بقاء وزنه وجمعه على اللغات الثلاث زنابيل قلت ليس جمعه على اللغتين الأوليين إلا ما نقلنا عن ( المحكم ) وأما زنابيل فليس إلا جمع المشدد فقط قوله يدعى العرق ذكر أبو عمر أنه بفتح الراء وهو الصواب عند أهل اللغة قال و أكثرهم يروونه بسكون الراء وفي ( شرح الموطأ ) لابن حبيب رواه مطرف عن مالك بتحريك الراء وقال ابن التين في رواية أبي الحسن بسكون الراء ورواية أبي ذر بفتحها وأنكر بعض العلماء إسكان الراء وفي كتاب ( العين ) العرق مثال شجر والعرقات كل مضفور أو مصطف والعرق أيضا السقيفة من الخوص قبل أن يجعل منها زنبيلا وسمي الزنبيل عرقا لذلك ويقال العرقة أيضا وعن أبي عمر والعرق أكبر من المكتل والمكتل أكبر من القفة والعرقة زنبيل من قد بلغه كلب ذكره في ( الموعب ) وفي ( المحكم ) العرق واحدته عرقة قال أحمد بن عمران العرق المكتل العظيم قوله أين المحترق يدل على أنه كان عامدا لأنه اثبت له حكم العمد وأثبت له هذا الوصف إشارة إلى أنه لو أصر غير ذلك لاستحق ذلك قوله تصدق بهذا مطلق والمراد تصدق على ستين مسكينا هكذا رواه مختصرا ورواه مسلم وقال حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر قال أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي فقال احترقت قال رسول الله لم قال وطئت امرأتي في رمضان نهارا قال تصدق قال ما عندي شيء فأمره أن يجلس فجاءه عرقان فيهما طعام فأمره أن يتصدق بهما وفي رواية أخرى أتى رجل إلى رسول الله في المسجد في رمضان فقال يا رسول الله احترقت احترقت فسأله رسول الله ما شأنك فقال أصبت أهلي فقال تصدق فقال والله يا نبي الله ما لي شيء وما أقدر عليه قال إجلس فجلس فبينما هو كذلك أقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام فقال رسول الله أين المحترق آنفا فقام الرجل فقال رسول الله تصدق بهذا فقال يا رسول الله أغيرنا فوالله إنا لجياع ما لنا شيء قال كلوه وأخرجه أبو داود أيضا
ذكر ما يستفاد منه ومن الحديثين اللذين يأتيان بعده وغيرها من الأحاديث التي في هذا الباب وهو على أنواع النوع الأول أن قوما استدلوا بقوله تصدق بهذا على أن الذي يجب على من جامع في نهار رمضان عامدا الصدقة لا غير وقال صاحب ( التوضيح ) وذكر الطحاوي عن هؤلاء القوم هكذا ولم يبين من هم قلت هم عوف بن مالك الأشجعي ومالك في رواية وعبد الله بن رهم فإنهم قالوا في هذا تجب عليه الصدقة ولا تجب عليه الكفارة واحتجوا في ذلك بظاهر حديث المحترق وأجيب بأن حديث أبي هريرة الذي يأتي في الكتاب زاد فيه العتق والصيام والأخذ به أولى لأن أبا هريرة حفظ ذلك ولم تحفظه عائشة ويقال إنها لم تجب عليه في الحال لعجزه عن الكل وأخرت إلى زمن الميسرة وفي ( المبسوط ) وما أمره به كان تطوعا لأنها لم تكن واجبة عليه في الحال لعجزه ولهذا أجاز صرفها إلى نفسه وعياله وعن أبي جعفر الطبري أن قياس قول أبي حنيفة والثوري وأبي ثور إن الكفارة دين عليه لا تسقط عنه لعسرته وعليه أن يأتي بها إذا أيسر كسائر الكفارات وعند الشافعية فيه وجهان وذهب بعضهم إلى أن إباحة النبي لذلك الرجل أكل الكفارة لعسرته رخصة له ولهذا قال ابن شهاب ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير وقيل هو منسوخ وقيل هو خاص بذلك الرجل وقال بعض أصحابنا خص هذا الرجل بأحكام ثلاثة بجواز الإطعام مع القدرة على الصيام وصرفه على نفسه والاكتفاء بخمسة عشر صاعا
النوع الثاني لو أنهم اختلفوا في كمية هذه الصدقة فقال الشافعي ومالك إن الواجب فيها مد وهو ربع صاع لكل مسكين وهو خمسة عشر صاعا لما روى أبو داود من رواية هشام بن سعد عن الزهري عن أبي هريرة وفيه فأتي بعرق

(11/26)


قدر خمسة عشر صاعا وروى الدارقطني من رواية سفيان عن منصور عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة وفيه فأتي رسول الله بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر ورواه البيهقي أيضا ثم قال وكذلك رواه إبراهيم بن طهمان عن منصور بن المعتمر قال فيه بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر ورواه الدارقطني أيضا من رواية روح عن محمد ابن أبي حفصة عن الزهري عن حميد قال وفيه بزبيل وهو المكتل فيه خمسة عشر صاعا أحسبه تمرا قال وكذلك قال هقل بن زياد والوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري وقال الخطابي وظاهره يدل على أن قدر خمسة عشر صاعا يكفي للكفارة عن شخص واحد لكل مسكين مد قال وقد جعله الشافعي أصلا لمذهبه في أكثر المواضع التي يجب فيها الإطعام وعندنا الواجب لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر كما في كفارة الظهار لما روى الدارقطني عن ابن عباس يطعم كل يوم مسكينا نصف صاع من بر وعن عائشة في هذه القصة أتي بعرق فيه عشرون صاعا ذكره السفاقسي في ( شرح البخاري ) ويروى ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين وفي ( صحيح مسلم فأمره أن يجلس فجاء عرقان فيهما طعام فأمره أن يتصدق به فإذا كان العرق خمسة عشر صاعا فالعرقان ثلاثون صاعا على ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع وقال بعضهم ووقع في بعض طرق عائشة عند مسلم فجاءه عرقان والمشهور في غيرها عرق ورجحه البيهقي وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة وقال الذي يظهر أن التمر كان قدر عرق لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال ومن قال عرق أراد ما آل إليه قلت كون المشهور في غير طرق عائشة عرقا لا يستلزم رد ما روي في بعض طرق عائشة أنه عرقان ومن أين ترجيح رواية غير مسلم على رواية مسلم فهذا مجرد دعوى لتمشية مذهبه وقول من يدعي تعدد الواقعة غير صحيح لأن مخرج الحديث واحد والأصل عدم التعدد وقول هذا القائل والذي يظهر إلى آخره ساقط جدا وتأويل فاسد فمن أين هذا الظهور الذي يذكره بغير أصل ولا دليل من نفس الكلام ولا قرينة من الخارج وإنما هو من آثار أريحية التعصب نصرة لما ذهب إليه والحق أحق أن يتبع والله ولي العصمة
النوع الثالث احتج به الشافعي وداود وأهل الظاهر على أنه لا يلزم في الجماع على الرجل والمرأة إلا كفارة واحدة إذ لم يذكر له النبي حكم المرأة وهو موضع البيان وقال أبو حنيفة ومالك وأبو ثور تجب الكفارة على المرأة أيضا إن طاوعته وقال القاضي وسوى الأوزاعي بين المكرهة والطائعة على مذهبه وقال مالك في المشهور من مذهبه في المكرهة يكفر عنها بغير الصوم وقال سحنون لا شيء عليها ولا عليه لها وبهذا قال أبو ثور وابن المنذر ولم يختلف مذهبنا في قضاء المركهة والنائمة إلا ما ذكره ابن القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك أنه لا غسل على الموطوءة نائمة ولا مكرهة إلا أن تلتذ قال ابن قصار فتبين من هذا أنها غير مفطرة وقال القاضي وظاهرة أنه لا قضاء على المكرهة إلا أن تلتذ ولا على النائمة لأنها كالمحتلمة وهو قول أبي ثور في النائمة والمكرهة
واختلف في وجوب الكفارة على المكره على الوطىء لغيره على هذا وحكى ابن القصار عن أبي حنيفة لا يلزم المكره عن نفسه ولا على من أكرهه وقال صاحب ( البدائع ) وأما على المرأة فتجب عليها أيضا الكفارة إذا كانت مطاوعة وللشافعي قولان في قول لا يجب عليها أصلا وفي قول يجب عليها ويتحملها الزوج وأما الجواب عن قولهم إن النبي لم يذكر حكم المرأة وهو موضع البيان أن المرأة لعلها كانت مكرهة أو ناسية لصومها أو من يباح لها الفطر ذلك اليوم لعذر المرض أو السفر أو الصغر أو الجنون أو الكفر أو الحيض أو طهارتها من حيضها في أثناء النهار
النوع الرابع في أن الواجب إطعام ستين مسكينا خلافا لما روي عن الحسن أنه رأى أن يطعم أربعين مسكينا عشرين صاعا حكاه ابن التين عنه وحكوا عن أبي حنيفة أنه قال يجزيه أن يدفع طعام ستين مسكينا إلى مسكين واحد قالوا والحديث حجة عليه قلت الذي حكى مذهب أبي حنيفة لم يعرف مذهبه فيه وحكي من غير معرفة ومذهبه أنه إذا دفع إلى مسكين واحد في شهرين يجوز فلا يكون الحديث حجة عليه لأن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة تتجدد بتجدد الأيام فكان في اليوم الثاني كمسكين آخر حتى لو أعطى مسكينا واحدا كله في يوم واحد لا يصح إلا عن يومه ذلك لأن الواجب

(11/27)


عليه التفريق ولم يوجد ثم الشرط في الإطعام غداآن إن وعشاآن أو غداء وعشاء في يوم واحد
النوع الخامس في أن الترتيب في الكفارة واجب فتحرير رقبة أولا فإن لم يوجد فصيام شهرين وإن لم يستطع الصوم فإطعام ستين مسكينا بدليل عطف بعض الجمل على البعض بالفاء المرتبة المعقبة كما سيأتي إن شاء الله تعالى وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن حبيب من المالكية وذهب مالك وأصحابه إلى التخيير لقوله في حديث أبي هريرة صم شهرين أو أطعم فخيره بأو التي موضوعها التخيير وعن ابن القاسم لا يعرف مالك غير الإطعام وذكر مقلدوه حججا لذلك كثيرة لا تقاوم ما دل عليه الحديث من وجوب الترتيب واستحبابه وزعم بعضهم أن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات قال ابن التين وإليه ذهب المتأخرون من أصحابنا فوقت المجاعة الإطعام أولى وإن كان خصبا فالعتق أولى وأمر بعض المفتين أهل الغنى الواسع بالصوم لمشقته عليه وعن أبي ليلى هو مخير في العتق والصيام فإن لم يقدر عليهما أطعم وإليه ذهب ابن جرير قالا ولا سبيل إلى الإطعام إلا عند العجز عن العتق أو الصيام وقال ابن قدامة المشهور من مذهب مالك أحمد أن كفارة الوطء في رمضان ككفارة الظهار في الترتيب العتق إن أمكن فإن عجز انتقل إلى الصيام فإن عجز انتقل إلى الإطعام وهو قول جمهور العلماء وعن أحمد رواية أخرى أنها على التخيير بين العتق والصيام والإطعام وبأيها كفر أجزأه وهو رواية عن مالك فإن عجز عن هذه الأشياء سقطت الكفارة عنه في إحدى الروايتين عن أحمد لأن النبي لما رأى عجز الأعرابي عنها قال أطعمه أهلك ولم يأمره بكفارة أخرى وهو قول الأوزاعي وعن الزهري لا بد من التكفير وقد مر الكلام فيه في أول الأنواع
النوع السادس في أن إطلاق الرقبة في الحديث يدل على جواز المسلمة والكافرة والذكر والأنثى والصغير والكبير وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وجعلوا هذا كالظهار مستدلين بما رواه الدارقطني من حديث إسماعيل بن سالم عن مجاهد عن أبي هريرة أن النبي أمر الذي أفطر في رمضان يوما بكفارة الظهار وإطلاق الحديث أيضا يقتضي جواز الرقبة المعيبة وهو مذهب داود ومالك وأحمد والشافعي شرطوا الإيمان في إجزاء الرقبة بدليل تقييدها في كفارة القتل وهي مسألة حمل المطلق على المقيد وقال عطاء إن لم يجد رقبه أهدى بدنة فإن لم يجد فبقرة وقال ابن العربي ونحوه عن الحسن
النوع السابع في أن التتابع في صوم الشهرين شرط بالنص بشرط أن لا يكون فيهما رمضان وأيام منهية وهي يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق وهو قول كافة العلماء إلا ابن أبي ليلى فإنه قال لا يجب التتابع في الصيام والحديث حجة عليه
النوع الثامن اختلف الفقهاء في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري وأبو ثور وأحمد وإسحاق عليه قضاؤه وقال الأوزاعي إن كفر بالعتق والإطعام صام يوما مكان ذلك اليوم الذي أفطر وإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء ذلك اليوم وقال قوم ليس في الكفارة صيام ذلك اليوم قال أبو عمر لأنه لم يرد في حديث عائشة ولا في حديث أبي هريرة في نقل الحفاظ للأخبار التي لا علة فيها ذكر القضاء وإنما فيها الكفارة قلت جاء في خبر أبي هريرة وغيره القضاء وروى ابن ماجه عن حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله بذلك أي بالحديث الذي فيه هلكت وقد تقدم قبله ثم قال ويصوم يوما ما مكانه
النوع التاسع أجمعوا على أن من وطىء في رمضان في يوم آخر أن عليه كفارة أخرى وأجمعوا أنه ليس على من وطىء مرارا في يوم واحد إلا كفارة واحدة فإن وطىء في يوم من رمضان ولم يكفر حتى وطىء في يوم آخر فذهب مالك والشافعي وأحمد أن عليه لكل يوم كفارة كفر أم لا وقال أبو حنيفة عليه كفارة واحدة إذا وطىء قبل أن يكفر وقال الثوري أحب إلي أن يكفر عن كل يوم وأرجو أن يجزيه كفارة واحدة ما لم يكفر
النوع العاشر في حديث الباب دلالة على التمليك الضمني من قوله تصدق بهذا قال صاحب المفهم يلزم منه أن يكون قد ملكه إياه ليتصدق به عن كفارته قال ويكون هذا كقول القائل أعتقت عبدي عن فلان فإنه يتضمن سبقية الملك عند قوم قال وأباه أصحابنا مع الاتفاق على أن الولاء للمعتق فيه وأن الكفارة تسقط بذلك

(11/28)


3 -
( باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر )
أي هذا باب يذكر فيه إذا جامع الصائم في نهار رمضان عامدا والحال أنه لم يكن له شيء يعتق به ولا شيء يطعم به ولا له قدرة يستطيع الصيام بها ثم تصدق عليه بقدر ما يجزيه فليكفر به لأنه صار واجدا به وفيه إشارة إلى أن الإعسار لا يسقط الكفارة عن ذمته
6391 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني حميد بن عبد الرحمان أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال بينما نحن جلوس عند النبي إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال مالك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله هل تجد رقبة تعتقها قال لا فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا فقال فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا قال فمكث النبي فبينا نحن على ذلك أتي النبي بعرق فيه تمر والعرق المكتل قال أين السائل فقال أنا قال خذها فتصدق به فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي حتى بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله وقعت على امرأتي وأنا صائم عبارة عن الجماع
ذكر رجاله وهم خمسة كلهم قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب و ( حميد بن عبد الرحمن ) بن عوف الزهري المدني
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في موضعين وفيه أن الراوي عن الزهري هو شعيب والزهري هو الراوي عن حميد وروى ما ينيف على أربعين نفسا عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة وهم ابن عيينة والليث ومعمر ومنصور عند الشيخين والأوزاعي وشعيب وإبراهيم بن سعد عند البخاري ومالك وابن جريج عند مسلم ويحيى بن سعيد وعراك بن مالك عند النسائي وعبد الجبار بن عمر عند أبي عوانة والجوزقي وعبد الرحمن بن مسافر عند الطحاوي وعقيل عند ابن خزيمة وابن أبي حفصة عند أحمد ويونس وحجاج بن أرطأة وصالح بن أبي الأخضر عند الدارقطني ومحمد بن إسحاق عند البزار والنعمان بن راشد عند الطحاوي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وعبد الرحمن بن نمر وأبو وأويس وعبد الجبار بن عمر الأيلي وعبيد الله بن عمر وإسماعيل بن أمية ومحمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة وعبد الله بن عيسى وإسحاق بن يحيى العوصي وهبار بن عقيل وثابت بن ثوبان وقرة بن عبد الرحمن وزمعة بن صالح وفخر السقاء والوليد بن محمد وشعيب بن خالد ونوح بن أبي مريم وعبد الله بن أبي بكر وفليح بن سليمان وعمرو بن عثمان المخزومي ويزيد بن عياض وشبل بن عباد وقد رواه هشام بن سعد عن الزهري فخالف الجماعة في إسناده فرواه عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة وزاد فيه وصم يوما مكانه رواه أبو داود وسكت عليه وقال أبو عوانة الاسفرائني غلط فيه هشام بن سعد وقد رواه أيضا عبد الجبار ابن عمر الأيلي بإسناد آخر رواه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ورواه ابن ماجه ورواه البيهقي من رواية عبد الجبار بن عمر عن يحيى بن سعيد وعطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وقال عبد الجبار ليس بالقوي وقد ورد من حديث مجاهد عن أبي هريرة مختصرا ومن حديث محمد بن كعب عن أبي هريرة

(11/29)


رواهما الدارقطني وضعفهما وفيه أن ( أبا هريرة ) قال وفي رواية ابن جريج عند مسلم وعقيل عند ابن خزيمة وأبي أويس عند الدارقطني التصريح بالتحديث بين حميد وأبي هريرة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الإدب عن موسى بن إسماعيل وعن محمد بن مقاتل وعن القعنبي وفي النفقات عن أحمد بن يونس وفي النذور عن علي بن عبد الله وفي الصوم أيضا عن عثمان وفي المحاربين عن قتيبة وفي الهبة والنذور أيضا عن محمد بن محبوب وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وزهير ابن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير وعن يحيى بن يحيى وقتيبة ومحمد بن رمح وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عبد بن حميد وعن محمد بن رافع عن إسحاق وعن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد ومحمد وعيسى وعن القعنبي به وعن الحسن بن علي وأخرجه الترمذي فيه عن نصر بن علي وأبي عمار وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به وعن محمد ابن منصور وعن محمد بن قدامة وعن محمد بن عبد الله وعن محمد بن نصر وعن محمد بن إسماعيل وعن الربيع بن سليمان عن أبي الأسود وإسحاق بن مضر وفي الشروط عن هارون بن عبد الله وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان به
ذكر معناه قوله بينما قد مر غيرة أن أصل بينما بين فأشبعت فتحة النون وصار بينا ثم زيدت فيه الميم فصار بينما ويضاف إلى جملة إسمية وفعلية ويحتاج إلى جواب يتم به المعنى والأفصح في جوابها أن لا يكون فيه إذ وإذا ولكن يجيء بهذا كثيرا هنا كذلك وهو قوله إذ جاءه رجل وقال بعضهم ومن خاصة بينما أنها تتلقى بإذ وبإذا حيث تجيء للمفاجأة بخلاف بينا فلا تتلقى بواحدة منهما وقد ورد في هذا الحديث كذلك قلت هذا تصرف في العربية من عنده وليس ما قاله بصحيح وقد ذكروا أن كلا منهما يتلقى بواحدة منهما غير أن الأفصح كما ذكرنا أن لا يتلقيا بهما وقد ورد في الحديث بإذ في الأول وفي الثاني بدون إذ وإذا على الأصل الذي هو الأفصح فأي شيء دعوى الخصوصية في بينما بإذ وإذا ونفيها في بينا ولم يقل بهذا أحد قوله عند النبي وفي رواية الكشميهني مع النبي وقال بعضهم فيه حسن الأدب في التعبير كما تشعر العندية بالتعظيم بخلاف ما لو قال مع قلت لفظة عند موضوعها الحضرة ومن أين الإشعار فيه بالتعظيم قوله إذا جاء رجل قد مر الكلام فيه في حديث عائشة قوله هلكت وفي حديث عائشة احترقت كما مر وفي رواية ابن أبي حفصة ما أراني إلا قد هلكت وقد روي في بعض طرق هذا الحديث هلكت وأهلكت قال الخطابي وهذه اللفظة غير موجودة في شيء من رواية هذا الحديث قال وأصحاب سفيان لم يرووها عنه إنما ذكروا قوله هلكت حسب قال غير أن بعض أصحابنا حدثني أن المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان فذكر هذا الحرف فيه وهو غير محفوظ والمعلى ليس بذلك في الحفظ والإتقان انتهى وقال البيهقي إن هذه اللفظة لا يرضاها أصحاب الحديث وقال القاضي عياض إن هذه اللفظة ليست محفوظة عند الحفاظ الأثبات
وقال شيخنا زيد الدين رحمه الله وردت هذه اللفظة مسندة من طرق ثلاثة أحدها الذي ذكره الخطابي وقد رواها الدارقطني من رواية أبي ثور قال حدثنا معلى بن منصور حدثنا سفيان بن عينة فذكره الدارقطني تفرد به أبو ثور عن معلى بن منصور عن ابن عيينة بقوله وأهلكت قال وهم ثقات الطريق الثاني من رواية الأوزاعي عن الزهري وقد رواها البيهقي بسنده ثم نقل عن الحاكم أنه ضعف هذه اللفظة وحملها على أنها أدخلت على محمد بن المسيب الأرغياني ثم استدل على ذلك والطريق الثالث من رواية عقيل عن الزهري رواها الدارقطني في غير السنن وقال حدثنا النيسابوري حدثنا محمد بن عزيز حدثني سلامة بن روح عن عقيل عن الزهري فذكره وقد تكلم في سماع محمد بن عزيز من سلامة وفي سماع سلامة من عقيل وتكلم فيهما أما محمد بن عزيز فضعفه النسائي مرة وقال مرة لا بأس به وأما سلامة فقال أبو زرعة ضعيف منكر وأجود طرق هذه اللفظة طريق المعلى بن منصور على أن المعلى وإن اتفق الشيخان على إخراج حديثه فقد تركه أحمد وقال لم أكتب عنه كان يحدث بما وافق الرأي وكان كل يوم يخطىء في حديثين أو ثلاثة قلت هو من أصحاب أبي حنيفة

(11/30)


ووثقه يحيى بن معين وقال يعقوب بن شيبة ثقة فيما تفرد به وشورك فيه متقن صدوق فقيه مأمون وقال العجلي ثقة صاحب سنة وكان نبيلا طلبوه للقضاء غير مرة فأبى وقال ابن سعد كان صدوقا صاحب حديث ورأي وفقه مات سنة أحد عشرة ومائتين
قوله قال مالك بفتح اللام وهو استفهام عن حاله وفي رواية عقيل ويحك ما شأنك ولابن أبي حفصة وما الذي أهلكك وما ذاك وفي رواية الأوزاعي ويحك ما صنعت أخرجه البخاري في الأدب وفي رواية الترمذي وما الذي أهلكك وكذا في رواية الدارقطني قوله وقعت على امرأتي وفي رواية ابن إسحاق أصبت أهلي وفي حديث عائشة وطئت امرأتي قوله وأنا صائم جملة وقعت حالا من الضمير الذي في وقعت فإن قلت من أين يعلم أنه كان صائما في رمضان حتى يترتب عليه وجوب الكفارة قلت وقع في أول هذا الحديث في رواية مالك وابن جريج أن رجلا أفطر في رمضان الحديث ووقع أيضا في رواية عبد الجبار بن عمر وقعت على أهلي اليوم وذلك في رمضان وفي رواية ساق مسلم إسنادها وساق أبو عوانة في ( مستخرجه ) متنها أنه قال أفطرت في رمضان وبهذا يرد على القرطبي في دعواه تعدد القصة لأن مخرج الحديث واحد والقصة واحدة ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عن سعيد بن منصور أصبت امرأتي ظهرا في رمضان وبتعيين رمضان يفهم الفرق في وجوب كفارة الجماع في الصوم بين رمضان وغيره من الواجبات كالنذر وبعض المالكية أوجبوا الكفارة على من أفسد صومه مطلقا واحتجوا بظاهر هذا الحديث ورد عليهم بالذي ذكرناه الآن قوله هل تجد رقبة تعتقها وفي رواية منصور أتجد ما تحرر رقبة وفي رواية ابن أبي حفصة أتستطيع أن تعتق رقبة وفي رواية إبراهيم بن سعد والأوزاعي فقال أعتق رقبة وزاد في رواية عن أبي هريرة فقال بئس ما صنعت أعتق رقبة وفي حديث عبد الله بن عمر أخرجه الطبراني في ( الكبير ) جاء رجل إلى النبي فقال إني أفطرت يوما من رمضان فقال من غير عذر ولا سقم قال نعم قال بئس ما صنعت قال أجل ما تأمرني قال أعتق رقبة قوله قال لا أي قال الرجل لا أجد رقبة وفي رواية ابن مسافر فقال لا والله يا رسول الله وفي رواية ابن إسحاق ليس عندي وفي حديث ابن عمر فقال والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط قوله فهل تستطيع أن تصوم شهرين قال القرطبي أي تقوى وتقدر وفي حديث سعد قال لا أقدر وفي رواية إبن إسحاق وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام وقال الشيخ تقي الدين رواية إبن إسحاق هذه تقتضي أن عدم استطاعته شدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع فهل يكون ذلك عذرا في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أم لا والصحيح عند الشافعية اعتبار ذلك فيسوغ له الانتقال إلى الإطعام ويلتحق به من يجد رقبة وهو غير مستغن عنها فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه في حكم غير الواجد انتهى قلت في هذا كله نظر لأن الشارع رتب هذه الخصال بالفاء التي هي للترتيب والتعقيب فكيف ينقض هذا قوله متتابعين فيه اشتراط التتابع وقد مر الكلام فيه قوله فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا وزاد في رواية ابن مسافر يا رسول الله ووقع في رواية سفيان هل تستطيع إطعام ستين مسكينا ووقع في رواية إبراهيم بن سعد وعراق بن مالك فأطعم ستين مسكينا قال لا أجد وفي رواية ابن أبي حفصة أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا وذكر الحاجة وفي حديث ابن عمر قال والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي وقال ابن دقيق العيد أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال والمشهور عن الحنفية الإجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفى قلت هؤلاء الذين يشتغلون بالحنفية يحفظون شيئا وتغيب عنهم أشياء أفلا يعلمون أن المراد ههنا سد خلة الفقير فإذا وجد ذلك مع مراعاة معنى الستين فلا طعن فيه ثم المراد من الإطعام الإعطاء لهم بحيث يتمكنون من الأكل وليس المراد حقيقة الإطعام من وضع المطعوم في فم الآكل فإن قلت ما الحكمة في هذه الخصال الثلاثة وما المناسبة بينهما قلت الذي انتهك حرمة الصوم بالجماع عمدا في نهار رمضان فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه بها وثبت في ( الصحيح ) أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو

(11/31)


منها عضوا من النار وأما الصيام فمناسبته ظاهرة لأنه كالمقاصة بجنس الجناية وأما كونه شهرين فلأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوما كان كمن أفسد الشهر كله من حيث إنه عبادة واحدة بالنوع فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأن مقابلة كل يوم بإطعام مسكين ثم إن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق الله تعالى وهو الصوم وحق الأحرار بالإطعام وحق الأرقاء بالإعتاق وحق الجاني بثواب الامتثال قوله فمكث بالميم وفتح الكاف وضمها وبالثاء المثلثة وفي رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) من وجهين عن أبي اليمان أحدهما مكث مثل ما هو هنا والآخر فسكت من السكوت وفي رواية أبي عيينة فقال له النبي إجلس فجلس قوله فبينا نحن على ذلك وفي رواية ابن عيينة فبينما هو جالس كذلك قيل يحتمل أن يكون سبب أمره بالجلوس لانتظار ما يوحى إليه في حقه ويحتمل أنه كان عرف أنه سيؤتى بشيء يعينه به قوله أتي النبي كذا هو على بناء المجهول عند الأكثرين وفي رواية ابن عيينة إذ أتي وهو جواب قوله بينا وقد مر في قوله بينما نحن جلوس أن بعضهم قال إن بينا لا يتلقى بإذ ولا بإذا وههنا في رواية ابن عيينة جاء بإذ وهو يرد ما قاله فكأنه ذهل عن هذا والآتي من هو لم يدر وقال بعضهم والآتي المذكور لم يسم قلت في أين ذكر الآتي حتى قال لم يسم لكن وقع في الكفارات على ما سيأتي في رواية معمر فجاء رجل من الأنصار وهو أيضا غير معلوم فإن قلت عند الدارقطني من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب مرسلا فأتى رجل من ثقيف قلت رواية الصحيح أصح ويمكن أن يحمل على أنه كان حليفا للأنصار فأطلق عليه الأنصاري وقال بعضهم أو إطلاق الأنصاري بالمعنى الأعم قلت لا وجه لذلك لأنه يلزم منه أن يطلق على كل من كان من أي قبيلة كان أنصاريا بهذا المعنى ولم يقل به أحد قوله بعرق قد مر تفسيره عن قريب مستوفى قوله والمكتل تفسير العرق وقد مر تفسير المكتل أيضا وفي رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي وابن خزيمة المكتل الضخمفإن قلت تفسير العرق بالمكتل ممن قلت الظاهر أنه من الصحابي ويحتمل أن يكون من الرواة قيل في رواية ابن عيينة ما يشعر بأنه الزهري وفي رواية منصور في الباب الذي يلي هذا وهو باب المجامع في رمضان فأتي بعرق فيه تمر وهو الزبيل وفي رواية ابن أبي حفصة فأتي بزبيل وقد مر تفسير الزبيل أيضا مستوفى قوله أين السائل قال الكرماني فإن قلت لم يكن لذلك الرجل سؤال بل كان له مجرد إخبار بأنه هلك فما وجه إطلاق لفظ السائل عليه قلت كلامه متضمن للسؤال أي هلكت فما مقتضاه وما يترتب عليه فإن قلت لم يبين في هذا الحديث مقدار ما في المكتل من التمر قلت وقع في رواية ابن أبي حفصة فيه خمسة عشر صاعا وفي رواية مؤمل عن سفيان فيه خمسة عشر أو نحو ذلك وفي رواية مهران بن أبي عمر عن الثوري عند ابن خزيمة فيه خمسة عشر أو عشرون وكذا هو عند مالك وفي مرسل سعيد بن المسيب عند الدارقطني الجزم بعشرين صاعا ووقع في حديث عائشة عند ابن خزيمة فأتي بعرق فيه عشرون صاعا وقال بعضهم من قال عشرون أراد أصل ما كان فيه ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة ويبين ذلك حديث علي عند الدارقطني يطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد وفيه فأتي بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا وكذا في رواية حجاج عن الزهري عند الدارقطني في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال وفيه رد على الكوفيين في قولهم إن واجبه من القمح ثلاثون صاعا ومن غيره ستون صاعا وعلى أشهب في قوله لو غداهم أو عشاهم كفى لصدق الإطعام ولقول الحسن يطعم أربعين مسكينا عشرين صاعا ولقول عطاء إن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعا أو بالجماع أطعم خمسة عشر وفيه رد على الجوهري حيث قال في ( الصحاح ) المكتل تشبه الزبيل يسع خمسة عشر صاعا لأنه لا حصر في ذلك انتهى قلت ليت شعري كيف فيه رد على الكوفيين وهم قد احتجوا بما رواه مسلم فجاءه عرقان فيهما طعام وقد ذكرنا فيما مضى أن ما في العرقين يكون ثلاثين صاعا فيعطى لكل مسكين نصف صاع بل الرد على أئمتهم حيث احتجوا فيما ذهبوا إليه بالروايات المضطربة وفي بعضها الشك فالعجب

(11/32)


منه أن يرد على الكوفيين مع علمه أن احتجاجهم قوي صحيح وأعجب منه أنه قال في رواية مسلم هذه ووجهه أن كان محفوظا وقد ردينا عليه ما قاله فيما مضى عن قريب وكذلك قوله وفيه رد على الجوهري غير صحيح لأنه لم يحصر ما قاله في ذلك غاية ما في الباب أنه نقل أحد المعاني التي قالوا في المكتل وسكت عليه قوله فتصدق به وزاد ابن إسحاق فتصدق عن نفسك ويؤيده رواية منصور في الباب الذي يليه بلفظ أطعم هذا عنك قوله أعلى أفقر منى أي أتصدق به على شخص أفقر منى وفي حديث ابن عمر أخرجه البزار والطبراني في ( الأوسط ) إلى من أدفعه قال إلى أفقر من تعلم وفي رواية إبراهيم بن سعد أعلى أفقر من أهلي ولابن مسافر أعلى أهل بيت أفقر منى والأوزاعي أعلى غير أهلي ولمنصور أعلى أحوج منا ولابن إسحاق وهل الصدقة إلا لي وعلي قوله فوالله ما بين لابتيها اللابتان بالباء الموحدة المفتوحة ثم بالتاء المثناة من فوق عبارة عن حرتين تكتنفان المدينة وهي تثنية لابة والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء الأرض ذات حجارة سود قوله يريد الحرتين من كلام بعض رواته ووقع في حديث ابن عمر المذكور ما بين حرتيها وفي رواية الأوزاعي الآتي في الأدب والذي نفسي بيده ما بين طنبي المدينة وهو تثنية طنب بضم الطاء المهملة والنون أحد أطناب الخيمة واستعاره للطرف قوله أهل بيت أفقر من أهل بيتى لفظ أهل مرفوع لأنه اسم ما النافية وأفقر منصوب لأنه خبرها ويجوز رفعه على لغة تميم وفي رواية يونس أفقر مني ومن أهل بيتي وفي رواية عقيل ما أحد أحق به من أهلي ما أحد أحوج إليه مني وفي مرسل سعيد من رواية داود عنه والله ما لعيالي من طعام وفي حديث عند ابن خزيمة ما لنا عشاء ليلة قوله فضحك النبي حتى بدت أنيابه وفي رواية إبن إسحاق حتى بدت نواجده ولأبي قرة في ( السنن ) عن ابن جريج حتى بدت ثناياه قيل لعلها تصحيف من أنيابه فإن الثنايا تتبين بالتبسم غالبا وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم ويحمل ما ورد في صفته أن ضحكه كان تبسما غالب أحواله وقيل كان لا يضحك إلا في أمر يتعلق بالآخرة فإن كان في أمر الدنيا لم يزد على التبسم وقيل إن سبب ضحكه كان من تباين حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبا في فداها مهما أمكنه فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل ما أعطيه في الكفارة وقيل ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه وحسن تأتيه وتلطفه في الخطاب وحسن توسله في توصله إلى مقصوده قوله ثم قال أطعمه أهلك وفي رواية لابن عيينة في الكفارات أطعمه عيالك وفي رواية إبراهيم بن سعد فأنتم إذا وقدم ذلك على ذكر الضحك وفي رواية أبي قرة عن ابن جريج ثم قال كله وفي رواية ابن إسحاق خذها وكلها وأنفقها على عيالك
ذكر ما يستفاد منه قد ذكرنا في الباب الذي قبله ما يتعلق به وبغيره من الأحكام فلنذكر هنا ما لم نذمر هناك ففيه أن من جاء مستفتيا فيما فيه الاجتهاد دون الحدود المحدودة أنه لا يلزمه تعزير ولا عقوبة كما لم يعاقب النبي الأعرابي على هتك حرمة الشهر قاله عياض قال لأن في مجيئه واستفتائه ظهور توبته وإقلاعه قال ولأنه لو عوقب كل من جاء بجيئه لم يستفت أحد غالبا عن نازلة مخافة العقوبة بخلاف ما فيه حد محدود وقد بوب عليه البخاري في كتاب المحاربين باب من أصاب ذنبا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد أن جاء مستفتيا وفي رواية أبي ذر مستعتبا ثم قال البخاري وقال ابن جريج ولم يعاقب الذي جامع في رمضان فإن قلت وقع في ( شرح السنة ) للبغوي أن من جامع متعمدا في رمضان فسد صومه وعليه القضاء والكفارة ويعزر على سوء صنيعه قلت هو محمول على من لم يقع منه ما وقع من صاحب هذه القصة من الندم والتوبة
وفيه أن الكفارة مرتبة ككفارة الظهار وهو قول أكثر العلماء إلا أن مالك بن أنس زعم أنه مخير بين عتق الرقبة وصوم شهرين والإطعام وحكي عنه أنه قال الإطعام أحب إلي من العتق ووقع في ( المدونة ) ولا يعرف مالك غير الإطعام ولا يأخذ بعتق ولا صيام وقال ابن دقيق العيد وهي معضلة لا يهتدي إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت غير أن بعض المحققين من أصحابه حل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال وذكر أصحابه في هذا

(11/33)


وجوها كثيرة كلها لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام ثم الإطعام
وفيه أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب المذكور قال ابن العربي لأنه نقله من أمر بعد عدمه إلى أمر آخر وليس هذا شأن التخيير وقال البيضاوي ترتب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط المحكم وقيل سلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير واعترض ابن التين بأن الذين رووا الترتيب ابن عيينة ومعمر والأوزاعي والذين رووا التخيير مالك وابن جريج وفليح بن سليمان وعمر بن عثمان المخزومي وأجيب بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري ثلاثون نفسا أو أكثر ورجح الترتيب أيضا بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من صورة الواقعة وراوي التخيير حكى لفظ راوي الحديث فدل على أنه من تصرف بعض الرواة إما لقصد الاختصار أو لغير ذلك ويترجح الترتيب أيضا بأنه أحوط وحمل المهلب والقرطبي الأمر على التعدد وهو بعيد لأن القصة واحدة والأصل عدم التعدد وحمل بعضهم الترتيب على الأولوية والتخيير على الجواز
وفيه إعانة المعسر في الكفارة وعليه بوب البخاري في النذور وفيه إعطاء القريب من الكفارة وبوب عليه البخاري في النذور وفيه إعطاء القريب من الكفارة وبوب عليه البخاري أيضا وفيه أن الهبة والصدقة لا يحتاج فيهما إلى القبول باللفظ بل القبض كاف وعليه بوب البخاري أيضا وفيه أن الكفارة لا تجب إلا بعد نفقة من تجب عليه وقد بوب عليه البخاري أيضا في النفقات وفيه جواز المبالغة في الضحك عند التعجب لقوله حتى بدت أنيابه وفيه جواز قول الرجل في الجواب ويحك أو ويلك وفيه جواز الحلف بالله وصفاته وإن لم يستحلف كما في البخاري وغيره والذي بعثك بالحق وفي رواية له والله ما بين لابتيها إلى آخره وفيه أن القول قول الفقير أو المسكين وجواز عطائه مما يستحقه الفقراء لأنه لم يكلفه البينة حين ادعى أنه ما بين لابتي المدينة أهل بيت أحوج منهم وفيه جواز الحلف على غلبة الظن وإن لم يعلم ذلك بالدلائل القطعية لحلف المذكور أنه ليس بالمدينة أحوج منهم مع جواز أن يكون بالمدينة أحوج منهم لكثرة الفقراء فيها ولم ينكر عليه النبي وفيه استعمال الكناية فيما يستقبح طهوره بصريح لفظه لقوله وقعت أو أصبت فإن قلت ورد في بعض طرقه وطئت قلت هذا من تصرف الرواة وفيه الرفق بالمتعلم والتلطف في التعليم والتأليف على الدين والندم على المعصية واستشعار الخوف وفيه الجلوس في المسجد لغير الصلاة من المصالح الدينية كنشر العلم وفيه التعاون على العبادة وفيه السعي على خلاص المسلم وفيه إعطاء الواحد فوق حاجته الراهنة وفيه إعطاء الكفارة لأهل بيت واحد
13 -
( باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج )
أي هذا باب في بيان حكم الصائم المجامع في رمضان هل يطعم أهله الكفارة إذا كانوا محاويج أم لا ولم يذكر جواب الاستفهام اكتفاء بما ذكر من متن الحديث والمحاويج قال المطرزي في ( المغرب ) هم المحتاجون عامي قلت يحتمل أن يكون جمع محواج وهو كثير الحاجة صيغ على وزن اسم الآلة للمبالغة
7391 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( الزهري ) عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي فقال إن الآخر وقع على امرأته في رمضان فقال أتجد ما تحرر رقبة قال لا قال أفتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال أفتجد ما تطعم به ستين مسكينا قال لا قال فأتي النبي بعرق

(11/34)


فيه تمر وهو الزبيل قال أطعم هذا عنك قال على أحوج منا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا قال فأطعمه أهلك
مطابقته للترجمة في قوله فأطعمه أهلك وجرير هو بفتح الجيم ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر والزهري محمد بن مسلم وقد ذكروا غير مرة قوله عن الزهري عن حميد كذا هو في رواية الأكثرين من أصحاب منصور عنه وخالفه مهران بن أبي عمر فرواه عن الثوري بالإسناد عن سعيد بن المسيب بدل ( حميد بن عبد الرحمن ) أخرجه ابن خزيمة وهو شاذ والمحفوظ هو الأول قوله إن الآخر فيه قصر الهمزة ومدها بعدها خاء معجمة مكسورة وهو من يكون آخر القوم وقيل هو المدبر المتخلف وقيل الأرذل وقيل معناه أن الأبعد على الذم قوله رقبة بالنصب قيل إنه بدل من لفظة ما تحرر قلت بل هو منصوب على أنه مفعول تحرر فافهم وبقية الكلام فيه قد مرت فيما مضى مستوفاة والله أعلم
23 -
( باب الحجامة والقيء للصائم )
أي هذا باب في بيان أحكام الحجامة والقيء هل يرخصان للصائم أو لا وإنما أطلق ولم يذكر الحكم لمكان الخلاف فيه ولكن الآثار التي أوردها في هذا الباب تشعر بأنه عدم الإفطار بهما وقال بعضهم باب الحجامة والقيء للصائم أي هل يفسدان هما أو أحدهما الصوم قلت اللام في قوله للصائم تمنع هذا التقدير الذي قدره ولا يخفى ذلك على من له أدنى ذوق من أحوال التركيب قيل جمع بين القيء والحجامة مع تغايرهما وعادته تفريق التراجم إذا نظمهما خبر واحد فضلا عن خبرين وإنما صنع ذلك لاتحاد مأخذهما لأنهما إخراج والإخراج لا يقتضي الإفطار
وقال لي يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام قال حدثنا يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول إذا قاء فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج عادة البخاري إذا أسند شيئا من الموقوفات يأتي بهذه الصيغة ويحيى بن صالح أبو زكريا الوحاظي الحمصي ومعاوية ابن سلام بتشديد اللام مر في كتاب الكسوف ويحيى هو ابن أبي كثير وعمر بن الحكم بالحاء المهملة والكاف المفتوحتين ابن ثوبان بالثاء المثلثة الحجازي أبو حفص المدني
قوله إذا قاء أي الصائم قوله وإنما يخرج من الخروج قوله ولا يولج من الإيلاج أي لا يدخل المعنى أن الصوم لا ينقض إلا بشيء يدخل ولا ينقض بشيء يخرج وفي رواية الكشميهني أنه يخرج ولا يولج أي أن القيء يخرج ولا يدخل وهذا الحصر منقوض بالمني فإنه مما يخرج وهو موجب للقضاء والكفارة
وهذا الحديث رواه الأربعة مرفوعا من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي قال من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض وقال الترمذي حديث أبي هريرة حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي إلا من حديث عيسى بن يونس قال وقد روي هذا الحديث من غيره وجهه عن أبي هريرة عن النبي ولا يصح إسناده وقال البخاري لم يصح وإنما يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبي هريرة وعبد الله ضعيف ورواه الدارمي من طريق عيسى ابن يونس ونقل عن عيسى أنه قال زعم أهل البصرة أن هشاما وهم فيه وقال أبو داود سمعت أحمد يقول ليس من ذا شيء وقال الخطابي يريد أنه غير محفوظ وقال ابن بطال تفرد به عيسى وهو ثقة إلا أن أهل الحديث أنكروه عليه ووهم عندهم فيه وقال أبو علي الطوسي هو حديث غريب والصحيح رواية أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي قاء فأفطر وقال الترمذي حديث أبي الدرداء أصح شيء في القيء والرعاف
قلت حديث أبي الدرداء رواه الأربعة ورواه الطحاوي قال حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا أبي عن حسين

(11/35)


المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد عن أبيه عن معدان بن طلحة عن أبي الدرداء أن النبي قاء فأفطر قال فلقيت ثوبان في مسجد دمشق قلت إن أبا الدرداء أخبرني أن رسول الله قاء فأفطر فقال صدق أنا صببت له وضوءه ثم قال الطحاوي فذهب قوم إلى أن الصائم إذا قاء أفطر واحتجوا في ذلك بهذا الحديث قلت أراد بالقوم عطاء والأوزاعي وأبا ثور ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن استقاء أفطر وإن ذرعه القيء أي سبقه وغلب عليه ولم يفطر وأراد بالآخرين القاسم بن محمد والحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والشعبي وعلقمة والثوري وأبا حنيفة وأصحابه ومالكا والشافعي وأحمد وإسحاق ويروى ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود وعبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم وقد قام الإجماع على أن من ذرعه القيء لا قضاء عليه ونقل ابن المنذر الإجماع على أن الاستقاء مفطر ونقل العبدري عن أحمد أنه قال من تقيأ فاحشا أفطر وقال الليث والثوري والأربعة بالقضاء وعليه الجمهور وعن ابن مسعود وابن عباس أنه لا يفطر ولكن في ( مصنف ) ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن عباس أنه إذا تقيأ أفطر ونقل ابن التين عن طاووس عدم القضاء قال وبه قال ابن بكير وقال ابن حبيب لا قضاء عليه في التطوع دون الفرض وقال الأوزاعي وأبو ثور عليه القضاء والكفارة مثل كفارة الأكل عامدا في رمضان وهو قول عطاء واحتجوا بحديث أبي الدرداء المذكور الذي أخرجه ابن حبان والحاكم أيضا في ( صحيحيهما ) وأجاب أبو عمر أنه ليس بالقوي وقال الطحاوي قد يجوز أن يكون قوله فأفطر أي ضعف فأفطر ويجوز هذا في اللغة يعني يجوز هذا التقدير في اللغة لتضمن مثل ذلك لعلم السامع به كما في حديث فضالة ولكني قئت فضعفت عن الصيام فأفطرت وليس فيه أن القيء كان مفطرا وقال الترمذي معنى هذا الحديث أن انبي أصبح صائما متطوعا فقاء فضعف فأفطر لذلك هكذا روي في بعض الحديث مفسرا وأجاب البيهقي بأن هذا الحديث مختلف في إسناده فإن صح فمحمول على العامد وكأنه كان متطوعا بصومه
وحديث فضالة رواه الطحاوي حدثنا ربيع المؤذن قال حدثنا أسد قال حدثنا ابن لهيعة قال حدثنا يزيد بن أبي حبيب قال حدثنا أبو مرزوق عن حنش عن فضالة بن عبيد قال دعى رسول الله بشراب فقال له ألم تصبح صائما يا رسول الله قال بلى ولكن قئت وأخرجه الطبراني والبيهقي أيضا وأبو مرزوق اسمه حبيب بن الشهيد وقيل زمعة بن سليم قال العجلي مصري تابعي ثقة وروى له أبو داود وابن ماجه وحنش هو ابن عبد الله الصنعاني صنعاء دمشق روى له الجماعة غير البخاري فإن قلت ابن لهيعة فيه مقال قلت الطحاوي أخرجه من أربع طرق الأول ما ذكرناه الذي فيه ابن لهيعة والبقية عن أبي بكرة عن روح وعن محمد بن خزيمة عن حجاج وعن حسين بن نصر عن يحيى بن حسان قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش عن فضالة إلى آخره وقال الترمذي والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة عن النبي أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه وإذا استقاء عمدا فليقض وبه يقول الشافعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وقال ابن المنذر وهو قول كل من يحفظ عنه العلم قال وبه أقوال قال أصحابنا ويستوي فيه ملء الفم وما دونه لإطلاق حديث أبي هريرة المرفوع فإن عاد وكان ملء الفم لا يفسد صومه عند أبي حنيفة ومحمد قال في ( المحيط ) وهو الصحيح وذكر فتى ( قاضيخان ) عن محمد وجده وعند أبي يوسف يفسد وإن أعاده وكان أقل من ملء الفم يفسد عند محمد وزفر وهذا إذا تقيأ مرة أو طعاما أو ماء فإن تقيأ ملء فيه بلغما لا يفسد عندهما خلافا لأبي يوسف
ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر
يذكر على صيغة المجهول علامة التمريض يعني إذا قاء الصائم يفطر يعني ينتقض صومه ذكره الحازمي عنه رواية عن بعضهم ويمكن الجمع بين قوليه بأن قوله لا يفطر يحمل على ما فصل في حديثه المرفوع ويحمل قوله أنه يفطر على ما إذا تعمد القيء
والأول أصح

(11/36)


أي عدم الإفطار أصح قال الكرماني أو الإيناد الأول قلت هو قوله وقال لي يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام إلى آخره
وقال ابن عباس وعكرمة الفطر مما دخل وليس مما خرج
هذان التعليقان رواهما ابن أبي شيبة فالأول قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في الحجامة للصائم فقال الفطر مما يدخل وليس مما يخرج والثاني رواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن حصين عن عكرمة مثله
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحتجم وهو صائم ثم تركه فكان يحتجم بالليل
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا التعليق وصله مالك في ( الموطأ ) عن نافع عن ابن عمر أنه احتجم وهو صائم ثم ترك ذلك فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر وقال ابن أبي شيبة حدثنا ابن علية عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان فذكره وحدثنا وكيع عن هشام بن الغاز وحدثنا ابن إدريس عن يزيد عن عبد الله عن نافع بزيادة فلا أدري لأي شيء تركه كرهه أو للضعف وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه وكان ابن عمر كثير الاحتياط فكأنه ترك الحجامة نهارا لذلك
واحتجم أبو موسى ليلا
أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن محمد بن أبي عدي عن حميد عن بكير بن عبد الله المزني عن أبي العالية قال دخلت على أبي موسى وهو أمير البصرة ممسيا فوجدته يأكل تمرا وكامخا وقد احتجم فقلت له ألا تحتجم بنهار قال أتأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم
ويذكر عن سعد وزيد بن أرقم وأم سلمة احتجموا صياما
سعد هو ابن أبي وقاص أحد العشرة وزيد بن أرقم بن زيد الأنصاري الخزرجي وأم سلمة أم المؤمنين واسمها هند بنت أبي أمية قوله صياما أي صائمين نصب على الحال وإنما ذكر هذا بصيغة التمريض لسبب يظهر بالتخريح أما أثر سعد فوصله مالك في ( الموطأ ) عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان وهذا منقطع عن سعد لكن ذكره أبو عمر من وجه آخر عن عامر بن سعد عن أبيه وأما أثر زيد بن أرقم فوصله عبد الرزاق عن الثوري عن يونس بن عبد الله الجرمي عن دينار حجمت زيد بن أرقم ودينار هو الحجام مولى جرم بفتح الجيم لا يعرف إلا في هذا الأثر وقال أبو الفتح الأزدي لا يصح حديثه وأما أثر أم سلمة فوصله ابن أبي شيبة من طريق الثوري أيضا عن فرات عن مولى أم سلمة أنه رأى أم سلمة تحتجم وهي صائمة وفرات هو ابن أبي عبد الرحمن ثقة ولكن مولى أم سلمة مجهول الحال
وقال بكير عن أم علقمة كنا نحتجم عند عائشة فلا تنهى
بكير بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن الأشح واسم أم علقمة مرجانة سماها البخاري وذكرها ابن حبان في ( الثقات ) وهذا التعليق وصله البخاري في تاريخه من طريق مخرمة بن بكير عن أم علقمة قال كنا نحتجم عند عائشة ونحن صيام وبنو أخي عائشة فلا تنهاهم قوله فلا تنهى بفتح التاء المثناء من فوق وسكون النون أي فلا تنهى عائشة عن الاحتجام ويروى فلا تنهى بضم النون الأولى التي للمتكلم مع الغير وسكون الثانية على صيغة المجهول
ويروى عن الحسن عن غير واحد من الصحابة مرفوعا فقال أفطر الحاجم والمحجوم
أي ويروى عن الحسن البصري عن غير واحد من الصحابة مرفوعا إلى النبي قوله فقال بالفاء ويروى قال بدون الفاء وأشار بهذا إلى أنه روى عن الحسن عن جماعة من الصحابة عن النبي أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم وهم أبو هريرة وثوبان ومعقل بن يسار وعلي بن أبي طالب وأسامة رضي الله تعالى عنهم
أما حديث أبي هريرة فرواه

(11/37)


النسائي قال أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الوهاب عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم ثم قال النسائي ذكر اختلاف الناقلين لخبر أبي هريرة فيه ثم روى من حديث أبي عمرو عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي أفطر الحاجم والمحجوم ثم قال وقفه إبراهيم بن طهمان ثم روى من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال أفطر الحاجم والمحجوم ثم رواه من طريق آخر من حديث شقيق بن ثور عن أبي هريرة قال يقال أفطر الحاجم والمحجوم أما أنا فلو احتجمت ما باليت أبو هريرة يقول هذا ثم روى من حديث عطاء عن أبي هريرة قال أفطر الحاجم والمحجوم وفي لفظ عن عطاء عن أبي هريرة ولم يسمعه منه قال أفطر الحاجم والمحجوم وفي لفظ عن عطاء عن رجل عن أبي هريرة قال أفطر الحاجم والمحجوم
وأما حديث ثوبان فقال علي بن المديني روى حديث أفطر الحاجم والمحجوم قتادة عن الحسن عن ثوبان وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية أبي قلابة أن أبا أسماء الرحي حدثه أن ثوبان مولى رسول الله أخبره أنه سمع النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
وأما حديث معقل بن يسار فرواه النسائي من رواية سليمان بن معاذ عن عطاء بن السائب قال شهد عندي نفر من أهل البصرة منهم الحسن عن معقل بن يسار أن رسول الله رأى رجلا يحتجم وهو صائم فقال أفطر الحاجم والمحجوم
وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فرواه النسائي أيضا من رواية سعد بن أبي عروبة عن مطر عن الحسن عن علي عن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم
وأما حديث أسامة بن زيد فرواه النسائي من رواية أشعث بن عبد الملك عن الحسن عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله أفطر الحاجم والمحجوم قال النسائي ولم يتابع أشعث أحد علمناه على روايته وقال شيخنا زين الدين رحمه الله قد تابعه عليه يونس بن عبيد إلا أنه من رواية عبيد الله بن تمام عن يونس رواه البزار في ( زيادات المسند ) وقال وعبيد الله هذا فغير حافظ انتهى
وقد اختلف فيه على الحسن فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن ثوبان وقيل عنه عن علي وقيل عنه عن معقل بن يسار وقيل عن معقل بن سنان وقيل عنه عن أبي هريرة وقيل عنه عن سمرة قال شيخنا ويمكن أن يكون ليس باختلاف فقد روي عن الحسن عن رجال ذوي عدد من أصحاب النبي إلا أن بعض من سمي من الصحابة لم يسمع منه الحسن منهم علي وثوبان وأبو هريرة على ما قيل وقال ابن عبد البر حديث أسامة ومعقل بن سنان وأبي هريرة معلولة كلها لا يثبت منها شيء من جهة النقل
واعلم أنه قد روي في هذا الباب عن رافع بن خديج عن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم رواه الترمذي وتفرد به وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) وروى عن علي بن المديني قال لا أعلم في الحاجم والمحجوم حديثا أصح من هذا وأخرجه البزار في ( زيادات المسند ) من طريق عبد الرزاق عن معمر وقال لا نعلم يروى عن رافع عن النبي إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد وقال أحمد تفرد به معمر وروي أيضا عن شداد بن أوس رواه أبو داود والنسائي من رواية أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس أن رسول الله قال أفطر الحاجم والمحجوم أتى علي رجل بالبقيع وهو آخذ بيدي لثماني عشر خلت من رمضان فقال إن رسول الله قال أفطر الحاجم والمحجوم وعن عائشة رضي الله تعالى عنها رواه النسائي من رواية ليث عن عطاء عن عائشة أن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وليث هو ابن سليم مختلف فيه وعن ابن عباس رواه النسائي أيضا من رواية قبيصة بن عقبة حدثنا مطر عن عطاء عن ابن عباس قال قال النبي أفطر الحاجم والمحجوم ورواه البزار أيضا قال ورواه غير واحد عن مطر عن عطاء مرسلا وعن أبي موسى رواه النسائي من حديث أبي رافع قال دخلت على أبي موسى الحديث وفيه سمعت رسول الله يقول أفطر الحاجم والمحجوم وعن بلال رضي الله تعالى عنه رواه النسائي أيضا من رواية شهر عن بلال عن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وعن ابن عمر رواه ابن عدي من رواية نافع عنه قال قال رسول الله أفطر الحاجم والمحجوم وعن ابن مسعود رواه العقيلي في ( الضعفاء ) من رواية الأسود عنه قال مر بي النبي على رجلين يحجم أحدهما الآخر

(11/38)


فاغتاب أحدهما ولم ينكر عليه الآخر فقال أفطر الحاجم والمحجوم وعن جابر رواه البزار من رواية عطاء عنه أن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وعن سمرة أيضا من رواية الحسن عن سمرة أن النبي قال أفطر الحاجم والمحجوم وعن أبي زيد الأنصاري رواه ابن عدي من حديث أبي قلابة عنه قال قال رسول الله أفطر الحاجم والمحجوم وعن أبي الدرداء ذكره النسائي عند ذكر طرق حديث عائشة في الاختلاف على ليث ولما روى الطحاوي حديث أبي رافع وعائشة وثوبان وشداد بن أوس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم قال فذهب قوم إلى أن الحجامة تفطر الصائم حاجما كان أو محجوما واحتجوا في ذلك بهذه الآثار أي أحاديث هؤلاء المذكورين قلت أراد بالقوم هؤلاء عطاء بن أبي رباح والأوزاعي ومسروقا ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل وإسحاق فإنهم قالوا الحجامة لا تفطر مطلقا ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا تفطر الحجامة حاجما أو محجوما قلت أراد بهم عطاء بن يسار والقاسم بن محمد وعكرمة وزيد بن أسلم وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبا العالية وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا والشافعي وأصحابه إلا ابن المنذر فإنهم قالوا الحجامة لا تفطر ثم قال وممن روينا عنه ذلك من الصحابة سعد بن أبي وقاص والحسين بن علي وعبد الله بن مسعود وابن زيد وابن عباس وزيد بن أرقم وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم
ثم أجاب الطحاوي عن الأحاديث المذكورة بأنه ليس فيها ما يدل على أن الفطر المذكور فيها كان لأجل الحجامة بل إنما ذلك كان لمعنى آخر وهو أن الحاجم والمحجوم كانا يغتابان رجلا فلذلك قال ما قال وكذا قال الشافعي رحمه الله فحمل أفطر الحاجم والمحجوم بالغيبة على سقوط أجر الصوم وجعل نظير ذلك أن بعض الصحابة قال للمتكلم يوم الجمعة لا جمعة لك فقال النبي صدق ولم يأمره بالإعادة فدل على أن ذلك محمول على إسقاط الأجر قال الطحاوي وليس إفطارهما ذلك كالإفطار بالأكل والشرب والجماع ولكن حبط أجرهما باغتيابهما فصارا بذلك كالمفطرين لا أنه إفطار يوجب عليهما القضاء وهذا كما قيل الكذب يفطر الصائم ليس يراد به الفطر الذي يوجب القضاء إنما هو على حبوط الأجر قال وهذا كما يقول فسق القائم ليس معناه أنه فسق لأجل قيامه ولكنه فسق لمعنى آخر غير القيام ثم روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال إنا كرهنا الحجامة للصائم من أحل الضعف وروى أيضا عن حميد قال سأل ثابتا البناني أنس بن مالك هل كنتم تكرهون الحجامة للصائم قال لا إلا من أجل الضعف وروي أيضا عن جابر بن أبي جعفر وسالم عن سعيد ومغيرة عن إبراهيم وليث عن مجاهد عن ابن عباس قال إنما كرهت الحجامة للصائم مخافة الضعف انتهى
وقد ذكرت وجوه أخرى منها ما قيل إن فيها التعرض للإفطار أما المحجوم فللضعف وأما الحاجم فلأنه لا يؤمن أن يصل إلى جوفه من طعم الدم وهذا كما يقال للرجل يتعرض للهلاك قد هلك فلان وإن كان سالما وكقوله من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين يريد أنه قد تعرض للذبح لا أنه ذبح حقيقة ومنها ما قيل إنه مر بهما مساء فقال أفطر الحاجم والمحجوم فكأنه عذرهما بهذا أو كانا أمسيا ودخلا في وقت الإفطار قاله الخطابي ومنها ما قيل إن هذا على التغليظ لهما كقوله من صام الدهر لا صام ولا أفطر ومنها ما قيل إن معناه جاز لهما أن يفطرا كقوله أحصد الزرع إذا حان أن يحصد ومنها ما قيل إن أحاديث الحاجم والمحجوم منسوخة بحديث ابن عباس الذي يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى
وقال لي عياش قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا يونس عن الحسن مثله قيل له عن النبي قال نعم ثم قال الله أعلم
عياش بتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة ابن الوليد الرقام القطان أبو الوليد البصري وعبد الأعلى ابن عبد الأعلى الشامي القرشي البصري ويونس هو بن عبيد بن دينار البصري التابعي يروي عن الحسن البصري التابعي والإسناد كله بصريون
قوله مثله أي مثل ما ذكر من أفطر الحاجم والمحجوم وقد أخرجه البخاري في ( تاريخه ) والبيهقي من طريقه قال حدثني عياش فذكره قوله قيل له أي الحسن عن النبي الذي تحدث به من أفطر

(11/39)


الحاجم والمحجوم قال نعم من النبي وأشار بقوله الله أعلم إلى أنه ترددا في ذلك ولم يجزم بالرفع وقال الكرماني والله أعلم يستعمل في مقام التردد ولفظ نعم حيث قال أولا يدل على الجزم ثم قال قلت جزم حيث سمعه مرفوعا إلى النبي وحيث كان خبر الواحد غير مفيد لليقين أظهر التردد فيه أو حصل له بعد الجزم تردد أو لا يلزم أن يكون استعماله للتردد والله أعلم وقال بعضهم وحمل الكرماني ما جزمه على وثوقه بخبر من أخبر به وتردده لكونه خبر واحد فلا يفيد اليقين وهو حمل في غاية البعد انتهى قلت استبعاده في غاية البعد لأن من سمع خبرا مرفوعا إلى النبي من رواة ثقات يجزم بصحته ثم إنه إذا نظر إلى كونه أنه خبر واحد وأنه لا يفيد اليقين يحصل له التردد بلا شك وقد أجاب الكرماني بثلاثة أجوبة فجاء هذا القائل واستبعد أحد الأجوبة من غير بيان وجه البعد وسكت عن الآخرين
8391 - حدثنا ( معلى بن أسد ) قال حدثنا ( وهيب ) عن ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا فمعلى بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة مر في الحيض ووهيب تصغير وهب مر غير مرة وأيوب السختياني كذلك
والحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي أيضا من رواية عبد الوارث وأخرجه النسائي أيضا من رواية حماد بن زيد متصلا ومرسلا من غير ذكر ابن عباس ورواه مرسلا من رواية إسماعيل ابن علية ومعمر عن أيوب عن عكرمة ومن رواية جعفر بن ربيعة عن عكرمة مرسلا وروى الترمذي من رواية مقسم عن ابن عباس أن النبي احتجم فيما بين مكة والمدينة وهو محرم صائم ورواه من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس أن النبي احتجم وهو صائم وقال هدا حديث حسن غريب ورواه النسائي أيضا بإسناد الترمذي وزاد وهو محرم وقال هذا حديث منكر لا أعلم أحدا رواه عن حبيب غير الأنصاري ولعله أراد أن النبي تزوج ميمونة
وقال وفي الباب عن أبي سعيد وجابر وأنس قلت وعن ابن عمر أيضا وعائشة ومعاذ وأبي موسى أما حديث أبي سعيد فرواه النسائي من رواية أبي المتوكل عن أبي سعيد قال رخص رسول الله في القبلة للصائم والحجامة وأما حديث جابر فرواه النسائي أيضا من رواية أبي الزبير عنه أن النبي احتجم وهو صائم وأما حديث أنس فرواه الدارقطني من رواية ثابت عنه وفيه ثم رخص النبي بعد في الحجامة للصائم وأما حديث ابن عمر فرواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية نافع عنه قال احتجم رسول الله وهو صائم محرم وأعطى الحجام أجره وأما حديث عائشة فرواه ابن أبي حاتم في ( العلل ) من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها أن النبي احتجم وهو صائم وقال هذا حديث باطل وفي إسناده محمد بن عبد العزيز ضعيف وأما حديث معاذ فرواه ابن حبان في ( الضعفاء ) من حديث جبير بن نفير عنه أن النبي احتجم وهو صائم وأما حديث أبي موسى فرواه ابن أبي حاتم في ( العلل ) عن أبيه قال سمعت أبي يقول وهو محمد بن سلمة في الحديث الذي يرويه عن زياد بن أبي مريم أنه دخل على أبي موسى وهو يحتجم وهو صائم وقد مر حديث أبي موسى في هذا الباب رواه ابن أبي شيبة وقد ذكرنا عن قريب أن أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم منسوخة
قال المنذري حديث ابن عباس ناسخ لأن في حديث شداد بن أوس أن النبي قال في عام الفتح في رمضان لرجل كان يحتجم أفطر الحاجم والمحجوم والفتح كان في سنة ثمان وحديث ابن عباس كان في حجة الوداع في سنة عشر فهو متأخر ينسخ المتقدم فإن ابن عباس لم يصحب النبي وهو محرم إلا في حجة الإسلام وفي حجة الفتح لم يكن النبي محرما وقد أشار الإمام الشافعي إلى هذا ومما يصرح فيه بالنسخ حديث أنس بن مالك أخرجه الدارقطني حدثنا عمر بن محمد بن القاسم النيسابوري حدثنا محمد بن خالد بن زيد الراسبي حدثنا

(11/40)


مسعود بن جويرة حدثنا المعافي بن عمران عن ياسين الزيات عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله احتجم وهو صائم بعدما قال أفطر الحاجم والمحجوم وهذا صريح بانتساخ حديث أفطر الحاجم والمحجوم واعترض ابن خزيمة بأن في هذا الحديث يعني حديث الباب أنه كان صائما محرما قال ولم يكن قط محرما مقيما ببلده إنما كان محرما وهو مسافر وللمسافر إن كان ناويا للصوم فمضى عليه بعض النهار وهو صائم الأكل والشرب على الصحيح فإذا جاز له ذلك جاز له أن يحتجم وهو مسافر قال وليس في خبر ابن عباس ما يدل على إفطار المحجوم فضلا عن الحاجم وأجيب بأن الحديث ما ورد هكذا إلا لفائدة فالظاهر أنه وجدت منه الحجامة وهو صائم لم يتحلل من صومه واستمر وقال ابن حزم صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب فيه لكن وجدنا من حديث أبي سعيد أرخص النبي محرما في الحجامة للصائم وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجما أو محجوما وقد مر حديث أبي سعيد عن قريب
9391 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال احتجم النبي وهو صائم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو معمر بفتح الميمين اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد وعبد الوارث ابن سعيد التميمي العنبري مولاهم البصري وأيوب هو السختياني وهذا طريق آخر في حديث ابن عباس وأخرج الطحاوي هذا الحديث من عشر طرق وأخرجه أبو داود عن أبي معمر عن عبد الوارث إلى آخره نحو رواية البخاري وقال الإسماعيلي حدثنا الحسن حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة فلم يذكر ابن عباس واختلف على حماد بن زيد في وصله وإرساله وقد بين ذلك النسائي وقال مهنا سألت أحمد عن هذا الحديث فقال ليس فيه صائم إنما هو وهو محرم ثم ساق من طرق ابن عباس لكن ليس فيها طريق أيوب هذه والحديث صحيح لا شك فيه وروى ابن سعد في كتابه عن هاشم بن القاسم عن شعبة عن الحاكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله احتجم بالقاحة وهو صائم قلت القاحة بالقاف والحاء المهملة على ثلاثة مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل
0491 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( ثابتا البناني يسأل أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال لا إلا من أجل الضعف
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد مروا غير مرة
قوله البناني بضم الباء الموحدة وبالنونين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة نسبة إلى بنانة وهم ولد سعد بن لؤي قوله يسأل على صورة المضارع المبني للفاعل وهو رواية أبي الوقت وهذا غلط لأن شعبة ما حضر سؤال ثابت عن أنس وقد سقط منه رجل بين شعبة وثابت فرواه الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق جعفر بن محمد القلانسي وأبي قرصافة محمد بن عبد الوهاب وإبراهيم بن الحسين بن يزيد كلهم عن آدم ابن أبي إياس شيخ البخاري فيه مقال عن شعبة عن حميد قال سمعت ثابتا وهو يسأل أنس بن مالك فذكر الحديث وأشار الإسماعيلي والبيهقي إلى أن الرواية التي وقعت للبخاري خطأ وأنه سقط منه حميد قلت الخطأ من غير البخاري لأنه كان يعلم أن شعبة لم يحضر سؤال ثابت عن أنس ولا أدرك أنسا وأكثر أصول البخاري سمعت ثابتا البناني قال سأل أنس بن مالك
وزاد شبابة قال حدثنا شعبة على عهد النبي
شبابة بفتح الشين المعجمة وبالباءين الموحدتين أولاهما خفيفة وهو ابن سوار الفزاري مولاهم أبو عمرو المدائني أصله من خراسان ويقال اسمه مروان وإنما غلب عليه شبابة وهذه الزيادة أخرجها ابن منده في ( غرائب شعبة ) فقال حدثنا محمد

(11/41)


بن أحمد بن حاتم حدثنا عبد الله بن روح حدثنا شبابة حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد وبه عن شبابة عن شعبة عن حميد عن أنس نحوه وهذا يؤكد صحة اعتراض الإسماعيلي ومن تبعه ويشعر بأن الخلل ليس من البخاري إذ لو كان إسناد شبابة عنده مخالفا لإسناد آدم لبنيه والله أعلم
33 -
( باب الصوم في السفر والإفطار )
أي هذا باب في بيان حكم الصوم في السفر وحكم الإفطار فيه هل هما مباحان فيه أو المكلف مخير فيه سواء في رمضان أو غيره
1491 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي إسحاق الشيباني ) أنه سمع ( ابن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع رسول الله في سفر فقال لرجل انزل فاجدح لي قال يا رسول الله الشمس قال انزل فاجدح لي قال يا رسول الله الشمس قال انزل فاجدح لي فنزل فجدح له فشرب ثم رمى بيده ههنا ثم قال إذا رأيتم الليل أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم
مطابقته للترجمة من حيث إنه كان صائما في سفره هذا وهو مطابق للجزء الأول من الترجمة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول علي بن عبد الله بن جعفر الذي يقال له ابن المديني وقد تكرر ذكره الثاني سفيان بن عيينة الثالث أبو إسحاق الشيباني واسمه سليمان بن أبي سليمان واسمه فيروز الشيباني نسبة إلى شيبان بن وهل بن ثعلبة وشيبان في قبائل الرابع عبد الله بن أبي أوفى واسمه علقمة الأسلمي وهذا هو أحد من رواه أبو حنيفة الإمام رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع وفيه السماع في موضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه بصري وسفيان مكي وأبو إسحاق كوفي والحديث من الرباعيات
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصوم عن مسدد وعن أحمد بن يونس وفي الطلاق عن علي بن عبد الله عن جرير وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى عن هشيم وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كامل الجحدري وعن ابن أبي عمرو عن إسحاق بن إبراهيم وعن عبيد الله بن معاذ وعن محمد بن المثنى وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور عن سفيان به
ذكر معناه قوله كنا مع رسول الله في سفر وفي رواية مسلم كنا مع رسول الله في سفر في شهر رمضان قيل يشبه أن يكون سفر غزوة الفتح والدليل عليه رواية هشيم عن الشيباني عند مسلم بلفظ كنا مع رسول الله في سفر في شهر رمضان وسفره في رمضان منحصر في غزوة بدر وفي غزوة الفتح فإن ثبت فلم يشهد ابن الزبير ابن أبي أوفى بدرا فتعينت غزوة الفتح قوله فقال الرجل وفي رواية مسلم فلما غابت الشمس قال يا فلان إنزل فاجدح وفي رواية للبخاري فلما غربت على ما يأتي ولفظ غربت يفيد معنى زائدا على معنى غابت والرجل في رواية البخاري وفلان في رواية مسلم هو بلال رضي الله تعالى عنه قال صاحب ( التوضيح ) وجاء في بعض طرق الحديث أنه بلال قلت هذا في رواية أبي داود فإنه أخرج الحديث عن مسدد شيخ البخاري وفيه فقال يا بلال انزل إلى آخره ووقع في رواية أحمد من رواية شعبة عن الشيباني فدعا صاحب شرابه بشراب فقال لو أمسيت قوله فاجدح لي إجدح بكسر الهمزة أمر من جدحت السويق واجتدحته أي لتته والمصدر جدح ومادته جيم ودال وحاء مهملة والجدح أن يحرك السويق بالماء فيخوض حتى يستوي وكذلك اللبن ونحوه والمجدح بكسر الميم عود مجدح الرأس تساط به الأشربة وربما يكون له ثلاث شعب وقال الداودي إجدح يعني احلب ورد ذلك عياض وغيره وفي ( المحكم ) المجدح خشبة في رأسها خشبتان معترضتان وكلما خلط فقد جدح وعن القزاز هو كالملعقة وفي ( المنتهى ) شراب مجدوح

(11/42)


ومجدح أي مخوض والمجدح عود ذو جوانب وقيل هو عود يعرض رأسه والجمع مجاديح قوله الشمس بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذه الشمس يعني ما غربت الآن ويجوز فيه النصب على معنى انظر الشمس وهذا ظن منه أن الفطر لا يحل إلا بعد ذلك لما رأى من ضوء الشمس ساطعا وإن كان جرمها غائبا يؤيده قوله إن عليك نهارا وهو معنى لو أمسيت في رواية أحمد أي تأخرت حتى يدخل المساء وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم فيه الأكل مع تجويزه أن النبي لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما فقصد زيادة الإعلام فأعرض عن الضوء واعتبر غيبوبة الشمس ثم بين ما يعتبره من لم يتمكن من رؤية جرم الشمس وهو إقبال الظلمة من المشرق فإنها لا تقبل منه إلا وقد سقط القرص فإن قلت المراجعة معاندة ولا يليق ذلك للصحابي قلت قد ذكرنا أنه ظن فلو تحقق أن الشمس غربت ما توقف وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في ذلك فأكثر ما وقع فيها أن المراجعة وقعت ثلاثا وفي بعضها مرتين وفي بعضها مرة واحدة وهو محمول على أن بعض الرواة اختصر القصة قوله ثم رمى بيده ههنا معناه أشار بيده إلى المشرق ويؤيد ذلك ما رواه مسلم ثم قال بيده إذا غابت الشمس من ههنا وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم وفي لفظ له ثم قال إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا أشار بيده نحو المشرق فقد أفطر الصائم قوله إذا رأيتم الليل أقبل من ههنا أي من جهة المشرق فإن قلت ما الحكمة في قوله إذا أقبل الليل من ههنا وفي لفظ مسلم إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا وفي لفظ الترمذي عن عمر بن الخطاب إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغربت الشمس فقد أفطر والإقبال والإدبار والغروب متلازمة لأنه لا يقبل الليل إلا إذا أدبر النهار ولا يدبر النهار إلا إذا غربت الشمس قلت أجاب القاضي عياض بأنه قد لا يتفق مشاهدة عين الغروب ويشاهد هجوم الظلمة حتى يتيقن الغروب بذلك فيحل الإفطار وقال شيخنا الظاهر إن أريد أحد هذه الأمور الثلاثة فإنه يعرف انقضاء النهار برؤية بعضها ويؤيده اقتصاره في حديث ابن أبي أوفى على إقبال الليل فقط وقد يكون الغيم في المشرق دون المغرب أو عكسه وقد يشاهد مغيب الشمس فلا يحتاج معه إلى أمر آخر قوله فقد أفطر الصائم أي دخل وقت الإفطار لا أنه يصير مفطرا بغيبوبة الشمس وإن لم يتناول مفطرا
ذكر ما يستفاد منه الحديث يدل على أن الصوم في السفر في رمضان أفضل من الإفطار وذلك لأن النبي كان صائما وهو في السفر في شهر رمضان وقد اختلفوا في هذا الباب فمنهم من روى عنه التخيير منهم ابن عباس وأنس وأبو سعيد وسعيد بن المسيب وعطاء وسعيد بن جبر والحسن والنخعي ومجاهد والأوزاعي والليث وذهب قوم إلى أن الإفطار أفضل منهم عمر بن عبد العزيز والشعبي وقتادة ومحمد بن علي والشافعي وأحمد وإسحاق وقال ابن العربي قالت الشافعية الفطر أفضل في السفر وقال أبو عمر قال الشافعي هو مخير ولم يفصل وكذلك قال ابن علية وقال القاضي مذهب الشافعي أن الصوم أفضل وممن كان لا يصوم في السفر حذيفة وذهب قوم إلى أن الصوم أفضل وبه قال الأسود بن يزيد وأبو حنيفة وأصحابه وفي ( التوضيح ) وبه قال الشافعي ومالك وأصحابه وأبو ثور وكذا روى عن عثمان بن أبي العاص وأنس بن مالك وروي عن عمر وابنه وأبي هريرة وابن عباس إن صام في السفر لم يجزه وعليه القضاء في الحضر وعن عبد الرحمن بن عوف قال الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وبه قال أهل الظاهر وممن كان يصوم في السفر ولا يفطر عائشة وقيس بن عباد وأبو الأسود وابن سيرين وابن عمر وابنه سالم وعمرو بن ميمون وأبو وائل وقال علي رضي الله تعالى عنه فيما رواه حماد بن يزيد عن أيوب عن محمد بن عبيدة عنه من أدرك رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم لأن الله تعالى قال فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة 581 ) وقال أبو مجلز لا يسافر أحد في رمضان فإن سافر فليصم وقال أحمد يباح له الفطر فإن صام كره وأجزأه وعنه الأفضل الفطر وقال أحمد كان عمر وأبو هريرة يأمران بالإعادة يعني إذا صام وقال الإسبيجابي في ( شرح مختصر الطحاوي ) الأفضل أن يصوم في السفر إذا لم يضعفه الصوم فإن أضعفه ولحقه مشقة بالصوم بالفطر أفضل فإن أفطر من غير مشقة لا يأثم وبما قلناه قال مالك والشافعي قال النووي هو المذهب

(11/43)


وعن مجاهد في رواية أفضل الأمرين أيسرهما عليه وقيل الصوم والفطر سواء وهو قول للشافعي
وفيه استحباب تعجيل الفطر
وفيه بيان انتهاء وقت الصوم وهو أمر مجمع عليه وقال أبو عمر في ( الاستذكار ) أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا وأجمعوا على أن صلاة المغرب من صلاة الليل والله عز و جل قال ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة 781 ) واختلفوا في أنه هل يجب تيقن الغروب أم يجوز الفطر بالاجتهاد وقال الرافعي الأحوط أن لا يأكل إلا بيقين غروب الشمس لأن الأصل بقاء النهار فيستصحب إلى أن يستيقن خلافه ولو اجتهد وغلب على ظنه دخول الليل بورد وغيره ففي جواز الأجل وجهان أحدهما وبه قال الاستاذ أبو إسحاق الإسفرائني أنه لا يجوز وأصحهما الجواز وإذا كانت البلدة فيها أماكن مرتفعة وأماكن منخفضة فهل يتوقف فطر سكان الأماكن المنخفضة على تحقق غيبة الشمس عند سكان الأماكن المرتفعة الظاهر اشتراط ذلك وفيه جواز الاستفسار عن الظواهر لاحتمال أن يكون المراد إمرارها على ظواهرها
وفيه أنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر
وفيه تذكير العالم بما يخشى أن يكون نسيه
وفيه أن الأمر الشرعي أبلغ من الحسي وأن العقل لا يقضي على الشرع
وفيه أن الفطر على التمر ليس بواجب وإنما هو مستحب لو تركه جاز
وفيه إسراع الناس إلى إنكار ما يجهلون لما جهل من الدليل الذي عليه الشارع وأن الجاهل بالشيء ينبغي أن يسمح له فيه المرة بعد المرة والثالثة تكون فاصلة بينه وبين معلمه كما فعل الخضر بموسى عليهما السلام وقال هذا فراق بيني وبينك ( الكهف 87 )
تابعه جرير وأبو بكر بن عياش عن الشيباني عن ابن أبي أوفى قال كنت مع النبي في سفر
يعني تابع سفيان جرير بفتح الجيم ابن عبد الحميد وتابعه أيضا أبو بكر بن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن سالم الأسدي الكوفي الحناط بالنون المقرىء وقد اختلف في اسمه على أقوال فقيل محمد وقيل عبد الله وقيل سالم وقيل غير ذلك إلى أسماء مختلفة والأصح أن اسمه كنيته ومتابعة جرير وصلها في البخاري في الطلاق ومتابعة أبي بكر تأتي موصولة في باب تعجيل الإفطار والمراد من المتابعة المتابعة في أصل الحديث
2491 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال حدثني أبي عن ( عائشة ) أن ( حمزة بن عمرو الأسلمي ) قال يا رسول الله إني أسرد الصوم ( الحديث 2491 - طرفه في 3491 )
مطابقته للترجمة من حيث إن سرد الصوم يتناول الصوم في السفر أيضا كما هو الأصل في الحضر وأخرج هذا الحديث من طريقين الأول عن مسدد عن يحيى عن هشام وهو مختصر والثاني عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام إلى آخره وسيأتي عن قريب
ذكر رجاله وهم ستة الأول مسدد بن مسرهد الثاني يحيى بن سعيد القطان الثالث هشام بن عروة الرابع أبوه عروة بن الزبير بن العوام الخامس عائشة أم المؤمنين السادس حمزة بن عمرو الأسلمي أبو صالح وقيل أبو محمد
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه رواية الابن عن الأب وفيه أن الحديث من مسند عائشة وهذا ظاهر لأن الحفاظ رووه هكذا وقال عبد الرحيم بن سليمان عند النسائي والدراوردي عند الطبراني ويحيى بن عبد الله بن سالم عند الدارقطني ثلاثتهم عن هشام عن أبيه عن عائشة عن حمزة بن عمرو جعلوه من مسند حمزة والمحفوظ أنه من مسند عائشة وحاء الحديث من رواية حمزة أيضا فأخرجها مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح فقال رسول الله هو رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه وكذلك رواه محمد بن إبراهيم

(11/44)


التيمي عن عروة لكنه أسقط أبا مراوح والصواب إثباته وهو محمول على أن لعروة فيه طريقين سمعه من عائشة وسمعه من أبي مراوح عن حمزة
ذكر معناه وقوله إني أسرد الصوم أي أتابعه يعني آتي به متواليا وهو من سرد يسرد من باب نصر ينصر وقال ابن التين وضبط في بعض الأمهات بضم الهمزة ولا وجه له في اللغة إلا أن يريد بفتح السين وتشديد الراء على التكثير قلت لا يحتاج إلى هذا التطويل لأنه حين قيل بضم الهمزة علم أنه من باب التفعيل تقول سرد يسرد تسريدا وصيغة المتكلم وحده لا تجيء إلا بضم الهمزة قالوا وفيه رد على من يرى أن صوم الدهر مكروه لأنه أخبر بسرده ولم ينكر عليه بل أقره وأذن له في السفر ففي الحضر أولى وأجيب بأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر فلا دلالة فيه على الكراهة فإن قلت يعارضه نهيه عبد الله بن عمرو بن العاص قلت يحمل نهيه على ضعف عبد الله عن ذلك وحمزة ذكر قوة لم يذكرها غيره
3491 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي أأصوم في السفر وكان كثير الصيام فقال إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ( انظر الحديث 2491 )
هذا طريق ثان قوله أأصوم بهمزتين الأولى هي همزة الاستفهام والأخرى همزة المتكلم وكلتاهما مفتوحتان قيل ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان فلا يكون فيه حجة على منع صيام رمضان في السفر وأجيب بأن في رواية أبي مراوح في رواية مسلم التي ذكرناها إشعارا بأنه سأل عن صيام الفريضة لأن الرخصة إنما تطلق في مقابل ما هو واجب وأصرح من ذلك وأكثر وضوحا ما رواه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وأنه ربما صادفني هذا الشهر يعني شهر رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أؤخره فيكون دينا علي فقال أي ذلك شئت يا حمزة
43 -
( باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر )
أي هذا باب يذكر فيه إذا صام شخص أيامر من رمضان ثم سافر هل يباح له الفطر أم لا ولم يذكر جواب إذا اكتفاء بما ذكره في الباب تقديره يباح له الفطر وقال بعضهم كأنه أشار إلى تضعيف ما روى عن علي بإسناد ضعيف أن من استهل عليه رمضان في الحضر ثم سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة 581 ) انتهى قلت قد مر مثل هذا الكلام من هذا القائل غير مرة وأجبنا عن هذا بأن الإشارة لا تكون إلا للحاضر فمن أين علم أنه اطلع على هذا الحديث حتى أشار إليه ولئن سلمنا اطلاعه على هذا فكيف وجه الإشارة إليه
4491 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي خرج إلى مكة فصام أياما ثم أفطر
ورجاله قد ذكروا غير مرة وعبيد الله بن عبد الله بالتصغير في الابن والتكبير في الأب ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن علي بن عبد الله وفي المغازي عن محمود عن عبد الرزاق وعن عبد الله بن يوسف عن الليث وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى وابن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعمرو الناقد أربعتهم عن سفيان به وعن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وعن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث عنه به وعن حرملة بن يحيى عن ابن وهب وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن سفيان به

(11/45)


ذكر معناه قوله خرج إلى مكة كان ذلك في غزوة الفتح خرج يوم الأربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان فلما كان بالصلصل جبل عند ذي الحليفة نادى مناديه من أحب أن يفطر فليفطر ومن أحب أن يصوم فليصم فلما بلغ الكديد أفطر بعد صلاة العصر على راحلته ليراه الناس قوله لعشر مضين من رمضان رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري ووقع في مسلم من حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج في عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة خلت منه قوله حتى بلغ الكديد وفي رواية عن ابن عباس ستأتي قريبا من وجه آخر حتى بلغ عسفان بدل الكديد ووقع عند مسلم فلما بلغ كراع الغميم ووقع في رواية النسائي من رواية الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي خرج في رمضان فصام حتى أتى قديدا ثم أتى بقدح من لبن فشربه فأفطر هو وأصحابه وقال القاضي عياض اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه والكل في قضية واحدة وكلها متقاربة والجميع من عمل عسفان انتهى قلت الكديد بفتح الكاف وبدالين مهملتين أولاهما مكسورة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وهو موضع بينه وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها وبينه وبين مكة نحو مرحلتين وهو أقرب إلى المدينة من عسفان وقال أبو عبيد بينه وبين عسفان ستة أميال وعسفان على أربعة برد من مكة وبالكاديد عين جارية بها نخل كثير وذكر ابن قرقول أن بين الكديد ومكة اثنان وأربعون ميلا وقال ابن الأثير وعسفان قرية جامعة بين مكة والمدينة وكراع الغميم أيضا موضع بين مكة والمدينة والكراع جانب مستطيل من الحرة مشتبها بالكراع والغميم بفتح الغين المعجمة واد بالحجاز أما عسفان فبثمانية أميال يضاف إليها هذا الكراع قيل جبل أسود متصل به والكراع كل أنف سال من جبل أو حرة وقديد بضم القاف موضع قريب من مكة فكأنه في الأصل تصغير قد
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان صريح أنه صام في السفر وفيه رد على من لم يجوز الصوم في السفر وفيه بيان إباحة الإفطار في السفر وفيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار وفيه رد لقول من زعم أن فطره بالكديد كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة وذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز الفطر في ذلك اليوم وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر قال أبو عمر اختلفوا في الذي يخرج في سفره وقد بيت الصوم فقال مالك عليه القضاء ولا كفارة فيه وبه قال أبو حنيفة والشافعي وداود والطبري والأوزاعي وللشافعي قول آخر أنه يكفر إن جامع
قال أبو عبد الله والكديد ماء بين عسفان وقديد
أبو عبد الله هو البخاري نفسه ونسبة هذا التفسير للبخاري وقعت في رواية المستملي وحده وسيأتي في المغازي موصولا من وجه آخر في نفس الحديث
5491 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثني ( يحيى بن حمزة ) عن عبد الرحمان بن يزيد بن جابر أن إسماعيل بن عبيد الله حدثه عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال خرجنا مع النبي في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي وابن رواحة
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي أن الصوم والإفطار في السفر لو لم يكونا مباحين لما صام النبي وابن رواحة وأفطر الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقد وقع على رأس هذا الحديث لفظ باب كذا مجردا عن ترجمة عند الأكثرين وسقط من رواية النسفي
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبد الله بن يوسف التنيسي الثاني يحيى بن حمزة الدمشقي مات سنة ثلاث وثمانين ومائة الثالث ( عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ) الشامي مات سنة ثلاث وخمسين ومائة

(11/46)


الرابع ( إسماعيل بن عبيد الله ) مصغرا مات سنة إحدى وثلاثين ومائة الخامس أم ( الدرداء ) الصغرى واسمها هجيمة وهي تابعية وأم الدرداء الكبرى اسمها خيرة وهي صحابية وكلتاهما زوجتا ( أبي الدرداء ) وقال ابن الأثير قد جعل ابن منده وأبو نعيم كلتيهما واحدة وليس كذلك وقال أبو مسهر أيضا هما واحدة وهو وهم منه والصحيح ما ذكرناه السادس أبو الدرداء واسمه عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن رواته كلهم شاميون سوى شيخ البخاري وقد دخل الشام وفيه رواية التابعية عن الصحابي والزوجة عن زوجها وفيه عن أم الدرداء وفي رواية أبي داود من طريق سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله حدثتني أم الدرداء
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن داود بن رشيد وأخرجه أبو داود فيه عن مؤمل بن الفضل الحراني
ذكر معناه قوله خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره وفي رواية مسلم من طريق سعيد بن عبد العزيز خرجنا مع رسول الله في شهر رمضان في حر شديد الحديث وفي هذه الزيادة فائدتان أولاهما أن المراد يتم به من الاستدلال والأخرى يرد بها على ابن حزم في قوله لا حجة في حديث أبي الدرداء لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا لا يظن أن هذه السفرة سفرة الفتح لأن في هذه السفرة كان عبد الله بن رواحة معه وقد استشهد هو بمؤتة قبل غزوة الفتح قال صاحب ( التلويح ) ويحتمل أن تكون هذه السفرة سفرة بدر لأن الترمذي روى عن عمر رضي الله تعالى عنه غزونا مع رسول الله في رمضان يوم بدر والفتح قال وأفطرنا فيهما والترمذي بوب بابين أحدهما في كراهية الصوم في السفر والآخر ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر وأخرج في الباب الأول حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال أولئك العصاة وأخرجه مسلم والنسائي أيضا وأخرج في الباب الثاني حديث عائشة عن حمزة بن عمرو الأسلمي وقد مر فيما مضى عن قريب وقال في الباب الأول وقوله حين بلغ بلغه أن ناسا صاموا أولئك العصاة فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى فأما من رأى الفطر مباحا وصام وقوي على ذلك فهو أعجب إلي وقال النووي هو محمول على أن من تضرر بالصوم أو أنهم أمروا بالفطر أمرا جازما لمصلحة بيان جوازه فخالفوا الواجب قال وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصيا إذا لم يتضرر به فإن قلت كيف صام بعض الصحابة بل أفضلهم وهو أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما على ما في حديث أبي هريرة الذي رواه النسائي من رواية الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عنه قال أتى النبي بطعام بمر الظهران فقال لأبي بكر وعمر أدنيا فكلا فقالا إنا صائمان قال أرحلوا لصاحبيكم إعملوا لصاحبيكم انتهى بعد أمره لهم بالإفطار قلت ليس في حديث جابر أنه أمرهم بالإفطار وكذلك هو عند من خرج من الأئمة الستة وأنهم صاموا بعد إفطار النبي وأما صوم أبي بكر وعمر بمر الظهران فهو بعد عسفان وكراع الغميم فليس فيه أن هذا كان في غزوة الفتح هذه وإن كان الظاهر أنه فيها فإنهما فهما أن فطره كان ترخصا ورفقا بهم وظنا أن بهما قوة على الصيام فأراد النبي والله أعلم حسم ذلك لئلا يقتدي بهما أحد فأمرهما بالإفطار
63 -
( باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصوم في السفر )
أي هذا باب في بيان قول النبي للرجل الذي ظللوا عليه بشيء مما له ظل لشدة الحر قوله واشتد الحر جملة

(11/47)


فعلية وقعت حالا قوله ليس من البر مقول القول ولفظ الحديث يظهر من هذا أن السبب لقوله هذا هو المشقة والبر بكسر الباء الطاعة يعني ليس من الطاعة والعبادة أن تصوموا في حالة السفر والبر أيضا الإحسان والخير ومنه بر الوالدين يقال بر يبر فهو بار وجمعه بررة وجمع البر بفتح الباء أبرار والبر بالفتح الحيد والخير ومنه قوله صلوا خلف كل بر وفاجر ويجيء بمعنى المعطوف وفي أسماء الله تعالى البر العطوف على عباده ببره ولطفه والبر والبار بمعنى وإنما جاء في إسم الله تعالى البر دون البار والبر بالفتح أيضا خلاف البحر وجمعه برور ويقال إن كلمة من في قوله ليس من البر زائدة أي ليس البر كما في قولهم ما جاءني من أحد أي ما جاءني أحد ولا خلاف في زيادة من في النفي وإنما الخلاف في الإثبات فأجازه قوم ومنعه آخرون
6491 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( محمد بن عبد الرحمان الأنصاري ) قال سمعت ( محمد بن عمرو بن الحسن بن علي ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قال كان رسول الله في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا فقالوا صائم فقال ليس من البر الصوم في السفر
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة قطعة من الحديث ورجاله مشهورون
والحديث أخرجه مسلم من حديث محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر قال كان رسول الله في سفر فرأى رجلا قد اجتمع عليه الناس وقد ظلل عليه فقال ما له قالوا رجل صائم فقال رسول الله ليس من البر أن تصوموا في السفر وفي لفظ له في آخره قال شعبة وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث وفي هذا الإسناد أنه قال عليكم برخصة الله الذي رخص لكم قال فلما سألته لم يحفظه ورواه أبو داود أيضا وقال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن يعني ابن أسعد بن زرارة عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر أن رسول الله رأى رجلا يظلل عليه والزحام عليه فقال ليس من البر الصيام في السفر ورواه النسائي وقال أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق قال حدثنا عبد الوهاب بن سعيد قال حدثنا شعيب عن الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن قال أخبرني جابر بن عبد الله أن رسول الله مر برجل إلى ظل شجرة يرش عليه الماء قال ما بال صاحبكم هذا قالوا يا رسول الله صائم قال ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها
وفي الباب عن ابن عمر رواه الطحاوي من رواية نافع عنه قال قال رسول الله فيس من البر الصيام في السفر ورواه ابن ماجه عن محمد بن مصفي الحمصي إلى آخره نحوه وروى الطحاوي أيضا من حديث كعب بن مالك بن عاصم الأشعري أن رسول الله قال ليس من البر أن تصوموا في السفر ورواه النسائي وابن ماجه والطبراني في ( الكبير ) وروى الطحاوي أيضا قال حدثنا محمد بن النعمان قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يقول أخبرني صفوان بن عبد الله الحديث قال سفيان فذكر لي أن الزهري كان يقول ولم أسمع أنا منه ليس من أمبرا مصيام في امسفر قال الزمخشري هي لغة طيء فإنهم يبدلون اللام ميما وروى ابن عدي من حديث عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله ليس من البر الصوم في السفر وفيه مقال وروى ابن عدي أيضا من حديث ميمون بن مهران عن أبي هريرة عن النبي قال ليس من البر الصوم في السفر وفيه محمد بن إسحاق العكاشي وهو منكر الحديث وقال الطحاوي ذهب قوم إلى هذه الأحاديث وقالوا الإفطار في شهر رمضان في السفر أفضل من الصيام قلت أراد بالقوم هؤلاء سعيد بن جبير وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز والشعبي والأوزاعي وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق وقد ذكرنا فيما مضى مذاهب العلماء
ذكر معناه قوله كان رسول الله في سفر ظهر من رواية الترمذي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أنها

(11/48)


غزوة الفتح لأنه صرح فيه بقوله خرج إلى مكة عام الفتح الحديث قوله ورجلا قد ظلل عليه وقال صاحب ( التلويح ) والرجل المجهود في الصوم هنا قيل هو أبو إسرائيل ذكر الخطيب في كتاب ( المبهمات ) أن النبي رآه يهادي بين ابنيه وقد ظل عليه فسأل عنه فقالوا نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فقال إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه مروه فليمش وليركب وفي مسند أحمد ما يشعر بأنه غير المظلل عليه وهو أن النبي دخل المسجد وأبو إسرائيل يصلي فقيل للنبي هو ذا يا رسول الله لا يقعد ولا يكلم الناس ولا يستظل ولا يفطر فقال ليقعد وليتكلم وليستظل وليفطر وقال بعضهم زعم مغلطاي أنه أبو إسرائيل وعزى ذلك ( بمبهمات الخطيب ) ولم يقل الخطيب ذلك في هذه القصة ثم أطال الكلام بما لا يفيده فكيف يقول زعم مغلطاي وهو لم يزعم ذلك وإنما قال قيل هو أبو إسرائيل ثم قال أيضا وفي ( مسند ) أحمد ما يشعر أنه غيره وبين ذلك فهذا مجرد تشنيع عليه مع ترك محاسن الأدب في ذكره بصريح اسمه وليس هذا من دأب العلماء وقال صاحب ( التوضيح ) عندما ينقل عنه شيئا قال شيخنا علاء الدين قوله قد ظلل عليه على صيغة المجهول قوله فقال أي فقال النبي ما للرجل يعني ما شأنه وفي رواية النسائي ما بال صاحبكم هذا قوله ليس من البر الصوم في السفر قد مر تفسير البر آنفا وتمسك بعض أهل الظاهر بهذا وقال إذا لم يكن من البر فهو من الإثم فدل أن صوم رمضان لا يجزىء في السفر وقال الطحاوي هذا الحديث خرج لفظه على شخص معين وهو المذكور في الحديث ومعناه ليس البر أن يبلغ الإنسان بنفسه هذا المبلغ والله قد رخص في الفطر والدليل على صحة هذا التأويل صومه في السفر في شدة الحر ولو كان إثما لكان أبعد الناس منه أو يقال ليس هو أبر البر لأنه قد يكون الإفطار أبر منه للقوة في الحج والجهاد وشبههما وقال القرطبي أي ليس من البر الواجب
قيل هذا التأويل إنما يحتاج إليه من قطع الحديث عن سببه وحمله على عمومه وأما من حمله على القاعدة الشرعية في رفع ما لا يطاق عن هذه الأمة فبأن للمريض المقيم ومن أجهده الصوم أن يفطر فإن خاف على نفسه التلف من الصوم عصى بصومه وعلى هذا يحمل قوله أولئك العصاة وأما من كان على غير حال المظلل عليه فحكمه ما تقدم من التخيير وبهذا يرتفع التعارض وتجتمع الأدلة ولا يحتاج إلى فرض نسخ إذ لا تعارض فإن قلت روى النسائي من حديث أبي أمية الضمري فيه فقال رسول الله إن الله وضع عن المسافر الصيام ونصف الصلاة وروى أيضا من حديث عبد الله بن الشخير قال كنت مسافرا فأتيت النبي وهو يأكل وأنا صائم فقال هلم فقلت إني صائم قال أتدري ما وضع الله عز و جل عن المسافر قلت وما وضع الله عن المسافر قال الصوم وشطر الصلاة قلت يجوز أن يكون ذلك الصيام الذي وضعه عنه هو الصيام الذي لا يكون له منه بد في تلك الأيام كما لا بد للمقيم من ذلك
73 -
( باب لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضا في الصوم والإفطار )
أي هذا باب يذكر فيه لم يعب ألى آخره أراد يعني في الأسفار
54 - ( حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كنا نسافر مع النبي فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم )
مطابقته للترجمة من حيث أنها بعض متن الحديث وأخرجه مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا أبو خيثمة عن حميد قال سئل أنس عن صوم رمضان في السفر فقال سافرنا مع رسول الله في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن حميد قال خرجت فصمت فقالوا لي أعد ( فإن قلت ) أن أنسا أخبرني أن أصحاب رسول الله كانوا يسافرون فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم فلقيت ابن أبي مليكة فأخبرني عن عائشة بمثله وروى مسلم أيضا عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله قالا سافرنا مع رسول الله فيصوم الصائم ويفطر المفطر فلا يعيب بعضهم على بعض

(11/49)


وفي لفظ له عن أبي سعيد مطولا وفيه فقال إنكم مصبحوا عدوكم والفطر أنوى لكم فأفطروا وكانت عزيمة فأفطرنا ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله بعد ذلك في السفر وقوله لقد رأيتنا أي رأيت أنفسنا وهذا الحديث حجة على من زعم أن الصائم في السفر لا يجزيه صومه لأن تركهم لإنكار الصوم والفطر يدل على أن ذلك عندهم من المتعارف المشهور الذي تجب الحجة به -
83 -
( باب من أفطر في السفر ليراه الناس )
أي هذا باب في بيان شأن الذي أفطر في السفر ليراه الناس فيقتدوا به ويفطرون بفطره ويفهم منه أن أفضلية الفطر لا تختص بمن تعرض له المشقة إذا صام أو بمن يخشى العجب والرياء أو بمن يظن به أنه رغب عن الرخصة بل إذا رأى من يقتدي به أفطر يفطر هو أيضا وذلك لأن النبي إنما أفطر في السفر ليراه الناس فيقتدوا به ويفطرون لأن الصيام كان أضرهم فأراد الرفق بهم والتيسير عليهم أخذا بقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( البقرة 581 ) فأخبر الله تعالى أن الإفطار في السفر أراده للتيسير على عباده فمن اختار رخصة الله فأفطر في سفره أو مرضه لم يكن معنفا ومن اختار الصوم وهو يسير عليه فهو أفضل لورود الأخبار بصومه في السفر
8491 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( منصور ) عن ( مجاهد ) عن ( طاووس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال خرج رسول الله من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس فأفطر حتى قدم مكة وذلك في رمضان فكان ابن عباس يقول قد صام رسول الله وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر
مطابقته للترجمة في قوله ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس فأفطر
ذكر رجاله وهم ستة كلهم قد ذكروا غير مرة وأبو عوانة بالفتح الوضاح اليشكري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربع مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه بصري وأن أبا عوانة واسطي وأن منصورا كوفي وأن مجاهدا مكي وأن طاووسا يماني وفيه مجاهد عن طاووس من رواية الأقران وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس وأخرجه النسائي من طريق شعبة عن منصور فلم يذكر طاووسا في الإسناد وكذا أخرجه من طريق الحكم عن مجاهد عن ابن عباس والوجه فيه أن مجاهدا أخذه أولا عن طاووس ثم لقي ابن عباس فأخذه عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في الصوم عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن أبي عوانة به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن قدامة عن جرير به وعن محمد بن رافع
ذكر معناه قوله عسفان قد مر تفسيره عن قريب قوله فرفعه إلى يديه أي رفع الماء إلى غاية طول يديه وهو حال أو فيه تضمين أي انتهى الرفع إلى أقصى غايتها وقال بعضهم فرفعه إلى يديه كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاري وهو مشكل لأن الرفع إنما يكون باليد ثم نقل ما قاله الكرماني وهو ما ذكرناه ثم قال وقد وقع عند أبي داود عن مسدد عن أبي عوانة بالإسناد المذكور في البخاري فرفعه إلى فيه وهذا أوضح ولعل الكلمة تصحيف انتهى قلت لا إشكال ههنا أصلا ولا تصحيف وهذا وهم فاسد وذلك لأن المراد من الرفع ههنا هو أن يرفعه جدا طول يديه حتى يعلو إلى فوق ليراه الناس وليس المراد مجرد الرفع باليد من الأرض أو من يد الأكبر لأنه بمجرد الرفع لا يراه الناس قوله ليراه الناس برفع الناس لأنه فاعل يرى والضمير المنصوب فيه مفعوله وهكذا هو

(11/50)


في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي ليريه الناس واللام فيه للتعليل في الوجهين و الناس منصوب لأنه مفعول ثان لأن ليريه بضم الياء من الإراءة وهي تستدعي مفعولين كما عرف في موضعه
وقصة هذا الحديث أنه خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام الناس فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصوم وإنما ينتظرون إلى فعلك فدعا بقدح من ماء فرفعه حتى ينظر الناس إليه فيقتدوا به في الإفطار لأن الصيام أضر بهم فأراد رسول الله التيسير عليهم وكان لا يؤمن عليهم الضعف والوهن في حربهم حين لقاء عدوهم
93 -
( باب وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )
أي هذا باب في بيان حكم قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) أي وعلى الذين يطيقون الصوم الذين لا عذر بهم إن أفطروا فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند أهل العراق وعند أهل الحجاز مد وكان في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم فاشتد عليهم فرخص لهم في الإفطار والفدية وقال معاذ كان في ابتداء الأمر من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها وارتفاع فدية على الابتداء وخبره مقدما هو قولهوعلى الذين وقراءة عامة فدية بالتنوين وقوله طعام مسكين ( البقرة 581 ) بيان لفدية أو بدل منها وفي قراءة نافع طعام مساكين بالجمع وقالت طائفة بل هذا خاص بالشيخ والعجوز الكبير الذين لم يطيقا الصوم رخص لهما الإفطار ويفديان والفدية الجزاء والبدل من قولك فديت الشيء بالشيء أي هذا بهذا وقال الزمخشري وقرأ ابن عباس يطوقونه تفعيل من الطوق إما بمعنى الطاقة أو القلادة أي يكلفونه أو يقلدونه وعن ابن عباس يتطوقونه بمعنى يتكلفونه أو يتقلدونه ويطوقونه بإدغام التاء في الطاء ويطيقونه ويطيقونه بمعنى يتطقونه وأصلهما يطيقونه ويتطيوقونه على أنهما من فعيل وتفعيل من الطوق فأدغمت الياء في الواو بعد قلبها ياء وهم الشيوخ والعجائز فعلى هذا لا نسخ بل هو ثابت والله أعلم
قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع نسختها شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ( البقرة 581 )
أي قال عبد الله بن عمر بن الخطاب وسلمة بن الأكوع وهو سلمة بن عمرو بن الأكوع أبو إياس الأسلمي المدني قوله نسختها أي نسخت آية وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) آية شهر رمضان ( البقرة 581 ) أما حديث ابن عمر فوصله في آخر الباب عن عياش بتشديد الياء آخر الحروف والشين المعجمة وقد أخرجه عنه أيضا في التفسير وأما حديث أم سلمة فوصله في تفسير البقرة بلفظ لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) كان من أراد أن يفطر أفطر وافتدى حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها
وقد اختلف السلف في قوله عز و جل وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) فقال قوم إنها منسوخة واستدلوا بحديث سلمة وابن عمر ومعاذ وهو قول علقمة والنخعي والحسن والشعبي وابن شهاب وعلى هذا تكون قراءتهم وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) بضم الياء وكسر الطاء وسكون الياء الثانية وعند ابن عباس هي محكمة وعليه قراءة يطوقونه بالواو المشددة وروى عنه يطيقونه بضم الطاء والياء المشددتين
ثم إن الشيخ الكبير والعجوز إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكينا وهذا قول علي وابن عباس وأبي هريرة وأنس وسعيد ابن جبير وطاووس وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وقال مالك لا يجب عليه شيء لأنه لو ترك الصوم لعجزه ما تجب فدية كما تركه لمرض اتصل به الموت وهو مروي عن ربيعة وأبي ثور وداود واختاره الطحاوي وابن المنذر وللشافعي قولان كالمذهبين أحدهما لا تجب الفدية عليهما لعدم وجوب الصوم عليهما والثاني وهو الجديد تجب الفدية

(11/51)


لكل يوم مد من طعام وقال البويطي هي مستحبة ولو أحدث الله تعالى للشيخ الفاني قوة حتى قدر على الصوم بعد الفدية يبطل حكم الفدية وفي كتب أصحابنا فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر صام الثاني لأنه في وقته وقضى الأول بعده لأنه وقت القضاء ولا فدية عليه وقال سعيد بن جبير وقتادة يطعم ولا يقضي
وقضاء رمضان إن شاء فرقه وإن شاء تابعه وإليه ذهب الشافعي ومالك وفي ( شرح المهذب ) فلو قضاه غير مرتب أو مفرقا جاز عندنا وعند الجمهور لأن اسم الصوم يقع على الجميع وفي ( تفسير ابن أبي حاتم ) وروى عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي هريرة ورافع بن خديج وأنس بن مالك وعمرو بن العاص وعبيدة السلماني والقاسم وعبيد بن عمير وسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وسالم وعطاء وأبي ميسرة وطاووس ومجاهد وعبد الرحمن بن الأسود وسعيد بن جبير والحسن وأبي قلابة وإبراهيم النخعي والحاكم وعكرمة وعطاء بن يسار وأبي الزناد وزيد بن أسلم وقتادة وربيعة ومكحول والثوري ومالك والأوزاعي والحسن بن صالح والشافعي وأحمد وإسحاق أنهم قالوا يقضي مفرقا وروي عن علي وابن عمر وعروة والشعبي ونافع بن جبير بن مطعم ومحمد بن سيرين أنه يقضي متتابعا وإلى هذا ذهب أهل الظاهر وقال ابن حزم المتابعة في قضاء رمضان واجبة لقوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم فإن لم يفعل يقضيها متفرقة لقوله تعالى فعدة من أيام أخر ( آل عمران 331 ) ولم يجد لذلك وقتا يبطل القضاء بخروجه وفي ( الاستذكار ) عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول يصوم قضاء رمضان متتابعا من أفطره من مرض أو سفر وعن ابن شهاب أن ابن عباس وأبا هريرة اختلفا فقال أحدهما يفرق وقال الآخر لا يفرق وعن يحيى بن سعيد سمع ابن المسيب يقول أحب أن لا يفرق قضاء رمضان وإن تواتر قال أبو عمر صح عندنا عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما أجازا أن يفرقا قضاء رمضان وصحح الدارقطني إسناد حديث عائشة نزلت فعدة من أيام أخر ( البقرة 581 ) متتابعات فسقطت متتابعات وقال ابن قدامة لم تثبت عندنا صحته ولو صح حملناه على الاستحباب والأفضلية وقيل ولو ثبتت كانت منسوخة لفظا وحكما ولهذا لم يقرأ بها أحد من قراء الشواذ قلت وفي المنافع قرأ بها أبي ولم يشتهر فكانت كخبر واحد غير مشهور فلا يجوز الزيادة على الكتاب بمثله بخلاف قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين فإنها قراءة مشهورة غير متواترة
وقال عياض اختلف السلف في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) هل هي محكمة أو مخصوصة أو منسوخة كلها أو بعضها فقال الجمهور إنها منسوخة ثم اخلفوا هل بقي منها ما لم ينسخ فروي عن ابن عمر والجمهور أن حكم الإطعام باق على من لم يطق الصوم لكبره وقال جماعة من السلف ومالك وأبو ثور وداود جميع الإطعام منسوخ وليس على الكبير إذا لم يطق الصوم إطعام واستحبه له مالك وقال قتادة كانت الرخصة لمن يقدر على الصوم ثم نسخ فيه وبقي فيمن لا يطيق وقال ابن عباس وغيره نزلت في الكبير والمريض اللذين لا يقدران على الصوم فهي عنده محكمة لكن المريض يقضي إذا برأ وأكثر العلماء على أنه لا إطعام على المريض وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك هي محكمة ونزلت في المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضي حتى يدخل رمضان آخر فيلزمه صومه ثم يقضي بعدما أفطر ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة فأما من اتصل مرضه برمضان آخر فليس عليه إطعام بل عليه القضاء فقط وقال الحسن وغيره الضمير في يطوقونه عائد على الإطعام لا على الصوم ثم نسخ ذلك فهي عنده عامة
وقال ابن نمير حدثنا الأعمش قال حدثنا عمرو بن مرة قال حدثنا ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم فأمروا بالصوم
مطابقته للترجمة في قوله فكان من أطعم إلى قوله فنسختها وابن نمير بضم النون اسمه عبد الله مر في

(11/52)


باب ما ينهى من الكلام في الصلاة والأعمش هو سليمان عمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن رأى كثيرا من الصحابة مثل عمر وعثمان وعلي وغيرهم وهذا تعليق وصله البيهقي من طريق أبي نعيم في ( المستخرج ) قدم النبي المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل رمضان فاستكثروا ذلك وشق عيهم فكان من أطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ثم نسخة وأن تصوموا خير لكم ( البقرة 481 ) فأمروا بالصيام
وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولا في الأذان والقبلة والصيام واختلف في إسناده اختلافا كثيرا وطريق ابن نمير هذا أرجحها
قوله حدثنا أصحاب محمد أشار به إلى أنه روى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ولا يقال لمثل هذا رواية مجهول لأن الصحابة كلهم عدول قوله فنسختها وأن تصوموا ( البقرة 481 ) الضمير في نسختها يرجع إلى الإطعام الذي يدل عليه أطعم والتأنيث باعتبار الفدية وقوله وأن تصوموا خير لكم ( البقرة 481 ) في محل الرفع على الفاعلية والتقدير قوله وأن تصوموا وكلمة أن مصدرية تقديره وصومكم خير لكم وقال الكرماني فإن قلت كيف وجه نسخها لها والخيرية لا تقتضي الوجوب قلت معناه الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها سنة بدليل أنه خير والخير من السنة لا يكون إلا واجبا انتهى قلت إن كان المراد من السنة هي سنة النبي فسنة النبي كلها خير فيلزم أن تكون كل سنة واجبة وليس كذلك وقال السدي عن مرة عن عبد الله قال لما نزلت هذه الآية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) وقال والله يقول الذين يطيقونه ( البقرة 481 ) أي يتجشمونه قال عبد الله فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا فمن تطوع ( البقرة 481 ) قال أطعم مسكينا آخر فهو خير له وأن تصوموا خير لكم ( البقرة 481 ) فكانوا كذلك حتى نسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة 581 )
9491 - حدثنا ( عياش ) قال حدثنا ( عبد الأعلى ) قال حدثنا ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قرأ فدية طعام مساكين قال هي منسوخة ( الحديث 9491 - طرفه في 6054 )
أشتر بهذه الرواية إلى وصل التعليق الذي علقه في أول الباب بقوله قال ابن عمر وأشار أيضا إلى بيان قراءة عبد الله ابن عمر في قوله فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) فإنه قرأ مسكين وبصيغة الإفراد ولكن لما ذكر في التفسير قال طعام مساكين بصيغة الجمع وكذا رواه الإسماعيلي في ( صحيحه ) وأشار أيضا إلى أن فدية طعام مسكين ( البقرة 481 ) منسوخة غير مخصوصة ولا محكمة وعياش بالياء آخر الحروف المشددة والشين المعجمة وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى وعبيد الله بن عمر العمري المدني
04 -
( باب متى يقضى قضاء رمضان )
أي هذا باب يبين فيه متى يقضي أي متى يؤدى قضاء رمضان والقضاء بمعنى الأداء قال تعالى فإذا قضيت الصلاة ( الجمعة 01 ) أي فإذا أديت الصلاة وليس المراد من الأداء معناه الشرعي وهو تسليم عين الواجب ولكن المراد معناه اللغوي وهو الإيفاء كما يقال أديت حق فلان أي أوفيته وفسره بعضهم بقوله متى يصام الأيام التي تقضى عن فوات رمضان وليس المراد قضاء القضاء على ما هو ظاهر اللفظ انتهى قلت ظن هذا أن المراد من قوله متى يقضي معناه الشرعي وليس كذلك فظنه هذا هو الذي ألجأه إلى ما تعسف فيه ثم أنه ذكر كلمة الاستفهام ولم يذكر جوابه لتعارض الأدلة الشرعية والقياسية فإن ظاهر قوله تعالى فعدة من أيام أخر ( البقرة 581 ) أعم من أن تكون تلك الأيام متتابعة أو متفرقة والقياس يقتضي التتابع لأن القضاء يحكي الأداء وذكر البخاري هذه الآثار في هذا الباب يدل على جواز التراخي والتفريق
وقال ابن عباس لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى فعدة من أيام أخر ( البقرة 481 )
هذا التعليق وصله مالك عن الزهري أن ابن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان فقال أحدهما يفرق وقال الآخر لا يفرق وهذا منقطع مبهم لأنه لم يعلم المفرق من غير المفرق وقد أوضحه عبد الرزاق ووصله عن معمر عن الزهري

(11/53)


عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فيمن عليه قضاء رمضان قال يقضيه مفرقا قال الله تعالى فعدة من أيام أخر ( البقرة 481 ) وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال صمه كيف شئت
وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر لا يصلح حتى يبدأ برمضان
معنى هذا الكلام أن سعيدا لما سئل عن صوم العشر والحال أن على الذي سأله قضاء رمضان فقال لا يصلح حتى يبدأ أولا بقضاء رمضان وهذه العبارة لا تدل على المنع مطلقا وإنما تدل على الأولوية والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة عن عبدة عن سفيان عن قتادة عن سعيد أنه كان لا يرى بأسا أن يقضي رمضان في العشر وقال بعضهم عقيب ذكر الإثر المذكور عن سعيد وصله ابن أبي شيبة عنه نحوه وقال صاحب ( التلويح ) هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة ثم ذكره نحو ما ذكرنا وليس الذي ذكره ابن أبي شيبة عنه أصلا نحو الذي ذكره البخاري عنه وهذا ظاهر لا يخفى
وقال إبراهيم إذا فرط حتى جاء رمضان آخر يصومهما ولم ير عليه طعاما
إبراهيم هو النخعي قوله إذا فرط من التفريط وهو التقصير يعني إذا كان عليه قضاء رمضان ولم يقضه حتى جاء رمضان ثان فعليه أن يصومهما وليس عليه فدية قوله حتى جاء من المجيء ووقع في رواية الكشميهني حتى جاز بزاي في آخره من الجواز ويروى حتى حان بحاء مهملة ونون من الحين وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور من طريق يونس عن الحسن ومن طريق الحارث العكلي عن إبراهيم قالا إذا تتابع عليه رمضانان صامهما فإن صح بينهما فلم يقض الأول فبئس ما صنع فليستغفر الله وليصم
ويذكر عن أبي هريرة مرسلا وعن ابن عباس أنه يطعم ولم يذكر الله الإطعام إنما قال فعدة من أيام أخر ( البقرة 481 )
أشار بصيغة التمريض إلى أن الذي روى عن أبي هريرة حال كونه مرسلا فيمن مرض ولم يصم رمضان ثم صح فلم يقضه حتى جاء رمضان آخر فإنه يطعم بعد الصوم عن رمضانين وأخرجه عبد الرزاق موصولا عن ابن جريج أخبرني عطاء عن أبي هريرة قال أي إنسان مرض رمضان ثم صح فلم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فليصم الذي حدث ثم يقضي الآخر ويطعم من كل يوم مسكينا قلت لعطاء كم بلغك يطعم قال مدا زعموا وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن أبي إسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة نحوه وقال فيه وأطعم عن كل يوم نصف صاع من قمح وأخرج الدارقطني حديث أبي هريرة مرفوعا من طريق مجاهد عن أبي هريرة عن النبي في رجل أفطر في شهر رمضان ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر قال يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فهي ويطعم مكان كل يوم مسكينا وفي إسناده إبراهيم بن نافع وعمر بن موسى بن وجبة قال الدارقطني هما ضعيفان وقد ذكر البرديجي أن مجاهدا لم يسمع من أبي هريرة فلهذا سماه البخاري مرسلا
قوله وابن عباس أي ويروى أيضا عن ابن عباس أنه يطعم ووصله سعيد بن منصور عن هشيم والدارقطني من طريق ابن عيينة كلاهما عن يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عباس قال من فرط في صيام شهر رمضان حتى أدركه رمضان آخر فليصم هذا الذي أدركه ثم ليصم ما فاته ويطعم مع كل يوم مسكينا قيل عطف ابن عباس على أبي هريرة يقتضي أن يكون المذكور عن ابن عباس أيضا مرسلا وأجيب بالخلاف في أن القيد في المعطوف عليه هل هو قيد في المعطوف أم لا فقيل ليس بقيد والأصح اشتراكهما وكذلك الأصوليون اختلفوا في أن عطف المطلق على المقيد هل هو مقيد للمطلق أم لا قوله ولم يذكر الله الإطعام إلى آخره من كلام البخاري إنما قال ذلك لأن النص ساكت عن الإطعام وهو الفدية لتأخير القضاء وظن بعضهم أنه بقية كلام إبراهيم النخعي وهو وهم فإنه مفصول من كلامه بأثر أبي هريرة وابن عباس ثم إن البخاري استدل فيما قاله بقوله تعالى فعدة من أيام أخر ( البقرة 481 ) ولا يتم استدلاله بذلك لأنه لا يلزم من عدم ذكره في الكتاب أن لا يثبت بالسنة فقد جاء عن

(11/54)


جماعة من الصحابة الإطعام منهم أبو هريرة وابن عباس كما ذكر ومنهم عمر بن الخطاب ذكره عبد الرزاق ونقل الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم فيه مخالفا انتهى وهو قول الجمهور وخالف في ذلك إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه ومال الطحاوي إلى قول الجمهور في ذلك وقال البيهقي وروينا عن ابن عمر وأبي هريرة في الذي لم يصم حتى أدرك رمضان يطعم ولا قضاء عليه وعن الحسن وطاووس والنخعي يقضي ولا كفارة عليه
0591 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( زهير ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) قال سمعت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها تقول كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي الآن إلا في شعبان قال يحيى الشغل من النبي أو بالنبي
مطابقته للترجمة من حيث إنه يفسر الإبهام الذي في الترجمة لأن الترجمة متى يقضي قضاء رمضان والحديث يدل على أنه يقضي في أي وقت كان غير أنه إذا أخره حتى دخل رمضان ثان يجب عليه الفدية عند الشافعي وقد ذكرنا الخلاف فيه مستقصى وعند أصحابنا لا يجب عليه شيء غير القضاء لإطلاق النص
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن يونس وهو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التبروعي التميمي الثاني زهير بن معاوية أبو خيثمة الجعفي الثالث يحيى قال صاحب ( التلويح ) اختلف في يحيى هذا فزعم الضياء المقدسي أنه يحيى القطان وقال ابن التين قيل إنه يحيى ابن أبي كثير قلت وبه قال الكرماني وجزم به والصحيح أنه يحيى بن سعيد الأنصاري نص عليه الحافظ المزي عند ذكر هذا الحديث وقال بعضهم منكرا على الكرماني وابن التين في قولهما إنه يحيى بن أبي كثير قال وغفل الكرماني عما أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه فقال في نفس السند عن يحيى بن سعيد قلت هو أيضا غفل عن إيضاح ما قاله لأن المذكور في حديث مسلم يحيى بن سعيد ولقائل أن يقول يحتمل أن يكون يحيى هذا هو يحيى بن سعيد القطان كما قاله الضياء ولو قال مثل ما قلنا لكان أوضح وأصوب الرابع أبو سلمة بن عبد الرحمن الخامس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع وفيه يحيى عن أبي سلمة وفي رواية الإسماعيلي من طريق أبي خالد عن يحيى بن سعيد سمعت أبا سلمة وفيه أن شيخه وزهيرا كوفيان وأن يحيى وأبا سلمة مدنيان وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن أحمد بن يونس به وعن محمد بن المثنى وعن عمرو الناقد وعن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك وأخرجه النسائي فيه عن عمرو عن علي عن يحيى بن سعيد القطان وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن المنذر
ذكر معناه قوله كان يكوند وفي ( الأطراف ) للمزي إن كان يكون وفائدة اجتماع كان مع يكون يذكر أحدهما بصيغة الماضي والآخر بصيغة المستقبل تحقيق القضية وتعظيمها وتقديره وكان الشأن يكون كذا وأما تغيير الأسلوب فلإرادة الاستمرار وتكرر الفعل وقيل لفظة يكون زائدة كما قال الشاعر
( وجيران لنا كانوا كرام )
وأما رواية أن كان فإن كلمة أن تكون مخفقة من المثقلة قوله أن أقضي أي ما فاتها من رمضان قوله قال يحيى أي يحيى المذكور في سند الحديث المذكور إليه فهو موصول قوله الشعل من النبي مقول يحيى وارتفاع الشغل يجوز أن يكون على أنه فاعل فعل محذوف تقديره قالت يمنعني الشغل ويجوز إن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي قال يحيى الشغل هو المانع لها والمراد من الشغل أنها كانت مهيئة نفسها لرسول الله مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك وأما في شعبان فإنه كان يصومه فتتفرغ عائشة ( لقضاء صومها )
قال الكرماني فإن قلت شغل منه بمعنى فرغ عنه وهو عكس المقصود إذ الفرض أن الاشتغال برسول الله هو المانع من القضاء لا الفراغ منه قلت

(11/55)


المراد الشغل الحاصل من جهة رسول الله ولم يقع في رواية مسلم عن أحمد عن يونس شيخ البخاري قال يحيى الشغل إلى آخره ووقع في روايته عن إسحاق بن إبراهيم قال يحيى بن سعيد بهذا الإسناد غير أنه قال وذلك لمكان رسول الله وفي رواية عن محمد بن رافع قال فظننت أن ذلك لمكانها من رسول الله يحيى يقوله وفي روايته عن عمرو الناقد لم يذكر في الحديث الشغل برسول الله وروايته عن يونس بدون ذكر يحيى يدل على أن قوله الشغل من رسول الله أو برسول الله من كلام عائشة أو من كلام من روى عنها وأخرجه أبو داود من طريق مالك والنسائي من طريق يحيى القطان بدون هذه الزيادة وكذلك في رواية مسلم في روايته عن عمرو الناقد كما ذكرناه وقال بعضهم وأخرجه مسلم من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بدون الزيادة لكن فيه ما يشعر بها فإنه قال فيه فما أستطيع قضاءها مع رسول الله انتهى قلت ليس متن حديث هذا الطريق مثل الذي ذكره وإنما قال مسلم حدثني محمد بن أبي عمر المكي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد ابن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله فما تستطيع أن تقضيه مع رسول الله حتى يأتي شعبان وروى الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الله البهي عن عائشة ما قضيت شيئا مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله قيل مما يدل على ضعف الزيادة أنه كان يقسم لنسائه فيعدل وكان يدنو من المرأة في غير نوبتها فيقبل ويلمس من غير جماع فليس في شغلها بشيء من ذلك مما يمنع الصوم أللهم إلا أن يقال كانت لا تصوم إلا بإذنه ولم يكن يأذن لاحتمال حاجته إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها وكان يكثر الصوم في شعبان فلذلك كانت لا يتهيأ لها القضاء إلا في شعبان قلت وكانت كل واحدة من نسائه مهيئة نفسها لرسول الله لاستمتاعه من جميع أوقاته إن أراد ذلك ولا تدري متى يريده ولا تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه وهذا من عادتهن وقد اتفق العلماء على أن المرأة يحرم عليها صوم التطوع وبعلها حاضر إلا بإذنه لحديث أبي هريرة الثابت في مسلم ولا تصوم إلا بإذنه وقال الباجي والظاهر أنه ليس للزوج جبرها على تأخير القضاء إلى شعبان بخلاف صوم التطوع ونقل القرطبي عن بعض أشياخه أن لها أن تقضي بغير إذنه لأنه واجب ويحمل الحديث على التطوع
ومما يستفاد من هذا الحديث أن القضاء موسع ويصير في شعبان مضيقا ويؤخذ من حرصها على القضاء في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان فإن دخل فالقضاء واجب أيضا فلا يسقط وأما الإطعام فليس في الحديث له ذكر لا بالنفي ولا بالإثبات وقد تقدم بيان الخلاف فيه وفيه أن حق الزوج من العشرة والخدمة يقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضا محصورا في الوقت وقيل قول عائشة فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان يدل على أنها كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في عشر ذي الحجة ولا في عاشوراء ولا في غيرهما وهو مبني على أنها ما كانت ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان ولكن من أين ذلك لمن يقول به والحديث ساكت عن هذا
14 -
( باب الحائض تترك الصوم والصلاة )
أي هذا باب تذكر فيه الحائض تترك الصوم والصلاة إنما قال تترك للإشارة إلى أنه ممكن حسا ولكنها تتركهما اختيارا لمنع الشرع لها من مباشرتهما
وقال أبو الزناد إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من اتباعها من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة
أبو الزناد بكسر الزاي وبالنون اسمه عبد الله بن ذكوان القرشي أبو عبد الرحمن المدني وعن ابن معين ثقة حجة وعن أحمد كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث مات سنة ثلاثين ومائة وهو ابن ست وستين سنة وأبدله ابن بطال

(11/56)


بأبي الدرداء يعني قائل هذا الكلام هو أبو الدرداء الصحابي والمقصود منه أن الأمور الشرعية التي ترد على خلاف القياس ولا يعلم وجه الحكمة فيها يجب الاتباع بها ويكل الأمر فيها إلى الشارع ويتعبد بها ولا يعترض ولا يقول لم كان كذا ألا ترى أن في حديث قتادة قال حدثتني معاذة أن امرأة قالت لعائشة أتجزىء إحدانا صلاتها إذا طهرت قالت أحرورية أنت كنا نحيض مع النبي فلا يأمرنا به أو قالت فلا نفعله قد تقدم هذا في باب لا تقضي الحائض الصلاة في كتاب الحيض وقال بعضهم وقد تقدم في كتاب الحيض سؤال معاذة عن عائشة عن الفرق المذكور وأنكرت عليها عائشة السؤال وخشيت عليها أن تكون تلقته من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بآرائهم ولم تزدها على الحوالة على النص فكأنها قالت لها دعي السؤال عن العلة إلى ما هو أهم من معرفتها وهو الانقياد إلى الشارع انتهى قلت قد غلط هذا القائل في قوله سؤال معاذة عن عائشة عن الفرق إلى آخره ولم يكن السؤال من معاذة وإنما معاذة حدثت أن امرأة قالت لعائشة فهذه هي السائلة دون معاذة والسؤال والجواب إنما كانا بين تلك المرأة وعائشة ولم تكن بين معاذة وعائشة على ما لا يخفى
قوله ووجوه الحق أي الأمور الشرعية واللام في قوله لتأتي مفتوحة للتأكيد قوله على خلاف الرأي أي العقل والقياس قوله فما يجد المسلمون بدا أي افتراقا وامتناعا من اتباعها قوله من ذلك أي من جملة ما هو أتى بخلاف الرأي قضاء الصوم والصلاة فإن مقتضاه أن يكون قضاؤهما متساويين في الحكم لأن كلا منهما عبادة تركت لعذر لكن قضاء الصوم واجب
والحاصل من كلامه أن الأمور الشرعية التي تأتي على خلاف الرأي والقياس لا يطلب فيها وجه الحكمة بل يتعبد بها ويوكل أمرها إلى الله تعالى لأن أفعال الله تعالى لا تخلو عن حكمة ولكن غالبها تخفى على الناس ولا تدركها العقول ومن جملة ما قالوا في الفرق بين الصوم والصلاة على أنواع منها ما قال الفقهاء الفرق بينهما أن الصوم لا يقع في السنة إلا مرة واحدة فلا حرج في قضائه بخلاف الصلاة فإنها متكررة كل يوم ففي قضائها حرج عظيم ومنها ما قالوا إن الحائض لا تضعف عن الصيام فأمرت بإعادة الصيام عملا بقوله فمن كان منكم مريضا ( البقرة 481 ) والنزف مرض بخلاف الصلاة فإنها أكثر الفرائض تردادا وهي التي حطها الله تعالى في أصل الفرض من خمسين إلى خمس فلو أمرت بإعادتها لتضاعف عليها الفرض ومنها ما قالوا إن الله تعالى وصف الصلاة بأنها كبيرة في قوله تعالى وإنها لكبيرة ( البقرة 45 ) فلو أمرت بإعادتها لكانت كبيرة على كبيرة وقال إمام الحرمين إن المنع في ذلك النص وإن كل شيء ذكروه من الفرق ضعيف وزعم المهلب أن السبب في منع الحائض من الصوم أن خروج الدم يحدص ضعفا في النفس غالبا فاستعمل هذا الغالب في جميع الأحوال فلما كان الضعف يبيح الفطر ويوجب القضاء كان كذلك الحيض وفيه نظر لأن المريض لو تحامل فصام صح صومه بخلاف الحائض فإن المستحاضة في نزف الدم أشد من الحائض وقد أبيح لها الصوم
9591 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) قال حدثنا ( محمد بن جعفر ) قال حدثني ( زيد ) عن ( عياض ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك نقصان دينها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إذا حاضت لم تصل ولم تصم والترجمة في ترك الصوم والصلاة والحديث مضى في باب ترك الحائض الصوم في كتاب الحيض فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد مطولا وذكره هنا مقصرا على قوله أليس إذا حاضت لم تصل إلى آخره وزيد هو ابن أسلم وعياض ابن عبد الله وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك
24 -
( باب من مات وعليه صوم )
أي هذا باب في بيان حكم الشخص الذي مات والحال أن عليه صوما ولم يعين الحكم لاختلاف العلماء فيه على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى ويجوز أن تكون من شرطية وجواب الشرط محذوف والتقدير يجوز قضاؤه عنه عند من يجوز ذلك من الفقهاء على ما يجيء

(11/57)


وقال الحسن إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا أجاز
هذا الأثر عن الحسن البصري مما يبين مراده من الترجمة المبهمة ووجه مطابقته لها أيضا وهذا تعليق وصله الدارقطني في كتاب المذبح من طريق عبد الله بن المبارك عن سعيد بن عامر وهو الضبعي وعن أشعث عن الحسن فيمن مات وعليه صوم ثلاثين يوما فجمع له ثلاثون رجلا فصاموا عنه يوما واحدا أجزأ عنه قوله إن صام عنه أي عن الميت والقرينة تدل عليه قوله يوما واحدا وفي رواية الكشميهني في يوم واحد جاز أن يقع قضاء صوم رمضان كله في اليوم الواحد للميت الذي فات عنه ذلك قال النووي في ( شرح المهذب ) هذه المسألة لم أر فيها نقلا في المذهب وقياس المذهب الإجزاء وفي التوضيح أثر الحسن غريب وهو فرع ليس في مذهبنا وهو الظاهر كما لو استأجر عنه بعد موته من يحج عنه من فرض استطاعته وآخر يحج عنه عن قضائه وآخر عن نذره في سنة واحدة فإنه يجوز
2591 - حدثنا ( محمد بن خالد ) قال حدثنا ( محمد بن موسى بن أعين ) قال حدثنا أبي عن ( عمرو ابن الحارث ) عن ( عبيد الله بن جعفر ) أن ( محمد بن جعفر ) حدثه عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين الإبهام الذي فيها
ذكر رجاله وهم ثمانية الأول محمد بن خالد اختلف فيه فذكر أبو علي الجياني أن أبا نصر والحاكم قالا هو الذهلي نسبة إلى جده فإنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد وقال ابن عدي في شيوخ البخاري محمد بن خالد بن جبلة الرافعي وقال ابن عساكر قيل إن البخاري روى عنه وقال أبو نعيم في ( المستخرج ) رواه يعني البخاري عن محمد بن خالد بن خلي عن محمد بن موسى بن أعين وكأنه منفرد بهذا القول وجزم الجوزقي بأنه الذهلي فإنه أخرجه عن أبي حامد بن الشرفي عنه وقال أخرجه البخاري عن محمد بن يحيى وبذلك جزم الكلاباذي ووافقه المزي وهو الراجح وعلى هذا فقد نسبه البخاري هنا إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن خلي على وزن علي الثاني محمد بن موسى بن أعين أبو يحيى الجزري الثالث أبوه موسى بن أعين الجزري أبو سعيد مات سنة خمس وقيل سبع وتسعين ومائة الرابع عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المؤدب الخامس عبيد الله بن أبي جعفر يسار الأموي القرشي السادس محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام السابع عروة بن الزبير الثامن عائشة رضي الله تعالى عنها وهذا الحديث من ثمانيات البخاري ومثل هذا قليل في الكتاب
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه نسبة الراوي إلى جده وفيه رواية الإبن عن الأب وفيه رواية الراوي عن عمه وهو محمد ابن جعفر يروي عن عمه عروة وفيه أن شيخه نيسابوري ومحمد بن موسى وأبوه حرانيان وعمرو بن الحارث وعبيد الله بن جعفر مصريان ومحمد بن جعفر وعروة مدنيان
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن هارون بن سعيد الأيلي وعن أحمد بن عيسى وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن صالح عن ابن وهب وأخرجه النسائي فيه عن علي بن عثمان النفيلي وإسماعيل بن يعقوب الحرانيين
ذكر معناه قوله من مات أي من المكلفين بقرينة قوله وعليه صيام لأن كلمة على للإيحاب والواو فيه للحال قوله صام عنه أي عن الميت وليه واختلف المجيزون الصوم عن الميت في المراد بالولي فقيل كل قريب وقيل الوارث خاصة وقيل عصبته وقال الكرماني الصحيح أن المراد به القريب سواء كان عصبة أو وارثا أو غيرهما انتهى ولو صام عنه أجنبي قال في ( شرح المهذب ) إن كان بإذن الولي صح وإلا فلا ولا يجب على الولي الصوم عنه بل يستحب وأطلق

(11/58)


ابن حزم النقل عن الليث بن سعد وأبي ثور وداود أنه فرض على أوليائه هم أو بعضهم وبه صرح القاضي أبو الطيب الطبري في تعليقه بأن المراد منه الوجوب وجزم به النووي في ( الروضة ) من غير أن يعزوه إلى أحد وزاد في ( شرح المهذب ) فقال إنه بلا خلاف وقال شيخنا زين الدين هذا عجيب منه ثم قال وحكى النووي في ( شرح مسلم ) عن أحد قولي الشافعي إنه يستحب لوليه أن يصوم عنه ثم قال ولا يجب عليه
ذكر ما يستفاد منه احتج به أصحاب الحديث فأجازوا الصيام عن الميت وبه قال الشافعي في القديم وأبو ثور وطاووس والحسن والزهري وقتادة وحماد بن أبي سليمان والليث بن سعد وداود الظاهري وابن حزم سواء كان عن صيام رمضان أو عن كفارة أو عن نذر ورجح البيهقي والنووي القول القديم للشافعي لصحة الأحاديث فيه وقال النووي رحمه الله في ( شرح مسلم ) إنه الصحيح المختار الذي نعتقده وهو الذي صححه محققو أصحابه الجامعيين بين الفقه والحديث لقوة الأحاديث الصحيحة الصريحة ونقل البيهقي في ( الخلافيات ) من كان عليه صوم فلم يقضه مع القدرة عليه حتى مات صام عنه وليه أو أطعم عنه على قوله في القديم وهذا ظاهر أن القديم تخيير الولي بين الصيام والإطعام وبه صرح النووي في ( شرح مسلم ) قلت ليس القول القديم مذهبا له فإنه غسل كتبه القديمة وأشهد على نفسه بالرجوع عنها هكذا نقل ذلك عنه أصحابه
ثم إعلم أن في هذا الباب اختلافا كثيرا وأقوالا الأول ما ذكرناه الآن والثاني هو أن يطعم الولي عن الميت كل يوم مسكينا مدا من قمح وهو قول الزهري ومالك والشافعي في الحديد وأنه لا يصوم أحد عن أحد وإنما يطعم عنه عند مالك إذا أوصى به والثالث يطعم عنه كل يوم نصف صاع روى ذلك عن ابن عباس وهو قول سفيان الثوري والرابع يطعم عنه عن كل يوم صاعا من غير البر ونصف صاع من البر وهو قول أبي حنيفة وهذا إذا أوصى به فإن لم يوص فلا يطعم عنه الخامس التفرقة بين صوم رمضان وبين صوم النذر فيصوم عنه وليه ما عليه من نذر ويطعم عنه عن كل يوم من رمضان مدا وهو قول أحمد وإسحاق وحكاه النووي عن أبي عبيد أيضا والسادس أنه لا يصوم عنه الأولياء إلا إذا لم يجدوا ما يطعم عنه وهو قول سعيد بن المسيب والأوزاعي
وحجة أصحابنا الحنفية ومن تبعهم في هذا الباب في أن من مات وعليه صيام لا يصوم عنه أحد ولكنه إن أوصى به أطعم عنه وليه كل يوم مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ما رواه النسائي عن ابن عباس أن رسول الله قال لا يصلي أحد عن أحد ولكن يطعم عنه وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله من مات وعليه صوم شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين قال القرطبي في ( شرح الموطأ ) إسناده حسن قلت هذا الحديث رواه الترمذي وقال حدثنا قتيبة حدثنا عبثر بن القاسم عن أشعث عن محمد عن نافع عن ابن عمر عن النبي ثم قال لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه والصحيح عن ابن عمر موقوف ورواه ابن ماجه أيضا عن محمد بن يحيى عن قتيبة إلا أنه قال عن محمد بن سيرين عن نافع وقال الحافظ المزي وهو وهم وقال شيخنا وقد شك عبثر في محمد هذا فلم يعرف من هو كما رواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية الوليد بن شجاع عن عبثر بن أبي زبيد عن الأشعث عن محمد لا يدري أبو زبيد عن محمد فذكر الحديث ثم قال ابن عدي بعده ومحمد هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال وهذا الحديث لا أعلمه يرويه عن أشعث غير عبثر ورواه البيهقي من رواية يزيد بن هارون عن شريك عن محمد بن عبد الوارث بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عباس عن النبي في الذي يموت وعليه رمضان ولم يقضه قال يطعم عنه لكل يوم نصف صاع من بر قال البيهقي هذا خطأ من وجهين أحدهما رفعه الحديث إلى النبي وإنما هو من قول ابن عمر والآخر قوله نصف صاع وإنما قال مدا من حنطة وضعفه عبد الحق في أحكامه بأشعث وابن أبي ليلى
وقال الدارقطني في ( علله ) المحفوظ موقوف هكذا رواه عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقال البيهقي في ( المعرفة ) لا يصح هذا الحديث فإن محمد بن أبي ليلى كثير الوهم ورواه أصحاب نافع عن نافع عن ابن عمر قوله قلت رفع هذا الحديث قتيبة في رواية الترمذي عن عبثر

(11/59)


ابن القاسم قال أحمد صدوق ثقة وقال أبو داود ثقة ثقة وروى له الجماعة وهو يروي عن الأشعث وهو ابن سوار الكندي الكوفي نص عليه المزي وثقه يحيى في روايته وروى له مسلم في المتابعات والأربعة ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال العجلي كان فقيها صاحب سنة صدوقا جائز الحديث وروى له الأربعة فمثل هؤلاء إذا رفعوا الحديث لا ينكر عليهم لأن معهم زيادة علم مع أن القرطبي حسن إسناده
وأما قول البيهقي هذا خطأ فمجرد حط ودعوى من غير بيان وجه ذلك على أن ابن سيرين قد تابع ابن أبي ليلى على رفعه فلقائل أن يمنع الوقف وأما الجواب عن حديث الباب فقد قال مهنىء سألت أحمد عن حديث عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة مرفوعا من مات وعليه صيام فقال أبو عبد الله ليس بمحفوظ وهذا من قبل عبيد الله بن أبي جعفر وهو منكر الأحاديث وكان فقيها وأما الحديث فليس هو فيه بذاك وقال البيهقي ورأيت بعض أصحابنا ضعف حديث عائشة بما روي عن عمارة بن عمير عن امرأة عن عائشة في امرأة ماتت وعليها الصوم قالت يطعم عنها قال وروي من وجه آخر عن عائشة أنها قالت لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم ثم قال وفيهما نظر ولم يزد عليه قلت قال الطحاوي حدثنا روح بن الفرج حدثنا يوسف بن عدي حدثنا عبيد بن حميد عن عبد العزيز بن رفيع عن عمرة بنت عبد الرحمن قلت لعائشة إن أمي توفيت وعليها صيام رمضان أيصلح أن أقضي عنها فقالت لا ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك وهذا سند صحيح
وقد أحمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد فكذلك الصوم لأن كلا منهما عبادة بدنية وقال ابن القصار لما لم يجز الصوم عن الشيخ ألهم في حياته فكذا بعد مماته فيرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه وحكى ابن القصار أيضا في ( شرح البخاري ) عن المهلب أنه قال لو جاز أن يصوم أحد عن أحد في الصوم لجاز أن يصلي الناس عن الناس فلو كان ذلك سائغا لجاز أن يؤمن رسول الله عن عمه أبي طالب لحرصه على إيمانه وقد أجمعت الأمة على أنه لا يؤمن أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد فوجب أن يرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه قلت فيه بعض غضاضة وترك محاسن الأدب ومصادمة الأخبار الثابتة فيه والأحسن فيه أن يسلك فيها ما سلكنا من الوجوه المذكورة
ولنا قاعدة أخرى في مثل هذا الباب وهي أن الصحابي إذا روى شيئا ثم أفتى بخلافه فالعبرة لما رآه وقال بعضهم الراجح أن المعتبر ما رواه لا ما رآه لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد مستنده فيه لم يتحقق ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده وإذا تحققت صحة الحديث لم يترك به المحقق للمظنون انتهى قلت الاحتمال الذي ذكره باطل لأنه لا يليق بجلالة قدر الصحابي أن يخالف ما رواه من النبي لأجل اجتهاده فيه وحاشى الصحابي أن يجتهد عند النص بخلافه لأنه مصادمة للنص وذا لا يقال في حق الصحابي وإنما فتواه بخلاف ما رواه إنما يكون لظهور نسخ عنده وقوله ومستنده فيه لم يتحقق كلام واه لأنه لو لم يتحقق عنده ما يوجب ترك العمل به لما أفتى لخلافه وإلا يلزم نسبة الصحابي العدل الموثوق إلى العمل بخلاف ما رواه وقوله وإذا تحققت إلى آخره يستلزم العمل بالأحاديث الصحيحة المنسوخة الثابت نسخها ولا يلزم العمل بحديث تحققت صحته ونسخه حديث آخر وقوله للمظنون يعني لأجل المظنون قلنا المظنون الذي يستند به هذا القائل هو المظنون عنده لا عند الصحابي الذي أفتى بخلاف ما روى لأن حاله يقتضي أن لا يترك الحديث الذي رواه بمجرد الظن والله أعلم
تابعه ابن وهب عن عمرو
أي تابع والد محمد بن موسى عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث المذكور في سند الحديث المذكور ووصل هذه المتابعة مسلم وأبو داود وغيرهما فقال مسلم حدثنا هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه
ورواه يحيى بن أيوب عن ابن أبي جعفر
أي روى الحديث المذكور يحيى بن أيوب الغافقي المصري أبو العباس عن عبيد الله بن أبي جعفر بسنده المذكور وطريق

(11/60)


يحيى هذا رواه البيهقي عن أبي عبد الله الحافظ وأبي بكر بن الحسن وأبي زكريا والسلمي قالوا حدثنا أبو العباس محمد ابن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق أنبأنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر عن عروة الحديث وأخرجه أبو عوانة والدارقطني من طريق عمرو بن الربيع عن يحيى بن أيوب وأخرجه ابن خزيمة من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب وألفاظهم متوافقة ورواه البزار من طريق ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر فزاد في آخر المتن إن شاء
3591 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) قال حدثنا ( معاوية بن عمرو ) قال حدثنا ( زائدة ) عن ( الأعمش ) عن ( مسلم البطين ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال نعم قال فدين الله أحق أن يقضى
مطابقته للترجمة مثل مطابقة حديث عائشة لها
ذكر رجاله وهم سبعة الأول محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له صاعقة لجودة حفظه مات سنة خمس خمسين ومائتين الثاني معاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي مر في أول إقبال الإمام على الناس الثالث زائدة بن قدامة أبو الصلت الثقفي البكري الرابع سليمان الأعمش الخامس مسلم بلفظ اسم الفاعل من الإسلام البطين بفتح الباء الموحدة وكسر الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون وهو مسلم بن أبي عمران ويقال ابن عمران يكنى أبا عبد الله السادس سعيد بن جبير السابع عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه ومعاوية بغداديان وأن زائدة ومن بعده كوفيون وفيه أن معاوية من قدماء شيوخ البخاري حدث عنه بغير واسطة في أواخر كتاب الجمعة وحدث عنه هنا وفي الجهاد وفي الصلاة بواسطة وكان طلب معاوية هذا للحديث وهو كبير وإلا فلو كان طلبه على قدر سنه لكان من أعلى شيخ البخاري وقد لقي البخاري جماعة من أصحاب زائدة المذكور
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن أحمد بن عمر الوكيعي وعن أبي سعيد الأشج وعن إسحاق بن منصور وابن أبي خلف وعبد بن حميد وعن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن مسدد عن يحيى به وعن محمد بن العلاء عن أبي معاوية به وأخرجه الترمذي في الصوم عن أبي سعيد الأشج وأبي كريب وأخرجه النسائي فيه عن الأشج بإسناد مسلم وعن القاسم بن زكريا وعن قتيبة وعن الحسن بن منصور وعن عمرو بن يحيى وأخرجه ابن ماجه فيه عن الأشج بإسناد مسلم
ذكر معناه قوله جاء رجل لم يدر اسمه وكذا في رواية مسلم والنسائي من رواية زائدة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس جاء رجل إلى آخره نحو رواية البخاري وزاد مسلم فقال لو كان على أمك دين أكنت قاضية عنها فقال نعم وفي رواية أخرى لمسلم من رواية عيسى بن يونس عن الأعمش عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أن امرأة أتت النبي فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر الحديث وفي رواية أخرى لمسلم والنسائي من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن سعيد عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر الحديث وفي رواية الترمذي عن الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن سلمة بن كهيل ومسلم البطين عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى النبي فقالت إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين قال أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضيه قالت نعم قال فحق الله أحق أن يقضى قوله إن

(11/61)


أمي خالد أبو خالد جميع من رواه فقال إن أختي كما ذكرناه واختلف عن أبي بشر عن سعيد بن جبير فقال هشيم عنه ذات قرابة لها وقال شعبة عنه إن أختها أخرجهما أحمد وقال حماد عنه ذات قرابة لها إما أختها وإما ابنتها قوله وعليها شهر صوم هكذا في أكثر الروايات وفي رواية أبي جرير خمسة عشر يوما وفي رواية أبي خالد شهرين متتابعين وروايته هذه تقتضي أن لا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره فإنها محتملة إلا رواية زيد بن أبي أنيسة فقال إن عليها صوم نذر وهذا ظاهر في أنه غير رمضان وبين أبو بشر في روايته سبب النذر فروى أحمد من طريق شعبة لا عن أبي بشر أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهرا فماتت قبل أن تصوم فأتت أختها إلى النبي الحديث قوله أفأقاضيه الهمزة للاستفهام قوله فدين الله تقدير الكلام حق العبد يقضى فحق الله أحق كما في الرواية الأخرى هكذا فحق الله أحق
ذكر ما يستفاد منه اجتج به من ذكرناهم ممن احتج بحديث عائشة السابق في جواز الصوم عن الميت وجواب المانعين عن ذلك هو ما قاله ابن بطال ابن عباس راويه وقد خالفه بفتواه فدل على نسخ ما رواه وتشبيهه بدين العباد حجة لنا لأنها قالت أفأقاضيه عنها وقال أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته وإنما سألها هل كنت تقضيه لأنه لا يجب عليها أن تقضي دين امها وقال ابن عبد الملك فيه اضطراب عظيم يدل على وهم الرواة وبدون هذا يقبل الحديث وقال بعضهم ما ملخصه إن الاضطراب لا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث ورد بأنه كيف لا يقدح والحال أن الاضطراب لا يكون إلا من الوهم كما مر أو هو مما يضعف الحديث وقال هذا القائل أيضا في دفع الاضطراب فيمن قال إن السؤال وقع عن نذر فمنهم من فسره بالصوم ومنهم من فسره بالحج والذي يظهر أنهما قضيتان ويؤيده أن السائلة في نذر الصوم خثعمية وعن نذر الحج جهينة ورد عليه بقوله أيضا وقد قدمنا في أواخر الحج أن مسلما روى من حديث بريدة أن امرأة سألت عن الحج وعن الصوم معا فهذا يدل على اتحاد القضية
وأما حديث بريدة فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من رواية عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال بينما أنا جالس عند النبي إذا أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية وأنها ماتت قال فقد وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها قال حجي عنها لفظ مسلم
وقال القرطبي إنما لم يقل مالك بحديث ابن عباس لأمور أحدها أنه لم يجد عليه عمل أهل المدينة الثاني أنه حديث اختلف في إسناده ومتنه الثالث أنه رواه البزار وقال في آخره لمن شاء وهذا يرفع الوجوب الذي قالوا به الرابع أنه معارض لقوله تعالى ولا تكسب كل نفس إلا عليها ( الأنعام 461 ) وقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام 461 الإسراء 51 فاطر 81 والزمر 7 ) وقوله تعالى وإن ليس للإنسان إلا ما سعى ( النجم 93 ) الخامس أنه معارض لما أخرجه النسائي عن ابن عباس عن النبي أنه قال لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من طعام السادس أنه معارض للقياس الجلي وهو أنه عبادة بدنية فلا مدخل للمال فيها ولا يفعل عمن وجب عليه كالصلاة ولا ينقض هذا بالحج لأن للمال فيه مدخلا انتهى
وقد اعترض عليه في بعض الوجوه فمن ذلك في قوله اختلف في إسناده ومتنه قيل هذا لا يضره فإن من أسنده أئمة ثقات وأجيب بأن الكلام ليس في الرواة والكلام في اختلاف المتن فإنه يورث الوهن ومنه في قوله رواه البزار قيل الذي زاده البزار من طريق ابن لهيعة ويحيى بن أيوب وحالهما معلوم وأجيب بما حالهما فابن لهيعة حدث عنه أحمد بحديث كثير وعنه من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه وروى عنه مثل سفيان الثوري وشعبة وعبد الله بن المبارك والليث بن سعد وهو من أقرانه وروى له مسلم مقرونا بعمرو بن الحارث وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأما يحيى بن أيوب الغافقي المصري فإن الجماعة رووا له ومنه في قوله إنه معارض لقوله تعالى الآيات الثلاث قيل هذه في قوم إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام وأجيب بأن

(11/62)


العبرة لعموم اللفظ ومنه في قوله إنه معارض لما أخرجه النسائي قيل ما في ( الصحيح ) هو العمدة وأجيب بأن ما رواه النسائي أيضا صحيح فيدل على نسخ ذاك كما قلنا
ومما يستفاد من الحديث المذكور أن قوله لو كان على أمك دين أكنت قاضيته مشعر بأن ذلك على الندب إن طاعت به نفسه لأنه لا يجب على ولي الميت أن يؤدي من ماله عن الميت دينا بالاتفاق لكن من تبرع به انتفع به الميت وبرئت ذمته وقال ابن حزم من مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان أو نذر أو كفارة واجبة ففرض على أوليائه أن يصوموه عنه هم أو بعضهم ولا إطعام في ذلك أصلا أوصى بذلك أو لم يوص به ويبدأ به على ديون الناس وفيه صحة القياس وفيه قضاء الدين عن الميت وقد أجمعت الأئمة عليه فإن مات وعليه دين لله ودين لآدمي قدم دين الله لقوله فدين الله أحق وفيه ثلاثة أقوال للشافعي الأول أصحها تقديم دين الله تعالى الثاني تقديم دين الآدمي الثالث هما سواء فيقسم بينهما
قال سليمان فقال الحكم وسلمة ونحن جميعا جلوس حين حدث مسلم بهذا الحديث قالا سمعنا مجاهدا يذكر هذا عن ابن عباس سليمان الأعمش يعني قال بالإسناد المذكور في الحديث المذكور قوله فقال الحكم ويروى قال بدون الفاء و الحكم بفتح الكاف هو ابن عتيبة تصغير عتبة الباب وسلمة فتحات هو ابن كهيل مصغر الكهل الحضرمي الكوفي قوله ونحن جلوس جملة إسمية وقعت حالا وهي في نفس الأمر مقول سليمان و جلوس بالضم جمع جالس والمراد ثلاثتهم أعني سليمان وحكما وسلمة والحاصل أن هؤلاء الثلاثة كانوا حاضرين حين حدث مسلم بن عمران البطين المذكور في سند الحديث المذكور قوله قالا أي الحكم وسلمة سمعنا مجاهدا يذكر هذا الحديث عن ابن عباس فآل الأمر إلى أن الأعمش سمع هذا الحديث من ثلاثة أنفس في مجلس واحد من مسلم البطين أولا عن سعيد بن جبير ثم من الحكم وسلمة عن مجاهد
ويذكر عن أبي خالد قال حدثنا الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل عن سعيد ابن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قالت امرأة للنبي إن أختي ماتت
أبو خالد هو الأحمر ضد الأبيض واسمه سليمان بن حيان بتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره نون ذكره بصيغة التمريض وأشار إلى مخالفة أبي خالد زائدة الذي يروي عن الأعمش في الحديث المذكور وفيه أيضا اشارة إلى أن الشمس جمع بين الشيوخ الثلاثة فيه وهم الحكم ومسلم ومسلمة وجمع هؤلاء الثلاثة ايضا بين الشيوخ الثلاثة وهم سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبير وقال بعضهم أبو خالد جمع بين شيوخ الأعمش الثلاثة فحدث به عنهم عن شيوخ ثلاثة وظاهره أنه عند كل منهم عن كل منهم ويحتمل أن يكون أراد به اللف والنشر بغير ترتيب فيكون شيخ الحكم عطاء وشيخ البطين سعيد بن جبير وشيخ سلمة مجاهدا قلت قال الكماني فإن قلت هؤلاء الثلاثة رووا عن الثلاثة وهو على سبيل التوزيع بأن يروي بعضهم عن بعض قلت المتبادر إلى الذهب رواية الكل عن الكل انتهى قلت حق الكلام الذي تقتضيه العبارة ما قاله الكرماني ووصل هذا الترمذي حدثنا أبو سعيد الأشح حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن سلمة بن كهيل ومسلم البطين عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى النبي فقالت إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين قال أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضيه قالت نعم قال فحق الله أحق قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة والدارقطني كذلك ورواه مسلم حدثنا أبو سعيد الأشج قال حدثنا أبو خالد الأحمر قال حدثنا الأعمش عن سلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة ومسلم البطين عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء عن ابن عباس عن النبي بهذا الحديث يعني حديث زائدة الذي رواه قبله فأحاله عليه ولم يسق المتن

(11/63)


وقال يحيى وأبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن مسلم عن سعيد عن ابن عباس قالت امرأة للنبي إن أمي ماتت
يحيى هو ابن سعيد وأبو معاوية محمد بن خازم بالمعجمتين والأعمش سليمان ومسلم هو البطين فأشار بهذا إلى أن يحيى وأبا معاوية وافقا زائدة المذكور على أن شيخ مسلم البطين فيه هو سعيد بن جبير ورواه أبو داود وفي رواية أبي الحسن ابن العبد من رواية يحيى وأبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
وقال عبيد الله عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قالت امرأة للنبي إن أمي ماتت وعليها صوم نذر
عبيد الله هو ابن عمرو الرقي هذا التعليق وصله مسلم قال حدثنا إسحاق بن منصور وابن أبي خلف وعبد بن حميد جميعا عن زكريا بن عدي قال عبد حدثني زكريا بن عدي قال أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة قال حدثنا الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤذي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك
وقال أبو حريز حدثنا عكرمة عن ابن عباس قالت امرأة للنبي ماتت أمي وعليها صوم خمسة عشر يوما
أبو حريز بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره زاي واسمه عبد الله بن حسين قاضي سجستان ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم وهذا التعليق رواه البيهقي عن أبي عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر ابن عبد الله أنبأنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر قال قرأت على الفضيل عن أبي حريز قال حدثني عكرمة عن ابن عباس به وفيه امرأة من خثعم
34 -
( باب متى يحل فطر الصائم )
أي هذا باب يذكر فيه متى يحل فطر الصائم وجواب الاستفهام تقديره بغروب الشمس ولا يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضي النهار وما ذكره في الباب من الأثر والحديثين يبين ما أبهمه في الترجمة
وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس
مطابقته للترجمة من حيث إنه جواب للاستفهام الذي فيها وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب وجه ذلك أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك
4591 - حدثنا ( الحميدي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( هشام بن عروة ) قال سمعت أبي يقول سمعت ( عاصم بن عمر بن الخطاب ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي فيها بالاستفهام
ذكر رجاله وهم ستة الأول الحميدي هو

(11/64)


عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي أبو بكر المكي الثاني سفيان بن عيينة الثالث هشام بن عروة الرابع أبوه عروة بن الزبير بن العوام الخامس عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عمر القرشي السادس أبوه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع في موضعين وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وسفيان مكيان ومن بعدهما مدنيون وفيه رواية الابن عن الأب في موضعين وفيه رواية تابعي صغير عن تابعي كبير هشام عن أبيه وفيه رواية صحابي صغير عن صحابي كبير عاصم عن أبيه وكان مولد عاصم في عهد النبي لكن لم يسمع منه شيئا كذا قاله بعضهم حيث أطلق على عاصم أنه صحابي صغير قلت قال الذهبي ولد قبل موت النبي بعامين وذكره ابن حبان في الثقات
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن يحيى بن يحيى وعن أبي كريب وعن ابن نمير وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل وعن مسدد وأخرجه الترمذي فيه عن هارون بن إسحاق وعن أبي كريب وعن محمد بن المثنى وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم
ذكر معناه قوله إذا أقبل الليل من ههنا أي من جهة المشرق وأدبر النهار من ههنا أي من المغرب وقد مر الكلام فيه في باب الصوم في السفر والإفطار في آخر حديث عبد الله بن أبي أوفى قوله فقد أفطر الصائم أي دخل في وقت الفطر وقال ابن خزيمة لفظه خبر ومعناه الأمر أي فليفطر الصائم
5591 - حدثنا ( إسحاق الواسطي ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( الشيباني ) عن ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع رسول الله في سفر وهو صائم فلما غربت الشمس قال لبعض القوم يا فلان قم فاجدح لنا فقال يا رسول الله لو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله لو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال إن عليك نهارا قال انزل فاجدح لنا فنزل فجدح لهم فشرب النبي ثم قال إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم
مطابقته للترجمة في قوله إذا رأيتم الليل إلى آخره وقد مر هذا الحديث في باب الصوم في السفر والإفطار فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن أبي إسحاق الشيباني سمع ابن أبي أوفى قال كنا مع رسول الله في سفر الحديث وقد مر الكلام فيه بجميع تعلقاته مستوفى وإسحاق بن شاهين الواسطي وخالد هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحاوي الواسطي يكنى أبا الهيثم ويقال أبو محمد يقال إنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات مات سنة تسع وسبعين ومائة والشيباني هو أبو إسحاق سليمان بن سليمان قوله لو أمسيت كلمة لو إما للتمني وإما للشرط وجزاؤه مخذوف أي لكنت متما للصوم ونحوه قوله فقال يا رسول الله الضمير المرفوع المستكن فيه يرجع إلى عبد الله بن أبي أوفى بطريق الالتفات عدل عن حكاية نفسه إلى الغيبة ويجوز أن يرجع إلى فلان
44 -
( باب يفطر بما تيسر عليه بالماء وغيره )
أي هذا باب يذكر فيه يفطر الصائم بأي شيء يتهيأ ويتيسر عليه سواء كان بالماء أو بغيره وقال الترمذي باب ما يستحب عليه الإفطار ثم قال حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي حدثنا سعيد بن عامر حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس ابن مالك قال قال رسول الله من وجد تمرا فليفطر عليه ومن لا فليفطر على ماء فإن الماء طهور وقال هو حديث غير محفوظ وأخرجه النسائي وقال هذا خطأ والصواب حديث سليمان بن عامر أورده في الصوم وفي الوليمة أيضا ورواه الترمذي من حديث الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي قال إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح والرباب بنت صليع وهي أم الرابح ورواه الترمذي

(11/65)


أيضا من حديث ثابت عن أنس بن مالك قال كان النبي يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فتمرات فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء ثم قال هذا حديث حسن غريب وقال شيخنا زين الدين رحمه الله هذا مخالف لما يقول أصحابنا من استحباب الإفطار على شيء حلو وعللوه بأن الصوم يضعف البصر والإفطار على الحلو يقوي البصر لكن لم يذكر في الحديث بعد التمر إلا الماء فلعله خرج مخرج الغالب في المدينة من وجود الرطب في زمنه ووجود التمر في بقية السنة وتيسير الماء بعدهما بخلاف الحلو أو العسل وإن كان العسل موجودا عندهم لكن يحتاج إلى ما يحمل فيه إذا كانوا خارج منازلهم أو في الأسفار واستحب القاضي حسين أن يكون فطره على ماء يتناوله بيده من النهر ونحوه حرصا على طلب الحلال للفطر لغلبة الشبهات في المآكل وروينا عن ابن عمر أنه كان ربما أفطر على الجماع رواه الطبراني من رواية محمد ابن سيرين عنه وإسناده حسن وذلك يحتمل أمرين أحدهما أن يكون ذلك لغلبة الشهوة وإن كان الصوم يكسر الشهوة والثاني أن يكون لتحقق الحل من أهله وربما يردد في بعض المأكولات وفي ( المستدرك ) عن قتادة عن أنس أن النبي كان لا يصلي المغرب حتى يفطر ولو على شربة من ماء وذهب ابن حزم إلى وجوب الفطر على التمر إن وجده فإن لم يجده فعلى الماء وإن لم يفعل فهو عاص ولا يبطل صومه بذلك
6591 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الشيباني ) قال سمعت ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنه قال سرنا مع رسول الله وهو صائم فلما غربت الشمس قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله لو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله إن عليك نهارا قال انزل فاجدح لنا فنزل فجدح ثم قال إذا رأيتم الليل أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم وأشار بأصبعه قبل المشرق
مطابقته للترجمة من حيث إن الجدح هو تحريك السويق بالماء وتخويضه وفيه الماء وغيره والترجمة بالماء وغيره والحديث تقدم قوله فنزل أي عبد الله بن أبي أوفى هذا الذي يقتضيه سياق الكلام ولكن رواه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري وفيه فقال يا بلال إنزل إلى آخره وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عبد الواحد بن زياد شيخ مسدد فيه فاتفقت رواياتهم على قوله يا فلان فلعلها تصحفت بقوله يا بلال وقال بعضهم في الحديث الذي قبله من رواية خالد عن الشيباني يا فلان وجاء في حديث عمر رضي الله تعالى عنه رواه ابن خزيمة قال قال النبي إذا أقبل الليل إلى آخره فيحتمل أن يكون المخاطب بذلك عمر رضي الله تعالى عنه فإن الحديث واحد فلما كان عمر هو المقول له إذا أقبل الليل إلى آخره احتمل أن يكون هو المقول له اجدح انتهى قلت هذا احتمال بعيد لأنه لا يستلزم قوله لعمر إذا أقبل الليل أن يكون المأمور بالجدح لهم عمر رضي الله تعالى عنه مع وجود بلال هناك الذي هو صاحب شرابه ومتولي خدمته وقوله أيضا فإن الحديث واحد فيه نظر لا يخفى قوله فجدح لنا كلام أنس رضي الله تعالى عنه قوله ثم قال أي النبي
54 -
( باب تعجيل الإفطار
(
أي هذا باب في بيان استحباب تعجيل الإفطار للصائم وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان أصحاب محمد أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا وقال أبو عمر أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة وروى الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله قال الله عز و جل أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا والعلة فيه أن اليهود والنصاري يؤخرون وروى الحاكم من حديث سهل بن سعد قال قال رسول الله لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم وقال هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
54 -
( باب تعجيل الإفطار
(
أي هذا باب في بيان استحباب تعجيل الإفطار للصائم وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان أصحاب محمد أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا وقال أبو عمر أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة وروى الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله قال الله عز و جل أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا والعلة فيه أن اليهود والنصاري يؤخرون وروى الحاكم من حديث سهل بن سعد قال قال رسول الله لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم وقال هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه

(11/66)


7591 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) أن رسول الله قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي اسمه سلمة بن دينار
وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب وعن محمد بن يحيى وأخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار وأخرجه الترمذي أيضا وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه رواه أبو داود عنه قال قال رسول الله لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر وعن ابن عباس رواه أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) عنه قال قال رسول الله إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ومن طريق أبي داود رواه البيهقي في ( سننه ) قال هذا حديث يعرف بطلحة ابن عمرو الملكي وهو ضعيف
واختلف عليه فيه فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن عطاء عن أبي هريرة وروي من وجه آخر ضعيف عن أبي هريرة ومن وجه آخر ضعيف عن ابن عمر وروي عن عائشة من قولها ثلاثة من النبوة فذكرهن وهو أصح ما ورد فيه وعن عائشة رواه مسلم والترمذي والنسائي من رواية أبي عطية قال دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب النبي أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة قالت أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة قلنا عبد الله بن مسعود قالت هكذا وصنع رسول الله والآخر أبو موسى قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وأبو عطية اسمه مالك بن أبي عامر الهمداني ويقال مالك ابن عامر وعن ابن عمر رواه ابن عدي في ( الكامل ) عنه أن النبي قال إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث بتعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة قال وهذا غير محفوظ وعن أنس رواه أبو يعلى في ( مسنده ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن حميد عن أنس قال ما رأيت النبي قط صلى صلاة المغرب حتى يفطر ولو كان على شربة من ماء وإسناده جيد
قوله ما عجلوا الفطر زاد أبو ذر في حديثه وأخروا السحور أخرجه أحمد وكلمة ما ظرفية أي مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها وزاد أبو هريرة في حديثه لأن اليهود والنصارى يؤخرون أخرجه أبو داود وابن خزيمة وتأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم وقال المهلب الحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل ولأنه أرفق للصائم وأقوى له على العبادة واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين وكذا عدل واحد في الأرجح عند الشافعية وقال ابن دقيق العيد في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم قال بعضهم الشيعة لم يكونوا موجودين عند تحديثه بذلك قلت يحتمل أن يكون أنه كان علم بما يصدر في المستقبل من أمر الشيعة في ذلك الوقت بإطلاع الله عز و جل إياه
8591 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( أبو بكر ) عن ( سليمان ) عن ( ابن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنه قال كنت مع النبي في سفر فصام حتى أمسى قال لرجل انزل فاجدح لي قال لو انتظرت حتى تمسي قال انزل فاجدح لي إذا رأيت الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم
مطابقته للترجمة من حيث إنه قال للرجل المذكور فيه انزل فاجدح لي لأنه لما تحقق غروب الشمس عجل الإفطار والترجمة في تعجيل الإفطار ولهذا كرر عليه بالجدح وقد مر الكلام فيه عن قريب وعن بعيد وأبو بكر هو ابن عياش المقريء وسليمان هو الشيباني
64 -
( باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أفطر الصائم وهو يظن غروب الشمس ثم طلعت عليه الشمس وجواب إذا محذوف ولم يذكره لمكان الاختلاف في وجوب القضاء عليه

(11/67)


9591 - حدثني ( عبد الله بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام بن عروة ) عن ( فاطمة ) عن ( أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله تعالى عنهما قالت أفطرنا على عهد النبي يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام فأمروا بالقضاء قال لا بد من قضاء وقال معمر سمعت هشاما لا أدري أقضوا أم لا
مطابقته للترجمة في قوله فأمروا بالقضاء ويقدر من هذا جواب لكلمة إذا في الترجمة والتقدير إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس عليه القضاء لأن مقتضى قوله فأمروا بالقضاء عليهم القضاء
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي الثالث هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الرابع فاطمة بنت المنذر وهي ابنة عم هشام وزوجته الخامس أسماء بنت أبي بكر الصديق
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد أولا وبصيغة الجمع ثانيا وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه وأبا أسامة كوفيان والبقية مدنيون وفيه رواية الراوي عن زوجته وهو هشام فإن فاطمة امرأته وروايته أيضا عن ابنة عمه كما ذكرنا وفيه رواية الراوية عن جدتها لأن أسماء جدة فاطمة وفيه رواية التابعية عن الصحابية
ذكر من أخرجه غيره أخرجه أبو داود في الصوم أيضا عن هارون بن عبد الله ومحمد بن العلاء وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة
ذكر معناه قوله يوم غيم بنصب يوم على الظرفية وفي رواية أبي داود وابن خزيمة في يوم قوله على عهد النبي أي على زمنه وأيام حياته قوله قيل لهشام وفي رواية أبي داود قال أسامة قلت لهشام وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) وأحمد في ( مسنده ) قوله لا بد من قضاء يعني لا يترك وهذه رواية أبي ذر وفي رواية الأكثرين بد من قضاء قال بعضهم هو استفهام إنكار محذوف الأداة والمعنى لا بد من قضاء قلت هذا كلام مخبط وليس كذلك بل الصواب أن يقال هنا حرف استفهام مقدر تقديره هل بد من قضاء وقال هذا القائل أيضا لا يحفظ في حديث أسماء إثبات القضاء ولا نفيه قلت إن كان كلامه هذا من جهة الشارع صريحا فمسلم وإلا فهشام يقول فأمروا بالقضاء ويقول لا بد من القضاء وقوله فأمروا يستند إلى أمر الشارع لأن غير الشارع لا يستند إليه الأمر
ذكر ما يستفاد منه دل الحديث على أن من أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا هي لم تغرب أمسك بقية يومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه وبه قال ابن سيرين وسعيد بن جبير والأوزاعي والثوري ومالك وأحمد والشافعي وإسحاق وأوجب أحمد الكفارة في الجماع وروى عن مجاهد وعطاء وعروة بن الزبير أنهم قالوا لا قضاء عليه وجعلوه بمنزلة من أكل ناسيا وعن عمر بن الخطاب روايتان في القضاء وعن عمر أنه قال من أكل فليقض يوما مكانه رواه الأثرم وروى مالك في ( الموطأ ) عن عمر رضي الله تعالى عنه فيه أنه قال الخطب يسير واجتهدنا وعن عمر أنه أفطر وأفطر الناس فصعد المؤذن ليؤذن فقال أيها الناس هذه الشمس لم تغرب فقال عمر من كان أفطر فليصم يوما مكانه وفي رواية أخرى عن عمر لا نبالي والله نقضي يوما مكانه رواهما البيهقي وقال البيهقي روى زيد بن وهب قال بينما نحن جلوس في مسجد المدينة في رمضان والسماء متغيمة قد غابت وإنا قد أمسينا فأخرجت لنا عساس من لبن من بيت حفصة فشرب وشربنا فلم نلبث أن ذهب السحاب وبدت الشمس فجعل بعضنا يقول لبعض نقضي يومنا هذا فسمع عمر ذلك فقال والله لا نقضيه وما تجانفنا الإثم وغلطوا زيد بن وهب في هذه الرواية المخالفة لبقية الروايات وقال المنذري في هذه الرواية إرسال ويعقوب بن سفيان كان يحمل على زيد بن وهب بهذه الرواية المخالفة لبقية الروايات وزيد ثقة ألا أن الخطأ غير مأمون قلت عساس بكسر العين المهملة وبسينين مهملتين جمع عس بضم العين وتشديد السين وهو القدح ومنهم من

(11/68)


وفق فقال ترك القضاء إذا لم يعلم ووقع الفطر على الشك والقضاء فيما إذا وقع الفطر في النهار بغير شك وهو خلاف ظاهر الأثر وفي ( المبسوط ) في حديث عمر بعدما أفطر وقد صعد المؤذن المأذنة قال الشمس يا أمير المؤمنين قال بعثناك داعيا ولم نبعثك راعيا ما تجانفنا الإثم وقضاء يوم علينا يسير وروى البيهقي أن صهيبا أفطر في رمضان في يوم غيم فطلعت الشمس فقال طعمة الله أتموا صيامكم إلى الليل واقضوا يوما مكانه وفي ( الأشراف ) اختلفوا في الذي أكل وهو لا يعلم بطلوع الفجر ثم علم به فقالت طائفة يتم صومه ويقضي يوما مكانه روي هذا القول عن محمد بن سيرين وسعيد بن جبير وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وحكي عن إسحاق أنه لا قضاء عليه وأحب إلينا أن نقضيه
قوله وقال معمر بفتح الميمين هو ابن راشد الأزدي الحراني البصري وهذا التعليق وصله عبد بن حميد قال أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر سمعت هشام بن عروة فذكر الحديث وفي آخره فقال إنسان لهشام أقضوا أم لا فقال لا أدري والله أعلم
74 -
( باب صوم الصبيان )
أي هذا باب في بيان صوم الصبيان هل يشرع أم لا والجمهور على أنه لا يجب على من دون البلوغ واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري وبه قال الشافعي أنهم يؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه وحد ذلك عند أصحاب الشافعي بالسبع والعشر كالصلاة وعند إسحاق حده اثنتي عشرة سنة وعند أحمد في رواية عشر سنين وقال الأوزاعي إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حمل على الصوم والمشهور عند المالكية أنه لا يشرع في حق الصبيان وقال ابن بطال أجمع العلماء أنه لا تلزم العبادات والفرائض إلا عند البلوغ إلا أن أكثر العلماء استحسنوا تدريب الصبيان على العبادات رجاء البركة وأنهم يعتادونها فتسهل عليهم إذا ألزمهم وأن من فعل ذلك بهم مأجور وفي ( الأشراف ) اختلفوا في الوقت الذي يؤمر فيه الصبي بالصيام فكان ابن سيرين والحسن والزهري وعطاء وعروة وقتادة والشافعي يقولون يؤمر به إذا أطاقه ونقل عن الأوزاعي مثل ما ذكرنا الآن واحتج بحديث ابن أبي لبيبة عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال إذا صام الغلام ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام رمضان وقال ابن الماجشون إذا طاقوا الصيام ألزموه فإذا أفطروا بغير عذر ولا علة فعليهم القضاء وقال أشهب يستحب لهم إذا أطاقوه وقال عروة إذا أطاقوا الصوم وجب عليهم قال عياض وهذا غلط يرده قوله رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصبي حتى يحتلم وفي رواية حتى يبلغ
وقال عمر رضي الله تعالى عنه لنشوان في رمضان ويلك وصبياننا صيام فضربه
مطابقته للترجمة في قوله وصبياننا صيام وإنما كانوا يصومونهم لأجل التمرين ليتعودوا بذلك ويكونوا على نشاط بذلك بعد البلوغ قوله لنشوان أي لرجل سكران بفتح النون وسكون الشين المعجمة من نشى الرجل من الشراب نشوا ونشوة وتنشى وانتشى كله سكر ورجل نشوان ونشيان على العاقبة والأنثى نشواء وجمعه نشاوى كسكارى وزاد القزاز والجمع النشوات وقال الزمخشري وهو نش وامرأة نشئة ونشوانة وفعلانة قليل إلا في بني أسد هكذا ذكر الفراء وفي ( نوادر اللحياني ) يقال نشئت من الشراب أنشأ نشوة ونشوة وقال ابن خالويه سكر الرجل وانتشى وثمل ونزف وانزف فهو سكران ونشوان وقال ابن التين النشوان السكر الخفيف قيل كأنه من كلام المولدين قوله صيام جمع صائم ويروى صوام ثم هذا التعليق وهو أثر عمر رضي الله تعالى عنه وصله سعيد بن منصور والبغوي في الجعديات من طريق عبد الله بن أبي الهدير أن عمر بن الخطاب أتى برجل شرب الخمر في رمضان فلما دنا منه جعل يقول للمنخرين والفم وفي رواية البغوي فلما رفع إليه عثر فقال عمر على وجهك ويحك وصبياننا صيام ثم أمر فضرب ثمانين سوطا ثم سيره إلى الشام وفي رواية البغوي فضربه الحد وكان إذا غضب على إنسان سيره إلى الشام فسيره إلى الشام وقال أبو إسحاق من شرب الخمر في رمضان ضرب مائة انتهى هذا كان في مستنده ما ذكره سفيان عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أتى بالنجاشي الشاعر وقد شرب الخمر في رمضان

(11/69)


فضربه ثمانين ثم ضربه من الغد عشرين وقال ضربناك العشرين لجرأتك على الله تعالى وإفطارك في رمضان
0691 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( بشر بن المفضل ) قال حدثنا ( خالد ابن ذكوان ) عن ( الربيع بنت معوذ ) قالت أرسل النبي غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم قالت فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار
مطابقته للترجمة في قوله ونصوم صبياننا
ذكر رجاله وهم أربعة الأول مسدد الثاني بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن الفضل بلفظ المفعول من التفضيل بالضاد المعجمة مر في العلم الثالث خالد بن ذكوان أبو الحسن الرابع الربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة بنت معوذ بلفظ الفاعل من التعويذ بالعين المهملة والذال المعجمة الأنصارية من المبايعات تحت الشجرة ولها قدر عظيم وقال الغسائي معوذ بفتح الواو ويقال بكسرها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه أن مسددا وشيخه بصريان وأن خالدا من أهل المدينة سكن البصرة وفيه رواية التابعي عن الصحابية وخالد تابعي صغير ليس له من الصحابة سوى الربيع هذه وهي أيضا من صغار الصحابة ولم يخرج البخاري من حديثه عن غيرها
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن أبي بكر بن نافع وعن يحيى بن يحيى
ذكر معناه قوله عن الربيع في رواية مسلم من وجه آخر عن خالد سألت الربيع قوله إلى قرى الأنصار وزاد مسلم التي حول المدينة قوله صبياننا زاد مسلم الصغار ونذهب بهم إلى المسجد قوله فليصم أي فليستمر على صومه قوله كنا نصومه أي نصوم عاشوراء قوله اللعبة بضم اللام وهي التي يقال لها لعب البنات قوله من العهن بكسر العين المهملة وسكون الهاء وهو الصوف وقد فسره البخاري في رواية المستملي في آخر الحديث قيل العهن الصوف المصبوغ قوله أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار وهكذا رواه ابن خزيمة وابن حبان ووقع في رواية مسلم أعطيناها إياه عند الإفطار وقال القرطبي وصنيع اللعب من العهن وهو الصوف الأحمر لصوم الصبيان ولعل النبي لم يعلم بذلك وبعيد أن يكون أمر بذلك لأنه تعذيب صغير بعبادة شاقة غير متكررة في السنة ورد عليه بما رواه ابن خزيمة من حديث رزينة أن النبي كان يأمر برضعائه في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل ورزينة بفتح الراء وكسر الزاي كذا ضبطه بعضهم وضبطه شيخنا بخطه بضم الراء وقال الذهبي في ( تجريد الصحابة ) رزينة خادمة رسول الله ومولاة زوجته صفية روت عنها ابنتها أمة الله وروى أبو يعلى الموصلي حدثنا عبد الله بن عمر القواريري حدثتنا علية عن أمها قالت قلت لأمة الله بنت رزينة يا أمة الله حدثتك أمك رزينة أنها سمعت رسول الله يذكر صوم عاشوراء قالت نعم وكان يعظمه حتى يدعو برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة فيتفل في أفواههن ويقول للأمهات لا ترضعونهن إلى الليل ورواه الطبراني فقال علية بنت الكميت عن أمها أمنية
ومما يستفاد منه أن صوم عاشوراء كان فرضا قبل أن يفرض رمضان وفيه مشروعية تمرين الصبيان وفيه أن الصحابي إذا قال فعلنا كذا في عهد النبي كان حكمه الرفع لأن سكوته عن ذلك يدل على تقريرهم عليه إذ لو لم يكن راضيا بذلك لأنكر عليهم
84 -
( باب الوصال )
أي هذا باب في بيان وصال الصائم صومه بالنهار وبالليل جميعا ولم يذكر حكمه اكتفاء بما ذكره في الباب من الأحاديث

(11/70)


ومن قال ليس في الليل صيام لقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة 781 ) ونهى النبي عنه رحمة لهم وإبقاء عليهم وما يكره من التعمق
كل هذا من الترجمة وهي تشتمل على ثلاثة فصول
الأول قوله ومن قال وهو في محل الجر عطفا على لفظ الوصال تقديره وباب في بيان من قال ليس في الليل صيام يعني الليل ليس محلا للصوم لأن الله تعالى جعل حد الصوم إلى الليل فلا يدخل في حكم ما قبله واستدل عليه بقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة 781 ) وقد ورد فيه حديث مرفوع رواه أبو سعيد الخير إن الله لم يكتب الصيام بالليل فمن صام فقد بغى ولا أجر له أخرجه ابن السكن وغيره من الصحابة والدولابي وغيره في ( الكنى ) كلهم من طريق أبي فروة الرهاوي عن معقل الكندي عن عبادة بن نسى عنه وقال ابن منده غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال الترمذي سألت البخاري عنه فقال ما أرى عبارة سمع من أبي سعيد الخير وقال شيخنا زين الدين حديث أبي سعيد الخير لم أقف عليه وقد اختلف في صحبته فقال أبو داود أبو سعيد الخير صحابي روى عن النبي وروى عنه قيس ابن الحارث الكندي وفراس الشعباني وقال شيخنا وروى عنه ممن لم يذكره يونس بن حليس ومهاجر بن دينار وابن لأبي سعيد الخير غير مسمى وذكره الطبراني في الصحابة وروى له خمسة أحاديث وقيل هو أبو سعيد الخير بزيادة ياء آخر الحروف وهكذا ذكر أبو أحمد الحاكم في ( الكنى ) فقال سعيد الخير له صحبة مع النبي حديثه في أهل الشام وقال الحافظ الذهبي في ( تجريد الصحابة ) أبو سعيد الخير الأنماري وقيل أبو سعيد الخير اسمه عامر بن سعد شامي له في الشفاعة وفي الوضوء روى عنه قيس بن الحارث وعبادة بن نسي وقال أبو أحمد الحاكم بعد أن روى له حديثا قال أبو سعيد الأنماري ويقال أبو سعيد الخير له صحبة من النبي قال ولست أحفظ له إسما ولا نسبا إلى أقصى أب فجعلهما اثنين وجمع الطبراني بين الترجمتين فجعلهما ترجمة واحدة وقال شيخنا وقد قيل إن أبا سعيد الخير هو أبو سعيد الحبراني الحمصي الذي روى عن أبي هريرة وروي عنه حصين الحبراني وعلى هذا فهو تابعي وهكذا ذكره العجلي في ( الثقات ) فقال شامي تابعي ثقة وكذا ذكره ابن حبان في ( الثقات ) التابعين واختلف في اسمه فيقال إسمه زياد ويقال عامر بن سعد قال الحافظ المزي وأراهما اثنين والله أعلم
الفصل الثاني قوله ونهى النبي عنه أي عن الوصال وهذا التعليق وصله البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها بلفظ نهى النبي رحمة لهم على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى قوله وإبقاء عليهم أي على الأمة وأراد حفظا لهم في بقاء أبدانهم على قوتها وروى أبو داود وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة قال نهى النبي عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه وإسناده صحيح
الفصل الثالث قوله وما يكره من التعمق قال الكرماني هو عطف إما على الضمير المجرور وإما على قوله رحمة أي لكراهة التعمق وهو تكلف ما لم يكلف وعمق الوادي قعره وقيل وما يكره من التعمق من كلام البخاري معطوف على قوله الوصال أي باب ذكر الوصال وذكر ما يكره من التعمق وقد روى البخاري في كتاب التمني من طريق ثابت بن قيس عن أنس في قصة الوصال فقال لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم
1691 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثني ( يحيى ) عن ( شعبة ) قال حدثني ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا تواصلوا قالوا إنك تواصل قال لست كأحد منكم إني أطعم وأسقى أو أني أبيت أطعم وأسقى ( انظر الحديث 1691 وطرفه في 1427 )
مطابقته للترجمة ظاهرة فإنه يوضح جواب الترجمة ورجاله قد ذكروا غير مرة ويحيى بن سعيد القطان
وأخرجه مسلم من رواية سليمان عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله يصلي في رمضان الحديث بطوله وفيه فأخذ يواصل

(11/71)


رسول الله وذلك في آخر الشهر فأخذ رجال من أصحابه يواصلون فقال النبي ما بال رجال يواصلون إنكم لستم مثلي أما والله لو تماد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم وفي لفظ له إني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني وفي لفظ إني لست كهيئتكم
قوله إني لست كأحد منكم وفي رواية الكشميهني كأحدكم وفي حديث ابن عمر إني لست مثلكم وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة عند مسلم لستم في ذلك مثلي وفي حديث أبي هريرة سيأتي وأيكم مثلي أي على صفتي أو منزلتي من ربي قوله أو إني أبيت الشك من شعبة وفي رواية أحمد عن بهز عنه إني أظل أو قال أني أبيت وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ إن ربي يطعمني ويسقيني أخرجه الترمذي قوله لا تواصلوا نهي وأدناه يقتضي الكراهة
ولكن اختلفوا هل هي رواية تنزيه أو تحريم على وجهين حكاهما صاحب ( المهذب ) وغيره أصحهما عندهم أن الكراهة للتحريم قال الرافعي وهو ظاهر كلام الشافعي وحكى صاحب ( المفهم ) عن قوم أنه يحرم قال وهو مذهب أهل الظاهر قال وذهب الجمهور ومالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري وجماعة من أهل الفقه إلى كراهته وذهب آخرون إلى جواز الوصال لمن قوي عليه وممن كان يواصل عبد الله بن الزبير وابن عامر وابن وضاح من المالكية كان يواصل أربعة أيام حكاه ابن حزم وقد حكى القاضي عياض عن ابن وهب وإسحاق وابن حنبل أنهم أجازوا الوصال والجمهور ذهبوا إلى أن الوصال من خواص النبي لقوله إني لست كأحد منكم وهذا دال على التخصيص وأما غيره من الأمة فحرام عليه وفي ( سنن أبي داود ) من حديث عائشة كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال وممن قال به من الصحابة علي بن أبي طالب وأبي هريرة وأبو سعيد وعائشة رضي الله تعالى عنهم واحتج من أباح الوصال بقول عائشة نهاهم عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنما نهاهم رفقا لا إلزاما لهم واحتجوا أيضا بكون النبي واصل بأصحابه يومين حين أبوا أن ينتهوا قال صاحب ( المفهم ) وهو يدل على أن الوصال ليس بحرام ولا مكروه من حيث هو وصال لكن من حيث يذهب بالقوة وأجاب المحرمون عن الحديثين بأن قالوا لا يمنع قوله رحمة لهم أن يكون منهيا عنه للتحريم وسبب تحريمه الشفقة عليهم لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم قالوا وأما وصاله بهم فلتأكيد الزجر وبيان الحكمة في نهيهم والمفسدة المترتبة على الوصال وهي الملل من العبادة وخوف التقصير في غيره من العبادات وقال ابن العربي وتمكينهم منه تنكيل لهم وما كان على طريق العقوبة لا يكون من الشريعة فإن قلت كيف يحسن قولهم له بعد النهي عن الوصال فإنك تواصل وهم أكثر الناس آدابا قلت لم يكن ذلك على سبيل الاعتراض ولكن على سبيل استخراج الحكم أو الحكمة أو بيان التخصيص
قوله إني أطعم وأسقى اختلف في تأويله فقيل إنه على ظاهره وأنه يؤتى على الحقيقة بطعام وشراب يتناولهما فيكون ذلك تخصيص كرامة لا شركة فيها لأحد من أصحابه ورد صاحب ( المفهم ) هذا وقال لأنه لو كان كذلك لما صدق عليه قولهم إنك تواصل ولا ارتفع اسم الوصال عنه لأنه حينئذ يكون مفطرا وكان يخرج كلامه عن أن يكون جوابا لما سئل عنه ولأن في بعض ألفاظه إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني وظل إنما يقال فيمن فعل الشيء نهارا وبات فيمن يفعله ليلا وحينئذ كان يلزم عليه فساد صومه وذلك باطل بالإجماع وقيل إن الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب واعترض صاحب ( المفهم ) على هذا أيضا وقال وهذا القول أيضا يبعده النظر إلى حاله فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط على بطنه الحجارة من الجوع وبعده أيضا النظر إلى المعنى وذلك لأنه لو خلق فيه الشبع والري لما وجد لعبادة الصوم روحها الذي هو الجوع والمشقة وحينئذ كان يكون ترك الوصال أولى وقيل إن الله تعالى يحفظ عليه قوته من غير طعام وشراب كما يحفظها بالطعام والشراب فعبر بالطعام والسقيا عن فائدتهما وهي القوة وعليه اقتصر ابن العربي وحكى الرافعي عن المسعودي قال أصح ما قيل في معناه أني أعطى قوة الطاعم والشارب
2691 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى رسول الله عن الوصال قالوا إنك تواصل قال إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى ( انظر الحديث 2291 )

(11/72)


مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مر في باب بركة السحور فإنه رواه هناك عن موسى بن إسماعيل عن جويرية عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم الحديث وقد مر الكلام هناك مستوفى
3691 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( ابن الهاد ) عن ( عبد الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي يقول لا تواصلوا فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر فإنك تواصل يا رسول الله قال إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني ( الحديث 3691 - طرفه في 7691 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن الهاد هو يزيد بن أسامة بن الهاد الليثي المدني مر في الصلاة وعبد الله بن الخباب بالخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى الأنصاري المدني من موالي الأنصار وليس الخباب بن الأرت الصحابي وليست له رواية إلا عن أبي سعيد الخدري ولم يذكر له رواية عن غير أبي سعيد الخدري وتوقف الجوزجاني في معرفة حاله ووثقه أبو حاتم الرازي وأبو سعيد هو الخدري
والحديث أخرجه أبو داود من رواية ابن الهاد أيضا ولم يخرج مسلم حديث أبي سعيد وعزو الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد إلى مسلم وهم قوله فليواصل إلى السحر وفيه رد على من قال إن الإمساك بعد الغروب لا يجوز وحقيقة الوصال هو أن يصل صوم يوم بصوم يوم آخر من غير أكل أو شرب بينهما هذا هو الصواب في تحقيق الوصال وقيل هو الإمساك بعد تحلة الفطر وحكى في حكمه ثلاثة أقوال التحريم والجواز وثالثها أنه يواصل إلى السحر قاله أحمد وإسحاق
قوله كهيئتكم الهيئة صورة الشيء وشكله وحالته والمعنى إني لست مثل حالتكم وصفتكم في أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله وإني لست مثلكم ولي قرب من الله وهو معنى قوله أبيت ولي مطعم يطعمني ليالي صيامي وساق يسقيني فإن حملناه على الحقيقة يكون هذا كرامة له من الله تعالى وخصوصية وإلا يكون هذا فيضا من الله تعالى عليه بحيث يسد مسد طعامه وشرابه من حيث إنه يشغله عن إحساس الجوع والعطش ويقويه على الطاعة ويحرسه من تحليل يفضي إلى كلال القوى وضعف الأعضاء وقوله لي مطعم جملة إسمية وقعت حالا بدون الواو وقوله يطعمني جملة فعلية حال أيضا من الأحوال المتداخلة قوله وساق أي ولي ساق والكلام فيه مثل الكلام في لي مطعم فافهم
4691 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ومحمد ) قالا أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت نهى رسول الله عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنك تواصل قال أني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني ( الحديث 3691 - طرفه في 7691 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعثمان بن أبي شيبة هو أخو أبي بكر بن أبي شيبة وكلاهما من مشايخ البخاري ومحمد هو ابن سلام وعبدة هو ابن سليمان
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإيمان عن محمود بن غيلان وأخرجه مسلم في الصوم عن إسحاق بن إبراهيم وعثمان بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم
قوله رحمة لهم نصب على التعليل أي لأجل الترحم لهم وهذه إشارة إلى بيان السبب في منعهم عن الوصال
قال أبو عبد الله لم يذكر عثمان رحمة لهم
أبو عبد الله هو البخاري قوله لم يذكر عثمان يعني ابن أبي شيبة شيخه في الحديث المذكور قوله رحمة لهم يعني لم يذكر عثمان هذا اللفظ في روايته فدل هذا على أن هذا من رواية محمد بن سلام وحده وقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة جميعا وفيه رحمة لهم ولم يبين أنها ليست في رواية عثمان وقد

(11/73)


أخرجه أبو يعلى والحسن بن سفيان في مسنديهما عن عثمان وليس فيه رحمة لهم وأخرجه الإسماعيلي عنهما كذلك وأخرجه الجوزقي من طريق محمد بن حاتم عن عثمان وفيه رحمة لهم فدل هذا على أن عثمان كان تارة يذكرها وتارة يحفظها وقد رواه الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن عثمان فجعل ذلك من قول النبي ولفظه قالوا إنك تواصل قال إنما هي رحمة رحمكم الله بها إني لست كهيئتكم الحديث وهذا كما رأيت البخاري قد أخرج حديث الوصال عن خمسة من الصحابة وهم أنس وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وعائشة وأبو هريرة وفي الباب عن علي وجابر وبشير بن الخصاصية وعبد الله بن ذر
فحديث علي رضي الله تعالى عنه رواه عبد الرزاق عنه قال قال رسول الله لا مواصلة ورواه أحمد عنه أن النبي كان يواصل من السحر إلى السحر وحديث جابر رواه عبد الرزاق عنه أن رسول الله قال لا مواصلة في الصيام وإسناده ضعيف وحديث بشير رواه الطبراني عنها قالت كنت أصوم فأواصل فنهاني بشير وقال إن رسول الله نهاني عن هدا قال إنما يفعل ذلك النصارى ولكن صومي كما أمر الله تعالى ثم أتمي الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فأفطري وحديث عبد الله بن ذر رواه البغوي وابن قانع في ( معجميهما ) عنه أن النبي واصل بين يومين وليلة فأتاه جبريل عليه السلام فقال قبلت مواصلتك ولا تحل لأمتك فهذه الأحاديث كلها تدل على أن الوصال من خصائص النبي وعلى أن غيره ممنوع منه إلا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر
94 -
( باب التنكيل لمن أكثر الوصال )
أي هذا باب في بيان تنكيل النبي لمن أكثر الوصال في صومه والتنكيل من النكال وهو العقوبة التي تنكل الناس عن فعل جعلت له جزاء وقد نكل به تنكيلا ونكل به إذا جعله عبرة لغيره وقيد الأكثرية يقضي عدم النكال في القليل ولكن لا يلزم من عدم النكال الجواز
رواه أنس عن النبي
أي روى التنكيل لمن أكثر الوصال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وهذا التعليق وصله البخاري في كتاب التمني في باب ما يجوز من اللوم من طريق حميد بن ثابت عن أنس قال واصل النبي آخر الشهر وواصل أناس من الناس فبلغ النبي فقال لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم إني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ورواه مسلم أيضا من حديث حميد عن ثابت عن أنس قال واصل رسول الله في أول شهر رمضان فواصل ناس من المسلمين فبلغه ذلك فقال لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم إنكم لستم مثلي أو قال إني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني
5691 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال نهى رسول الله عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله قال وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا
مطابقته للترجمة في قوله لو تأخر لزدتكم إلى آخره وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وأخرجه النسائي في الصوم أيضا عن عمرو بن عثمان عن أبيه عن شعيب به قوله حدثني أبو سلمة ويروى أخبرني هكذا رواه شعيب

(11/74)


عن الزهري وتابعه عقيل عن الزهري كما سيأتي في باب التعذير ومعمر كما سيأتي في التمني وتابعه يونس عند مسلم وخالفهم عبد الرحمن بن خالد بن مسافر فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة علقه المصنف في المحاربين وفي التمني وليس اختلافا ضارا فقد أخرجه الدارقطني في ( العلل ) من طريق عبد الرحمن بن خالد هذا عن الزهري عنهما جميعا وكذلك رواه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة أخرجه الإسماعيلي وكذا ذكر الدارقطني أن الزبيد تابع ابن نمر على الجمع بينهما قوله قال له رجل وفي رواية عقيل فقال له رجل قوله فلما أبوا قيل كيف جاز للصحابة مخالفة حكم رسول الله وأجيب بأنهم فهموا من النبي أنه للتنزيه لا للتحريم قوله عن الوصال في رواية الكشميهني من الوصال قوله يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال ظاهره أن المواصلة بهم كانت يومين وقد صرح بذلك في رواية معمر قيل كيف جوز رسول الله لهم الوصال وأجيب بأنه احتمل للمصلحة تأكيدا لزجرهم وبيانا للمفسدة المترتبة على الوصال وهي الملل من العبادة والتعرض للتقصير في سائر الوظائف قوله لو تأخر أي الهلال وهو الشهر ويستفاد منه جواز قول فإن قلت ورد النهي عن ذلك قلت النهي فيما لا يتعلق بالأمور الشرعية قوله لزدتكم أي في الوصال إلى أن تعجزوا عنه فتسألوا التخفيف عنه بالترك قوله كالتنكيل وفي رواية معمر كالمنكل لهم ووقع عند المستملي كالمنكر من الإنكاء بالراء في آخره ووقع في رواية الحموي المنكي بضم الميم وسكون النون على صيغة اسم الفاعل من الإنكار قال بعضهم المنكي من النكاية قلت ليس كذلك بل من الإنكاء لأنه من باب المزيد لا يذوق مثل هذا إلا من له يد في التصريف قوله حين أبوا أي حين امتنعوا قوله أن ينتهوا كلمة أن مصدرية أي الانتهاء
6691 - حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إياكم والوصال مرتين قيل إنك تواصل قال إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى وقع كذا غير منسوب في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر حدثنا يحيى بن موسى وقال الكرماني يحيى هو إما يحيى بن موسى البلخي وإما يحيى بن جعفر البخاري قلت يحيى بن موسى بن عبد ربه بن سالم أبو زكريا السختياني الحداني البلخي يقال له خت قال البخاري مات سنة أربعين ومائتين ويحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين
قوله إياكم والوصال مرتين وفي رواية أحمد عن عبد الرزاق بهذا الإسناد إياكم والوصال فعلى هذا قوله مرتين اختصار من البخاري أو من شيخه ورواه ابن أبي شيبة من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ إياكم والوصال ثلاث مرات وإسناده صحيح وانتصاب الوصال على التحذير يعني احذروا الوصال قوله أبيت كذا في الطريقين عن أبي هريرة لفظ أبيت وقد تقدم في رواية أنس بلفظ أظل وكذا في رواية الإسماعيلي عن عائشة وأكثر الروايات وكان بعض الرواة عبر عن أبيت بلفظ أظل نظرا إلى اشتراكهما في مطلق الكون ألا يرى أنه يقال أضحى فلان كذا مثلا ولا يراد به تخصيص ذلك بوقت الضحى وكذلك قوله تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا ( النحل 85 ) فإن المراد به مطلق الوقت ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل قوله فاكلفوا بفتح اللام لأنه من كلفت بهذا الأمر أكلف من باب علم يعلم أي أولعت به والمعنى ههنا تكلفوا ما تطيقونه وكلمة ما موصولة وتطيقونه صلة وعائد أي الذي تقدرون عليه ولا تتكلفوا فوق ما تطيقونه فتعجزوا
05 -
( باب الوصال إلى السحر )
أي هذا باب في بيان جواز الوصال إلى السحر وقد مضى أنه مذهب أحمد وطائفة من أصحاب الحديث ومن الشافعية من قال إن هذا ليس بوصال

(11/75)


7691 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) قال حدثني ( ابن أبي حازم ) عن ( يزيد ) عن ( عبد الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله يقول لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني ( انظر الحديث 3691 )
مطابقته للترجمة في قوله فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر وإبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي مر في باب سؤال جبريل عليه السلام في كتاب الإيمان وابن أبي حازم هو عبد العزيز ويزيد من الزيادة هو ابن عبد الله بن الهاد
وقد مر هذا الحديث في باب الوصال فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن ابن الهاد إلى آخره فإن قلت روى ابن خزيمة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كان رسول الله يواصل إلى السحر ففعل بعض أصحابه ذلك فنهاه فقال يا رسول الله إنك تفعل ذلك الحديث فظاهره يعارض حديث أبي سعيد هذا فإن في حديث أبي صالح إطلاق النهي عن الوصال وفي حديث أبي سعيد جوازه إلى السحر قلت ذكروا أن رواية عبيدة بن حميد شاذة وقد خالفه أبو معاوية وهو أضبط أصحاب الأعمش فلم يذكر ذلك أخرجه أحمد وغيره عن أبي معاوية قيل على تقدير أن تكون رواية عبيدة محفوظة فالجواب أن ابن خزيمة جمع بينهما بأن يكون النهي عن الوصال أولا مطلقا سواء في ذلك جميع الليل أو بعضه ثم خص النهي بجميع الليل فأباح الوصال إلى السحر فيحمل حديث أبي سعيد على هذا وحديث عبيدة على الأول وقيل يحمل النهي في حديث أبي صالح على كراهة التنزيه وفي حديث أبي سعيد على ما فوق السحر على كراهة التحريم
15 -
( باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له )
أي هذا باب في بيان حكم من حلف على أخيه وكان صائما ليفطر والحال أنه كان في صوم التطوع ولم ير على هذا المفطر قضاء عن ذلك اليوم الذي أفطر فيه قوله إذا كان الإفطار أوفق له أي للمفطر بأن كان معذورا فيه بأن عزم عليه أخوه في الإفطار وهذا القيد يدل على أنه لا يفطر إذا كان بغير عذر ولا يتعمد ذلك ويروى إذا كان يعني حين كان ويروى أرفق أيضا بالراء وبالواو والمعنى صحيح فيهما وهذا تصرف البخاري واختياره وفيه خلاف بين الفقهاء سنذكره إن شاء الله تعالى
8691 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثني ( جعفر بن عون ) قال حدثنا ( أبو العميس ) عن ( عون ابن أبي جحيفة ) عن أبيه قال آخى النبي بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم فقال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي فذكر ذلك له فقال النبي صدق سلمان ( الحديث 8691 - طرفه في 9316 )
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا الدرداء صنع لسلمان طعاما وكان سلمان صائما فأفطر بعد محاورة ثم لما أتى النبي

(11/76)


وأخبره بذلك لم يأمره بالقضاء وقال بعضهم ذكر القسم لم يقع في حديث أبي جحيفة هنا وأما القضاء فليس في شيء من طرقه إلا أن الأصل عدمه وقد أقره الشارع ولو كان القضاء واجبا لبينه مع حاجته إلى البيان انتهى قلت في رواية البزار عن محمد ابن بشار شيخ البخاري في هذا الحديث فقال أقسمت عليك لتفطرن وكذا في رواية ابن خزيمة والدارقطني والطبراني وابن حبان فكأن شيخ البخاري محمد بن بشار لما حدث بهذا الحديث لم يذكر له هذه الجملة وبلغ البخاري ذلك من غيره فذكرها في الترجمة وإن لم يقع في روايته وقد ذكر البخاري هذا الحديث أيضا في كتاب الأدب عن محمد بن بشار بهذا الإسناد ولم يذكر هذه الجملة أيضا
وقيل القسم مقدر قبل قوله ما أنا بآكل كما في قوله تعالى وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) وأما قوله وأما القضاء إلى آخره فالجواب عنه أن القضاء ثبت في غيره من الأحاديث ونذكرها الآن وقوله فليس في شيء من طرقه لا يستلزم عدم ذكره القضاء في طرق هذا الحديث نفي وجوب القضاء في طرق غيره وقوله إلا أن الأصل عدمه أي عدم القضاء غير مسلم بل الأصل وجوب القضاء لأن الذي يشرع في عبادة يجب عليه أن يأتي بها وإلا يكون مبطلا لعمله وقد قال تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ( محمد 33 ) فإن قلت قال أبو عمر أما من احتج في هذه المسألة بقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ( محمد 33 ) فجاهل بأقوال أهل العلم وذلك أن العلماء فيها على قولين فيقول أكثر أهل السنة لا تبطلوها بالرياء أخلصوها لله تعالى وقال آخرون لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر قلت من أين لأبي عمر هذا الحصر
وقد اختلفوا في معناه فقيل لا تبطلوا الطاعات بالكبائر وقيل لا تبطلوا أعمالكم بمعصية الله ومعصية رسوله وعن ابن عباس لا تبطلوها بالرياء والسمعة عنه بالشك والنفاق وقيل بالعجب فإن العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وقيل لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى على أن قوله ولا تبطلوا أعمالكم ( محمد 33 ) عام يتناول كل من يبطل عمله سواء كان في صوم أو في صلاة ونحوهما من الأعمال المشروعة فإذا نهى عن إبطاله يجب عليه قضاؤه ليخرج عن عهدة ما شرع فيه وأبطله
وأما الأحاديث الموعود بذكرها فمنها ما رواه الترمذي قال حدثنا أحمد بن منيع حدثنا كثير بن هشام حدثنا جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فجاء رسول الله فبدرتني إليه حفصة وكانت ابنة أبيها فقالت يا رسول الله إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فقال إقضيا يوما آخر مكانه ورواه أبو داود والنسائي أيضا من رواية يزيد بن الهاد عن زميل مولى عروة عن عروة عن عائشة قالت أهدي لي ولحفصة طعام وكنا صائمتين فأفطرنا ثم دخل رسول الله فقلنا له يا رسول الله إنا أهديت لنا هدية فاشتهيناها فأفطرنا فقال لا عليكما صوما مكانه يوما آخر وأخرجه النسائي من رواية جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأخرجه أيضا من رواية يحيى بن أيوب عن إسماعيل بن عقبة قال وعندي في موضع آخر أو إسماعيل بن إبراهيم عن الزهري عن عروة عن عائشة قال يحيى بن أيوب وحدثني صالح بن كيسان عن الزهري مثله قال النسائي وجدته في موضع آخر عندي حدثني صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد مثله فإن قلت قال الترمذي رواه مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا وقال الترمذي أيضا في ( العلل ) سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال لا يصح حديث الزهري عن عروة عن عائشة في هذا قال وجعفر بن برقان ثقة وربما يخطىء في الشيء وكذا قال محمد بن يحيى الذهلي لا يصح عن عروة وقال النسائي في ( سننه ) بعد أن رواه هذا خطأ وقال أبو عمر في ( التمهيد ) بعد ذكره لهذا الحديث مدار حديث صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد على يحيى بن أيوب وهو صالح وإسماعيل بن إبراهيم متروك الحديث وجعفر بن برقان في الزهري ليس بشيء وسفيان بن حسين وصالح بن أبي الأخضر في حديثهما خطأ كثير قال وحفاظ بن شهاب يروونه مرسلا قلت وقد وصله آخرون فجعلوه عن الزهري عن عروة عن عائشة وهم جعفر بن برقان وسفيان بن حسين ومحمد بن أبي حفصة وصالح بن أبي الأخضر وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وصالح بن كيسان وحجاج بن أرطأة وإذا دار الحديث بين الانقطاع والاتصال فطريق الاتصال أولى وهو قول الأكثرين وذلك لأن طريق الانقطاع ساكت عن

(11/77)


الراوي وحاله أصلا وفي طريق الاتصال بيان له ولا معارضة بين الساكت والناطق ولئن سلمنا أنه روى مرسلا أنه أصح وقد وافقه حديث متصل وهو حديث عائشة بنت طلحة رواه الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة زوج النبي قالت دخل علي رسول الله فقلت له يا رسول الله إنا قد خبأنا لك حيسا فقال أما إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه سأصوم يوما مكان ذلك قال محمد هو ابن إدريس سمعت سفيان عامة مجالستي إياه لا يذكر فيه سأصوم يوما مكان ذلك قال ثم إني عرضت عليه الحديث قبل أن يموت بسنة فأجاب فيه سأصوم يوما مكان ذلك ورواه البيهقي في ( سننه الكبير ) من طريق الطحاوي وفي كتابه ( المعرفة ) أيضا ففي هذا الحديث ذكر وجوب القضاء وفي حديث عائشة ما قد وافق ذلك
ثم انظر ما أقول لك من العجب العجاب وهو أن أحمد قال هذا الحديث قد رواه جماعة عن سفيان دون هذه اللفظة ورواه جماعة عن طلحة ابن يحيى دون اللفظة منهم سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وعبد الواحد بن زياد ووكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد القطان ويعلى بن عبيد وغيرهم وأخرجه مسلم في ( صحيحه ) من حديث عبد الواحد وغيره دون هذه اللفظة وقال البيهقي في ( السنن الكبيرة ) رواية هؤلاء تدل على خطأ هذه اللفظة وهذا العجب العجاب منه أن يخطيء ههنا إمامه الشافعي ويخطىء مثل سفيان بن عيينة والشافعي إمام ثقة وروى هذه اللفظة من مثل سفيان الذي هو من أكبر مشايخه ثم لم يذكر خلافه عنه ثم يتلفظ بمثل هذا الكلام البشيع لأجل تضعيف ما احتجت به الحنفية وغمض عينيه من جهة الشافعي ومن جهة شيخه وليس هذا من دأب العلماء الراسخين فضلا عن العلماء المقلدين
وأما قول البخاري والذهليإنه لا يصح فهو نفي والإثبات مقدم عليه وقوله قال النسائي هذا خطأ دعوى بلا إقامة برهان لأن كونه مرسلا على زعمهم لا يستلزم كونه خطأ وقول أبي عمر فيه وهمان أحدهما أن قوله مدار حديث يحيى بن سعيد على يحيى بن أيوب غفلة منه فإنه هو بعد هذا بأسطر رواه من رواية أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد وغيره عن الزهري عن عروة عن عائشة والثاني أن قوله وإسماعيل بن إبراهيم متروك الحديث قد انقلب عليه هذا الاسم فظن إسماعيل بن إبراهيم هو ابن حبيبة قال فيه أبو حاتم متروك الحديث وليس هو الراوي لهذا الحديث وهذا إسماعيل بن عقبة احتج به البخاري ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي فإن قلت في رواية أبي داود التي تقدمت وذكرناها آنفا زميل مولى عروة عن عروة قال البخاري لا يصح لزميل سماع من عروة ولا ليزيد من زميل ولا تقوم به الحجة قلت في ( سنن ) النسائي التصريح بسماع يزيد منه وقول البخاري لا يصح لزميل سماع عن عروة نفي فيقدم عليه الإثبات وزميل هو ابن عباس أو عياش مولى عروة قيل بضم الزاي وفتح الميم وقيل بفتح الزاي وكسر الميم ولحديث عائشة رضي الله تعالى عنها طريق آخر رواه النسائي عن أحمد بن عيسى عن ابن وهب عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها الحديث وفي آخره قال صوما يوما مكانه وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) عن ابن قتيبة عن حرملة عن ابن وهب وقال ابن عبد البر في ( التمهيد ) وأحسن حديث في هذا الباب حديث ابن الهاد عن زميل عن عروة وحديث جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة
ومنها ما رواه ابن عباس أخرجه النسائي من رواية خطاب بن القاسم عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي دخل على حفصة وعائشة وهما صائمتان ثم خرج فرجع وهما يأكلان فقال ألم تكونا صائمتين قالتا بلى ولكن أهدي لنا هذا الطعام فأعجبنا فأكلنا منه فقال صوما يوما مكانه فإن قلت قال النسائي وابن عبد البر هذا الحديث منكر قلت إنما قالا ذلك بسبب خطاب ابن القاسم عن خصيف لأن فيهما مقالا فيما قاله عبد الحق وقال ابن القطان خطاب ثقة قاله ابن معين وأبو زرعة ولا أحفظ لغيرهما فيه ما يناقض ذلك وقال أبو داود ويحيى بن معين وأبو زرعة والعجلي خصيف ثقة عن ابن معين صالح وعنه ليس به بأس وعن أحمد ليس بحجة
ومنها حديث أبي هريرة رواه العقيلي في ( تاريخ الضعفاء من حديث محمد ابن أبي سلمة عن محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة قال أهديت لعائشة وحفصة هدية وهما صائمتان فأكلتا منها فذكرتا ذلك لرسول الله فقال اقضيا يوما مكانه ولا تعودا أورده في ترجمة محمد بن أبي سلمة المكي وقال لا يتابع على حديثه
ومنها حديث أم سلمة رواه الدارقطني

(11/78)


في الأفراد من رواية محمد بن حميد عن الضحاك بن حمرة عن منصور بن أبان عن الحسن عن أمه عن أم سلمة أنها صامت يوما تطوعا فأفطرت فأمرها رسول الله أن تقضي يوما مكانه فإن قلت قال الدارقطني تفرد به الضحاك عن منصور والضحاك ليس بشيء قاله ابن معين ومحمد بن حميد كذاب قاله أبو زرعة قلت الضحاك بن حمرة بضم الحاء المهملة وبعد الميم راء الأملوكي الواسطي ذكره ابن حبان في ( الثقات ) وإذا كان الضحاك ثقة لا يروي عن كذاب
ومنها حديث جابر رواه الدارقطني من حديث محمد بن المنكدر عنه قال صنع رجل من أصحاب رسول الله طعاما فدعا النبي وأصحابا له فلما أتي بالطعام تنحى أحدهم فقال له ما لك فقال إني صائم فقال تكلف لك أخوك وصنع ثم تقول إني صائم كل وصم يوما مكانه وروى الطحاوي من حديث سعيد بن أبي الحسن عن ابن عباس أنه أخبر أصحابه أنه صام ثم خرج عليهم ورأسه يقطر فقالوا ألم تك صائما قال بلى ولكن مرت بي جارية لي فأعجبتني فأصبتها وكانت حسنة فهممت بها وأنا قاضيها يوما آخر وأخرج ابن حزم في ( المحلى ) من طريق وكيع عن سيف بن سليمان المكي قال خرج عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يوما على الصحابة فقال إني أصبحت صائما فمرت بي جارية فوقعت عليها فما ترون قال فلم يألوا ما شكوا عليه وقال له علي رضي الله تعالى عنه أصبت حلالا وتقضي يوما مكانه قال له عمر رضي الله تعالى عنه أنت أحسنهم فتيا وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عثمان البتي عن أنس ابن سيرين رضي الله تعالى عنه أنه صام يوم عرفة فعطش عطشا شديدا فأفطر فسأل عدة من أصحاب النبي فأمروه أن يقضي يوما مكانه
وروي وجوب القضاء عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس وجابر بن عبد الله وعائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير في قول وأبي حنيفة ومالك وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله ومذهب مجاهد وطاووس وعطاء والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق أن المتطوع بالصوم إذا أفطر بعذر أو بغير عذر لا قضاء عليه إلا أنه يحب هو أن يقضيه وروي ذلك عن سلمان وأبي الدرداء واحتجوا في ذلك بحديث أم هانىء رواه أحمد عنها أن رسول الله شرب شرابا فناولها لتشرب فقالت إني صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك فقال إن كان من قضاء رمضان فاقضي يوما مكانه وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي وأخرجه الطحاوي من ثلاث طرق وأخرجه الترمذي حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال أنبأنا شعبة كنت أسمع سماك بن حرب يقول حدثني أحد بني أم هانىء فلقيت أفضلهم وكان اسمه جعدة فحدثني عن جدته أن رسول الله دخل عليها فدعى بشراب فشرب ثم ناولها فشربت فقالت يارسول الله أما اني كنت صائمة فقال رسول الله الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر قال شعبة فقلت له أنت سمعت هذا من أم هانىء قال لا أخبرني أبو صالح وأهلنا عن أم هانىء وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن سماك فقال ابن بنت أم هانىء ورواية شعبة أحسن وقال الترمذي حديث أم هانىء في إسناده مقال قلت هذا الحديث فيه اضطراب متنا وسندا أما الأول فظاهر وقد ذكر فيه أنه كان يوم الفتح وهي أسلمت عام الفتح وكان الفتح في رمضان فكيف لا يلزمها قضاؤه وقال الذهبي في ( مختصر سنن البيهقي ) ولا أراه يصح فإن يوم الفتح كان صومها فرضا لأنه رمضان وقال غيره ومما يوهن هذا الخبر أنها يوم الفتح فلا يجوز لها أن تكون متطوعة لأنها كانت في شهر رمضان قطعا
وأما اضطراب سنده فاختلف سماك فيه فتارة رواه عن أبي صالح وتارة عن جعدة وتارة عن هارون أما أبو صالح فهو باذان ويقال باذام ضعفوه وقال البيهقي ضعيف لا يحتج بخبره وقال في باب أصل القسامة أبو صالح عن ابن عباس ضعيف وعن الكلبي قال لي أبو صالح كل ما حدثتك به كذب وفي ( السنن الكبرى ) للنسائي هو ضعيف الحديث وعن حبيب بن أبي ثابت كنا نسميه الدرودن وهو باللغة الفارسية الكذاب وقال النسائي وقد روي أنه قال في مرضه كل شيء حدثتكم به فهو كذب وأما جعدة فمجهول وقال النسائي لم يسمعه جعدة عن أم هانىء وأما هارون فمجهول الحال قاله ابن القطان واختلف في نسبه فقيل

(11/79)


ابن أم هانىء وقيل ابن هانىء وقيل ابن ابنة أم هانىء وقيل هذا وهم فإنه لا يعرف لها بنت وقال النسائي اختلف على سماك فيه وسماك لا يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث وقد رواه النسائي وغيره من غير طريق سماك فيه وليس فيه قوله فإن شئت فاقضيه وإن شئت فلا تقضيه ولم يرو هذا اللفظ عن سماك غير حماد بن سلمة وأخرجه البيهقي من رواية حاتم بن أبي صعيرة وأبي عوانة كلاهما عن سماك وليس فيه هذه اللفظة
ذكر رجال الحديث وهم خمسة الأول محمد بن بشار بالباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة الثاني جعفر ابن عون بفتح العين المهملة وسكون الواو وفي آخره نون أبو عون المخزومي القرشي الثالث أبو العميس بضم العين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة واسمه عتبة بن عبد الله بن مسعود وقد مر في زيادة الإيمان الرابع عون بن أبي جحيفة الخامس أبوه أبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء واسمه وهب بن عبد الله السوائي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن محمد بن بشار بصري ويلقب ببندار لأنه كان بندارا في الحديث والبندار الحافظ وهو شيخ الجماعة والبقية كوفيون وفيه أن هذا الحديث لم يروه إلا أبو العميس عن عون بن أبي جحيفة ولا لأبي العميس راو إلا جعفر بن عون وأنهما منفردان بذلك نبه عليه البزار وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في الأدب وأخرجه الترمذي أيضا عن محمد ابن بشار في الزهد وقال حديث حسن صحيح
ذكر معناه قوله آخى النبي من المؤاخاة وهي اتخاذ الأخوة بين الإثنين يقال وآخاه مواخاة وإخاء وتآخيا على تفاعلا وتأخيت إخاء أي اتخذت أخا ذكر أهل السير والمغازي أن المؤاخاة بين الصحابة وقعت مرتين الأولى قبل الهجرة بين المهاجرين خاصة على المواساة والمناصرة وكان من ذلك أخوة زيد بن حارثة وحمزة بن عبد المطلب ثم آخى النبي بين المهاجرين والأنصار بعد أن هاجر وذلك بعد قدومه المدينة فإن قلت روى الواقدي عن الزهري أنه كان ينكر كل مؤاخاة وقعت بعد بدر ويقول قطعت بدر المواريث وسلمان إنما أسلم بعد وقعة أحد وأول مشاهدة الخندق قلت الذي قاله الزهري إنما يريد به المؤاخاة المخصوصة التي كانت عقدت بينهم ليتوارثوا بها ومؤاخاة سلمان وأبي الدرداء إنما كانت على المؤاساة والمؤاخاة المخصوصة لا تدفع المؤاخاة من أصلها وروى ابن سعد من طريق حميد بن هلال قال وآخى بين سلمان وأبي الدرداء فنزل سلمان الكوفة ونزل أبو الدرداء الشام قوله فزار سلمان أبا الدرداء يعني في عهد النبي فوجد أبا الدرداء غائبا فرأى أم الدرداء متبذلة بفتح التاء المثناة من فوق والباء الموحدة وتشديد الذال المعجمة المكسورة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الباء الموحدة وسكون الذال المعجمة وهي المهنة وزنا ومعنى والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة وفي رواية الكشميهني مبتذلة بتقديم الباء الموحدة والتخفيف من الابتذال من باب الافتعال ومعناهما واحد ووقع في ( الحلية ) لأبي نعيم بإسناد آخر إلى أم الدرداء عن أبي الدرداء أن سلمان دخل عليه فرأى امرأته رثة الهيئة فذكر القصة مختصرة وأم الدرداء هذه اسمها خيرة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف بنت أبي حدرد الأسلمية صحابية بنت صحابي وحديثها عن النبي في ( مسند أحمد ) وغيره وماتت قبل أبي الدرداء ولأبي الدرداء امرأة أخرى أيضا يقال لها أم الدرداء رضي الله تعالى عنها أيضا اسمها هجيمة تابعية عاشت بعده دهرا وروت عنه وقد مر الكلام فيه فيما مضى في الصلاة وغيرها قوله فقال لها ما شأنك وزاد الترمذي في روايته يا أم الدرداء قوله ليست له حاجة في الدنيا وفي رواية الدارقطني من وجه آخر عن محمد بن عون في نساء الدنيا وزاد فيه ابن خزيمة عن يوسف بن موسى عن جعفر بن عون يصوم النهار ويقوم الليل قوله فجاء أبو الدرداء وفي رواية الترمذي فرحب بسلمان وقرب إليه طعاما قوله فقال كل قال فإني صائم كذا في رواية أبي ذر وفي رواية الترمذي

(11/80)


فقال كل فإني صائم فعلى رواية أبي ذر القائل بقوله كل هو سلمان والمقول له هو أبو الدرداء وهو المجيب بأنه صائم وعلى رواية الترمذي القائل بقوله كل هو أبو الدرداء والمقول له سلمان قوله قال ما أنا بآكل أي قال سلمان ما أنا بآكل من طعامك حتى تأكل والخطاب لأبي الدرداء قوله فأكل أي أبو الدرداء ويروى فأكلا يعني سلمان وأبا الدرداء قوله فلما كان الليل يعني أول الليل ذهب أبو الدرداء يقوم يعني للصلاة ومحل يقوم نصب على الحال قوله فقال نم أي قال سلمان لأبي الدرداء نم وفي رواية ابن سعد من وجه آخر مرسلا فقال له أبو الدرداء أتمنعني أن أصوم لربي وأصلي لربي قوله فلما كان من آخر الليل أراد عند السحر وكذا هو في رواية ابن خزيمة وعند الترمذي فلما كان عند الصبح وفي رواية الدراقطني فلما كان في وجه الصبح قوله قال سلمان قم الآن أي قال سلمان لأبي الدرداء قم في هذا الوقت يعني وقت السحر قوله فصليا فيه حذف تقديره فقاما وصليا وفي رواية الطبراني فقاما وتوضآ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة قوله ولأهلك عليك حقا وزاد الترمذي وابن خزيمة ولضيفك عليك حقا وزاد الدارقطني فصم وأفطر وصل ونم وائت أهلك قوله فأتي النبي أي فأتى أبو الدرداء النبي فذكر ذلك أي ما ذكر من الأمور له أي للنبي وفي رواية الترمذي فأتيا بالتثنية وفي رواية الدارقطني ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر النبي بالذي قال له سلمان فقال له يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان ففي هذه الرواية أن النبي أشار إليهما بأنه علم بطريق الوحي ما دار بينهما وليس ذلك في رواية البخاري عن محمد بن بشار ويمكن الجمع بينهما بأنه كاشفهما بذلك أولا ثم أطلعه أبو الدرداء على صورة الحال فقال له صدق سلمان وروى هذا الحديث الطبراني من وجه آخر عن محمد بن سيرين مرسلا فعين الليلة التي بات سلمان فيها عند أبي الدرداء ولفظه قال كان أبو الدرداء يحيى ليلة الجمعة ويصوم يومها فأتاه سلمان فذكر القصة مختصرة وزاد في آخرها فقال النبي عويمر سلمان أفقه منك انتهى وعويمر تصغير عامر أسم لأبي الدرداء وفي رواية أبي نعيم في ( الحلية ) فقال النبي لقد أوتي سلمان من العلم وفي رواية ابن سعد لقد أشبع سلمان علما رضي الله تعالى عنه
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الفطر من صوم التطوع لما ترجم له البخاري ثم القضاء هل يجب عليه أم لا قد ذكرناه مع الخلاف فيه وقد نقل ابن التين عن مذهب مالك أنه لا يفطر لضيف نزل به ولا لمن حلف عليه بالطلاق والعتاق وكذا لو حلف هو بالله ليفطرن كفر ولا يفطر وسيأتي من حديث أنس أن النبي لم يفطر لما زاره سليم وكان صائما تطوعا وقد صح عن عائشة أنه كان يفطر من صوم التطوع وزاد بعضهم فيه فأكل ثم قال لكن أصوم يوما مكانه وفي ( المبسوط ) بعد الشروع في الصوم لا يباح له الإفطار بغير عذر عندنا فيكون بالإفطار جانيا فيلزمه القضاء ولا خلاف أنه يباح له الإفطار بعذر
واختلفت الروايات في الضيافة فروى هشام عن محمد أنه يبيح الفطر وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يكون عذرا وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه عذر وهو الأظهر ويجب القضاء في الإفطار بعذر كان أو بغير عذر وكان الإفطار بصنعه أو بغير صنعه كالصائمة تطوعا إذا حاضت عليها القضاء في أصح الروايتين وفي ( الفتاوي ) دعي إلى طعام وهو صائم في النفل إن صنع لأجله فلا بأس بأن يفطر وعن محمد إن دخل على أخ له فدعاه أفطر وقيل إن تأذى بامتناعه أفطر وعن الحسن أنه لا يفطر إلا بعذر وفي ( المنتقى ) له أن يفطر قيل تأويله بعذر وقيل قبل الزوال له أن يفطر وبعده لا يفطر وفي القضاء وصوم الفرض لا يفطر وعن محمد لا بأس به
وإن حلف غيره بطلاق امرأته أن يفطر قال نصير وخلف بن أيوب لا يفطر ودعه يحنث وعن محمد لا بأس بأن يفطر وإن كان في قضاء وفي ( المحيط ) إن حلف بطلاق امرأته يفطر في التطوع دون القضاء وهو قول أبي الليث وفي ( المرغيناني ) الصحيح من المذهب أن صاحب الدعوة إذا كان رضي بمجرد حضوره لا يفطر وقال الحلواني أحسن ما قيل فيه إن كان يثق من نفسه بالقضاء يفطر وإلا فلا يفطر وإن كان فيه أذى لمسلم وفي ( المأمونية ) للحسن بن زياد إذا دعي إلى وليمة فليجب ولا يفطر في

(11/81)


التطوع فإن أقسم عليه أهل الوليمة فأفطر فلا بأس به وإن كان يتأذى يفطر ويقضي وبعد الزوال لا يفطر إلا إذا كان في تركه عقوق بالوالدين أو بأحدهما
وفيه مشروعية المواخاة في الله وفيه زيارة الإخوان والمبيت عندهم وفيه جواز مخاطبة الأجنبية للحاجة وفيه السؤال عما تترتب عليه المصلحة وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل وفيه النصح للمسلم وتنبيه من كان غافلا وفيه فضل قيام آخر الليل وفيه مشروعية تزيين المرأة لزوجها وفيه ثبوت حق المرأة على الزوج في حسن العشرة وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء لقوله ولأهلك عليك حقا وفيه جواز النهي عن المستحبات إذا خشي إن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب وفيه أن الوعيد الوارد على من نهى مصليا عن الصلاة مخصوص بمن نهاه ظلما وعدوانا وفيه كراهية الحمل على النفس في العبادة وفيه النوم للتقوي على الصيام وفيه النهي عن الغلو في الدين
25 -
( باب صوم شعبان )
أي هذا باب في بيان فضل صوم شهر شعبان وهذا الباب أول شروعه في التطوعات من الصيام واشتقاق شعبان من الشعب وهو الاجتماع سمي به لأنه يتشعب فيه خير كثير كرمضان وقيل لأنهم كانوا يتشعبون فيه بعد التفرقة ويجمع على شعابين وشعبانات وقال ابن دريد سمي بذلك لتشعبهم فيه أي لتفرقهم في طلب المياه وفي ( المحكم ) سمي بذلك لتشعبهم في الغارات وقال ثعلب قال بعضهم إنما سمي شعبانا لأنه شعب أي ظهر بين رمضان ورجب وعن ثعلب كان شعبان شهرا تتشعب فيه القبائل أي تتفرق لقصد الملوك والتماس العطية وفي ( التلويح ) وأما الأحاديث التي في صلاة النصف منه فذكر أبو الخطاب أنها موضوعة وفيها عند الترمذي حديث مقطوع قلت هو الحديث الذي رواه الترمذي في باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان قال حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الحجاج بن أرطأة عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة قالت فقدت رسول الله فخرجت فإذا هو بالبقيع فقال أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله قلت يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك فقال إن الله عز و جل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب قال الترمذي حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج وسمعت محمدا يضعف هذا الحديث وقال يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة والحجاج لم يسمع من يحيى بن أبي كثير وأخرجه ابن ماجه أيضا من طريق يزيد بن هارون وقول أبي الخطاب إنه مقطوع هو أنه منقطع في موضعين أحدهما ما بين الحجاج ويحيى والآخر ما بين يحيى وعروة فإن قلت أثبت ابن معين ليحيى السماع من عروة قلت اتفق البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم على أنه لم يسمع منه والمثبت مقدم على النافي ولئن سلمنا ذلك فهو مقطوع في موضع واحد ولا يخرج عن الانقطاع
وروى ابن ماجه من رواية ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال قال رسول الله إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من يستغفرني فأغفر له ألا من يسترزق فأرزقه ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر وإسناده ضعيف وابن أبي سبرة هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن سبرة مفتي المدينة وقاضي بغداد ضعيف وإبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى ضعفه الجمهور ولعلي بن أبي طالب حديث آخر قال رأيت رسول الله ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربع عشرة ركعة ثم جلس فقرأ بأم القرآن أربع عشرة مرة الحديث وفي آخره من صنع هكذا لكان له كعشرين حجة مبرورة وكصيام عشرين سنة مقبولة فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان له كصيام ستين سنة ماضية وستين سنة مستقبلة رواه ابن الجوزي في ( الموضوعات ) وقال هذا موضوع وإسناده مظلم ولعلي رضي الله تعالى عنه حديث آخر رواه أيضا في ( الموضوعات ) فيه من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان الحديث وقال لا شك أنه موضوع وكان بين الشيخ تقي الدين بن الصلاح والشيخ عز الدين بن عبد السلام في هذه الصلاة مقاولات فابن الصلاح يزعم أن لها أصلا من السنة وابن عبد السلام ينكره
وأما الوقود في تلك الليلة فزعم ابن دحية أن أول ما كان

(11/82)


ذلك زمن يحيى بن خالد بن برمك أنهم كانوا مجوسا فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطعام قال ولما اجتمعت بالملك الكامل وذكرت له ذلك قطع دابر هذه البدعة المجوسية من سائر أعمال البلاد المصرية
9691 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي النضر ) عن ( أبي سلمة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان
مطابقته للترجمة في قوله وما رأيته أكثر صياما منه من شعبان وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة اسمه سالم بن أبي أمية قد مر في باب المسح على الخفين
والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أبي مصعب الزهري عن مالك وأخرجه النسائي في الصوم عن الربيع بن سليمان عن ابن وهب عن مالك وعمرو بن الحارث
قوله كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر يعني ينتهي صومه إلى غاية نقول إنه لا يفطر فينتهي إفطاره إلى غاية حتى نقول إنه لا يصوم وذلك لأن الأعمال التي يتطوع بها ليست منوطة بأوقات معلومة وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها قوله فما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وهذا يدل على أنه لم يصم شهرا تاما غير رمضان فإن قلت روى أبو داود من حديث أبي سلمة عن أم سلمة لم يكن يصوم في السنة شهرا كاملا إلا شعبان يصله برمضان وهذا يعارض حديث عائشة وكذلك روى الترمذي من حديث سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وهذا أيضا يعارضه قلت قال الترمذي روي عن ابن المبارك أنه قال في هذا الحديث قال هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله ويقال قام فلان ليله أجمع ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره ثم قال الترمذي كان ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين يقول إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى هذا فيه ما فيه لأنه قال فيه إلا شعبان ورمضان فعطف رمضان عليه يبعد أن يكون المراد بشعبان أكثره إذ لا جائز أن يكون المراد برمضان بعضه والعطف يقتضي المشاركة فيما عطف عليه وإن مشى ذلك فإنما يمشي على رأي من يقول إن اللفظ الواحد يحمل على حقيقته ومجازه وفيه خلاف لأهل الأصول انتهى قلت لا يمشي هنا ما قاله على رأي البعض أيضا لأن من قال ذلك قال في اللفظ الواحد وهنا لفظان شعبان ورمضان وقال ابن التين إما أن يكون في أحدهما وهم أو يكون فعل هذا وهذا أو أطلق الكل على الأكثر مجازا وقيل كان يصومه كله في سنة وبعضه في سنة أخرى وقيل كان يصوم تارة من أوله وتارة من آخره وتارة منهما لا يخلي منه شيئا بلا صيام
فإن قلت ما وجه تخصيصه شعبان بكثرة الصوم قلت لكون أعمال العبادة ترفع فيه ففي النسائي من حديث أسامة قلت يا رسول الله أراك لا تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذاك شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لرسول الله ما لي أراك تكثر صيامك فيه قال يا عائشة إنه شهر ينسخ فيه ملك الموت من يقبض وأنا أحب أن لا ينسخ إسمي إلا وأنا صائم قال المحب الطبري غريب من حديث هشام بن عروة بهذا اللفظ رواه ابن أبي الفوارس في أصول أبي الحسن الحمامي عن شيوخه وعن حاتم بن إسماعيل عن نصر بن كثير عن يحيى بن سعيد عن عروة عن عائشة قالت لما كانت ليلة النصف من شعبان انسل رسول الله من مرطي الحديث وفي آخره هل تدري ما في هذه الليلة قالت ما فيها يا رسول الله قال فيها أن يكتب كل مولود من بني آدم في هذه السنة وفيها أن يكتب كل هالك من بني آدم في هذه السنة وفيها ترفع

(11/83)


أعمالهم وفيها تنزل أرزاقهم رواه البيهقي في كتاب ( الأدعية ) وقال فيه بعض من يجهل وروى الترمذي من حديث صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه سئل رسول الله أي الصوم أفضل بعد رمضان قال شعبان لتعظيم رمضان وسئل أي الصدقة أفضل قال صدقة في رمضان ثم قال حديث غريب وصدقة ليس عندهم بذاك القوي وقد روي أن هذا الصيام كان لأنه كان يلتزم صوم ثلاثة أيام من كل شهر كما قال ابن عمر فربما يشتغل عن صيامها أشهرا فيجمع ذلك كله في شعبان فيتداركه قبل رمضان حكاه ابن بطال وقال الداودي أرى الإكثار فيه أنه ينقطع عنه التطوع برمضان وقيل يجوز أنه كان يصوم صوم داود عليه السلام فيبقى عليه بقية يعملها في هذا الشهر
وجمع المحب الطبري فيه ستة أقوال أحدها أنه كان يلتزم صوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما تركها فيتداركها فيه ثانيها تعظيما لرمضان ثالثها أنه ترفع فيه الأعمال رابعها لأنه يغفل عنه الناس خامسها لأنه تنسخ فيه الآجال سادسها أن نساءه كن يصمن فيه ما فاتهن من الحيض فيتشاغل عنه به والحكمة في كونه لم يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجوبه فإن قلت صح في مسلم أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم فكيف أكثر منه في شعبان ويعارضه أيضا رواية الترمذي أي الصوم أفضل بعد رمضان قال شعبان قلت لعله كان يعرض له فيه إعذار من سفر أو مرض أو غير ذلك أو لعله لم يعلم بفضل المحرم إلا في آخر عمره قبل التمكن منه ولأن ما رواه الترمذي لا يقاوم ما رواه مسلم
قوله أكثر صياما كذا هو بالنصب عند أكثر الرواة وحكى السهيلي أنه روي بالخفض قيل هو وهم ولعل بعض النساخ كتب الصيام بغير ألف على رأي من يقف على المنصوب بغير ألف فتوهم مخفوضا أو ظن بعض الرواة أنه مضاف إليه فلا يصح ذلك وأما لفظة أكثر فإنه منصوب لأنه مفعول ثان لقوله وما رأيته قوله من شعبان وزاد يحيى بن أبي كثير في روايته فإنه كان يصوم شعبان كله وزاد ابن أبي لبيد عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت ما رأيت رسول الله أكثر صياما منه في شعبان فإنه كان يصوم شعبان إلا قليلا وفي رواية الترمذي عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت ما رأيت النبي في شهر أكثر صياما فيه في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله انتهى
قالوا معنى كله أكثره فيكون مجازا قلت فيه نظر من وجوه الأول أن هذا المجاز قليل الاستعمال جدا والثاني أن لفظة كل تأكيد لإرادة الشمول وتفسيره بالبعض مناف له والثالث أن فيه كلمة الإضراب وهي تنافي أن يكون المراد الأكثر إذ لا يبقى فيه حينئذ فائدة والأحسن أن يقال فيه إنه باعتبار عامين فأكثر فكان يصومه كله في بعض السنين وكان يصوم أكثره في بعض السنين وذكر بعض العلماء إنه وقع منه وصل شعبان برمضان وفصله منه وذلك في سنتين فأكثر وقال الغزالي في ( الإحياء ) فإن وصل شعبان برمضان فجائز فعل ذلك رسول الله مرة وفصل مرارا كثيرة انتهى قلت على هذا الوجه يبعد وجوده منصوصا عليه في الحديث نعم وقع منه الوصل والفصل أما الوصل فهو في حديث الترمذي عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وأما الفصل ففي حديث أبي داود من رواية عبد الله بن أبي قيس عن عائشة قالت كان رسول الله يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام وأخرجه الدارقطني وقال هذا إسناد صحيح والحاكم في المستدرك وقال هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وروى الطبراني من حديث أبي أمامة أن النبي كان يصل شعبان برمضان ورجال إسناده ثقات وروي أيضا من حديث أبي ثعلبة بلفظ كان رسول الله يصوم شعبان ورمضان يصلهما وفي إسناده الأحوص بن حكيم وهو مختلف فيه وروي أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ حديث أبي أمامة وفي إسناده يوسف بن عطية وهو ضعيف
فإن قلت كيف التوفيق بين هذه الأحاديث وبين حديث أبي هريرة الذي رواه أصحاب السنن فأبو داود من حديث الدراوردي والترمذي كذلك والنسائي من رواية أبي العميس وابن ماجه من رواية مسلم بن خالد كلهم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا هذا لفظ الترمذي ولفظ أبي داود إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ولفظ النسائي

(11/84)


فكفوا عن الصوم ولفظ ابن ماجه إذا كان النصف من شعبان فلا صوم وفي لفظ ابن حبان فأفطروا حتى يجيء رضمان وفي لفظ ابن عدي إذا انتصف شعبان فأفطروا وفي لفظ البيهقي إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يدخل رمضان قلت أما أولا فقد اختلف في صحة هذا الحديث فصححه الترمذي وابن حبان وابن عساكر وابن حزم وضعفه أحمد فيما حكاه البيهقي عن أبي داود قال قال أحمد هذا حديث منكر قال وكان عبد الرحمن لا يحدث به وأما ثانيا فقال قوم ممن لا يقول بحديث العلاء بأن أبا هريرة كان يصوم في النصف الثاني من شعبان فدل على أن ما رواه منسوخ وقيل يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام أو عبادة
0791 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها حدثته قالت لم يكن النبي يصوم شهرا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله وكان يقول خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبي ما دووم عليه وإن قلت وكان إذا صلى صلاة داوم عليها ( انظر الحديث 9691 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهشام هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير والحديث أخرجه مسلم والنسائي في الصوم أيضا عن إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام عن أبيه به
قوله كله قال في ( التوضيح ) أي أكثره وقد جاء عنها مفسرا كان يصوم شعبان أو عامة شعبان وفي لفظ كان يصومه كله إلا قليلا وقد مر الكلام فيه عن قريبن قولهخذوا من العمل ما تطيقونأي تطيقون الدوام عليه بلا ضرر أو اجتناب التعمق في جميع أنواع العبارات قوله فإن الله لا يمل قال النووي الملل والسامة بالمعنى المتعارف في حقنا وهو محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث فقال المحققون معناه لا يعاملكم معاملة الملل فيقطع عنكم ثوابه وفضله ورحمته حتى تقطعوا أعمالكم وقيل معناه لا يمل إذا مللتم و حتى بمعنى حين وقال الهروي لا يمل أبدا مللتم أم لا تملوا وقيل سمي مللا على معنى الأزدواج كقوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ( البقرة 491 ) فكأنه قال لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله وقال الكرماني إطلاق الملل على الله تعالى إطلاق مجازي عن ترك الجزاء قوله ما دووم عليه بواوين وفي بعض النسخ بواو والصواب الأول لأنه مجهول ماض من المداومة من باب المفاعلة ويروي ما ديم عليه وهو مجهول دام والأول مجهول داوم وقال النووي الديمة المطر الدائم في سكون شبه عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر وأصله الواو فانقلبت ياء لكسرة ما قبلها وقد مر هذا الكلام في هذه الألفاظ في كتاب الإيمان في باب أحب الدين إلى الله تعالى أدومه
35 -
( باب ما يذكر من صوم النبي وإفطاره )
أي هذا باب في بيان ما يذكر من صوم النبي من التطوع وبيان إفطاره في خلال صومه قيل لم يضف البخاري الترجمة التي قبل هذه للنبي وأطلقها ليفهم الترغيب للأمة في الاقتداء به في إكثار الصوم في شعبان وقصد بهذه الترجمة شرح حال النبي في ذلك قلت الباب السابق أيضا في شرح حال النبي في صومه وصلاته غير أنه أطلق الترجمة في ذلك لإظهار فضل شعبان وفضل الصوم فيه
1791 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( أبي بشر ) عن ( سعيد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال ما صام النبي شهرا كاملا قط غير رمضان ويصوم حتى يقول القائل لا والله لا يفطر ويفطر حتى يقول القائل لا والله لا يصوم
مطابقته للترجمة من حيث أنه يبين صومه وفطره
ذكر رجاله وهم خمسة الأول موسى بن إسماعيل أبو سلمة

(11/85)


المنقري التبوذكي الثاني أبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو وبعد الألف نون واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري الثالث أبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الرابع سعيد بن جبير الخامس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بصري وشيخ شيخه وأبا بشر واسطيان وقيل أبو بشر بصري وسعيد بن جبير كوفي وفيه أبو بشر عن سعيد وفي رواية شعبة حدثني سعيد بن جبير ولمسلم من طريق عثمان بن حكيم سألت سعيد بن جبير عن صيام رجب فقال سمعت ابن عباس
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصوم عن أبي الربيع الزهراني عن أبي عوانة به وعن محمد بن بشار وأبي بكر بن نافع وأخرجه الترمذي في الشمائل عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي وابن ماجه جميعا فيه عن محمد ابن بشار به
قوله ويصوم في رواية مسلم من الطريق التي أخرجها البخاري وكان يصوم قوله غير رمضان قال الكرماني تقدم أنه كان يصوم شعبان كله ثم قال إما أنه أراد بالكل معظمه وإما أنه ما رأى إلا رمضان فأخبر بذلك على حسب اعتقاده
2791 - حدثني ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( محمد بن جعفر ) عن ( حميد ) أنه سمع ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول كان رسول الله يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئا وكان لا تشاء تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته
مطابقته للترجمة من حيث إنه يذكر عن صومه وعن إفطاره على الوجه المذكور فيه
ورجاله أربعة عبد العزيز ابن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المدني وهو من أفراد البخاري ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني وحميد الطويل البصري
والبخاري أخرجه أيضا في صلاة الليل بهذا الإسناد بعينه وبعين هذا المتن وقد مضى الكلام فيه ونتكلم هنا لزيادة التوضيح وإن كان فيه تكرار فلا بأس به
قوله حتى نظن فيه ثلاثة أوجه الأول نظن بنون الجمع والثاني تظن بتاء المخاطب والثالث يظن بالياء آخر الحروف على بناء المجهول قوله أن لا يصوم بفتح همزة أن ويجوز في يصوم الرفع والنصب لأن أن إما ناصبة ولا نافية وإما مفسرة ولا ناهية قوله وكان لا تشاء تراه أي كان النبي لا تشاء بتاء الخطاب وكذلك تراه وقوله إلا رأيته بفتح التاء ومعناه أن حاله في التطوع بالصيام والقيام كان يختلف فكان تارة يصوم من أول الشهر وتارة من وسطه وتارة من آخره كما كان يصلي تارة من أول الليل وتارة من وسطه وتارة من آخره فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائما أو في وقت من أوقات النهار صائما فراقبه مرة بعد مرة فلا بد أن يصادفه قائما أو صائما على وفق ما أراد أن يراه وهذا معنى الخبر وليس المراد أنه كان يسرد الصوم ولا أنه كان يستوعب الليل قائما وقال الكرماني كيف يمكن أنه متى شاء يراه مصليا ويراه نائما ثم قال غرضه أنه كانت له حالتان يكثر هذا على ذاك مرة وبالعكس أخرى فإن قلت يعارض هذا قول عائشة في الحديث الذي مضى قبله وكان إذا صلى صلاة دام عليها وقوله الذي سيأتي في الرواية الأخرى وكان عمله ديمة قلت المراد بذاك ما اتخذه راتبا لا مطلق النافلة
وقال سليمان عن حميد أنه سأل أنسا في الصوم
قال بعضهم كنت أظن أن سليمان هذا هو ابن بلال لكن لم أره بعد التتبع التام من حديثه فظهر أنه سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر انتهى قلت هذا الكرماني قال سليمان هو أبو خالد الأحمر ضد الأبيض من غير ظن ولا حسبان ولو قال مثل ما قاله لم يحوجه شيء إلى ما قاله ولكنه كأنه لما رأى كلام الكرماني لم يعتمد عليه لقلة مبالاته ثم لما فتش بتتبع تام ظهر له أن الذي قاله الكرماني هو هو وفي جملة الأمثال خبز الشعير يؤكل ويذم وقد وصل البخاري هذا الذي ذكره معلقا

(11/86)


عقيب هذا وفيه سألت أنسا عن صيام النبي فذكر الحديث ثم أتم من طريق محمد بن جعفر فإن قلت قد ذكرنا تقدم هذا الحديث في الصلاة في باب قيام النبي ونومه وما نسخ من قيام الليل وفي آخره تابعه سليمان وأبو خالد الأحمر عن حميد فهذا يقتضي أن سليمان هذا غير أبي خالد للعطف فيه قلت قال بعضهم يحتمل أن تكون الواو زائدة وردينا عليه هناك أن زيادة الواو نادرة بخلاف الأصل سيما الحكم بذلك بالاحتمال وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
3791 - حدثني ( محمد ) قال أخبرنا ( أبو خالد الأحمر ) قال أخبرنا ( حميد ) قال سألت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه عن صيام النبي فقال ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته ولا مفطرا إلا رأيته ولا من الليل قائما إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته ولا مسست خزة ولا حريرة ألين من كف رسول الله ولا شممت مسكة ولا عبيرة أطيب رائحة من رائحة رسول الله
مطابقته للترجمة ظاهرة مثل ما تقدم في الحديث السابق ومحمد شيخه هو ابن سلام نص عليه الحافظ المزي في ( الأطراف ) وأبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان والحديث أخرجه البخاري أيضا في الصلاة
قوله أحب أن أراه كلمة أن مصدرية أي ما كنت أحب رؤيته من الشهر حال كونه صائما إلا رأيته قوله ولا مفطر الله أي ولا كنت أحب أن أراه حال كونه مفطرا إلا رأيته قوله ولا من الليل قائما أي ولا كنت أحب أن أراه من الليل حال كونه قائما إلا رأيته وكذلك التقدير في قوله ولا نائما من النوم قوله ولا مسست بسينين مهملتين أولاهما مكسورة وهي اللغة الفصيحة وحكى أبو عبيدة الفتح يقال مسست الشيء أمسه مسا إذا لمسته بيدك ويقال مست في مسست بحذف السين الأولى وتحويل كسرتها إلى الميم ومنهم من يقر فتحتها بحالها فيقول مست كما يقال ظلت في ظللت قوله خزة واحدة الخز وفي الأصل الخز بالفتح وتشديد الزاي اسم دابة ثم سمي الثوب المتخذ من وبره خزا والواحدة منه خزة وقال ابن الأثير الخز المعروف أولا ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباجة وقد لبسها الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعون ومنه النوع الآخر وهو المعروف الآن فهو حرام لأن جميعه معمول من الإبريسم وهو المراد من الحديث قوم يستحلون الخز والحرير قوله ولا شممت بكسر الميم الأولى وقال أبو عبيدة والفتح لغة
ذكر ما يستفاد منه فيه استحباب التنفل بالليل وفيه استحباب التنفل بالصوم في كل شهر وأن الصوم النفل مطلق لا يختص بزمان إلا ما نهي عنه وفيه أن النبي لم يصم الدهر ولا قام الليل كله وإنما ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على الأمة وإن كان قد أعطي من القوة ما لو التزم ذلك لاقتدر عليه لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى فصام وأفطر وأقام ونام وأما طيب رائحته فإنما طيبها الرب عز و جل لمباشرته الملائكة ولمناجاته لهم
45 -
( باب حق الضيف في الصوم )
أي هذا باب في بيان حق الضيف في الصوم والضيف يكون واحدا وجمعا وقد يجمع على الأضياف والضياف والضيوف والضيفان والمرأة ضيف وضيفة ويقال ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافته وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به وتضيفني إذا أنزلني وفي ( الصحاح ) أضفت الرجل وضيفته إذا أنزلته بك ضيفا وقريته وضفت الرجل ضيافة إذا نزلت عليه ضيفا وكذلك تضيفته والضيفن الذي يجيء مع الضيف والنون زائدة ووزنه فعلن وليس بفعيل وقيل لو قال حق الضيف في الفطر لكان أوضح قلت الذي قاله البخاري أصوب وأحسن لأن الضيف ليس له تصرف في فطر المضيف بل تصرفه في صومه بأن يتركه لأجله فيتعني له الطلب فيه فحقه إذا في الصوم لا في الفطر
4791 - حدثنا ( إسحاق ) قال أخبرنا ( هارون بن إسماعيل ) قال حدثنا ( علي ) قال حدثنا ( يحيى )

(11/87)


قال حدثني ( أبو سلمة ) قال حدثني ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) رضي الله تعالى عنهما قال دخل علي رسول الله فذكر الحديث يعني إن لزورك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا فقلت وما صوم داود قال نصف الدهر
مطابقته للترجمة في قوله إن لزورك عليك حقا والزور هو الضيف
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسحاق قال الغساني لم ينسبه أبو نصر ولا غيره من شيوخنا وذكر أبو نعيم في ( المستخرج ) بأنه ابن راهويه لأنه أخرجه في مسنده عن أبي أحمد حدثنا ابن شبرويه حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا هارون بن إسماعيل حدثنا علي بن المبارك انتهى وإسحاق إبن إبراهيم هو إسحاق بن راهويه ثم قال أخرجه البخاري عن إسحاق الثاني هارون بن إسماعيل أبو الحسن الخزاز الثالث علي بن المبارك الهنائي الرابع يحيى بن أبي كثير الخامس أبو سلمة بن عبد الرحمن السادس عبد الله بن عمرو بن العاص
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وفيه أن هارون بن إسماعيل ليس له في البخاري إلا حديثان أحدهما هذا والآخر في الاعتكاف كلاهما من روايته عن علي بن المبارك وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه مروزي وهارون وعلي بصريان ويحيى طائي ويمامي وأبو سلمة مدني
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصوم وفي النكاح عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي وفي الأدب عن إسحاق بن منصور عن روح بن عبادة عن حسين المعلم ثلاثتهم عن يحيى بن أبي كثير عنه به وأخرجه مسلم في الصوم عن زهير بن حرب عن روح به وعن عبد الله بن الرومي وأخرجه النسائي فيه عن يحيى بن درست وعن إسحاق بن منصور وعن حميد بن مسعدة وعن أحمد بن بكار
ذكر معناه قوله دخل علي رسول الله فذكر الحديث هكذا أورده ههنا مختصرا وذكر ما يطابق الترجمة وهو قوله فقال إن لزورك عليك حقا والزور الضيف والرجل يأتيه زائر الواحد والإثنان والثلاثة والمذكر والمؤنث في ذلك بلفظ واحد يقال هذا رجل زور ورجلان زور وقوم زور وامرأة زور فيؤخذ في كل موضع ما يلائمه لأنه في الأصل مصدر وضع موضع الاسم ومثل ذلك هم قوم صوم وفطر وعدل وقيل الزور جمع زائر مثل تاجر وتجر قوله إن لزوجك عليك حقا وحقها هنا الوطء فإذا سرد الزوج الصوم ووالى قيام الليل ضعف عن حقها ويروى لزوجتك والأول أفصح ويروى وإن لأهلك بدل زوجك والمراد بهم هنا الأولاد والقرابة ومن حقهم الرفق بهم والإنفاق عليهم وشبه ذلك قوله فقلت القائل هو عبد الله بن عمرو بن العاص وأما صوم داود عليه الصلاة و السلام فسيأتي في الحديث الذي يلي في الباب الذي يليه أنه لما قال له فصم صيام نبي الله داود عليه الصلاة و السلام ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود عليه الصلاة و السلام قال نصف الدهر وسيأتي هو في باب مستقل إن شاء الله تعالى
55 -
( باب حق الجسم في الصوم )
أي هذا باب في بيان حق الجسم في الصوم على المتطوع وليس المراد بالحق ههنا بمعنى الواجب بل المراد مراعاته والرفق به كما يقال له حق الصحبة على فلان يعني مراعاته والتلطف به فالصائم المتطوع ينبغي أن يراعي جسمه بما يقيمه ويشده لئلا يضعف فيعجز عن أداء الفرائض وأما إذا خاف التلف على نفسه أو عضو من أعضائه التي يضره الجوع فحينئذ يتعين عليه أداء حقه حتى في الصوم الفرض أيضا وقال بعضهم المراد بالحق هنا المندوب قلت لا يطلق على الحق مندوب وإنما المراد منه ما ذكرناه

(11/88)


5791 - حدثنا ( ابن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( الأوزاعي ) قال حدثني ( يحيى بن أبي كثير ) قال حدثني ( أبو سلمة بن عبد الراحمان ) قال حدثني ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) رضي الله تعالى عنهما قال لي رسول الله يا عبد الله ألم اخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجتك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله فشددت فشدد علي قلت يا رسول الله إني أجد قوة قال فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام قال نصف الدهر فكان عبد الله يقول بعد ما كبر يا ليتني قبلت رخصة النبي
مطابقته للترجمة في قوله فإن لجسدك عليك حقا فالجسد والجسم واحد وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي المجاور بمكة وهو من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو
قوله ألم أخبر الهمزة للاستفهام و أخبر على صيغة المجهول قوله أنك تصوم النهار وتقوم الليل أي في الليل وفي رواية مسلم من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى فقلت بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك إلا الخير وفي الباب الذي يليه أخبر رسول الله أني أقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت وفي رواية النسائي من طريق محمد ابن إبراهيم عن أبي سلمة قال لي عبد الله بن عمرو يا ابن أخي أني قد كنت أجمعت على أن أجتهد اجتهادا شديدا حتى قلت لأصومن الدهر ولأقرأن القرآن في كل ليلة قوله فلا تفعل وزاد البخاري فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين الحديث وقد مضى هذا في كتاب التهجد قوله إن لعينك عليك حقا بالإفراد في رواية الكشميهني وفي رواية غيره لعينيك بالتثنية قوله وإن بحسبك الباء فيه زائدة ومعناه أن أصوم الثلاثة الأيام من كل شهر كافيك ويأتي في الأدب من طريق حسين المعلم عن يحيى أن من حسبك قوله أن تصوم أن مصدرية أي حسبك الصوم من كل شهر وفي رواية الكشميهني في كل شهر ثلاثة أيام قوله فإن لك ويروى فإذا لك بالتنوين وهي التي يجاب بها أن وكذا لو صريحا أو تقديرا وأن ههنا مقدرة تقديره إن صمتها فإذا لك صوم الدهر وروى بلا تنوين بلفظ إذا للمفاجأة قال بعضهم وفي توجيهها هنا تكلف قلت لا تكلف أصلا ووجهه أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة تقديره إن صمت ثلاثة من كل شهر فاجأت عشر أمثالها كما في قوله تعالى ثم إذا دعاكم ( الروم 52 ) الآية تقديره ثم دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت قوله فإن ذلك أي المذكور من صوم كل شهر ثلاثة أيام قوله فشددت أي على نفسي قوله فشدد علي على صيغة المجهول قوله إني أجد قوة أي على أكثر من ذلك قوله قال فصم أي قال رسول الله إن كنت تجد قوة فصم صيام نبي الله داود عليه الصلاة و السلام قوله نصف الدهر أي نصف صوم الدهر وهو أن تصوم يوما وتفطر يوما قوله بعد ما كبر بكسر الباء يقال كبر يكبر من باب علم يعلم هذا في السن وأما كبر بالضم بمعنى عظيم فهو من باب حسن يحسن قال النووي معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله فشق عليه فعله لعجزه ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له فتمنى أن لو قبل الرخصة فأخذ بالأخف
65 -
( باب صوم الدهر )
أي هذا باب في بيان صوم الدهر هل هو مشروع أم لا وإنما لم يبين الحكم في الترجمة لتعارض الأدلة واحتمال أن يكون

(11/89)


عبد الله بن عمرو خص بالمنع لما اطلع النبي من مستقبل حاله فيلتحق به من في معناه ممن يتضرر بسرد الصوم ويبقى غيره على حكم الجواز لعموم الترغيب في مطلق الصوم كما في حديث أبي سعيد مرفوعا من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار وسيجيء في الجهاد إن شاء الله تعالى
6791 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( عبد الله بن عمرو ) قال أخبر رسول الله أني أقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت فقلت له قد قلته بأبي أنت وأمي قال فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوما وأفطر يومين قلت أني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام فقلت أطيق أفضل من ذلك فقال النبي لا أفضل من ذلك
مطابقته للترجمة في قوله وذلك مثل صيام الدهر وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة الحمصيان والزهري هو محمد بن مسلم
قوله أخبر على صيغ المجهول و رسول الله مرفوع به قوله بأبي وأمي أي أنت مفدى بأبي وأمي قوله فإنك لا تستطيع ذلك أي ما ذكرته من قيام الليل وصيام النهار وقد علم باطلاع الله إياه أنه يعجز ويضعف عن ذلك عند الكبر وقد اتفق له ذلك ويجوز أن يراد به الحالة الراهنة لما علمه من أنه يتكلف ذلك ويدخل به على نفسه المشقة ويفوت ما هو أهم من ذلك قوله وصم من الشهر ثلاثة أيام بعد قوله فصم وأفطر لبيان ما أجمل من ذلك قوله مثل صيام الدهر يعني في الفضيلة واكتساب الأجر والمثلية لا تقتضي المساواة من كل وجه لأن المراد به هنا أصل التضعيف دون التضعيف الحاصل من الفعل ولكن يصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر مجازا قوله أفضل من ذلك أي من صوم ثلاثة أيام من الشهر وكذلك المعنى في أفضل من ذلك الثاني والثالث والأفضل هنا بمعنى الأزيد والأكثر ثوابا قوله لا أفضل من ذلك أي من صيام داود عليه السلام فإن قلت هذا لا ينفس المساوة صريحا قلت حديث عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود عليه والسلام يقتضي الأفضلية مطلقا وههنا أفضل بمعنى أكثر فضيلة قال الكرماني قوله لا أفضل فإن قلت ماذا يكون أفضل من صيام الدهر قلت ذاك ليس صيام الدهر حقيقة بل هو مثله والفرق ظاهر بين من صام يوما ومن صام عشرة أيام إذ الأول جاء بالحسنة وإن كانت بعشر وهذا جاء بعشر حسنات حقيقة وقال بعضهم لا أفضل من ذلك في حقك وأما صوم الدهر فقد اختلف العلماء فيه فذهب أهل الظاهر إلى منعه لظاهر أحاديث النهي عن ذلك وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهي عنها كالعيدين والتشريق وهو مذهب الشافعي بغير كراهة بل هو مستحب وفي ( سنن الكجي ) من حديث أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى قال رسول الله من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وضم أصابعه على تسعين وروى ابن ماجه بسند فيه ابن لهيعة عن ابن عمرو قال قال رسول الله صام نوح عليه السلام الدهر إلا يومين الأضحى والفطر وكان جماعة من الصحابة يسردون الصوم منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر وعائشة وأبو طلحة وأبو أمامة فإن قلت ما الفرق بين صيام الوصال وصيام الدهر قلت هما حقيقتان مختلفتان فإن من صام يومين أو أكثر ولم يفطر ليلتهما فهو مواصل وليس هذا صوم الدهر ومن صام عمره وأفطر جميع لياليه هو صائم الدهر وليس بمواصل والله أعلم بالصواب
75 -
( باب حق الأهل في الصوم )
أي هذا باب في بيان حق أهل الرجل في الصوم وقد ذكرنا بأن المراد بالأهل الأولاد والقرابة ومن حقهم الرفق بهم والإنفاق عليهم

(11/90)


رواه أبو جحيفة عن النبي
أي روى حق الأهل أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي وقد مر حديثه في قصة سلمان وأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما في باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع وفيها قول سلمان لأبي الدرداء وإن لأهلك عليك حقا وأقره النبي على ذلك
85 - ( حدثنا عمرو بن علي قال أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج سمعت عطاء أن أبا العباس الشاعر أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول بلغ النبي أني أسرد الصوم وأصلي الليل فإما أرسل إلي وإما لقيته فقال ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر وتصلي ولا تنام فصم وأفطر وقم ونم فإن لعينيك عليك حظا وإن لنفسك وأهلك عليك حظا قال وإني لأقوى لذلك قال فصم صيام داود عليه السلام قال وكيف قال كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى قال من لي بهذه يا نبي الله قال عطاء لا أدري كيف ذكر صيام الأبد قال النبي لا صام من صام الأبد مرتين )
مطابقته للترجمة في قوله وأهلك عليك حظا وعمرو بن علي بن بحر بن كثير الباهلي أبو حفص البصري الصيرفي الفلاس الحافظ وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد وهو من شيوخ البخاري الذين أكثر عنهم وربما روى عنه بواسطة ما فاته منه كما في هذا الموضع وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي وعطاء هو ابن أبي رباح المكي وأبو العباس بالباء الموحدة والسين المهملة اسمه السائب بن فروخ الشاعر الأعمى المكي وقد مر في باب ما يكره من التشديد في كتاب التهجد قاله الكرماني وليس كذلك بل هو مذكور في باب مجرد عن الترجمة عقيب باب ما يكره من ترك قيام الليل وفيه قطعة من هذا الحديث قوله بلغ النبي أني أسرد الصوم الذي بلغ النبي هو عمرو بن العاص والد عبد الله صاحب القضية وأسرد بضم الراء أي أصوم متتابعا ولا أفطر بالنهار قوله فإما أرسل إلي وإما لقيته يعني من غير إرسال وكلمة إما للتفصيل ولا تفصيل إلا بين الشيئين وهما هنا إما إرسال النبي إليه لما بلغه أبوه قصته وإما أنه لقي النبي من غير طلب قوله ألم أخبر على صيغة المجهول قوله فإن لعينك بالإفراد في رواية السرخسي والكشميهني وفي رواية غيرهما لعينيك بالتثنية قوله حظا أي نصيبا كذا هو في الموضعين وكذا وقع في رواية مسلم وعند الإسماعيلي حقا بالقاف وعنده وعند مسلم من الزيادة وصم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر التسعة قوله وإني لأقوى بلفظ المتكلم من المضارع قوله لذلك أي لسرد الصوم دائما ويروى على ذلك وفي رواية مسلم إني أجدني أقوى من ذلك يا نبي الله قوله وكيف أي قال عبد الله كيف صيام داود عليه السلام وفي رواية مسلم قال وكيف كان داود عليه السلام يصوم يا نبي الله قوله ولا يفر إذا لاقى أي لا يهرب إذا لاقى العدو قيل في ذكر هذا عقيب ذكر صومه إشارة إلى أن الصوم على هذا الوجه لا ينهك البدن ولا يضعفه بحيث يضعفه عن لقاء العدو بل يستعين يفطر يوم على صيام يوم فلا يضعف عن الجهاد وغيره من الحقوق ويجد مشقة الصوم في يوم الصيام لأنه لم يعتده بحيث يصير الصيام له عادة فإن الأمور إذا صارت عادة سهلت مشاقها قوله وقال من لي بهذه يا نبي الله أي قال عبد الله من تكفل لي بهذه الخصلة التي لداود عليه السلام لا سيما عدم الفرار قوله قال عطاء أي قال عطاء بن أبي رباح بالإسناد المذكور قوله لا أدري كيف ذكر صيام الأبد يعني أن عطاء لم يحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة إلا أنه حفظ فيها أنه قال لا صام من صام الأبد وقد روى النسائي وأحمد هذه الجملة وحدها من طرق عن عطاء قوله لا صام

(11/91)


من صام الأبد مرتين يعني قالها مرتين وفي رواية مسلم قال عطاء فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد فقال النبي لا صام من صام الأبد لا صام من صام الأبد لأنه يستلزم صوم يوم العيد وأيام التشريق وقال ابن العربي أما أنه لم يفطر فلأنه امتنع عن الطعام والشراب في النهار وأما أنه لم يصم فيعني لم يكتب له ثواب الصيام وفي قول معنى لا صام الدعاء قال ويا بؤس من أخبر عنه النبي أنه لم يصم وأما من قال أنه أخبر فيا بؤس من أخبر عنه النبي أنه لم يصم فقد علم أنه لم يكتب له ثواب لوجوب الصدق في خبره وقد نفى الفضل عنه فكيف ما يطلب ما نفاه النبي ( فإن قلت ) ما جواب المخبرين صوم الدهر عن هذا ( قلت ) أجابوا عن هذا بأجوبة أولها ما قاله الترمذي إنما يكون صيام الدهر إذا لم يفطر يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق فمن أفطر في هذه الأيام فقد خرج من حيز الكراهة وإلا يكون قد صام الدهر كله ثم قال هكذا روى مالك وهو قول الشافعي والثاني أنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقا والثالث أن معناه أن من صام الأبد لا يجد من المشقة ما يجده غيره فيكون خبر الادعاء وفيه نظر وحديث لا صام من صام الأبد أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي قتادة وأخرجه النسائي أيضا من حديث عبد الله بن الشخير من رواية ابنه مطرف قال حدثني أبي أنه سمع رسول الله وذكر عنده رجل يصوم الدهر فقال لا صام ولا أفطر وأخرجه ابن ماجه أيضا ولفظه من صام الأبد فلا صام ولا أفطر وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وأخرجه النسائي أيضا من حديث عمران بن حصين من رواية مطرف عنه قال قيل يا رسول الله إن فلانا لا يفطر نهار الدهر كله فقال لا صام ولا أفطر وأخرجه الحاكم أيضا وقال صحيح على شرطهما وأخرجه النسائي من حديث عمر رضي الله تعالى عنه من رواية أبي قتادة عنه قال كنا مع رسول الله فمررنا برجل فقالوا يا نبي الله هذا لا يفطر منذ كذا وكذا فقال لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر وقال أبو القاسم بن عساكر والصحيح أنه من مسند أبي قتادة وأخرجه أحمد في مسنده من حديث أسماء بنت يزيد من رواية شهر بن حوشب عنها قالت أتي النبي بشراب فدار على القوم وفيهم رجل صائم فلما بلغه قيل له اشرب فقيل يا رسول الله إنه ليس يفطر أو أنه يصوم الدهر فقال لا صام من صام الأبد وأخرج النسائي حديث صحابي لم يسم ولفظه قيل للنبي رجل يصوم الدهر قال وددت أنه لم يصم الدهر -
85 -
( باب صوم يوم وإفطار يوم )
أي هذا باب يذكر فيه أن النبي قال لعبد الله بن عمرو صم يوما وأفطر يوما وذلك بعد أن قال له صم من الشهر ثلاثة أيام قال أطيق أكثر من ذلك فما زال حتى قال صم يوما وأفطر يوما كما يأتي الآن في متن حديث الباب وهذا التقدير الذي قدرناه على أن يكون لفظ باب منونا مقطوعا عن الإضافة وإذا قرىء بالإضافة يكون تقديره هذا باب في بيان فضل صوم يوم وإفطار يوم
8791 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( مغيرة ) قال سمعت ( مجاهدا ) عن ( عبد الله بن عمرو ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال صم من الشهر ثلاثة أيام قال أطيق أكثر من ذلك فما زال حتى قال صم يوما وأفطر يوما فقال إقرأ القرآن في كل شهر قال إني أطيق أكثر فما زال حتى قال في ثلاث
مطابقته للترجمة في قوله صم يوما وأفطر يوما ورجاله قد ذكروا وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال وفي آخره راء سامه محمد بن جعفر البصري و مغيرة بضم الميم وكسرها بلام التعريف وبدونها ابن مقسم ابن هشام الضبي الكوفي الفقيه الأعمى مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة وأخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن من طريق

(11/92)


أبي عوانة عن مغيرة مطولا
قوله واقرأ القرآن بلفظ الأمر قوله في ثلاث أي في ثلاث ليال والمستحب أن لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاثة أيام وقال النووي عادات السلف في وظائف القراءة كان بعضهم يختم في كل شهر وهو أقله وأما أكثره فثمان ختمات في يوم وليلة على ما بلغنا
95 -
( باب صوم داود عليه السلام )
أي هذا باب في بيان صوم داود عليه الصلاة و السلام وإنما ذكر أولا صوم يوم وإفطار يوم ثم أعقبه بصوم داود عليه الصلاة و السلام وهو هو تنبيها بالأول على أفضلية هذا الصوم وبالثاني إشارة إلى الاقتداء به في ذلك
9791 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( حبيب بن أبي ثابت ) قال سمعت ( أبا العباس المكي وكان شاعرا وكان لا يتهم في حديثه ) قال سمعت ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) رضي الله تعالى عنهما قال قال لي النبي إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل فقلت نعم قال إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونفهت له النفس لا صام من صام الدهر صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله قلت فإني أطيق أكثر من ذلك قال فصم صوم داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى
مطابقته للترجمة في قوله صم صوم داود عليه الصلاة و السلام إلى آخره وهذا الحديث مر في باب حق الأهل في الصوم فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن علي عن أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي العباس الشاعر إلى آخره وبين متنيه بعض اختلاف وحبيب ضد العدو وابن أبي ثابت ضد الزائل أبو يحيى الأسدي الكاهلي الأعور المفتي المجتهد مات سنة تسع عشرة ومائة
قوله وكان شاعرا وهناك قال الشاعر قوله وكان لا يتهم في حديثه فيه إشارة إلى أن الشاعر بصدد أن يمنع حديثه لما تقتضيه صناعته من الغلو في الأشياء والإغراق في المدح والذم لكن الراوي عدله ووثقه حتى روى عنه لأنه لم يكن متهما وأشار بقوله في حديثه إلى أن المروي عنه أعم من أن يكون من الحديث النبوي أو غيره وإلا لم يرو عنه على أن الواقع أنه حجة عند كل من أخرج الصحيح ووثقه أحمد وابن معين وغيرهما وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثان آخران أحدهما في الجهاد والآخر في المغازي وأعادهما معا في الأدب قوله هجمت له العين أي غارت ودخلت وعن صاحب ( العين ) هجمت تهجم هجوما وهجما وعن أبي عمر و الكثير إهجام وعن الأصمعي انهجمت عينه دمعت ذكره في ( الموعب ) ابن التين هذا غريب ولا أعرف معناها وقال بعضهم وكأنها أبدلت عن الفاء فإنها تبدل منها كثيرا قلت ادعى أن الفاء تبدل من الثاء المثلثة كثيرا ولم يأت بمثال فيه ولا نسبه إلى أحد من أهل العربية ولا ذكر أحد هذا في الحروف التي يبدل بعضها من بعض وإن كان يوجد هذا ربما يوجد في لسان ذي لثغة فلا يبني عليه شيء وقال التيمي نهثت بالنون والمثلثة ولا أعرف هذه الكلمة وقد ورد في اللغة نهث الرجل يعني سعل وهو بعيد هنا وجاء في رواية الكشميهني ونهكت أي هزلت وضعفت ولا وجه له إلا إذا ضم النون من نهكته الحمى إذا أضنته وفي ( التوضيح ) نهتت بالنون ثم هاء ثم مثناة من فوق ثم أخرى مثلها ومعناه ضعفت قلت قال الجوهري يقول نهت ينهت بالكسر من النهيت قال النهيت كالزجير إلا أنه دونه يقال رجل نهات أي زجار وهذا الذي ضبطه صاحب ( التوضيح ) لا يناسب هنا على ما لا يخفى فافهم قوله صوم ثلاثة أيام أي من كل شهر ومعنى البقية من المتن تقدم
0891 - حدثنا ( إسحاق الواسطي ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( خالد ) عن ( أبي قلابة ) قال أخبرني ( أبو المليح ) قال دخلت مع أبيك على عبد الله بن عمرو فحدثنا أن رسول الله ذكر له صومي

(11/93)


فدخل علي فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فقال أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام قال قلت يا رسول الله قال خمسا قلت يا رسول الله قال سبعا قلت يا رسول الله قال تسعا قلت يا رسول الله قال إحدى عشرة ثم قال النبي لا صوم فوق صوم داود عليه السلام شطر الدهر صم يوما وأفطر يوما
مطابقته للترجمة في قوله لا صوم فوق صوم داود عليه الصلاة و السلام
ذكر رجاله وهم سبعة الأول إسحاق بن شاهين أبو بشر الواسطي الثاني خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان أبو الهيثم الواسطي من الصالحين الثالث خالد بن مهران الحذاء البصري الرابع أبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي أحد الأئمة الأعلام الخامس أبوه زيد بن عمرو ويقال عامر السادس أبو المليح بفتح الميم وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة واسمه عامر وقيل زيد وقيل زياد بن أسامة بن عمير الهذلي السابع عبد الله بن عمرو
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع والإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه ذكر مجردا عن نسبة لكنه ذكر منسوبا إلى واسط وهي المدينة التي بناها الحجاج وفيه أن أبا المليح ليس له حديث في البخاري سوى هذا الحديث وأعاده في الاستئذان وحديث آخر في المواقيت في موضعين من روايته عن بريدة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن إسحاق بن شاهين أيضا وفي الاستئذان أيضا عن عبد الله بن محمد عن عمرو بن عون وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن زكريا بن يحيى خياط السنة
ذكر معناه قوله دخلت مع أبيك الخطاب لأبي قلابة وأبوه زيد كما ذكرناه الآن وفي روايته في الاستئذان مع أبيك زيد وصرح به في قوله فحدثنا بفتح الثاء المثلثة قوله ذكر على صيغة المجهول قوله فألقيت له أي لرسول الله قوله أما يكفيك بفتح الهمزة وتخفيف الميم قوله قال قلت يا رسول الله أي قال عبد الله فإن قلت أين الجواب وكيف يقع لفظ يا رسول الله جوابا قلت الجواب محذوف تقديره لا يكفيني الثلاثة يا رسول الله وكذلك يقدر في البواقي قوله خمسا أي خمسة أيام من كل شهر وانتصابه على المفعولية أي صم خمسة أيام من كل شهر وكذلك التقدير في سبعا وتسعا وفي رواية الكشميهني خمسة والتأنيث فيه باعتبار إرادة الأيام وأما خمسا فباعتبار إرادة الليالي وكذلك الكلام في البواقي قوله لا صوم فوق صوم داود أي لا فضل ولا كمال في صوم التطوع فوق صوم داود عليه الصلاة و السلام وهو صوم يوم وإفطار يوم والذين لا يكرهون السرد يقولون هذا مخصوص بعبد الله بن عمرو قوله إحدى عشرة زاد في رواية عمرو بن عون يا رسول الله قوله شطر الدهر أي نصفه ويجوز في شطر الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو شطر الدهر والنصب على أنه مفعول لفعل مقدر تقديره هاك شطر الدهر أو خذه أو اجعله ونحو ذلك ويجوز الجر على أنه بدل من صوم داود عليه الصلاة و السلام قوله صم يوما وأفطر يوما وفي رواية عمرو بن عون صيام يوم وإفطار يوم ويجوز فيه الأوجه الثلاثة المذكور
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان أن أفضل الصيام صوم داود عليه الصلاة و السلام وفيه بيان رفق رسول الله بأمته وشفقته عليهم وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم وحثه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه ونهيهم عن التعمق في العبادة لأنه يفضي إلى الملل المفضي إلى الترك وفيه جواز الإخبار عن الأعمال الصالحة والأوراد ومحاسن الأعمال ولكن محل ذلك أن يخلو عن الرياء وفيه بيان ما كان عليه من التواضع وترك الاستئثار على جليسه وفي كون الوسادة من أدم حشوها ليف بيان ما كان عليه الصحابة في غالب أحوالهم في عهده من الضيق إذ لو كان عند عبد الله بن عمرو أشرف منها لأكرم بها نبيه

(11/94)


6 -
( باب صيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة )
أي هذا باب في بيان فضل صيام أيام البيض وهي الأيام التي لياليهن مقمرات لا ظلمة فيها وهي الثلاثة المذكورة ليلة القدر وما قبلها وما بعدها والبيض بكسر الباء جمع أبيض أضيف إليها الأيام تقديره أيام الليالي البيض وقيل المراد بالبيض الليالي وهي التي يكون القمر فيها من أول الليل إلى آخره حتى قال الجواليقي من قال الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ قال بعضهم فيه نظر لأن اليوم الكامل هو النهار بليلته وليس في الدهر يوم أبيض كله إلا هذه الأيام لأن ليلها أبيض ونهارها أبيض فصح قول الأيام البيض على الوصف انتهى قلت هذا كلام واه وتصرف غير موجه لأن قوله لأن اليوم الكامل هو النهار بليلته غير صحيح لأن اليوم الكامل في اللغة عبارة عن طلوع الشمس إلى غروبها وفي الشرع عن طلوع الفجر الصادق وليس لليلة دخل في حد النهار قوله ونهارها أبيض يقتضي أن بياض نهار الأيام البيض من بياض الليلة وليس كذلك لأن بياض الأيام كلها بالذات وأيام الشهر كلها بيض فسقط قوله وليس في الشهر يوم أبيض كله إلا هذه الأيام وهل يقال ليوم من أيام الشهر غير أيام البيض هذا يوم بياضه غير كامل أو يقال هذا كله ليس بأبيض أو يقال بعضه أبيض فبطل قوله فصح قول الأيام البيض على الوصف والقول ما قاله الجواليقي
( إذا قالت حذام فصدقوها )
ثم سبب التسمية بأيام البيض ما روي عن ابن عباس أنه قال إنما سميت بأيام البيض لأن آدم عليه الصلاة و السلام لما أهبط إلى الأرض أحرقته الشمس فاسود فأوحى الله تعالى إليه أن صم أيام البيض فصام أول يوم فأبيض ثلث جسده فلما صام اليوم الثاني ابيض ثلثا جسده فلما صام اليوم الثالث ابيض جسده كله وقيل سميت بذلك لأن ليالي أيام البيض مقمرة ولم يزل القمر من غروب الشمس إلى طلوعها في الدنيا فتصير الليالي والأيام كلها بيضا
قوله ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني صيام أيام البيض ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر وذلك باعتبار الأيام والأول باعتبار الليالي فإن قلت كيف عين الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر والحديث الذي ذكره في الباب ليس فيه التعيين لذلك قلت جرت عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وإن لم يكن على شرطه فقد روى القاضي يوسف بن إسماعيل في كتاب الصيام حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة بن قدامة عن حكيم بن جبير عن موسى بن طلحة قال قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لأبي ذر وعمار وأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهم أتذكرون يوما كنا مع رسول الله بمكان كذا وكذا فأتاه رجل بأرنب فقال يا رسول الله إني رأيت بها دما فأمر فأكلنا ولم يأكل قالوا نعم ثم قال له ادنه فأطعم قال إني صائم قال أي صوم قال صوم ثلاثة أيام من كل شهر أوله وآخره وكما تيسر علي فقال عمر رضي الله تعالى عنه هل تدرون الذي أمر به رسول الله قالوا نعم يصوم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة قال عمر رضي الله تعالى عنه هكذا قال رسول الله وحكيم بن جبير ضعفه الجمهور وموسى بن طلحة عن عمر مرسل قاله أبو زرعة وبينهما ابن الحوتكية
وأصل الحديث عند النسائي في كتاب الصيد وليس فيه ذكر لعمار وأبي الدرداء رواه من طريق حكيم بن جبير وعمرو بن عثمان ومحمد بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة عن ابن الحوتكية قال قال عمر رضي الله تعالى عنه من حاضرنا يوم القاحة قال أبو الدرداء فذكر الحديث وفيه قال فأين أنت عن البيض الغر ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وابن الحوتكية سماه بعضهم يزيد وقال ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) وما سماه أحد إلا الحجاج بن أرطأة عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن موسى بن طلحة عن يزيد بن الحوتكية والقاحة بالقاف وتخفيف الحاء المهملة مكان من المدينة على ثلاث مراحل
وروى النسائي من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي قال صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وإسناده صحيح وفي رواية أيام البيض بغير واو وروي أيام البيض صبيحة بالرفع فيهما وروى بالجر فيهما حكاه صاحب ( المفهم ) وروى ابن

(11/95)


ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا شعبة عن أنس بن سيرين عن عبد الملك بن المنهال عن أبيه عن رسول الله أنه كان يأمر بصيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ويقول هو كصوم يوم الدهر أو كهيئة صوم الدهر وروى أيضا حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا حيان بن هلال قال حدثنا همام عن أنس بن سيرين قال حدثني عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي عن أبيه عن النبي نحوه ورواه النسائي إلا أنه قال قدامة بن ملحان قال كان رسول الله يأمرنا بالصيام أيام الليالي الغر البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ورواه أبو داود إلا أنه قال عن أنس عن ابن ملحان القيسي عن أبيه فذكره ولم يسمه وقال الحافظ المزي تبعا للحافظ ابن عساكر ويشبه أن يكون ابن كثير أي شيخ أبي داود نسبه إلى جده وقال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي قيل إنه ملحان بن شبل البكري والد عبد الملك بن ملحان ذكره ابن عبد البر في الصحابة قال وقيل بل هو قتادة ابن ملحان والد عبد الملك بن قتادة بن ملحان ولقتادة هذا صحبة فيما ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر أباه في كتابه ولا أبو القاسم البقوي في ( معجم الصحابة ) قال وذكرهما أعني قتادة وملحان أبو عمر بن عبد البر في ( الاستيعاب ) فإن قلت روى النسائي بإسناد صحيح من رواية سعيد بن أبي هند أن مطرفا حدثه أن عثمان بن أبي العاص قال سمعت رسول الله يقول صيام حسن ثلاثة أيام من كل شهر وأخرجه ابن حبان أيضا في ( صحيحه ) هذا ولم يعين فيه أياما بعينها وروى النسائي أيضا من حديث حفصة رضي الله تعالى عنها قالت أربع لم يكن يدعهن النبي صيام عاشوراء وأول العشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة وروى أبو داود من حديث حفصة قالت كان رسول الله يصوم ثلاثة أيام من الشهر الاثنين والخميس والإثنين من الجمعة الأخرى وهذا فيه غير أيام البيض
وروى أبو داود والنسائي من رواية الحسن بن عبيد الله عن هنيدة الخزاعي عن أمه قالت دخلت على أم سلمة رضي الله تعالى عنها فسألتها عن الصيام فقالت كان رسول الله يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الإثنين والخميس والخميس لفظ أبي داود وقال النسائي يأمر بصيام ثلاثة أيام أول خميس والإثنين وقد رواه أبو داود والنسائي من رواية الحر بن الصباح عن هنيدة عن امرأته عن بعض أزواج النبي غير مسماة وروى ابن عدي في ( الكامل ) من حديث أبي الدرداء قال أوصاني رسول الله بغسل يوم الجمعة وركعتي الضحى ونوم على وتر وصيام ثلاثة أيام من كل شهر
وروى يوسف القاضي في ( كتاب الصيام ) من حديث علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال صوم شهر الضبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الشهر ويذهب بوحر الصدر والوحر بفتح الحاء المهملة الغل وروى الطبراني في ( المعجم الكبير ) من حديث النمر بن تولب من حديث الجريري عن أبي العلاء قال كنا بالمربد فأتانا أعرابي ومعه قطعة أديم فقال انظروا ما فيها فإذا كتاب من رسول الله وفيه فقلت أنت سمعت هذا من رسول الله قال نعم وسمعته يقول صوم شهر الصبر وصيام ثلاثة أيام من الشهر يذهبن وغر الصدر وفيه فسألت عنه فقيل هذا نمر بن تولب وأصل الحديث رواه أبو داود والترمذي وليست فيه قصة الصيام ولم يسم فيه الصحابي والوغر بالتسكين الضغن والعداوة وبالتحريك المصدر قلت هو بالغين المعجمة وأصله من الوغرة وهي شدة الحر
وروى أبو نعيم في ( الحلية ) من حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال خرج علينا رسول الله فقال ألا أخبركم بغرف الجنة الحديث وفيه فقلنا لمن تلك فقال لمن أفشى السلام وأدام الصيام الحديث وفيه ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام قلت التوفيق بين هذه الأحاديث أن كل من رأى النبي فعل نوعا ذكره وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها رأت منه جميع ذلك فلذلك أطلقت فيما رواه مسلم من حديثها أنها قالت كان رسول الله يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي من أي الشهر صام والذي أمر به وحث عليه ووصى له وروي ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن النبي على ما نذكره فهو أولى من غيره وأما النبي فلعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز فإن قلت أي الفصلين يترجح

(11/96)


قلت أيام البيض لكونها وسط الشهر ووسط الشهر أعدله ولأن الكسوف غالبا يقع فيها فإذا اتفق الكسوف صادف الذي يعتاده صيام البيض صائما فيتهيأ أن يجمع بين أنواع العبادات من الصيام والصلاة والصدقة بخلاف من لم يصمها فإنه لا يتهيأ له استدراك صيامها
فإن قلت قال القاضي أبو بكر بن العربي ثلاثة أيام من كل شهر صحيح وقال القاضي أبو الوليد الباجي في صيام البيض قد روي في إباحة تعمدها بالصوم أحاديث لا تثبت قلت بل في التعيين أحاديث صحيحة منها حديث جرير فهو صحيح لا اختلاف فيه وقد ذكرناه عن قريب وقد صححه من المالكية أبو العباس القرطبي في ( المفهم ) وفيه تعيين البيض ومنها حديث قرة بن إياس المزني فهو صحيح أيضا لا اختلاف فيه رواه الطبراني في ( الكبير قال حدثنا محمد بن محمد التمار البصري حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله صيام البيض صيام الدهر وإفطاره وقرة هو ابن إياس بن هلال بن ذياب المزني ورواه ابن حبان في ( صحيحه ) ولكن ليس عنده تعيين البيض وصحح ابن حبان أيضا حديث أبي ذر وحديث عبد الملك ابن منهال عن أبيه في تعيين الأيام البيض وصحح أيضا حديث ابن مسعود في تعيين غرة الشهر فحديث أبي هريرة أخرجه الإمام أبو محمد بن عبد الله بن عطاء الإبراهيمي من حديث يونس بن يعقوب عن أبيه عن أبي صادق عن أبي هريرة أوصاني خليلي بثلاث الوتر قبل أن أنام وأصلي الضحى ركعتين وصوم ثلاثة أيام من كل شهر ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وهي البيض وحديث أبي ذر رواه الترمذي من حديث موسى بن طلحة قال سمعت أبا ذر يقول قال رسول الله يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وقال حديث أبي ذر حديث حسن ورواه النسائي وابن ماجه أيضا وحديث عبد الملك بن منهال قد مر عن قريب
وأما حكم المسألة فقد حكى النووي في ( شرح مسلم ) الاتفاق على استحباب صيام الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر قال وقيل هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر وقال شيخنا وفيما حكاه من الاتفاق نظر فقد روى ابن القاسم عن مالك في ( المجموعة ) أنه سئل عن صيام أيام الغر ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة فقال ما هذا ببلدنا وكره تعمد صومها وقال الأيام كلها لله تعالى وقال ابن وهب وإنه لعظيم أن يجعل على نفسه شيئا كالفرض ولكن يصوم إذا شاء قال واستحب ابن حبيب صومها وقال أراها صيام الدهر وقال ابن حبيب كان أبو الدرداء يصوم من كل شهر ثلاثة أيام أول اليوم ويوم العاشر ويوم العشرين ويقول هو صيام الدهر كل حسنة بعشر أمثالها
وقال شيخنا وحاصل الخلاف أن في المسألة تسعة أقوال أحدها استحباب صوم ثلاثة أيام من الشهر غير معينة فأما تعيينها فمكروه وهو المعروف من مذهب مالك حكاه القرطبي الثاني استحباب الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وهو قول أكثر أهل العلم وبه قال عمر ابن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأبو ذر وآخرون من التابعين والشافعي وأصحابه وابن حبيب من المالكية وأبو حنيفة وصاحباه وأحمد وإسحاق الثالث استحباب الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر حكي ذلك عن قوم الرابع استحباب ثلاثة من أول الشهر وبه قال الحسن البصري الخامس استحباب السبت والأحد والإثنين من أول شهر ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من أول الشهر الذي بعده وهو اختيار عائشة رضي الله تعالى عنها في آخرين السادس استحبابها من آخر الشهر وهو قول إبراهيم النخعي السابع استحبابها في الإثنين والخميس الثامن استحباب أول يوم الشهر والعاشر والعشرين وروي ذلك عن أبي الدرداء التاسع استحباب أول يوم والحادي عشر والعشرين وهو اختيار أبي إسحاق ابن شعبان من المالكية
1891 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( أبو التياح ) قال حدثني ( أبو عثمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام ( انظر الحديث 8711 )

(11/97)


قال الإسماعيلي وابن بطال وآخرون ليس في الحديث الذي أورده البخاري في هذا الباب ما يطابق الترجمة لأن الحديث مطلق في ثلاثة أيام من كل شهر والترجمة مذكورة بما ذكره قلت قد أجبنا عن هذا عند تفسيرنا قوله ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة على أنا قد ذكرنا عن قريب عن أبي هريرة في بعض طرق حديثه ما يوافق الترجمة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو معمر بفتح الميمين واسمه عبد الله بن عمرو المنقري المقعد الثاني عبد الوارث بن سعيد التيمي الثالث أبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة واسمه يزيد بن حميد الضبعي الرابع أبو عثمان هو أبو عبد الرحمن بن مل النهدي الخامس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في موضعين وفيه ثلاثة من الرواة مذكورون بالكنى وقيل أبو التياح لقب غير كنية ويكنى أبا حماد وفيه أن رواته الثلاثة الأول كلهم بصريون وأبو عثمان كوفي ولكنه سكن البصرة وقد روى عن أبي هريرة جماعة منهم أبو عثمان لكن لم يقع في البخاري حديث موصول من رواية أبي عثمان عن أبي هريرة إلا من رواية النهدي وليس له في البخاري سوى هذا وآخر في الأطعمة ووقع عند مسلم عن شيبان عن عبد الوارث بهذا الإسناد فقال فيه حدثني أبو عثمان النهدي وقد مضى هذا الحديث في باب صلاة الضحى في السفر فإنه أخرجه هناك عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن عباس الجريري عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة وبين بعض متنيه اختلاف وقد مر الكلام فيه مستوفى قوله خليلي أي رسول الله قوله بثلاث أي بثلاث أشياء قوله صيام ثلاثة أيام بالجر على أنه بدل من ثلاث قوله وركعتي الفجر عطف عليه قوله وأن أوتر كلمة أن مصدرية أي بأن أوتر أي بالوتر أي بصلاته قبل أن أنام أي قبل النوم وإنما أفرده بهذه الوصية لأنه كان يوافقه في إيثار الاشتغال بالعبادة على الاشتغال بالدنيا لأن أبا هريرة كان يصبر على الجوع في ملازمته النبي ألا ترى كيف قال أما إخواني فكان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله
16 -
( باب من زار قوما فلم يفطر عندهم )
أي هذا باب في بيان من زار قوما وهو صائم في التطوع فلم يفطر عندهم وهذا الباب يقابل الباب الذي قبله بعشرة أبواب وهو باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع
2891 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثني ( خالد ) هو ( ابن الحارث ) قال حدثنا ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه دخل النبي على أم سليم فأتته بتمر وسمن قال أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم ثم قام إلى ناحية من نواحي البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها فقالت أم سليم يا رسول الله إن لي خويصة قال هي قالت خادمك أنس فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به قال أللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له فإني لمن أكثر الأنصار مالا ح وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون ومائة
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا وهم كلهم بصريون
قوله هو ابن الحارث بيان من البخاري لأن شيخه كأنه قال حدثنا خالد وأراد بالبيان رفع الإبهام لاشتراك من سمي خالدا في الرواية عن حميد ولكن هذا غير مطرد له فإنه كثيرا ما يقع له ولمشايخه مثل هذا الإبهام ولا يلتفت إلى بيانه وهذا الحديث من أفراده قوله على أم سليم بضم السين المهملة وفتح اللام واسمها الغميصاء وقيل الرميصاء وقال أبو داود الرميصاء أم سليم سهلة ويقال وصيلة ويقال رميئة ويقال أنيفة ويقال مليكة وقال ابن التين كان يزور أم سليم لأنها خالته من الرضاعة وقال أبو عمر إحدى خالاته من

(11/98)


النسب لأن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن أسد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأخت أم سليم أم حرام بنت ملحان بن زيد بن خالد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم وأنكر الحافظ الدمياطي هذا القول وذكر أن هذه خؤلة بعيدة لا تثبت حرمة ولا تمنع نكاحا قال وفي ( الصحيح ) أنه كان لا يدحل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم فقيل له في ذلك قال أرحمها قتل أخوها حرام معي فبين تخصيصها بذلك فلو كان ثمة علة أخرى لذكرها لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وهذه العلة مشتركة بينها وبين أختها أم حرام قال وليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها فلعله كان ذلك مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع وأيضا فإن قتل حرام كان يوم بئر معونة في صفر سنة أربع ونزول الحجاب سنة خمس فلعل دخوله عليها كان قبل ذلك وقال القرطبي يمكن أن يقال إنه كان لا تستتر منه النساء لأنه كان معصوما بخلاف غيره قوله فأتته بتمر وسمن أي على سبيل الضيافة قوله في سقائه بكسر السين وهو ظرف الماء من الجلد والجمع أسقية وربما يجعل فيها السمن والعسل قوله فصلى غير المكتوبة يعني التطوع وفي رواية أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد فصلى ركعتين وصلينا معه وكانت هذه القصة غير القصة التي تقدمت في أبواب الصلاة التي صلى فيها على الحصير وأقام أنسا خلفه وأم سليم من ورائه ووقع لمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت ثم صلى ركعتين تطوعا فأقام أم حرام وأم سليم خلفنا وأقامني عن يمينه وهذا ظاهر في تعدد القصة من وجهين أحدهما أن القصة المتقدمة لا ذكر فيها لأم حرام والآخر أنه هنا لم يأكل وهناك أكل قوله خويصة تصغير الخاصة وهو مما اغتفر فيه التقاء الساكنين وفي رواية خويصتك أنس فصغرته لصغر سنه يومئذ ومعناه هو الذي يختص بخدمتك قوله قال ما هي أي قال النبي ما الخويصة قالت خادمك أنس وقال بعضهم قوله خادمك أنس هو عطف بيان أو بدل والخبر محذوف قلت توجيه الكلام ليس كذلك بل قوله خادمك مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو خادمك لأنها لما قالت إن لي خويصة قال ما هي قالت خادمك يعني هذه الخويصة هو خادمك ومقصودها أن ولدي أنسا له خصوصية بك لأنه يخدمك فادع له دعوة خاصة وقوله أنس مرفوع لأنه عطف بيان أو بدل ووقع في رواية أحمد من رواية ثابت عن أنس لي خويصة خويدمك أنس ادع الله له قوله فما ترك خير آخرة أي ما ترك خيرا من خيرات الآخرة وتنكير آخرة يرجع إلى المضاف وهو الخير كأنه قال ما ترك خيرا من خيور الآخرة ولا من خيور الدنيا إلا دعا لي به وقوله اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له بيان لدعائه له ويدل عليه رواية أحمد من رواية عبيدة بن حميد عن حميد إلا دعا لي به فكان من قوله أللهم إلى آخره فإن قلت المال والولد من خير الدنيا فأين ذكر خير الآخرة في الدعاء له قلت الظاهر أن الراوي اختصره يدل عليه ما رواه ابن سعد بإسناد صحيح عن الجعد عن أنس قال أللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه ووقع في رواية مسلم عن الجهد عن أنس فدعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا وأنا أرجو الثالثة في الآخرة فلم يبين الثالثة وهي المغفرة كما بينها ابن سعد في روايته وقال الكرماني ولفظ بارك إشارة إلى خير الآخرة والمال والولد الصالحان من جملة خير الآخرة أيضا لأنهما يستلزمانهاقوله وبارك له وفي رواية الكشميهني وبارك فيه وإنما أفرد الضمير نظرا إلى المذكور من المال والولد وفي رواية أحمد فيهم نظرا إلى المعنى قوله فإني لمن أكثر الأنصار مالا الفاء فيها معنى التفسير فإنها تفسر معنى البركة في ماله واللام في لمن للتأكيد و مالا نصب على التمييز فإن قلت وقع عند أحمد من رواية ابن أبي عدي أنه لا يملك ذهبا ولا فضة غير خاتمه وفي رواية ثابت عند أحمد قال أنس وما أصبح رجل من الأنصار أكثر مني مالا قال يا ثابت وما أملك صفرا ولا بيضا إلا خاتمي قلت مراده أن ماله كان من غير النقدين وفي ( جامع الترمذي ) قال أبو العالية كان لأنس بستان يحمل في السنة مرتين وكان فيه ريحان يجيء منه رائحة المسك وفي ( الحلية ) لأبي نعيم من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين وما في البلد شيء يثمر مرتين غيرها
قوله وحدثتني ابنتي أمينة بضم الهمزة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وهو تصغير آمنة وفيه رواية الأب عن بنته لأن أنسا روى هذا عن بنته أمينة وهو من قبيل رواية

(11/99)


الآباء عن الأبناء قوله إنه دفن لصلبي أي من ولده دون أسباطه وأحفاده قوله مقدم الحجاج هو ابن يوسف الثقفي وكان قدومه البصرة سنة خمس وسبعين وعمر أنس حينئذ نيف وثمانون سنة وقد عاش أنس بعد ذلك إلى سنة ثلاث ويقال اثنتين ويقال إحدى وتسعين وقد قارب المائة فإن قلت البصرة منصوبة بماذا ولا يجوز أن يكون العامل فيها لفظ مقدم لأنه اسم زمان وهو لا يعمل كذا قاله الكرماني قلت فيه مقدر تقديره زمان قدومه البصرة والمقدم هنا مصدر ميمي فالكرماني لما رآه على وزن اسم الفاعل ظن أنه اسم زمان فلذلك تكلف في السؤال والجواب وأما لفظ مقدم فإنه منصوب بنزع الخافض تقديره إلى مقدم الحجاج أي إلى قدومه أي إلى وقت قدومه حاصله أن من مات من أول أولاده إلى وقت قدوم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة وفق رواية ابن أبي عدي نيفا على عشرين ومائة وفي رواية البيهقي من رواية الأنصاري عن حميد تسع وعشرون ومائة وعند الخطيب في رواية الآباء عن الأولاد من هذا الوجه ثلاث وعشرون ومائة وفي رواية حفصة بنت سيرين ولقد دفنت من صلبي سوى ولد ولدي خمسة وعشرين ومائة وفي ( الحلية ) أيضا من طريق عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال دفنت مائة لا سقطا ولا ولد ولد ولأجل هذا الاختلاف جاء في رواية البخاري بضع وعشرون ومائة فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع وقال ابن الأثير البضع في العدد بالكسر وقد يفتح ما بين الثلاث إلى التسع وقيل ما بين الواحد إلى العشرة لأنه قطعة من العدد وقال الجوهري تقول بضع سنين وبضعة عشر رجلا فإذا جاوزت لفظ العشر لا تقول بضع وعشرون قلت الذي جاء في الحديث يرد عليه وهو سهو منه وكيف لا وأنس من فصحاء العرب وأما الذين بقوا ففي رواية إسحاق ابن أبي طلحة عن أنس وأن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة رواه مسلم
ذكر ما يستفاد منه فيه حجة لمالك والكوفيين منهم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه أن الصائم المتطوع لا ينبغي له أن يفطر بغير عذر ولا سبب يوجب الإفطار فإن قلت هذا يعارض حديث أبي الدرداء حين زاره سلمان رضي الله تعالى عنه وقد تقدم قلت لا معارضة بينهما لأن سلمان امتنع أن يأكل إن لم يأكل أبو الدرداء معه وهذه علة للفطر لأن للضيف حقا كما قال النبي إن الصائم إذا دعي إلى طعام فليدع لأهله بالبركة ويؤنسهم بذلك لأن فيه جبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده وفيه جواز التصغير على معنى التعطف له والترحم عليه والمودة له بخلاف ما إذا كان للتحقير فإنه لا يجوز وفيه جواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على المهدي وإن أخذ من ردت عليه ليس من العود في الهبة وفيه حفظ الطعام وترك التفريط وفيه التلطف بقولها خادمك أنس وفيه جواز الدعاء بكثرة الولد والمال وفيه التاريخ بولاية الأمراء لقوله مقدم الحجاج وقد بينا وقت قدومه وفيه مشروعية الدعاء عقيب الصلاة وفيه تقديم الصلاة أمام طلب الحاجة وفيه زيارة الإمام بعض رعيته وفيه دخول بيت الرجل في غيبته لأنه لم يقل في طرق هذه القصة إن أبا طلحة كان حاضرا قلت ينبغي أن يكون هذا بالتفصيل وهو أنه إذا علم أن الرجل لا يصعب عليه ذلك جاز وإلا لم يجز وليس أحد من الناس مثل سيد الأولين والآخرين وفيه التحديث بنعم الله تعالى والإخبار عنها عند الإنسان والإعلام بمواهبه وأن لا يجحد نعمه وبذلك أمر الله في كتابه الكريم حيث قال وأما بنعمة ربك فحدث ( الضحى 11 ) وفيه بيان معجزة الرسول في دعائه لأنس ببركة المال وكثرة الولد مع كون بستانه صار يثمر مرتين في السنة دون غيره وفيه كرامة أنس رضي الله تعالى عنه وفيه إيثار الولد على النفس وحسن التلطف في السؤال وفيه أن كثرة الموت في الأولاد لا تنافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم وفيه التاريخ بالأمر الشهير
90 - ( حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى قال حدثني حميد قال سمع أنسا رضي الله عنه عن النبي )
هذا طريق آخر وقع هكذا بقوله حدثنا في رواية كريمة والأصيلي فيكون موصولا وفي رواية غيرهما وقع هكذا قال

(11/100)


ابن أبي مريم فيكون معلقا وعلى كل تقدير ففائدة ذكر هذا الطريق بيان سماع حميد لهذا الحديث من أنس لأنه قد اشتهر أن حميدا كان ربما دلس عن أنس رضي الله تعالى عنه وقال صاحب التلويح وقال ابن أبي مريم إلى آخره كذا في بعض النسخ وكذا نص أصحاب لاطراف عليه وفي أصل سماعنا وغيره حدثنا ابن أبي مريم وهو سعيد بن أبي مريم الجمحي المصري ويحيى هو ابن أيوب الغافقي المصري أبو العباس وفي بعض النسخ وقع يحيى بن أيوب بنسبته إلى أبيه -
26 -
( باب الصوم آخر الشهر )
أي هذا باب في بيان فضل الصوم في آخر الشهر وفي بعض النسخ من آخر الشهر وقوله هذا يطلق على آخر كل شهر من الأشهر ومع هذا الحديث مقيد بشهر شعبان والوجه إطلاقه إشارة إلى أن ذلك لا يختص بشعبان بل يؤخذ من الحديث الندب إلى صيام أواخر كل شهر ليكون عادة للمكلف فإن قلت يعارض هذا النهي بتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين قلت لا معارضة لقوله في حديث النهي إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه
3891 - حدثنا ( الصلت بن محمد ) قال حدثنا ( مهدي ) عن ( غيلان ) وحدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( مهدي بن ميمون ) قال حدثنا ( غيلان بن جرير ) عن ( مطرف ) عن ( عمران بن حصين ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي أنه سأله أو سأل رجلا وعمران يسمع فقال يا أبا فلان أما صمت سرر هذا الشهر قال أظنه قال يعني رمضان قال الرجل لا يا رسول الله قال فإذا أفطرت فصم يومين لم يقل الصلت أظنه يعني رمضان
مطابقته للترجمة تؤخذ مما ذكرنا الآن في أول الباب
ذكر رجاله وهم ستة الأول الصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق ابن محمد بن عبد الرحمن أبو همام الخاركي الثاني مهدي بفتح الميم وكسر الدال المهملة ابن ميمون المعولي الأزدي الثالث غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ابن جرير المعولي الأزدي الرابع أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي الخامس مطرف بلفظ اسم الفاعل من التطريف بإهمال الطاء ابن عبد الله بن الشخير الحرشي العامري السادس عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في خمسة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته كلهم بصريون وفيه إضافة رواية أبي النعمان إلى الصلت لما وقع فيها من تصريح مهدي بالتحديث من غيلان
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن هدبة بن خالد وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي فيه عن زكريا بن يحيى عن عبد الأعلى بن حماد
ذكر معناه قوله أنه سأل أي أن رسول الله سأل عمران أو سأل رسول الله رجلا قوله أو سأل رجلا شك من مطرف وثابت رواه عنه بنحوه على الشك أيضا وأخرجه مسلم كذلك وأخرجه مسلم أيضا من وجهين آخرين عن مطرف بدون شك على الإبهام أنه قال لرجل وزاد أبو عوانة في ( مستخرجه ) من أصحابه ورواه أحمد من طريق سليمان التيمي به قال لعمران بغير شك قوله وعمران يسمع جملة إسمية وقعت حالا قوله فقال يا أبا فلان بالكنية في رواية أبي ذر وفي رواية الأكثرين يا فلان قوله سرر هذا الشهر بالسين المهملة وفتحها وفتح الراء وقال النووي ضبطوه بفتح السين وكسرها وحكي ضمها ويقال أيضا سرار بكسر السين وفتحها وكله من الاستسرار وقال الجمهور المراد به آخر الشهر لاستسرار القمر فيه وقال بعضهم هو وسط الشهر وسرر كل شيء وسطه والسرة الوسط وهي الأيام البيض وروى أبو داود عن الأوزاعي أن سرره أوله وقال ابن قرقول سرر بفتح السين عند الكافة وعند العذري سرر بضم السين وقال أبو عبيد سرار الشهر آخره حيث يستتر الهلال وسرره أيضا وأنكره غيره وقال لم يأت في صوم آخر الشهر حض وسرار كل شيء وسطه وأفضله فكأنه يريد الأيام الغر من وسط الشهر وقال عبد الملك

(11/101)


ابن حبيب السرر آخر الشهر حين يستسر الهلال لثمان وعشرين ولتسع وعشرين وإن كان تاما فليلة ثلاثين وتبويب البخاري يدل على أنه عنده آخر الشهر وقال الخطابي يتأول أمره إياه بصوم السرر على أن الرجل كان أوجبه على نفسه نذرا فأمره بالوفاء أو أنه كان اعتاده فأمره بالمحافظة عليه وإنما تأولناه للنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين
فائدة أسماء ليالي الشهر عشرة لكل ثلاث منها اسم فالثلاث الأولى غرر لأن غرة كل شيء أوله والثانية نفل على وزن صرد ونغر لزيادتها على الغرر والنفل الزيادة وثلاث تسع إذ آخرها تاسع وثلاث عشر لأن أولها عاشر وزنهما وزن زحل وثلاث تبع وثلاث درع ووزنهما كزحل أيضا لاسوداد أوائلها وابيضاض أواخرها وثلاث ظلم لإظلامها وثلاث حنادس لشدة سوادها ثلاث دآدىء كسلالم لأنها بقايا وثلاث محاق بضم الميم لانمحاق القمر أول الشهر والمحق المحو ويقال لهما سرر أيضا عند الجمهور كما ذكرنا
قوله أظنه يعني هذه اللفظة غير محفوظة وهذا الظن من أبي النعمان لتصريح البخاري في آخره بأن ذلك لم يقع في رواية الصلت وكان ذلك وقع من أبي النعمان لما حدث به البخاري وإلا فقد رواه الجوزقي من طريق أحمد بن يوسف السلمي عن أبي النعمان بدون ذلك وهو الصواب ونقل الحميدي عن البخاري أنه قال شعبان أصح وقيل إن ذلك ثابت في بعض الروايات في ( الصحيح ) وقال الخطابي ذكر رمضان هنا وهم لأن رمضان يتعين صوم جميعه وكذا قال الداودي وابن الجوزي فإن قلت روى مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شعبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن الجريري عن العلاء عن مطرف عن عمران بن حصين أن النبي قال لرجل هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا قال لا فقال رسول الله فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه قلت روى مسلم أيضا من حديث هداب بن خالد عن عمران بن حصين أن رسول الله قال له أو لآخر أصمت من سرر شعبان قال لا قال فإذا أفطرت فصم يومين فهذا يدل على أن المراد من قوله في رواية البخاري أما صمت سرر هذا الشهر إنه شعبان وقول أبي النعمان أظنه يعني رمضان وهم كما ذكرنا وقيل يحتمل أن يكون قوله رمضان في قولهرمضانظرفا للقول الصادر منه لا لصيام المخاطب بذلك فيوافق رواية الجريري عن العلاء عن مطرف وقد ذكرناه الآن قلت التحقيق فيه أن المراد من قوله أصمت سرر هذا الشهر في رواية البخاري أنه شعبان يؤيده ويوضحه رواية مسلم من حديث هداب عن عمران وكذلك يوضح حديث هداب رواية مسلم من حديث مطرف فإنه ليس فيها ذكر شعبان والأحاديث يفسر بعضها بعضا وبقي الكلام في قوله فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين فنقول هذا ابتداء كلام معناه أنك إذا تركت السرر من رمضان الذي هو فرض فصم يومين عوضه لأن السرر يومان من آخر الشهر كما ذكرناه بخلاف سرر شعبان فإنه ليس بمتعين عليه فلذلك لم يأمره بالقضاء بعد قول الرجل يا رسول الله يعني ما صمت سرر هذا الشهر الذي هو شعبان فإن قلت كيف قال فصم يومين وفي رواية مسلم بعد قوله فإذا فطرت رمضان والذي يفطر رمضان هل يكتفي في قضائه بيومين قلت تقديره من رمضان وحذفت لفظة من وهي مرادة كما في الرواية الأخرى وهو من قبيل قوله تعالى واختار موسى قومه ( الأعراف 551 ) أي من قومه وهذا هو تحرير هذا الموضع الذي لم أر أحدا من شراح البخاري ومن شراح مسلم حرر هذا الموضع كما ينبغي ولا سيما من يدعي في هذا الفن بدعاوى عريضة بمقدمات ليس لها نتيجة
قال أبو عبد الله وقال ثابت عن مطرف عن عمران عن النبي من سرر شعبان
أبو عبد الله هو البخاري وليس في بعض النسخ هذا وأراد بالتعليق أن المراد من قوله أصمت سرر هذا الشهر هو سرر شعبان وليس هو برمضان كما ظنه أبو النعمان وقد وصل هذا التعليق مسلم حدثنا هداب بن خالد قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت ولم أفهم مطرفا من هداب عن عمران بن حصين أن رسول الله قال له أو لآخر الحديث وقد ذكرناه عن قريب والله أعلم

(11/102)


36 -
( باب صوم يوم الجمعة فإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده )
أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم الجمعة وحكمه أنه إذا أصبح صائما يوم الجمعة فإن كان صام قبله ولا يريد أن يصوم بعده فليصمه وإن كان لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده فليفطر لورود النهي عن صوم يوم الجمعة وحده على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى ووقع في كثير من الروايات باب صوم يوم الجمعة وإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يصوم هكذا وقع لا غير ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت زيادة وهي قوله يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده وقال بعضهم وهذه الزيادة تشبه أن تكون من الفربري أو من دونه فإنها لم تقع في رواية النسفي عن البخاري ويبعد أن يعبر البخاري عما يقوله بلفظ يعني ولو كان ذلك من كلامه لقال أعني بل كان يستغني عنها أصلا قلت عدم وقوع هذه الزيادة في رواية النسفي عن البخاري لا يستلزم عدم وقوعها من غيره سواء كان من الفربري أو من غيره والظاهر أنها من البخاري وقوله يعني في محله وليس ببعيد لأنه يوضح المراد من قوله وإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر فأوضح بقوله يعني أن هذا ليس على إطلاقه وإنما عليه الإفطار إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده فقوله وإذا أصبح إلى آخره إذا كان من كلام غيره فلفظ يعني في محله وإذا كان من كلامه فكأنه جعل هذا لغيره بطريق التجريد ثم أوضحه بقوله يعني فافهم فإنه دقيق
4891 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( عبد الحميد بن جبير ) عن ( محمد بن عباد ) قال سألت ( جابرا ) رضي الله تعالى عنه نهى النبي عن صوم يوم الجمعة قال نعم زاد غير أبي عاصم أن ينفرد بصوم
مطابقته للترجمة من حيث أن صوم يوم الجمعة منفردا مكروه لأنه منهى عنه والترجمة تتضمن معنى الحديث
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الثاني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الثالث عبد الحميد بن جبير مصغر الجبر ابن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله الحجبي الرابع محمد بن عباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة المخزومي الخامس جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه السؤال وفيه القول في موضع واحد وفيه أن رواه ما خلا شيخه مكيون وفيه عبد الحميد وهو تابعي صغير روى عن عمته صفية بنت شيبة قال بعضهم وهي من صغار الصحابة قلت قال ابن الأثير اختلف في صحبتها وقال الدارقطني لا تصح لها رؤية وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه أن عبد الحميد ليس له في البخاري إلا ثلاثة أحاديث هذا وآخر في بدء الخلق وآخر في الأدب وفيه رواية ابن جريج عن عبد الحميد وفي رواية عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الحميد وابن جريج ربما رواه عن محمد بن عباد عن نفسه ولم يذكر عبد الحميد كذلك أخرجه النسائي قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني محمد بن عباد بن جعفر قال قلت لجابر أسمعت رسول الله ينهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم قال أي ورب الكعبة وروى النسائي أيضا عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن محمد بن عباد
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن عمرو الناقد وعن محمد بن رافع وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن يوسف بن سعيد وعن عمرو بن علي وعن سليمان بن سالم وعن أحمد بن عثمان وأخرجه ابن ماجه فيه عن هشام بن عمار
ذكر معناه قوله سألت جابرا وفي رواية مسلم سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله عن صيام يوم الجمعة فقال نعم ورب الكعبة قوله زاد غير أبي عاصم أي قال البخاري زاد غيره من الشيوخ

(11/103)


لفظ أن ينفرد بصومه أي يصوم يوم الجمعة وفي رواية الكشميهني أن ينفرد بصوم وغير أبي عاصم هو يحيى بن سعيد القطان وقال النسائي حدثنا عمرو بن علي عن يحيى عن ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن جعفر قال قلت لجابر أسمعت رسول الله ينهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم قال أي ورب الكعبة وروى النسائي أيضا من طريق النضر بن شميل ولفظه أن جابر سئل عن صوم يوم الجمعة فقال نهى رسول الله أن يفرد وروى أيضا من طريق حفص بن غياث ولفظه نهى رسول الله عن صيام يوم الجمعة منفردا وروى النسائي أيضا من حديث سعيد بن المسيب عن عبد الله ابن عمرو أن رسول الله دخل على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهي صائمة فقال لها أصمت أمس قالت لا قال أتريدين أن تصومي غدا قالت لا قال فأفطري
وروى النسائي أيضا من حديث محمد بن سيرين عن أبي الدرداء قال قال رسول الله يا أبا الدرداء لا تخص يوم الجمعة بصيام دون الأيام ولا تخص ليلة الجمعة بقيام دون الليالي وابن سيرين لم يسمع من أبي الدرداء وقد اختلف فيه على ابن سيرين فقيل هكذا وقيل عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة وروى أحمد عن ابن عباس بلفظ لا تصوموا يوم الجمعة وفي إسناده الحسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه ابن معين وضعفه الجمهور وروى الطبراني في ( الكبير ) من حديث بشير بن الخصاصية بلفظ لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها ورجاله ثقات وروى الطبراني أيضا من رواية صالح بن جبلة عن أنس أنه سمع النبي يقول من صام الأربعاء والخميس والجمعة بنى الله له في الجنة قصرا من لؤلؤ وياقوت وزبرجد وكتب له براءة من النار وصالح بن جبلة ضعفه الأزدي ففي هذا صوم يوم الجمعة مع يوم قبله وروى البزار من حديث عامر بن كدين بلفظ إن يوم الجمعة فلا تصوموه إلا أن تصوموا يوما قبله أو بعده وروى النسائي من رواية حذيفة البارقي عن جنادة الأزدي أنهم دخلوا على رسول الله ثمانية نفر وهو ثامنهم فقرب إليهم رسول الله طعاما يوم جمعة قال كلوا قالوا صيام قال أصمتم أمس قالوا لا قال فصائمون غدا قالوا لا قال فأفطروا
فإن قلت يعارض هذه الأحاديث ما رواه الترمذي من حديث عاصم عن زر عن عبد الله قال كان رسول الله يصوم من كل غرة شهر ثلاثة أيام وقل ما كان يفطر يوم الجمعة وقال حديث حسن غريب ورواه النسائي أيضا وما رواه ابن أبي شيبة حدثنا حفص حدثنا ليث عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر قال ما رأيت رسول الله مفطرا يوم جمعة قط وما أخرجه أيضا عن حفص عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال ما رأيته مفطرا يوم جمعة قط قلت لا نسلم هذه المعارضة لأنه لا دلالة فيها على أنه صام يوم الجمعة وحده فنهيه عن صوم يوم الجمعة في هذه الأحاديث يدل على أن صومه يوم الجمعة لم يكن في يوم الجمعة وحده بل إنما كان بيوم قبله أو بيوم بعده وذلك لأنه لا يجوز أن يحمل فعله على مخالفة أمره إلا بنص صريح صحيح فحينئذ يكون نسخا أو تخصيصا وكل واحد منهما منتف
وأما حكم المسألة فاختلفوا في صوم يوم الجمعة على خمسة أقوال
أحدها كراهته مطلقا وهو قول النخعي والشعبي والزهري ومجاهد وقد روي ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه وقد حكى أبو عمر عن أحمد وإسحاق كراهته مطلقا ونقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن علي وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر رضي الله تعالى عنهم وشبهوه بيوم العيد ففي الحديث الصحيح أن النبي قال إن هذا يوم جعله الله عيدا وروى النسائي من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي قال لا صيام يوم عيد
القول الثاني إباحته مطلقا من غير كراهة وروي ذلك عن ابن عباس ومحمد بن المنكدر وهو قول مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وقال مالك لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به ينهى عن صيام يوم الجمعة قال وصيامه حسن
القول الثالث أنه يكره إفراده بالصوم فإن صام يوما قبله أو بعده لم يكره وهو قول أبي هريرة ومحمد بن سيرين وطاووس وأبي يوسف وفي ( كتاب الطراز ) واختاره ابن المنذر واختلف عن الشافعي فحكى المزني عنه جوازه وحكى أبو حامد في تعليقه عنه كراهته وكذا حكاه ابن الصباغ عن تعليق أبي حامد وهذا هو الصحيح الذي يدل عليه حديث أبي هريرة وبه جزم الرافعي والنووي في ( الروضة ) وقال

(11/104)


في ( شرح مسلم ) إنه قال به جمهور أصحاب الشافعي وممن صححه من المالكية ابن العربي فقال وبكراهته يقول الشافعي وهو الصحيح
القول الرابع ما حكاه القاضي عن الداودي أن النهي إنما هو عن تحريه واقتصاصه دون غيره فإنه متى صام مع صومه يوما غيره فقد خرج عن النهي لأن ذلك اليوم قبله أو بعده إذ لم يقل اليوم الذي يليه قال القاضي عياض وقد يرجح ما قاله قوله في الحديث الآخر لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ولا ليلته بقيام من بين الليالي قلت وهذا ضعيف جدا ويرده حديث جويرية في صحيح البخاري وقوله لها أصمت أمس قالت لا قال تصومين غدا قالت لا قال فأفطري فهو صريح في أن المراد به قبله يوم الخميس وما بعده يوم السبت
القول الخامس أنه يحرم صوم يوم الجمعة إلا لمن صام يوما قبله أو يوما بعده أو وافق عادته بأن كان يصوم يوما ويفطر يوما فوافق يوم الجمعة صيامه وهو قول ابن حزم لظواهر الأحاديث الواردة في النهي عن تخصيصه بالصوم وقال بعضهم واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود كان رسول الله يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وقل ما كان يفطر يوم الجمعة قال وليس فيه حجة لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها قلت هذا الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن ورواه النسائي أيضا وصححه ابن حبان وابن عبد البر وابن حزم والعجب من هذا القائل يترك ما يدل عليه ظاهر الحديث ويدفع حجيته بالاحتمال الناشيء عن غير دليل الذي لا يعتبر ولا يعمل به وهذا كله عسف ومكابرة
ثم إعلم أنهم اختلفوا أيضا في الحكمة في النهي عن صوم يوم الجمعة مفردا على أقوال
الأول ما قاله النووي عن العلماء أنه يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( الجمعة 01 ) وغير ذلك من العبادات في يومها فاستحب الفطر فيه ليكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة قال وهو نظير الحاج يوم عرفة فإن السنة له الفطر ثم قال النووي فإن قيل لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم يوم قبله أو بعده لبقاء المعنى ثم أجاب عن ذلك بأنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه انتهى قلت فيه نظر إذ جبر ما فاته من أعمال يوم الجمعة بصوم يوم آخر لا تختص بكون الصوم قبله بيوم أو بعده بيوم بل صوم يوم الإثنين أفضل من صوم يوم السبت
الثاني هو كونه يوم عيد والعيد لا صيام فيه واعترض على هذا بالإذن بصيامه مع غيره ورد بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة ألا ترى أنه لا يجوز صومه مع يوم قبله ويوم بعده
الثالث لأجل خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت واعترض عليه بثبوت تعظيمه بغير الصيام وأيضا فاليهود لا يعظمون السبت بالصيام فلو كان الملحوظ موافقتهم لتحتم صومه لأنهم لا يصومون وروى النسائي من حديث أم سلمة أن النبي كان يصوم يوم الإثنين والخميس وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم وأخرجه ابن حبان وصححه
الرابع خوف اعتقاد وجوبه واعترض عليه بصوم الإثنين والخميس
الخامس خشية أن يفرض عليهم كما خشي رسول الله من قيام الليل قيل هو منتقض بإجازة صومه مع غيره ولأنه لو كان ذلك لجاز بعده لارتفاع السبب
السادس مخالفة النصارى لأنه لا يجب عليهم صومه ونحن مأمورون بمخالفتهم نقله القمولي قال بعضهم وهو ضعيف ولم يبين وجهه قيل أقوى الأقوال وأولاها بالصواب ما ورد فيه صريحا حديثان أحدهما ما رواه الحاكم وغيره من طريق عامر بن لدين عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده والثاني ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي رضي الله تعالى عنه قال من كان منكم متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر
5891 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثنا ( أبو صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول لا يصومن أحدكم يوم الجمعة

(11/105)


إلا يوما قبله أو بعده
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والأعمش هو سليمان وأبو صالح ذكوان الزيات السمان
والحديث أخرجه مسلم وابن ماجه جميعا في الصوم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله لا يصومن بنون التأكيد رواية الكشميهني وفي رواية غيره لا يصوم بدون النون ولفظ النفي والمراد به النهي قوله إلا يوما قبله تقديره إلا أن يصوم يوما قبله لأن يوما لا يصلح أن يكون استثناء من يوم الجمعة وقال الكرماني هو ظرف ليصوم المقدر أو يوم منصوب بنزع الخافض وهو باء المصاحبة أي بيوم وأخذ بعضهم الوجه الأول من كلام الكرماني وسكت عنه ثم ذكر الوجه الثاني بقوله وقال الكرماني وفي طريق الإسماعيلي من رواية محمد بن أشكاب عن عمر بن حفص شيخ البخاري فيه إلا أن تصوموا يوما قبله أو بعده وفي رواية مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده ولمسلم من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من الليالي ولا يوم الجمعة بصوم من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ورواه أحمد من طريق عوف عن ابن سيرين بلفظ نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم ومن طريق أبي الأوبر زياد الحارثي أن رجلا قال لأبي هريرة أنت الذي تنهى الناس عن صوم يوم الجمعة قال ها ورب الكعبة ثلاثا لقد سمعت محمدا يقول لا يصوم أحدكم يوم الجمعة وحده إلا في أيام معه وله من طريق ليلى امرأة بشير بن الخصاصية أنه سأل النبي فقال لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها وهذه الأحاديث تقيد النهي المطلق في حديث جابر المذكور ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة يصومها كمن يصوم أيام البيض أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة
6891 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( شعبة ) ح وحدثني ( محمد ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أبي أيوب ) عن ( جويرية بنت الحارث ) رضي الله تعالى عنها أن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال أصمت أمس قالت لا قال تريدين أن تصومين غدا قالت لا قال فأفطري
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن مسدد عن يحيى القطان عن شعبة عن قتادة عن أبي أيوب يحيى بن مالك المراغي البصري عن جويرية تصغير الجارية بالجيم الخزاعية كان اسمها برة وسماها النبي بذلك وكانت امرأة حلوة مليحة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه وهي من سبايا بني المصطلق ولما تزوج رسول الله بها أرسل كل الصحابة ما في أيديهم من سهم المصطلقين فلا يعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها ماتت سنة ست وخمسين الطريق الثاني عن محمد اختلف في محمد هذا عن غندر فذكر أبو نعيم في ( مستخرجه ) والإسماعيلي أنه محمد ابن بشار الذي يقال له بندار وقال الجياني لا ينسبه أحد من شيوخنا في شيء من المواضع ولعله محمد بن بشار وإن كان محمد بن المثنى يروي أيضا عن غندر وغندر هو محمد بن جعفر يروى عن شعبة عن قتادة إلى آخره والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الصوم عن محمد بن كثير وحفص بن عمر كلاهما عن هشام عن قتادة به وأخرجه النسائي فيه عن إبراهيم بن محمد التيمي القاضي عن يحيى القطان به وليس لجويرية زوج النبي في البخاري من روايتها سوى هذا الحديث
ذكر معناه قوله وهي صائمة جملة إسمية وقعت حالا قوله أصمت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله أن تصومين ويروى أن تصومي بإسقاط النون على الأصل قوله فأفطري زاد أبو نعيم في روايته إذا
وقال حماد بن الجعد سمع قتادة قال حدثني أبو أيوب أن جويرية حدثته فأمرها فأفطرت
هذا التعليق وصله أبو القاسم البغوي في ( جمع حديث هدبة بن خالد ) قال حدثنا حماد بن الجعد سئل قتادة عن صيام النبي فقال حدثني أبو أيوب فذكره وقال في آخره فأمرها فأفطرت وحماد بن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ويقال له

(11/106)


ابن أبي الجعد وفي ( التوضيح ) ضعفوه وقال أبو حاتم ما بحديثه بأس وذكره عبد الغني في ( الكمال ) وقال استشهد به البخاري رضي الله تعالى عنه بحديث واحد متابعة ولم يذكر أن غيره أخرج له وأسقطه الذهبي في ( الكاشف ) وليس له في البخاري سوى هذا الموضع
46 -
( باب هل يخص شيئا من الأيام )
أي هذا باب يذكر فيه هل يخص الشخص الذي يريد الصوم شيئا من الأيام وفي رواية النسفي هل يخص شيء على صيغة بناء المجهول وإنما لم يذكر جواب الاستفهام الذي هو الحكم لأن ظاهر حديث الباب يدل على عدم التخصيص وجاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها ما يقتضي نفي المداومة وهو ما رواه مسلم من طريق أبي سلمة ومن طريق عبد الله بن شقيق جميعا عن عائشة أنها سئلت عن صيام رسول الله فقالت كان رسول الله يصوم حتى نقول قد صام قد صام ويفطر حتى تقول قد أفطر قد أفطر فلأجل هذا ذكر الترجمة بالاستفهام ولينظر فيه إما بالترجيح أو بالجمع بينهما
7891 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) قلت ل ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها هل كان رسول الله يختص من الأيام شيئا قالت لا كان عمله ديمة وأيكم يطيق ما كان رسول الله يطيق
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه جوابا للاستفهام المذكور فيها وهو أنه لا يخص شيئا من الأيام وإيراد هذا الحديث بهذه الترجمة يدل على أن ترك التخصيص هو المرجح عنده ويحيى هو القطان وسفيان هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر وابراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن قيس النخعي وهو خال إبراهيم المذكور وعم الأسود بن زيد وهذا الإسناد مما يعد من أصح الأسانيد ومسدد ويحيى بصريان والبقية كوفيون وفيه رواية الراوي عن خاله
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن إسحاق بن إبراهيم وزهير بن حرب كلاهما عن جويرية وأخرجه أبو داود في الصلاة عن عثمان به وأخرجه الترمذي في ( الشمائل ) عن الحسين بن حريث عن جويرية به
ذكر معناه قوله هل كان رسول الله يختص من الأيام شيئا قالت لا معناه أنه كان لا يخص شيئا من الأيام دائما ولا راتبا إلا أنه كان أكثر صيامه في شعبان وقد حض على صوم الاثنين والخميس لكن كان صومه على حسب نشاطه فربما وافق الأيام التي رغب فيها وربما لم يوافقها وفي أفراد مسلم عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة أكان رسول الله يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قالت نعم فقلت لها من أي أيام الشهر كان يصوم قالت لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم ونقل ابن التين عن بعض أهل العلم أنه يكره أن يتحرى يوما من الأسبوع بصيام لهذا الحديث قوله يختص من باب الافتعال وفي رواية جرير عن منصور في الرقاق يخص بغير تاء مثناة من فوق قوله ديمة بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف أي دائما لا ينقطع ومن ذلك قيل للمطر الذي يدوم ولا ينقطع أياما الديمة
56 -
( باب صوم يوم عرفة )
أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم عرفة ولما لم تثبت عنده الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه أبهم ولم يبين الحكم
8891 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( مالك ) قال حدثني ( عمير ) مولى أم ( الفضل ) أن أم ( الفضل حدثته ) ح وحدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي النضر ) مولى ( عمر بن عبيد الله ) عن ( عمير ) مولى ( عبد الله بن العباس ) عن أم ( الفضل بنت

(11/107)


الحارث ) أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي في الترجمة ويكون التقدير باب صوم يوم عرفة غير مستحب بل ذهب قوم إلى وجوب الفطر يوم عرفة على ما نذكره إن شاء الله تعالى
ذكر رجاله وهم سبعة لأنه روي من طريقين الأول مسدد الثاني يحيى القطان الثالث مالك بن أنس الرابع سالم هو أبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي الخامس عمير مصغر عمر تارة يقال له إنه مولى أم الفضل أم ابن عباس واسمها لبابة بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء موحدة أخرى وتارة يقال إنه مولى عبد الله بن عباس والظاهر أنه لأم الفضل حقيقة وينسب إلى أبيها لملازمته له وأخذه عنه مر في التيمم في الحضر السادس أم الفضل المذكورة بنت الحارث بن حزن الهلالية زوج العباس بن عبد المطلب وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي السابع عبد الله بن يوسف التنيسي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد كذلك وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضع وفيه قال مالك حدثني سالم ذكره في هذا الطريق باسمه وفي الثانية بكنيته وهو بكنيته أشهر وربما جاء باسمه وكنيته فيقال حدثنا سالم أبو النضر وفيه أنه ساق الطريق الأول مع نزولها لما فيه من التصريح بالتحديث في المواضع التي وقعت بالعنعنة في الطريق الثاني مع علوه وفيه أن عميرا ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرجه في الحج أيضا في موضعين وفي الأشربة في ثلاثة مواضع وحديث آخر تقدم في التيمم
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الحج عن القعنبي وعن علي بن عبد الله أيضا وفي الأشربة عن الحميدي وعن مالك بن إسماعيل وعن عمرو بن العباس وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمرو عن زهير بن حرب وعن هارون بن سعيد الأيلي وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي به وقد مضى هذا الحديث مختصرا في كتاب الحج في موضعين أحدهما باب صوم يوم عرفة والآخر باب الوقوف على الدابة بعرفة
ذكر معناه قوله إن ناسا تماروا أي اختلفوا وجادلوا ووقع عند الدارقطني في ( الموطآت ) من طريق أبي روح عن مالك اختلف ناس من أصحاب رسول الله قوله فأرسلت بلفظ المتكلم والغيبة وفي الحديث الذي يأتي عقيبه أن ميمونة بنت الحارث هي التي أرسلت فيحتمل التعدد ويحتمل أنهما أرسلتا معا فنسب ذلك إلى كل منهما لأنهما أختان كما ذكرنا وتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل لها بذلك بكشف الحال في ذلك ويحتمل العكس قوله وهو واقف على بعيره جملة إسمية وقعت حالا وزاد أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق يحيى بن سعيد عن مالك وهو يخطب الناس بعرفة وللبخاري في الأشربة من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن أبي النضر وهو واقف عشية عرفة ولأحمد والنسائي من طريق عبد الله بن عباس عن أمه أم الفضل أن رسول الله أفطر بعرفة قوله فشربه زاد في حديث ميمونة والناس ينظرون
وفي هذا الحديث استحباب الفطر للواقف بعرفة والوقوف راكبا وجواز الشرب قائما وإباحة الهدية لرسول الله وقبول هدية المرأة المتزوجة الموثوق بدينها وجواز تصرف المرأة في مالها خرج من الثلث أم لا لأنه لم يسأل هل هو من مالها أو مال زوجها وقد بسطنا الكلام فيه في باب صوم يوم عرفة في كتاب الحج

(11/108)


9891 - حدثنا ( يحيى بن سليمان ) قال حدثنا ( ابن وهب ) أو ( قريء عليه ) قال أخبرني ( عمرو ) عن ( بكير ) عن ( كريب ) عن ( ميمونة ) رضي الله تعالى عنها أن الناس شكوا في صيام النبي يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في وجه مطابقة الحديث الذي قبله
ذكر رجاله وهم ستة الأول يحيى ابن سليمان بن يحيى أبو سعيد الجعفي قدم مصر وحدث بها وتوفي بها سنة ثمان ويقال سبع وثلاثين ومائتين الثاني عبد الله ابن وهب الثالث عمرو بن الحارث الرابع بكير بن عبد الله بن الإشج الخامس كريب بن أبي مسلم القرشي مولى عبد الله بن عباس السادس ميمونة بنت الحارث زوج النبي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه اثنان من الرواة مصغران بكير وكريب وفيه أن شيخه من أفراده وهو كوفي الأصل وابن وهب وعمرو مصريان والبقية مدنيون وفيه قوله أو قرىء عليه شك من يحيى في أن الشيخ قرأ أو قرىء على الشيخ
والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن هارون بن سعيد الأيلي رحمه الله تعالى
ذكر معناه قوله شكوا بتشديد الكاف في صيام النبي منهم من قال إنه صائم بناء على عادتهم في الحضر ومنهم من قال إنه غير صائم لكونه مسافرا وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلا عن النفل قوله بحلاب بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام وهو الإناء الذي يحلب فيه اللبن وقيل الحلاب اللبن المحلوب وقد يطلق على الإناء ولو لم يكن فيه لبن
ذكر ما يستفاد منه استدل بهذين الحديثين على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة وفيه نظر لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ نعم يتم الاستدلال بما رواه أبو داود والنسائي من طريق عكرمة أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وصححه ابن خزيمة والحاكم وأخذ بظاهره بعض السلف فنقل عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال يجب فطر يوم عرفة للحاج وقال الطبري إنما أفطر بعرفة ليدل على الاختيار للحجاج لكن بأن لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة وقيل إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم وقيل لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ويؤيد ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى وعيدنا أهل الإسلام
وفيه أن العيان أقطع للحجة وأنه فوق الخبر وفيه أن الأكل والشرب في المحافل مباح ولا كراهة فيه للضرورة وفيه تأسي الناس بأفعال النبي وفيه البحث والاجتهاد في حياته والمناظرة في العلم بين الرجال والنساء والتحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال وفيه فطنة ميمونة وأم الفضل أيضا لاستكشافهما عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللائقة بالحال لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة قيل لم ينقل أنه ناول فضله أحدا فلعله علم أنها خصته به فيؤخذ منه مسألة التمليك المقيد وفيه نظر وقد وقع في حديث ميمونة فشرب منه فهذا يدل على أنه لم يستوف شربه والله أعلم
66 -
( باب صوم يوم الفطر )
أي هذا باب في بيان صوم يوم الفطر ما حكمه لم يصرح بالحكم اكتفاء بما يذكر في الحديث على عادته قيل لعله أشار إلى الخلاف فيمن نذر صوم يوم فوافق يوم العيد هل ينعقد نذره أم لا قلت إذا قال لله علي صوم يوم النحر أفطر وقضى فهذا النذر صحيح عندنا مع إجماع الأمة على أن صومه وصوم الفطر منهيان قال مالك لو نذر صوم يوم فوافق يوم

(11/109)


فطر أو نحر يقضيه في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه وهو قول الأوزاعي والأصل عندنا أن النهي لا ينفي مشروعية الأصل وقال صاحب المحصول أكثر الفقهاء على أن النهي لا يفيد الفساد وقال الرازي لا يدل النهي على الفساد أصلا وأطال الكلام فيه وعلى هذا الأصل مشى أصحابنا فيما ذهبوا إليه ويؤيد هذا ما رواه البخاري من حديث زياد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال نذر رجل صوم الإثنين فوافق يوم عيد فقال ابن عمر أمر الله بوفاء النذر ونهى رسول الله عن صوم هذا اليوم فتوقف في الفتيا وسيجيء في الباب الذي بعده وقال ابن عبد الملك لو كان صومه ممنوعا منه لعينه ما توقف ابن عمر رضي الله تعالى عنه وقال الشافعي وزفر وأحمد لا يصح صوم يومي العيدين ولا النذر بصومهما وهو رواية أبي يوسف وابن المبارك عن أبي حنيفة وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إن نذر صوم يوم النحر لا يصح وإن نذر صوم غد وهو يوم النحر صح واحتج بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه الآتي هنا إن شاء الله تعالى
0991 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي عبيد ) مولى ( ابن أزهر ) قال ( شهدت العيد مع عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه فقال هذان يومان نهى رسول الله عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم ( الحديث 0991 - طرفه في 1755 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين إبهام الترجمة وهو أن صوم يوم الفطر لا يصح وأبو عبيد اسمه سعد مولى ابن عبد الرحمن بن الأزهر بن عوف وينسب أيضا إلى عبد الرحمن بن عوف لأنهما ابنا عم القرشي الزهري مات سنة ثمان وتسعين وقال ابن الأثير قد غلط من جعله ابن عم عبد الرحمن بن عوف بل هو عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأضاحي عن حبان عن ابن المبارك وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن يحيى بن يحيى عن مالك به وفي الأضاحي عن عبد الجبار بن العلي وعن حرملة بن يحيى وعن زهير بن حرب وعن حسن الحلواني وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود في الصوم عن قتيبة وزهير بن حرب وأخرجه الترمذي عن محمد بن عبد الملك وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم وفي الذبائح عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي وأخرجه ابن ماجه في الصوم عن سهل بن أبي سهل
ذكر معناه قوله مولى ابن أزهر وفي رواية الكشميهني مولى بني أزهر وكذا في رواية مسلم قوله شهدت العيد زاد يونس عن الزهري في روايته التي تأتي في الأضاحي يوم الأضحى قوله هذان يومان فيه التغليب وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا والغائب يشار إليه بذاك فلما أن جمعهما اللفظ قال هذان تغليبا للحاضر على الغائب قوله يوم فطركم مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدهما يوم فطركم وقال بعضهم أو على البدل من قوله يومانقلت هذا ليس بصحيح على ما لا يخفى قوله من صيامكم كلمة من بيانية وفي رواية يونس في الأضاحي أما أحدهما فيوم فطركم قوله من نسككم بضم السين وسكونها أي أضحيتكم وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة وهي في أحدهما وجوب الفطر وفي الآخر الأكل من الأضحية
قال أبو عبد الله قال ابن عيينة من قال مولى بن أزهر فقد أصاب ومن قال مولى عبد الرحمان فقد أصاب
هذا ليس بموجود في كثير من النسخ أبو عبد الله هو البخاري وابن عيينة هو سفيان بن عيينة وهذا حكاه عنه علي بن المديني في ( العلل ) وقد أخرجه ابن أبي شيبة في ( مسنده ) عن ابن عيينة عن الزهري فقال عن أبي عبيد مولى ابن أزهر وأخرجه الحميدي في ( مسنده ) عن ابن عيينة حدثني الزهري سمعت أبا عبيد فذكر الحديث ولم يصفه بشيء ورواه عبد الرزاق في ( مصنفه ) عن معمر عن الزهري فقال عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف وقال ابن التين وجه كون القولين صوابا ما روي أنهما اشتركا في ولائه وقيل يحمل أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز أما باعتبار كثرة ملازمته لأحدهما للخدمة أو للأخذ عنه أو لانتقاله من ملك أحدهما إلى الآخر وقد مر بعض الكلام فيه عن قريب

(11/110)


1991 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( عمرو بن يحيى ) عن أبيه عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال نهى النبي عن صوم يوم الفطر والنحر وعن الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد وعن صلاة بعد الصبح والعصر
هذا الحديث قد مر في أوائل كتاب الصلاة في باب ما يستر من العورة فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري وليس فيه صوم يوم الفطر والنحر ولا ذكر الصلاة بعد الصبح والعصر وذكر في باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس عن أبي سعيد حكم الصلاتين وذكر عن غيره أيضافي أبواب متفرقة هناك وقد بسطنا الكلام فيه هناك مستوفى ووهيب تصغير وهب بن خالد البصري وعمرو بن يحيى ابن عمارة الأنصاري مر في باب ما يستر عورته وأبوه يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني الأنصاري
76 -
( باب الصوم يوم النحر )
أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم النحر والكلام في إبهامه الحكم كالكلام في الذي قبله
قوله باب الصوم كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره باب صوم يوم النحر
3991 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( هشام ) عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عمرو بن دينار ) عن ( عطاء بن ميناء ) قال ( سمعته ) يحدث عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال ينهى عن صيامين وبيعتين الفطر والنحر والملامسة والمنابذة
مطابقته للترجمة في قوله والنحر فإن صومه أحد الصيامين المنهيين وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهشام بن يوسف الصنعاني وفي بعض النسخ هو مذكور بنسبته إلى أبيه وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء بن ميناء بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون المشهور أنه مقصور مولى أبي ذباب الحيوان المعروف المدني
والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق
قوله ينهى كذا هنا بضم أوله على البناء للمجهول وفي مسلم بلفظ نهى أو نهي عن بيعتين الملامسة والمنابذة ولم يذكر صوما قوله عن صيامين وفي رواية الإسماعيلي عن أبي هريرة أنه قال نهى يعني النبي عن صيام يومين وعن لبستين وعن بيعتين فأما صيام يومين فالفطر والأضحى وأما البيعتان فالملامسة ولم يذكر المنابذة وعند البيهقي نهى عن صيام يوم الأضحى ويوم الفطر وعند ابن ماجه أيام منى أيام أكل وشرب قوله الفطر والنحر فيه لف ونشر يرجع إلى صيامين وقوله الملامسة والمنابذة يرجع إلى البيعتين وقد روى عن أبي هريرة في باب ما يستر من العورة وقال نهى رسول الله عن بيعتين عن الملاس والنباذ الحديث وقد مر بيانه هناك
4991 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( معاذ ) قال أخبرنا ( ابن عون ) عن ( زياد بن جبير ) قال ( جاء رجل إلى ابن عمعر ) رضي الله تعالى عنهما فقال رجل نذر أن يصوم يوما قال أظنه قال الاثنين فوافق يوم عيد فقال ابن عمر أمر الله بوفاء النذر ونهى النبي عن صوم هذا اليوم
مطابقته للترجمة في قوله ونهى النبي عن صوم هذا اليوم وهو يوضح الإبهام الذي في الترجمة فإن قلت لم يفسر العيد في الأثر فكيف يكون التطابق قلت المسؤول عنه يوم النحر لأنه مصرح به في رواية يزيد بن زريع عن يونس عن زياد بن جبير قال كنت مع ابن عمر فسأله رجل فقال نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثا أو أربعا ما عشت فوافقت

(11/111)


هذا اليوم يوم النحر فقال أمر الله تعالى بوفاء النذر ونهينا أن نصوم يوم النحر فأعاد عليه فقال مثله لا يزيد عليه رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور في باب من نذر أن يصوم أياما فوافق يوم النحر على ما يجيء إن شاء الله تعالى وأخرجه مسلم عن زياد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال إني نذرت أن أصوم يوما فوافق يوم أضحى أو فطر الحديث وكذلك في رواية أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس وفي رواية وكيع فوافق يوم أضحى أو فطر
ذكر رجاله وهم أربعة الأول محمد بن المثنى وقد مر غير مرة الثاني معاذ بن معاذ العنبري الثالث ابن عون هو عبيد الله بن عون بن أرطبان البصري الرابع زياد بن جبير بضم الحيم وفتح الباء الموحدة ابن حية بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف الثقفي وقد مر في باب نحر الإبل المقيدة بالحج
ذكر معناه قوله جاء رجل لم يدر اسمه وفي رواية أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير رأيت رجلا جاء إلى ابن عمر فذكره وفي رواية له عن إسماعيل عن يونس بسنده سأل رجل ابن عمر وهو يمشي بمنى قوله قال أظنه أي قال الرجل الجائي أظنه قال يوم الإثنين فهذا يدل على أن القضية ليست للرجل الجائي لأنه قال فقال رجل نذرت ورواية مسلم التي ذكرناها الآن تدل على أن القضية للرجل الجائي حيث قال زياد بن جبير كنت مع ابن عمر فسأله رجل فقال نذرت أن أصوم الحديث وكذلك في رواية البخاري عن يزيد بن زريع وقد مضى الآن قوله فوافق ذلك أي وافق نذره بصوم يوم عيد قوله فقال ابن عمر إلى آخره حاصله أن ابن عمر توقف عن الجزم بجوابه لتعارض الأدلة عنده ويحتمل أنه عرض للسائل بأن الاحتياط لك القضاء فتجمع بين أمر الله وهو قوله فليوفوا نذورهم ( الحج 92 ) وبين أمر رسول الله وهو أمره بترك صوم يومي العيد وقال الخطابي قد تورع ابن عمر عن قطع الفتيا فيه انتهى وقيل إذا تلاقى الأمر والنهي في محل قدم النهي وقيل يحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن كلا من الدليلين يعمل به فيصوم يوما مكان يوم النذر ويترك صوم يوم العيد وقيل إن ابن عمر نبه على أن الوفاء بالنذر عام والمنع من صوم يوم العيد خاص فكأنه أفهمه أنه يقضي بالخاص على العام ورد عليه بأن النهي عن صوم يوم العيد فيه أيضا عموم للمخاطبين ولكل عيد فلا يكون من حمل الخاص على العام
5991 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عبد الملك بن عمير ) قال سمعت ( قزعة ) قال سمعت ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه وكان غزا مع النبي ثنتي عشرة غزوة قال سمعت أربعا من النبي فأعجبنني قال لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم ولا صوم في يومين الفطر والأضحى ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي هذا
مطابقته للترجمة في قوله ولا صوم في يومين الفطر والأضحى وهذا الحديث بعينه قد مضى في أواخر الصلاة في باب مسجد بيت المقدس فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبه عن عبد الملك عن قزعة مولى زياد قال سمعت أبا سعيد الخدري إلى آخره وقوله وكان غزا مع النبي ثنتي عشرة غزوة ليس هناك وبعد قوله فأعجبنني وآنقني هناك والباقي سواء وقد بسطنا الكلام فيه هناك مستقصى
وقزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة هو ابن يحيى وهذا الحديث مشتمل على أحكام والغرض من إيراده هنا حكم الصوم وقال بعضهم واستدل به على جواز صيام أيام التشريق للإقتصار فيه على ذكر يومي الفطر والنحر خاصة قلت لا يحتاج إلى هذا الاستدلال لأن الأصل جواز الصوم في الأيام كلها ولكن جاء النهي عن صوم يومي الفطر والأضحى وصوم أيام التشريق أيضا على ما يجيء بيانه مع الخلاف فيه

(11/112)


86 -
( باب صيام أيام التشريق )
أي هذا باب في بيان صوم أيام التشريق ولم يذكر الحكم لاختلاف العلماء فيه واكتفاء مما في الحديث وأيام التشريق يقال لها الأيام المعدودات وأيام منى وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة وسميت أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تنشر في الشمس وإضافتها إلى منى لأن الحاج فيها في منى وقيل لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس وقيل لأن صلاة العيد عند شروق الشمس أول يوم منها فصارت هذه الأيام تبعا ليوم النحر وهذا يعضد قول من يقول يوم النحر منها وقال أبو حنيفة التشريق التكبير دبر الصلاة واختلفوا في تعيين أيام التشريق والأصح أنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر وقال بعضهم بل أيام النحر وعند أبي حنيفة ومالك وأحمد لا يدخل فيها اليوم الثالث بعد يوم النحر
واختلفوا في صيام أيام التشريق على أقوال أحدها أنه لا يجوز صيامها مطلقا وليست قابلة للصوم ولا للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولا لغيره وبه قال علي بن أبي طالب والحسن وعطاء وهو قول الشافعي في الجديد وعليه العمل والفتوى عند أصحابه وهو قول الليث بن سعد وابن علية وأبي حنيفة وأصحابه قالوا إذا نذر صيامها وجب عليه قضاؤها والثاني أنه يجوز الصيام فيها مطلقا وبه قال أبو إسحاق المروزي من الشافعية وحكاه ابن عبد البر في ( التمهيد ) عن بعض أهل العلم وحكى ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة الجواز مطلقا والثالث أنه يجوز للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولم يصم الثلاث في أيام العشر وهو قول عائشة وعبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وهو قول الشافعي في القديم وقال المزني إنه رجع عنه والرابع جواز صيامها للمتمتع وعن النذر إن نذر صيامها إن قدر صيام أيام قبلها متصلة بها وهو قول لبعض أصحاب مالك والخامس التفرقة بين اليومين الأولين منها واليوم الأخير فلا يجوز صوم اليومين الأولين إلا للمتمتع المذكور ويجوز صوم اليوم الثالث له وللنذر وكذا في الكفارة إن صام قبله صياما متتابعا ثم مرض وصح فيه وهي رواية ابن القاسم عن مالك والسادس جواز صيام اليوم الآخر من أيام التشريق مطلقا حكاه ابن العربي عن علمائهم فقال قال علماؤنا صوم يوم الفطر ويوم النحر حرام وصوم اليوم الرابع لا نهي فيه والسابع أنه يجوز صيامها للمتمتع بشرطه وفي كفارة الظهار حكاه ابن العربي عن مالك قولا له والثامن جواز صيامها عن كفارة اليمين وقال ابن العربي توقف فيه مالك والتاسع أنه يجوز صيامها للنذر فقط ولا يجوز للمتمتع ولا غيره حكاه الخراسانيون عن أبي حنيفة وقال ابن العربي لا يساوي سماعه قلت لم يصح هذا عن أبي حنيفة ولا يساوي سماع هذا النقل
6991 - قال ( أبو عبد الله ) وقال لي ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي قال ( كانت عائشة ) رضي الله تعالى عنها تصوم أيام منى وكان أبوها يصومها
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي فيها وهو موقوف على عائشة رضي الله تعالى عنه وقال بعضهم كأنه لم يصرح فيه بالتحديث لكونه موقوفا على عائشة قلت إنما ترك التحديث لأنه أخذه عن محمد بن المثنى مذاكرة وهذا هو المعروف من عادته ويحيى هو ابن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة بن الزبير قوله أيام منى وفي رواية المستملي أيام التشريق بمنى قوله وكان أبوها أي أبو عائشة وهو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يصومها أي أيام التشريق هذا في رواية كريمة وفي رواية غيرها وكان أبوه أي أبو هشام وهو عروة كان يصوم أيام التشريق والقائل لهذا الكلام أعني وكان أبوه هو يحيى القطان وفي رواية كريمة القائل هو عروة
8991 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( عبد الله بن عيسى ) عن

(11/113)


( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) وعن ( سالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإطلاق الذي فيها وكان إطلاقها لأجل الاختلاف في صوم أيام التشريق فأوضح الخلاف الذي يتضمن هذا الإطلاق بأثر عائشة وبأثرها أيضا وأثر ابن عمر أن الجواز لمن لم يجد الهدي لا مطلقا فإن قلت أثر عائشة المذكورة أولا مطلق والثاني مقيد فما وجه ذلك قلت يجوز أن تكون عائشة عدت أيام التشريق من أيام الحج وخفي عليها ما كان من نهي النبي عن الصيام في هذه الأيام الذي يدل على أنها لا تدخل فيما أباح الله عز و جل صومه من ذلك فإن قلت كيف يخفي عليها هذا المقدار مع مكانتها في العلم وقربها من رسول الله قلت هذا منها احتهاد والمجتهد قد يخفى عليه ما لا يخفى على غيره
ذكر رجاله وهم تسعة الأول محمد بن بشار بالباء الموحدة وقد تكرر ذكره الثاني غندر هو محمد بن جعفر الثالث شعبة بن الحجاج الرابع عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ابن أخي محمد بن أبي ليلى الفقيه المشهور وكان عبد الله أسن من عمه محمد وكان يقال إنه أفضل من عمه الخامس محمد بن مسلم الزهري السادس عروة بن الزبير بن العوام السابع عائشة أم المؤمنين الثامن سالم بن عبد الله بن عمر التاسع أبوه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه السماع وفيه أن عبد الله بن عيسى ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من روايته عن جده عبد الرحمن عن كعب ابن عجرة وفيه شعبة سمعت عبد الله بن عيسى عن الزهري وفي رواية الدارقطني من طريق النضر بن شميل عن شعبة عن عبد الله بن عيسى سمعت الزهري وفيه وعن سالم هو من رواية الزهري عن سالم فهو موصول
ذكر معناه قوله قالاأي عائشة وعبد الله بن عمر قوله لم يرخص بضم الياء على صيغة المجهول كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة وقوله يصمن على صيغة المجهول للجمع المؤنث أي يصام فيهن فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير وقال بعضهم ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني والطحاوي رخص رسول الله للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق قلت هذا لفظ الدارقطني ولفظ الطحاوي ليس كذلك قال حدثنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم قال حدثنا يحيى بن سلام قال حدثنا شعبة عن ابن أبي ليلى عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال في المتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم في العشر أنه يصوم أيام التشريق وذكر الطحاوي هذا في معرض الاحتجاج لمالك والشافعي وأحمد فإنهم قالوا للمتمتع إذا لم يصم في أيام العشر لعدم الهدي يجوز له أن يصوم في أيام التشريق وكذا القارن والمحصر ثم احتج لأبي حنيفة وأصحابه بحديث علي رضي الله تعالى عنه قال خرج منادي رسول الله في أيام التشريق فقال إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وأخرجه بإسناد حسن وأخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي والطبراني والبيهقي بأطول منه وفيه إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وأخرج أيضا من حديث إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال أمرني رسول الله أن أنادي أيام منى إنها أيام أكل وشرب فلا صوم فيها يعني أيام التشريق وأخرجه أحمد في ( مسند ) وأخرجه أيضا من حديث عطاء عن عائشة قالت قال رسول الله أيام التشريق أيام أكل وشرب وأخرج أيضا من حديث سعيد بن أبي كثير أن جعفر بن المطلب أخبره أن عبد الله بن عمرو بن العاص دخل على عمرو بن العاص فدعاه إلى الغداء فقال إني صائم ثم الثانية فكذلك ثم الثالثة فكذلك فقالا لا إلا أن تكون سمعته من رسول الله قال فإني سمعته من رسول الله يعني النهي عن الصيام أيام التشريق
وأخرج أيضا من حديث سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة أن النبي أمره أن ينادي في أيام التشريق إنها أيام أكل وشرب وإسناده صحيح وأخرجه الطبراني وأخرج أيضا من حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله

(11/114)


عز و جل وأخرج أيضا من حديث أبي المليح الهذلي عن نبيشة الهذلي عن النبي مثله وأخرجه مسلم وأخرج أيضا من حديث عمرو بن دينار أن نافع بن جبير أخبره عن رجل من أصحاب النبي قال عمر وقد سماه نافع فنسيته أن النبي قال لرجل من بني غفار ويقال له بشر بن سحيم قم فأذن في الناس إنها أيام أكل وشرب في أيام منى وأخرجه النسائي وابن ماجه
وأخرجه أيضا من حديث يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال نهى النبي عن صوم أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر وأخرجه أبو يعلى في ( مسنده ) من حديث يزيد الرقاشي عن أنس أن رسول الله نهى عن صوم خمسة أيام من السنة يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق وهذه حجة قوية لأصحابنا في حرمة الصوم في الأيام الخمسة
وأخرج أيضا من حديث عبد الرحمن بن جبير عن معمر بن عبد الله العدوي قال بعثني رسول الله أؤذن في أيام التشريق بمنى لا يصومن أحد فإنها أيام أكل وشرب وأخرجه أبو القاسم البغوي في ( معجم الصحابة ) وأخرج أيضا من حديث سليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب يحدثان عن أم الفضل امرأة عباس بن عبد المطلب قالت كنا مع رسول الله بمنى أيام التشريق فسمعت مناديا يقول إن هذه الأيام أيام طعم وشرب وذكر لله قالت فأرسلت رسولا من الرجل ومن أمره فجاءني الرسول فحدثني أنه رجل يقال له حذافة يقول أمرني بها رسول الله
وأخرج أيضا عمر بن خلدة الزرقي عن أمه قالت بعث رسول الله علي بن أبي طالب في أوسط أيام التشريق فنادى في الناس لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال وأخرجه ابن أبي شيبة في ( مسنده ) وأخرج أيضا من حديث مسعود بن الحكم الزرقي قال حدثتني أمي قالت لكأني أنظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على بغلة النبي البيضاء حين قام إلى شعب الأنصار وهو يقول يا معشر المسلمين إنها ليست بأيام صوم إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز و جل وأخرجه النسائي أيضا وأخرج أيضا من حديث مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت سليمان بن يسار يزعم أنه سمع ابن الحكم الزرقي يقول حدثنا أبي أنهم كانوا مع رسول الله فسمعوا راكبا وهو يصرخ لا يصومن أحد فإنها أيام أكل وشرب وابن الحكم هو مسعود بن الحكم وأبوه الحكم الزرقي ذكره ابن الأثير في الصحاب وأخرج أيضا من حديث يحيى بن سعيد أنه سمع يوسف بن مسعود بن الحكم الزرقي يقول حدثتني جدتي فذكر نحوه وجدته حبيبة بنت شريق
وأخرج أيضا من حديث مسعود بن الحكم الأنصاري عن رجل من أصحاب النبي قال أمر النبي عبد الله بن حذافة أن يركب راحلته أيام منى فيصيح في الناس ألا لا يصومن أحد فإنها أيام أكل وشرب قال فلقد رأيته على راحلته ينادي بذلك وأخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف وفي آخره ألا إن هذه أيام عيد وأكل وشرب وذكر فلا يصومن إلا محصر أو متمتع لم يجد هديا ولم يصم في أيام الحج المتتابعة فليصمهن فهذا الطحاوي أخرج أحاديث النهي عن الصوم في أيام التشريق عن ستة عشر نفسا من الصحابة وهذا هو الإمام الجهبذ صاحب اليد الطولى في هذا الفن
وفي الباب حديث أم عمرو بن سليم عند أحمد وعقبة ابن عامر عند الترمذي وحمزة بن عمرو الأسلمي عند الطبراني وكعب بن مالك عند أحمد ومسلم وعبد الله بن عمر وعند النسائي وعمرو بن العاص عند أبي داود وبديل بن ورقاء عند الطبراني وزيد بن خالد عند أبي يعلى الموصلي ولفظه ألا إن هذه الأيام أيام أكل وشرب ونكاح وجابر عند ( ) ثم قال الطحاوي فلما ثبت بهذه الآثار عن رسول الله النهي عن صيام أيام التشريق وكان نهيه عن ذلك بمنى والحجاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون ولم يستثن منهم متمتعا ولا قارنا دخل المتمتعون والقارنون في ذلك ثم أجاب عن حديثهم وهو حديث عبد الله بن عمران في إسناده يحيى بن سلام أنه حديث منكر لا يثبته أهل العلم بالرواية لضعف يحيى بن سلام وابن أبي ليلى وفساد حفظهما والدارقطني أيضا ضعف يحيى بن سلام وابن أبي ليلى فيه مقال وكان يحيى بن سعيد يضعفه وعن أحمد كان سيء الحفظ مضطرب الحديث وعن أبي حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به فإن قلت ابن أبي ليلى هو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن

(11/115)


ابن أبي ليلى وهو ثقة عند الكل قلت ذكر الطحاوي ابن أبي ليلى بفساد حفظه وضعه يدل على أنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى إذ لو كان هو عبد الله بن عيسى لما ذكره هكذا على أنا نقول قد قال ابن المديني عبد الله بن عيسى بن أبي ليلى عندي منكر وكان يتشيع وأيضا فالحديث الذي فيه عبد الله بن عيسى ليس بمرفوع بخلاف الحديث الذي ذكره الطحاوي وقد اختلفوا في قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا هل له حكم الرفع على أقوال ثالثها إن أضافه إلى عهد النبي فله حكم الرفع وإلا فلا واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه ويلتحق به رخص لنا في كذا أو عزم علينا أن لا نفعل كذا فالكل في الحكم سواء وقد حصل الجواب عن أثر عائشة وابن عمر عند ذكره عن عبد الله بن عيسى
9991 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله بن عمر ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله صام أيام منى لأنه يوضح إطلاق الترجمة كما ذكرنا في الحديث السابق قوله الصيام أي الصيام الذي يفعل للمتمتع بالعمرة إلى الحج ينتهي إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا وفي رواية الحموي فمن لم يجد وكذا هو في ( الموطأ ) قوله صام أيام منى وهي أيام التشريق فهذا والذي قبله من الحديثين يدل على جواز الصوم للمتمتع الذي لا يجد الهدي في أيام التشريق وإليه مال البخاري وعن هذا قال بعضهم ويترجح الجواز قلت كيف يترجح الجواز مع رواية جماعة من الصحابة ما يناهز ثلاثين صحابيا النهي عن النبي عن الصوم في أيام التشريق ومع هذا فالبخاري ما روى في هذا الباب إلا ثلاثة من الآثار موقوفة
وعن ابن شهاب عن عروة عن عائشة مثله
أي وروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة مثله أي مثل ما روى ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر
تابعه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب
يعني تابع مالكا إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن في روايته عن ابن شهاب الزهري ووصله الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة في المتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم قبل عرفة فليصم أيام منى وعن سالم عن أبيه مثله ووصله الطحاوي من وجه آخر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وعن سالم عن أبيه أنهما كان يرخصان للمتمتع إذا لم يجد هديا ولم يكن صام قبل عرفة أن يصوم أيام التشريق وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر نحوه والله أعلم
96 -
( باب صيام يوم عاشوراء )
أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم عاشوراء والكلام فيه على أنواع
الأول في بيان اشتقاق عاشوراء ووزنه فاشتقاقه من العشر الذي هو اسم للعدد المعين وقال القرطبي عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم الفعل واليوم مضاف إليها فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليها الإسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة وقيل هو مأخوذ من العشر بالكسر في أوراد الإبل تقول العرب وردت الإبل عشرا إذا وردت اليوم التاسع وذلك لأنهم يحسبون في الإظماء يوم الورد فإذا قامت في الرعي يومين ثم وردت في الثالثة قالوا وردت ربعا وإن رعت ثلاثا وفي الرابع وردت خمسا لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي وأول اليوم الذي ترد فيه بعده وعلى هذا القول يكون التاسع عاشوراء وأما وزنه ففاعولاء

(11/116)


قال أبو منصور اللغوي عاشوراء ممدود ولم يجىء فاعولاء في كلام العرب إلا عاشوراء والضاروراء اسم الضراء والساروراء اسم للسراء والدالولاء اسم للدالة وخابوراء اسم موضع وقال الجوهري يوم عاشوراء وعاسوراء ممدودان وفي ( تثقيف اللسان ) للحميري عن أبي عمرو الشيباني عاشورا بالقصر وروي عن أبي عمر قال ذكر سيبويه فيه القصر والمد بالهمز وأهل الحديث تركوه على القصر وقال الخليل بنوه على فاعولاء ممدودا لأنها كلمة عبرانية وفي ( الجمهرة ) هو إسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية لأنه لا يعرف في كلامهم فاعولاء ورد على هذا بأن الشارع نطق به وكذلك أصحابه قالوا بأن عاشوراء كان يسمى في الجاهلية ولا يعرف إلا بهذا الإسم
النوع الثاني اختلفوا فيه في أي يوم فقال الخليل هو اليوم العاشر والاشتقاق يدل عليه وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فممن ذهب إليه من الصحابة عائشة ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن البصري ومن الأئمة مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحابهم وذهب ابن عباس إلى أن عاشوراء هو اليوم التاسع وفي ( المصنف ) عن الضحاك عاشوراء اليوم التاسع وفي ( الأحكام ) لابن بزيزة اختلف الصحابة فيه هل هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر أو اليوم الحادي عشر وفي ( تفسير أبي الليث السمرقندي ) عاشوراء يوم الحادي عشر وكذا ذكره المحب الطبري واستحب قوم صيام اليومين جميعا روي ذلك عن أبي رافع صاحب أبي هريرة وابن سيرين وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وروي عن ابن عباس أنه كان يصوم اليومين خوفا أن يفوته وكان يصومه في السفر وفعله ابن شهاب وصام أبو إسحاق عاشوراء ثلاثة أيام يوما قبله ويوما بعده في طريق مكة وقال إنما أصوم قبله وبعده كراهية أن يفوتني وكذا روي عن ابن عباس أيضا أنه قال صوموا قبله يوما وبعده يوما وخالفوا اليهود وفي ( المحيط ) وكره إفراد يوم عاشوراء بالصوم لأجل التشبه باليهود وفي ( البدائع ) وكره بعضهم إفراده بالصوم ولم يكرهه عامتهم لأنه من الأيام الفاضلة وقال الترمذي باب ما جاء في يوم عاشوراء أي يوم هو حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن حاجب بن عمر عن الحكم بن الأعرج قال انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء أي يوم أصومه فقال إذا رأيت هلال المحرم فأعدد ثم أصبح من اليوم التاسع صائما قلت أهكذا كان يصومه محمد قال نعم حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن عن ابن عباس قال أمر رسول الله بصوم يوم عاشوراء اليوم العاشر قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح قلت حديث ابن عباس الأول رواه مسلم وأبو داود والثاني انفرد به الترمذي وهو منقطع بين الحسن البصري وابن عباس فإنه لم يسمع منه وقول الترمذي حديث حسن لم يوضح مراده أي حديثي ابن عباس أراد وقد فهم أصحاب الأطراف أنه أراد تصحيح حديثه الأول فذكروا كلامه هذا عقيب حديثه الأول فتبين أن الحديث الثاني منقطع وشاذ أيضا لمخالفته للحديث الصحيح المتقدم فإن قلت هذا الحديث الصحيح يقتضي بظاهره أن عاشوراء هو التاسع قلت أراد ابن عباس من قوله فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما أي صم التاسع مع العاشر وأراد بقوله نعم ما روي من عزمه على صوم التاسع من قوله لأصومن التاسع وقال القاضي ولعل ذلك على طريق الجمع مع العاشر لئلا يتشبه باليهود كما ورد في رواية أخرى فصوموا التاسع والعاشر وذكر رزين هذه الرواية عن عطاء عنه وقيل معنى قول ابن عباس نعمأي نعم يصوم التاسع لو عاش إلى العام المقبل وقال أبو عمر وهذا دليل على أنه كان يصوم العاشر إلى أن مات ولم يزل يصومه حتى قدم المدينة وذلك محفوظ من حديث ابن عباس والآثار في هذا الباب عن ابن عباس مضطربة
النوع الثالث لم سمي اليوم العاشر عاشوراء اختلفوا فيه فقيل لأنه عاشر المحرم وهذا ظاهر وقيل لأن الله تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعشر كرامات الأول موسى عليه السلام فإنه نصر فيه وفلق البحر له وغرق فرعون وجنوده الثاني نوح عليه السلام استوت سفينته على الجودي فيه الثالث يونس عليه السلام

(11/117)


أنجي فيه من بطن الحوت الرابع فيه تاب الله على آدم عليه السلام قاله عكرمة الخامس يوسف عليه السلام فإنه أخرج من الجب فيه السادس عيسى عليه السلام فإنه ولد فيه وفيه رفع السابع داود عليه السلام فيه تاب الله عليه الثامن إبراهيم عليه السلام ولد فيه التاسع يعقوب عليه السلام فيه رد بصره العاشر نبينا محمد فيه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
هكذا ذكروا عشرة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قلت ذكر بعضهم من العشرة إدريس عليه السلام فإنه رفع إلى مكان في السماء وأيوب عليه السلام فيه كشف الله ضره وسليمان عليه السلام فيه أعطي الملك
النوع الرابع اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب واختلفوا في حكمه أول الإسلام فقال أبو حنيفة كان واجبا واختلف أصحاب الشافعي على وجهين أشهرهما أنه لم يزل سنة من حين شرع ولم يك واجبا قط في هذه الأمة ولكنه كان يتأكد الاستحباب فلما نزل صوم رمضان صار مستحبا دون ذلك الاستحباب والثاني كان واجبا كقول أبي حنيفة وقال عياض كان بعض السلف يقول كان فرضا وهو باق على فرضيته لم ينسخ قال وانقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض إنما هو مستحب
النوع الخامس في فضل صومه وروى الترمذي من حديث أبي قتادة أن النبي قال صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ورواه مسلم وابن ماجه أيضا وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن أبي هريرة يرفعه يوم عاشوراء تصومه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصوموه أنتم وفي ( كتاب الصيام ) للقاضي يوسف قال ابن عباس ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان أو يوم عاشوراء وروى الترمذي من حديث علي رضي الله تعالى عنه سأل رجل النبي أي شيء تأمرني أن أصوم بعد رمضان قال صم المحرم فإنه شهر الله وفيه يوم تاب فيه على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين وقال حسن غريب وعند النقاش في ( كتاب عاشوراء ) من صام عاشوراء فكأنما صام الدهر كله وقام ليله وفي لفظ من صامه يحتسب له بألف سنة من سني الآخرة
النوع السادس ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء وفي فضل الكحل يوم عاشوراء لا يصح ومن ذلك حديث جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رفعه من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا وهو حديث موضوع وضعفه قتلة الحسين رضي الله تعالى عنه وقال الإمام أحمد والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله فيه أثر وهو بدعة وفي ( التوضيح ) ومن أغرب ما روي فيه أن رسول الله قال في الصرد إنه أول طائر صام عاشوراء وهذا من قلة الفهم فإن الطائر لا يوصف بالصوم قال الحاكم وضعفه قتلة الحسين رضي الله تعالى عنه قلت إطلاق الصوم للطائر ليس بوجه الصوم الشرعي حتى ينسب قائله إلى قلة الفهم وإنما غرضه أن الطائر أيضا يمسك عن الأكل يوم عاشوراء تعظيما له وذلك بإلهام من الله تعالى فيدل ذلك على فضله بهذا الوجه
00 - 02 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( عمر بن محمد ) عن ( سالم ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال قال النبي يوم عاشوراء إن شاء صام ( انظر الحديث وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي فيها ثم أنه أورد فيه أحاديث وقدم منها ما هو دال على عدم وجوب صوم عاشوراء ثم ذكر ما يدل على الترغيب في صيامه
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أبو عاصم النبيل الضحاك ابن مخلد الثاني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر الثالث سالم بن عبد الله بن عمر الرابع عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفي رواية

(11/118)


مسلم عن أبي عاصم شيخ البخاري فصرح فيها بالتحديث في جميع إسناده وفيه رواية عمر عن عم أبيه سالم بن عبد الله ابن عمر وفيه أن شيخه بصري والبقية مدنيون
وأخرجه مسلم أيضا في الصوم عن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي عاصم شيخ البخاري
ذكر معناه قوله إن شاء صام كذا وقع في جميع النسخ من البخاري مختصرا وعند ابن خزيمة في ( صحيحه ) عن أبي موسى عن أبي عاصم بلفظ إن اليوم يوم عاشوراء فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره وعند الإسماعيلي قال يوم عاشوراء من شاء صامه ومن شاء أفطره وفي رواية مسلم ذكر عند رسول الله عاشوراء فقال كان يوم يصومه أهل الجاهلية فمن شاء صامه ومن شاء تركه وروى الطحاوي حدثنا يونس قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا عبد الله بن عمر والليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال من أحب منكم أن يصوم يوم عاشوراء فليصمه ومن لم يحب فليدعه وأخرجه الدارمي في ( سننه ) أخبرنا يعلى عن محمد بن إسحاق عن نافععن ابن عمر قال قال رسول الله هذا يوم عاشوراء كانت قريش تصومه في الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن أحب منكم أن يتركه فليتركه وكان ابن عمر لا يصوم إلا أن يوافق صيامه وهذا كله يدل على الاختيار في صومه
فإن قلت قد مضى في أول كتاب الصوم من حديث ابن عمر قال صام النبي عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان تركه وهذا يدل على أنه كان واجبا وقد روي في ذلك أحاديث كثيرة منها ما رواه الطحاوي من حديث حبيب بن هند بن أسماء عن أبيه قال بعثني رسول الله إلى قومي من أسلم فقال قل لهم فليصوموا يوم عاشوراء فمن وجدت منهم قد أكل في صدر يومه فليصم آخره وأخرجه أحمد أيضا في ( مسنده ) وهذا أيضا يدل على أن صوم عاشوراء كان واجبا ومنها ما رواه الطحاوي أيضا حدثنا علي بن شيبة قال حدثنا روح قال حدثنا شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي هو المنهال عن عمه قال غدونا على رسول الله صبيحة يوم عاشوراء وقد تغدينا فقال أصمتم هذا اليوم فقلنا قد تغدينا فقال أتموا بقية يومكم وقد استدل به من كان يقول إن صوم يوم عاشوراء كان فرضا لأنه أمرهم بإتمام بقية يومهم ذلك بعد أن تغدوا في أول يومهم فهذا لم يكن إلا في الواجب وأجيب عن هذا بوجوه الأول قاله البيهقي بأن هذا الحديث ضعيف لأن عبد الرحمن فيه مجهول ومختلف في اسم أبيه ولا يدري من عمه ورد عليه بأن النسائي أخرجه من حديث عبد الرحمن هذا عن عمه أن أسلم أتت النبي فقال أصمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوا وعبد الرحمن بن سلمة ويقال ابن مسلمة الخزاعي ويقال ابن منهال بن مسلمة الخزاعي ذكره ابن حبان في الثقات وروى له أبو داود والنسائي هذا الحديث الواحد وعمه صحابي لم يذكر اسمه وجهالة الصحابي لا تضر صحة الحديث الوجه الثاني ما قيل بأن هذا كان حكما خاصا بعاشوراء ورخصة ليست لسواه وزيادة في فضله وتأكيد صومه وذهب إلى ذلك ابن حبيب المالكي الوجه الثالث ما قاله الخطابي كان ذلك على معنى الاستحباب والإرشاد لأوقات الفضل لئلا يغفل عنه عند مصادفة وقته ورد هذا أيضا بأن الظاهر أن هذا كان لأجل فرضية صوم يوم عاشوراء ولهذا جاء في رواية أبي داود رضي الله تعالى عنه والنسائي رحمه الله تعالى فأتموا بقية يومكم واقضوه فهذا صريح في دلالته على الفرضية لأن القضاء لا يكو