حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج43.وج44. عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني

 

 ج43.وج44.عمدة القاري شرح صحيح البخاري   لبدر الدين العيني

ج43.عمدة القاري شرح صحيح البخاري   لبدر الدين العيني

عن عهدة التفصي حتى يكون جازما بأنه قال كما قال رسول الله وأجيب بأنه يدعونه ثلاث مرات يقول تارة في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وأخرى في عاجلي وآجلي وثالثة في ديني وعاجلي وآجلي قوله فاقدره لي بضم الدال وكسرها أي اجعله مقدورا لي أو قدره لي وقيل معناه يسره لي قوله رضني أي اجعلني راضيا بذلك قوله ويسمي أي يعين حاجته مثل أن يقول إن كنت تعلم أن هذا الأمر من السفر أو التزوج أو نحو ذلك
94 -
( باب الدعاء عند الوضوء )
أي هذا باب في بيان الدعاء عند الوضوء وفي بعض النسخ باب الوضوء عند الدعاء والأول هو المناسب للحديث وإن كان للثاني أيضا وجه
3836 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد بن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) قال ( دعا ) النبي بماء فتوضأ به ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه فقال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فتوضأ به ثم رفع يديه فيكون دعاؤه عند الوضوء يعني عقيبه يدل عليه قوله ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر إلى آخره
وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر بن نأبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس الحديث مختصر من حديث طويل أخرجه في المغازي في باب غزوة أوطاس بهذا الإسناد بعينه وعبيد مصغر عبد وكنيته أبو عامر وهو عم أبي موسى الأشعري رمي في ركبته يوم أوطاس فمات به فلما أخبر رسول الله بذلك دعا له بالدعاء المذكور وتتمة الكلام قد مضت في غزوة أوطاس
25 -
( باب الدعاء إذا علا عقبة )
أي هذا باب في بيان الدعاء إذا علا أي صعد عقبة
4836 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أبي موسى ) رضي الله عنه قال ( كنا مع ) النبي في سفر فكنا إذا علونا كبرنا فقال النبي أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ولكن تدعون سميعا بصيرا ثم أتى علي وأنا أقول في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله فقال يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة أو قال ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله تدعون في موضعين وأيوب هو السختياني وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي وأبو موسى هو لأشعري ومضى عن قريب
والحديث مضى في الجهاد في باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري إلى آخره ومر أيضا في غزوة خيبر بأتم منه عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد عن عاصم عن أبي عثمان إلى آخره
قوله إربعوا بكسر الهمزة وفتح الباء الموحدة أي إرفقوا بأنفسكم يعني لا تبالغوا في الجهر قوله أصم يروى صما ولعله باعتبار مناسبة غائبا قوله سميعا بصيرا ومر في الجهاد أنه معكم إنه سميع قريب وفي غزوة خيبر إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم قوله ثم أتى علي بتشديد الياء أي ثم أتى النبي على قوله أو قال إلى آخره شك من الراوي وسيأتي في كتاب القدر

(23/12)


من رواية خالد الحذاء عن أبي عثمان قوله بلفظ ثم قال يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة إلى آخره قوله كنز أي كالكنز في كونه أمرا نفسيا مدخرا مكنونا عن أعين الناس وهي كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى ومعناه لا حيلة في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله وفي لفظة لا حول ولا قوة خمسة أوجه ذكرها النحاة قوله لا حول يجوز أن يكون منصوبا محلا على تقدير أعني وأن يكون مجرورا على أنه بدل من قوله هي كنز لأنها في محل الجر على أنها صفة لقوله على كلمة وأن يكون مرفوعا على تقدير هو لا حول ولا قوة إلا بالله
15 -
( باب الدعاء إذا هبط واديا )
أي هذا باب في بيان الدعاء إذا هبط واديا
فيه حديث جابر
أي في هذا الباب جاء حديث جابر وهذا إنما ثبت في رواية المستملي والكشميهني وحديث جابر هو الذي مضى في الجهاد في باب التسبيح إذا هبط واديا حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا
25 -
( باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع )
أي هذا باب في بيان الدعاء إذا أراد الشخص سفرا أو رجع عنه
فيه يحيى بن أبي إسحاق عن أنس رضي الله عنه
أي في هذا الباب جاء حديث من رواية يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي وحديثه سبق في الجهاد في باب ما يقول إذا رجع من الغزو وحدثنا أبو معمر أخبرنا عبد الوارث أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك قال كنا مع النبي مقفله من عسفان ورسول الله على راحلته وقد أردف صفية الحديث وفي أخره فلما أشرفنا على المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة
5836 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة ظاهرة فإن قلت الترجمة شيئان أحدهما الدعاء إذا أراد سفرا والآخر الدعاء إذا رجع من السفر فأين الحديث للأول وحديث يحيى بن أبي إسحاق أيضا صريح أنه للجزء الثاني
قلت الحديث المذكور له طريق آخر عند مسلم من رواية علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر في أوله كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا قال سبحان الذي سخر لنا هذا الحديث إلى أن قال وإذا رجع قالهن وزاد آيبون تائبون الحديث
إسماعيل هو ابن أبي أوبس
قوله إذا قفل أي إذا رجع قوله من غزو أو حج أو عمرة ظاهره الاختصاص بهذه الثلاثة وليس كذلك عند الجمهور وإنما اقتصر البخاري على الثلاث لانحصار سفر النبي فيها بل يقول ذلك في كل سفر لكن قيده الشافعية بسفر الطاعة كصلة الرحم وطلب العلم ونحو ذلك وقيل يشرع في سفر المعصية أيضا لأن مرتكب المعصية أحوج إلى تحصيل الثواب قوله كل شرف بفتحتين المكان العالي قوله آيبون أي نحن آيبون أي راجعون جمع آيب من

(23/13)


آب إذا رجع قوله صدق الله وعده أي فيما وعده به من إظهار دينه قوله ونصر عبده أراد به نفسه قوله وهزم الأحزاب جمع حزب وهو الطائفة التي اجتمعت من القبائل وعزموا على القتال مع النبي وفرقهم الله تعالى وهزمهم بلا قتال وهو أعم من الأحزاب الذين اجتمعوا في غزوة الخندق وقيل قد نهى رسول الله عن السجع وهذا سجع وأجيب بأنه نهى عن سجع كسجع الكهان في كونه متكلفا أو متضمنا للباطل
55 -
( باب الدعاء للمتزوج )
أي هذا باب في بيان كيفية الدعاء المرجل الذي تزوج
6836 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال رأى النبي على عبد الرحمان بن عوف أثر صفرة فقال مهيم أومه قال تزوجت امرأة على نواة من ذهب فقال بارك الله لك أولم ولو بشاة
مطابقته للترجمة في قوله بارك الله لك وثابت بن أسلم البناني
والحديث مضى في النكاح في باب كيف يدعى للمتزوج فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله صفرة أي من الطيب الذي استعمله عند الزفاف قوله مهيم بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره ميم أي ما حالك وما شأنك قوله أومه أي أو قال مه وهو شك من الراوي و ما استفهامية قلبت ألفها هاء قوله على نواه وهي خمسة دراهم وزنا من الذهب وهي ثلاثة مثاقيل ونصف وفي ( التوضيح ) في الحديث رد على أبي حنيفة الذي لا يجوز الصداق عنده بأقل من عشرة دراهم
قلت سبحان الله ما هذا الفهم فإن وزن خمسة دراهم من الذهب أكثر من عشرة دراهم قوله أولم أمر بإيجاد الوليمة وقد مر بيانها في النكاح
65 -
( باب ما يقول إذا أتى أهله )

(23/14)


أي هذا باب في بيان ما يقوله الرجل إذا أراد أن يجامع امرأته
8836 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( سالم ) عن ( كريب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال النبي لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا
طابقته للترجمة ظاهرة وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وسالم هو ابن أبي الجعد وكريب بن أبي مسلم مولى عبد الله بن عباس
والحديث مضى في النكاح في باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله فإنه أخرجه هناك عن سعد بن حفص عن سفيان عن منصور عن سالم إلى آخره ومضى الكلام فيه مستوفى
قوله أن يأتي أهله أي زوجته وعبر عن الجماع بالإتيان قوله لم يضره شيطان أي لم يسلط عليه بحيث يتمكن من أضراره في دينه أو بدنه وليس المراد دفع الوسوسة من أصلها
75 -
( باب قول النبي ربنرا آتنا في الدنيا حسنة ( البقرة102 )
أي هذا باب في قول النبي ( 2 ) ربنا آتنا في الدنيا حسنة ( البقرة102 ) قال الحسن الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة وقال قتادة الحسنة في الدنيا العافية وقال السدي في الدنيا المال وفي الآخرة الجنة وعن محمد بن كعب القرظي الزوجة الصالحة من الحسنات قوله تعالى ( 2 ) وقنا عذاب النار ( البقرة102 ) أي اصرفه عنا
9836 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) قال كان أكثر دعاء النبي اللهم ( 2 ) ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ( البقرة102 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الوارث هو ابن سعيد البصري وعبد العزيز هو ابن صهيب البصري
والحديث مضى في التفسير عن أبي معمر وأخرجه أبو داود في الصلاة عن مسدد نحوه
وقال عياض إنما كان يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة قال والحسنة عندهم ههنا النعمة فسأل نعيم الدنيا والآخرة والوقاية من العذاب
85 -
( باب التعوذ من فتنة الدنيا )
أي هذا باب في بيان التعوذ من فتنة الدنيا وقد ذكرنا فيما مضى أن المراد من فتنة الدنيا الدجال وقيل المال
0936 - حدثنا ( فروة بن أبي المغراء ) حدثنا ( عبيدة ) هو ( ابن حميد ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( مصعب بن سعد بن أبي وقاص ) عن أبيه رضي الله عنه قال كان النبي يعلمنا هاؤلاء الكلمات كما تعلم الكتابة اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن نرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر
مطابقته للترجمة في قوله وأعوذ بك من فتنة الدنيا
والحديث مضى في باب التعوذ من البخل فإن أخرجه هناك عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن عبد الملك إلى آخره ومضى أيضا في باب الاستعاذة من أرذل العمر ومن فتنة الدنيا عن إسحاق بن إبراهيم عن الحسين عن الزائدة عن عبد الملك وأخرجه هنا عن فروة بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو وابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء وبالمد أبو القاسم الكندي الكوفي عن عبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة

(23/15)


ابن حميد الضبي النحوي ومضى شرحه هناك
95 -
( باب تكرير الدعاء )
أي هذا باب في بيان تكرير الدعاء وهو أن يدعو بدعاء مرة بعد أخرى لأن في تكريره إظهارا لموضع الفقر والحاجة إلى الله عز و جل والتذلل والخضوع له وقد روى أبو داود والنسائي من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه )
1936 - حدثنا ( إبراهيم بن منذر ) حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن رسول الله طب حتى إنه ليخيل إليه أنه قد صنع الشيء وما صنعه وأنه دعا ربه ثم قال أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه فقالت عائشة فما ذاك يا رسول الله قال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في ذروان وذروان بئر في بني زريق قالت فأتاها رسول الله ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قالت فأتى رسول الله فأخبرها عن البئر فقلت يا رسول الله فهلا أخرجته قال أما أنا فقد شفاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرا
زاد عيسى بن يونس والليث بن سعد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي فدعا ودعا وساق الحديث
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فدعا ودعا وهذه الزيادة هي المطابقة للترجمة لأن الحديث ليس فيه ما يدل على الدعاء فضلا عن تكريره
والحديث من أفراده
قوله طب على صيغة المجهول أي سحر ومطبوب أي مسحور قوله حتى إنه ليخيل إليه على صيغة المجهول واللام فيه مفتوحة للتأكيد وقال الخطابي إنما كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله في أمر النساء خصوصا وإتيان أهله إذ كان قد أخذ عنهن بالسحر دون ما سواه فلا ضرر فيما لحقه من السحر على نبوته وليس تأثير السحر في أبدان الأنبياء بأكثر من القتل والسم ولم يكن ذلك دافعا لفضيلتهم وإنما هو ابتلاء من الله تعالى وأما ما يتعلق بالنبوة فقد عصمه الله من أن يلحقه الفساد قوله وأنه أي وأن رسول الله دعا ربه قوله أشعرت الخطاب لعائشة أي أعلمت قوله رجلان أحدهما جبريل والآخر ميكائيل أتياه في صورة الرجال قوله قال من طبه أي من سحره قوله لبيد بن الأعصم قيل كان يهوديا وقيل كان منافقا وقال ابن التين يحتمل أن يكون يهوديا ثم أسلم وتستر بالنفاق قوله في مشط بضم الميم وهو الذي تسرح به اللحية قوله ومشاطة بضم الميم وتخفيف الشين هو ما يخرج من الشعر بالمشط قوله وجف طلعة بضم الجيم وتشديد الفاء وهو وعاء طلع النخلة يطلق على الذكر والأنثى قال الكرماني ولهذا قيده بقوله ذكر قوله ذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء وبالواو والنون وهو بئر في المدينة في بني زريق بضم الزاي وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف قوله نقاعة الحناء بضم النون وتخفيف القاف وهو الماء الذي ينقع فيه والحناء ممدود قوله رؤوس الشياطين قال صاحب ( التوضيح ) أي الحيات وشبه النخل برؤوس الشياطين في كونها وحشية المنظر وهو تمثيل في استقباح الصورة قوله شرا مثل تعلم المنافقين السحر من ذلك فيؤذون المسلمين به
قوله زاد عيسى بن يونس أي زاد على الحديث المذكور عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ومضت زيادة عيسى موصولة في الطب قوله والليث

(23/16)


أي وزاد الليث بن سعد أيضا مثله وتقدم الكلام فيه في صفة إبليس من كتاب بدء الخلق وروايتهما هذه الزياة عن هشام عن أبيه عروة عن عائشة وساق الحديث وفيه فدعا ودعا مكررا ولم يذكر هذه الزيادة في رواية أبي زيد المروزي
06 -
( باب الدعاء على المشركين )
أي هذا باب في بيان الدعاء على المشركين ذكره هنا مطلقا وذكر في كتاب الجهاد باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
وقال ابن مسعود قال النبي اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف وقال اللهم عليك بأبي جهل
مطابقة هذا التعليق للترجمة ظاهرة ومضى هذا التعليق موصولا في كتاب الاستسقاء وتقدم شرحه أيضا قوله وقال اللهم عليك بأبي جهل أي بهلاكه وسقط هذا التعليق من رواية أبي زيد وهو طرف من حديث ابن مسعود أيضا في قصة سلاء الجزور التي ألقاها أشقى القوم على النبي وقد مرت موصولة في آخر كتاب الطهارة
وقال ابن عمر دعا النبي في الصلاة اللهم العن فلانا وفلانا حتى أنزل الله عز و جل ليس لك من الأمر شيء ( آل عمران821 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا التعليق تقدم موصولا في غزوة أحد وفي تفسير سورة آل عمران وقال صاحب ( التوضيح ) فيه حجة على أبي حنيفة في قوله لا يدعى في الصلاة إلا بما في القرآن وإن دعا بغيره بطلت
قلت لا حجة عليه في ذلك لأن ذلك في صلاة التطوع على أن هذه الآية ناسخة للعنة المنافقين في الصلاة والدعاء عليهم وأنه عوض عن ذلك القنوت في صلاة الصبح روى ذلك عن ابن وهب وغيره
83 - ( حدثنا ابن سلام أخبرنا وكيع عن ابن أبي خالد قال سمعت ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال دعا رسول الله على الأحزاب فقال اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم )
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن سلام هو محمد بتخفيف اللام على الأصح وابن أبي خالد هو إسماعيل واسم أبي خالد سعد ويقال هرمز ويقال كثير البجلي الأحمسي الكوفي وابن أبي أوفى هو عبد الله واسم أبي أوفى علقمة وكلاهما صحابيان والحديث مضى في الجهاد عن أحمد بن محمد وأخرجه بقية الجماعة ما خلا أبا داود وكان النبي يدعو على المشركين على حسب ذنوبهم وإجرامهم وكان يبالغ في الدعاء على من اشتد أذاه على المسلمين ألا ترى أنه لما أيس من قومه قال اللهم اشدد وطأتك على مضر الحديث ودعا على أبي جهل بالهلاك ودعا على الأحزاب الذين اجتمعوا يوم الخندق بالهزيمة والزلزلة فأجاب الله دعاءه فيهم فإن قلت قد نهى عائشة عن اللعنة على اليهود وأمرها بالرفق والرد عليهم بمثل ما قالوا ولم يبح لها الزيادة قلت يمكن أن يكون ذلك على وجه التألف لهم والطمع في إسلامهم -
3936 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) أن النبي كان إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت

(23/17)


اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف
مطابقته للترجمة في قوله اللهم اشد وطأتك إلى آخره ومعاذ بضم الميم وبالذال المعجمة ابن فضالة بفتح الفاء وتخفيف المعجمة وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى بن أبي كثير بالثاء المثلثة وأبو سلمة بن عبد الرحمن
والحديث مضى في تفسير سورة النساء فإنه أخرجه عن أبي نعيم عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة إلى آخره ومضى أيضا في الاستسقاء من رواية الأعرج عن أبي هريرة وعياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة وهؤلاء الثلاثة المذكورين فيه أسباط المغيرة المخزومي
قوله وطأتك الوطأة بفتح الواو وإسكان الطاء هو الدوس بالقدم ويراد منها الإهلاك لأن من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في هلاكه ومضر قبيلة غير منصرف وفيه المضاف محذوف أي اشدد وطأتك على كفار مضر
4936 - ح ( دثنا الحسن بن الربيع ) حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( عاصم ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال بعث النبي سرية يقال لهم القراء فأصيبوا فما رأيت النبي وجد على شيء ما وجد عليهم فقنت شهرا في صلاة الفجر ويقول إن عصية عصوا الله ورسوله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فقنت لأن قنوته كان يتضمن الدعاء عليهم والحسن بن الربيع بفتح الراء وكسر الباء الموحدة البجلى الكوفي وأبو الأحوص سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي الكوفي وعاصم هو ابن سليمان الأحول
والحديث مضى في الوتر عن مسدد وفي المغازي عن موسى بن إسماعيل وفي الجنائز عن عمرو بن علي وفي الجزية عن أبي النعمان محمد بن الفضل وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر وأبي كريب وغيرهما
قوله سرية هي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري أي النفيس قوله يقال لهم القراء سموا به لأنهم كانوا أكثر قراءة من غيرهم وكانوا من أوزاع الناس ينزلون الصفة يتعلمون القرآن وكانوا ردءا للمسلمين فبعث رسول الله سبعين منهم إلى أهل نجد لتدعوهم إلى الإسلام فلما نزلوا بئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء من عصية وغيرهم فقتلوهم قوله فأصيبوا على صيغة المجهول أي قتلوا قوله وجد أي حزن حزنا شديدا قوله إن عصية مصغر العصي وهي قبيلة وقد مر في الجهاد أنه قنت أربعين يوما ومفهوم العدد لا اعتبار له
5936 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان اليهود يسلمون على النبي يقولون السام عليك ففطنت عائشة إلى قولهم فقالت عليكم السام واللعنة فقال النبي مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقالت يا نبي الله أولم تسمع ما يقولون قال أولم تسمعي أرد ذلك عليهم فأقول وعليكم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فأقول وعليكم فإنه دعاء عليهم
وعبد الله بن محمد المعروف بالسندي وهشام بن يوسف الصنعاني ومعمر بفتح الميمين ابن راشد
والحديث مر في كتاب الأدب في باب الرفق في الأمر كله فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير إلى آخره
قوله السام هو الموت

(23/18)


قوله مهلا أي رفقا وانتصابه على المصدرية يقال مهلا للواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد قوله أو لم تسمعي ويروي أو لم تسمعين بالنون وجوز بعضهم إلغاء عمل الجوازم والنواصب وقالوا إن عملها أفصح
6936 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( الأنصاري ) حدثنا ( هشام بن حسان ) حدثنا ( محمد بن سيرين ) حدثنا ( عبيدة ) حدثنا ( علي بن أبي طالب ) رضي الله عنه قال كنا مع النبي يوم الخندق فقال ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس وهي صلاة العصر
مطابقته للترجمة ظاهرة والأنصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى القاضي وهو من شيوخ البخاري وأخرج عنه هنا بالواسطة وهشام بن حسان هذا وإن تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه لكنه أثبت الناس في الشيخ الذي حدث عنه حديث الباب وهو محمد بن سيرين وقال سعيد بن أبي عروبة ما كان أحد أحفظ عن ابن سيرين من هشام بن حسان وعبيدة بفتح العين وكسر الباء الموحدة السلماني بسكون اللام
والحديث مضى في غزوة الخندق فإنه أخرجه هناك عن إسحاق عن روح عن هشام إلى آخره
قوله كنا مع النبي يوم الخندق أي يوم غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب قوله ملأ الله قبورهم أي أمواتا وبيوتهم أي أحياء قوله كما شغلونا وجه التشبيه اشتغالهم بالنار مستوجب لاشتغالهم عن جميع المحبوبات فكأنه قال شغلهم الله عنها كما شغلونا عنها قوله وهي صلاة العصر قال الكرماني هو تفسير من الراوي إدراجا منه وقال بعضهم فيه نظر لأنه وقع في المغازي إلى أن غابت الشمس وهو مشعر بأنها العصر
قلت هنا أيضا قال حتى غابت الشمس وهذا لا يدل على أنها العصر وحده لأنه يجوز أن يكون الظهر معه لأن منهم من ذهب إلى أن الصلاة الوسطى هي الظهر واستدل هذا القائل أيضا بأن هذه اللفظة من نفس الحديث وليست بمدرجة بحديث حذيفة مرفوعا شغلونا عن صلاة العصر وليس استدلا له به صحيحا لأن فيه التصريح بالعصر في نفس الحديث وهنا ليس كذلك على ما لا يخفى
16 -
( باب الدعاء للمشركين )
أي هذا باب في بيان الدعاء للمشركين وقد تقدمت هذه الترجمة في كتاب الجهاد لكن قال باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم ثم أخرج حديث أبي هريرة الذي هو حديث الباب فوجه البابين أعني باب الدعاء على المشركين وباب الدعاء للمشركين باعتبارين ففي الأول مطلق الدعاء عليهم لأجل تماديهم على كفرهم وإيذائهم المسلمين وفي الثاني الدعاء بالهداية ليتألفوا بالإسلام فإن قلت جاء في حديث آخر اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
قلت معناه إهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة لأن ذنب الكفر لا يغفر أو يكون المعنى اغفر لهم إن أسلموا
7936 - حدثنا ( علي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قدم الطفيل بن عمرو على رسول الله فقال يا رسول الله إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليها فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال اللهم إهد دوسا وأت بهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث مضى في الجهاد في الباب الذي ذكرنا آنفا
قوله قدم الطفيل بضم الطاء وفتح الفاء ابن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن غنم بن دوس الدوسي من دوس أسلم الطفيل وصدق النبي بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه من أرض دوس فلم يزل مقيما بها حتى هاجر رسول الله ثم قدم على رسول الله وهو بخيبر بمن تبعه من قومه فلم يزل مقيما مع رسول الله صلى الله عليه

(23/19)


وسلم حتى قبض ثم كان مع المسلمين حتى قتل باليمامة شهيدا وقيل قتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله إن دوسا قد عصت وأبت أي امتنعت عن الإسلام ودوس قبيلة أبي هريرة قوله وائت بهم أي مسلمين أو كناية عن الإسلام وهذا من خلقه العظيم ورحمته على العالمين حيث دعا لهم وهم طلبوا الدعاء عليهم وحكى ابن بطال أن الدعاء للمشركين ناسخ الدعاء عليهم ودليله قوله تعالى ( 3 ) ليس لك من الأمر شيء ( آل عمران821 ) ثم قال والأكثر على أن لا نسخ وأن الدعاء على المشركين جائز
26 -
( باب قول النبي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت )
أي هذا باب في ذكر قوله اللهم أي يا الله اغفر لي ما قدمت وما أخرت قال النووي قال ذلك تواضعا وعد ذلك على نفسه ذنبا وقيل أراد ما كان عن سهو وقيل ما كان قبل النبوة وعلى كل حال هو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فدعا بهذا وغيره تواضعا ولأن الدعاء عبادة
قلت هذا إرشاد لأمته وتعليم لهم وهو معصوم عن الذنوب جميعها قبل النبوة وبعدها ويحتمل أن يكون المراد ما قدم الفاضل وأخر الأفضل
8936 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( عبد الملك بن صباح ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( ابن أبي موسى ) عن أبيه عن النبي أنه كان يدعو بهاذا الدعاء رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذالك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الملك بن صباح بفتح الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة البصري وماله في البخاري إلا هذا الموضع وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وابن أبي موسى قال الكرماني الطريق الذي بعده يشعر بأن المراد به أبو بردة بن أبي موسى يعني عامرا والرواية التي بعد الطريق أنه هو أبو بكر بن أبي موسى لكن قال الكلاباذي هو عمرو بن أبي موسى وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضا عن عبيد الله بن معاوية وعن محمد بن بشار به
قوله خطيئتي هي الذنب ويجوز فيه تسهيل الهمزة فيقال خطية بتشديد الياء قوله وجهلي الجهل ضد العلم قوله وإسرافي الإسراف هنا التجاوز عن الحد قوله خطاياي جمع خطيئة وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله وعمدي العمد ضد السهو والجهل ضد العلم والهزل ضد الجد وعطف العمد على الخطأ إما عطف الخاص على العام باعتبار أن الخطيئة أعم من التعمد أو من عطف أحد المتقابلين على الآخر بأن يحمل الخطيئة على ما وقع على سبيل الخطأ قوله أنت المقدم أي تقدم من تشاء من خلقك إلى رحمتك بتوفيقك وأنت المؤخر تؤخر من تشاء عن ذلك بخذلانك
وقال عبيد الله بن معاذ وحدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي بنحوه
هذا تعليق عن عبيد الله بتصغير عبد ابن معاذ بضم الميم العنبري التميمي البصري قال الكرماني ويروى عبد الله مكبرا وهو غير صحيح وعبيد الله هذا يروي عن أبيه معاذ عن شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري عن النبي بنحو الحديث المذكور وأخرجه مسلم بصريح التحديث حدثنا عبيد الله بن معاذ
9936 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( عبيد الله بن عبد المجيد ) حدثنا ( إسرائيل حدثا أبو إسحاق )

(23/20)


عن ( أبي بكر بن أبي موسى وأبي ) بردة أحسبه عن أبي موسى الأشعري عن النبي أنه كان يدعو اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذالك عندي ( انظر الحديث 8936 ) ح
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن المثنى ضد المفرد عن عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي البصري قال الكرماني ويروى عن عبد الحميد والأول هو الصحيح عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق عمرو عن أبي بكر وأبي بردة ابني أبي موسى عن أبي موسى الأشعري ولم يشك فيه
قوله وما أنت أعلم به مني أي من الذنوب قوله وخطئي هكذا بالإفراد في رواية الكشميهني وفي رواية غيره خطاياي بالجمع قوله وكل ذلك عندي أي أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها وقال الكرماني قال القرافي في ( كتاب القواعد ) قول القائل في دعائه اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين دعاء بالمحال لأن صاحب الكبيرة يدخل النار ودخول النار ينافي الغفران أقول فيه منع ومعارضة أما المنع فلا نسلم المنافاة إذا المنافي هو الدخول المخلد كما للكفار إذ الإخراج من النار بالشفاعة ونحوها أيضا غفران وأما المعارضة فهي بقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام ( 71 ) رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتيمؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ( نوح82 ) وقال بعضهم نقل الكرماني تبعا لمغلطاي عن القرافي إلى آخره
قلت قط لم يتبع الكرماني أحدا في نقله هذا عن القرافي وفيه ترك الأدب أيضا حيث يصرح بقوله مغلطاي ولو كان الشيخ علاء الدين مغلطاي تلميذه أو رفيقه في الاشتغال لم يكن من الأدب أن يذكره باسمه بدون التعظيم وقال في آخر كلامه لم يظهر لي مناسبة ذكر هذه المسألة في هذا الباب
قلت وجه المناسبة في ذلك أظهر من كل شيء وقد ظهر لغيره من أصحاب التحقيق ما لم يظهر له لقصور تأمله والله أعلم
36 -
( باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة )
أي هذا باب في بيان الساعة التي يرجى فيها إجابة الدعاء يوم الجمعة وقد ذكر في كتاب الجمعة باب الساعة التي في يوم الجمعة ولم يعين أية ساعة هي لا هنا ولا هناك وفي تعيينها أقوال كثيرة ذكرناها في كتاب الجمعة
00 - 4 - 6 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم ) أخبرنا ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال أبو القاسم في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل خيرا إلا أعطاه وقال بيده قلنا يقللها يزهدها
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن إبراهيم هو إسماعيل بن علية وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن زهير بن حرب وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن زرارة
قوله حدثنا ويروى أخبرنا قوله في الجمعة ساعة ويروى في يوم الجمعة ولفظ مسلم إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم إلى آخره نحوه قوله وهو قائم يصلي يسأل ثلاثة أحوال متداخلة أو مترادفة قوله يسأل خيرا ويروى يسأل الله خيرا وقيد بالخير ليخرج مثل الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم ونحو ذلك قوله قال بيده أي أشار بيده إلى أنها ساعة لطيفة خفيفة قليلة وفي رواية مسلم بعد ذكر حديث أبي هريرة المذكور قال وهي ساعة خفيفة قوله قلنا يقللها أي يقلل تلك الساعة قوله يزهدها يحتمل أن يكون تأكيدا لقوله قوله يقللها لأن التزهيد أيضا التقليل وإلى ذلك أشار الخطابي ووقع في رواية الأسماعيلي من رواية زهير بن حرب يقللها ويزهدها بواو العطف وهو أيضا للتأكيد ووقع في رواية أبي عوانة عن الزعفران عن إسماعيل بلفظ وقال بيده هكذا فقلنا بزهدها أو يقللها
46 -
( باب قول النبي يستجاب لنا في اليهود ولا يستجاب لهم فينا )
أي هذا باب في ذكر قول النبي يستجاب الدعاء الذي لنا في حق اليهود لأنا لا ندعوا إلا بالحق ولا يستجاب لليهود

(23/21)


في حقنا لأنهم يدعون علينا بالظلم
1046 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( عبد الوهاب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن اليهود أتوا النبي فقالوا السام عليك قال وعليكم فقالت عائشة السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم فقال رسول الله مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف أو الفحش قالت أولم تسمع ما قالوا قال أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني وابن أبي مليكة عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير
والحديث مضى عن قريب في باب الدعاء على المشركين
قوله قال وعليكم قيل الواو وتقتضى التشريك وأجيبأن معناه وعليكم الموت إذ كل من عليها فان ( الرحمن62 ) أو الواو للاستئناف أي عليكم ما تستحقونه من الذم قوله والعنف مثلثة العين وهو ضد الرفق قوله أو الفحش شك من الراوي قوله في بتشديد الياء
56 -
( باب التأمين )
أي هذا باب في بيان قول آمين عقيب الدعاء
2046 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال ( الزهري ) ( حدثناه ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال إذا أمن القاريء فأمنوا فإن الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
( انظر الحديث 087 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان بن عيينة
والحديث مضى في الصلاة في باب جهر الإمام بالتأمين وفي بابين أيضا بعده
قوله قال الزهري حدثناه بفتح الدال المشددة وفتح الثاء المثلثة واصله حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب قوله القارىء أعم من أن يكون إماما أو غيره في الصلاة وخارجها قوله فمن وافق الموافقة إما في الزمان وإما في الصفة من الخشوع ونحوه قوله من ذنبه أي ذنبه الخاص بحقوق الله عز و جل علم ذلك بالدلائل الخارجية وأما فقه الباب فقد تقدم في كتاب الصلاة
66 -
( باب فضل التهليل )
أي هذا باب في بيان فضل قول لا إله إلا الله
3046 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذالك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه ( انظر الحديث 3923 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث مضى في كتاب بدء الخلق في باب صفة إبليس وجنوده فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف

(23/22)


وهنا عن عبد الله بن مسلمة وكلاهما عن مالك ومضى الكلام فيه
قوله عدل بفتح العين المثل والنظير أي مثل إعتاق عشر رقاب وقال ابن التين قرأناه بفتح العين وقال الأخفش العدل بالكسر المثل وبالفتح أصله مصدر قولك عدلت لهذا عدلا حسنا تجعله اسما للمثل فتفرق بينه وبين عدل المتاع وقال الفراء الفتح ما عدل الشيء من غير جنسه والأكثر المثل وإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت وربما كسرها بعض العرب وكان منهم غلط قوله وكتب بالتذكير رواية الكشميهني أي كتب القول المذكور وفي رواية غيره كتبت بالتأنيث قوله حرزا بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وبالزاي الموضع الحصين والعوذة
95 - ( حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عمر بن أبي زائدة عن أبي إسحق عن عمرو بن ميمون قال من قال عشرا كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل قال عمر بن أبي زائدة وحدثنا عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع بن خثيم مثله فقلت للربيع ممن سمعته فقال من عمرو بن ميمون فأتيت عمرو بن ميمون فقلت ممن سمعته فقال من ابن أبي ليلى فأتيت ابن أبي ليلى فقلت ممن سمعته فقال من أبي أيوب الأنصاري يحدثه عن النبي وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحق حدثني عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب قوله عن النبي وقال موسى حدثنا وهيب عن داود عن عامر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب عن النبي وقال إسماعيل عن الشعبي عن الربيع قوله وقال آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن مسيرة سمعت هلال بن يساف عن الربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون عن ابن مسعود قوله وقال الأعمش وحصين عن هلال عن الربيع عن عبد الله قوله ورواه أبو محمد الحضرمي عن أبي أيوب عن النبي كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل )
عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي وعبد الملك بن عمرو بفتح العين أبو عامر العقدي بفتح العين المهملة وفتح القاف مشهور بكنيته أكثر من اسمه وعمر بضم العين ابن أبي زائدة على وزن فاعلة من الزيادة واسمه خالد وقيل ميسرة وهو أخو زكريا بن أبي زائدة الهمداني وزكريا أكثر حديثا منه وأشهر مات سنة تسع وأربعين ومائة وأبو اسحق عمرو بن عبد الله السبيعي التابعي الصغير وعمرو بن ميمون الأودي بالواو والدال المهملة التابعي الكبير المخضرم أدرك الجاهلية وهو الذي رجم القردة في حكايته المشهورة وكان بالشام ثم سكن بغداد وسمع معاذ بن جبل باليمن والشام عندهما وعمر بن الخطاب وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص عند البخاري وسمع ابن أبي ليلى وعائشة وابن مسعود عند مسلم مات في ولاية الحجاج قبل الجماجم قوله قال من قال عشرا أي من قال لا إله إلا الله وحده إلى آخره عشر مرات كان كمن أعتق رقبة واحدة من ولد إسماعيل عليه السلام ولا يخفى أن النسبة بين الحديثين محفوظة إذ نسبة المائة إلى العشرة كنسبة العشرة إلى الرقبة الواحدة وهكذا ذكره البخاري مختصرا مرسلا ورواه مسلم مطولا وقال حدثنا سليمان بن عبيد الله أبو أيوب الغيلاني حدثنا أبو عامر يعني العقدي حدثنا عمر بن أبي زائدة عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل فإن قلت ما وجه تخصيص الذكر من ولد إسماعيل عليه السلام قلت لأن عتق من كان من ولده له فضل على عتق غيره وذلك أن محمدا وإسماعيل

(23/23)


وإبراهيم صلوات الله عليهم وسلامه بعضهم من بعض قوله قال عمر بن أبي زائدة هكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر قال عمر غير منسوب قوله وحدثنا عبد الله بن أبي السفر بفتح السين المهملة وفتح الفاء وقيل بتسكينها وهو غير صحيح واسم أبي السفر سعيد بن محمد الثوري الهمداني الكوفي مات في خلافة مروان فإن قلت ما هذه الواو في قوله وحدثنا قلت هو واو العطف على قوله عن أبي اسحق تقديره قال عمر بن أبي زائدة حدثنا أبو اسحق وحدثنا عبد الله بن أبي السفر عن عامر بن شراحيل الشعبي عن الربيع بفتح الراء وكسر الباء الموحدة ابن خثيم بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف والميم ابن عائذ بن عبد الله الثوري الكوفي سمع عبد الله بن مسعود عند البخاري وعمرو بن ميمون عندهما مات في ولاية عبد الله بن زياد قوله مثله أي مثل ما رواه أبو اسحق عن عمرو بن ميمون وحاصل ذلك أن عمر بن أبي زائدة أسنده عن شيخين ( أحدهما ) عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون موقوفا ( والثاني ) عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب خالد الأنصاري الخزرجي مرفوعا وهو معنى قوله فقلت للربيع ممن سمعته إلى قوله يحدثه عن النبي أي يحدث أبو أيوب عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي قوله وقال إبراهيم بن يوسف هذا تعليق أفاد التصريح بتحديث عمرو لأبي اسحق وإبراهيم هذا يروي عن أبيه يوسف بن اسحق بن أبي اسحق عمرو السبيعي الكوفي وهو يروي عن جده أبي اسحق قال حدثني عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب الأنصاري قوله عن النبي قوله وقال موسى أي ابن إسماعيل المنقري التبوذكي أحد مشايخ البخاري إنما أتى بلفظ قال لأنه تحمل منه مذاكرة ونقلا أو هو تعليق وهو يروي عن وهيب مصغر وهب بن خالد عن داود بن أبي هند القشيري البصري واسم أبي هند دينار وداود يروي عن عامر الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب خالد الأنصاري عن النبي ووصل هذا التعليق أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب بن أبي خالد عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي ولفظه كان له من الأجر مثل من أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل عليه السلام قوله وقال إسماعيل أي ابن أبي خالد الأحمسي البجلي وقد مر ذكره عن قريب وهو يروي عن عامر الشعبي عن الربيع بن خثيم قوله أي قول الربيع وأشار به إلى أنه موقوف قوله وقال آدم أي ابن أبي إياس أحد مشايخ البخاري حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة الزراد أبو زيد العامري قال سمعت هلال بن يساف بفتح الياء آخر الحروف وكسرها وبالسين المهملة وبالفاء الأشجعي عن الربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قوله وهذا أيضا إما مذاكرة وإما تعليق ووقع عند الدارقطني أن البخاري قال فيه حدثنا آدم فعلى هذا يكون موصولا وأخرجه النسائي من رواية محمد بن جعفر عن شعبة بسنده المذكور وساق المتن ولفظه عن عبد الله هو ابن مسعود قال لأن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث وفيه أحب إلي من أربع رقاب قوله وقال الأعمش أي سليمان وحصين مصغر الحصن بالمهملتين والنون ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي كلاهما عن هلال بن يساف عن الربيع بن خثيم عن عبد الله بن مسعود وأما تعليق الأعمش فوصله النسائي من طريق وكيع عنه ولفظه عن عبد الله بن مسعود قال من قال أشهد أن لا إله إلا الله وقال فيه كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل عليه السلام وأما تعليق حصين فوصله محمد بن الفضل في كتاب الدعاء له حدثنا حصين بن عبد الرحمن فذكره ولفظه قال عبد الله من قال أول النهار لا إله إلا الله فذكره بلفظ كن كعدل أربع رقاب تحرر من ولد إسماعيل قوله ورواه أي وروى الحديث المذكور أبو محمد الحضرمي كذا في رواية أبي ذر والنسفي وفي رواية غيرهما وقال أبو محمد لا يعرف اسمه وكان يخدم أبا أيوب وقال الحافظ المزي أنه أفلح مولى أبي أيوب وقال الدارقطني لا يعرف أبو محمد إلا في هذا الحديث وليس له في الصحيح إلا هذا الموضع ووصله الإمام أحمد والطبراني من طريق سعيد بن إياس الجريري عن أبي الورد بفتح الواو وسكون الراء واسمه ثمامة بن حزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وبالنون القشيري

(23/24)


عن أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب الأنصاري قال لما قدم النبي المدينة نزل علي فقال يا أبا أيوب ألا أعلمك قلت بلى يا رسول الله قال ما من عبد يقول إذا أصبح لا إله إلا الله فذكره إلا كتب الله له بها عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات وإلا كن له عند الله عدل عشر رقاب يحررن وإلا كان في جنة من الشيطان حتى يمسي ولا قالها حين يمسي إلا كان كذلك قال قلت لأبي محمد أنت سمعتها من أبي أيوب قال والله لسمعتها من أبي أيوب رضي الله تعالى عنه
( قال أبو عبد الله والصحيح قول عمرو )
أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله قول عمر وكذا وقع في رواية أبي ذر وحده والصواب بضم العين قيل الظاهر أن الواو واو العطف ووقع عند أبي زيد المروزي في روايته الصحيح قول عبد الملك بن عمرو وقال الدارقطني الحديث حديث ابن أبي السفر عن الشعبي وهو الذي ضبط الإسناد -
76 -
( باب فضل التسبيح )
أي هذا باب في بيان فضل التسبيح وهو قول سبحان الله وهو أي لفظ سبحان الله اسم مصدر وهو التسبيح وقيل بل سبحان مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي وهو من الأسماء اللازمة للإضافة وقد يفرد وإذا أفرد منع الصرف للتعريف وزيادة الألف والنون كقوله
( أقول لما جاءني فخره
سبحان من علقمة الفاخر )
وجاء منونا كقوله
( سبحانه ثم سبحانا يعود له
وقبلنا سبح الجودي والجمد )
فقيل صرف ضرورة وقيل هو بمنزلة قبل وبعد إن نوى تعريفه بقي على حاله وإن نكر أعرب منصرفا وهذا البيت يساعد على كونه مصدرا لا اسم مصدر ولوروده منصرفا ولقائل القول الأول أن يجيب عنه بأن هذا نكرة لا معرفة وهو من الأسماء اللازمة النصب على المصدرية فلا ينصرف والناصب له فعل مقدر لا يجوز إظهاره وعن الكسائي إنه منادى تقديره يا سبحانك ومنعه جمهور النحويين وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والأول هو المشهور ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ويطلق ويراد به الصلاة النافلة وقال ابن الأثير وأصل التسبيح التنزيه من النقائص ثم استعمل في مواضع تقرب منه اتساعا يقال سبحته أسبحه تسبيحا وسبحانا ويقال أيضا للذكر والصلاة النافلة سبحة يقال قضيت سبحتي والسبحة من التسبيح كالسخرة من التسخير
5046 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر
هذا الإسناد بعينه مع بعض هذا المذكور فيه قد مضى في أول الباب السابق وهناك بعد قوله مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب إلى آخره وهنا حطت خطاياه الخ
ويقال إن البخاري أفرد هذا الحديث من ذلك الحديث وأخرجه الترمذي في الدعوات عن إسحاق بن موسى الأنصاري وغيره وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن قتيبة وغيره وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح عن نصر بن عبد الرحمن الوشابة
قوله سبحان الله منصوب على المصدرية بفعل محذوف تقديره سبحت سبحان الله قوله وبحمده أي أحمده والواو فيه للحال تقديره سبحت الله ملتبسا بحمدي له من أجل توفيقه لي للتسبيح قوله في يوم قال الطيبي يوم مطلق

(23/25)


لم يعلم في أي وقت من أوقاته فلا يقيد بشيء منها وقال صاحب ( المظهر ) ظاهر الإطلاق يشعر بأنه يحصل هذا الأجر المذكور لمن قال ذلك مائة مرة سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخر النهار لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار قوله حطت خطاياه أي من حقوق الله لأن حقوق الناس لا تنحط إلا باسترضاه الخصوم قوله مثل زبد البحر كناية عن المبالغة في الكثرة
6046 - حدثنا ( زهير بن حرب ) حدثنا ( ابن فضيل ) عن ( عمارة ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمان سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن فضيل هو محمد بن فضيل بتصغير فضل الضبي وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة اسمه هرم بن عمرو بن جرير الجبلي الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأيمان والنذور عن قتيبة وفي التوحيد آخر الكتاب عن أحمد بن أشكاب وأخرجه مسلم في الدعوات عن زهير بن حرب وغيره وأخرجه الترمذي فيه عن يوسف بن عيسى وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن علي بن منذر وغيره وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره
قوله كلمتان أي كلامان والكلمة تطلق على الكلام كما يقال كلمة الشهادة قوله خفيفتان قال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات ولا يشق عليه فذكر المشبه وأراد المشبه به قوله ثقيلتان في الميزان الثقل فيه على حقيقته لأن الأعمال تتجسم عند الميزان والميزان هو الذي يوزن به في القيامة أعمال العباد وفي كيفيته أقوال والأصح أنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين والله تعالى يجعل الأعمال كالأعيان موزونة أو يوزن صحف الأعمال قوله حبيبتان تثنية حبيبة بمعنى محبوبة يقال حبيب فلان إلى هذا الشيء أي جعله محبوبا والمراد هنا محبوبية قائلهما ومحبة اللهللعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم قيل لفظ الفعيل بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ولا سيما إذا كان موصوفه مذكرا فما وجه لحوق علامة التأنيث وأجيب بأن التسوية بينهما جائزة لا واجبة أو وجوبها في المفرد لا في المثنى وقيل إنما أنثها لمناسبة الخفيفة والثقيلة لأنهما بمعنى الفاعلة لا المفعولة وقيل هذه التاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية قوله إلى الرحمن وإنما خصص لفظ الرحمن من بين سائر الأسماء الحسنى لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل قلت يجوز أن يقال اختصاص ذلك لإقامة السجع أعني الفواصل وهي من محسنات الكلام على ما عرف في علم البديع وإنما نهى عن سجع الكهان لكونه متضمنا للباطل قوله سبحان الله قد ذكرنا أنه لازم النصب بإضمار الفعل وسبحان علم للتسبيح كعثمان علم للرجل والعلم على نوعين علم شخصي وعلم جنسي ثم أنه يكون تارة للعين وتارة للمعنى فهذا من العلم الجنسي الذي للمعنى قيل قالوا لفظ سبحان واجب الإضافة فكيف الجمع بين العلمية والإضافة وأجيب بأنه ينكر ثم يضاف كما قال الشاعر
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم
بأبيض ماض الشفرتين يمان
ووجه تكرير سبحان الله الإشعار بتنزيهه على الإطلاق ثم أن التسبيح ليس إلا ملتبسا بالحمد ليعلم ثبوت الكمال له نفيا وإثباتا جميعا والله سبحانه وتعالى أعلم
( باب فضل ذكر الله عز و جل )
أي هذا باب في بيان فضل ذكر الله تعالى والمراد بذكر الله هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب فيها والإكثار منها وقد يطلق ذكر الله ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه الله تعالى أو ندب إليه كقراءة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة

(23/26)


العلم والتنفل بالصلاة وقال الرازي رحمه الله المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي حتى يطلع على أحكامها وفي أسرار مخلوقات الله تعالى والذكر بالجوارح هو أن تصير مستغرقة في الطاعات
98 - ( حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال النبي مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت )
مطابقته للترجمة من حيث أن الذي يذكر الله تعالى كالحي بسبب فضيلة الذكر وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس والحديث أخرجه عن محمد بن العلاء أيضا بسنده المذكور بلفظ مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت وكذا وقع عند الإسماعيلي وابن حبان وأبي عوانة والبيت لا يوصف بالحياة والموت حقيقة والذي يوصف بهما هو الساكن فيكون هذا من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال ويحتمل أن يكون هذا تجوزا من الراوي قوله والذي لا يذكر الله وقع في رواية أبي ذر ربه أيضا وجه التشبيه بين الذاكر والحي الاعتداد به والنفع والنصرة ونحوها وبين تارك الذكر والميت التعطيل في الظاهر والبطلان في الباطن
99 - ( حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي قالوا يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول هل رأوني قال فيقولون لا والله ما رأوك قال فيقول وكيف لو رأوني قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأكثر لك تسبيحا قال فيقول فما يسألوني قالوا يسألونك الجنة قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال فيقول فكيف لو أنهم رأوها قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم )
مطابقته للترجمة ظاهرة وجرير هو ابن عبد الحميد والأعمش هو سليمان وأبو صالح ذكوان الزيات والحديث أخرجه مسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال إن لله ملائكة سيارة فضلا يبتغون أهل الذكر الحديث وقال عياض فضلا بسكون الضاد المعجمة قال وهو الصواب وقال في الأكمال فضلا بفتح الفاء وسكون الضاد وقال ابن الأثير أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق ويروى بسكون الضاد وبضمها وقيل السكون أكثر وأصوب وقال الطيبي فضلا بضم الفاء وسكون الضاد جمع فاضل كنزل جمع نازل قوله يلتمسون أي يطلبون وعند مسلم

(23/27)


يبتغون كما ذكرنا وهو بمعناه قوله أهل الذكر يتناول الصلاة وقراءة القرآن وتلاوة الحديث وتدريس العلوم ومناظرة العلماء ونحوها قوله فإذا وجدوا قوما يذكرون الله في رواية مسلم فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكره قوله تنادوا وفي رواية الإسماعيلي يتنادون قوله هلموا أي تعالوا وهذا ورد على اللغة التميمية حيث لا يقولون باستواء الواحد والجمع فيه وأهل الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجمع هلم بلفظ الإفراد قوله لي حاجتكم وفي رواية أبي معاوية إلى بغيتكم قوله فيحفونهم أي يطوقونهم بأجنحتهم ومنه وترى الملائكة حافين ومنه وحففناهما بنخل والباء للتعدية وقيل للاستعانة قوله إلى السماء الدنيا وفي رواية الكشميهني إلى سماء الدنيا قوله فيسألهم ربهم أي فيسأل الملائكة ربهم وهو أعلم أي والحال أنه أعلم منهم أي من الملائكة وفي رواية الكشميهني وهو أعلم بهم ووجه هذا السؤال الإظهار للملائكة أن في بني آدم المسبحين والمقدسين وأنه استدراك لما سبق منهم من قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها وفي رواية مسلم من أين جئتم فيقولن جئنا من عند عباد لك في الأرض وفي رواية الترمذي أي شيء تركتم عبادي يصنعون قال فيقول هكذا رواية أبي ذر فيقول بالفاء وفي رواية غيره يقول أي يقول الله قوله فما يسألون ويروى فما يسألونني قوله يسألونك الجنة وفي رواية مسلم يسألون جنتك قوله وهل رأوها أي الجنة وفي رواية مسلم وهل رأوا جنتي قوله فمم يتعوذون وفي رواية أبي معاوية فمن أي شيء يتعوذون قوله من النار وفي رواية مسلم من نارك قوله فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة وفي مسلم يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم وزاد قال فيقول وله قد غفرت قوله هم الجلساء جمع جليس وفي رواية مسلم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وفيه أن الصحبة لها تأثير عظيم وإن جلساء السعداء سعداء والتحريض على صحبة أهل الخير والصلاح
( رواه شعبة عن الأعمش ولم يرفعه )
يعني روى الحديث المذكور شعبة بن الحجاج عن سليمان الأعمش بسنده المذكور ولم يرفعه إلى رسول الله ووصله أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال بنحوه ولم يرفعه حاصله أنه موقوف -
76 -
( باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله )
أي هذا باب في بيان فضل لا حول ولا قوة إلا بالله معناه لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بالله وحكى عن أهل اللغة أن معنى لا حول ولا حيلة يقال ما للرجل حيلة ولا حول ولا احتيال ولا محتال ولا محالة وقوله تعالى ( 13 ) وهو شديد المحال ( الرعد31 ) يعني المكر والقوة والشدة
9046 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( سليمان التيمي ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أبي موسى الأشعري ) علا عليها رجل نادى فرفع صوته لا إلاه إلا الله والله أكبر قال ورسول الله على بغلته قال فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ثم قال يا أبا موسى أو يا عبد الله ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة قلت بلاى قال لا حول ولا قوة إلا بالله
طابقته للترجمة في آخر الحديث وعبد الله هو ابن المبارك وسليمان هو ابن طرخان التيمي البصري وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس
والحديث مضى عن قريب في

(23/28)


باب الدعاء إذا علا عقبة
قوله أخذ أي طفق يمشي قوله أو قال في تنية شك من الراوي والثنية هي العقبة وشك الراوي في اللفظ وهذا على مذهب من يحتاط ويريد نفل اللفظ بعينه قوله ورسول الله على بغلتهالواو فيه للحال قوله على كلمة من كنز الجنة قيل كيف كانت من الكنز وأجيب بأنها كالكنز في كونها ذخيرة نفيسة تتوقع الانتفاعات بها
86 -
( باب لله عز و جل مائة اسم غير واحد )
أي هذا باب يذكر فيه أن لله مائة اسم غير واحد وفي رواية أبي ذر غير واحدة بالتأنيث
0146 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( حفظناه من أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة رواية ) قال لله تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر طابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضا عن زهير بن حرب وغيره ولفظه عن أبي هريرة عن النبي قال لله تعالى تسعة وتسعون اسما من حفظها دخل الجنة والله وتر يحب الوتر وفي لفظ من أحصاها وفي لفظ مثل لفظ البخاري إلا أن في آخره من أحصاها دخل الجنة وأخرجه الترمذي فيه عن ابن أبي عمر به ولفظه إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الحديث وعدها كلها ثم قال وهذا حديث غريب
قوله رواية أي عن أبي هريرة من حيث الرواية عن النبي قوله تسعة مبتدأ وخبر مقدما قوله لله قوله مائة أي هذه مائة إلا واحدا وذكر هذه الجملة لدفع الالتباس بسبع وسبعين وللاحتياط فيه بالزيادة والنقصان وقال المهلب فذهب قوم إلى أن ظاهره يقتضي أن لا اسم لله غير ما ذكر إذ لو كان له غيرها لم يكن لتخصيص هذه المدة معنى وقال آخرون يجوز أن يكون له زيادة على ذلك إذ لا يجوز أن تتناهى أسماؤه لأن مدائحه وفواضله غير متناهية وقيل ليس فيه حصر لأسمائه إذ ليس معناه أنه ليس له اسم غيرها بل معناه أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة إذ المراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء فيها وقيل أسماء الله وإن كانت أكثر منها لكن معاني جميعها محصورة فيها فلذلك حصرها فيها قيل فيه دليل على أن أشهر أسمائه هو الله لإضافة الأسماء إليه وقيل هو الاسم الأعظم وعن أبي القاسم القشيري فيه دليل على أن الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره وقال غيره إذا كان الاسم غير المسمى لزم من قوله لله تسعة وتسعون اسما الحكم بتعدد الآلهة الجواب أن المراد من الاسم هنا اللفظ ولا خلاف في ورود الاسم بهذا المعنى وإنما النزاع في أنه هل يطلق ويراد به المسمى عينه ولا يلزم من تعدد الأسماء تعدد المسمى وجواب آخر أن كل واحد من الألفاظ المطلقة على الله سبحانه يدل على ذاته باعتبار صفة حقيقية أو غير حقيقية وذلك يستدعى التعدد في الاعتبارات والصفات دون الذات ولا استحالة في ذلك قوله إلا واحدا في رواية أبي ذر إلا واحدة أنثها ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة قوله لا يحفظها أحد المراد بالحفظ القراءة بظهر القلب فيكون كناية عن التكرار لأن الحفظ يستلزم التكرار وقيل معناه العمل بها والطاعة بمعنى كل اسم منها والإيمان بها ومعنى الرواية الأخرى من أحصاها عدها في الدعاء بها وقيل أحسن المراعاة لها والمحافظة على ما تقتضيه وصدق معانيها وقيل من أحصاها أي كرر مجموعها قوله دخل الجنة ذكره بلفظ الماضي تحقيقا له لأنه كائن لا محالة قوله وهو وترا أي الله وتر يعني واحد لا شريك له والوتر بكسر الواو وفتحها وقرىء بهما قوله يحب الوتر يعني يفضله في الأعمال وكثير من الطاعات ولهذا جعل الله الصلوات خمسا والطواف سبعا وندب التثليث في أكثر الأعمال وخلق السموات سبعا والأرضين سبعا وغير ذلك

(23/29)


17 -
( باب الموعظة ساعة بعد ساعة )
أي هذا باب في بيان أن الموعظة ينبغي أن تكون ساعة بعد ساعة لأن الاستمرار عليها يورث الملل وهو معنى قوله كان يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا والموعظة اسم من لوعظ وهو النصح والتذكير بالعواقب تقول وعظته وعظا وعظة فاتعظ أي قبل الموعظة فإن قلت ما وجه ذكر هذا الباب في الدعوات
قلت لأن المواعظ يخالطها غالبا التذكير بالله والذكر من جملة الدعاء كما سبق فيما مضى
1146 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( شقيق ) قال كنا ننتظر عبد الله إذ جاء يزيد بن معاوية فقلنا ألا تجلس قال لا ولاكن أدخل فأخرج إليكم صاحبكم وإلا جئت أنا فجلست فخرج عبد الله وهو آخذ بيده فقام علينا فقال أما إني أخبر بمكانكم ولاكنه يمنعني من الخروج إليكم أن رسول الله كان يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا
طابقته للترجمة تؤخذ من قوله كان يتخولنا إلى آخره وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة
والحديث مضى في كتاب العلم في باب كان النبي يتخولهم بالموعظة والعلم كيلا ينفروا ومضى أيضا في الباب الذي يليه
قوله كنا ننتظر عبد الله يعني ابن مسعود وفي رواية مسلم كنا جلوسا عند باب عبد الله ننتظره فمر بنا يزيد بن معاوية قوله إذ جاء كلمة إذ للمفاجأة ويزيد من الزيادة ابن معاوية النخعي الكوفي التابعي الثقة العابد قتل غازيا بفارس كان في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه وليس له في الصحيحين ذكر إلا في هذا الموضع قوله ألا تجلس كلمة ألا للعرض والتنبيه والخطاب ليزيد قوله أدخل بلفظ المتكلم من المضارع أي أدخل دار عبد الله قوله فأخرج بضم الهمزة من الإخراج قوله صاحبكم يعني ابن مسعود قوله وإلا أي وإن لم أخرجه جئت فجلست عندكم قوله وهو آخذ الواو فيه للحال قوله أما إني كلمة أما بالتخفيف وإني بكسر الهمزة قوله أخبر على صيغة المجهول قوله بمكانكم أي بكونكم هذا جواب ابن مسعود لهم في قولهم وددنا أنك لو ذكرتنا كل يوم وكان يذكرهم كل خميس قوله يتخولنا بالخاء المعجمة أي يتعهدنا وكان الأصمعي يقول يتخوننا بالنون بمعنى يتعهدنا قوله كراهية السآمة أي لأجل كراهة الملالة وكان ذلك رفقا من النبي لأصحابه فيجب أن يقتدى به لأن التكرار يسقط النشاط ويمل القلب وينفره
18 -
( كتاب الرقاق )
أي هذا كتاب في بيان الرقاق وهو جمع رقيق من الرقة قال ابن سيده الرقة الرحمة ورققت له أرق ورق وجهه استحى ويقال الرقة ضد الغلظة يقال رق يرق رقا فهو رقيق ورقاق وفي ( التوضيح ) كتاب الرقاق كذا في الأصول وقال صاحب ( التلويح ) عبر جماعة من العلماء في كتبهم الرقائق وكذا في نسخة معتمدة من رواية النسفي عن البخاري وهو جمع رقيقه والمعنى واحد وفي بعض النسخ ما جاء في الرقاق وسميت أحاديث الباب بذلك لأن في كل منها ما يحدث في القلب رقه
1 -
( باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة )
أي هذا باب في بيان ما جاء الخ كذا في رواية أبي ذر عن السرخسي وفي روايته عن المستملي والكشميهني سقط لفظ الصحة والفراغ وكذا في رواية النسفي وفي رواية كريمة عن الكشميهني ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة وفي ( شرح

(23/30)


ابن بطال ) باب لا عيش إلا عيش الآخرة كرواية أبي ذر عن المستملي وهذه الترجمة مذكورة في حديثين من أحاديث الباب على ما يجيء إن شاء الله تعالى
2146 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) أخبرنا ( عبد الله بن سعيد ) هو ( ابن أبي هند ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال النبي نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ
مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة والمكي كذا في رواية الأكثرين بالألف واللام وهو اسم بلفظ النسبة وهو من مشايخ البخاري الكبار وقد روى أحمد هذا الحديث عنه بعينه وعبد الله بن سعيد من صغار التابعين لأنه لقي بعض صغار الصحابة وهو أبو أمامة بن سهل وهو يروي عن أبيه سعيد بن أبي هند الفزاري مولى سمرة بن جندب وأوضح هذا يحيى القطان في روايته حيث قال عن عبد الله بن سعيد حدثني أبي أخرجه الإسماعيلي والضمير في قوله هو ابن أبي هند يرجع إلى سعيد لا لعبد الله وهو من تفسير البخاري
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن صالح بن عبد الله وسويد بن نصر وأخرجه النسائي في الرقاق عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن عباس بن عبد العظيم وقال الترمذي ورواه غير واحد عن عبد الله بن سعيد ورفعوه ووقفه بعضهم
قوله نعمتان تثنية نعمة وهي الحالة الحسنة وبناء النعمة التي يكون عليها الإنسان كالجلسة وقال الإمام فخر الدين النعمة عبارة عن المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير قوله مغبون إما مشتق من الغبن بسكون الباء وهو النقص في البيع وإما من الغبن بفتح الباء وهو النقص في الرأي فكأنه قال هذان الأمران إذا لم يستعملا فيما ينبغي فقد غبن صاحبهما فيهما أي باعهما ببخس لا تحمد عاقبته أو ليس له في ذلك رأي ألبتة فإن الإنسان إذ لم يعمل الطاعة في زمن صحته ففي زمن المرض بالطريق الأولى وعلى ذلك حكم الفراغ أيضا فيبقى بلا عمل خاسرا مغبونا هذا وقد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش وبالعكس فإذا اجتمعا في العبد وقصر في نيل الفضائل فذلك هو الغبن له كل الغبن وكيف لا والدنيا هي سوق الأرباح وتجارات الآخرة قوله كثير مرفوع بالابتداء وخبره هو قوله مغبون مقدما والجملة خبر قوله نعمتان قوله الصحة أي إحدى النعمتين الصحة في الأبدان قوله والفراغ أي الأخرى منهما الفراغ وهو عدم ما يشغله من الأمور الدنيوية
قال عباس العنبري حدثنا صفوان بن عيسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه قال سمعت ابن عباس عن النبي مثله
هذا تعليق أورده البخاري عن عباس بتشديد الباء الموحدة ابن عبد العظيم العنبري أحد مشايخ البخاري عن صفوان بن عيسى الزهري عن عبد الله بن سعيد المذكور في السند السابق عن أبيه عن ابن عباس عن النبي ورواه ابن ماجه عن عباس العنبري المذكور
4146 - حدثني ( أحمد بن المقدام ) حدثنا ( الفضيل بن سليمان ) حدثنا ( أبو حازم ) حدثنا ( سهل بن سعد الساعدي ) قال كنا مع رسول الله في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب

(23/31)


ويمر بنا فقال اللهم
لا عيش إلا عيش الآخره
فاغفر للأنصار والمهاجره
( انظر الحديث 7973 وطرفه )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة وأحمد بن المقدام بكسر الميم العجلي والفضيل بن سليمان النميري بضم النون وفتح الميم مصغر النمر وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي سلمة بن دينار
والحديث مضى في فضل الأنصار وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمد بن عبد الله بن بزيغ
قوله وهو يحفر أي رسول الله يحفر الخندق فإن قلت تقدم في فضل الأنصار خرج رسول الله وهم يحفرون
قلت الجمع بينهما بأن يقال كان منهم من يحفر مع النبي ومنهم من كان ينقل التراب
تابعه سهل بن سعد عن النبي مثله
قال صاحب ( التلويح ) هذا يحتاج إلى نظر وقال غيره هذا ليس بموجود في نسخ البخاري فينبغي إسقاطه
2 -
( باب مثل الدنيا في الآخرة )
أي هذا باب مترجم بقوله مثل الدنيا في الآخرة قوله مثل الدنيا كلام إضافي مبتدأ وقوله في الآخرة متعلق بمحذوف تقديره مثل الدنيا بالنسبة إلى الآخرة وكلمة في تأتى بمعنى إلى كافي قوله تعالى ( 14 ) فردوا أيديهم في أفواههم ( إبراهيم9 ) أي إلى أفواههم والخبر محذوف تقديره كمثل لا شيء ألا ترى أن قدر سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها على ما يجيء في حديث الباب وقال بعضهم هذه الترجمة بعض لفظ حديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق قيس بن أبي حازم عن المستورد بن شداد رفعه والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع
قلت لا وجه أصلا في الذي ذكره ولا خطر ببال البخاري هذا وإنما وضع هذه الترجمة ثم ذكر حديث سهل لأنه يطابقها في المعنى ولا يخفى ذلك إلا على القاصر في الفهم
وقوله تعالى اعلموا أنما الحيواة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الاموال والاولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الاخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحيواة الدنيآ إلا متاع الغرور ( الحديد02 ) ح
وقوله بالرفع عطف على قوله مثل الدنيا وهذا هكذا بالسوق إلى قوله متاع الغرور في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر إنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله متاع الغرور وأول الآية اعلموا أنما الحياة الدنيا والمراد بالحياة الدنيا هنا ما يختص بدار الدنيا من تصرف وأما ما كان فيها من الطاعة وما لا بدل منه مما يقيم الأود ويعين على الطاعة فليس مرادا هنا قوله وزينة وهي ما يتزين به مما هو خارج عن ذات الشيء مما يحسن به الشيء قوله وتفاخر هذا غالبا يكون بالنسب كعادة العرب قوله وتكاثر في الأموال والأولاد حيث يقولون نحن أكثر مالا وولدا من بني فلان فيتفاخرون بذلك قوله كمثل غيث أي زرع أعجب الكفار أي الزراع نباته وهم الذين يكفرون البذر أي يغطونه وقيل هم من كفر لأن الدنيا تعجبهم قوله ثم يهيج أي يجف ويبقى حطاما يتحطم وهذا مثل الدنيا وزوالها قوله عذاب شديد أي الأعداء الله تعالى قوله ومغفرة أي لأوليائه قوله وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور تأكيد لما سبق أي تغر من ركن إليها وأما التقى فهي له بلاغ إلى الآخرة
5146 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل ) قال سمعت النبي يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها

(23/32)


مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث من حيث إن قدر موضع سوط إذا كان خيرا من الدنيا وما فيها تكون الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كلا شيء كما ذكرناه
وعبد العزيز يروي عن أبيه أبي حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار عن سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري رضي الله عنه
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد عن يحيى بن يحيى
قوله ولغدوة اللام فيه للتأكيد قوله في سبيل الله أعم من الجهاد قوله أو روحة كلمة أو للتنويع لا لشك الراوي
3 -
( باب قول النبي كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )
أي هذا باب في بيان قول النبي كن في الدنيا إلى آخره وهذه ترجمة ببعض حديث الباب قيل أشار به إلى أن حديث الباب مرفوع وأن من رواه موقوفا قصر فيه
4 -
( باب في الأمل وطوله )
أي هذا باب في بيان الهاء الأمل عن العمل والأمل مذموم لجميع الناس إلا العلماء فلولا أملهم وطوله لما صنفوا ولما ألفوا وقد نبه عليه ابن الجوزي بقوله
( وآمال الرجال لهم فضوح
سوى أمل المصنف ذي العلوم )
والفرق بين الأمل والتمني أن الأمل ما يقوم بسبب والتمني بخلافه وقال بعض الحكماء إن الإنسان لا ينفك عن الأمل فإن فاته الأمل عول على التمني وقيل كثرة التمني تخلق العقل وتفسد الدين وتطرد القناعة وقال الشاعر

(23/33)


الله أصدق والآمال كاذبة
وجل هذا المنى في الصدر وسواس
وقول الله تعالى ( 3 ) فمن زحزح عن النار وادخل الجنةمتاع الغرور ( آل عمران581 ) إلى قوله ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ( الحجر3 )
هاتان الآيتان الأولى مسوقة بتمامها في رواية كريمة وفي رواية النسفي هكذا فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز الآية والثانية في رواية كريمة وغيرها مسوقة إلى آخرها وفي رواية أبي ذر هكذا ذرهم يأكلوا ويتمتعوا الآية وبين الآيتين سقط لفظ قوله في رواية النسفي وقال الكرماني وجه مناسبة الآية الأولى بالترجمة صدرها وهو قوله تعالى كل نفس ذائقة الموت أو عجزها وهو وما الحياة الدنيا الامتاع الغرور وهذا يبين أن متعلق الأمل ليس بشيء قوله فمن زحزح أي أبعد قوله فاز أي نجا قوله ذرهم الأمر فيه للتهديد أي ذر المشركين يا محمد يأكلوا في هذه الدنيا ويتمتعوا من لذاتها إلى أجلهم الذي أجل لهم وفيه زجر عن الانهماك في ملاذ الدنيا قوله ويلههم الأمل أي يشغلهم عن عمل الآخرة
وقال علي ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
أي قال علي بن أبي طالب وهكذا وقع في بعض النسخ ومطابقته للترجمة تؤخذ من أوله لأن الدنيا لما كانت مدبرة فالأمل فيها مذموم ومن كلام علي هذا أخذ بعض الحكماء قوله الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة فعجب لمن يقبل على المدبرة ويدبر عن المقبلة وقال صاحب ( التوضيح ) روينا في كتاب أبي الليث السمرقندي رحمه الله قال صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل قلت روى هذا الحديث عبد الله بن عمرو رفعه أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا وأثر علي رضي الله تعالى عنه أخرجه ابن المبارك في ( رقائقه ) ورواه نعيم بن حماد عن سليمان ابن خلاد حدثنا سفيان عن زبيد اليامي عن مهاجر الطبري عنه قوله فإن اليوم عمل قيل اليوم ليس عملا بل فيه العمل ولا يمكن تقدير في وإلا وجب نصب عمل وأجيب بأنه جعله نفس العمل مبالغة كقولهم أبو حنيفة فقه ونهاره صائم قوله ولا حساب بالفتح أي لا حساب فيه ويجوز بالرفع أي ليس في اليوم حساب ومثله شاذ عند النحاة وهذا حجة عليهم
7146 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) قال حدثني أبي عن ( منذر ) عن ( ربيع بن خثيم ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال خط النبي خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خططا صغارا إلى هاذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال هاذا الإنسان وهاذا أجله محيط به أو قد أحاط به وهاذا الذي هو خارج أمله وهاذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هاذا نهشه هاذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه مثال أمل الإنسان وأجله والأعراض التي تعرض عليه وموته عند واحد منها فإن سلم منها فيأتيه الموت عند انقضاء أجله
ويحيي هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري يروي عن أبيه سعيد بن مسروق وسعيد بن مسروق وسعيد يروي عن منذر على صيغة اسم الفاعل من الإنذار ابن يعلى على وزن يرضى بفتح الياء الثوري الكوفي يروي عن ربيع بفتح الراء وكسر الباء الموحدة ابن خثيم بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف وبالميم الثوري أيضا
وهؤلاء الأربعة ثوريون كوفيون وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن ابن بشار وأخرجه النسائي في الرقاق عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن

(23/34)


أبي بشر بكر بن خلف وأبي بكر بن خلاد خمستهم عن يحيى بن سعيد عن سفيان الثوري
قوله خط النبي الخط الرسم والشكل قوله مربعا هو المستوي الزوايا قوله منه أي من الخط المربع قوله وخط خططا بضم الخاء وكسرها جمع الخطة قوله وقال أي النبي قوله هذا الإنسان مبتدأ وخبر أي هذا الخط هو الإنسان هذا على سبيل التمثيل وهذه صفته
أجل
إنسان 111111
أمل
111111
- وقيل هكذا
أجل
إنسان 111111 111111
أمل
111111 111111 -
وقال الكرماني الخطوط ثلاثة لأن الصغار كلها في حكم واحد والمشار إليه أربعة فكيف ذلك
قلت الداخل له اعتباران إذ نصفه داخل ونصفه مثلا خارج فالمقدار الداخل منه هو الإنسان فرضا والخارج أمله قوله وهذه الخطط الصغار الأعراض أي الآفات العارضة له وفي رواية المستملي والسرخسي وهذه الخطوط وهي الشطبات على الخط الخارج من وسط المربع من فوقه ومن أسفله وهي الأعراض أي الآفات فإن أخطأه هذا أي فإن تجاوز عنه هذا العرض نهشه هذا أي العرض الآخر ونهشه بالنون والشين المعجمة ومعناه أصابه وقال ابن التين رويناه بالمعجمة والمهملة ومعناه أخذ الشيء بمقدم الأسنان والحية تنهس إذا عضت قوله وإن أخطأ هذا أي وإن أخطأ الإنسان هذا العرض نهشه هذا أي عرض آخر وهو الأجل يعني إن يمت بالموت الاخترامي لا بد أن يموت بالموت الطبيعي وحاصله أن ابن آدم يتعاطى الأمل ويختلجه الأجل دون الأمل
8146 - حدثنا ( مسلم ) حدثنا ( همام ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس ) قال خط النبي خطوطا فقال هاذا الأمل وهاذا أجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب
هذا وجه آخر في مثال الأمر والأجل أخرجه مسلم بن إبراهيم عن همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك يكنى أبا يحيى يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه
والحديث أخرجه النسائي في الرقاق عن عبيد الله بن سعيد عن مسلم بن إبراهيم
قوله خط النبي خطوطا وهذه صفتها
أجل
إنسان 111111
أمل
111111
- وهذه الخطوط
الآفات التي تعرض فبينما الإنسان كذلك في هذه الآفات التي تعرض فبينما الإنسان كذلك في هذه الآفات إذ جاءه الخط الأقرب وهو الأجل وقال الكرماني قال خطوطا في مجملة وذكر اثنين في مفصله
قلت فيه اختصار عن مطول والخطوط الأخر الآفات والخط الأقرب يعني الأجل إذ لا شك أن الخط المحيط هو أقرب من الخط الخارج منه
5 -
( باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله ( 35 ) أو لم نعمركمما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ( فاطر73 ) يعني الشيب )

(23/35)


أي هذا باب في بيان حال من بلغ ستين سنة من العمر قوله فقد أعذر الله إليه أي أزال الله عذره فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية ولا يكون له على الله عد ذلك حجة فالهمزة في أعذر للسلب وحاصل المعنى أقام الله عذره في تطويل عمره وتمكينه من الطاعة مدة مديدة واحتج في ذلك بقوله عز و جل أو لم نعمركم الآية قوله يعني الشيب لم يثبت إلا في رواية أبي ذر وحده قوله أو لم نعمركم قال الزمخشري هذا توبيخ من الله تعالى يعني فيقول لهم وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم انتهى واختلفوا في المراد بالتعمير في الآية على أقوال فعن مسروق أنه أربعون سنة وعن مجاهد عن ابن عباس ست وأربعون سنة وعن ابن عباس سبعون سنة وعن سهل بن سعد ستون سنة وعن أبي هريرة من عمر ستين سنة أو سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر قوله وجاءكم النذير اختلفوا فيه فقيل الرسول وعن زيد بن علي القرآن وعن عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع الشيب وهو الأصح
9146 - حدثنا ( عبد السلام بن مطهر ) حدثنا ( عمر بن علي ) عن ( معن بن محمد الغفاري ) عن ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال أعذر الله إلى أمرىء أخر أجله حتى بلغه ستين سنة
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد السلام بن مطهر بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الهاء المفتوحة ابن حسام أبو ظفر الأزدي البصري مات في رجب سنة أربع وعشرين ومائتين وهو من أفراده وعمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي أبو حفص البصري ومعن بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالنون ابن محمد الغفاري بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء نسبة إلى غفار بن مقبل قبيلة منهم أبو ذر الغفاري وسعيد بن أبي سعيد ذكوان المقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان يسكن عندها
والحديث من أفراده وهذا الإسناد بعينه بحديث آخر مضى في كتاب الإيمان
قوله أعذر الله من الإعذار وهو إزالة العذر قوله أخر أجله أي أطال الله حياته حتى بلغه ستين سنة قال الأطباء الأسنان أربعة سن الطفولة وسن الشباب وسن الكهولة وسن الشيخوخة فإذا بلغ الستين وهو آخر الأسنان فقد ظهر فيه ضعف القوة وتبين فيه النقص والانحطاط وجاء نذير الموت فهو وقت الإنابة إلى الله عز و جل
تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري
أي تابع معن بن محمد في روايته عن سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار وروى هذه المتابعة النسائي عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم سلمة بن دينار عن أبي هريرة قوله وابن عجلان أي وتابعه أيضا محمد بن عجلان في روايته عن المقبري وروى هذه المتابعة الطبراني في ( الأوسط ) عن عبد الرزاق عن معمر عن منصور بن المعتمر عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة
0246 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( أبو صفوان عبد الله بن سعيد ) حدثنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الأمل
مطابقته للترجمة ظاهرة قال الكرماني وكان الأنسب أن يذكر هذا الحديث في الباب المتقدم
وعلى ابن عبد الله هو ابن المديني ويونس هو ابن يزيد الأيلي
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي الطاهر بن السرح وغيره وأخرجه النسائي في الرقاق عن هارون بن سعيد
قوله قلب الكبير أي الشيخ قوله في اثنتين أي في خصلتين قوله شابا سماه شابا لقوة استحكامه في محبة المال قوله وطول الأمل المراد بالأمل هنا طول العمر

(23/36)


قال ليث بن سعد حدثني يونس وابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد وأبو سلمة
وقال ليث بن سعد بدون الألف واللام حدثني يونس هو ابن يزيد قوله وابن وهب هو عبد الله بن وهب وهو عطف على ليث وسعيد هو ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أما رواية ليث فوصلها الإسماعيلي من طريق أبي صالح كاتب الليث حدثنا الليث حدثني يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب أخبرني سعيد وأبو سلمة عن أبي هريرة بلفظه إلا أنه قال المال بدل الدنيا وأما رواية ابن وهب فوصلها مسلم عن حرملة عنه بلفظ قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال
1246 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( هشام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال رسول الله يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان حب المال وطول العمرنه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله يكبر ابن آدم ومسلم بن إبراهيم وفي رواية أبي ذر مسلم غير منسوب وهشام هو الدستوائي
والحدبث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي غسان المسمعي وأبي موسى
قوله يكبر بفتح الباء الموحدة أي يطعن في السن قوله ويكبر معه بضم الباء أي يعظم ولو صحت الرواية في الكلمة الثانية بالفتح فالتلفيق بينه وبين الحديث السابق الذي ذكر فيه الشباب أن المراد بالشباب الزيادة في القوة وبالكبر الزيادة في العدد فذاك باعتبار الكيف وهذا باعتبار الكم قالوا التخصيص بهذين الأمرين هو أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فأحب بقاءها وهو العمر وسبب بقاءها هو المال فإذا أحس بقرب الرحيل قوي حبه لذلك
( والكرى عند الصباح بطيب )
رواه شعبة عن قتادة
أي روى الحديث المذكور شعبة بن حجاج عن قتادة ووصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة ولفظه سمعت قتادة يحدث عن أنس بنحوه قيل فائدة هذا التعليق دفع توهم الانقطاع فيه لكون قتادة مدلسا وقد عنعنه لكن شعبة لا يحدث عن المدلسين إلا بما علم أنه داخل في سماعهم فيستوي في ذلك التصريح والعنعنة بخلاف غيره
6 -
( باب العمل الذي يبتغي به وجه الله تعالى )
أي هذا باب في بيان اعتداد العمل الذي يبتغي به أي يطلب به وجه الله أي ذات الله لا للرياء والسمعة أسقط ابن بطال هذه الترجمة فأضاف حديثها للذي قبله
فيه سعد
أي في هذا الباب حديث سعد بن أبي وقاص وهذا سقط في رواية النسفي والإسماعيلي وغيرهما وحديثه قد مضى في الجنائز مطولا في باب رثاء النبي سعد بن خولة
2246 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( محمود بن الربيع ) ( وزعم محمود ) أنه ( عقل ) رسول الله وقال وعقل مجة مجها من دلو كانت في دراهم
قال سمعت عتبان بن مالك الأنصاري ثم أحد بني سالم قال غدا علي رسول الله فقال لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إلاه إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرمه الله على النار ح
مطابقته للترجمة في قوله يبتغي به وجه الله
ومعاذ بضم الميم ابن أسد المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي

(23/37)


ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد
والحديث مضى في الصلاة مطولا في باب المساجد في البيوت فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري إلى آخره
قوله وزعم أي قال قوله إنه عقل إنما قال عقل لأنه كان صغيرا حين دخل رسول الله دارهم وشرب ماء ومج من ذلك الماء مجة على وجهه
قوله عتبان بكسر العين على الأصح قوله ثم أحد بني سالم بالنصب عطف على قوله الأنصاري وقد تكلم الكرماني هنا كلاما لا حاجة إليه لأنه يشوش بذلك على من ليس له إتقان في هذا الباب وهو أنه قال ذكر في كتاب الصلاة أن الزهري هو الذي سأل الحصين وسمع منه والمفهوم هنا هو محمود
قلت توضيح هذا أن الحديث الذي مضى في الصلاة مطول كما ذكرنا في آخره قال ابن شهاب وهو الزهري ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري وهو أحد بني سالم وهو من سراتهم عن حديث محمود بن الربيع فصدقه بذلك هذا المقدار إن لم يقف عليه أحد لا يظهر له سؤاله المذكور ثم قال في جوابه إن كانت الرواية بالرفع يعني برفع قوله ثم أحد بني سالم فهو عطف على محمود أي أخبرني محمود ثم أخبرني سالم فلا إشكال وإن كان بالنصب يعني قوله ثم أخبرني سالم فالمراد سمعت عتبان الأنصاري ثم السالمي إذ عتبان كان سالميا أيضا أو يقال بأن السماع من الحصين كان حاصلا لهما ولا محذور في ذلك لجواز سماع الصحابي من التابعي أو المراد من الأحد غير الحصين انتهى قوله عدا على بتشديد الياء قوله لن يوافي من الموافاة وهي الإتيان يقال وافيت القوم أي أتيتهم قوله وجه الله أي ذات الله عز و جل
والحديث من المتشابهات ويقال لفظ الوجه زائد أو المراد وجه الحق والإخلاص لا الرياء ونحوه قوله إلا حرمه الله على النار وفي الحديث المتقدم في الصلاة فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله قال الكرماني فإن قلت قال ثمة حرمه على النار وههنا حرم عليه النار فما الفرق بين التركيبين
قلت الأول حقيقة باعتبار أن النار آكلة لما يلقى فيها والتحريم يناسب الفاعل وأما المعنيان فهما متلازمان
قلت تبعه على هذا بعضهم فنقل ما قاله الكرماني ولكن التركيبان ليسا كما ذكراه لأن اللفظ الذي في الصلاة نحو ما ذكرناه الآن واللفظ الذي هنا إلا حرمه الله على النار
4246 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله قال يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفية من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ثم احتسبه لأن معناه صبر على فقد صفية وابتغى الأجر من الله تعالى والاحتساب طلب الأجر من الله تعالى خالصا واحتسب بكذا أجرا عند الله أي نوى به وجه الله والحسبة بالكسر الأجرة واسم من الاحتساب
وقتيبة هو ابن سعيد و ( يعقوب بن عبد الرحمن ) الإسكندراني و ( عمرو ) بن أبي عمرو بالواو فيهما مولى المطلب المخزومي والحديث من أفراده
قوله صفيه بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد الياء آخر الحروف وهو الحبيب المصافي كالولد والأخر وكل من يحبه الإنسان قوله إلا الجنة يتعلق بقوله ما لعبدي المؤمن
7 -
( باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها )
أي هذا باب في بيان ما يحذر على صيغة المجهول من الحذر وفي بعض النسخ ما يحذر بالتشديد من التحذير قوله من زهرة الدنيا أي بهجتها ونضارتها وحسنها قوله والتنافس فيها وهو من النفاسة وهي الرغبة في الشيء ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه وأصلها من الشيء النفيس في نوعه يقال نافست في الشيء منافسة ونفاسة ونفاسا ونفس الشيء بالضم نفاسة صار مرغوبا فيه ونفست به بالكسر بخلت به ونفست عليه لم أره أهلا لذلك

(23/38)


5246 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ) عن ( موسى ابن عقبة ) قال ( ابن شهاب ) حدثني ( عروة بن الزبير ) أن ( المسور بن مخرمة ) أخبره أن ( عمرو بن عوف ) وهو ( حليف لبني عامر بن لؤي ) كان ( شهد بدرا مع ) رسول الله أخبره أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدومه فوافته صلاة الصبح مع رسول الله فلما انصرف تعرضوا له فتبسم رسول الله حين رآهم وقال أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولاكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم طابقته للترجمة في قوله فتنافسوها إلى آخره وإسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ابن أبي عياش يروي عن عمه موسى بن أبي عياش الأسدي مولى الزبير بن العوام وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري والمسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتح الميم وعمرو بن عوف الأنصاري
وفي هذا السند إسماعيل بن إبراهيم من أفراد البخاري وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم موسى وابن شهاب وعروة بن الزبير وفيه صحابيان وهما المسور وعمرو بن عوف وكلهم مدنيون
والحديث مضى في باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة عن عمرو بن عوف الأنصاري إلى آخره ومضى الكلام فيه مستقصى هناك
قوله إلى البحرين سقط لفظ إلى البحرين وفي رواية الأكثرين وثبت في رواية الكشميهني قوله فقدم أبو عبيدة بمال كان قدوم أبي عبيدة سنة عشر قدم بمائة ألف وثمانين ألف درهم كذا في ( جامع المختصر ) وقال قتادة كان المال ثمانين ألفا وقال الزهري قدم به ليلا وقال ابن حبيب هو أكثر مال قدم به على رسول الله وقال قتادة وصب على حصير وفرقه وما أحرم منه سائلا وكان أهل البحرين مجوسا ويستفاد منه أخذ الجزية من المجوس وفيه خلاف بين الفقهاء قوله فوافته ويروى فوافت بدون الضمير وهو رواية المستملي والكشميهني وفي رواية غيرهما فوافقت من الموافقة ووافت من الموافاة وهو الإتيان قوله فابشروا بهمزة القطع قوله وأملوا من التأميل من الأمل وهو الرجاء قوله ما يسركم في محل النصب لأنه مفعول أملوا قوله ما الفقر منصوب بتقدير ما أخشى الفقر وحذف لأن أخشى عليكم مفسر له وقال الطيبي فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر قيل يجوز رفع الفقر بتقدير ضمير أي ما الفقر أخشاه عليكم وقيل هذا مخصوص بالشعر ومضى تفسير التنافس عن قريب قوله وتلهيكم أي تشغلكم عن الآخرة
6246 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة ابن عامر ) أن رسول الله خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرطكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم

(23/39)


أن تشركوا بعدي ولكني أخاف أن تنافسوا فيها
طابقته للترجمة في قوله أخاف أن تنافسوا فيها قوله الليث هو ابن سعد ويروى ليث بدون الألف واللام ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب واسمه سويد وأبو الخير مرثد بفتح الميم وبالثاء المثلثة ابن عبد الله
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب الصلاة على الشهيد فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب إلى آخره
قوله فصلى أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت ولا بد من هذا التأويل لما تقدم في الجنائز أنه دفن شهداء أحد قبل أن يصلي عليهم قوله فرطكم الفرط بفتحتين المتقدم في طلب الماء أي سابقكم إليه كالمهيء له قوله أو مفاتيح الأرض شك من الراوي
وفيه إثبات الحوض المورود وأنه مخلوق اليوم وفيه إخبار بالغيب معجزة له
7246 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال قال رسول الله إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض قيل وما بركات الأرض قال زهرة الدنيا فقال له رجل هل يأتي الخير بالشر فصمت النبي ظننا أنه ينزل عليه ثم جعل يمسح عن جبينه فقال أين السائل قال أنا قال أبو سعيد لقد حمدناه حين طلع ذلك قال لا يأتي الخيرإلا بالخير إن هاذا المال خضرة حلوة وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضرة أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس فاجترت وثلطت وبالت ثم عادت فأكلت وإن هاذا المال حلوة من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعح المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع
مطابقته للترجمة في قوله زهرة الدنيا وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان ونسبته إلى خدر بطن من الأنصار
والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب الصدقة على اليتامى فإنه أخرجه هناك عن معاذ بن فضالة عن هشام عن يحيى عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري إلى آخره
قوله إن أكثر ما أخاف عليكم وفي رواية الزكاة إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم وفي رواية السرخسي إني مما أخاف قوله ما يخرج بضم الياء من الإخراج وهو خبر إن قيل هذا لا يصلح أن يكون خبرا للأكثره وأجيب بأن فيه إضمارا تقديره ما أخاف بسببه عليكم أو مما يخرج قوله زهرة الدنيا وفي كتاب الزكاة زاد هلال وزينتها وهو عطف تفسيري والزهرة بفتح الزاي وسكون الهاء وقد قرىء في الشاذ عن الحسن وغيره بفتح الهاء فقيل هما بمعنى واحد وقيل بالتحريك جمع زاهر كفاجر وفجرة والمراد بالزهرة الزينة والبهجة مأخوذ من زهرة الشجرة وهو نورها بفتح النون والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها مما يغتر الناس بحسنه مع قلة البقاء قوله فقال رجل لم يدر اسمه قوله هل يأتي الخير بالشر أي هل تصير النعمة عقوبة قوله حتى ظننا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره حتى ظننت أنه أي أن النبي ينزل عليه بصيغة المجهول أي الوحي قوله ثم جعل يمسح عن جبينه أي العرق وهكذا وقع في رواية الدارقطني قوله لقد حمدناه حين طلع ذلك أي حمدنا الرجل حين ظهر هكذا هو في رواية النسفي وفي رواية غيره كذلك وقال الكرماني تقدم في الزكاة أنهم ذموه وقالوا له لم تكلم النبي ولا يكلمك وأجاب بأنهم ذموه أو لا حيث رأوا سكوته وحمدوه آخرا حيث صار سؤاله سببا لاستفادتهم منه قوله لا يأتي الخير إلا بالخير زاد في رواية الدارقطني تكرار ذلك ثلاث مرات قوله خضرة التاء فيه إما للمبالغة نحو رجل علامة أو هو صفة الموصوف محذوف

(23/40)


نحو بقلة خضرة أو باعتبار أنواع المال وقال ابن الأنباري هذا ليس بصفة للمال وإنما هو للتشبيه كأنه قال المال كالبقلة الخضرة الحلوة قوله الربيع أي الجدول وهو النهر الصغير وجمع الربيع الأربعاء وإسناد الإنبات إلى الربيع مجاز والمنبت هو الله عز و جل في الحقيقة قوله حبطا بفتح الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وبالطاء المهملة وهو انتفاخ البطن من كثرة الأكل يقال حبطت الدابة تحبط حبطا إذا أصابت مرعى طيبا فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ فتموت وروي بالخاء المعجمة من التخبط وهو الاضطراب قوله أويلم بضم أوله أي يقرب أن يقتل قوله إلا آكلة الخضرة كلمة إلا بالتشديد للاستثناء ويروى بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح و آكلة بالمد وكسر الكاف والخضرة بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني بضم الخاء وسكون الضاد وبتاء التأنيث وفي رواية السرخسي الخضراء بفتح أوله وسكون ثانيه وبالمد ولغيرهم بضم أوله وفتح ثانيه جمع خضرة وقال الكرماني الخضرة بفتح الخاء البقلة الخضراء أو ضرب من الكلأ وقيل ما بين الشجر والبقل قوله خاصرتاها تثنية خاصرة وهما جانبا البطن من الحيوان وفي رواية الكشميهني خاصرتها بالإفراد قوله فاجترت بالجيم من الاجترار وهو أن يجر البعير من الكرش ما أكله إلى فمه فيمضغه مرة ثانية وكل لقمة منه تسمى جرة ويصير كل واحدة بعرة قوله وثلطت بفتح الثاء المثلثة وفتح اللام والطاء المهملة وضبطها ابن التين بكسر اللام أي ألقت ما في بطنها رقيقا والغرض من هذا أن جمع المال غير محرم لكن الاستكثار منه ضار بل يكون سببا للهلاك قوله فنعم المعونة هو أي المال يعني حيث كان دخله وخرجه بالحق فنعم العون للرجل في الدارين وقال صاحب ( المغرب ) المعونة العون
قلت أشار به إلى أنه مصدر ميمي
وفيه مثل للمؤمن أن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر حاجته ولا تغره زهرتها فتهلكه
9246 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( عبيدة ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه عن النبي قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين

(23/41)


يلونهم ثم يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم
طابقته للترجمة تؤخذ من قوله ولم تنقصهم الدنيا إلى آخره يستخرجها من أمعن النظر فيه
و ( يحيى بن موسى ) بن عبد ربه البلخي يقال له خت و ( إسماعيل ) هو ابن أبي خالد و ( قيس ) هو ابن أبي حازم وخباب هو ابن الأرت
والحديث مضى في كتاب المرضى في باب تمني المريض الموت فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن إسماعيل الخ
قوله ولم تنقصهم الدنيا أي لم تدخل الدنيا فيهم نقصا بوجه من الوجوه أي لم يشتغلوا بجمع المال بحيث يلزم في كمالهم نقصان قوله إلا التراب أراد به بناء الحيطان بقرينة قوله في الحديث الذي يليه وهو يبني حائطا ول ( ولا ) ذلك لكان اللفظ محتملا لإرادة الكنز ودفن الذهب في الأرض وقال الداودي يعني لا يكاد ينجو من فتنة المال إلا من مات وصار إلى التراب
19 - ( حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل قال حدثني قيس قال أتيت خبابا وهو يبني حائطا له فقال إن أصحابنا الذين مضوا لم تنقصهم الدنيا شيئا وإنا أصبنا من بعدهم شيئا لا نجد له موضعا إلا التراب )
هذا طريق آخر في الحديث السابق عن محمد بن المثنى ضد المفرد عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد إلى آخره قوله شيئا ويروى بشيء
20 - ( حدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن خباب رضي الله عنه قال هاجرنا مع رسول الله قصه )
محمد بن كثير ضد القليل وسفيان هو ابن عيينة والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة قوله قصه كذا لأبي ذر أي قص الحديث راويه وأشار به إلى ما أخرجه بتمامه في أول الهجرة إلى المدينة عن محمد بن كثير بالسند المذكور ههنا
( باب قول الله تعالى يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )

(23/42)


أي هذا باب في قوله تعالى الخ وفي رواية كريمة هكذا سقيت الآيتان المذكورتان وفي رواية أبي ذر هكذا يا أيها الناس إن وعد الله حق الآية إلى قوله السعير قوله إن وعد الله حق أي بالبعث والثواب والعقاب قوله ولا يغرنكم بالله الغرور وهو أن يغتر بالله فيعمل المعصية ويتمنى المغفرة ويقال الغرور الشيطان وقد نهى الله عن الاغترار به وبين لنا عداوته لئلا نلتفت إلى تسويله وتزيينه لنا الشهوات الرديئة قوله فاتخذوه عدوا أي أنزلوه من أنفسكم منزلة الأعداء وتجنبوا طاعته قوله إنما يدعو حزبه أي شيعته إلى الكفر قوله ليكونوا من أصحاب السعير أي النار
( جمعه سعر )
أي جمع السعير سعر على وزن فعل بضمتين والسعير على وزن فعيل بمعنى مفعول من السعر بفتح السين وسكون العين وهو التهاب النار
( قال مجاهد الغرور الشيطان )
أثر مجاهد هذا لم يثبت هنا إلا في رواية الكشميهني وحده ووصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وهو تفسير قوله تعالى ولا يغرنكم بالله الغرور وهو على وزن فعول بمعنى فاعل تقول غررت فلانا أصبت غرته ونلت ما أردت منه والغرة بالكسر غفلة في اليقظة والغرور كل ما يغر الإنسان وإنما فسر بالشيطان لأنه رأس ذلك
21 - ( حدثنا سعد بن حفص حدثنا شيبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم القرشي قال أخبرني معاذ بن عبد الرحمن أن ابن أبان أخبره قال أتيت عثمان بطهور وهو جالس على المقاعد فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قال رأيت النبي توضأ وهو في هذا المجلس فأحسن الوضوء ثم قال من توضأ مثل هذا الوضوء ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه قال وقال النبي لا تغتروا )
مطابقته للآية التي هي الترجمة في قوله لا تغتروا وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي يقال له الضخم وشيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية النحوي ويحيى هو ابن أبي كثير ضد القليل ومحمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي ولجده الحارث صحبة ومعاذ بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي وعثمان جده هو أخو طلحة بن عبيد الله الصحابي وعبد الرحمن بن عثمان صحابي أيضا أخرج له مسلم وكان يلقب بشارب الذهب وقتل مع ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم بمكة في يوم واحد وأما عبد الرحمن بن عبيد الله بن عثمان أخو طلحة بن عبيد الله فله صحبة أيضا قتل يوم الجمل وذلك في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وابن أبان كذا وقع لأبي ذر والنسفي وغيرهما أن ابن أبان أخبره ووقع لابن السكن أن حمران بن أبان ووقع للجرجاني وحده أن أبان أخبره وهو خطأ والحديث أخرجه مسلم في الطهارة عن أبي الطاهر بن السرح وغيره وأخرجه النسائي في الصلاة عن سليمان بن داود قوله بطهور بفتح الطاء وهو الماء الذي يتطهر به قوله وهو جالس الواو فيه للحال قوله على المقاعد بوزن المساجد بالقاف والمهملتين موضع بالمدينة قوله فأحسن الوضوء وفي رواية نافع بن جبير عن حمران فأسبغ الوضوء قوله ثم قال من توضأ أي النبي قوله مثل هذا الوضوء المثلية لا تستلزم أن يكون وضوؤه مثل وضوء النبي من كل وجه لتعذر ذلك قوله فركع ركعتين هكذا أطلق من غير تقييد بالمكتوبة وقيده مسلم في روايته من طريق نافع بن جبير عن حمران بلفظ ثم مشى

(23/43)


إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو في المسجد وكذا وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه عن حمران فيصلي المكتوبة وفي رواية أبي صخرة عن حمران ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب عليه فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارة لما بينهن قوله غفر له ما تقدم من ذنبه يعني الذنب الذي بينه وبين الله تعالى وأما ما بينه وبين العباد فلا يغفر إلا بإرضاء الخصم قوله لا تغتروا فتجسرون على الذنوب معتمدين على المغفرة للذنوب فإن ذلك بمشيئة الله عز و جل
( باب ذهاب الصالحين )
أي هذا باب في ذكر ذهاب الصالحين أي موتهم وذهاب الصالحين من أشراط الساعة وقرب فناء الدنيا
( ويقال الذهاب المطر )
ثبت هذا في رواية السرخسي وحده وقال بعضهم مراده أن لفظ الذهاب مشترك بين المضي والمطر قلت ليس كذلك لأن الذهاب بمعنى المضي بفتح الذال والذهاب بمعنى المطر بكسرها قال صاحب المحكم الذهبة بالكسر المطرة الضعيفة والجمع الذهاب
22 - ( حدثني يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن بيان عن قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي قال قال النبي يذهب الصالحون الأول فالأول وتبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالة )
مطابتقه للترجمة ظاهرة ويحيى بن حماد الشيباني البصري روى البخاري عنه في الحيض بواسطة الحسن بن مدرك وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو والنون واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري وبيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون ابن بشر بكسر الباء الموحدة وبالشين المعجمة الأحمسي بالمهملتين وقيس بن أبي حازم بالحاء المهملة وبالزاي ومرداس بكسر الميم وسكون الراء ابن مالك الأسلمي وكان ممن بايع تحت الشجرة ثم سكن الكوفة وهو معدود في أهلها والحديث مضى في المغازي عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس الخ قوله يذهب وعند الإسماعيلي يقبض بدل يذهب أي يقبض أرواحهم قوله الأول أي يذهب الأول فالأول عطف عليه قوله حفالة بضم الحاء المهملة وتخفيف الفاء وهي الرذائل من كل شيء ويقال هي ما يبقى من آخر الشعير ومن التمر أردؤه وقال ابن التين الحفالة سقط الناس وأصلها ما يتساقط من قشور التمر والشعير وغيرهما وقال الداودي الحفالة ما يسقط من الشعير عند الغربلة ويبقى من التمر بعد الأكل قوله أو التمر يحتمل الشك والتنويع ووقع في رواية عبد الحميد كحثالة الشعير فقط وفي رواية يحيى لا يبقى إلا مثل حثالة التمر والشعير والحثالة بالثاء المثلثة مثل الحفالة يتعاقبان كقولهم فوم وثوم قوله لا يباليهم الله قال الخطابي أي لا يرفع لهم قدر أو لا يقيم لهم وزنا وفي رواية عيسى بن يونس عن بيان تقدمت في المغازي بلفظ لا يعبأ الله بهم شيئا وفي رواية عبد الواحد لا يبالي الله عنهم وكلمة عن ههنا بمعنى الباء يقال ما باليت به وما باليت عنه قوله بالة اسم لمصدر وليس مصدرا لباليت وقيل أصله بالية فحذفت الياء تخفيفا كذا قاله الكرماني قلت يقال باليت بالشيء مبالاة وبالة وبالية
( قال أبو عبد الله يقال حفالة وحثالة )
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأراد به أن حفالة وحثالة بالفاء والثاء المثلثة بمعنى واحد
( باب ما يتقى من فتنة المال )
أي هذا باب في بيان ما يتقى على صيغة المجهول قوله من فتنة المال أي الانتهاء به ومعنى الفتنة في كلام العرب الاختبار

(23/44)


والابتلاء والفتنة الإمالة عن القصد ومنه قوله تعالى وإن كادوا ليفتنونك أي ليميلونك والفتنة أيضا الاحتراق ومنه قوله تعالى يوم هم على النار يفتنون أي يحرقون قاله ابن الأنباري والامتلاء والاختبار يجمع ذلك كله
( وقول الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة )
وقول الله بالجر عطف على قوله من فتنة المال وقد أخبر الله تعالى عن الأموال والأولاد أنها فتنة لأنها تشغل الناس عن الطاعة قال الله تعالى ألهاكم التكاثر أي شغلكم التكاثر وخرج لفظ الخطاب بذلك على العموم لأن الله تعالى فطر العباد على حب المال والأولاد وقد روى الترمذي وابن حبان والحاكم وصححوه من حديث كعب بن عياض سمعت رسول الله يقول إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال
23 - ( حدثني يحيى بن يوسف أخبرنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخيمصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ويحيى بن يوسف الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم نسبة إلى بلدة يقال لها زم ويقال له ابن أبي كريمة فقيل هو كنية أبيه وقيل هو جده واسمه كنيته أخرج عنه البخاري بغير واسطة في الصحيح وبواسطة خارج الصحيح وأبو بكر هو ابن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة القارىء المحدث وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم وأبو صالح ذكوان الزيات والحديث مضى في الجهاد عن يحيى أيضا متنا وإسنادا في باب الحراسة في الغزو وأخرجه ابن ماجه عن الحسن بن حماد عن يحيى به وقال الإسماعيلي وافق أبا بكر على رفعه شريك القاضي وقيس بن الربيع عن أبي حصين وخالفهم إسرائيل فرواه عن أبي حصين موقوفا قوله تعس بكسر العين المهملة وفتحها أي سقط والمراد هنا هلك وقال ابن الأنباري التعس الشر قال تعالى فتعسا لهم أراد ألزمهم الشر وقيل التعس البعد أي بعدا لهم وقيل قولهم تعسا له نقيض قولهم لعا له فتعسا دعاء عليه بالعثرة ولعا دعاء له بالانتعاش قوله عبد الدينار أي طالبه وخادمه والحريص على جمعه والقائم على حفظه فكأنه لذلك عبده وقال شيخ شيخنا الطيبي خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالأسير الذي لا يجد خلاصا ولم يقل مالك الدينار ولا جامع الدينار لأن المذموم من الملك والجمع الزيادة على قدر الحاجة قوله والقطيفة الدثار المخمل وهو الثوب الذي له خمل والخميصة الكساء الأسود المربع قوله إن أعطي على صيغة المجهول وكذا وإن لم يعط قال الله تعالى فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون
24 - ( حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول سمعت النبي يقول لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأنه أشار بهذا المثل إلى ذم الحرص على الدنيا والشره والازدياد وهذه آفة يجب الاتقاء منها وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل البصري وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعطاء هو ابن أبي رباح يروي بالسماع عن ابن عباس يقول سمعت النبي وهذا من الأحاديث التي صرح فيها ابن عباس بسماعه من النبي وهي قليلة بالنسبة إلى مرويه عنه فإنه أحد المكثرين ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن زهير بن حرب وهارون بن عبد الله قوله لو كان لابن آدم واديان وفي الحديث يليه لو كان لابن آدم مثل واد مالا وفي الحديث الآخر لو أن ابن آدم أعطي واديا وفي الآخر

(23/45)


لو أن لابن آدم واديان قوله من مال وفي الحديث الثالث ملأ من ذهب وفي الحديث الرابع واديا من ذهب وعند أحمد في حديث زيد بن أرقم من ذهب وفضة قوله لابتغى بالغين المعجمة من الابتغاء وهو الطلب وفي الحديث الثاني لأحب أن له إليه مثله وفي حديث أنس لتمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية وفي الحديث الثالث أحب إليه ثانيا وفي الرابع أحب إليه أن يكون له واديا وقال الكرماني في قوله لابتغى لهما ثالثا فزاد لفظة لهما في شرحه ثم قال فإن قلت الابتغاء لا يستعمل باللام قلت هذا متعلق بقوله ثالثا أي ثالثا لهما أي مثلثهما انتهى قوله ولا يملأ جوف ابن آدم وفي الحديث الثاني ولا يملأ عين ابن آدم وفي الثالث ولا يسد جوف ابن آدم وفي الرابع ولن يملأ فاه وفي رواية الإسماعيلي عن ابن جريج لا يملأ نفس ابن آدم وفي مرسل جبير بن يغير ولا يشبع جوف ابن آدم بضم الياء من الإشباع وفي حديث زيد بن أرقم ولا يملأ بطن ابن آدم وقال الكرماني ما وجه ذكره في الرواية الأولى الجوف وفي الثانية العين وفي الثالثة الفم قلت ليس المقصود منه الحقيقة بقرينة عدم الانحصار على التراب إذ غيره يملؤه أيضا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال لا يشبع سن الدنيا حتى يموت فالغرض من العبارات كلها واحد ليس فيها إلا التفنن في الكلام وقال بعضهم هذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة انتهى قلت إحالته على كلام الشارع أولى من إحالته إلى تصرف الرواة مع أن فيه تغيير لفظ الشارع فإن قلت نسبة الامتلاء إلى الجوف والبطن واضحة فما وجهها إلى النفس والفم والعين قلت أما النفس فعبر بها عن الذات وأراد البطن من قبيل إطلاق الكل وإرادة الجزء وأما الفم فلكونه الطريق إلى الوصول إلى الجوف وأما العين فلأنها الأصل في الطلب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه إليه وخص البطن في أكثر الروايات لأن أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات وأكثرها تكرار للأكل والشرب وقال الطيبي وقع قوله ولا يملأ إلى آخره موقع التذييل والتقرير للكلام السابق كأنه قيل ولا يشبع من خلق من التراب إلا بالتراب قوله ويتوب الله على من تاب أي من المعصية ورجع عنها يعني يوفقه للتوبة أو يرجع عليه من التشديد إلى التخفيف أو يرجع عليه بقبوله
25 - ( حدثنا محمد أخبرنا مخلد أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله يقول لو أن لابن آدم مثل واد مالا لأحب أن له إليه مثله ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب قال ابن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا قال وسمعت ابن الزبير يقول ذلك على المنبر )
هذا طريق آخر عن محمد هو ابن سلام وصرح بذلك في رواية أبي زيد المروزي وهو يروي عن مخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ابن يزيد من الزيادة أبو الحسن الحراني الجزري مات سنة ثلاث وتسعين ومائة قوله مثل واد ويروى ملء واد قوله قال ابن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا يعني الحديث المذكور يعني من القرآن المنسوخ تلاوته قوله قال وسمعت ابن الزبير أي قال عطاء سمعت عبد الله بن الزبير وهو متصل بالسند المذكور قوله يقول ذلك إشارة إلى الحديث وقال الكرماني وعبد الله بن الزبير كان يقول قال النبي قال ذلك يعني لو أن لابن آدم إلى آخره ويحتمل أن يراد به قول لا أدري أيضا قوله على المنبر أي بمكة كما يأتي الآن
26 - ( حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عباس بن سهل بن سعد قال سمعت ابن الزبير على المنبر بمكة في خطبته يقول يا أيها الناس إن النبي كان يقول لو أن ابن آدم أعطي واديا ملأ من ذهب أحب إليه ثانيا ولو أعطي ثانيا أحب إليه ثالثا ولا يسد جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب )
أبو نعيم الفضل بن دكين وعبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل أي مغسول الملائكة حين استشهد وهو

(23/46)


جنب والغسيل هو حنظلة بن أبي عامر الأوسي وعبد الله من صغار الصحابة قتل يوم الحرة وكان الأمير على طائفة الأنصار يومئذ وحنظلة استشهد بأحد وهو من كبار الصحابة وأبوه أبو عامر يعرف بالراهب وهو الذي بني مسجد الضرار بسببه ونزل فيه القرآن وعبد الرحمن معدود من صغار التابعين وهذا الإسناد من أعلى ما في صحيح البخاري لأنه في حكم الثلاثيات وإن كان رباعيا كذا قاله بعضهم ولكنه من الرباعيات حقيقة وقوله في حكم الثلاثيات فيه نظر وعباس بن سهل بن سعد الساعدي وسهل من الصحابة المشهورين والحديث من أفراده قوله أعطي على صيغة المجهول قوله ملأ ويروى ملآن قوله ثانيا أي واديا ثانيا -
9346 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( أنس بن مالك ) أن رسول الله قال لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب
عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف كان على قضاء بغداد وصالح هو ابن كيسان وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن عبد الله بن الحكم
قوله أحب وقع كذا بغير اللام قوله ولن يملأ ويروي ولا يملأ
0446 - وقال لنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( حماد بن سلمة ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) عن أبي قال كنا نرى هاذا من القرآن حتى نزلت ألهاكم التكاثر ( التكاثر1 )
أبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ذهب الحافظ المزي إن هذا تعليق واعترض عليه بعضهم قال هذا صريح في الوصل لقوله وقال لنا وإن كان التصريح بالتحديث أشد اتصالا انتهى
قلت الصواب ما قاله المزي لأن فيه حماد بن سلمة وهو لم يعد فيمن أخرج له البخاري موصولا وليس هو على شرطه في الاحتجاج على أن عند البعض قال فلان أو قال فلان للمذاكرة غالبا وربما يكون للإجازة أو للمناولة
قوله عن ثابت بالتاء المثلثة في أوله وهو ابن أسلم البناني أبو محمد البصريقوله عن أبي هو أبي بن كعب الأنصاري
وفيه رواية الصحابي عن الصحابي
قوله كنا نرى بضم النون أي كنا نظن ويجوز فتحها من الرأي أي كنا نعتقد قوله هذا لم يبين المشار إليه وقد بينه الإسماعيلي حيث قال في روايته كنا نرى هذا الحديث من القرآن لو أن لابن آدم واديا من مال الحديث حتى نزلت ألهاكم التكاثر ( التكاثر1 ) وفي رواية موسى بن إسماعيل زاد إلى آخر السورة قيل ما وجه التخصيص بسورة التكاثر وهي ليست ناسخة له إذ لا معارضة بينهما وأجيب بأن شرط نسخ الحكم المعارضة وأما نسخ اللفظ فلا يشترط فيه ذلك فمقصوده أنه لما نزلت السورة التي هي بمعناه أعلمنا رسول الله بنسخ تلاوته والاكتفاء بما هو في معناه وأما موافقته لمعنى فلأن بعضهم فسر زيارة المقابر بالموت يعني شغلكم التكاثر في الأموال إلى أن متم وقيل يحتمل أن يقال معناه كنا نظن أنه قرآن حتى نزلت السورة التي بمعناه فحين المقايسة بينهما عرفنا رسول الله أنه ليس قرآنا فلا يكون من باب النسخ في شيء والله أعلم وقيل كان قرآنا ونسخت تلاوته ولما نزلت آلهاكم التكاثر واستمرت تلاوتها كانت ناسخة لتلاوة ذلك ومن هذا القبيل ما رواه أحمد من حديث أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي إذا نزل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم أن الله قال إنما أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان الحديث ظاهره أنه أخبر به عن الله تعالى بأنه من القرآن على أنه يحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية فعلى الوجه الأول نسخت تلاوته قطعا وإن كان حكمه مستمرا
11 -
( باب قول النبي هاذا المال خضرة حلوة )

(23/47)


أي هذا باب في بيان ذكر قول النبي هذا المال أشار به إلى المال الذي يتصرف فيه الناس قوله خضرة التاء فيه للمبالغة أو باعتبار أنواع المال وكذا الكلام في حلوة
وقال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ( آل عمران41 ) ح
سيقت هذه الآية كلها في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين الآية وفي رواية أبي زيد المروزي حب الشهوات الآية وكانت رواية الإسماعيلي مثل رواية أبي ذر وزاد إلى قوله ذلك متاع الحياة الدنيا
قوله زين للناس أي في هذه الدنيا من أنواع الملاذ من النساء فبدأ بهن لأن الفتنة بهن أشد لقوله في ( الصحيح ) ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء فإذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه لقوله الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة الحديث ثم ذكر البنين فلا يخلو حبهم إما أن يكون للتفاخر والزينة فهو داخل فيها وإما أن يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد فهذا محمود ممدوح كما في الحديث تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة قوله القناطير المقنطرة اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال فقال الضحاك المال الجزيل وقيل ألف دينار وقيل ألف ومائتان وقيل اثنا عشر ألفا وقيل أربعون الفا وقيل سبعون ألفا وقيل ثمانون ألفا وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله القنطار اثنا عشر ألف أوقية كل أوقية خير مما بين السماء والأرض ورواه ابن ماجه أيضا وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عارم عن حماد عن سعيد الحرشي عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال القنطار ملء مسك الثور ذهبا وروي عن حماد مرفوعا والموقوف أصح وعن سعيد بن جبير القنطار مائة ألف دينار قوله المقنطرة مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم ألف مؤلفة وبدرة مبدرة قوله والخيل المسومة أي المعلمة والأنعام الأزواج الثمانية قوله والحرث بمعنى الأراضي المتخدة للغراس والزراعة وروى أحمد من حديث سويد بن هبيرة عن النبي قال خير مال امرىء مهرة مأمورة أو سكة مأبورة المأمورة الكثيرة النسل والسكة النخيل المصطف والمأبورة الملقحة قوله ذلك أي المذكور متاع الحياة الدنيا أي إنما هذه زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة قوله والله عنده حسن المآب أي حسن المرجع والثواب
قال عمر اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه
أي قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في الآية المذكورة إنا لا نستطيع أي لا نقدر إلا أن نفرح بما زينته لنا أي بما حصل لنا مما في آية زين للناس حب الشهوات من النساء ثم لما رأى أن فتنة المال والغنى مسلطة على من فتحه الله عليه لتزيين الله تعالى له ولشهوات الدنيا في نفوس العباد دعا الله تعالى بقوله اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه لأن من أخذ المال من حقه ووضعه في حقه فقد سلم من فتنته وهذا الأثر وصله الدارقطني في ( غرائب مالك ) من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري أن عمر بن الخطاب أتي بمال من المشرق يقال له نفل كسرى فأمر به فصب وغطي ثم دعا الناس فاجتمعوا ثم أمر به فكشف عنه فإذا هو حلي كثير وجواهر ومتاع فبكى عمر رضي الله تعالى عنه وحمد الله عز و جل فقالوا ما يبكيك يا أمير المؤمنين هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها فقال ما فتح الله من هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمتهم قال فحدثني زيد بن أسلم أنه بقي من ذلك المال مناطق وخواتم فرفع فقال له عبد الله بن أرقم حتى متى تحبسه لا تقسمه قال بلى إذا رأيتني فارغا فاذني به فلما رآه فارغا بسط شيئا في حش نخلة ثم جاء به في مكتل فصبه فكأنه استكثره ثم قال اللهم أنت قلت زين للناس حب الشهوات الآية حتى فرغ منها ثم قال لا نستطيع ألا أن نحب ما زينت لنا فقني شره وارزقني أن أنفقه في حقك فما قام حتى ما بقي منه شيء وهذا التعليق قد سقط في رواية أبي زيد المروزي

(23/48)


1446 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( الزهري ) يقول أخبرني ( عروة وسعيد بن المسيب ) عن ( حكيم بن حزام ) قال سألت النبي فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال هاذا المال وربما قال سفيان قال لي يا حكيم إن هاذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعروة هو ابن الزبير بن العوام وحكيم بفتح الحاء ابن حزام بكسر الحاء وبالزاي الخفيفة ابن خويلد الأسدي
والحديث مضى في الوصايا وفي الخمس عن محمد بن يوسف عن الأوزاعي ومضى الكلام فيه
قوله ثم قال أي النبي قوله وربما قال القائل بربما هو علي بن المديني رواية عن سفيان والقائل قال لي هو حكيم بن حزام يعني قال قال لي النبي ولا يظن سفيان هو القائل بقوله قال لي يا حكيم لأن سفيان لم يدرك حكيما لأن بين وفاة حكيم ومولد سفيان نحو خمسين سنة قوله يا حكيم بالرفع بغير تنوين لأنه منادى مفرد معرفة وتفسير الخضرة الحلوة قد مضى عن قريب قوله بإشراف نفس الإشراف على الشيء الإطلاع عليه والتعرض له بنحو بسط اليد قوله كالذي يأكل ولا يشبع أي كمن به الجوع الكاذب وقد يسمى بجوع الكلب كلما ازداد أكلا ازداد جوعا قوله واليد العليا قد مضى الكلام فيه في كتاب الزكاة في باب الاستعفاف
21 -
( باب ما قدم من ماله فهو له )
أي هذا باب في بيان حال من قدم أي الإنسان المكلف من ماله فهو له يجد ثوابه يوم القيامة والمراد بالتقديم صرف ماله قبل موته في مواضع القربات وهذه الترجمة مع حديث الباب تدل على أن إنفاق المال في وجوه البر أفضل من تركه لورثته فإن قلت هذا يعارض قوله لسعد رضي الله تعالى عنه إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس قلت لا تعارض بينهما لأن سعدا أراد أن يتصدق بماله كله في مرضه وكان وارثه بنته ولا طاقة لها على الكسب فأمره أن يتصدق منه بثلثه ويكون باقيه لابنته وبيت المال وحديث الباب إنما خاطب به أصحابه في صحتهم وحرضهم على تقديم شيء من مالهم لينفعهم يوم القيامة وليس المراد منه أن تقديم جميع ماله عند مرضه فإن ذلك تحريم للورثة وتركهم فقراء يسألون الناس وإنما الشارع جعل له التصرف في ماله بالثلث فقط
2446 - حدثني ( عمر بن حفص ) حدثني أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( إبراهيم التيمي ) عن ( الحارث بن سويد ) قال ( عبد الله ) قال النبي أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه قال فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب العابد عن الحارث بن سويد التيمي وكل هؤلاء كوفيون وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه النسائي في الوصايا عن هناد بن السري
قوله ما قدم أي على موته بأن صرفه في حياته في مصارف الخير قوله ومال وارثه ما أخر أي ما أخره من المال الذي يتركه ولا يتصدق منه حتى يموت
31 -
( باب المكثرون هم المقلون )
أي هذا باب يذكرفيه المكثرون هم المقلون كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني هم الأقلون ووقع في

(23/49)


رواية أبي ذر المكثرون هم الأخسرون ومعناه المكثرون من المال هم المقلون في الثواب يعني كثرة المال تؤول بصاحبه إلى الإقلال من الحسنات يوم القيامة إذا لم ينفقه في طاعة الله تعالى فإن أنفقه فيها كان غنيا من الحسنات يوم القيامة
وقوله تعالى من كان يريد الحيواة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولائك الذين ليس لهم فى الاخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ( هود51 - 61 ) ح
سيقت هاتان الآيتان بتمامهما في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية أبي ذر من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الآيتان وفي رواية أبي زيد بعد قوله وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها الآية ومثله للإسماعيلي لكن قال إلى قوله وباطل ما كانوا يعملون قوله من كان إلى آخره على عمومها في الكفار وفيمن يرائي بعمله من المسلمين وقال سعيد بن جبير الآية فيمن عمل عملا يريد به غير الله جوزي عليه في الدنيا وعن أنس هم اليهود والنصارى إن أعطوا سائلا أو وصلوا رحما عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة في الرزق وصحة في البدن وقيل هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله فأسهم لهم من الغنائم وقال الضحاك يعني المشركين إذا عملوا عملا جوزوا عليه في الدنيا وهذا أبين لقوله تعالى أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار قوله نوف إليهم أعمالهم أي نوصل إليهم أجور أعمالهم كاملة وافية وهو من التوفية وقرىء يوف بالياء على أن الفعل لله وبالياء على صيغة المجهول ويوفي بالتخفيف وإثبات الياء قوله فيها أي في الدنيا قوله لا يبخسون من البخس وهو النقص قوله وحبط أي بطل يقال حبط عمله يحبط وأحبطه غيره ومعنى حبط عملهم ليس لهم ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة قوله وباطل ما كانوا يعملون أي عملهم في نفسه باطل وقرىء وبطل على الفعل وعن عاصم وباطلا بالنصب
3446 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( عبد العزيز بن رفيع ) عن ( زيد بن وهب ) عن ( أبي ذر ) رضي الله عنه قال خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله يمشي وحده وليس معه إنسان قال فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد قال فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني فقال من هاذا قلت أبو ذر جعلني الله فداءك قال يا أبا ذر تعاله قال فمشيت معه ساعة فقال إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفخ فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا قال فمشيت معه ساعة فقال لي اجلس هاهنا قال فأجلسني في قاع حوله حجارة فقال لي إجلس هاهنا حتى أرجع إليك قال فانطلق في الحرة حتى لا أراه فلبث عني فأطال اللبث ثم إني سمعته وهو مقبل وهو يقول وإن سرق وإن زنى قال فلما جاء لم أصبر حتى قلت يا نبي الله جعلني الله فداءك من تكلم في جانب الحرة ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا قال ذالك جبريل عليه السلام عرض لي في جانب الحرة قال بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت يا جبريل وإن سرق وإن زنى قال نعم قال قلت وإن سرق وإن زنى قال نعم وإن شرب الخمر
مطابقته للترجمة ظاهرة والمطابقة أيضا بين الحديث والآية المذكورة هي أن الوعيد الذي فيها محمول على التأقيت في حق من وقع له ذلك من المسلمين لا على التأبيد لدلالة الحديث على أن المرتكب لجنس الكبيرة من المسلمين يدخل الجنة وليس فيه ما ينفي أنه يعذب قبل ذلك كما أنه ليس في الآية ما ينفي أنه قد يدخل الجنة بعد التعذيب على معصية الزنا

(23/50)


وجرير هو ابن عبد الحميد وعبد العزيز بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة الأسدي المكي سكن الكوفة وهو من صغار التابعين سمع أنس بن مالك وزيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الكوفي من قضاعة خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في الطريق وأبو ذر الغفاري اسمه في الأشهر جندب بن جنادة
والحديث بزيادة ونقصان مضى في مواضع كثيرة في الاستقراض وفي الاستئذان وأخرجه مسلم في الزكاة عن قتيبة به وأخرجه الترمذي في الإيمان عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن عبدة بن عبد الرحمن وغيره
قوله خرجت ليلة من الليالي وفي رواية الأعمش عن زيد بن وهب عنه كنت أمشي مع رسول الله في حرة المدينة عشاء فبين فيه المكان والزمان قوله في ظل القمر أي في مكان ليس للقمر فيه ضوء ليخفي نفسه وإنما استمر يمشي لاحتمال أن يطرأ للنبي حاجة فيكون قريبا منه قوله قلت أبو ذر أي أنا أبو ذر قوله تعاله أمر بهاء السكت هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره تعال قال ابن التين فائدة هاء السكت أن لا يقف على ساكنين وهو غير مطرد قوله إن المكثرين هم المقلون قد مر الكلام فيه آنفا قوله خيرا أي مالا قال تعالى إن ترك خيرا قوله فنفح فيه بالحاء المهملة يقال نفح فلان فلانا بشيء أي أعطاه والنفحة الدفعة وقال صاحب ( الأفعال ) نفح بالعطاء أعطى والله نفاح بالخيرات وقال صاحب ( العين ) نفح بالمال والسيف ونفحت الدابة رمت بحافرها الأرض قوله ووراءه قيل معناه يوصي فيه ويبقيه لوارثه وحبس بحبسه قوله في قاع هو أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال قوله في الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أرض ذات حجارة سود كأنها احترقت بالنار قوله وهو مقبل الواو فيه للحال قوله وهو يقول كذلك الواو فيه للحال قوله دخل الجنة أي كان مصيره إليها وإن ناله عقوبة جمعا بينه وبين مثل ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم من الآيات الموعدة للفساق قوله وإن سرق وإن زنى قيل يحتمل معنيين أحدهما أن هذه الأمة يغفر لجميعها والثاني أن يكون يدخل الجنة من عوقب ببعض ذنوبه فأدخل النار ثم أخرج منها بذنوبه
قال النضر أخبرنا شعبة وحدثنا حبيب بن أبي ثابت والأعمش وعبد العزيز بن رفيع حدثنا زيد بن وهب بهاذا
قال النضر بن شميل إلى آخره قوله بهذا أي بالحديث المذكور قيل الغرض بهذا التعليق تصريح الشيوخ الثلاثة المذكورين بأن زيد بن وهب حدثهم قال الإسماعيلي ليس في حديث شعبة قصة المكثرين والمقلين إنما فيه من مات لا يشرك به شيئا والعجب من أبي عبد الله كيف أطلق هذا الكلام أخبرنيه الحسن حدثنا حميد يعني ابن زنجويه حدثنا النضر بن شميل أنا شعبة حدثنا حبيب بن أبي ثابت والأعمش وعبد العزيز بن رفيع قالوا سمعنا زيد بن وهب عن أبي ذر قال رسول الله إن جبريل عليه السلام أتاني فبشرني أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
قلت وإن زنى وسرق قال وإن زنى وسرق قال سليمان يعني الأعمش وإنما يروي هذا الحديث عن أبي الدرداء قال أما أنا فإنما سمعته من أبي ذر أخبرنيه يحيى بن محمد الحنائي حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن حبيب وبلال والأعمش وعبد العزيز المكي سمعوا زيد بن وهب عن أبي ذر عن النبي الحديث قال ورواه أبو داود عن شعبة فذكرهم ولم يذكر بلالا ولم يزد على هذه القصة أخبرنيه الهيثم الدوري حدثنا زيد بن أخزم حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن بلال وهو أبي مرداس ويقال ابن معاذ تفرد بهذا الحديث عنه ورواه شعبة أيضا عن المعرور بن سويد سمع أبا ذر عن النبي مثل قصة من مات لا يشرك بالله شيئا أخبرنيه الحنائي حدثنا عبيد الله حدثنا أبي حدثنا شعبة وقال بعضهم وقد تبع الإسماعيلي على أعتراضه المذكور جماعة منهم مغلطاي ومن بعده
قلت فيه إساءة الأدب حيث قال مغلطاي بطريق الاستهتار وأراد بقوله ومن بعده صاحب ( التوضيح ) الشيخ سراج الدين بن الملقن وهو شيخه والكرماني أيضا ثم تصدى للجواب عن الاعتراض المذكور بقوله الجواب عن البخاري واضح على طريقة أهل الحديث لأن مراده أصل الحديث

(23/51)


فإن الحديث المذكور في الأصل قد اشتمل على ثلاثة أشياء فيجوز إطلاق الحديث على كل واحد من الثلاثة إذا أفرد فقول البخاري بهذا أي بأصل الحديث لا خصوص اللفظ المساق انتهى
قلت الاعتراض باق على ما لا يخفى لأن الإطلاق في موضع التقييد غير جائز وقوله بهذا أي بأصل الحديث إلى آخره غير سديد لأن الإشارة بلفظ هذا تكون للحاضر والحاضر هو اللفظ المساق والمراد من ثلاثة أشياء ثلاثة أحاديث الأول قوله ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا الثاني حديث المكثرين والمقلين والثالث حديث من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
قال أبو عبد الله حديث أبي صالح عن أبي الدرداء مرسل لا يصح إنما أردنا للمعرفة والصحيح حديث أبي ذر قيل لأبي عبد الله حديث عطاء بن يسار عن أبي الدرداء قال مرسل أيضا لا يصح والصحيح حديث أبي ذر وقال اضربوا على حديث أبي الدرداء هاذا إذا مات قال لا إلاه إلا الله عند الموت
هذا أعني قال أبو عبد الله إلى آخره لا يوجد في كثير من النسخ وأبو عبد الله هو البخاري قوله حديث أبي صالح هو ذكوان الزيات عن أبي الدرداء عويمر بن مالك مرسل لا يصح وقال صاحب ( التلويح ) فيه نظر من حيث إن النسائي رواه بسند صحيح على شرط أبي الحجاج القشيري فقال حدثني قتيبة عن عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عبيد الله عن زيد بن وهب وعن عمرو بن هشام عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن عيسى بن مالك عن زيد عن أبي الدرداء قوله إنما أردنا للمعرفة أي لنعرف أنه قد روى عنه لا لأنه يحتج به قوله قيل لأبي عبد الله هو البخاري أيضا قوله حديث عطاء بن يسار ضد اليمين عن أبي الدرداء قال مرسل أي هو مرسل أيضا لا يصح قال صاحب ( التلويح ) فيه نظر أيضا لأن الطبراني قد أخرجه بإسناد جيد حدثنا يحيى بن أيوب العلاف حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار قال أخبرني أبو الدرداء أن رسول الله فذكره قوله هذا أي هذا الذي روي عن أبي الدرداء وهو قوله من مات لا يشرك بالله شيئا في حق من قال لا إله إلا الله عند الموت
41 -
( باب قول النبي ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا )
أي هذا باب في ذكر قول النبي ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا وفي بعض النسخ ما أحب أن لي أحدا ذهبا وفي بعضها باب قول النبي ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا وهذا هو الموافق للفظ حديث الباب
4446 - حدثنا ( الحسن بن الربيع ) حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( الأعمش ) عن ( زيد بن وهب ) قال قال ( أبو ذر ) ( كنت أمشي مع ) النبي في حرة المدينة فاستقبلنا أحد فقال يا أبا ذر قلت لبيك يا رسول الله قال ما يسرني أن عندي مثل أحد هاذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هاكذا وهاكذا وهاكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ثم مشى فقال إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هاكذا وهاكذا وهاكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ثم قال لي مكانك لا تبرح حتى آتيك ثم انطلق في سواد الليل حتى تواراى فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون قد عرض للنبي فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي لا تبرح حتى آتيك فلم أبرح حتى أتاني قلت يا رسول الله لقد سمعت صوتا تخوفت فذكرت له فقال وهل

(23/52)


سمعته قلت نعم قال ذاك جبريل أتاني فقال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق
مطابقته للترجمة التي هي ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا ظاهرة وفي غير هذا اللفظ أيضا التطابق موجود من حيث المعنى
والحسن بن الربيع بفتح الراء هو أبو علي البوراني بالباء الموحدة والراء وبالنون وقال الرشاطي ينسب إلى البواري وهي حصر من قصب وكان له غلمان يصنعونها وأبو الأحوص هو سلام بالتشديد ابن سليم والأعمش سليمان
والحديث قد روي بزيادة ونقصان عن أبي ذر كما ذكرناه في الباب السابق
قوله فاستقبلنا بفتح اللام و أحد بالرفع فاعله وفي رواية حفص بن غياث فاستقبلنا أحدا بسكون اللام ونصب أحدا على أنه مفعول قوله ما يسرني من سره إذا فرحه والسرور خلاف الحزن قوله أن عندي مثل أحد هذا ذهبا قوله ثالثة أي ليلة ثالثة قيل قيد بالثلاث لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبا
قلت يعكر عليه رواية حفص بن غياث ما أحب أن لي أحدا ذهبا يأتي على يوم وليلة أو ثلاث عندي منه دينار قال بعضهم والأولى أن يقال الثلاث أقصى ما يحتاج إليه في تفرقة مثل ذلك والواحدة أقل ما يمكن
قلت ذكر اليوم أو الثلاث ليس بقيد وإنما هو كناية عن سرعة التفريق من غير تأخير ولا إبقاء شيء منه وفيه أيضا مبالغة لقوله وعندي الواو فيه للحال قوله إلا شيئا استثناء من دينار قوله أرصده بضم الهمزة أي أعده وأحفظه وعن الكسائي والأصمعي أرصدت له أعددت له ورصدته ترقبته وهذه الجملة أعني أرصده في محل النصب لأنها صفة لقوله شيئا ثم إرصاد العين أعم من أن يكون لصاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذه أو لأجل وفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفى قوله لدين ويروى لديني بياء الإضافة قوله إلا أن أقول به استثناء بعد استثناء قال الكرماني إلا أن أقول استثناء من فاعل يسرني أي إلا أن أصرفه وقد ذكرنا غير مرة أن العرب تستعمل لفظ القول في معان كثيرة قوله في عباد الله أي بين عباد الله كما في قوله تعالى فادخلي في عبادي ( الفجر92 ) أي بين عبادي قوله هكذا وهكذا وهكذا قالها ثلاث مرات وأشار بها بيده ثم بين ذلك بقوله عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وهذا على سبيل المبالغة لأن الأصل في العطية أن تكون لمن بين يديه وهذه جهة رابعة من الجهات الأربع ولم يذكر ههنا وقد جاء في رواية أحمد بن ملاعب عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه بلفظ إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأرانا بيده وذكر فيه الجهات الأربع وأخرجه أبو نعيم من طريق سهل بن بحر عن عمر بن حفص فاقتصر على ثنتين قوله ثم مشى أي رسول الله قوله إن الأكثرين هم الأقلون ويروى ألا إن الأكثرين هم المقلون وقد مضت رواية أخرى إن المكثرين هم المقلون وفي رواية أحمد إن المكثرين هم الأقلون قوله إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا وفي رواية ابن شهاب إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا قوله وقليل ما هم كلمة ما زائدة مؤكدة للقلة وهم مبتدأ وقليل مقدما خبره قوله مكانك بالنصب أي إلزم مكانك قوله لا تبرح حتى آتبك تأكيد لما قبله وفي رواية حفص لا تبرح يا أبا ذر حتى أرجع قوله ثم انطلق في سواد الليل فيه إشعار بأن القمر قد غاب قوله حتى توارى أي حتى غاب عن بصري قوله فسمعت صوتا وفي رواية أبي معاوية لفظا وصوتا قوله قد عرض بهم العين وروى فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي أي له سوء قوله وإن زنى وإن سرق تعرض وقع في رواية عبد العزيز بن رفيع
قلت يا جبرائيل وإن سرق وإن زنى قال نعم وكررها مرتين في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي ثلاثا
5446 - حدثنا ( أحمد بن شبيب ) حدثنا أبي عن ( يونس )
وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) قال ( أبو هريرة ) رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله

(23/53)


عليه وسلم لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيئا أرصده لدين
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن شبيب بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى ابن سعيد الحبطي بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وبالطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من بني تميم البصري وهو من أفراد البخاري وضعفه ابن عبد البر تبعا لأبي الفتح الأزدي والأزدي غير مرضي فلا يتبع في ذلك
قلت فلذلك قال في ( رجال الصحيحين ) روى عنه البخاري في غير موضع مقرونا إسناده بإسناد آخر وأبوه شبيب بن سعيد روى عنه ابنه أحمد في الاستقراض ومناقب عثمان مفردا وفي غير موضع مقرونا ويونس هو ابن يزيد
قوله وقال الليث إلى آخره ذكره البخاري تقوية لرواية أحمد بن شبيب
والحديث مضى في الاستقراض عن أحمد بن شبيب أيضا قوله مثل أحد ذهبا في رواية الأعرج لو أن أحدكم عندي ذهبا قوله لسرني جواب لو التي للتمني وهو ماض مثبت كما في قولك لو قام لقمت وذكر بعضهم في شرحه ما يسرني بلفظ المضارع وبكلمة ما النافية ثم نقل كلام ابن مالك بما ملخصه إن جواب لو التي للتمني يكون ماضيا مثبتا وهنا وقع مضارعا منفيا ثم أجاب بما ملخصه أن المضارع هنا وقع موضع الماضي وأيضا أن الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن المؤمن لا ينبغي له أن يتمنى كثرة المال إلا بشرط أن يسلطه الله تعالى على إنفاقه في طاعته اقتداه بالشارع في ذلك وفيه أن المبادرة إلى الطاعة مطلوبة وفيه أنه كان يكون عليه دين لكثرة مواساته بقوته وقوت عياله وإيثاره على نفسه أهل الحاجة وفيه الرضا بالقليل والصبر على خشونة العيش
51 -
( باب الغنى غنى النفس )
أي هذا باب يذكر فيه الغنى غنى النفس سواء كان الشخص متصفا بالمال الكثير أو القليل والغنى بالكسر مقصور وربما مده الشاعر للضرورة وهو من الصوت ممدود والغناء بالفتح والمد الكفاية وقال بعضهم باب بالتنوين
قلت ليس كذلك لأن التنوين علامة الإعراب ولفظ باب مفرد والمعرب جزء المركب
وقول الله تعالى أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ( المؤمنون55 ) إلى قوله تعالى من دون ذلك هم لها عاملون ( المؤمنون36 )
في رواية أبي ذر إلى عاملون وبقية هذه الآية بعد بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ( المؤمنون65 ) ثم من بعد هذه الآية إلى قوله وهم لها عاملون ثمان آيات أخرى فالجملة تسع آيات ساقها الكرماني كلها في شرحه ثم قال غرض البخاري من ذكر الآية أن المال مطلقا ليس خيرا قوله أيحسبون الآية نزلت في الكفاء وليست بمعارضة لدعائه لأنس بكثرة المال والولد والمعنى أيحسبون أن ما نمدهم به أي نعطيهم ونزيدهم من مال وبنين مجازاة لهم وخيرا بل هو استدراج لهم ثم بين المسارعين إلى الخيرات من هم فقال إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ( المؤمنون75 ) أي خائفون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون ( المؤمنون85 ) أي يصدقون وهذه الآية والتي بعدها في مدح هؤلاء المتقين قوله والذين يؤتون ( المؤمنون95 ) أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات والحال أن قلوبهم وجلة أي خائفة أن لا يقبل منهم قوله يسارعون يقول سارعت وأسرعت بمعنى واحد إلا أن سارعت أبلغ من أسرعت قوله وهم لها أي إليها والتقدير وهم يسابقونها قوله إلا وسعها يعني إلا ما يسعها قوله ولدينا كتاب يعني اللوح المحفوظ ينطق بالحق يعني يشهد بما عملوه قوله بل قلوبهم في غمرة إضراب عن وصف المتقين وشروع في وصف الكفار أي في غفلة عن الإيمان بالقرآن قاله مقاتل وقيل في عماية من هذا أي من القرآن قوله لهم أعمال من دون ذلك أي أعمال سيئة دون الشرك وقيل دون أعمال المؤمنين قوله هم لها عاملون إخبار عما سيعملونه من الأعمال الخبيثة التي كتبت عليهم لا بد أن يعملوها

(23/54)


وقال ابن عيينة لم يعملوها لا بد من أن يعملوها
أي قال سفيان بن عيينة في تفسير قوله تعالى ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ( المؤمنون36 ) حاصله كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد من أن يعملوها قبل موتهم ليحق عليهم كلمة العذاب
6446 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( أبو بكر ) حدثنا ( أبو حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال ليس الغنى عن كثرة العرض ولاكن الغنى غنى النفس
مطابقته للترجمة ظاهرة وأما وجه المناسبة بين الحديث والآية هو أن خيرية المال ليست لذاته بل بحسب ما يتعلق به وإن كان يسمى خيرا وكذلك ليس صاحب المال الكثير غنيا لذاته بل بحسب تصرفه فيه فإن كان غنيا في نفسه لم يتوقف في صرفه في الواجبات والمستحبات من وجوه البر والقربات وإن كان في نفسه فقيرا أمسكه وامتنع من بذله فيما أمر به خشية من نفاده فهو في الحقيقة فقير صورة ومعنى وإن كان المال تحت يده لكونه لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الآخرة بل ربما كان وبالا عليه
وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التيمي اليربوعي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وأبو بكر هو ابن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة القارىء المشهور الكوفي وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين واسمه عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن أحمد بن بديل بن قريش اليامي الكوفي
قوله من كثرة العرض بفتحتين حطام الدنيا وبالسكون المتاع وقال أبو عبيد العروض الأمتعة وهي ما سوى الحيوان والعقار وما لا يدخله كيل ولا وزن وقال ابن فارس العرض بالسكون كل ما كان من المال غير نقدوجمعه عروض وأما بالفتح فما يصيبه الإنسان من حظ في الدنيا قال تعالى تريدون عرض الدنيا ( الأنفال76 ) وقال وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ( الأعراف961 ) حاصل معنى الحديث ليس الغنى الحقيقي المعتبر من كثرة المال بل هو من استغناء النفس وعدم الحرص على الدنيا ولهذا ترى كثيرا من المتمولين فقير النفس مجتهدا في الزيادة فهو لشدة شرهه وشدة حرصه على جمعه كأنه فقير وأما غنى النفس فهو من باب الرضا بقضاء الله لعلمه أن ما عند الله لا ينفد
61 -
( باب فضل الفقر )
أي هذا باب في بيان فضل الفقر والمراد به الفقر الذي صاحبه راض بما قسم الله له وصابر على ذلك ولا يصدر من قوله وفعله ما يسخط الله تعالى ولا يترك التكسب ويشتغل بالسؤال الذي فيه ذلة ومنة وأما فقراء هذا الزمان فإن أكثرهم غير موصوف بهذه الصفات وفقر هؤلاء هو الذي استعاذ منه النبي وأما الخلاف في أن الفقر الصابر أفضل أو الغني الشاكر فهو مشهور قد تكلمت فيه جماعة كثيرون
7446 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل بن سعد الساعدي ) أنه قال ( مر رجل على ) رسول الله فقال لرجل عنده جالس ما رأيك في هاذا فقال رجل من أشراف الناس هاذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع قال فسكت رسول الله ثم مر رجل فقال له رسول الله ما رأيك في هذا فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هاذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله فقال رسول الله هاذا خير من ملء الأرض من مثل هاذا
( انظر الحديث 1905 )

(23/55)


مطابقته للترجمة في الشق الثاني من الحديث وإسماعيل هو ابن أبي أويس وعبد العزيز يروي عن أبيه أبي حازم بالحاء المهملة وبالزاي واسمه سلمة بن دينار
والحديث مضى في كتاب النكاح في باب الأكفاء في الدين فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن حمزة عن أبي حازم إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله حري بفتح الحاء المهلمة وكسر الراء وتشديد الياء أي جدير ولائق قوله أن ينكح على صيغة المجهول قوله لا يشفع أيضا على صيغة المجهول بتشديد الفاء وكذا لا يسمع على صيغة المجهول أي لا يلتفت إليه بقوله من مثل هذا ويروى مثل هذا بنصب مثل على التمييز ووقع في ( مسند محمد بن هارون الروياني وفي ( فتوح مصر ) لابن عبد الحكم وفي ( مسند الصحابة ) الذين نزلوا مصر ) لمحمد بن الربيع الحبري إن اسم المار الثاني جعبد قال أبو عمر جعيد بن سراقة الغفاري ويقال الضمري أثنى عليه رسول الله
8446 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( الأعمش ) قال سمعت ( أبا واثل ) قال ( عدنا خبابا ) فقال ( هاجرنا مع ) النبي نريد وجه الله فوقع أجرنا على الله تعالى فمنهم من مضى لم يأخذ من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة فإذا غطينا رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدا رأسه فأمرنا النبي أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قضية مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه
والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى أحد أجداده حميد وسفيان هو ابن عيينة والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة
والحديث مضى في الجنائز في باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله عدنا من العيادة قوله هاجرنا مع النبي أي إلى المدينة بأمره وإذنه والمراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة قوله نريد وجه الله ويروى ينبغي وجه الله أي جهة ما عنده من الثواب لا جهة الدنيا قوله فوقع قال الكرماني أي تبت أجرنا على الله كالشيء الواجب أو ثبت بحسب ما وعد العباد
قلت الأحسن أن يقال ثبت جزاؤنا بحسب وعده ولا يجب على الله شيء قوله فمنهم أي فمن الذين هاجروا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا وفي روايته المتقدمة في الجنائز فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا أي من عرض الدنيا فإن قلت الأجر ثواب الآخرة
قلت نعم الدنيا أيضا من جملة الخير والأجر قوله مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى يجتمع مع رسول الله في قصي قوله قتل يوم أحد أي قتل شهيدا في غزوة أحد وكان صاحب لوآء رسول الله يومئذ قوله نمرة بفتح النون وكسر الميم ثم راء هي إزار من صوف مخطط أو بردة قوله أينعت بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون والعين المهملة أي حان قطافها واليانع النضيج ويروى ينعت بدون الهمزة وهي لغة قال الفراء أينعت أكثر قوله يهدبها بفتح أوله وسكون الهاء وكسر الدال المهملة وضمها أي يجتنيها ويقطعها
9446 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( سلم بن زرير ) حدثنا ( أبو رجاء ) عن ( عمران بن حصين ) رضي الله عنهما عن النبي قال اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وسلم بفتح السين وسكون اللام ابن زرير بفتح الزاي وكسر الراء الأولى على وزن عظيم العطاردي البصري وأبو رجاء عمران بن تيم العطاردي
والحديث مضى في

(23/56)


صفة الجنة عن أبي الوليد أيضا وفي النكاح عن عثمان بن الهيثم
تابعه أيوب وعوف
أي تابع أبا رجاء أيوب السختياني وعوف المشهور بالأعرابي في روايته عن عمران بن حصين أما متابعة أيوب فوصلها النسائي عن بشر بن هلال عن عمران بن موسى عن عبد الوارث عن أيوب عن أبي رجاء عن عمران وأما متابعة عوف فوصلها البخاري في كتاب النكاح
وقال صخر وحماد بن نجيح عن أبي رجاء عن ابن عباس
صخر هو ابن جويرية البصري وحماد بتشديد الميم ابن نجيح بفتح النون وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة الإسكاف وتعليق صخر رواه النسائي عن يحيى بن مخلد المقسمي حدثنا المعافي بن عمران عن صخر بن جويرية عن أبي رجاء عن ابن عباس وتعليق حماد رواه النسائي أيضا عن محمد بن معمر النجراني حدثنا عثمان بن عمر عن حماد بن نجيح عن أبي رجاء عن ابن عباس
0546 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( سعيد بن أبي عروبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال لم ( يأكل ) النبي عل خوان حتى مات وما أكل خبزا مرققا حتى مات ( انظر الحديث 6835 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وقال ابن بطال الحديث لا يدل إلا على فضل القناعة والكفاف
قلت القناعة والكفاف من صفات الفقراء الراضين بما قسم الله وهذا يدل على فضل الفقر
وأبو معمر بفتح الميمين هو عبد الله بن محمد بن عمرو بن الحجاج وعبد الوارث بن سعيد البصري
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وأخرجه النسائي في الوليمة عن الفضل بن سهل الأعرج وأخرجه ابن ماجه في الأطعمة عن عبد الله بن يوسف
قوله خوان بكسر الخاء المعجمة وضمها وهو ما يؤكل عليها الطعام عند أهل التنعم ويجمع على خوت وأخونة
1546 - حدثنا ( عبد الله بن أبي شيبة ) حدثنا ( أبو أسامة ) حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت لقد توفي النبي وما في رفي من شيء يأكله ذو وكبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني ( انظر الحديث 7903 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن هذه الحالة تدل على اختيار الفقر وفضله
وعبد الله بن أبي شيبة هو أبو بكر وأبو شيبة جده لأبيه وهو ابن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم أصله من واسط وسكن الكوفة وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير
والحديث مضى في الخمس أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي كريب
قوله وما في رفي ويروى وما في بيتي والرف بفتح الراء وتشديد الفاء خشبة عريضة يغرز طرفاها في الجدار وهو شبه الطاق في البيوت فإن قلت هذا يخالف ما في الوصايا من حديث عمر بن الحارث المصطلقي ما ترك رسول الله عند موته دينارا ولا درهما ولا شيئا
قلت لا مخالفة أصلا لأن مراده بالشيء المنفي ما يتخلف عنه مما كان يختص به وأما الذي قالته عائشة فكان بقية نفقتها التي تختص بها فلم يتحد الموردان قوله ذو كبد يشمل جميع الحيوانات قوله إلا شطر شعير أي بعض شعير قوله فكلته بكسر الكاف ففني أي فرغ قيل قد مر في البيع في باب الكيل أنه قال كيلوا طعامكم يبارك لكم وقولها فكلته ففني مشعر بأن الكيل سبب عدم البركة وأجيب بأن البركة عند البيع وعدمها عند النفقة أو المراد أن مكيله بشرط أن يبقى الباقي مجهولا

(23/57)


71 -
( باب كيف كان عيش النبي وأصحابه وتخليهم من الدنيا )
أي هذا باب في بيان كيفة عيش النبي وكيفية عيش أصحابه رضي الله عنهم وفي بيان تخليهم أي تركهم الملاذ والشهوات من الدنيا
2546 - حدثنا ( أبو نعيم بنحو من نصف هاذا ) الحديث حدثنا ( عمر بن ذر ) حدثنا ( مجاهد ) أن ( أبا هريرة ) كان يقول الله الذي لا إلاه إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل ثم مر بي أبو القاسم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال إلحق ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنا في قدح فقال من أين هذا اللبن قالوا أهداه لك فلان أو فلانة قال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال إلحق إلى أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذالك فقلت وما هاذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أنا أن أصيب من هاذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا جاؤوا أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عساى أن يبلغني من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال خذ فأعطهم قال فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يرواى ثم يرد علي القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يرواى ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يرواى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي وقد روي القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة ( انظر الحديث 5735 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه الإخبار عن عيش النبي وعيش أصحابه رضي الله عنهم
وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وعمر بضم العين ابن ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء الهمداني
وبعض الحديث مضى في الاستئذان مختصرا أخرجه عن أبي نعيم عن عمر بن ذرو عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن عمر بن ذر ثم أعاده هنا عن أبي نعيم وحده مطولا وأخرجه الترمذي في الزهد عن هناد بن سري عن يونس بن بكير عن عمر بن ذر به وأخرجه النسائي في الرقاق عن أحمد بن يحيى عن أبي نعيم
دقوله بنحو من نصف هذا الحديث أشار به إلى حديث الباب

(23/58)


قال الكرماني هذا مشكل لأن نصف الحديث يبقى بدون الإسناد ثم إن النصف مبهم أهو النصف الأول أم الآخر ثم أجاب بأنه اعتمد على ما ذكر في كتاب الأطعمة من طريق يوسف بن عيسى المروزي وهو قريب من نصف هذا الحديث فلعل البخاري أراد بالنصف المذكور لأبي نعيم ما لم يذكره ثمة فيصير الكل مسندا بعضه بطريق يوسف والبعض الآخر بطريق أبي نعيم وقال صاحب ( التلويح ) ذكر البخاري هذا الحديث في الاستئذان مختصرا فقال حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر وعن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك عن عمر بن ذر حدثنا مجاهد وكان هذا هو النصف المشار إليه ههنا انتهى واعترض عليه الكرماني بقوله ليس ما ذكره ثمة نصفه ولا ثلثه ولا ربعه وقال بعضهم فيه نظر من وجهين آخرين أحدهما احتمال أن يكون هذا السياق لابن المبارك فإنه لا يتعين كونه لفظ أبي نعيم وثانيهما أنه منتزع من أثناء الحديث فإنه ليس فيه القصة الأولى المتعلقة بأبي هريرة ولا ما في آخره من حصول البركة في اللبن إلى آخره
قلت في هذا النظر نظر لأنه إذا لم يتعين كون السياق لأبي نعيم كذلك لا يتعين كونه لابن المبارك وكونه منتزعا من أثناء الحديث لا يضر على ما لا يخفى
قوله الله بالنصب قسم حذف حرف الجر منه ويروى والله على الأصل قوله إن كنت كلمة إن هذه مخففة من الثقيلة قوله لأعتمد بكبدي على الأرض أي إلصق بطني بالأرض قوله وإن كنت وإن هذه أيضا مخففة من الثقيلة قوله لأشد الحجر على بطني اللام فيه للتأكيد وفي رواية عن أبي هريرة لتأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه وفائدة شد الحجر على البطن المساعدة على الاعتدال والانتصاب على القيام أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكونها حجارة رقاقا تعدل البطن وربما سدت طرف الأمعاء فيكون الضعف أقل أو تقليل حرارة الجوع ببرودة الحجر أو الإشارة إلى كسر النفس وإلقامها الحجر ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب وقال الخطابي اشكل الأمر في شد الحجر على قوم حتى توهموا أنه تصحيف من الحجز بالزاي جمع الحجزة التي يشد بها الإنسان وسطه لكن من أقام بالحجاز عرف عادة أهله في أن المجاعة تصيبهم كثيرا فإذا خوى البطن لم يكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف فيربطها على البطن فتعتدل القامة بعض الاعتدال
قلت وممن أنكر ربط الحجر ابن حبان في ( صحيحه ) قوله على طريقهم أي طريق النبي وأصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسجد متحدة قوله ليشبعني من الإشباع من الجوع وفي رواية الكشميهني ليستتبعني من الاستتباع وهو طلب أن يتبعه قوله فمر أي إلى حاله ولم يفعل أي الإشباع أو الاستتباع قوله ثم مر بي عمر رضي الله تعالى عنه كأنه استقر هنا حتى مر به عمر فوقع أمره معه مثل ما وقع مع أبي بكر والظاهر أنهما حملا سؤال أبي هريرة على ظاهره وهو سؤاله عن آية من القرآن أو لم يكن عندهما شيء إذ ذاك ويروى أن عمر رضي الله تعالى عنه تأسف على عدم إدخاله أبا هريرة في داره قوله وما في وجهي أي من التغير فيه من الجوع قوله أباهر ووقع في رواية علي بن مسهر فقال أبو هر ووجهه على لغة من لا يعرب الكنية وهو بتشديد الراء وهو إما رد الاسم المؤنث إلى المذكر أو المصغر إلى المكبر فإن كنيته في الأصل أبو هريرة تصغير هرة مؤنثا وأبو هر مذكر مكبر وقيل يجوز فيه تخفيف الراء مطلقا ووقع في رواية يونس بن بكير فقال أبو هريرة أي أنت أبو هريرة قوله إلحق من اللحوق أي اتبعني قوله فدخل زاد ابن مسهر إلى أهله قوله فاستأذن على صيغة المتكلم من المضارع وفي رواية علي بن مسهر ويونس فأستادنت قوله فدخل فيه التفات وفي رواية علي بن مسهر فدخلت وهي ظاهرة قوله فوجد لبنا في قدح وفي رواية علي بن مسهر فإذا هو لبن في قدح وفي رواية يونس فوجد قدحا من اللبن قوله من أين هذا اللبن زاد روح لكم وفي رواية ابن مسهر فقال لأهله من أين لكم هذا قوله أو فلانة شك من الراوي قوله إلحق إلى أهل الصفة عدى إلحق بكلمة إلى لأنه ضمنه معنى انطلق وكذا وقع في رواية روح انطلق قوله قال وأهل الصفة سقط لفظ قال في رواية روح ولا بد منه لأنه من كلام أبي هريرة قوله ولا على أحد تعميم بعد تخصيص فيشمل الأقارب والأصدقاء وغيرهم قوله فساءني ذلك وفي رواية علي بن مسهر والله ومعناه أهمني ذلك قوله وما هذا اللبن في أهل الصفة أي ما قدره في أهل الصفة الواو فيه عطف على محذوف تقديره هذا قليل أو نحو ذلك وما هذا وفي رواية يونس بحذف الواو وفي رواية

(23/59)


علي بن مسهر وأين يقع هذا اللبن من أهل الصفة قوله فإذا جاء كذا فيه بالإفراد في بعض النسخ أي إذا جاء من أمرني بطلبه وفي رواية الأكثرين فإذا جاؤوا بصيغة الجمع كما في نسختنا قوله أمرني أي رسول الله قوله وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن أي قائلا في نفسي وما عسى قال الكرماني والظاهر أن عسى مقحم قوله وأخذوا مجالسهم من البيت يعني قعد كل واحد منهم في المجلس الذي يليق به ولم يذكر عددهم وقد تقدم في أبواب المساجد في كتاب الصلاة من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رأيت سبعين من أصحاب الصفة الحديث وذكر في ( الحلية ) أن عدتهم تقرب من المائة وقال أبو نعيم كان عدد أهل الصفة يختلف بحسب اختلاف الحال فربما اجتمعوا فكثروا وربما تفرقوا إما لغزو أو سفر أو استغناء فقلوا وقيل هنا كانوا أكثر من سبعين قوله خذ أي القدح الذي فيه اللبن فأعطهم وصرح هكذا في رواية يونس قوله حتى يروى بفتح الواو نحو رضي يرضى قوله ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل قال الكرماني الرجل الثاني معرفة معادة فيكون عين الأول على القاعدة النحوية لكن المراد غيره ثم أجاب بأن ذلك حيث لا قرينة ولفظ حتى انتهيت قرينة المغايرة كما في قوله عز و جل قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ( آل عمران62 ) قوله فتبسم كان ذلك لأجل توهم أبي هريرة أن لا يفضل له من اللبن شيء قوله فقال أبا هر أي يا أبا هر وفي رواية علي بن مسهر فقال أبو هريرة أي فقال النبي أبو هريرة وقد ذكرنا وجهه عن قريب قوله قال بقيت أنا وأنت هذا بالنسبة إلى من حضر من أهل الصفة فأما من كان في البيت من أهل النبي فلم يتعرض لذكرهم ويحتمل أن لا يكون إذ ذاك في البيت أحد أو كانوا أخذوا كفايتهم وكان الذي في القدح نصيب النبي قوله فأرني وفي رواية روح ناولني القدح قوله فحمد الله وسمى أما الحمد فلحصول البركة فيه وأما التسمية فلإقامة السنة عند الشرب وشرب الفضلة أي البقية
وفيه فوائد كثيرة يستخرجها من له يد في تحرير النظر وتقريب المراد
3546 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) الله عن ( إسماعيل ) حدثنا ( قيس ) قال سمعت ( سعدا ) يقول إني لأول العرب رماى بسهم في سبيل الله ورأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط ثم أصبحت بنو أسد تعززني على الإسلام خبت إذا وضل سعيي ( انظر الحديث 8273 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه بيان عيش سعد وغيره على الوجه المذكور
ويحيى هو ابن سعيد القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وسعد هو ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في فضل سعد عن عمرو بن عوف وفي الأطعمة عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن حبيب ومضى الكلام فيه
قوله لأول العرب اللام فيه للتأكيد وفي رواية الترمذي إني لأول رجل أهرق دما في سبيل الله قوله ورأيتنا بضم التاء المثناة من فوق أي ورأيت أنفسنا قوله نغزو من الغزو في سبيل الله قوله الحبلة بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وقيل بفتحها أيضا وهي ثمر السلم أو ثمر عامة العضاه وهي بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة شجرا له شوك كالطلح والعوسج قوله السمر بضم الميم شجر وفي مسلم ما تأكل الأوراق الحبلة هذا السمر قوله ليضع كناية عن التغوط أي ليضع الذي يخرج منه عند التغوط قوله ماله خلط بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام يعني لا يختلط بعضه ببعض لجفافه وشدة يبسه الناشىء عن تقشف العيش قوله بنو أسد قبيلة وهي أسد بن خزيمة قوله تعزرني أي تقومني بالتعليم على أحكام الدين وهو من التعزير وهو التوقيف على الأحكام والفرائض ومنه تعزير السلطان وهو التقويم بالتأديب قوله على الإسلام ويروى على الدين قوله خبت من الخيبة وهي الحرمان والخسران قوله وضل سعيي ويروى وضل عملي قيل كيف جاز لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لورود النهي عنه وأجيب بأن الجهال لما عيروه بأنه لا يحسن الصلاة فاضطر إلى ذكر فضله والمدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره ذلك

(23/60)


4546 - حدثني ( عثمان ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) قالت ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض ( انظر الحديث 6145 )
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه بيان عيش آل النبي على الوجه المذكور
وعثمان هو ابن أبي شيبة وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد وكل هؤلاء كوفيون
والحديث مضى في الأطعمة عن قتيبة
قوله آل محمد أي النبي قوله تباعا بكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف الباء الموحدة أي متتابعة ومتوالية قوله حتى قبض إشارة إلى استمراره على تلك الحالة مدة إقامته وهي عشر سنين بما فيها من أيام أسفاره في الغزو والحج والعمرة
أخرجه ابن سعد من وجه آخر عن إبراهيم وما رفع عن مائدته كسرة خبز فضلا حتى قبض وروى عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة ما شبع آل محمد من خبز بر مأدوم أخرجه مسلم وروى مسلم أيضا من رواية يزيد بن قسيط عن عائشة رضي الله عنهما ما شبع رسول الله من خبز وزيت في يوم واحد مرتين وله من طريق مسروق عنها والله ما شبع من خبز ولحم في يوم مرتين وروى ابن سعد من طريق الشعبي عن عائشة أن رسول الله كانت تأتي عليه أربعة أشهر ما يشبع من خبز البر
5546 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمان حدثنا إسحاق هو الأزرق عن مسعر ابن كدام عن هلال عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت ما أكل آل محمد أكلتين في يوحم إلا إحداهما تمر
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن ) أبو يعقوب البغوي يقاله له لؤلؤ سكن بغداد و ( إسحاق ) الأزرق بتقديم الزاي على الراء هو إسحاق بن يوسف بن يعقوب الواسطي ومسعر بكسر الميم وسكون المهملة الأولى وفتح الثانية وبالراء ابن كدام بكسر الكاف وتخفيف الدال المهملة العامري مر في الوضوء و ( هلال ) بن حميد ويقال ابن أبي حميد الوزان الكوفي يروي عن ( عروة ) بن الزبير عن ( عائشة )
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي كريب
قوله أكلتين بفتح الهمزة وضمها
6546 - حدثني ( أحمد بن رجاء ) حدثنا ( النضر ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان فراش رسول الله من أدم وحشوه من ليف
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن رجاء بالجيم والمد الهروي والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل بالشين المعجمة مصغر يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة والحديث من أفراده
قوله من أدم بفتح الهمزة والدال المهملة وأخرج ابن ماجه من رواية ابن نمير عن هشام بلفظ كان ضجاع رسول الله أدما وحشوه ليف والضجاع بكسر الضاد المعجمة وبالجيم هو ما يرقد عليه
7546 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام بن يحيى ) الله حدثنا ( قتادة ) قال ( كنا نأتي أنس بن مالك ) وخبازه قائم وقال كلوا فما أعلم النبي رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله ولا رأى شاة سميطا بعينه قط ( انظر الحديث 5835 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهدبة بفتح الهاء وسكون الدال المهملة
والحديث مضى في الأطعمة عن محمد بن سنان
قوله مرققا قال ابن الأثير هو الأرغفة الواسعة الرقيقة يقال رقيق ورقاق كطويل وطوال قوله سميطا أي مشويا فعيل بمعنى

(23/61)


مفعول وأصل السمط أن ينزع صوف الشاة المذبوحة بالماء الحار وإنما يفعل بها ذلك في الغالب لتشوى وإنا لم يقل سميطة لأنا قلنا هو فعيل بمعنى مفعول فيستوي فيه التذكير والتأنيث وغرضه أن النبي ما كان منعما في المأكولات
8546 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى ) الله حدثنا ( هشام ) أخبرني أبي عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللحيم طابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه إخبارا عن كيفية عيشهم
ويحيى هو القطان وهشام هو ابن عروة والحديث من أفراده
قوله إنما هو أي طعامنا قوله إلا أن نؤتى على صيغة المجهول بنون الجماعة قوله باللحيم تصغير اللحم أشارت به إلى قلقه ويروى مكبرا
9546 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ) حدثني ( ابن أبي حازم ) عن أبيه عن ( يزيد بن رومان ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أنها قالت لعروة ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله نار فقلت ما كان يعيشكم قالت الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله من أبياتهم فيسقيناه ( انظر الحديث 7652 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وابن أبي حازم هو عبد العزيز وأبوه سلمة بن دينار ويزيد من الزيادة ابن رومان بضم الراء أبو روح الأسدي المدني مولى آل الزبير بن العوام
والحديث مضى في أول الهبة عن عبد العزيز المذكور بعين هذا الإسناد والمتن وفيه فقلت يا خالة ما كان يعيشكم
قوله من أبياتهم وهناك من ألبانهم قوله ابن أختي أي يا ابن أختي وحرف النداء محذوف وكانت أم عروة أسماء بنت أبي بكر الصديق أخت عائشة رضي الله عنهم قوله إن كنا لننظر كلمة إن مخففة من الثقيلة قوله إلى الهلال أي الثالث وهو هلال الشهر الثالث لأنه يرى عند انقضاء الشهرين وبرؤيته يدخل الشهر الثالث قوله يعيشكم بضم الياء وفتح العين وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة وبالشين المعجمة أي المضمومة ويروى يعيشكم بضم الياء وكسرالعين وسكون الياء من أعاشه الله أي أعطاه العيش قوله إلا أنه كلمة إلا بمعنى لكن وأنه أي وأن الشأن قوله منائح جمع منيحة وفي ( المغرب ) المنيحة والمنحة الناقة الممنوحة ومنيحة اللبن أن يعطى الرجل ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها قوله يمنحون رسول الله أي يعطونه من المنائح قوله فيسقيناه أي يسقينا رسول الله ويروى فيسقيني بالإفراد
0646 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( محمد بن فضيل ) عن أبيه عن ( عمارة ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله اللهم ارزق آل محمد قوتا
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه طلب الكفاف وفضله وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك وهكذا كان عيشه
وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي ومحمد بن فضيل مصغر فضل بالمعجمة ابن غزوان الضبي الكوفي ومحمد هذا يروي عن أبيه فضيل المذكور عن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبالراء ابن القعقاع وأبو زرعة هرم بفتح الهاء ابن عمرو بن جرير
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي عمار وأخرجه النسائي في الرقائق عن إسحاق بن إبراهيم
قوله قوتا أي مسكة من الرزق
81 -
( باب القصد والمداومة على العمل )

(23/62)


أي هذا باب في بيان استحباب القصد وهو السلوك في الطريق المعتدلة ويقال القصد استقامة الطريق بين الإفراط والتفريط قوله والمداومة أي وفي بيان المداومة على العمل الصالح
1646 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا أبي عن ( شعبة ) عن ( أشعث ) قال سمعت أبي قال سمعت ( مسروقا ) قال سألت ( عائشة ) رضي الله عنها أي العمل كان أحب إلى النبي قالت الدائم قال قلت فأي حين كان يقوم قالت كان يقوم إذا سمع الصارخ ( انظر الحديث 2311 وطرفه )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة ابن أبي الشعثاء واسمه سليم بن الأسود
والحديث مضى بهذا الإسناد في كتاب التهجد في باب من نام عند السحر
قوله فأي حين هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره في أي حين قوله يقوم أي من النوم والصارخ الديك قال الكرماني أو المؤذن قلت فيه نظر
1646 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا أبي عن ( شعبة ) عن ( أشعث ) قال سمعت أبي قال سمعت ( مسروقا ) قال سألت ( عائشة ) رضي الله عنها أي العمل كان أحب إلى النبي قالت الدائم قال قلت فأي حين كان يقوم قالت كان يقوم إذا سمع الصارخ ( انظر الحديث 2311 وطرفه )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة ابن أبي الشعثاء واسمه سليم بن الأسود
والحديث مضى بهذا الإسناد في كتاب التهجد في باب من نام عند السحر
قوله فأي حين هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره في أي حين قوله يقوم أي من النوم والصارخ الديك قال الكرماني أو المؤذن قلت فيه نظر
2646 - حدثنا ( قتيبة ) عن ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) أنها قالت كان أحب العمل إلى رسول الله الذي يدوم عليه صاحبه ( انظر الحديث 2311 وطرفه )
مطابقته أيضا للجزء الثاني للترجمة والحديث من أفراده
3646 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله لن ينجي أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا
مطابقته للجزء الأول للترجمة وهو قوله القصد وآدم هو ابن أبي إياس واسمه عبد الرحمن وابن أبي ذئب بلفظ الحيوان المشهور هو محمد بن عبد الرحمن
والحديث من أفراده
قوله لن ينجي من التنجية أو من الإنجاء ومعناه لن يخلص والنجاة من الشيء التخلص منه قوله أحدا منصوب على المفعولية وعمله بالرفع فاعل ينجي قوله ولا أنا قال الكرماني إذا كان كل الناس لا يدخلون الجنة إلا برحمة الله فوجه تخصيص رسول الله بالذكر هو أنه إذا كان مقطوعا له بأنه يدخل الجنة ولا يدخلها إلا برحمة الله فغيره يكون في ذلك بطريق الأولى قوله إلا أن يتغمدني الله أي إلا أن يسترني الله برحمته يقال تغمده الله برحمته إذا ستره بها ويقال تغمدت فلانا أي سترت ما كان منه وغطيته ومنه غمد السيف لأنك إذا غمدته فقد سترته في غلافه وفي رواية سهيل إلا أن يتداركني والاستثناء منقطع ويحتمل أن يكون متصلا من قبيل قوله تعالى لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ( الدخان65 ) قيل كيف الجمع بينه وبين قوله وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ( الزخرف27 ) وأجاب ابن بطال بما ملخصه إن الآية تحمل على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال وأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال ويحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( النحل23 ) فصرح بأن دخول الجنة أيضا بالأعمال وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون قوله برحمة وفي رواية أبي عبيد بفضل ورحمة وفي رواية الكشميهني من طريقه بفضل رحمته وفي رواية الأعمش بفضل ورحمة وفي رواية ابن عون بمغفرة ورحمة قوله سددوا وفي رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن سددوا ومعناه اقصدوا السداد أي الصواب وقال الكرماني التسديد بالمهملة من السداد وهو القصد من القول والعمل واختيار للصواب منهما قوله وقاربوا أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال

(23/63)


فتتركوا العمل فتفرطوا وقال الكرماني أي لا تبلغوا الغاية بل تقربوا منها قوله واغدوا من الغدو وهو السير من أول النهار والرواح السير من أول النصف الثاني من النهار قوله وشيء من الدلجة أي استعينوا ببعض شيء من الدلجة بضمالدال وإسكان اللام ويجوز في اللغة فتحها ويقال بفتح اللام أيضا وهو بالضم السير آخر الليل وبالفتح سير الليل وقد بسطنا الكلام فيه في باب الدين يسر في كتاب الإيمان قوله والقصد القصد بالنصب على الإغراء أي إلزموا الطريق الوسط المعتدل تبلغوا المنزل الذي هو مقصدكم شبه المتعبدين بالمسافرين فقال لا تستوعبوا الأوقات كلها بالسير بل اغتنموا أوقات نشاطكم وهو أول النهار وآخره وبعض الليل وارحموا أنفسكم فيما بينهما لئلا ينقطع بكم قال الله تعالى أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ( هود411 )
4646 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( سليمان ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( عائشة ) أن رسول الله قال سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل ( الحديث 4646 - طرفه في 7646 )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس العامري الأويسي المدني وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب القرشي التيمي وموسى بن عقبة بسكون القاف ابن أبي عياش الأسدي المدني
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن إسحاق بن إبراهيم وغيره وأخرجه النسائي في الرقائق عن الحسن بن إسماعيل
قوله سددوا وقاربوا قد مضى شرحهما عن قريب قوله إنه أي أن الشأن ويروى أن لن يدخل قوله لن يدخل بضم الياء من الإدخال وأحدكم منصوب لأنه مفعول وعمله مرفوع لأنه فاعل لقوله لن يدخل والجنة نصب على الظرف قوله أدومها بصيغة أفعل التفضيل قيل أدومها كيف يكون قليلا ومعنى الدوام شمول الأزمنة مع أنه غير مقدور أيضا أجيب بأن المراد بالدوام المواظبة العرفية وهي الإتيان بها في كل شهر أو كل يوم بقدر ما يطلق عليه عرفا اسم المداومة قوله وإن قل أي أحب الأعمال وهو معطوف على مقدر تقديره أن لم يقل وإن قل
6646 - حدثني ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) قال سألت أم المؤمنين ( عائشة ) قلت يا أم المؤمنين كيف كان عمل النبي هل كان يخص شيئا من الأيام قالت لا كان عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان النبي يستطيع ( انظر الحديث 7891 )

(23/64)


مطابقته للجزء الثاني للترجمة وجرير بن عبد الحميد ومنصور بن المعتمر وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس وهو خال إبراهيم ورجال السند كلهم كوفيون
والحديث مضى في الصوم عن مسدد ومضى الكلام فيه
قوله هل كان يخص شيئا من الأيام أي بعبادة مخصوصة لا يفعل مثلها في غيره فقالت لا قيل هو معارض بقولها ما رأيته أكثر صياما منه في شعبان وأجيب بأنه لا تعارض لأنه كان كثير الأسفار فلا يجد سبيلا إلى صيام الثلاثة الأيام من كل شهر فيجمعها في شعبان وإنما كان يوقع العبادة على قدر نشاطه وفراغه من جهاده قوله ديمة بكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف أي دائما والديمة في الأصل المطر المستمر بسكون بلا رعد ولا برق ثم استعمل في غيره وأصل ديمة دومة قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قوله وأيكم يستطيع إلى آخره أي في العبادة بحسب الكم وبحسب الكيف من خشوع وخضوع وإخبات
7646 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( محمد بن الزبرقان ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( أبي سلمة بن عبده الرحمان ) عن ( عائشة ) عن النبي قال سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة
قال أظنه عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة ( انظر الحديث 4146 )
هذا وجه آخر في حديث موسى بن عقبة الذي مضى عن قريب فإن فيه موسى بن عقبة عن أبي سلمة وهنا قال علي بن عبد الله شيخ البخاري اظن أن بين موسى بن عقبة وأبي سلمة واسطة وهو أبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ومحمد بن الزبرقان بكسر الزاي وسكون الباء الموحدة وكسر الراء وبالقاف الأهوازي وماله في البخاري سوى هذا الحديث وبقية شرح الألفاظ المذكورة قد مرت
عفان حدثنا وهيب عن موسى بن عقبة قال سمعت أبا سلمة عن عائشة عن النبي سددوا وأبشروا
أي قال عفان بن مسلم الصفار وإنما قال قال عفان لأنه أخذ منه مذاكرة لا تحديثا وتحميلا وكثيرا روى عنه بالواسطة وقال أبو نعيم هذا تدليس من البخاري قلت استبعد هذا وقد قال ابن القطان لما ذكر تدليس الشيوخ قال لم يصح ذلك عن البخاري قط ووهيب هو ابن خالد البصري وحديث وهيب هذا أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم حدثنا بهز حدثنا وهيب عن موسى به
وقال مجاهد سدادا سديدا صدقا
قول مجاهد هذا ثبت عند الأكثرين وثبت عند الطبري والفريابي عن مجاهد في قوله تعالى قولا سديدا ( النساء92 ) قال سدادا والسداد بفتح السين العدل المعتدل الكافي وبالكسر ما يسد الخلل وقال بعضهم زعم مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن أن الطبري وصل تفسير مجاهد عن موسى بن هارون عن عمرو بن طلحة عن أسباط عن السدي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وهذا وهم فاحش فما للسدي عن ابن أبي نجيح رواية
قلت رعاية الأدب مطلوبة وليته قال الشيخ مغلطاي أو علاء الدين فإنه كان يقال له علاء الدين مع أنه هو شيخ شيخه لأنه كثيرا ما يذكره في شرحه بتعظيم وقد علم أنه إذا اجتمع المثبت والنافي أخذ بقول المثبت لأن له زيادة علم
7646 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( محمد بن الزبرقان ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( أبي سلمة بن عبده الرحمان ) عن ( عائشة ) عن النبي قال سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة
قال أظنه عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة ( انظر الحديث 4146 )
هذا وجه آخر في حديث موسى بن عقبة الذي مضى عن قريب فإن فيه موسى بن عقبة عن أبي سلمة وهنا قال علي بن عبد الله شيخ البخاري اظن أن بين موسى بن عقبة وأبي سلمة واسطة وهو أبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ومحمد بن الزبرقان بكسر الزاي وسكون الباء الموحدة وكسر الراء وبالقاف الأهوازي وماله في البخاري سوى هذا الحديث وبقية شرح الألفاظ المذكورة قد مرت
عفان حدثنا وهيب عن موسى بن عقبة قال سمعت أبا سلمة عن عائشة عن النبي سددوا وأبشروا
أي قال عفان بن مسلم الصفار وإنما قال قال عفان لأنه أخذ منه مذاكرة لا تحديثا وتحميلا وكثيرا روى عنه بالواسطة وقال أبو نعيم هذا تدليس من البخاري قلت استبعد هذا وقد قال ابن القطان لما ذكر تدليس الشيوخ قال لم يصح ذلك عن البخاري قط ووهيب هو ابن خالد البصري وحديث وهيب هذا أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم حدثنا بهز حدثنا وهيب عن موسى به
وقال مجاهد سدادا سديدا صدقا
قول مجاهد هذا ثبت عند الأكثرين وثبت عند الطبري والفريابي عن مجاهد في قوله تعالى قولا سديدا ( النساء92 ) قال سدادا والسداد بفتح السين العدل المعتدل الكافي وبالكسر ما يسد الخلل وقال بعضهم زعم مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن أن الطبري وصل تفسير مجاهد عن موسى بن هارون عن عمرو بن طلحة عن أسباط عن السدي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وهذا وهم فاحش فما للسدي عن ابن أبي نجيح رواية
قلت رعاية الأدب مطلوبة وليته قال الشيخ مغلطاي أو علاء الدين فإنه كان يقال له علاء الدين مع أنه هو شيخ شيخه لأنه كثيرا ما يذكره في شرحه بتعظيم وقد علم أنه إذا اجتمع المثبت والنافي أخذ بقول المثبت لأن له زيادة علم
8646 - حدثني ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( محمد بن فليح ) قال حدثني أبي عن ( هلال بن علي ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال ( سمعته ) يقول إن رسول الله صلى لنا يوما الصلاة ثم رقى المنبر فأشار بيده قبل قبلة المسجد فقال قوله قد أريت الآن منذ صليت

(23/65)


لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين في قبل هاذا الجدار فلم أر كاليوم في الخير والشر فلم أر كاليوم في الخير والشر
مطابقته للترجمة من حيث أن تكون الجنة المرغبة والنار المرهبة نصب عين المصلي ليكونا باعثين على مداومة العمل وإدمانه
ومحمد بن فليح بضم الفاء مصغر الفلح بالفاء والحاء المهملة يروي عن أبيه فليج بن سليمان المغيرة الخزاعي وقيل الأسلمي وهلال بن علي وهو هلال بن أبي ميمونة ويقال هلال بن أبي هلال
والحديث مضى في الصلاة في باب رفع البصر إلى الإمام عن يحيى بن صالح وعن محمد بن سنان
قوله ثم رقى بفتح الراء وكسر القاف أي صعد وزنا ومعنى قوله قبل قبلة المسجد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة قبلة المسجد قوله أريت بضم الهمزة وكسر الراء قوله الجنة نصب على أنه مفعول ثان لأريت قوله ممثلتين أي مصورتين قوله في قبل هذا الجدار بضم القاف والباء الموحدة أي قدام هذا الجدار أي جدار المسجد ويروى هذا الحائط يقال مثل له أي صور له حتى كأنه ينظر إليه قوله فلم أر كاليوم أي يوما مثل هذا اليوم وقد وقع هذا مكررا تأكيدا
91 -
( باب الرجاء مع الخوف )
أي هذا باب في بيان استحباب الرجاء مع الخوف فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف ولا في الخوف عن الرجاء لئلا يقضي في الأول إلى الكبر وفي الثاني إلى القنوط وكل منهما مذموم والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها وأما من انهمك في المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا غرور في غرور وقد أخرج ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن عائشة قلت يا رسول الله الذين يؤتون وقلوبهم وجلة أهو الذي يسرق ويزني قال لا ولكن الذي يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف أن لا يقبل منه
وقال سفيان ما في القرآن آية أشد علي من لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل إليكم من ربكم ( المائدة 86 )
سفيان هذا هو ابن عيينة وأول الآية قل يا أهل الكتاب لستم على شيء وإنما كان أشد لأنه يستلزم العلم بما في الكتب الإلهية والعمل بها وقد مر في تفسير سورة المائدة وقيل الأخوف هو قوله تعالى واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( آل عمران131 ) وقيل هو لبئس ما كانوا يصنعون ( المائدة 36 ) وقيل أخوف آية من يعمل سوءا يجزيه ( النساء321 ) فإن قلت ما وجه مناسبة الآية بالترجمة
قلت من حيث إن الآية تدل على أن من لم يعمل بما تضمنه الكتاب الذي أنزل عليه لم يحصل له النجاة ولا ينفعه رجاؤه من غير عمل ما أمر به
9646 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( يعقوب بن عبد الرحمان ) عن ( عمرو بن أبي عمرو ) عن ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ( انظر الحديث 0006 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فلو يعلم الكافر إلى آخر الحديث وذلك أن المكلف لو تحقق ما عند الله من الرحمة لما قطع رجاءه أصلا ولو تحقق ما عنده من العذاب لما ترك الخوف أصلا فينبغي أن يكون بين الخوف والرجاء فلا يكون مفرطا في الرجاء بحيث يصير من المرجئة القائلين بأنه لا يضر مع الإيمان شيء ولا في الخوف بحيث يكون من الخوارج والمعتزلة

(23/66)


القائلين بتخليد صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة في النار بل يكون وسطا بينهما كما قال الله تعالى يرجون رحمته ويخافون عذابه ( الإسراء75 ) قوله قتيبة بن سعيد في رواية أبي ذر لم يذكر ابن سعيد قوله وعمرو بن أبي عمرو وبالواو فيهما مولى المطلب وهو تابعي صغير وشيخه تابعي وسط وكلاهما مدنيان
والحديث من أفراده وقد مر في الأدب في باب جعل الله الرحمة مائة جزء من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه جعل الله الرحمة مائة جزء
قوله إن الله خلق الرحمة أي الرحمة التي جعلها في عباده وهي مخلوقة وأما الرحمة التي هي صفة من صفاته فهي قائمة بذاته عز و جل قوله مائة رحمة أي مائة نوع من الرحمة أو مائة جزء كما في الحديث الذي تقدم في الأدب قوله في خلقه كلهم ويروى كله قاله الكرماني قوله فلو يعلم الكافر هكذا ثبت في هذا الطريق بالفاء إشارة إلى ترتب ما بعدها على ما قبلها ومن ثم قدم ذكر الكافر لأن كثرة الرحمة وسعتها تقتضي أن يطمعها كل أحد ثم ذكر المؤمن استطرادا والحكمة في التعبير بالمضارع دون الماضي الإشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذا امتنع في المستقبل كان ممتنعا فيما مضى وقد صرح ابن الحاجب أن لو لانتفاء الأول لانتفاء الثاني كما في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء22 ) فانتفاء التعدد بانتفاء الفساد وليس ههنا كذلك إذ فيه انتفاء الثاني وهو انتفاء الرجاء لانتفاء الأول كما في قوله لوجئتني لأكرمتك فإن الإكرام منتف لانتفاء المجيء قوله بكل الذي قيل فيه إشكال لأن لفظة كل إذا أضيفت إلى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الأجزاء لا لعموم الإفراد والغرض من سياق الحديث تعميم الإفراد وأجيب بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذ لعموم الإجزاء في الأصل ونزلت الأجزاء منزلة الأفراد مبالغة قوله لم ييأس من الجنة من اليأس وهو القنوط يقال يئس بالكسر ييأس وفيه لغة أخرى بكسر الهمزة من مستقبله وهو شاذ وقال المبرد منهم من يبدل الهمزة في المستقبل أو الياء الثانية ألفا فتقول ييأس ويائس فإن قلت ما معنى لم ييئس من الجنة قلت قيل المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء وقيل المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة
02 -
( باب الصبر عن محارم الله )
أي هذا باب في بيان الاجتهاد في الصبر عن محارم الله أي محرماته قاله الكرماني قلت المحارم جمع محرمة بفتح الميمين وجاء بضم الراء أيضا قال الجوهري الحرمة ما لا يحل انتهاكه وكذلك المحرمة بفتح الراء وضما والصبر حبس النفس وتارة يستعمل بكلمة عن كما في المعاصي يقال صبر عن الزنا وتارة بكلمة على كما في الطاعات يقال صبر على الصلاة ونحو ذلك
وقوله عز و جل إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( الزمر 01 ) ح
وقوله بالجر عطف على قوله الصبر عن محارم الله هذا في رواية أبي ذر هكذا بلفظ قوله وليس في رواية غيره لفظ قوله وفي بعض النسخ وقوله عز و جل وهذا أحسن ولفظ الصابرون يحتمل أن يستعمل بعن وبعلى كما ذكرنا آنفا أن استعماله بالوجهين وأراد بقوله بغير حساب المبالغة بالنسبة إلينا
وقال عمر وجدنا خير عيشنا بالصبر
أي قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله بالصبر كذا هو بالباء الموحدة وفي رواية الكشميهني بحذف الباء فيكون منصوبا بنزع الخافض وقال بعضهم والأصل في الصبر والباء بمعنى في
قلت لا يحتاج إلى هذا والباء على حالها للإلصاق أي وجدنا ملتصقا بالصبر ويجوز أن تكون للاستعانة
وهذا الأثر رواه أحمد في ( كتاب الزهد ) بسند صحيح عن مجاهد قال عمر رضي الله تعالى عنه وجدنا خير عيشنا الصبر
0746 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عطاء بن يزيد ) أن ( أبا سعيد )

(23/67)


أخبره أن ( أناسا من الأنصار سألوا ) رسول الله فلم يسأله أحد منهم إلا أعطاه حتى نفد ما عنده فقال لهم حين نفد كل شيء أنفق بيديه ما يكن عندي من خير لا أدخره عنكم وإنه من يستعف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله ومن يستغن يغنه الله ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر ( انظر الحديث 9641 )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأبو اليمان الحكم بن نافع وروايته عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري في البخاري كثيرة وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري
والحديث مضى في الزكاة عن قتيبة وأخرجه مسلم والنسائي أيضا عن قتيبة ومضى الكلام فيه
قوله أن أناسا ويروى أن ناسا والمعنى واحد قوله حتى نفد بفتح النون وكسر الفاء أي فرغ قوله إنفق بيديه جملة حالية أو اعتراضية أو استئنافية ويروى بيده بالإفراد قوله ما يكن كلمة ما إما موصولة وإما شرطية ويروى ما يكون وصوب الدمياطي الأول قوله لا أدخره بالإدغام وبغيره وفي رواية مالك فلم أدخره وعنه فلن أدخره وداله مهملة وقيل معجمة قوله وإنه من يستعف كذا في رواية الأكثرين بتشديد الفاء وفي رواية الكشميهني من يستعفف من الاستعفاف وهو طلب العفة وهي الكف عن الحرام والسؤال من الناس قوله يعفه الله بضم الياء وبتشديد الفاء المفتوحة أي يرزقه العفاف قوله ومن يتصبر أي ومن يتكلف الصبر يصبره الله بضم الياء وتشديد الباء المكسورة أي يرزقه الله الصبر قوله ومن يستغن أي ومن يظهر الغناء ولم يسأل يغنه بضم الباء من الإغناء أي يرزقه الغنى عن الناس ووقع في رواية عبد الرحمن بن أبي سعيد بدل التصبر ومن استكفى كفاءه الله وزاد ومن سال وله قيمة أوقية فقد ألحف قوله ولن تعطوا على صيغة المجهول بالخطاب للجمع قوله عطاء خيرا بالنصب كذا في هذه الرواية وقع في رواية مالك هو خير بالرفع وفي رواية مسلم عطاء خير والتقدير هو خير وقال النووي كذا في نسخ مسلم يعني بالرفع والتقدير هو خير كما قلنا
1746 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) حدثنا ( مسعر ) حدثنا ( زياد بن علاقة ) قال سمعت ( المغيرة بن شعبة ) يقول كان النبي يصلي حتى ترم أو تنتفخ قدماه فيقال له فيقول أفلا أكون عبدا شكورا ( انظر الحديث 0311 وطرفه )
مطابقته للترجمة في الصبر على الطاعة فإنه صبر عليها حتى تورمت قدماه
وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي سكن مكة ومات بها سنة ثلاث عشرة ومائتين ومعسر بكسر الميم وسكون المهملة الأولى وفتح الثانية وبالراء ابن كدام الكوفي وزياد بكسرالزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن علاقة بكسر العين وتخفيف اللام وبالقاف
والحديث مضى في صلاة الليل عن أبي نعيم وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه في الصلاة فالأولان عن قتيبة وابن ماجه عن هشام بن عمار
قوله حتى ترم أصله تورم لأنه من ورم يرم بالكسر فيهما والقياس يورم وهو أحد ما جاء على هذا البناء ومجيئه على هذا البناء شاذ وهو من الورم وهو الانتفاخ قوله أو تنتفخ بالنصب قال الكرماني كلمة أو للتنويع ويحتمل أن يكون شكا من الراوي وجزم غيره أنه للشك قوله فيقال له أي إنك قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول أفلا أكون عبدا شكورا على ما أنعم الله علي من هذا الفضل العظيم الذي اختصصت به
12 -
( باب ( 65 ) ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( الطلاق3 )
أي هذا باب مترجم بقوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وأصل التوكل من الوكول يقال وكل أمره إلى فلان أي التجأ إليه واعتمد عليه والتوكل تفويض الأمر إلى الله وقطع النظر عن الأسباب وليس التوكل ترك السبب والاعتماد على ما يجيء من المخلوقين لأن ذلك قد يجر إلى ضد ما يراد من التوكل وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل جلس

(23/68)


في بيته أو في مسجد وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العلم فقد قال النبي إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي وقال لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق قال وكانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم يتجرون ويعملون في تخيلهم والقدوة بهم
وقال الربيع بن خثيم من كل ما ضاق على الناس
الربيع بفتح الراء وكسر الباء الموحدة ابن خثيم بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف الثوري الكوفي من كبار التابعين صحب ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وكان يقول له لو رآك رسول الله لأحبك رواه الإمام أحمد في ( الزهد ) بسند جيد قوله من كل ما ضاق أراد من يتوكل على الله فهو حسبه من كل ما ضاق على الناس وقال الكرماني من كل ما ضاق يعني التوكل على الله عام من كل أمر مضيق على الناس يعني لا خصوصية في التوكل في أمر بل هو جار في جميع الأمور التي تضيق على الناس
2746 - حدثني ( إسحاق ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( حصين بن عبد الرحمان ) قال ( كنت قاعدا عند سعيد بن جبير ) فقال عن ( ابن عباس ) يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وإسحاق شيخ البخاري قال النسائي لم أجده منسوبا عند شيوخنا لكن حدث البخاري في ( الجامع ) كثيرا عن إسحاق بن إبراهيم وقال بعضهم إسحاق هو ابن منصور وغلط من قال ابن إبراهيم
قلت التغليط من أين وقد سمع البخاري من جماعة كل منهم يسمى إسحاق بن إبراهيم وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين
والحديث أخرجه البخاري في الطب مطولا وفي أحاديث الأنبياء مختصرا عن مسدد وههنا أيضا روى بعضه
قوله لا يسترقون أي لا يطلبون الرقية وهي العودة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع ونحو ذلك من الآفات وقد جاء في بعض الأحاديث جوازها وفي بعضها النهي عنها فمن الجواز استرقوا لها فإن بها النظرة أي اطلبوا لها من يرقى لها ومن النهي قوله هذا لا يسترقون ووجه الجمع أن المنهي عنها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة وأن يعتقدوا أن الرقيا مانعة لا محالة والمأمور بها ما كان بقوارع القرآن ونحوه قوله ولا يتطيرون أي لا يتشاءمون بالطيور ومثلها مما هو عادتهم قبل الإسلام والطيرة ما يكون في الشر والفأل ما يكون في الخير
22 -
( باب ما يكره من قيل وقال )
أي هذا باب في بيان ما يكره من قيل وقال وكلاهما فعلان ماضيان الأول مجهول قيل وأصله قول نقلت حركة الواو إلى القاف بعد سلب حركتها ثم قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وهو حكاية أقاويل الناس قال فلان كذا وفلان كذا وقيل كذا وكذا وإذا روي بالتنوين يكونان مصدرين يقال قال قولا وقيلا وقالا والمراد أنه نهى عن الإكثار مما لا فائدة فيه وقيل إذا كانا اسمين يكون في عطف أحدهما على الآخر كثير فائدة بخلاف ما إذا كانا فعلين وقيل إذا كانا اسمين يكون الثاني تأكيدا
3746 - حدثنا ( علي بن مسلم ) حدثنا ( هشيم ) أخبرنا ( غير واحد منهم مغيرة وفلان ورجل

(23/69)


ثالث ) أيضا عن ( الشعبي ) عن ( وراد كاتب المغيرة بن شعبة ) أن ( معاوية كتب إلى المغيرة ) أن ( اكتب إلي ) بحديث ( سمعته من ) رسول الله قال ( فكتب إليه المغيرة ) أني سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات قال وكان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات وعقوق الأمهات ووأد البنات
مطابقته للترجمة ظاهرة
علي بن مسلم الطوسي ثم البغدادي وهشيم مصغر هشم بن بشير الواسطي والمغيرة هو ابن مقسم الضبي
قوله وفلان هو مجالد بن سعيد فقد أخرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) عن زياد بن أيوب ويعقوب بن إبراهيم الدورقي قالا نا هشيم أنا غير واحد منهم مغيرة ومجالد قوله ورجل ثالث قيل يحتمل أن يكون داود بن أبي هند فقد أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) من طريق داود بن أبي هند وغيره عن الشعبي ويحتمل أن يكون زكريا بن أبي زائدة أو إسماعيل بن أبي خالد فقد أخرجه الطبراني من طريق الحسن بن علي بن راشد عن هشيم عن مغيرة عن زكريا بن أبي زائدة ومجالد وإسماعيل بن أبي خالد كلهم عن الشعبي والشعبي هو عامر بن شراحيل ووراد بفتح الواو وتشديد الراء مولى المغيرة وكاتبه
والحديث مضى في الصلاة عن محمد بن يوسف وفي الاعتصام عن موسى وفي القدر عن محمد بن سنان وفي الدعوات عن قتيبة وقد مضى الكلام فيه
قوله حدثنا علي بن مسلم كذا في رواية الجمهور وفي رواية الكشميهني وحده وقال علي بن مسلم قوله وكثرة السؤال أي في المسائل التي لا حاجة فيها أو من الأموال أو من أحوال الناس قوله وإضاعة المال أي وضعه في غير محله وحقه قوله ومنع وهات أي حرم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه وطلب ما ليس لكم أخذه قوله ووأد البنات هي البنت تدفن وهي حية كانوا يفعلونه في الجاهلية إذا ولد للفقير منهم بنت دسها في التراب
وعن هشيم أخبرنا عبد الملك بن عمير قال سمعت ورادا يحدث هذا الحديث عن المغيرة عن النبي
هو موصول بالطريق الذي قبله وقد رواه الإسماعيلي من رواية يعقوب الدورقي وزياد بن أيوب قالا أنا هشيم عن عبد الملك به
32 -
( باب حفظ اللسان )
أي هذا باب في بيان وجوب حفظ اللسان عن التكلم بما لا يسوغ في الشرع وقال وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وأما القول بالحق فواجب والصمت فيه غير واسع
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
يأتي هذا موصولا في الباب وذكره هكذا ترجمة وفي رواية أبي ذر وقول النبي ومن كان إلى آخره
وقول الله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( ق81 ) ح
كذا لأبي ذر وفي رواية غيره وقوله ما يلفظ من قول إلى آخره ولابن بطال وقد أنزل الله تعالى ما يلفظ الآية قوله إلا لديه رقيب أي حافظ والعتيد هو الحاضر المهيأ وأراد به الملكين اللذين يكتبان جميع الأشياء كذا قاله الحسن وقتادة وخصه عكرمة بالخير والشر ويقوي الأول تفسير أبي صالح في قوله ( 13 ) يمحوا الله ما يشاء ويثبت ( الرعد93 ) إن الملائكة تكتب كل ما يتكلم به المرء فيمحوا لله تعالى منه ما ليس له ولا عليه ويثبت ما ماله وما عليه

(23/70)


4746 - حدثنا ( محمد بن أبي بكر المقدمي ) حدثنا ( عمر بن علي ) سمع ( أبا حازم ) عن ( سهل ابن سعد ) عن رسول الله قال من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة
مطابقته للترجمة في قوله من يضمن لي ما بين لحييه لأن المراد بهذا حفظ اللسان كما يجيء
قوله حدثنا بنون الجمع رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر حدثني بنون الإفراد
والمقدمي بصيغة اسم المفعول من التقديم هذه نسبة إلى أحد أجداد محمد المذكور وهو محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي البصري وعمر بن علي هو عم محمد المذكور وهو مدلس ولكنه صرح بالسماع وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن خليفة بن خياط وأخرجه الترمذي في الزهد عن محمد بن عبد الأعلى وقال حسن صحيح غريب
قوله من يضمن لي إطلاق الضمان عليه مجاز إذ المراد لازم الضمان وهو أداء الحق الذي عليه قوله ما بين لحييه بفتح اللام وسكون الحاء المهملة تثنية لحي وهما العظمان في جانبي الفم والمراد بما بينهما اللسان وبما بين رجليه الفرج قوله أضمن له بالجزم لأنه جواب الشرط ووقع في رواية الحسن تكفلت له
وفيه أن أعظم البلاء على العبد في الدنيا اللسان والفرج فمن وقي من شرهما فقد وقي أعظم الشر
5746 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه
مطابقته للترجمة ظاهرة ورحاله قد ذكروا غير مرة والحديث من أفراده
قوله بالله واليوم الآخر إنما خصهما بالذكر إشارة إلى المبدأ و المعاد وخصص الأمور الثلاثة ملاحظة لحال الشخص قولا وفعلا وذلك إما بالنسبة إلى المقيم أو المسافر أو الأول تحلية والثاني تخلية
6446 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ل ( يث ) حدثنا ( سعيد المقبري ) عن ( أبي شريح الخزاعي ) قال سمع ( أذناي ووعاه قلبي ) النبي يقول الضيافة ثلاثة أيام جائزته قيل وما جائزته قال يوم وليلة ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ( انظر الحديث 9106 وطرفه )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وأبو شريح اسمه خويلد الخزاعي
والحديث مضى في كتاب الأدب في باب من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يؤذ جاره فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قولهجائزته بالنصب أي أعطوا جائزته ولو صحت الرواية بالرفع كان تقديره المتوجه عليكم جائزته قولهيوم وليلة أي جائزته يوم وليلة وقيل الجائزة جنة واليوم ظرف فكيف يقع خبرا عنها وأجيب بأن فيه مضافا مقدرا أي زمان جائزته يوم وليلة
7746 - حدثني ( إبراهيم بن حمزة ) حدثني ( ابن أبي حازم ) عن ( يزيد ) عن ( محمد بن إبراهيم ) عن عيساى بن طلحة بن عبيد الله التيمي عن أبي هريرة سمع رسول الله يقول إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار ابعد مما بين المشرق

(23/71)


مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إشارة إلى حفظ اللسان من حيث المفهوم
وإبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي الأسدي وابن أبي حازم عبد العزيز ويزيد من الزيادة ابن عبد الله المعروف بابن الهاد ومحمد بن إبراهيم التيمي و ( عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي ) وطلحة هو أحد العشرة ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن قتيبة وغيره وأخرجه الترمذي في الزهد عند محمد بن بشار وقال حسن غريب وأخرجه النسائي في الرقائق عن قتيبة وغيره به
قوله حدثني بالإفراد في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر حدثنا بنون الجمع قوله ليتكلم باللام في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر يتكلم بدون اللام قوله ما يتبين فيها أي لا يتدبر فيها ولا يتفكر في قبحها وما يترتب عليها وتطلق الكلمة ويراد بها الكلام كقولهم كلمة الشهادة ويروى وليتكلم بالكلمة ما يتقى فيها قوله يزل بها أي بتلك الكلمة وهذا كناية عن دخول النار قوله أبعد مما بين المشرق كناية عن عظمها ووسعها قيل لفظ بين يقتضي دخوله على متعدد وأجيب بأن المشرق متعدد معنى إذ مشرق الصيف غير مشرق الشتاء وبينهما بعد عظيم وهو نصف كرة الفلك أو اكتفى بأحد الضدين عن الآخر كقوله تعالى سرابيل تقيكم الحر ( النحل18 ) وفي بعض الروايات جاء صريحا والمغرب
وفيه أن من أراد النطق بكلمة أن يتدبرها بنفسه قبل نطقه فإن ظهرت مصلحة تكلم بها وإلا أمسك
8746 - حدثني ( عبد الله بن منير ) سمع ( أبا النضر ) حدثنا ( عبد الرحمان بن عبد الله ) يعني ( ابن دينار ) عن أبيه عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوي بها في جهنم ( انظر الحديث 7746 ) ح
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن منير على وزن اسم الفاعل من الإنارة المروزي و النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التيمي الخراساني مر في الوضوء وعبد الرحمن يروي عن أبيه عبد الله بن دينار مولى ابن عمر وأبو صالح ذكوان الزيات وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على نسق
قوله من رضوان الله أي مما يرضي الله به قوله لا يلقي بضم الياء من الإلقاء أي لا يلتفت إليها خاطره ولا يعتد بها ولا يبالي بها ومعنى البال هنا القلب قوله يرفع الله بها كذا في رواية المستملي والسرخسي وفي رواية الأكثرين والنسفي يرفع الله له بها درجات وفي رواية الكشميهني يرفعه الله بها درجات قوله من سخط الله يعني مما لا يرضى به قوله يهوي بفتح الياء وسكون الهاء وكسر الواو وقال عياض ينزل فيها ساقطا وقد جاء بلفظ يزل بها في النار لأن دركات النار إلى أسفل فهو نزول سقوط وقيل أهوى من قريب وهوى من بعيد
42 -
( باب البكاء من خشية الله عز و جل )
أي هذا باب في بيان فضل البكاء من خوف الله عز و جل
9746 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا يحياى عن عبيد الله قال حدثني خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال سبعة يظلهم الله رجل ذكر الله ففاضت عيناه
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى ) هو القطان و ( عبيد الله ) بن عمر العمري وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء أخرى ابن عبد الرحمن الخزرجي و ( حفص بن عاصم ) بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وهذا قطعة من حديث أتم منه قد مضى في الزكاة عن مسدد وفي الصلاة عن محمد بن بشار في أبواب

(23/72)


المساجد ووردت أحاديث في البكاء منها حديث أسد بن موسى عن عمران بن يزيد عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ثم تقطع الدموع وتسيل الدماء فتقرح العيون فلو أن السفن أجريت فيها لجرت
52 -
( باب الخوف من الله تعالى )
أي هذا باب في بيان شدة الاعتناء بالخوف من الله عز و جل والخوف من لوازم الإيمان قال الله تعالى وخافون إن كنتم مؤمنين ( آل عمران571 )
0846 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( ربعي ) عن ( حذيفة ) عن النبي قال كان رجل ممن كان قبلكم يسىء الظن بعمله فقال لأهله إذا أنا مت فخذوني فذروني في البحر في يوم صائف ففعلوا به فجمعه الله ثم قال ما حملك على الذي صنعت قال ما حملني إلا مخافتك فغفر له ( انظر الحديث 2543 وطرفه )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء ابن حراش بكسر الحاء المهملة وبالراء المخففة والشين المعجمة وحذيفة ابن اليمان ورجال السند كلهم كوفيون
والحديث مضي في ذكر بني إسرائيل عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي في الجنائز وفي الرقائق عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير
قوله ممن كان قبلكم يعني من بني إسرائيل قوله يسيء الظن بعمله يعني بعمله الذي كان معصية وكان نباشا قوله فذروني في البحر بضم الذال من الذر وهو التفريق يقال ذررت الملح أذره ويروى بفتح الذال من التذرية يقال ذرت الريح الشيء وأذرته وذرته أي أطارته وأذهبته ويروى أذروني بهمزة قطع وسكون الذال من أذرت العين دمعها ومنه تذروه الرياح قوله في يوم صائف أي حار بتشديد الراء من الحرارة وروي للمروزي والأصيلي في يوم حاز بالزاي الثقيلة بمعنى أنه يحز البدن لشدة حره وروي لأبي ذر عن المستملي والسرخسي في يوم حار بالراء كما ذكرنا أولا وكذا روي لكريمة عن الكشميهني وذكر بعضهم رواية المروزي بنون بدل الزاي وقال ابن فارس الحون ريح يحن كحنين الإبل
1846 - حدثنا ( موسى ) الله حدثنا ( معتمر ) سمعت أبي حدثنا ( قتادة ) عن ( عقبة بن عبد الغافر ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله عنه عن النبي ذكر رجلا فيمن كان سلف أو قبلكم آتاه الله مالا وولدا يعني أعطاه مالا وولدا قال فلما حضر قال لبنيه أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإنه لم يبتئر عند الله خيرا فسرها قتادة لم يدخر وإن يقدم على الله يعذبه فانظروا فإذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحما فاسحقوني أو قال فاسهكوني ثم إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها فأخذ مواثيقهم على ذالك وربي ففعلوا فقال الله كن فإذا رجل قائم ثم قال أي عبدي ما حملك على ما فعلت قال مخافتك أو فرق منك فما تلافاه أن رحمه الله
فحدثت أبا عثمان فقال سمعت سلمان غير أنه زاد فأذروني في البحر أو كما حدث ( انظر الحديث 8743 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله مخافتك وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي ومعتمر يروي عن أبيه سليمان التيمي وعقبة بضم العين وسكون القاف ابن عبد الغافر أبو نهار الأزدي العوذي البصري وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله تعالى عنه

(23/73)


والحديث مر في ذكر بني إسرائيل عن أبي الوليد ويحيى في التوحيد عن عبد الله بن أبي الأسود وأخرجه مسلم في التوبة عن عبيد الله بن معاذ وغيره
قوله أو قبلكم شك من الراوي قوله يعني أعطاه مالا هذا تفسير لقوله آتاه الله وهو بالمد بمعنى أعطاه وبالقصر بمعنى المجيء قوله مالا بعد قوله أعطاه رواية الكشميهني ولا معنى لإعادة لفظ مالا وفي رواية غيره أعطاه بلا ذكر مالا فلما حضر بضم الحاء وكسر الضاد المعجمة أي فلما حضره أوان الموت قوله خير أب بالنصب أي كنت خير أب وبالرفع أي أنت خير أب قوله لم يبتئر من الابتئار افتعال من البار بالباء الموحدة والراء ومعناه لم يدخر ولم يخبأ هكذا فسره قتادة وأصله من البئيرة بمعنى الذخيرة والخبيئة قال أهل اللغة بارت الشيء وابتأرته إبارة وابتئره إذا خبأته ووقع في رواية ابن السكن لم يأبتر بتقديم الهمزة على الباء الموحدة حكاه عياض ومعناه لم يقدم خيرا يقال بأرته وابتارته كما ذكرناه ووقع في التوحيد في رواية أبي زيد المروزي لم يبتئر أو لم يبتئر بالشك في الزاي أو الراء وفي رواية الجرجاني بنون بدل الباء الموحدة والزاي قيل كلاهما غير صحيح ويروى في غير البخاري يبتهر بالهاء بدل الهمزة وبالراء ويمتئر بالميم بدل الباء الموحدة وبالراء قوله وإن يقدم على الله يعذبه كذا هنا بسكون القاف وفتح الدال من القدوم وهو بالجزم على الشرطية وكذا يعذبه بالجزم لأنه جزاء والمعنى أنه إن بعث يوم القيامة على هيئته يعرفه كل أحد فإذا صار رمادا مبثوثا في الماء أو الريح لعله يخفى ووقع في حديث حذيفة عند الإسماعيلي من رواية أبي خيثمة عن جرير بسند حديث الباب فإنه إن يقدر علي ربي لا يغفر لي وكذا في حديث أبي هريرة لئن قدر الله علي قيل كيف غفر لهذا الذي أوصى بهذه الوصية وقد جهل قدرة الله على إحيائه وأجيب بأن الناس اختلفوا في تأويل هذا الحديث فقيل أما عفو الله عما كان منه في أيام صحته من المعاصي فلندمه عليها وتوبته منها عند موته ولذلك أمر ولده بإحراقه وتذريته في البر والبحر خشية من عذاب ربه والندم توبة
قلت فيه نظر لأن كون الندم توبة إنما هو لهذه الأمة ألا يرى ما حكى الله عن قابيل بقوله فاصبح من النادمين ( المائدة13 ) فلم يكن ندمه توبة وقيل إن معنى قوله إن قدر الله على القدرة التي هي العجز وإنه كان عنده أنه إذا أحرق وذري أعجز ربه عن إحيائه فهو على أنه غفر له لجهله بالقدرة لأنه لم يكن تقدم في ذلك الزمان أنه لا يغفرالشرك به وليس في العقل دليل على أن ذلك غير جائز في حكمة الله تعالى وإنما نقول لا يجوز أن يغفر الشرك بعد نزول قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ( النساء84 و611 ) وأما جواز غفران الله ذلك فلفضله الأعم وغنائه الأتم لأنه لا يضره كفر كافر ولا ينفعه إيمان مؤمن وقيل معنى أن قدر الله علي أن ضيق على كقوله تعالى ومن قدر عليه رزقه ( الطلاق7 ) أي ضيق ولم يرد بذلك وصف خالقه بالعجز عن إعادته وقيل إنما غفر له لأنه غلب على فهمه من الجزع الذي كان لحقه من خوف الله وعذابه فيعذر ومثل هذا إنما يكون كفرا ممن يقصد به الكفر وهو يعقل ما يقول وقيل غفر له بأصل توحيده الذي لا تضر معه معصية وعزى ذلك إلى المرجئة قوله فأحرقوني وفي رواية حذيفة الذي أخرجه البخاري في بني إسرائيل فاجمعوا لي حطبا كثيرا ثم أوروا نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فخذوها واطحنوها قوله فاستحقوني من السحق وهو دق الشيء ناعما أو قال فاسهكوني شك من الراوي من السهك قالوا السحق والسهك بمعنى واحد وقيل السهك ونه وهو أن يفت الشيء أو يدق قطعا صغارا قوله فاذروني يصح أن يقرأ موصول الألف من ذرأت الشيء فرقته ويصح أن يكون أصله من الثلاثي المزيد فيه فيقطع الهمزة من قولهم أذرت العين دمعها وأذريت الرجل عن فرسه أي رميته وقال ابن التين قرأناه بقطع الهمزة قوله فأخذه مواثيقهم جمع ميثاق وهو العهد قوله وربي هو على القسم عن المخبر بذلك عنهم لتصحيح خبره ويحتمل أن يكون حكاية الميثاق الذي أخذه أي قال لمن أوصاه قل وربي لافعلن ذلك وفي ( صحيح مسلم ) فأخذ منهم ميثاقا ففعلوا ذلك وربي قال القاضي عياض وفي بعض نسخه ففعلوا ذلك وذرى قال فإن صحت هذه الرواية فهي وجه الكلام ولعل الذال سقطت لبعض النساخ وتابعه الباقون وقال الكرماني ولفظ البخاري يحتمل أن يكون بصيغة الماضي من التربية أي ربي أخذ المواثيق والمبايعات لكنه موقوف على الرواية وقال بعضهم وأبعد الكرماني ثم نقل ذلك عنه
قلت ما جزم بذلك حتى يقال فيه وأبعد وإنما قيد بصحة الرواية

(23/74)


مع الاحتمال الذي ذكره قوله فإذا رجل قائم وقع المبتدأ هنا نكرة لأن وقوعه هنا بعد إذا المفاجأة من المخصصات كما في قولك خرجت فإذا سبع قوله أي عبدي يعني يا عبدي قوله أو فرق هو شك من الراوي وهو بفتح الفاء والراء وبالقاف الخوف قوله فما تلافاه أن رحمه كلمة ما موصولة وكلمة أن مصدرية أي الذي تلافاه أي تداركه بأن رحمه أي بالرحمة والضمير المنصوب في تلافاه يرجع إلى عمل الرجل ويجوز أن يكون ما نافية وكلمة الاستثناء محذوفة على مذهب من يجوز حذفها أي ما تلافاه إلا أن رحمه
قوله فحدثت أبا عثمان قال الكرماني القائل بحدثت قتادة وقال بعضهم هو سليمان والد المعتمر
قلت الذي يظهر أن قول الكرماني هو الصواب فلينظر فيه وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون المفتوحة قوله فقال أي أبو عثمان قوله سمعت هذا من سلمان أي الفارسي وحذف المسموع منه الذي استثنى منه ما ذكر والتقدير سمعت سلمان يحدث عن النبي بمثل هذا الحديث غير أنه زاد قوله أو كما حدث شك من الراوي يشير به إلى أنه معنى حديث أبي سعيد لا بلفظه كله
وقال معاذ حدثنا شعبة عن قتادة سمعت عقبة سمعت أبا سعيد عن النبي
أي قال معاذ بن التميمي وهذا التعليق وصله مسلم حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن قتادة سمع عقبة بن عبد الغافر يقول سمعت أبا سعيد الخدري يحدث عن النبي أن رجلا فيمن كان قبلكم راشه الله مالا وولدا فقال لولده لتفعلن ما آمركم به أو لأولين ميراثي غيركم إذا أنا مت فأحرقوني وأكبر علمي أنه قال ثم اسحقوني فاذروني في الريح فإني لم ابتهر عند الله خيرا وأن الله يقدر على أن يعذبني قال فأخذ منهم ميثاقا ففعلوا ذلك به وربي فقال الله ما حملك على ما فعلت قال مخافتك فما تلافاه غيرها انتهى أي ما تداركه غير المخافة
62 -
( باب الانتهاء عن المعاصي )
أي هذا باب في بيان وجوب الانتهاء عن المعاصي أي تركها أصلا والإعراض عنها بعد الوقوع فيها
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا وكذبته طائفة فصبحهم الجيش فاجتاحهم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الإنذار عن الوقوع في المعاصي والانتهاء عنها
ومحمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وبريد بضم الباء الموحدة مصغر برد ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر وقيل الحارث وبريد هذا يروى عن جده أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام وأخرجه مسلم في فضائل النبي
قوله مثلي المثل بفتحتين الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل الشبه لإرادة التقريب والتفهيم
قوله ومثل ما بعثني الله العائد محذوف تقديره ما بعثني الله به إليكم قوله قوما التنكير فيه للشيوع قوله الجيش اللام فيه للعهد قوله بعيني بالتثنية وهي رواية الكشميهني وفي رواية غيره بالإفراد قوله وأنا النذير العريان أي المنذر الذي تجرد عن ثوبه وأخذه يرفعه ويديره حول رأسه علاما لقومه بالغارة وقال ابن بطال النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف إلى قومه فحذرهم فضرب به المثل في تحقق الخبز وقال ابن السكيت اسم الرجل الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري والمرأة كانت من بني كنانة وتنزيل هذه القصة على لفظ الحديث بعيد لأنه ليس

(23/75)


فيها أنه كان عريانا وقال أبو عبد الملك هذا مثل قديم وذلك أن رجلا لقي جيشا فجردوه وعروه فجاء إلى المدينة فقال إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير لكم وتروني عريانا جردني الجيش فالنجاء النجاء وقال ابن السكيت ضرب به النبي المثل لأمته لأنه تجرد لإنذارهم وقال الخطابي روي عن محمد بن خالد العربان بباء موحدة فإن كان محفوظا فمعناه صحيح وهو الفصيح بالإنذار لا يكنى ولا يورى يقال رجل عربان أي فصيح اللسان من أعرب الرجل عن حاجته إذا أفصح عنها قوله فالنجاء بالنصب مفعول مطلق فيه إغراء أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب لأنكم لا تطيقون مقاومة ذلك الجيش والنجاء الثاني تأكيد وكلاهما ممدودان وجاء القصر فيهما تخفيفا وجاء مد الأول وقصر الثاني قوله فأدلجوا من الإدلاج من باب الإفعال وهو السير أول الليل أو كل الليل على الاختلاف في معناه وهمزته همزة قطع وفي ( التوضيح ) قوله فأدلجوا بتشديد الدال قلت لا يستقيم هذا هنا لأن الادلاج بالتشديد هو السير آخر الليل فلا يناسب هذا المقام والصواب ما ذكرناه قوله على مهلهم بفتحتين أي على السكينة والتأني وأما المهل بسكون الهاء فمعناه الإمهال فلا يناسب هنا وفي رواية مسلم عن مهلتهم قوله فنجوا لأنهم أطاعوا النذير وساروا من أول الليل فنجوا قوله فصبحهم الجيش أي أتوهم صباحا هذا أصله ثم استعمل فيمن يطرق بغتة في أي وقت كان قوله فاجتاحهم بجيم ثم بحاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشيء أجوحه إذا استأصلته ومنه الجائحة وهي الهلاك
62 -
( باب الانتهاء عن المعاصي )
أي هذا باب في بيان وجوب الانتهاء عن المعاصي أي تركها أصلا والإعراض عنها بعد الوقوع فيها
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا وكذبته طائفة فصبحهم الجيش فاجتاحهم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الإنذار عن الوقوع في المعاصي والانتهاء عنها
ومحمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وبريد بضم الباء الموحدة مصغر برد ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر وقيل الحارث وبريد هذا يروى عن جده أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام وأخرجه مسلم في فضائل النبي
قوله مثلي المثل بفتحتين الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل الشبه لإرادة التقريب والتفهيم
قوله ومثل ما بعثني الله العائد محذوف تقديره ما بعثني الله به إليكم قوله قوما التنكير فيه للشيوع قوله الجيش اللام فيه للعهد قوله بعيني بالتثنية وهي رواية الكشميهني وفي رواية غيره بالإفراد قوله وأنا النذير العريان أي المنذر الذي تجرد عن ثوبه وأخذه يرفعه ويديره حول رأسه علاما لقومه بالغارة وقال ابن بطال النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف إلى قومه فحذرهم فضرب به المثل في تحقق الخبز وقال ابن السكيت اسم الرجل الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري والمرأة كانت من بني كنانة وتنزيل هذه القصة على لفظ الحديث بعيد لأنه ليس فيها أنه كان عريانا وقال أبو عبد الملك هذا مثل قديم وذلك أن رجلا لقي جيشا فجردوه وعروه فجاء إلى المدينة فقال إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير لكم وتروني عريانا جردني الجيش فالنجاء النجاء وقال ابن السكيت ضرب به النبي المثل لأمته لأنه تجرد لإنذارهم وقال الخطابي روي عن محمد بن خالد العربان بباء موحدة فإن كان محفوظا فمعناه صحيح وهو الفصيح بالإنذار لا يكنى ولا يورى يقال رجل عربان أي فصيح اللسان من أعرب الرجل عن حاجته إذا أفصح عنها قوله فالنجاء بالنصب مفعول مطلق فيه إغراء أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب لأنكم لا تطيقون مقاومة ذلك الجيش والنجاء الثاني تأكيد وكلاهما ممدودان وجاء القصر فيهما تخفيفا وجاء مد الأول وقصر الثاني قوله فأدلجوا من الإدلاج من باب الإفعال وهو السير أول الليل أو كل الليل على الاختلاف في معناه وهمزته همزة قطع وفي ( التوضيح ) قوله فأدلجوا بتشديد الدال قلت لا يستقيم هذا هنا لأن الادلاج بالتشديد هو السير آخر الليل فلا يناسب هذا المقام والصواب ما ذكرناه قوله على مهلهم بفتحتين أي على السكينة والتأني وأما المهل بسكون الهاء فمعناه الإمهال فلا يناسب هنا وفي رواية مسلم عن مهلتهم قوله فنجوا لأنهم أطاعوا النذير وساروا من أول الليل فنجوا قوله فصبحهم الجيش أي أتوهم صباحا هذا أصله ثم استعمل فيمن يطرق بغتة في أي وقت كان قوله فاجتاحهم بجيم ثم بحاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشيء أجوحه إذا استأصلته ومنه الجائحة وهي الهلاك
3846 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن عبد الرحمان أنه حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهاذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها ( انظر الحديث 6243 )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه منع النبي إياهم عن الإتيان بالمعاصي التي تؤديهم إلى الدخول في النار
وأبو اليمان الحكم ب نافع وشعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان و ( عبد الرحمن ) هو الأعرج
والحديث مضى في باب قول الله ووهبنا لداود سليمان ( ص03 ) فإنه أخرجه هناك بعين هذا السند عن أبي اليمان إلى قوله وهذه الدواب تقع في النار ثم اختصره وذكر حديثا آخر قوله استوقد بمعنى أوقد ولكن استوقد أبلغ قوله أضاءت من الإضاءة وهي فرط الإنارة قوله الفراش بفتح الفاء وتخفيف الراء وبالشين المعجمة جمع الفراشة وقال الكرماني هي صغار البق وقيل هي ما يتهافت في النار من الطيارات
قلت هذا أصح من الأول وقال الفراء في تفسيرها إنها كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا وقال ابن سيده هي دواب مثل البعوض واحدتها فراشة وقال الطبري ليس هي ببعوض ولا ذباب وقال أبو نصر هي التي تطير وتتهافت في السراج وفي ( مجمع الغرائب ) هي ما تتهافت في النار من الطيارات وقال الداودي هي طائر فوق البعوض قوله يقعن خبر قوله جعل الفرش قوله وهذه الدواب التي تقع في النار جملة معترضة وأشار بها إلى تفسير الفراش قوله فجعل بالفاء وفي رواية الكشميهني بالواو والضمير فيه يرجع إلى الرجل قوله ينزعهن بفتح الياء والزاي وضم العين المهملة أي يدفعهن ويروى يزعهن بلا نون من وزعه يزعه وزعا فهو وازع إذا كفه ومنعه قوله فيقتحمن من الاقتحام وهو الهجوم على الشيء يقال قحم في الأمر أي رمى بنفسه فيه فجأة واقحمته فاقتحم ويقال اقتحم المنزل إذا هجم قوله فيها أي في النار قوله فأنا آخذ قال النووي روي باسم الفاعل ويروى بصيغة المضارع من المتكلم وقال الطيبي الفاء فيه فصيحة كأنه لما قال مثلي ومثل الناس إلى آخره أتى بما هو أهم وهو قوله فأنا آخذ بحجزكم ومن هذه الدقيقة التفت من الغيبة في قوله مثل الناس إلى الخطاب في قوله بحجزكم قوله بحجزكم بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وبالزاي جمع حجزة وهي معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة ويجوز ضم الجيم في الجمع قوله وهم يقتحمون

(23/76)


فيها هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره وأنتم تقتحمون وعلى الأول سأل الكرماني فقال القياس وأنتم لا هم ليوافق لفظ حجزكم ثم أجاب بأنه التفات
وفيه إشارة إلى أن من أخذه رسول الله بحجرته لا اقتحام له فيها
4846 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( زكرياء ) عن ( عامر ) قال سمعت ( عبد الله بن عمرو ) يقول قال النبي المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه
مطابقته للترجمة من حيث إن ترك أذى المسلم باليد واللسان من جملة الانتهاء عن المعاصي وأيضا قوله من هجر ما نهى الله عنه من جملة الانتهاء عن المعاصي
وأبو نعيم الفضل بن دكين وزكريا هو ابن أبي زائدة وعامر هو الشعبي
والحديث مضى في أول كتاب الإيمان قيل خص المهاجر بالذكر تطبيبا لقلب من لم يهاجر من المسلمين لفوات ذلك بفتح مكة فأعلمهم بأن من هجر ما نهى الله عنه كان هو المهاجر الكامل
7 -
( باب قول النبي لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا )
أي هذا باب قول النبي لو تعلمون ما أعلم إلى آخره ذكر الترجمة بلفظ حديث الباب وعكس بعضهم حيث قال ذكر فيه حديث أبي هريرة بلفظ الترجمة
5846 - حدثنا يحياى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول قال رسول الله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
الترجمة والحديث سواء و ( يحيى بن بكير ) بضم الباء الموحدة مصغر بكر هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري و ( عقيل ) بضم العين المهملة ابن خالد الأيلي و ( ابن شهاب ) محمد بن مسلم الزهري والحديث من أفراده
قوله ما أعلم أي من الأهوال والأحوال التي بين أيدينا عند النزع وفي البرزخ ويوم القيامة
وفيه من صنعة البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما بالآخر
6846 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( موسى بن أنس ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال النبي لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
هذا مثل الحديث السابق غير أن راوي ذاك أبو هريرة وراوي هذا أنس بن مالك روى عنه ابنه موسى الأنصاري قاضي البصرة
وهذا مختصر من حديث أخرجه البخاري في تفسير سورة المائدة عن المنذر بن الوليد الجارودي وسيجيء في الاعتصام عن محمد بن عبد الرحيم وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن محمد بن معمر وغيره وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن معمر بإسناده نحوه وأخرجه النسائي في الرقائق عن محمود بن غيلان مختصرا
82 -
( باب حجبت النار بالشهوات )
أي هذا باب يذكر فيه حجبت النار أي غطت النار فكانت الشهوات سببا للوقوع في النار ووقع عند أبي نعيم باب حفت النار وفي بعض النسخ بعده وحجبت الجنة بالمكاره

(23/77)


7846 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره
الترجمة جزء الحديث وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث من أفراده
قوله حجبت النار كذا لجميع الرواة في الموضعين إلا الفروي فقال حفت النار في الموضعين وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء بن عمر عن أبي الزناد وكذا أخرجه مسلم والترمذي من حديث أنس وهذا من جوامع كلمه في بديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وإن كرهتها النفوس وشق عليها قوله حفت بالحاء المهملة وتشديد الفاء من الحفاف وهو ما يحيط بالشيء حتى لا يتوصل إليه إلا بتخطئه فالجنة لا يتوصل إليها إلا بقطع مفاوز المكاره والنار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات
92 -
( باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك )
أي هذا باب يذكر فيه الجنة إلى آخره وهذه الترجمة حذفها ابن بطال وذكر الحديثين اللذين فيهما في الباب الذي قبلها ومناسبة ذلك ظاهرة ولكن الذي ثبت في الأصول التفرقة
8846 - حدثني ( موسى بن مسعود ) حدثنا ( سفيان ) عن ( منصور والأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال قال النبي الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك
الترجمة والحديث سواء وموسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي بفتح النون وسكون الهاء وسفيان هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود وهؤلاء كلهم كوفيون والحديث من أفراده
قوله والأعمش بالجر عطف على منصور وشراك النعل هو الذي يدخل فيه إصبع الرجل ويطلق أيضا على كل سير وقى به القدم
وفيه دليل واضح على أن الطاعات موصلة إلى الجنة والمعاصي مقربة من النار فقد يكون في أيسر الأشياء وينبغي للمؤمن أن لا يزهد في قليل من الخير ولا يستقل قليلا من الشر فيحسبه هينا وهو عند الله عظيم فإن المؤمن لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها والسيئة التي يسخط الله عليه بها
9846 - حدثني ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال أصدق بيت قاله الشاعر
( ألا كل شيء ما خلا الله باطل )
( انظر الحيث 1483 وطرفه )
لم أر أحد من الشراح ذكر وجه إيراد هذا الحديث في هذا الباب فلذلك ذكره ابن بطال في الباب الذي قبله فأقول من الفيض الإلهي الذي وقع في خاطري أن كل شيء ما خلا الله من أمر الدنيا الذي لا يؤول إلى طاعة الله ولا يقرب منه إذا كان باطلا يكون الاشتغال به مبعدا من الجنة مع كونها أقرب إليه من شراك نعلهولإشتغال بالأمور الي هي داخلة في أمر الله تعال يكون مبعدا من النار مع كزنها أقرب إليه من شراك نعله
وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون هو محمد بن جعفر والحديث قد مضى في الأدب في باب ما يجوز من الشعر ومضى الكلام فيه مستقصى وبسطنا الكلام فيه في شرحنا الأكبر للشواهد
03 -
( باب لينظر إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه )
أي هذا باب يذكر فيه لينظر إلى ما هو أسفل منه
0946 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) عن رسول الله قال إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه

(23/78)


الجزء الأول من الترجمة من لفظ حديث الباب وقال بعضهم هذا لفظ حديث أخرجه مسلم بنحوه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم
قلت هذا أليس كلفظ حديث مسلم بل هو في المعنى مثله
وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأبو الزناد عبد الله والأعرج عبد الرحمن وقد ذكرا عن قريب والحديث من أفراده
قوله من فضل على بناء المجهول قوله والخلق قال الكرماني بفتح المعجمة الصورة أو الأولاد والاتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا قوله فلينظر إلى من هو أسفل منه ليسهل عليه نقصانه ويفرح بما أنعم الله عليه ويشكر عليه وأما في الدين وما يتعلق بالآخرة فلينظر إلى من هو فوقه لتزيد رغبته في اكتساب الفضائل
13 -
( باب من هم بحسنة أو بسيئة )
أي هذا باب يذكر فيه من هم بحسنة الهم ترجيح قصد الفعل تقول هممت بكذا أي قصدته بهمتي وهو فوق مجرد خطور الشيء بالقلب
1946 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( جعد أبو عثمان ) حدثنا ( أبو رجاء العطاردي ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما عن النبي فيما يروي عن ربه عز و جل قال قال إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذالك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة
مطابقته للترجمة في قوله فمن هم بحسنة وقوله ومن هم بسيئة
وأبو معمر عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف وعبد الوارث هو ابن سعيد وجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن دينار وكنيته أبو عثمان الرازي وأبو رجاء بالمد وبالجيم اسمه عثمان بن تميم العطاردي وهؤلاء كلهم بصريون
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن شيبان بن فروخ وغيره وأخرجه النسائي في النعوت وفي الرقائق عن قتيبة
قوله عن النبي وفي رواية الإسماعيلي عن مسدد عن رسول الله قوله فيما يروي عن ربه هذا لبيان أنه من الأحاديث القدسية أو بيان ما فيه من الإسناد الصريح إلى الله تعالى حيث قال قوله إن الله قد كتب أو بيان الواقع وليس فيه أن غيره ليس كذلك بل فيه أن غيره كذلك لأنه ما ينطق عن الهوى أو المعنى في جملة ما يرويه أنه عز و جل كتب الحسنات أي قدرها وجعلها حسنة وكذلك السيئات قدرها وجعلها سيئة وقال الكرماني وفيه دلالة على بطلان قاعدة الحسن والقبح العقليين وأن الأفعال ليست بذواتها قبيحة أو حسنة بل الحسن والقبح شرعيان حتى لو أراد الشارع التعكيس والحكم بأن الصلاة قبيحة والزنا حسن كان له ذلك خلافا للمعتزلة فإنهم قالوا الصلاة في نفسها حسنة والزنا في نفسه قبيح والشارع كاشف مبين لا مثبت وليس له تعكيسها قوله ثم بين ذلك أي ثم بين الله عز و جل الذي كتب من الحسنات والسيئات قوله فمن هم بيان ذلك بفاء الفصيحة قوله فلم يعملها أي فلم يعمل الحسنة التي هم بها قوله كتبها الله له عنده أي كتب الله تلك الحسنة التي هم بها وقيل أمر الحفظة بأن تكتب ذلك وقيل قدر ذلك وعرف الكتبة من الملائكة ذلك التقدير وقوله عنده أي عند الله وهذه إشارة إلى الشرف قوله كاملة إشارة إلى رفع توهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد وقال النووي أشار بقوله عنده إلى مزيد الاعتناء به وبقوله كاملة إلى تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها وعكس ذلك في السيئة فلم يصفها بكاملة بل أكدها بقوله واحدة إشارة إلى تحقيقها مبالغة في الفضل والإحسان قوله فإن هو هم بها أي

(23/79)


فإن هم العبد بالحسنة فعملها قوله عشر حسنات قال عز و جل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( الأنعام061 ) قوله إلى سبعمائة ضعف أي مثل والضعف يطلق على المثل وعلى المثلين قال الله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم ( البقرة162 و562 ) الآية قوله إلى أضعاف كثيرة قال الله تعالى والله يضاعف لمن يشاء ( البقرة162 ) قيل لما كان الهم بالحسنة معتبرا باعتبار أنه فعل القلب لزم أن يكون بالسيئة أيضا كذلك وأجيب بأن هذا من فضل الله على عباده حيث عفا عنهم ولولا هذا الفضل العظيم لم يدخل أحد الجنة لأن السيئات من العباد أكثر من الحسنات فلطف الله عز و جل بعباده بأن ضاعف لهم الحسنات دون السيئات قيل إذا هم العبد بالسيئة ولم يعمل بها فغايته أن لا تكتب له سيئة فمن أين أن تكتب له حسنة وأجيب بأن الكف عن الشر حسنة قيل اتفق العلماء على أن الشخص إذا عزم على ترك صلاة بعد عشرين سنة عصى في الحال وأجيب بأن العزم وهو توطين النفس على فعله غير الهم الذي هو تحديث النفس من غير استقرار وقال ابن الجوزي إذا حدث العبد نفسه بالمعصية لم يؤاخذ فإذا عزم فقد خرج عن تحديث النفس فيصير من أعمال القلب فإن عقد النية على الفعل فحينئذ يأثم وبيان الفرق بين الهم والعزم أنه لو حدث نفسه في الصلاة وهو فيها بقطعها لم تنقطع فإذا عزم حكمنا بقطعها
ثم إعلم أن حديث ابن عباس هذا معناه الخصوص لمن هم بسيئة فتركها لوجه الله تعالى وأما من تركها مكرها على تركها بأن يحال بينه وبينها فلا تكتب له حسنة فلا يدخل في نص الحديث وقال الطبري وفي هذا الحديث تصحيح مقالة من يقول إن الحفظة تكتب ما يهم به العبد من حسنة أو سيئة وتعلم اعتقاده كذلك ورد مقالة من زعم أن الحفظة لا تكتب إلا ما ظهر من عمل العبد وتسمع فإن قيل الملك لا يعلم الغيب فكيف يعلم بهم العبد قيل له قد جاء في الحديث أنه اذا هم بحسنة فاحت منه رائحة طيبة وإذا هم بسيئة فاحت منه رائحة كريهة
قلت هذا الحديث أخرجه الطبري عن أبي معشر المدني وسيأتي حديث أبي هريرة في التوحيد بلفظ إذا اراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها
وفيه دليل على أن الملك يطلع على ما في الآدمي إما باطلاع الله إياه وإما بأن يخلق الله له علما يدرك به ذلك
23 -
( باب ما يتقى من محقرات الذنوب )
أي هذا باب في بيان ما يتقى أي ما يجتنب من محقرات الذنوب وجاء هذا اللفظ في حديث أخرجه النسائي وابن ماجه عن عائشة أن النبي قال لها يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا وصححه ابن حبان والمحقرات جمع محقرة وهي الذنوب التي يحتقرها فاعلها
2946 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( مهدي ) عن ( غيلان ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا نعد على عهد النبي الموبقات
قال أبو عبد الله يعني بذالك المهلكات
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ومهدي هو ابن ميمون الأزدي وغيلان بفتح المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ابن جرير وقال بعضهم هو غيلان بن جامع وهو غلط صريح لأن غيلان بن جرير من أهل البصرة وغيلان بن جامع كوفي قاضي الكوفة
ورجال السند كلهم بصريون والحديث من أفراده
قوله لتعملون اللام فيه للتأكيد قوله هي أدق أفعل التفضيل من الدقة بكسر الدال وأراد به أنهم كانوا يحقرونها ويهونونها قوله إن كنا تعدها إن مخففة من الثقيلة وجاز استعمالها بدون اللام الفارقة بينها وبين النافية عند الأمن من الالتباس وتعدها بدون اللام في رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي وعند الأكثرين لنعدها بلام التأكيد وأيضا بالضمير وعندهما بحذف الضمير أيضا ولفظهما إن كنا نعد قوله على عهد النبي أي في زمنه وأيامه قوله الموبقات

(23/80)


أي المهلكات هكذا فسره البخاري على ما يجيء الآن وفي رواية الأكثرين من الموبقات وسقوط كلمة من في رواية السرخسي والمستملي
قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه يعني بذلك أي بلفظ الموبقات يعني أراد بها المهلكات وهي جمع موبقة أي مهلكة وثلاثيه وبق يبق فهو وبق إذا هلك وأوبقه غيره فهو موبق فالفاعل بكسر الباء والمفعول بفتحها ومعنى الحديث راجع إلى قوله عز و جل وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ( النور51 ) وكانت الصحابة يعدون الصغائر من الموبقات لشدة خشيتهم لله ولم تكن لهم كبائر والمحقرات إذا كثرت صارت كبائر للإصرار عليها
33 -
( باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها )
أي هذا باب فيه الأعمال بالخواتيم أي بالعواقب وهو جمع خاتمة وفي ( التوضيح ) يقال خاتم بفتح التاء وكسرها وعد اللغات الست التي فيه ثم قال والجمع الخواتيم
قلت هذا تصرف عجيب فإنه ظن أن الخواتيم هنا جمع الخاتم الذي يلبس وليس لهذا هنا دخل وإنما المراد بالخواتيم الأعمال التي يختم بها عمل الرجل عند موته
3946 - حدثنا ( علي بن عياش ) حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد الساعدي ) قال ( نظر ) النبي إلى رجل يقاتل المشركين وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم فقال من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هاذا فتبعه رجل فلم يزل على ذالك حتى جرح فاستعجل الموت وقال بذبابة سيفه فوضعه بين ثدييه فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه فقال النبي إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة وإنما الأعمال بخواتيمها
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعلي بن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة الألهاني بالنون الحمصي وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة ابن دينار
والحديث مضى في الجهاد مطولا في باب لا يقال فلان شهيد فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم إلى آخره ومضى الكلام فيه ومضى أيضا في المغازي وسيأتي في القدر أيضا
قوله إلى رجل اسمه قزمان بضم القاف وبالزاي قوله غناء بفتح الغين المعجمة وبالمد يقال غنى عن فلان غناء ناب عنه وأجرى مجراه قوله وقال بذبابة سيفه يعني طعن بذبابة سيفه وهو حده وطرفه بين ثدييه وقد تقدم فيما مضى بنصل سيفه فلا منافاة لإمكان الجمع بينهما قوله فتحامل عليه أي اتكأ عليه بقوته
43 -
( باب العزلة راحة من خلاط السوء )
أي هذا باب مترجم بترجمة هي العزلة أي الاعتزال والانفراد راحة من خلاط السوء بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام جمع خليط وهو جمع غريب وخليط الرجل الذي يخالطه ويعاشره يستوي فيه الواحد والجمع ويجمع الخليط أيضا على خالط بضمتين ذكره الصغاني في اللباب وقال بعضهم ذكره الكرماني بلفظ خلط بغير ألف يعني مثل ما ذكره الصغاني
قلت لم يذكر الكرماني هكذا وإنما قال خلاط بضم الخاء وتشديد اللام جمع خليط وبكسرها والتخفيف مصدر أي المخالطة هذا الذي ذكره الكرماني ولم يرد بقوله وبكسرها إلى آخره أنه الترجمة وإنما ذكر هذا لزيادة الفائدة على أنه يجوز أن يكون أشار به إلى جواز الوجهين في قوله من خلاط السوء أحدهما أن يكون جمعا والآخر إن يكون مصدرا من خالط يخالط مخالطة وخلاطا قوله راحة أصله روحة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها قال الجوهري الروح والراحة من الاستراحة وهو سكون النفس مع سعة من غير تنكد بشيء وهذه مادة واسعة تستعمل لمعان كثيرة
وفي العزلة عن الناس فوائد كثيرة وأقلها البعد من شرهم وقد قال أبو الدرداء وجدت الناس أكبر ثقلة وروى ابن المبارك أخبرنا

(23/81)


شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال خذوا حظكم من العزلة وفي رواية قال عمر العزلة راحة من خليط السوء وروى الطحاوي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال ألا أخبركم بخير الناس منزلا قلنا بلى يا رسول الله قال رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله وأخبركم بالذي يليه رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ثم قال فإن قال قائل أين ما روى عن النبي من قوله المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ويجاب بأنه لا تضاد بينهما لأن قوله رجل أخذ بعنان فرسه خرج مخرج العموم والمراد به الخصوص فالمعنى فيه أنه من خير الناس كما ذكره غيره بمثل ذلك فقال خير الناس من طال عمره وحسن عمله أو يكون المراد بتفضيله في وقت من الأوقات لا في كل الأوقات
4946 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عطاء بن يزيد ) أن ( أبا سعيد ) حدثه قال قيل ( يا ) رسول الله
وقال ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( الأوزاعي ) حدثنا ( الزهري ) عن ( عطاء ابن يزيد الليثي ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال جاء أعرابي إلى النبي فقال يا رسول الله أي الناس خير قال رجل جاهد بنفسه وماله ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره ( انظر الحديث 6872 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ورجل في شعب إلى آخره
وأبو اليمان الحكم بن نافع وعطاء بن يزيد من الزيادة واسم أبي سعيد سعد بن مالك والأوزاعي عبد الرحمن
والحديث مضى في أوائل الجهاد في باب أفضل الناس مؤمن مجاهد فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان إلى آخره
قوله وقال محمد بن يوسف هو الفريابي قرنه هنا برواية أبي اليمان وأفرد أبا اليمان في الجهاد ورواه مسلم عن عبيد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن محمد بن يوسف قوله أعرابي لم يدر اسمه قوله أي الناس خير وفي الرواية المتقدمة بلفظ أفضل قوله رجل جاهد أي خير الناس رجل جاهد ولا يعارضه قوله خيركم من تعلم القرآن وعلمه ومثل ذلك لأن اختلاف هذا بحسب اختلاف الأوقات والأقوام والأحوال قوله في شعب بكسر الشين المعجمة الطريق في الجبل ومسيل الماء وما انفرج بين الجبلين قوله ويدع أي يترك
تابعه الزبيدي وسليمان بن كثير والنعمان عن الزهري
أي تابع شعيبا في روايته عن الزهري الزبيدي وكذا تابع الأوزاعي في روايته عن الزهري والزبيدي هو محمد بن الوليد السامي نسبة إلى زبيد بضم الزاء وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وهو منبه بن صعب وهو زبيد الأكبر وإليه يرجع قبائل زبيد وروى متابعته مسلم عن منصور بن أبي مزاحم حدثنا يحيى بن حمزة عن الزبيدي قوله وسليمان بالرفع عطف على الزبيدي وروى متابعته أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي عن سليمان به قوله والنعمان هو ابن راشد الجزري وروى متابعته أحمد عن وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت النعمان بن راشد به
وقال معمر عن الزهري عن عطاء أو عبيد الله عن أبي سعيد عن النبي
أي قال معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن عطاء بن يزيد أو عبيد الله بالشك وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي عن أبي سعيد الخدري عن النبي وهذا التعليق رواه أحمد عن عبد الرزاق وقال في سياقه معمر يشك وفي رواية مسلم عن أبي حميد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن محمد عن عطاء بغير شك

(23/82)


وقال يونس وابن مسافر ويحياى بن سعيد عن ابن شهاب عن عطاء عن بعض أصحاب النبي عن النبي
يونس هو ابن يزيد الأيلي وابن مسافر أبو خالد ويقال أبو الوليد التميمي المصري والي مصر لهشام سنة ثمان عشرة ومائة وعزل عنها سنة تسع عشرة ومائة وهو مولى الليث بن سعد ويحيى بن سعيد الأنصاري النجاري المديني قاضي المدينة رأى أنس بن مالك وتعليق يونس أخرجه عبد الله بن وهب في ( جامعه ) وتعليق ابن مسافر أخرجه الذهلي في ( الزهريات ) من طريق الليث ابن سعد عنه وتعليق يحيى أخرجه الذهلي المذكور من طريق سليمان بن بلال عنه قوله عن بعض أصحاب النبي قال الكرماني لعله أبو سعيد الخدري
5946 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( الماجشون ) عن عبد الرحمان بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد أنه سمعه يقول سمعت النبي يقول يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه وأبو نعيم هو الفضل بن دكين وهو الفضل بن عمرو بن حماد الأحول التيمي الكوفي ودكين لقب عمرو مات سنة ثمان أو تسع عشرة ومائتين والماجشون بكسر الجيم وضم الشين المعجمة هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة و ( عبد الرحمن بن أبي صعصعة ) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة يروي عن أبيه وفي رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه أخرجه أحمد والإسماعيلي وأخوه عبد الرحمن محمد بن عبد الله انفرد البخاري بهما وبأبيهما
والحديث مضى في الإيمان في باب من الدين الفرار من الفتن فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن المذكور ومر الكلام فيه هناك
قوله شعف الجبال بفتح الشين المعجمة والعين المهملة جمع شعفة وهي رأس الجبل قوله ومواقع القطر يعني بطون الأودية
وفيه أن اعتزال الناس عند ظهور الفتن والهرب عنهم أسلم للدين من مخالطتهم
53 -
( باب رفع الأمانة )
أي هذا باب في بيان رفع الأمانة من بين الناس والمراد برفعها ذهابها بحيث إن لا يوجد الأمين والأمانة ضد الخيانة
6946 - حدثنا ( محمد بن سنان ) حدثنا ( فليح بن سليمان ) حدثنا ( هلال بن علي ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ( انظر الحديث 95 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إذا ضيعت الأمانة ومحمد بن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى
والحديث قد مضى في أول كتاب العلم بهذا الإسناد
قوله كيف إضاعتها القائل بهذا هو الأعرابي سأل متى الساعة لأن أول الحديث عن أبي هريرة بينما النبي في مجلس يحدث القوم جاء أعرابي فقال متى الساعة الحديث قوله قال إذا أسند أي قال النبي إذا أسند الأمر إلى غير أهله والمراد من الأمر جنس الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والسلطنة والإمارة والقضاء والإفتاء وقال الكرماني أسند الأمر أي فوض المناصب إلى غير مستحقيها كتفويض القضاء إلى غير العالم بالأحكام كما هو في زماننا
قلت يا ليت أن يتولى الجاهل بلا رشوة لأنه يحتمل أن يكون دينا يستفتي فيما يجهله فالمصيبة العظمى أن يتولى الجاهل بالرشوة فلعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش حيث قال لعن الله الراشي إلى آخر الحديث رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ولا شك أن من لعنه الله لعنه رسول الله وأعظم المصائب أن الديار

(23/83)


المصرية التي هي كرسي الإسلام لا يتولى فيها القضاة والحكام وسائر أصحاب المناصب إلا بالرشي والبراطيل ولا يوجد هذا في بلاد الروم ولا في بلاد العجم
7946 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) حدثنا ( الأعمش ) عن ( زيد بن وهب ) حدثنا ( حذيفة ) قال حدثنا رسول الله حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة وحدثنا عن رفعها قال ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت ثم ينام النومة فتقبض فيبقاى أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما رده علي الإسلام وإن كان نصرانيا رده علي ساعيه فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو الثوري والأعمش سليمان
والحديث أخرجه أيضا عن علي بن عبد الله عن سفيان بن عيينة وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر وغيره وأخرجه الترمذي في الفتن عن هناد بن السري وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن وكيع به
قوله حديثين أي في باب الأمانة أحدهما في نزول الأمانة والآخر في رفعها قوله حدثنا أي رسول الله قوله في جذر قلوب الرجال بفتح الجيم وكسرها وسكون الذال المعجمة وهو الأصل في كل شيء قاله أبو عبيد وقال ابن الأعرابي الجذر أصل الحسب والنسب وأصل الشجرة قوله ثم علموا أي بعد نزولها في قلوب الرجال بالفطرة علموها من القرآن قال الله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض ( الأحزاب27 ) الآية قال ابن عباس هي الفرائض التي على العباد وقيل هي ما أمروا به ونهوا عنه وقيل هي الطاعة نقله الواحدي عن أكثر المفسرين قوله ثم علموا من السنة أي سنة النبي وحاصل المعنى أن الأمانة كانت لهم بحسب الفطرة وحصلت لهم بالكسب أيضا بسبب الشريعة قوله وحدثنا أي رسول الله عن رفعها أي عن رفع الأمانة قوله ينام الرجل إلى آخره بيان رفعها وهو أنه ينام نومة فتقبض الأمانة من قلبه يعني تقبض من قوم ثم من قوم ثم شيئا بعد شيء في وقت بعد وقت على قدر فساد الدين قوله فيظل أثرها أي فيصير أثرها مثل أثر الوكت بفتح الواو وسكون الكاف وبالتاء المثناة وهو أثر النار ونحوه وقال ابن الأثير الوكتة الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه والجمع وكت ومنه قيل للبسر إذا وقعت فيه نقطة من الإرطاب وكت ومنه حديث حذيفة المذكور وقال الجوهري في فصل الواو من باب التاء المثناة من فوق الوكتة كالنقطة في الشيء يقال في عينه وكتة وضبطه صاحب ( التلويح ) بالثاء المثلثة وهو غلط قوله مثل المجل بفتح الميم وسكون الجيم وفتحها هو التنفط الذي يحصل في اليد من العمل بفأس ونحوه وهو مصدر مجلت يده تمجل مجلا ويقال هو أن يكون بين الجلد واللحم ماء وكذلك المجلة وهو من باب علم يعلم ومصدره مجل بفتحتين ومن باب نصر ينصر ومصدره مجل بسكون الجيم ومجول وقال الأصمعي هو تفتح يشبه البئر من العمل قوله فنفط بكسر الفاء قال ابن فارس النفط قرح يخرج في اليد من العمل وإنما قال نفط مع أن الضمير فيه يرجع إلى الرجل وهو مؤنث وذكره باعتبار العضو أو باعتبار لفظ الرجل قوله منتبرا أي مرتفعا من الانتبار وهو الارتفاع ومنه انتبر الأمير صعد على المنبر ومنه سمي المنبر منبرا لارتفاعه وكل شيء ارتفع فقد نبره وقال أبو عبيد منتبرا أي متنفطا وحاصله أن القلب يخلو عن الأمانة بأن تزول عنه شيئا فشيئا فإذا زال جزء منها

(23/84)


زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت وإذا زال شيء آخر منه صار كالمجل وهو أثر حكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة ثم شبه زوال ذلك النور بعد ثبوته في القلب وخروجه منه واعتقابه إياه بجمر تدحرجه على رجلك حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط قوله يتبايعون أي من البيع والشراء قوله فلا يكاد أحد كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فلا يكاد أحدهم قوله أتى علي بتشديد الياء قوله وما أبالي أيكم بايعت وقال ابن التين تأوله بعض الناس على بيعة الخلافة وهو خطأ فكيف يكون ذلك وهو يقول لئن كان نصرانيا إلى آخره والذي عليه الجمهور وهو الصحيح أنه أراد به البيع والشراء المعروفين يعني كنت أعلم أن الأمانة في الناس فكنت أقدم على معاملة من أثق غير باحث عن حاله وثوقا بأمانته فإنه إن كان مسلما فدينه يمنعه من الخيانة ويحمله على أداء الأمانة وإن كان كافرا فساعيه وهو الوالي الذي يسعى له أي الوالي عليه يقوم بالأمانة في ولايته فينصفني ويستخرج حقي منه وكل من ولى شيئا على قوم فهو ساعيهم مثل سعاة الزكاة وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة فلست أثق اليوم بأحد أأتمنه على بيع أو شراء إلا فلانا وفلانا يعني أفراد من الناس قلائل أعرفهم وأثق بهم قوله رده علي الإسلام وفي رواية المستملي بالإسلام قوله وإن كان نصرانيا ذكر النصراني على سبيل التمثيل وإلا فاليهودي أيضا كذلك صرح في ( صحيح مسلم ) بهما
8946 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله يقول إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة
مطابقته للترجمة يمكن أن توجه من حيث إن النبي أخبر في هذا الحديث بأن الناس كثيرون والمرضي فيهم قليل بمنزلة الراحلة في الإبل المائة وغير المرضي هم الذين ضيعوا الفرائض التي عليهم وقد ذكرنا أن ابن عباس فسر الأمانة بالفرائض فمن هذه الحيثية تحصل المطابقة بين الترجمة والحديث
وأبو اليمان الحكم بن نافع
والحديث بهذا الإسناد من أفراده وفي رواية مسلم من طريق معمر عن الزهري تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة
واختلفوا في معنى هذا الحديث فقيل إنما يراد به القرون المذمومة في آخر الزمان ولذلك ذكره البخاري هنا ولم يرد به زمن أصحابه وتابعيهم لأنه قد شهد لهم بالفضل فقال خير القرون الحديث ونقل الكرماني هذا في ( شرحه ) بقوله وقال بعضهم المراد به القرون المذمومة إلى آخر ما ذكرناه وقال بعضهم نقل الكرماني هذا عن مغلطاي ظنا منه أنه كلامه لكونه لم يعزه
قلت لم يقل الكرماني إلا قال بعضهم ولم يذكر لفظ مغلطاي أصلا فلا يحتاج إلى ذكره بما فيه من سوء الأدب ونسبة الظن إليه وبعض الظن إثم وقيل يحتمل أن يريد كل الناس فلا يكون مؤمن إلا في مائة أو أكثر وقيل إن الناس في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف ولا لرفيع على وضيع كالإبل المائة التي لا تكون فيها راحلة وقيل إن أكثر الناس أهل نقص وأهل الفضل عددهم قليل بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة قال الله تعالى ولكن ثر الناس لا يعلمون ( الأعراف781 وغيرها ) وقوله ولكن أكثرهم يجهلون ( الأنعام111 ) وقال القرطبي الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجوادالذي يتحمل أثقال الناس والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة
قلت الأنسب من كل الأقوال هو القول الذي ذكرناه أولا وفيه أيضا مطابقة الحديث للترجمة كما ذكرناه
قوله كالإبل المائة وصف لفظ الإبل الذي هو مفرد بقوله المائة لأن العرب يقول للمائة من الإبل ويقال لفلان إبل أي مائة من الإبل وإبلان إذا كان له مائتان قوله راحلة هي النجيبة المختارة الكاملة الأوصاف الحسنة المنظر وقيل الراحلة الجمل النجيب والهاء للمبالغة
63 -
( باب الرياء والسمعة )
أي هذا باب في بيان ذم الرياء بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وبالمد هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها

(23/85)


فيحمدوا صاحبها والسمعة بضم السين المهملة وسكون الميم قال بعضهم هي مشتقة من السماع
قلت السمعة اسم والسماع مصدر والاسم لا يشتق من المصدر ومعنى السمعة التنويه بالعمل وتشهيره ليراه الناس ويسمعوا به والفرق بينهما أن الرياء يتعلق بحاسة البصر والسمعة بحاسة السمع
9446 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) الله عن ( سفيان ) حدثني ( سلمة بن كهيل )
( ح ) وحدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( سلمة ) قال سمعت ( جندبا ) يقول قال النبي ولم أسمع أحدا يقول قال النبي غيره فدنوت منه فسمعته يقول قال النبي من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري في الطريقين وأبو نعيم هو الفضل بن دكين وجندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وضمها ابن عبد الله البجلي بالباء الموحدة والجيم المفتوحتين وهو من صغار الصحابة
وأخرج هذا الحديث من طريقين والسند الثاني أعلى من الأول
ورجاله كوفيون ولم يكتف به مع علوه لأن في الرواية الأولى ما ليس في الثانية وهو جلالة القطان وتصريح سفيان بالتحديث عن سلمة ولفظ ( ح ) بين الطريقين إشارة إلى التحويل من إسناد إلى إسناد آخر قبل ذكر الحديث أو إلى الحائل أو إلى صح أو إلى الحديث ويتلفظ عند القراءة بلفظة ( حا ) مقصورا
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر عن وكيع عن الثوري وعن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم به وعن غيرهما وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن هارون بن إسحاق عن محمد بن عبد الوهاب عن الثوري به
قوله ولم أسمع أحدا يقول قال النبي غيره أي قال سلمة بن كهيل لم أسمع أحدا إلى آخره وقال الكرماني لم أسمع أي لم يبق من أصحاب النبي حينئذ غيره في ذلك المكان ورد عليه بعضهم بأنه ليس كذلك فإن جندبا كان بالكوفة إلى أن مات وكان بها في حياة جندب أو جحيفة السوائي وكانت وفاته بعد جندب بست سنين وعبد الله بن أبي أوفى وكانت وفاته بعد جندب بعشرين سنة وقد روى سلمة بن كهيل عن كل منهما فيتعين أن يكون مراده أنه لم يسمع منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما ممن كان موجودا من الصحابة بغير الكوفة بعد أن سمع من جندب الحديث المذكور عن النبي شيئا انتهى
قلت إنما رد هذا القائل بما قاله بعد أن قال احترز بقوله وذلك عمن كان من الصحابة موجودا إذ ذاك بغير المكان الذي كان فيه جندب ثم قال وليس كذلكإلى آخره وفيه نظر لأن للكرماني أن يقول مرادي من قولي في ذلك المكان المكان الذي كان جندب معدا فيه لإسماع الحديث ولم يكن هناك من أصحاب النبي حينئذ غيره وإن كان أبو جحيفة وابن أبي أوفى موجودين في الكوفة حينئذ والعجب من هذا القائل يفسر كلام الكرماني بحسب ما يفهمه ثم يرد عليه
وفي الصحابة من يسمى بجندب خمسة أنفس جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري وجندب بن مكين الجهني وجندب بن ضمرة الجندعي وجندب بن كعب العبدي وجندب بن عبد الله البجلي وهو الذي روى عنه سلمة بن كهيل والأشهر منهم أبو ذر الغفاري فقال خليفة بن خياط مات جندب يعني أبا ذر سنة اثنتين وثلاثين بالربذة قرية من قرى المدينة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه وصلى عليه ابن مسعود وأما جندب المذكور في هذا الحديث فلم يذكر أحد تاريخ وفاته فكيف يقول هذا القائل وكانت وفاة أبي جحيفة بعد جندب بست سنين وكانت وفاة أبي جحيفة في سنة أربع وسبعين وقال الواقدي توفي في ولاية بشر بن مروان وكانت وفاة ابن أبي أوفى سنة سبع وثمانين قاله البخاري فكيف يقول وكانت وفاته بعد جندب بعشرين سنة فأحسب التفاوت بين تاريخي وفاة أبي جحيفة وابن أبي أوفى وبين تاريخ جندب
قوله من سمع بتشديد الميم من التسميع وهو التشهير وإزالة الخمول بنشر الذكر وقال الخطابي أي عمل عملا على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله تعالى ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه وقيل إن قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله تعالى فإن الله يجعله حديثا عند

(23/86)


الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة قوله ومن يرائي بضم الياء وبالمد وكسر الهمزة والثانية مثلها وثبتت الياء في آخر كل منهما للإشباع أي من يرائي بعمله الناس يرائي الله به أي يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه فاستحق سخط الله عليه وفيه من المشاكلة ما لا يخفى
73 -
( باب من جاهد نفسه في طاعة الله )
أي هذا باب في بيان فضل من جاهد من المجاهدة وهي كف النفس عن إرادتها مما يشغلها بغير العبادة
00 - 5 - 6 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) عن ( معاذ ابن جبل ) رضي الله عنه قال ( بينما ) أنا ( رديف ) النبي ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل فقال يا معاذ قلت لبيك يا رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك قال هل تدري ما حق الله على عباده قلت الله ورسوله أعلم قال حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك قال هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه قلت الله ورسوله أعلم قال حق العباد على الله أن لا يعذبهم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه مجاهدة النفس بالتوحيد وجهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكبر
وهذا الحديث بعين هذا الإسناد والمتن قد مر في كتاب اللباس في باب مجرد عقيب باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه فإنه أخرجه هناك عن هدبة بن خالد عن همام بن يحيى عن قتادة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك ونظيره مضى عن أنس في آخر كتاب العلم في باب من خص بالعلم قوما
قوله رديف النبي الرديف هو الراكب خلف الراكب قوله إلا آخرة الرحل الآخرة على وزن الفاعلة وهي العود الذي يستند إليه الراكب من خلفه وأراد بذكره المبالغة في شدة قربه ليكون أوقع في نفس سامعه لكونه أضبط وأما تكريره عليه ثلاثا فلتأكيد الاهتمام بما يخبره ولتكميل تنبه معاذ فيما يسمعه والرحل سرج الجمل وقال الجوهري الرحل رحل الجمل وهو أصغر من القتب قوله لبيك قد مضى الكلام فيه مرارا أنه من التلبية وهي إجابة المنادي أي إجابتي لك يا رسول الله مأخوذ من لب بالمكان وألب إذا قام به ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد إجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت ألب إلبابا بعد إلباب قوله وسعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد ولهذا ثنى وهو أيضا من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال وقال الجرمي لم يسمع سعدك مفردا قوله لبيك رسول الله أي يا رسول الله حذف فيه حرف النداء وفي العلم بإثباته قوله فقال يا معاذ وفي رواية الكشميهني ثم قال يا معاذ قوله هل تدري ما حق الله على عباده الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة قوله أن يعبدوه أي أن يوحدوه قوله ولا يشركوا به شيئا تفسيره وقيل المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي قوله ما حق العباد على الله يحتمل وجهين أحدهما أن يكون خرج مخرج المقابلة في اللفظ كقوله تعالى ومكروا ومكر الله ( آل عمران45 ) والثاني أن يكون أراد حقا شرعيا لا واجبا بالعقل كقول المعتزلة وقيل معنى الحق المستحق الثابت أو الجدير وهو كالواجب في تحققه وقال القرطبي حق العباد على الله هو ما وعدهم به من الثواب والجزاء
83 -
( باب التواضع )

(23/87)


أي هذا باب في بيان فضل التواضع وهو إظهار التنزل عن مرتبته وقيل هو تعظيم من فوقه من أرباب الفضائل وفي ( رقائق ) ابن المبارك عن معاذ بن جبل أنه قال لن يبلغ ذروة الإيمان حتى تكون الضعة أحب إليه من الشرف وما قل من الدنيا أحب إليه مما كثر
1056 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله عنه كان ل ( لنبي ) ( ناقة )
قال وحدثني ( محمد ) أخبرنا ( الفزاري وأبو خالد الأحمر ) عن ( حميد الطويل ) عن ( أنس ) قال ( كانت ناقة ل ) رسول الله تسمى العضباء وكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذالك على المسلمين وقالوا سبقت العضباء فقال رسول الله إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه
مطابقته للترجمة من حيث إن في طرق هذا الحديث عند النسائي بلفظ حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه ففيه إشارة إلى ذم الترفع والحض على التواضع والإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة
وأخرج البخاري هذا الحديث من طريقين أحدهما عن مالك بن إسماعيل بن زياد أبي غسان النهدي الكوفي عن زهير بن معاوية عن حميد الطويل بن أبي حميد عن أنس بن مالك والآخر عن محمد بن سلام قاله الكلاباذي عن مروان بن معاوية الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء عن أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان بتشديد الياء آخر الحروف الأزدي
والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب ناقة النبي فإنه أخرجه بالطريق الأول بعين إسناده ومتنه عن مالك بن إسماعيل عن زهير عن حميد عن مالك إلى آخره
قوله العضباء بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة وبالمد الناقة المشقوقة الأذن ولكن ناقة رسول الله لم تكن مشقوقة الأذن لكن صار هذا لقبالها قوله لا تسبق على صيغة المجهول قوله على قعود بفتح القاف وهو البكر من الإبل حين يمكن ظهره للركوب وأدنى ذلك سنتان
2056 - حدثني ( محمد بن عثمان ) حدثنا ( خالد بن مخلد ) حدثنا ( سليمان بن بلال ) حدثني ( شريك بن عبد الله بن أبي نمر ) عن ( عطاء ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله إن الله قال من عاداى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته لأعيذنه
قيل لا مطابقة بين هذا الحديث والترجمة حتى قال الداودي ليس هذا الحديث من التواضع في شيء وقال صاحب ( التلويح ) لا أدري ما مطابقته لها لأنه لا ذكر فيه للتواضع ولا لما يقرب منه وقيل المناسب إدخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه في طاعة الله وأجابوا عن ذلك فقال الكرماني التقرب بالنوافل لا يكون إلا بغاية التواضع والتذلل للرب تعالى
قلت قد سبقه بهذا صاحب ( التلويح ) فإنه قال التقرب إلى الله بالنوافل حتى يستحقوا المحبة من الله تعالى لا يكون إلا بغاية التواضع والتذلل للرب عز و جل ثم قال وفيه بعد لأن النوافل إنما يزكي ثوابها عند الله لمن حافظ على فرائضه وقيل الترجمة مستفادة مما قال كنت سمعه ومن التردد وقال بعضهم تستفاد الترجمة من لازم قوله من عادى لي

(23/88)


وليا لأنه يقتضي الزجر عن معاداة الأولياء المستلزم لموالاتهم وموالاة جميع الأولياء لا تتأتى إلا بغاية التواضع إذ فيهم الأشعث الأغبر الذي لا يؤبه له انتهى
قلت دلالة الإلتزام مهجورة لأنها لو كانت معتبرة لزم أن يكون للفظ الواحد مدلولات غير متناهية ويقال لهذا القائل تريد اللزوم البين أو مطلق اللزوم وأياما كان فدلالة الالتزام مهجورة فإن أردت اللزوم البين فهو يختلف باختلاف الأشخاص فلا يكاد ينصبط المدلول وإن أردت مطلق اللزوم فاللوازم لا تتناهى فيمتنع إفادة اللفظ إياها فلا يقع كلامه جوابا
ومحمد بن عثمان بن كرامة بفتح الكاف وتخفيف الراء العجلي بكسر العين المهملة الكوفي مات ببغداد سنة ست وخمسين ومائتين وهو من صغار شيوخ البخاري وقد شاركه في كثير من مشايخه منهم خالد بن مخلد شيخه في هذا الحديث فقد أخرج عنه البخاري بغير واسطة أيضا في باب الاستعاذة من الجبن في كتاب الدعوات وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام البجلي ويقال القطواني الكوفي مات بالكوفة في محرم سنة ثلاث عشرة ومائتين وسليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي مات سنة سبع وسبعين ومائة وشريك بن عبد الله بن أبي نمر بلفظ الحيوان المشهور القرشي ويقال الليثي مات سنة أربعين ومائة فإن قلت خالد فيه مقال فعن أحمد له مناكير وعن أبي حاتم لا يحتج به وأخرج ابن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها منها حديث الباب وشريك أيضا فيه مقال وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر وتفرد بأشياء لم يتابع عليها
قلت أما خالد فعن ابن معين ما به بأس وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو داود صدوق ولكنه تشيع وهو عندي إن شاء الله لا بأس به وأما شريك فعن يحيى بن معين والنسائي ليس به بأس وقال محمد بن سعد كان ثقة كثير الحديث وعطاء هو ابن يسار ضد اليمين ووقع في بعض النسخ كذلك وقيل هو ابن أبي رباح والأول أصح والحديث من أفراده
قوله إن الله قال هذا من الأحاديث الإلهية التي تسمى القدسية وقد مر الكلام فيها عن قريب وقد وقع في بعض طرقه أن النبي حدث به عن جبريل عليه السلام عن الله عز و جل قوله لي صفة لقوله وليا لكنه لما قدم صار حالا قوله وليا الولي هو العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته فإن قلت قوله عادى من المعاداة وهو من باب المفاعلة التي تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والاجتناب عن المعاداة والصفح عمن يجهل عليه
قلت أجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاداة الدنيوية مثلا بل تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر رضي الله تعالى عنه والمبتدع في بغضه للسني فتقع المعاداة من الجانبين أما من جانب الولي فلله وفي الله وأما من الجانب الآخر فظاهر انتهى
قلت لا يحتاج إلى هذا التكلف فإذا قلنا إن فاعل يأتي بمعنى فعل كما في قوله عز و جل وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ( آل عمران331 ) بمعنى اسرعوا يحصل الجواب قوله فقد آذنته بالمد وفتح المعجمة بعد هانون أي أعلمته من الإيذان وهو الإعلام قوله بالحرب وفي رواية الكشميهني بحرب ووقع في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها من عادى لي واليا فقد استحل محاربتي وفي حديث معاذ فقد بارز الله بالمحاربة وفي حديث أبي أمامة وأنس فقد بارزني فإن قيل المحاربة من الجانبين والمخلوق في أسر الخالق قيل له أطلق الحرب وأراد لازمه أي أعمل به ما يعمله العدو المحارب قوله أحب بالرفع والنصب قاله الكرماني
قلت وجه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أحب ووجه النصب والمراد به الفتح صفة لقوله بشيء فيكون مفتوحا في موضع الجر ويدخل في قوله مما افترضت عليه جميع الفرائض فرائض العين وفرائض الكفاية قوله وما يزال كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره وما زال بصيغة الماضي قوله يتقرب إلي بتشديد الياء وفي حديث أبي أمامة يتحبب والتقرب طلب القرب وقال القشيري قرب العبد من ربه يقع أولا بإيمانه ثم بإحسانه وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق قال وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس وباللطف والنصرة خاص بالخواص وبالتأنيس خاص بالأولياء قوله بالنوافل المراد بها ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها وليس المراد كون النوافل مطلقا قوله أحبه هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره حتى أحببته قوله كنت

(23/89)


سمعه الذي يسمع به لفظة به في رواية الكشميهني لا غيره قال الداودي هذا كله من المجاز يعني أنه يحفظه كما يحفظ العبد جوارحه لئلا يقع في مهلكة وقال الخطابي هذه أمثال والمعنى والله أعلم توفيقه في الأعمال التي باشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه من موافقة ما يكره الله تعالى من الإصغاء إلى اللهو مثلا ومن النظر إلى ما نهى عنه ومن البطش بما لا يحل له ومن السعي في الباطل برجله أو بأن يسرع في إجابة الدعاء والإلحاح في الطلب وذلك أن مساعي الإنسان إنما تكون بهذه الجوارح الأربع قوله وبصره الذي يبصر به وفي حديث عائشة في رواية عبد الواحد عينه التي يبصر بها وفي رواية يعقوب بن مجاهد عينيه اللتين يبصر بهما وكذا قال في الأذن واليد والرجل وزاد عبد الواحد في روايته وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به وقيل المعنى إجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره إلى آخره وقيل كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه وقيل فيه مضاف محذوف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل سماعه وحافظ بصره كذلك إلى آخره قيل إن الاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد واحتجوا بمجيء جبريل عليه الصلاة و السلام في صورة دحية قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو ببعضه تعالى الله سبحانه عما يقول الظالمون علوا كبيرا قوله يبطش بكسر الطاء قوله وإن سألني أي عبدي وكذا وقع في رواية عبد الواحد قوله لأعطينه اللام للتأكيد والهمزة مضمومة والفعل مؤكد بالنون الثقيلة قوله استعاذ بي بالباء الموحدة بعد الذال المعجمة وقيل بالنون موضع الباء قوله لأعيذنه أي مما يخاف فإن قيل كثير من الصلحاء والعباد دعوا وبالغوا ولم يجابوا قيل له الإجابة تتنوع فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور وتارة يقع ولكن يتأخر الحكم وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها قوله وما ترددت عن شيء التردد مثل لأنه محال على الله وقال الخطابي التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الأمور غير سائغ لكن له تأويلان أحدهما أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه أو فاقة تنزل به فيدعو الله فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها فيكون ذلك من فعله كترديد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه ولا بد من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن كما روى في قصة موسى عليه السلام وما كان من لطمه عين ملك الموت وتردده إليه مرة بعد أخرى قال وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه قوله وإساءته ويروى مساءته أي حياته لأنه بالموت يبلغ إلى النعيم المقيم لا في الحياة أولأن حياته تؤدي إلى أرذل العمر وتنكيس الخلق والرد إلى أسفل سافلين أو أكره مكروهه الذي هو الموت فلا أسرع بقبض روحه فأكون كالمترددشر
93 -
( باب قول النبي بعثت أنا والساعة كهاتين )
أي هذا باب فيه قول النبي بعثت إلى آخره قال الكرماني الساعة بالرفع والنصب واختصر على هذا
قلت وجه النصب أن الواو بمعنى مع ومنهم من منع الرفع لفساد المعنى لأنه لا يقال بعثت الساعة وجزم عياض بأن الرفع أحسن لأنه عطف على ضمير المجهول في بعثت قوله كهاتين أي الإصبعين السبابة والوسطى
وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير ( النحل77 )
تقديره وقول الله عز و جل وما أمر الساعة الآية بتمامها في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر وما أمر الساعة إلا كلمح البصر الآية وإنما قلنا تقديره وقول الله عز و جل لأنه يوهم أن تكون بقية الحديث على أن في بعض النسخ وقول الله موجود قوله وما أمر الساعة أي وما شأن القيامة إلا كلمح البصر اللمح سرعة إبصار الشيء أو هو أي أمر الساعة أقرب من لمح البصر

(23/90)


3056 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( أبو غسان ) حدثنا ( أبو حازم ) عن ( سهل ) قال قال رسول الله بعثت أنا والساعة هاكذا ويشير بإصبعيه فيمد بهما بش
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يتضمن معنى الترجمة وسعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن مريم المصري وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف وأبو حازم سلمة بن دينار وسهل بن سعد الساعدي الأنصاري
والحديث من أفراده
قوله عن سهل وفي رواية سفيان عن أبي حازم سمعت سهل بن سعد صاحب رسول الله قوله فيمد بهما أي ليمتازا عن سائر الأصابع ويروى فيمدهما
4056 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) هو ( الجعفي ) حدثنا ( وهب بن جرير ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة وأبي التياح ) عن ( أنس ) عن النبي قال بعثت أنا والساعة كهاتين
هذا الحديث هو عين الترجمة والجعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة من مذحج قال الجوهري هو أبو قبيلة من اليمن والنسبة إليه كذلك وأبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة واسمه يزيد من الزيادة ابن حميد الضبعي البصري
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن عبد الله بن معاذ وغيره وقال ابن التين اختلف في معنى قول كهاتين فقيل كما بين السباية والوسطى في الطول وقيل المعنى ليس بينه وبينها شيء وقال القرطبي حاصل معنى الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها وقال الكرماني معنى الحديث إشارة إلى قرب المجاورة ثم قال فإن قلت إن الله عنده علم الساعة ( لقمان43 ) ولا يعلمه غيره فكيف يعلم أنها قريبه
قلت المعلوم قربها والمجهول ذاتها فلا معاوضة
04 -
( باب )
كذا ذكر مجردا عن الترجمة في رواية الأكثرين وهو كالفصل وحديثه داخل فيما قبله وفي رواية الكشميهني باب طلوع الشمس من مغربها وعلى الوجهين المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله ظاهرة لأن طلوع الشمس من المغرب إنما يقع عند إشراف قرب الساعة وقيامها
6056 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها

(23/91)


فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون فذالك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ( الأنعام 851 ) ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها
مطابقته للترجمة على رواية الكشميهني ظاهرة وعلى رواية غيره هو داخل فيما قبله
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب هو ابن أبي حمزة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان و ( عبد الرحمن ) هو ابن هرمز الأعرج
والحديث مختصر من حديث سيأتي في أواخر كتاب الفتن بهذا الإسناد بتمامه وأوله لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان وذكر فيه نحو عشرة أشياء من هذا الجنس ثم ذكر ما في هذا الباب مقتصرا على ما يتعلق بطلوع الشمس
قوله من مغربها قال الكرماني أهل الهيئة بينوا أن الفلكيات بسيطة لا تختلف مقتضياتها ولا يتطرق إليها خلاف ما هي عليه ثم أجاب بقوله قواعدهم منقوضة ومقدماتهم ممنوعة ولئن سلمنا صحتها فلا امتناع في انطباق منطقة البروج على معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وبالعكس قوله آمنوا أجمعون وفي رواية أبي زرعة عن ( أبي هريرة ) في التفسير فإذا رآها الناس آمن من عليها أي من على الأرض من الناس قوله فذلك هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره فذاك ووقع في رواية التفسير وذلك بالواو ويعني عند طلوع الشمس من مغربها لا ينفع نفسا إيمانها وقال الطبري معنى الآية لا ينفع كافرا لم يكن آمن قبل الطلوع إيمان بعد الطلوع لأن حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذ حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة وذلك لا يفيد شيئا كما قال الله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( غافر58 ) وكما ثبت في الحديث الصحيح تقبل توبة العبد ما لم يبلغ الغرغرة وقال ابن عطية في هذا الحديث دليل على أن المراد بالبعض في قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك ( الأنعام851 ) طلوع الشمس من المغرب وإلى ذلك ذهب الجمهور واعلم أن الشمس تجري بقدرة الله تعالى وتغرب في عين حمثة ثم تبلغ العرض فتسجد ثم تستأذن فيؤذن لها فتعود إلى المطلع فإذا كانت تلك الليلة لم يؤذن لها إلى ما شاء الله ثم يؤذن لها وقد مضى وقت طلوعها فتسير سيرا فتعلم أنها لا تبلغ إلى المطلع في باقي ليلتها فتعود إلى مغربها فتطلع منه فمن كان قبل كافرا لم ينفعه إيمانه ومن كان مؤمنا مذنبا لم تنفعه توبته وروى الترمذي من حديث صفوان بن غسان قال سمعت رسول الله يقول إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها وقال حديث حسن صحيح قوله وقد نشر الرجلان الواو فيه للحال قوله بلبن لقحته بكسر اللام وهي الناقة الحلوب قوله يليط حوضه من لاط حوضه وألاطه إذا أصلحه وطينه قوله أكلته أي لقمته وهي بالضم وأما بالفتح فهي المرة الواحدة هذا كله إخبار عن الساعة أنها تأتي فجأة وأسرع من دفع اللقمة إلى الفم
14 -
( باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه )
أي هذا باب في قوله من أحب الخ هذا جزء من الحديث الأول في الباب وقال الخطابي محبة اللقاء إيثار العبد الآخرة على الدنيا فلا يحب طول القيام فيها لكن يستعد للارتحال عنها وكراهته ضد ذلك ومحبة الله لقاء عبده إرادة الخير له وهدايته إليه وكراهته ضد ذلك
7056 - حدثنا ( حجاج ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) عن ( عبادة بن الصامت ) عن النبي قال من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قالت عائشة أو بعض أزواجه إنا لنكره الموت قال ليس ذاك ولاكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن

(23/92)


الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره الله لقاءه
قد ذكرنا أن الترجمة جزء الحديث فلا مطابقة أوضح من هذا
وحجاج هو ابن المنهال البصري وهو من كبار شيوخ البخاري مات سنة سبع عشرة ومائتين وهمام هو ابن يحيى وفيه رواية الصحابي عن الصحابي
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن هدبة بن خالد وغيره وأخرجه الترمذي في الزهد عن محمود بن غيلان وفي الجنائز عن أبي الأشعث أحمد بن المقدم وأخرجه النسائي في الجنائز عن أبي الأشعث
قوله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه قال الكرماني ليس الشرط سببا للجزاء بل الأمر بالعكس ثم قال مثله يؤول بالأخبار أي من أحب لقاء الله أخبره الله بأن الله أحب لقاءه وكذلك الكراهة انتهى
وقيل من خبرية وليست بشرطية وليس معناه أن سبب حب الله لقاء العبد حب لقائه ولا الكراهة ولكنه صفة حال الطائفتين في أنفسهم وعند ربهم والتقدير من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه وكذا الكراهة انتهى
قلت حديث أبي هريرة الذي يأتي في التوحيد مرفوع قال الله تعالى إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه يدل على أن من شرطية فلا وجه لنفيها وقال النووي الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل التوبة فحينئذ يكشف لكل إنسان ما هو صائر إليه فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد الله لهم ويحب الله لقاءهم ليجزل لهم العطاء والكرامة وأهل الشقاوة يكرهونه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته ولا يريد لهم الخير وقال الخطابي اللقاء على وجوه منها الرؤية ومنها البعث كقوله تعالى قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ( الأنعام13 ويونس54 ) أي بالبعث ومنها الموت كقوله من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وقال ابن الأثير في ( النهاية ) المراد بلقاء الله هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لأن كلا يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه إنما يصل إليه بالموت قوله أو بعض أزواجه كذا في هذه الرواية بالشك وجزم سعيد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي قالت ذلك ولم يتردد فيه
قلت روى مسلم هذا الحديث عن هداب ابن خالد عن همام مقتصرا على أصل الحديث ولم يذكر في هذه الرواية هذه الزيادة أعنى قوله قالت عائشة أو بعض أزواجه إلى آخره ثم أخرجه من رواية سعيد بن أبي عروبة موصولا فكأن مسلما حذف الزيادة عمدا لكونها مرسلة من هذا الوجه واكتفى بإيرادها موصولة من طريق سعيد بن أبي عروبة وقد أشار البخاري إلى ذلك حيث علق رواية شعبة بقوله اختصره إلى آخره على ما يأتي وكذا أشار إلى رواية سعيد بن أبي عروبة تعليقا وهذا من العلل الخفية جدا فإن قلت هذه الزيادة لا تظهر صريحا هل هي من كلام عبادة على معنى أنه سمع الحديث من النبي وسمع مراجعة عائشة رضي الله تعالى عنها أو من كلام أنس على معنى أنه حضر ذلك أو من كلام قتادة أرسله في رواية همام ووصله في رواية سعيد بن أبي عروبة فيكون في رواية همام إدراج
قلت هذه الاحتمالات لا ترد فلذلك قال البخاري عقيب الحديث المذكور اختصره أبو داود إلى آخره وهذا من صنيعه العجيب قوله مما أمامه بفتح الهمزة أي مما قدامه من استقبال الموت وقال الكرماني مما أمامه متناول للموت أيضا ثم قال فإن قلت قد نفاه رسول الله خصوصا وأثبته عموما فما وجهه
قلت نفى الكراهة التي هي حال الصحة وقبل الاطلاع على حاله وأثبت التي هي في حال النزع وبعد الإطلاع على حاله فلا منافاة قوله حضر على صيغة المجهول وكذلك قوله بشر قوله كره لقاء الله ويروى فكره بالفاء
اختصره أبو داود وعمرو عن شعبة
وقال سعيد عن قتادة عن زرارة عن سعد عن عائشة عن النبي
أي اختصر الحديث المذكور أبو داود سليمان الطيالسي وعمرو بن مرزوق الباهلي فرواية أبي داود أخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي داود بلفظ أبي موسى الذي يأتي هنا من غير زيادة لا نقصان ورواية عمرو بن مرزوق أخرجها

(23/93)


الطبراني في الكبير عن أبي مسلم الكشي ويوسف بن يعقوب القاضي قالا حدثنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة فذكره مثل لفظ أبي داود سواء قوله وقال سعيد يعني ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى العامري كان يؤم الصلاة فقرأ فيها فإذا نقر في الناقور ( المدثر8 ) فشهق فمات سنة ثلاث وتسعين وهو يروي عن سعد بن هشام الأنصاري ابن عم أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قتل بأرض مكران وهذا التعليق وصله مسلم عن محمد بن عبد الله حدثنا خالد وحدثنا ابن بشار وحدثنا محمد بن بكر كلاهما عن سعيد به
8056 - حدثني ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) الله عن النبي قال من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء مصغر برد ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء واسمه الحارث أو عامر يروي بريد عن جده أبي بردة وأبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن أبي بكر وغيره وهذا مثل حديث عبادة غير قوله فقالت عائشة إلى آخره فكأنه أورده استظهارا لصحة الحديث
9056 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) أخبرني ( سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل ) العلم أن ( عائشة ) زوج النبي قالت كان رسول الله يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفلق فأشخص بصره إلى السقف ثم قال اللهم الرفيق الأعلى قلت إذا لا يختارنا وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به قالت فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها النبي قوله اللهم الرفيق الأعلى طابقته للترجمة من جهة اختيار النبي لقاء الله بعد أن خير بين الموت والحياة فاختار الموت لمحبته لقاء الله تعالى
والحديث مضى في باب مرض النبي ووفاته عن محمد بن بشار عن غندر وعن مسلم عن شعبة وعن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري ومضى أيضا في كتاب الدعوات في باب دعاء النبي اللهم الرفيق الأعلى فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة إلى آخره
قوله في رجال أي في جملة رجال أخر رووا ذلك قوله وهو صحيح الواو فيه للحال قوله ثم يخير على صيغة المجهول أي بين حياة الدنيا وموتها قوله فلما نزل به بضم النون على صيغة المجهول يعني لما حضره الموت قوله ورأسه الواو للحال قوله غشي عليه على صيغة المجهول جواب لما قوله فأشخص بصره أي رفع قوله الرفيق منصوب بمقدر وهو نحو أختار أو أريد والأعلى صفته وهو إشارة إلى الملائكة أو إلى الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين ( النساء96 ) قوله لا يختارنا بالنصب أي حين اختار مرافقة أهل السماء لا يبغي أن يختار مرافقتنا من أهل الأرض
قلت هكذا أعربه الكرماني فلا مانع من أن يكون مرفوعا لأن معنى قوله إذا يعني حينذ هو لا يختارنا قوله وعرفت أنه أي أن الأمر الذي حصل له هو قوله الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح وهو قوله إنه لم يقبض نبي قط حتى يخير قوله فكانت تلك أي تلك الكلمة التي هي قوله اللهم الرفيق الأعلى وهي اسم كانت قوله آخر كلمة بالنصب خبرها قوله تكلم بها النبي صفتها قوله قوله منصوب على الاختصاص أي أعني قوله اللهم الرفيق الأعلى
24 -
( باب سكرات الموت )

(23/94)


أي هذا باب في بيان سكرات الموت وهي جمع سكرة بفتح السين وسكون الكاف وهي شدة الموت وغمه وغشيته والسكر بضم السين حالة تعرض بين المرء وعقله وهو اسم والمصدر سكر بفحتين يسكر سكرا قال الجوهري وقد سكر يسكر سكرا مثل بطر يبطر بطرا والاسم السكر بالضم انتهى وأكثر ما يستعمل في الشراب ويطلق في الغضب والعشق والنعاس والغشي الناشىء عن الألم والسكر بالفتح وسكون الكاف مصدر سكرت النهر أسكره سكرا إذا سددته والسكر بفتحتين نبيذ التمر
0156 - حدثني ( محمد بن عبيد بن ميمون ) حدثنا ( عيسى بن يونس ) عن ( عمر بن سعيد ) قال أخبرني ( ابن أبي مليكة ) أن ( أبا عمرو ذكوان ) مولى ( عائشة ) أخبره أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول إن رسول الله كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء شك عمر فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول لا إلاه إلا الله إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول في الرقيق الأعلى حتى قبض ومالت يده
مطابقته للترجمة في قوله إن للموت سكرات وعمر بن سعيد بن أبي حسين المكي وابن أبي مليكة عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير التيمي الأحول المكي القاضي على عهد ابن الزبير وأبو عمرو بالواو ذكوان بفتح الذال المعجمة
والحديث مختصر من حديث أخرجه في المغازي بهذا الإسناد المذكور بعضه
قوله ركوة بفتح الراء وهو إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء والجمع ركاء قوله أو علبة بضم العين المهملة قال أبو عبيد العلبة من الخشب والركوة من الجلد وقال العسكري في ( تلخيصه ) العلبة قدح الأعراب يتخذ من جلد ويعلق بجنب البعير والجمع علاب وفي ( الموعب ) لابن التياني العلبة على مثال ركوة القدح الضخم من جلد الإبل وعن أبي ليلى العلبة أسفلها جلد وأعلاها خشب مدور لها إطار كإطار المنخل والغربال وتجمع على علب وفي ( المحكم ) هي كهيئة القصعة من جلد لها طوق من خشب قوله شك عمر يعني عمر بن سعيد المذكور وفي باب وفاة النبي يشك عمر بلفظ المضارع وفي يرواية الإسماعيلي شك ابن أبي حسين قوله يدخل يديه من الإدخال ويديه بالتثنية رواية الكشميهني وفي رواية غيره بالإفراد وعلى هذا قوله بهما بالتثنية أو بالإفراد قوله في الرفيق أي أدخلني في جملتهم أي اخترت الموت
وقال أبو عبد الله ) العلبة من الخشب والركوة من الأدم
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وقد فسر العلبة بما فسره أبو عبيد كما ذكرناه الآن وهذا ثبت في رواية المستملي وحده
98 - ( حدثني صدقة أخبرنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي فيسألونه متى الساعة فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم قال هشام يعني موتهم )
يمكن أن يؤخذ وجه المطابقة من قوله موتهم لأن كل موت فيه سكرة وصدقة هو ابن الفضل المروزي وعبدة بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة هو ابن سليمان وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها والحديث من أفراده ونظيره حديث أنس مضى في كتاب الأدب في باب ما جاء في قول الرجل ويلك قوله الأعراب هم ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة والعرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه وسواء أقام بالبادية أو المدن والنسبة إليهما أعرابي وعربي وقال الجوهري

(23/95)


ليس الأعراب جمعا لعرب كما أن الأنباط جمع لنبط إنما العرب اسم جنس قوله جفاتا بضم الجيم جمع جاف من الجفاء وهو الغلظ في الطبع لقلة مخالطة الناس ويروى بالحاء المهملة جمع حاف وهو الذي يمشي بلا شيء في رجليه وكلا المعنيين غالب على أهل البادية قوله ينظر إلى أصغرهم وفي رواية مسلم وكان ينظر إلى أحدث أسنان منهم قوله لا يدركه مجزوم لأنه جواب الشرط قوله قال هشام يعني ابن عروة راوي الحديث وهو موصول بالسند المذكور يعني فسر الساعة بالموت قال الكرماني يريد بساعتهم موتهم وانقراض عصرهم إذ من مات فقد قامت قيامته وكيف والقيامة الكبرى لا يعلمها إلا الله عز و جل ثم قال فإن قلت السؤال عن الكبرى والجواب عن الصغرى فلا مطابقة قلت هو من باب أسلوب الحكيم قلت معناه دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى فإنها لا يعلمها إلا الله عز و جل واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم لأن معرفتكم إياه تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الآخر وقيل هو تمثيل لتقريب الساعة لا يراد بها حقيقة قيامها أو الهرم لا حد له أو علم أن ذلك المشار إليه لا يعمر ولا يعيش -
2156 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( محمد بن عمرو بن حلحلة ) عن ( معبد بن كعب بن مالك ) عن ( أبي قتادة بن ربعي الأنصاري ) أنه كان يحدث أن رسول الله مر عليه بجنازة فقال مستريح ومستراح منه قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز و جل والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب
مطابقته للترجمة يمكن أخذها من قوله يستريح من نصب الدنيا ومن جملة النصب سكرة الموت
وإسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله المدني ابن أخت مالك بن أنس الذي روى عنه ومحمد بن عمرو بن حلحلة بفتح الحاءين المهملتين وإسكان اللام الأولى وليس له عن معبد غيره ومعبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة ابن كعب بن مالك الأنصاري وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء
والحديث أخرجه مسلم في الجنائز عن قتيبة عن مالك به وعن غيره وأخرجه النسائي أيضا فيه عن قتيبة
قوله مر عليه بجنازة على صيغة المجهول قوله ومستراح الواو فيه بمعنى أو أو هي للتقسيم على ما صرح بمقتضاه في جواب سؤالهم قوله من نصب الدنيا النصب التعب والمشقة قوله وأذاها من عطف العام على الخاص وقال ابن التين يحتمل أن يراد بالمؤمن المتقي خاصة ويحتمل كل مؤمن والفاجر يحتمل أن يراد به الكافر ويحتمل أن يدخل فيه العاصي أما راحة العباد منه فلما كان لهم من ظلمه وأما راحة البلاد فلما كان من غصبها ومنعها من حقها وصرف ما يحصل منها إلى غير أهله في غير وجهه وأما راحة الشجر فلما كان من قلعة إياها بالغصب أو من أخذ ثمره كذلك لكن الراحة هنا لصاحب الشجر وإسناد الراحة إليه مجاز وأما راحة الدواب فلما كان من استعمالها فوق طاقتها والتقصير في أكلها وشربها
3156 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة حدثني بن كعب عن ابي قتادة عن النبي قال مستريح ومستراح منه المؤمن يستريح
هذا طريق آخر أخرجه عن مسدد عن ( يحيى ) القطان عن ( عبد ربه بن سعيد ) بن قيس الأنصاري كذا وقع هنا لأبي ذر عن شيوخه الثلاثة في رواية عن أبي زيد المروزي ووقع عند مسلم عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند وقال الغساني عبد ربه بن سعيد وهم والصواب المحفوظ عبد الله وكذا روه ابن السكن عن الفربري فقال في روايته عبد الله بن سعيد هو

(23/96)


ابن أبي هند والحديث محفوظ له لا لعبد ربه
قوله حدثني الله ( بن كعب ) هو معبد بن كعب بن مالك المذكور في السند الأول قوله مستريح إلى آخره أخرجه مختصرا هكذا بدون السؤال والجواب
4156 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ) سمع ( أنس بن مالك ) يقول قال رسول الله يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله
تؤخذه مطابقته للترجمة من قوله يتبع الميت لأن كل ميت يقاسي سكرة الموت
والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى أحد أجداده حميد مصغر حمد وسفيان هو ابن عيينة وليس لشيخه عبد الله بن أبي بكر عن أنس غير هذا الحديث
وأخرجه مسلم في الزهد عن يحيى بن يحيى وزهير بن حرب وأخرجه الترمذي فيه عن سويد بن نصر وأخرجه النسائي في الرقائق عن سويد بن نصر وفي الجنائز عن قتيبة
قوله يتبع الميت هكذا هو في رواية الأكثرين والسرخسي وفي رواية المستملي يتبع المرء وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني يتبع المؤمن والأول هو المحفوظ قيل التبعية في بعضها حقيقة وفي بعضها مجاز فكيف جاز استعمال لفظ واحد فيهما وأجيب بأنه يجوز عند الشافعية ذلك وأما عند غيرهم فيحمل على عموم المجاز قوله يتبعه أهله إلى آخره توضيح قوله ثلاثة وهذا يقع في الأغلب ورب ميت لا يتبعه إلا عمله فقط قوله وماله مثل رقيقه ودوابه على ما جرت به عادة العرب قوله ويبقى عمله ومعنى بقاء عمله أنه إن كان صالحا يأتيه في صورة رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الرائحة فيقول أبشر بالذي يسرك فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح وقال في الحديث في حق الكافر ويأتيه رجل قبيح الوجه فيقول أنا عملك الخبيث هذا وقع هكذا في حديث البراء بن عازب أخرجه أحمد وغيره
5156 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده غدوة وعشيا إما النار وإما الجنة فيقال هاذا مقعدك حتى تبعث ( انظر الحديث 9731 وطرفه )
تؤخذ مطابقته للترجمة من قوله إذا مات لأن الذي يموت لا بد له من سكرة الموت
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري يقال له عارم وأيوب هو السختياني والحديث من أفراده
قوله عرض عليه مقعده كذا في رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي والمستملي عرض على مقعده والأول هو الأصل والثاني من باب القلب نحو عرض الناقة على الحوض قوله غدوة وعشيا أي أول النهار وآخره بالنسبة إلى أهل الدنيا والذي يعرض على المؤمن مقعدان يراهما جميعا وفائدة العرض للمؤمن نوع من الفرح وللكافر نوع من العذاب والعرض على الروح حقيقة وعلى ما يتصل به من البدن الاتصال الذي يمكن به إدراك التنعيم أو التعذيب وقال ابن بطال حاكيا عن غيره إن المراد بالعرض هنا الإخبار بأن هذا موضع جزائكم على أعمالكم عند الله لأن العرض لا يقع على شيء فان فالعرض الذي يدوم إلى يوم القيامة هو العرض الذي على الأرواح خاصة واعترض عليه بأن حمل العرض على الإخبار عدول عن الظاهر بغير مقتضى لذلك فلا يجوز العدول إلا بصارف يصرفه عن الظاهر انتهى
قلت فيه نظر لأن الأبدان تفنى والذي يفنى حكمه حكم المعدم ولا يتصور العرض على المعدوم وقوله عدول عن الظاهر بغير مقتضى غير مسلم لأن الحكم بالظاهر متعذر والصارف عن الظاهر موجود وهو امتناع العرض على المعدوم وقال بعضهم يؤيد الحمل على الظاهر أن الخبر ورد على العموم في المؤمن والكافر فلو اختص العرض بالروح لم يكن للشهيد في ذلك كثير فائدة لأن روحه منعمة جزما كما في الأحاديث الصحيحة وكذا روح الكافر معذبة في النار جزما فإذا حمل على الروح التي لها اتصال بالبدن ظهرت فائدة ذلك في حق الشهيد وفي حق الكافر أيضا انتهى
قلت كون عموم الخبر يؤيد الحمل على الظاهر غير مسلم لما ذكرنا ثم تقوية ذلك بقوله فلو اختص

(23/97)


العرض بالروح إلى آخره غير مسلم أيضا لأن العرض في حق الشهيد زيادة فرح وسرور وفي حق الكافر زيادة جزع وتحسر ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة في فتنة السؤال في القبر وفيه ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك وما أعده الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك وما أعده الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا الحديث وفيه في حق الكافر ثم يفتح له باب من أبواب النار وفيه فيزداد حسرة وثبورا في الموضعين وفيه لو أطعته قوله إما النار وإما الجنة قيل كلمة إما التفصيلية تمنع الجمع بينهما وأجيب بأنه قد يكون لمنع الخلو عنهما فإن قلت هذا العرض للمؤمن المتقي والكافر ظاهر فكيف الأمر في المؤمن المخلص
قلت يحتمل أن يعرض عليه مقعده من الجنة التي سيصير إليها فإن قلت ما فائدة التكرر في العرض
قلت فائدته تذكارهم بذلك قوله حتى تبعث إليه وفي رواية الكشميهني حتى تبعث عليه وفي طريق مالك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة وقال الكرماني ما معنى الغاية التي في حتى تبعث ثم أجاب بقول معناها أنه يرى بعد البعث من عند الله كرامة ينسى عندها هذا المقعد وقال الكرماني أيضا وفيه إثبات عذاب القبر والأصح أنه للجسد ولا بد من اعادة الروح فيه لأن الألم لا يكون إلا للحي قلت إثبات عذاب القبر لا تداع وأما قوله والأصح أنه للجسد فغير مسلم لأن الجسد يفنى وتعذيب الذي فني غير متصور وأما قوله ولا بد من إعادة الروح فيه ففيه اختلاف هل تعود الروح فيه حقيقة أو تقرب من البدن بحسب ما يعذب البدن بواسطة أو بغير ذلك فحقيقة ذلك عند الله وقد ضرب بعض العلماء لتعذيب الروح مثلا بالنائم فإن روحه تتنعم أو تعذب والجسد لا يحس بشيء من ذلك واعلم أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ويعرض عليه مقعدها غدوة وعشيا وأرواح الكفار في أجواف طيور سود تغدو على جهنم وتروح كل يوم مرتين فذلك عرضها وقد قيل إن أرواحهم في صخرة سوداء تحت الأرض السابعة على شفير جهنم في حواصل طيور سود
6156 - حدثنا ( علي بن الجعد ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( الأعمش ) عن ( مجاهد ) عن ( عائشة ) قالت قال النبي قوله لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ( انظر الحديث 3931 )
ذكر هذا الحديث هنا لكونه في أمر الأموات الذين ذاقوا سكرات الموت وقد مضى في آخر كتاب الجنائز في باب ما ينهى عن سب الأموات فإنه أخرجه هنا ك عن آدم عن شعبة عن الأعمش وهو سليمان عن مجاهد إلى آخره
علي بن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن عبيد أبو الحسن الجوهري البغدادي روى عنه البخاري في كتابه اثني عشر حديثا وقال مات ببغداد آخر رجب سنة ثلاثين ومائتين وقد مضى الكلام فيه هناك
قوله أفضوا أي وصلوا إلى جزاء أعمالهم من الخير والشر
34 -
( باب نفخ الصور )
أي هذا باب في بيان نفخ الصور وهو بضم الصاد المهملة وسكون الواو وروى عن الحسن أنه قرأها بفتح الواو جمع صورة وتأوله على أن المراد النفخ في الأجساد لتعاد إليها الأرواح وقال أبو عبيدة في ( المجاز ) يقال الصور يعني بسكون الواو جمع صورة كما يقال سور المدينة جمع سورة وحكى الطبري عن قوم مثله وزاد كالصوف جمع صوفة ورد على هذا بأن الصور اسم جنس لا جمع قال وقال الأزهري إنه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة ويأتي تفسيره الآن
قال مجاهد الصور كهيئة البوق
هذا التعليق وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في قوله تعالى ونفخ في الصور ( الكهف99 وغيرها ) قال كهيئة البوق

(23/98)


الذي يزمر به وهو معروف ويقال إن الصور اسم القرن بلغة أهل اليمن قيل كيف شبه الصور بالقرن الذي هو مذموم وأجيب لا مانع من ذلك ألا يرى كيف شبه صوت الوحي بصلصلة الجرس مع ورود النهي عن استصحابه فإن قلت مماذا خلق الصور
قلت روى أبو الشيخ في كتاب ( العظمة ) من طريق وهب بن منبه من قوله قال خلق الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان إسرافيل عليه السلام فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة فذكر الحديث وفيه ثم يجمع الأرواح كلها في الصور ثم يأمر الله عز و جل إسرافيل عليه السلام فينفخ فيه فتدخل كل روح في جسدها وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان وصححه والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي فقال ما الصور قال قرن ينفخ فيه
زجرة صيحة
أشار به إلى تفسير قوله عز و جل فإنما هي زجرة واحدة ( الصافات91 والنازعات31 ) وفسر الزجرة بقوله صيحة وهو من تفسير مجاهد أيضا وصله الفريابي أيضا من طريق ابن أبي نجيح عنه
وقال ابن عباس الناقور الصور
أراد به أن ابن عباس فسر الناقور في قوله عز و جل فإذا نقر في الناقور ( المدثر8 ) بأنه الصور وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في الآية المذكورة ومعنى نقر نفخ
الراجفة النفخة الأولى والرادفة النفخة الثانية
هذا من تفسير ابن عباس أيضا في قوله عز و جل يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ( النازعات6 - 7 ) أي النفخة الأولى تتبعها النفخة الثانية وصله الطبري وابن أبي حاتم أيضا بالسند المذكور وبه فسر الفراء في ( معاني القرآن ) وعن مجاهد الراجفة الزلزلة والرادفة الدكدكة أخرجه الفريابي وغيره عنه وقال الكرماني واختلف في عددها والأصح أنها نفختان قال تعالى ونفخ فى الصور فصعق من فى السماوات ومن فى الارض إلا من شآء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( الزمر86 ) والقول الثاني إنها ثلاث نفخات نفخة الفزع فيفزع أهل السموات والأرض بحيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت ثم نفخة الصعق ثم نفخة البعث فأجيب بأن الأوليين عائدتان إلى واحدة فزعوا إلى أن صعقوا والمشهور أن صاحب الصور إسرافيل عليه الصلاة و السلام ونقل فيه الحليمي الإجماع فإن قلت جاء أن الذي ينفخ في الصور غير إسرافيل فروى الطبراني في ( الأوسط ) عن عبد الله بن الحارث كنا عند عائشة فقالت يا كعب أخبرني عن إسرافيل قيل فذكر الحديث وفيه وملك الصور جاثي على إحدى ركبتيه وقد نصب الأخرى يلتقم الصور محنيا ظهره شاخصا ببصره ينظر إلى إسرافيل وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور فقالت عائشة سمعته من رسول الله
قلت فيه زيد بن جدعان وهو ضعيف فإن قلت يؤيد الحديث المذكور ما أخرجه هناد بن السري في ( كتاب الزهد ) ما من صباح إلا وملكان موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان يعني في الصور
قلت هذا موقوف على عبد الرحمان بن أبي عمرة فإن قلت روى عن الإمام أحمد من طريق سليمان التيمي عن أبي عن النبي أو عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال النافخان في السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب والآخر بالعكس ينتظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا ورجاله ثقات وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بغير شك وروى ابن ماجه والبزار من حديث أبي سعيد رفعه أن صاحبي الصور بأيديهما قرنان

(23/99)


يلاحظان النظر متى يؤمران وقال بعض العلماء الملك الذي إذا رأى إسرافيل ضم جناحيه في حديث عائشة ينفخ النفخة الأولى وإسرافيل ينفخ النفخة الثانية وهي نفخة البعث
7156 - حدثني ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان وعبد الرحمان الأعرج أنهما حدثاه ) أن ( أبا هريرة ) قال استب رجلان رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم والذي اصطفى محمدا على العالمين فقال اليهودي والذي اصطفاى موسى على العالمين قال فغضب المسلم عند ذالك فلطم وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى رسول الله فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم فقال رسول الله لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون في أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة يمكن أن يؤخذ من قوله فإن الناس يصعقون يوم القيامة إلى آخر الحديث ولكن فيه تعسف وقد تكرر ذكر رجاله
والحديث مضى في باب ما يذكر في الأشخاص فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن قزعة عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله لا تخيروني أي لا تفضلوني ولا تجعلوني خيرا منه قيل هو أفضل المخلوقات فلم نهى عن التفضيل وأجيب بأن معناه لا تفضلوني بحيث يلزم نقص أو غضاضة على غيره من الفضل أو بحيث يؤدي إلى خصومة أو قاله تواضعا أو كان هذا قبل علمه بأنه كان سيد ولد آدم وقال ابن بطال لا تفضلوني عليه في العمل فإنه أكثر عملا مني والثواب بفضل الله لا بالعمل أو لا تفضلوني في البلوى والامتحان فإنه أكثر محنة مني وأعظم إيذاء وبلاء قوله يصعقون بفتح العين في المضارع وبكسرها في الماضي من صعق إذا غشي عليه وقال ابن الأثير الصعق أن يغشى على الإنسان من صوت شديد يسمعه وربما مات منه ثم استعمل في الموت كثيرا أو قال القاضي يحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حتى تنشق السموات والأرض يدل عليه قوله فأفاق قبلي لأنه إنما يقال أفاق من الغشي وأما الموت فيقال بعث منه وصعقة الطور لم تكن موتا وأما قوله فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي فيحتمل أنه قال ذلك قبل أن علم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره وأن نبينا أو شخص ممن تنشق عنهم الأرض فيكون موسى عليه السلام من تلك الزمرة وهي والله أعلم زمرة الأنبياء عليهم السلام قوله أو كان ممن استثنى الله أي فيما قال فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ( الزمر86 ) وفيه عشرة أقوال الأول أنهم الموتى لكونهم لا إحساس لهم والثاني الشهداء الثالث الأنبياء عليهم السلام وإليه مال البيهقي وجوز أن يكون موسى عليه السلام ممن استثنى الله الرابع جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ثم يموت الثلاثة ثم يقول الله لملك الموت مت فيموت قاله يحيى بن سلام في ( تفسيره ) الخامس حملة العرش لأنهم فوق السموات السادس موسى عليه السلام وحده أخرجه الطبري بسند فيه ضعف عن أنس وعن قتادة وذكره الثعلبي عن جابر السابع الولدان الذين في الجنة والحور العين الثامن خزان الجنة التاسع خزان النار وما فيها من الحيات والعقارب حكاه الثعلبي العاشر الملائكة كلهم جزم به ابن حزم في ( الملل والنحل ) فقال الملائكة أرواح لا أرواح فيها فلا يموتون أصلا
8156 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال النبي يصعق الناس حين يصعقون فأكون أول من قام فإذا موسى آخذ بالعرش

(23/100)


فما أدري أكان ممن صعق
رواه أبو سعيد عن النبي
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أورده مختصرا وبقيته بعد قوله ممن صعق أم لا
ورجاله بهذا النسق قد مروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز فإن قيل فهل صار موسى عليه السلام بهذا التقدم أفضل من نبينا قيل له لا يلزم من فضله من هذه الجهة أفضليته مطلقا وقيل لا يلزم أحد الأمرين المشكوك فيهما الأفضلية على الإطلاق
قوله رواه أبو سعيد أي روى الحديث المذكور أبو سعيد الخدري عن النبي يعني أصل الحديث وقد تقدم موصولا في كتاب الأشخاص وفي قصة موسى عليه السلام من أحاديث الأنبياء عليهم السلام
44 -
( باب يقبض الله الأرض يوم القيامة )
أي هذا باب يذكر فيه يقبض الله الأرض معنى يقبض يجمع وقد يكون معنى القبض فناء الشيء وذهابه قال تعالى والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ( الزمر76 ) ويحتمل أن يكون المراد به والأرض جميعا ذاهبة فانية يوم القيامة
رواه نافع عن ابن عمر عن النبي
أي روى قوله يقبض الله الأرض يوم القيامة نافع عن عبد الله بن عمر عن النبي وهذا التعليق سقط من بعض الرواة من شيوخ أبي ذر ووصله البخاري في التوحيد على ما يجيء إن شاء الله تعالى
9156 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) حدثني ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض
مطابقته للترجمة في أول الحديث ومحمد بن مقاتل المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد والزهري محمد بن مسلم
والحديث أخرجه البخاري في التوحيد أيضا عن أحمد بن صالح وأخرجه مسلم في التوبة عن حرملة وأخرجه النسائي في النعوت عن سويد بن نصر وغيره وفي التفسير عن يونس بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجه في السنة عن حرملة بن يحيى وغيره والحديث من المتشابهات
قوله ويطوي السماء أي يذهبها ويفنيها ولا يراد بذلك طي بعلاج وانتصاب إنما المراد بذلك الإذهاب والإفناء يقال انطوى عنا ما كنا فيه أي ذهب وزال والأصل الحقيقة قوله بيمينه أي بقدرته وقال القرطبي يده عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته واليد تأتي لمعان كثيرة بمعنى القوة ومنه قوله تعالى واذكر عبدنا داود ذا الأيد ( ص71 ) وبمعنى الملك ومنه قوله تعالى قل إن الفضل بيد الله ( آل عمران37 ) وبمعنى النعمة تقول كم يد لي عند فلان أي كم من نعمة أسديتها إليه وبمعنى الصلة ومنه قوله تعالى ( 2 ) أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( البقرة732 ) وبمعنى الجارحة ومنه قوله تعالى ( 38 ) وخذ بيدك ضغثا وبمعنى الذل ومنه قوله تعالى ( حتى يعطوا الجزية عن يد ) قال الهروي أي عن ذل وقوله تعالى ( يد الله فوق ايديهم ) ( ص44 ) قيل في الوفاء وقيل في الثواب وفي الحديث هذه يدي لك أي استسلمت لك وانقدت لك وقد يقال ذلك للعاتب واليد الاستسلام قال الشاعر
( أطاع يدا بالقول فهو ذلول )
أي انقاد واستسلم واليد السلطان واليد الطاعة واليد الجماعة واليد الأكل واليد الندم وفي الحديث وأخذ بهم يد البحر يريد طريق الساحل ويقال للقوم إذا تفرقوا وتمزقوا في آفاق صاروا أيدي سبأ واليد السماء واليد الحفظ والوقاية ويد القوس أعلاها ويد السيف قبضته ويد الرحى العود الذي يقبض عليه الطاحن ويد الطائر جناحه وقالوا لا آتيه يد الدهر أي الدهر ولقيته أول ذات يدي أي أول شيء وفي الحديث إجعل الفساق يدا يدا ورجلا رجلا أي فرق بينهما في الهجرة واليد الطاعة وابتعت الغنم بيدين أي بثمنين مختلفين ويد الثوب ما فضل منه إذا تعطفت به والتحقت وأعطاء عن ظهر يد أي ابتداء لا عن بيع ولا مكافاة ويد الشيء أمامه وهذا

(23/101)


عيش يد أي واسع وبايعته يدا بيد أي بالنقد قوله ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض وعند هذا القول انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والحشر والنشر وقيل إن المنادي ينادى بعد حشر الخلق على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله عليها لمن الملك اليوم فيجيبه العباد لله الواحد القهار رواه أبو وائل عن ابن مسعود وأخرجه النحاس فإن قلت جاء في حديث الصور الطويل إن جميع الأحياء إذا ماتوا بعد النفخة الأولى ولم يبق إلا الله قال سبحانه أنا الجبار لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول الله سبحانه وتعالى لله الوحد القهار
قلت يمكن الجمع بينهما بأن ذلك يقع مرتين
0256 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( خالد ) عن ( سعيد بن أبي هلال ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال قال النبي تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمان عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة قال بلى قال تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي فنظر النبي إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال ألا أخبرك بإدامهم قال إدامهم بالام ونون قالوا وما هاذا قال ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفا
مطابقته للترجمة من حيث إن الله عز و جل يقبض الأرض يوم القيامة ثم يصيرها خبزة
وخالد هو ابن يزيد من الزيادة الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالحاء المهملة والسند إلى سعيد مصريون ومنه إلى آخره مدنيون
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده
قوله تكون الأرض يعني أرض الدنيا قوله خبزة بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي قال الخطابي الخبزة الطلمة بضم الطاء المهملة وسكون اللام وهو عجين يجعل ويوضع في الحفيرة بعد إيقاد النار فيها قال والناس يسمونها الملة بفتح الميم وتشديد اللام وإنما الملة الحفرة نفسها والتي تمل فيها هي الطلمة والخبزة والمليل قوله يتكفؤها بفتح التاء لمثناة من فوق وبفتح الكاف وتشديد الفاء المفتوحة بعدها همزة أي يميلها ويقلبها من كفأت الإناء إذا قلبته وفي رواية مسلم يكفؤها قوله كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر أراد أنه كخبزة المسافر التي يجعلها في الرماد الحار يقلبها من يد إلى يد حتى تستوي لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ومعناه أن الله عز و جل يجعل الأرض كالرغيف العظيم الذي هو عادة المسافرين فيه ليأكل المؤمن من تحت قدميه حتى يفرغ من الحساب وقال الخطابي يعني خبز الملة الذي يصنعه المسافر فإنها لا تدحى كما تدحى الرقاقة وإنما تقلب على الأيدي حتى تستوي وهذا على أن السفر بفتح المهملة والفاء ورواه بعضهم بضم أوله جمع سفرة وهو الطعام الذي يتخذ للمسافر ومنه سميت السفرة يعني التي يؤكل عليها قوله نزلا لأهل الجنة بضم النون والزاي وبسكونها أيضا وهو ما يعد للضيف عند نزوله ومعناه أن الله تعالى جعل هذه الخبزة نزلا لمن يصير من أهل الجنة يأكلونها في الموقف قبل دخول الجنة حتى لا يعاقبون بالجوع في طول زمان الموقف وقال الداودي إن المراد أنه يأكل منها من سيصير إلى الجنة من أهل الحشر لا أنهم لا يأكلونها حتى يدخلوا الجنة وقال بعضم وظاهر الخبز يخالفه
قلت كان هذا القائل يقول إن قوله نزلا لأهل الجنة أعم من كون ذلك يقع قبل دخول الجنة أو بعده والداودي بنى كلامه على ظاهر ما روي عن سعيد بن جبير قال تكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه رواه الطبري ولا ينافي العموم ما قاله الداودي وعن البيضاوي أن هذا الحديث مشكل جدا لا من جهة إنكار صنع الله وقدرته على ما يشاء بل لعدم التوقف على قلب جرم الأرض من الطبع الذي عليه إلى طبع المطعوم والمأكول مع ما ثبت في الآثار أن هذه الأرض تصير يوم القيامة نارا وتنضم إلى جهنم فلعل الوجه فيه أن معنى قوله خبزة واحدة

(23/102)


أي كخبزة واحدة من نعتها كذا وكذا
قلت تكلم الطيبي هنا بما آل حاصله وحاصل كلام البيضاوي أن أرض الدنيا تصير نارا محمول على حقيقته وأن كونها تصير خبزة يأكل منها أهل الموقف محمول على المجاز
قلت الأثر الذي ذكرناه الآن عن سعيد بن جبير وغيره يرد عليهما والأولى أن يحمل على الحقيقة مهما أمكن وقدرة الله صالحة لذلك والجواب عن الحديث الذي استدل به البيضاوي من كون الأرض تصير نارا أن المراد به أرض البحر لا كل الأرض فقد أخرج الطبري من طريق كعب الأحبار قال يصير مكان البحر نارا وفي ( تفسير الربيع بن أنس ) عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه تصير السموات جفانا ويصير مكان البحر نارا فإن قلت أخرج البيهقي في البعث في قوله تعالى وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ( الحاقة41 ) قال يصيران غبرة في وجوه الكفار
قلت قد قال بعضهم يمكن الجمع بأن بعضها يصير نارا وبعضها غبارا وبعضها يصير خبزة وفيه تأمل لأن لفظ حديث الباب تكون الأرض يوم القيامة خبزة يطلق على الأرض كلها وفيما قاله ارتكاب المجاز فلا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة ولا تعذر هنا من كون كل الأرض خبزة لأن القدرة صالحة لذلك ولأعظم منها بل الجواب الشافي هنا أن يقال إن المراد من كون الأرض نارا هو أرض البحر كما مر والمراد من كونها غبرة الجبال فإنها بعد أن تدك تصير غبارا في وجوه الكفار قوله ثم ضحك يعني تعجبا من اليهودي كيف أخبر عن كتابهم نظير ما أخبر به من جهة الوحي قوله حتى بدت نواجذه أي حتى ظهرت نواجذه وهو جمع ناجذة بالنون والمعجمتين وهي أخريات الأسنان إذا الأضراس أولها الثنايا ثم الرباعيات ثم الضواحك ثم الأرحاء ثم النواجذ وجاء في كتاب الصوم حتى بدت أنيابه ولا منافاة بينهما لأن النواجذ تطلق على الأنياب والأضراس أيضا قيل مضى في كتاب الأدب في باب التبسم أنه ما كان يزيد على التبسم وأجيب بأن ذلك بيان عادته وحكم الغالب فيه وهذا نادر ولا اعتبار له قوله ألا أخبرك وفي رواية مسلم ألا أخبركم قوله ثم قال وفي رواية الكشميهني فقال قوله بالأم بفتح الباء الموحدة وتخفيف اللام والميم وقال الكرماني وهي موقوفة ومرفوعة منونة وغير منونة وفيه أقوال والصحيح أنها كلمة عبرانية معناها بالعربية الثور وبهذا فسره ولهذا سألوا اليهودي عن تفسيرها ولو كانت عربية لعرفتها الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقال الخطابي لعل اليهودي أراد التعمية عليهم وقطع الهجاء وقدم أحد الحرفيين على الآخر وهي لام الف وياء يريد لأي على وزن وهو الثور الوحشي فصحف الراوي المثناة فجعلها موحدة وقال ابن الأثير وأما البالام فقد تمحلوا لها شرحا غير مرضى لعل اللفظة عبرانية ثم نقل كلام الخطابي الذي ذكره ثم قال وهذا أقرب ما وقع لي فيه قوله ونون وهو الحوت المذكور في أول السورة قوله وقالوا أي الصحابة وفي رواية مسلم فقالوا قوله ما هذا وفي رواية الكشميهني وما هذا بزيادة واو قوله من زائدة كبدهما الزائدة هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أطيبها وألذها ولهذا خص بأكلها سبعون ألفا ويحتمل أن هؤلاء هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب ويحتمل أن يكون عبر بالسبعين عن العدد الكثير ولم يرد الحصر فيها وقال الداودي أول أكل أهل الجنة زائدة الكبد يلعب الثور والحوت بين أيديهم فيذكي الثور الحوت بذنبه فيأكلون منه ثم يعيده الله تعالى فيلعبان فيذكي الحوت الثور بذنبه فيأكلون منه كذلك ما شاء الله وقال كعب فيما ذكره ابن المبارك أن الله يقول لأهل الجنة إذا دخلوها إن لكل ضيف جزورا وإني أجزركم اليوم حوتا وثورا فيجزر لأهل الجنة وروى مسلم من حديث ثوبان تحفة أهل الجنة زيادة كبد النون أي الحوت وفيه غذاؤهم على أثرها أنه ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها وفيه وشرابهم عليه من عين تسمى سلسبيلا
108 - ( حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال حدثني أبو حازم قال سمعت سهل بن سعد قال سمعت النبي يقول يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي قال سهل أو غيره ليس فيها معلم لأحد )

(23/103)


مطابقته للترجمة ما قاله الكرماني مناسبة القرصة للخبزة المذكورة في الحديث السابق وجعلها كالقرصة نوع من القبض قلت فيه نظر لأن جعلها كالقرصة إلى آخره في أرض الدنيا وهذه الأرض غير تلك الأرض وروى عبد بن حميد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال بلغنا أن هذه الأرض يعني أرض الدنيا تطوى وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها وروى البيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض الآية قال تبدل الأرض أرضا كأنها فضة لم يسفك عليها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف وأخرجه البيهقي من وجه آخر مرفوعا وروى الطبري من طريق سنان بن سعيد عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعا يبدلها الله بأرض من فضة لم تعمل عليها الخطايا وسعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري ومحمد بن جعفر بن أبي كثير وأبو حازم سلمة بن دينار وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن أبي بكر بن أبي شيبة قوله عفراء بالعين المهملة والفاء والراء وبالمد البيضاء إلى حمرة وأرض بيضاء لم تطأ وقال الخطابي العفر بياض ليس بالناصع وقال عياض العفر بياض يضرب إلى حمرة قليلا ومنه سمي عفر الأرض وهو وجهها وقال ابن فارس يعني عفراء خالصة البياض قوله كقرصة نقي بفتح النون وكسر القاف وهو الدقيق النقي من الغش والنخال ويروى النقي بالألف واللام قوله قال سهل أو غيره موصول بالسند المذكور وسهل هو راوي الخبر المذكور وكلمة أو للشك قوله معلم بفتح الميم واللام وهو بمعنى العلامة التي يستدل بها أي هذه الأرض مستوية ليس فيها حدب يرد البصر ولا بناء يستر ما وراءه ولا علامة غيره وفيه إشارة إلى أن أرض الدنيا اضمحلت وأعدمت وأن أرض الموقف تجددت -
54 -
( باب كيف الحشر )
أي هذا باب فيه بيان كيفية الحشر وفي بعض النسخ باب الحشر بدون لفظ كيف قال القرطبي الحشر الجمع والحشر على أربعة أوجه حشران في الدنيا وحشران في الآخرة
أما أحد الحشرين اللذين في الدنيا فهو المذكور في سورة الحشر في قوله عز و جل هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ( الحشر2 ) قال الزهري كانوا من سبط لم يصبهم الجلاء وكان الله تعالى قد كتبه عليهم فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا وكان أول حشر حشروا في الدنيا إلى الشام وأما الحشر الآخر فهو ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي في هذا الباب يحشر الناس على ثلاث طرائق الحديث وقال قتادة الحشر الثاني نار تخرج من المشرق إلى المغرب وفيه تأكل منهم من تخلف قال عياض هذا قبل قيام الساعة
وأما أحد الحشرين اللذين في الآخرة فهو حشر الأموات من قبورهم بعد البعث إلى الموقف وأما الحشر الآخر الذي هو الرابع فهو حشرهم إلى الجنة أو النار
2256 - حدثنا ( معلى بن أسد ) حدثنا ( وهيب ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال قوله يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعلى بلفظ اسم المفعول من التعلية ابن أسد البصري ووهيب مصغر وهب هو ابن خالد وابن طاووس هو عبد الله يروى عن أبيه طاووس عن ابن عباس
والحديث أخرجه مسلم في باب يحشر الناس على طرائق عن زهير ابن حرب وغيره
قوله ثلاث طرائق أي ثلاث فرق قال الكرماني قالوا هذا الحشر في آخر الدنيا قبيل القيامة كما يجيء في الحديث الذي بعده إنكم ملاقو الله مشاة ولما فيه من ذكر المساء والصباح ولانتقال النار معهم وهي نار تحشر الناس

(23/104)


من المشرق إلى المغرب
قلت قال الخطابي هذا الحشر قبيل قيام الساعة يحشر الناس أحياء إلى الشام وأما الحشر من القبور إلى الموقف فهو على خلاف هذه الصورة من الركوب على الإبل والتعاقب عليها وإنما هو على ما ورد في حديث ابن عباس في الباب حفاة عراة مشاة قوله راغبين هم السابقون قوله وراهبين هم عامة المؤمنين والكفار أهل النار وفي رواية مسلم راهبين بغير واو قوله واثنان على بعير قال الكرماني والأبعرة إنما هي للراهبين والمخلصون حالهم أعلى واجل من ذلك أو هي للراغبين وأما الراهبون فيكونون مشاة على أقدامهم أو هي لهما بأن يكون اثنان من الراغبين مثلا على بعير وعشرة من الراهبين على بعير والكفار يمشون على وجوههم وقال الخطابي قوله واثنان على بعير وثلاثة على بعيرإلى آخره يريد أنهم يعتقبون البعير الوحد يركب بعض ويمشي بعض وإنما لم يذكر الخمسة والستة إلى العشرة إيجازا واكتفاء بما ذكر من الأعداد مع أن الاعتقاب ليس مجزوما به ولا مانع أن يجعل الله في البعير ما يقوي به على حمل العشرة وقال بعض شراح ( المصابيح ) حمله على الحشر من القبور أقوى من أوجه وذكر وجوها طوينا ذكرها واكتفينا بما قاله الخطابي الذي ذكرناه الآن وفيه كفاية للرد عليه على أنه قد وردت عدة أحاديث في وقوع الحشر في الدنيا إلى جهة الشام منها حديث معاوية بن جيدة قال سمعت رسول الله يقول إنكم تحشرون ونحا بيده نحو الشام رجالا وركبانا وتحشرون على وجوهكم أخرجه الترمذي والنسائي قوله تقيل من القيلولة وهي استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم يقال قال يقيل قيلولة فهو قائل وفي قوله يقيل إلى آخره دلالة على أنهم يقيمون كذلك أياما قوله وتبيت من البيتوتة وتصبح من الإصباح وتمسي من الإمساء
3256 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( يونس بن محمد البغدادي ) حدثنا ( شيبان ) عن ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه قال أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة قال قتادة بلى وعزة ربنا ( انظر الحديث 0674 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد هو الجعفي المعروف بالمسندي ويونس هو ابن محمد المؤدب البغدادي وشيبان بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة ابن عبد الرحمن النحوي
والحديث مضى في التفسير وأخرجه مسلم في التوبة عن زهير بن حرب وغيره وأخرجه النسائي في التفسير عن الحسين بن منصور
قوله كيف يحشر على صيغة المجهول وهو إشارة إلى قوله عز و جل ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ( الإسراء79 ) ووقع في بعض النسخ قال يا نبي الله يحشر الكافر على وجهه بدون لفظة كيف كأنه استفهام حذف أداته والحكمة في حشر الكافر على وجهه أنه يعاقب على عدم سجوده لله تعالى في الدنيا فيسحب على وجهه في القيامة إظهارا لهوانه قوله أن يمشيه بضم الياء من الإمشاء والمشي على حقيقته فلذلك استغربوه خلافا لمن زعم من المفسرين أنه مثل قوله قال قتادة بلى وعزة ربنا موصول بالسند المذكور فإن قلت هل ورد في الحديث وقوع المشي على وجوههم في الدنيا أيضا
قلت روى أبو نعيم من حديث عبد الله بن عمرو ثم يبعث الله بعد قبض عيسى عليه السلام وأرواح المؤمنين بتلك الريح الطيبة نارا تخرج من نواحي الأرض تحشر الناس والدواب إلى الشام وعن معاذ يحشر الناس أثلاثا ثلثا على ظهور الخيل وثلثا يحملون أولادهم على عواتقهم وثلثا على وجوههم مع القردة والخنازير إلى الشام فيكون الذين يحشرون إلى الشام لا يعرفون حقا ولا فريضة ولا يعملون بكتاب ولاسنة يتهارجون هم والجن مائة سنة تهارج الحمير والكلاب وأول ما يفجأ الناس بعد من أمر الساعة أن يبعث الله ليلا ريحا فتقب كل دينار ودرهم فيذهب به إلى بيت المقدس ثم ينسف الله بنيان بيت المقدس فينبذه في البحيرة المنتنة
4256 - حدثنا ( علي ) حدثنا ( سفيان ) قال ( عمرو ) سمعت ( سعيد بن جبير ) سمعت ( ابن عباس ) سمعت

(23/105)


النبي يقول إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا
قال سفيان هاذا مما نعد أن ابن عباس سمعه من النبي
طابقته للترجمة من حيث أن ملاقاتهم الله بالوصف المذكور يكون يوم الحشر
وعلي هو ابن المديني وسفيان هو بن عيينة وعمرو هو ابن دينار
والحديث أخرجه مسلم في صفة القيامة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في الجنائز عن قتيبة
قوله ملاقو الله أصله ملاقون فلما أضيف إلى لفظة الله سقطت النون قوله حفاة بضم الحاء المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي بلا نعل ولا خف ولا شيء يستر أرجلهم والعراة بضم العين جمع عار والغرل بضم الغين المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف يعني الذي لم يختن والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا أول مرة ويعادون كما كانوا في الابتداء لا يفقد شيء منهم حتى الغرلة وهو ما يقطعه الختان من ذكر الصبي قوله هذا أي هذا الحديث من مشاهير مسموعات ابن عباس
6256 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( المغيرة بن النعمان ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) قال قام فينا النبي يخطب فقال إنكم محشورون حفاة عراة كما بدأنا أول خلق نعيده ( الأنبياء401 ) الآية وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصيحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله الحكيم ( المائدة711 ) قال فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم
ذا طريق آخر في حديث ابن عباس السابق أخرجه عن محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وقد مر غير مرة وهو لقب محمد بن جعفر عن شعبة بن الحجاج عن المغيرة ابن النعمان النخعي
قوله محشورون جمع محشور اسم مفعول من حشر كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره تحشرون على صيغة المجهول من المضارع فإن قلت روى أبو داود أن أبا سعيد لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها وقال سمعت رسول الله يقول إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها
قلت التوفيق بين الحديثين بأن يقال إن بعضهم يحشر عاريا وبعضهم كاسيا أو يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة قوله كما بدأنا أول خلق نعيده الآية ساق ابن المثنى الآية كلها إلى قوله فاعلين قوله وأن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة و السلام قيل ما وجه تقدمه على سيدنا محمد وأجيب أنه لعله بسبب أنه أول من وضع سنة الختان وفيه كشف لبعض العورة فجوزي بالستر أولا كما أن الصائم العطشان يجازى بالريان وقيل الحكمة من ذلك أنه حين ألقي في النار وقيل لأنه أول من استن الستر بالسراويل وقالالقرطبي في ( شرح مسلم ) يجوز أن يراد بالخلائق من عدا نبينا فلم يدخل هو في عموم خطاب نفسه وقال تلميذه القرطبي أيضا في ( التذكرة ) هذا حسن لولا ما جاء من حديث علي رضي الله تعالى عنه الذي أخرجه ابن المبارك في ( الزهد ) من طريق عبد الله بن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه أول من يكسى يوم القيامة خليل الله عليه السلام قبطيتين ثم يكسى محمد حلة حبرة عن يمين العرش
قلت العجب من القرطبي كيف يقول يجوز أن يراد بالخلائق من عدى نبينا إلى آخره لأن العام لا يخص إلا بدليل مستقل لفظي مقترن كما عرف في موضعه على أن ما رواه ابن المبارك المذكور يدفعه

(23/106)


وروى أبو يعلى عن ابن عباس مطولا مرفوعا نحو حديث الباب وزاد وأول من يكسى من الجنة إبراهيم عليه السلام يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر ثم يؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش وقيل هل فيه دلالة على أن إبراهيم عليه السلام أفضل منه وأجيب بأنه لا يلزم من اختصاص الشخص بفضيلة كونه أفضل مطلقا قوله ذات الشمال أي طريق جهنم وجهتها قوله أصيحابي أي هؤلاء أصحابي ذكرهم بالتصغير وهو من باب تصغير الشفقة كما في يا بني قوله العبد الصالح أراد به عيسى عليه السلام قوله لم يزالوا وفي رواية الكشميهني لن يزالوا قوله مرتدين قال الخطابي لم يرد بقوله مرتدين الردة عن الإسلام بل التخلف عن الحقوق الواجبة ولم يرتد أحد بحمد الله من الصحابة وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب وقال عياض هؤلاء صنفان إما العصاة وإما المرتدون إلى الكفر وقيل هو على ظاهره من الكفر والمراد بأمتي أمة الدعوة لا أمة الإجابة وقال ابن التين يحتمل أن يكونوا منافقين أو مرتكبي الكبائر وقال الداودي لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر والبدع في ذلك وقال النووي قيل هم المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الأمة فيناديهم من السيماء التي عليهم فيقال إنهم بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ظاهر ما فارقتهم عليه قال عياض وغيره وعلى هذا فتذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفى نورهم وقال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر رضي الله عنه فقاتلهم أبو بكر حتى قتلوا أو ماتوا على الكفر
7256 - حدثنا ( قيس بن حفص ) حدثنا ( خالد بن الحارث ) حدثنا ( حاتم بن أبي صغيرة ) عن ( عبد الله بن أبي مليكة ) قال حدثني ( القاسم بن محمد بن أبي بكر ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت قال رسول الله ( تحشرون حفاة عراة غرلا ) قالت ( عائشة ) فقلت يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض فقال الأمر أشد من أن يهتم لذالك
مطابقته للترجمة ظاهرة وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري مات سنة سبع وعشرين ومائتين أو نحوها قاله البخاري وخالد بن الحارث أبو عثمان الهجيمي مات سنة ست وثمانين ومائة وهو من أفراد البخاري وحاتم بن أبي صغيرة بفتح الصاد المهملة وكسر الغين المعجمة ضد الكبيرة واسمه مسلم القشيري وعبد الله بن أبي مليكة بضم الميم هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة واسمه زهير الأحول المكي
والحديث أخرجه مسلم في أواخر الكتاب في صفة الحشر عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في الجنائز عن عمر بن علي وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله أن يهتم على صيغة المجهول من الاهتمام ويروى من أن يهمهم بضم الياء وكسر الهاء من الإهمام وهو القصد وجوز ابن التين فتح أوله وضم ثانيه من همه الشي إذا أقلقه وفي رواية مسلم يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعض إلى بعض وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض
8256 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( عمرو بن ميمون ) عن ( عبد الله ) قال كنا مع النبي في قبة فقال أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذالك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود

(23/107)


أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر
( الحديث 8256 - طرفه في 2466 )
مطابقته للترجمة من حيث إن كون هذه الأمة نصف أهل الجنة لا يكون إلا بعد الحشر وهذا بطريق الاستثناء
ورجال هذا الحديث قد تكرر ذكرهم جدا وغندر هو محمد بن جعفر وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وعمرو بن ميمون الأزدي أدرك الجاهلية وكان فيمن رجم القردة الزانية وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النذور عن أحمد بن عثمان وأخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن المثنى وبندار وغيرهما وأخرجه الترمذي في صفة الجنة عن محمود بن غيلان وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن بندار به
قوله كنا مع النبي وفي رواية مسلم نحوا من أربعين رجلا قوله في قبة وفي رواية الإسماعيلي عن أبي إسحاق أسند رسول الله ظهره بمنى إلى قبة من أدم قوله أترضون ذكره بهمزة الاستفهام لإرادة تقرير البشارة بذلك وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم وفي رواية يوسف ابن إسحاق بن أبي إسحاق إذ قال لأصحابه ألا ترضون وفي رواية إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق أليس ترضون ووقع في رواية مالك بن مغول أتحبون قوله إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة وفي رواية إسرائيل نصف بدل شطر وفي حديث أبي سعيد إني لأطمع بدل لارجو ووقع لابن عباس نحو حديث أبي سعيد الذي سيأتي من رواية الكلبي عن أبي صالح إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة بل أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة قالوا لا تصح هذه الزيادة لأن الكلبي واه ولكن وقع في حديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة وفيه إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل أنتم ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني وروى الترمذي من حديث بريدة رفعه أهل الجنة عشرون ومائة صف أمتي منها ثمانون صفا قوله أو كالشعرة السوداء قال الكرماني أو إما تنويع من رسول الله وإما شك من الراوي قوله الأحمر كذا في رواية الأكثرين وكذا في رواية مسلم وفي رواية أبي أحمد الجرجاني عن الفربري الأبيض بدل الأحمر وقال ابن التين أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الوحدة لأنه لا يكون ثور في جلده شعرة واحدة من غير لونه
9256 - حدثنا ( إسماعيل ) حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( ثور ) عن ( أبي الغيث ) عن ( أبي هريرة ) أن النبي قال أول من يدعى يوم القيامة آدم فتراءى ذريته فيقال هذا أبوكم آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول أخرج بعث جهنم من ذريتك فيقول يا رب كم أخرج فيقول أخرج من كل مائة تسعة وتسعين فقالوا يا رسول الله إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى منا قال إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود
مطابقته للترجمة يمكن أن يقال من حيث إن الذي تضمنه هذا الحديث إنما يكون بعد الحشر يوم القيامة
إسماعيل هو ابن أبي أويس وأخوه عبد الحميد وسلميان هو ابن بلال وثور بالثاء المثلثة هو ابن زيد الديلمي وأبو الغيث هو سالم مولى عبد الله بن مطيع وهؤلاء كلهم مدنيون
والحديث من أفراده ونظيره عن أبي سعيد الخدري مر في كتاب الأنبياء في باب قصة يأجوج ومأجوج ويجيء الآن أيضا
قوله فتراءى يقال تراءى لي أي ظهر وتصدى لأن اراه وتفسير لبيك وسعديك قد مر عن قريب ومضى في كتاب الحج أيضا قوله فيقول أخرج أي يقول الله تعالى أخرج بفتح الهمزة من الإخراج قوله بعث جهنم منصوب لأنه مفعول أخرج وبعث جهنم هم الذين استحقوا أن يبعثوا إلى النار أي أخرج من جملة الناس الذين هم أهل النار وميزهم وابعثهم الى النار قوله كم أخرج بضم الهمزة من الإخراج وجل قوله فيقول أي فيقول الله عز و جل خرج بفتح الهمزة من الإخراج أيضا
64 -
( باب قول الله عز و جل ( 22 ) إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( الحج1 )

(23/108)


أي هذا باب في قوله تعالى إن زلزلة الساعة أي اضطراب يوم القيامة شيء عظيم والساعة في أصل الوضع جزء من الزمان واستعيرت ليوم القيامة وقال الزجاج معنى الساعة الوقت الذي فيه القيامة وقيل سميت ساعة لوقوعها بغتة أو لطولها أولسرعة الحساب فيها أو لأنها عند الله خفيفة مع طولها على الناس
( 53 ) أزفت الآزفة ( النجم75 )
أزف الماضي مشتق من الأزف بفتح الزاي وهو القرب يقال أزف الوقت وحان الأجل أي دنا وقرب
( 54 ) اقترتب الساعة ( القمر1 )
أي دنت القيامة وقال ابن كيسان في الآية تقديم وتأخير مجازها انشق القمر واقتربت الساعة وقيل معناه وسينشق القمر والعلماء على خلافه
0356 - حدثني ( يوسف بن موسى ) الله حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي سعيد ) قال قال رسول الله يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فذاك حين يشيب الصغير ( 22 ) وتضع كل ذاتولكن عذاب الله شديد ( الحج2 ) فاشتد ذالك عليهم فقالوا يا رسول الله أينا ذالك الرجل قال أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم رجل ثم قال والذي نفسي في يده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة قال فحمدنا الله وكبرنا ثم قال والذي نفسي في يده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو الرقمة في ذراع الحمار
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله يشيب الصغير إلى آخره الآية
ويوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي مات ببغداد سنة اثنتين وخمسين ومائتين وجرير هو ابن عبد الحميد والأعمش هو سليمان وأبو صالح هو ذكوان الزيات وأبو سعيد هو سعد بن مالك الخدري
والحديث مر في باب قصة يأجوج ومأجوج فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن نصر عن أبي أسامة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري
قوله قال رسول الله كذا هو في رواية كريمة وفي رواية الأكثرين وقع غير مرفوع ووقع فيما مضى في باب قصة يأجوج ومأجوج مرفوعا وكذا في رواية مسلم قوله والخير في يديك خص به لرعاية الأدب وإلا فالخير والشر كله بيد الله وقيل الكل بالنسبة إلى الله حسن ولا قبيح في فعله وإنما الحسن والقبح بالنسبة إلى العباد قوله من كل ألف وقد سبق في الحديث الذي قبل هذا الباب من كل مائة والتفاوت بينهما كثير والجواب أن مفهوم العدد لا اعتبار له يعني التخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد أو المقصود منهما شيء واحد وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين قوله وما بعث النار عطف على مقدر تقديره سمعت وأطعت وما بعث النار أي وما مقدار مبعوث النار قوله فذاك إشارة إلى الوقت الذي يشيب فيه الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وظاهر هذا الكلام أن هذا يقع في الموقف وقال بعض المفسرين إن ذلك قبل يوم القيامة لأنه ليس فيها حمل ولا وضع ولا شيب والحديث يرد عليه وقال الكرماني هذا تمثيل للتهويل وقيل إنه كناية عن اشتداد الحال بحيث إنه لو كانت النساء حوامل لوضعت حملهن ويشيب فيه الطفل كما تقول العرب أصابنا أمر يشب فيه الوليد قوله أينا ذلك الرجل إشارة إلى الرجل الذي يستثنى من الألف قوله أبشروا وفي حديث ابن عباس إعملوا وأبشروا وفي حديث أنس أخرجه الترمذي قاربوا وسددوا قوله ومنكم رجل أي المخرج منكم

(23/109)


رجل واحد وقال القرطبي قوله من يأجوج ومأجوج ألف أي منهم وممن كان على الشرك مثلهم قوله أو الرقمة بفتح القاف وسكونها الخط والرقمتان في الحمار هما الأثران اللذان في باطن عضديه وقيل الدائرة في ذراعه وقال الكرماني الفرق كثير بين المشبه والمشبه به الأول والثاني فكيف يصح التشبيه في المقدار بشيئين مختلفي القدر وأجاب بأن الغرض من التشبيهين أمر واحد وهو بيان قلة عدد المؤمنين بالنسبة إلى الكافرين غاية القلة وهو حاصل منهما سواء
74 -
( باب قول الله تعالى ألا يظن أولائك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ( المطففين4 - 6 )
أي هذا باب في قول الله تعالى إلى آخره قوله ألا يظن أي ألا يستيقن والظن هنا بمعنى اليقين أنهم مبعوثون فيسألون عما فعلوا في الدنيا قوله ليوم عظيم يعني يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين لفصل القضاء بين يدي ربهم وقال كعب يقفون ثلاثمائة عام وقال مقاتل وذلك إذا خرجوا من قبورهم
وقال ابن عباس وتقطعت بهم الأسباب ( البقرة961 ) قال الوصلات في الدنيا
أي قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى وتقطعت بهم الأسباب الوصلات في الدنيا بضم الواو والصاد المهملة وقال ابن التين ضبطناه بضم الصاد وفتحها وسكونها وقال الكرماني هو جمع الوصلة وهي الاتصال وكل ما اتصل بشي فما بينهما وصلة وقال أبو عبيد الأسباب هي الوصلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا وعن ابن عباس الأسباب الأرحام رواه الطبري من طريق ابن جريج عنه هو منقطع وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة الأسباب الوصلات التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابون فصارت عداوة يوم القيامة
1356 - حدثنا ( إسماعيل بن أبان ) حدثنا عيسى بن يونس حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي يوم يقوم الناس لرب العالمين ( المطففين6 ) قال يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه ( انظر الحديث 8394 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة منصرفا الوراق الوزان الكوفي و ( عيسى بن يونس ) بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي سكن ناحية الشام موضعا يقال له الحدث ومات بها أول سنة إحدى وتسعين ومائة و ( ابن عون ) هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه الترمذي في الزهد والتفسير عن هناد عن عيسى به وأخرجه النسائي في التفسير عن هناد به وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن أبي بكر به
قوله في رشحه الرشح العرق قوله أنصاف أذنيه كقوله ( 66 ) فقد صغت قلوبكما ( التحريم4 ) ويمكن الفرق بأنه لما كان لكل شخص أذنان فهو من باب إضافة الجمع إلى مثله بناء على أن أقل الجمع اثنان
قلت روي في هذا الباب أحاديث مختلفة فروى البيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا أن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن وروى الطبراني وأبو يعلى وصححه ابن حبان من حديث أبي الأحوص عن عبد الله قال قال رسول الله إن الكافر ليلجم بعرقه يوم القيامة من طول ذلك اليوم حتى يقول يا رب أرحني ولو إلى النار وروى مسلم من حديث سليم بن عامر عن المقداد سمعت رسول الله يقول إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قيد ميل أو ميلين قال سليم لا أدري أراد أي الميلين أمسافة الأرض أو الذي يكتحل به قال فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما قال فرأيت رسول الله وهو يشير بيده إلى فيه وروى الحاكم عن عقبة بن عامر سمعت النبي يقول تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة فيعرق الناس فمن الناس من يبلغ عرقه عقبه ومنهم من يبلغ نصف ساقه ومنهم من يبلغ ركبتيه

(23/110)


ومنهم من يبلغ فخذه ومنهم من يبلغ خاصرته ومنهم من يبلغ منكبيه ومنهم من يبلغ فاه فأشار بيده فألجمها ومنهم من يغطيه عرقه وضرب بيده على رأسه هكذا وروى ابن أبي شيبة عن سلمان الخبر قال تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى يكون قاب قوسين قال فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل قال سلمان حتى يقول الرجل غرغر وقال القرطبي إن هذا لا يضر مؤمنا كامل الإيمان أو من استظل بالعرش وروي عن سلمان ولا يجد حرها مؤمن ولا مؤمنة وأما الكفار فتطبخهم طبخا حتى يسمع لإحراقهم عق عق وروى البيهقي في ( الشعب ) عن عبد الله بن عمر وبسند لا بأس به قال يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمن قال على كرسي من ذهب ويظل عليهم الغمام وعن أبي ظبيان قال أبو موسى الشمس فوق رؤوس الناس وأعمالهم تظلهم
2356 - حدثني ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( سليمان ) عن ( ثور بن زيد ) عن ( أبي الغيث ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم
ذكر هذا عقيب حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما أنه يتضمن بعض ما فيه والمناسبة بهذا المقدار كافية
عبد العزيز ابن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني وسليمان بن بلال وأبو الغيث سالم
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن قتيبة
قوله يعرق بفتح الراء ويلجمهم بضم الياء من ألجمه الماء إلجاما إذا بلغ فاه وسبب كثرة العرق تراكم الأهوال وشدة الازدحام ودنو الشمس قال الكرماني الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتدلة أخذهم الماء أخذا واحدا بحيث يكون بالنسبة إلى الكل إلى الأذن مع اختلاف قاماتهم طولا وقصرا وأجاب بأنه خلاف المعتاد أو لا يكون في القامات حينئذ اختلاف وقد روى اختلافهم أيضا على قدر أعمالهم وقد ذكرناه عن قريب
84 -
( باب القصاص يوم القيامة )
أي هذا باب في بيان كيفية القصاص يوم القيامة والقصاص بكسر القاف مأخوذ من القص وهو القطع أو من اقتصاص الأثر وهو تتبعه لأن الذي يطلب القصاص بتبع جناية الجاني ليأخذ مثلها وفي ( المغرب ) القصاص مقاصة ولي المقتول القاتل والمجروح الجارح وهي مساواته إياه في قتل أو جرح ثم عم في كل مساواة
وهي الحاقة لأن فيها الثواب وحواق الأمور الحقة والحاقة واحد
أي القيامة تسمى الحاقة قوله وحواق الأمور بالنصب أي ولأن فيها ثوابت الأمور يعني يتحقق فيها الجزاء من الثواب والعقاب وسائر الأمور الثابتة الحقة الصادقة قوله الحقة والحاقة واحد يعني في المعنى كذا نقل عن الفراء وقيل سميت الحاقة لأنها تحاق الكفار الذين خالفوا الأنبياء يقال حاققته فحققته أي خاصمته فخصمته وقيل لأنها حق لا شك فيها
والقارعة والغاشية والصاحة والتغابن غبن أهل الجنة أهل النار
أي وهي القارعة لأنها تقرع القلوب بأهوالها وقال الجوهري القارعة الشديدة من شدائد الدهر وهي الداهية وأصل معنى القرع الدق ومنه قرع الباب وقرع الرأس بالعصا قوله والغاشية سميت بذلك لأنها تغشى النار بإفزاعها أي تعمهم بذلك وعن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب الغاشية النار وقال أكثر المفسرين الغاشية القيامة تغشى كل شيء بالأهوال قوله والصاخة هي في الأصل الداهية وفي ( الصحاح ) الصاخة الصيحة يقال صخ الصوت الأذن يصخها صخا ومنه سميت القيامة وقال الثعلبي الصاخة يعني صخة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع أي تتابع في إسماعها حتى تكاد تصمها قوله والتغابن بالرفع عطف على ما قبله وهو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ والمراد وقال المفسرون المغبون من غبن أهله ومنازله

(23/111)


في الجنة ويظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام قوله غبن أهل الجنة فقوله غبن فعل ماض وأهل الجنة فاعله وأهل النار بالنصب مفعوله ومعناه أن أهل الجنة ينزلون منازل الأشقياء التي كانت أعدت لهم لو كانوا سعداء وقال بعضهم فعلى هذا التغابن من طرف واحد ولكنه ذكر بهذه الصيغة للمبالغة انتهى
قلت لا نسلم صحة ما قاله ولم يقل أحد إن صيغة التفاعل تجيء للمبالغة والتفاعل هنا على أصله وهو الاشتراك بين القوم ولا شك أنهم مشتركون في أصل الغبن لأن كل غابن فله مغبون
3356 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثني ( شقيق ) قال سمعت ( عبد الله ) رضي الله عنه قال النبي أول ما يقضى بين الناس بالدماء
مطابقته للترجمة من حيث إن القضاء يوم القيامة هو للقصاص
وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه والرجال كلهم كوفيون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن عبيد الله بن موسى وأخرجه مسلم في الحدود عن عثمان بن أبي شيبة وغيره وأخرجه الترمذي في الديات عن أبي كريب وغيره وأخرجه النسائي في المحاربة عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث به وعن غيره وأخرجه ابن ماجه في الديات عن محمد بن عبد الله بن نمير وغيره
قوله بالدماء وفي رواية الكشميهني في الدماء والمعنى القضاء بالدماء التي كانت بين الناس في الدنيا فإن قلت روى أبو هريرة مرفوعا أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته
قلت لا تعارض بينهما لأن الأول فيما يتعلق بمعاملات الخلق والثاني فيما يتعلق بعباده الخالق وفي حديث الصور الطويل عن أبي هريرة رفعه أول ما يقضى بين الناس في الدماء ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول رب سل هذا فيم قتلني وفي حديث نافع بن جبير عن ابن عباس رفعه يأتي المقتول معلق رأسه بإحدى يديه ملبيا قاتله بيده الأخرى تسخب أوداجه دما حتى يقفا بين يدي الله
4356 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيآت أخيه فطرحت عليه ( انظر الحديث 9442 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله من قبل أن يؤخذ إلى آخره وإسماعيل هو ابن أبي أويس
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عقيب حديث زيد بن أبي أنيسة
قوله مظلمة بفتح اللام والكسر وهو أشهر وهي اسم ما أخذ منك بغير حق قوله لأخيه وفي رواية الكشميهني من أخيه قوله فليتحلله أي فليسأله أن يجعله حلاله وليطلب منه براءة ذمته قبل يوم القيامة قوله فإنه ليس ثم أي فإن الشأن ليس هناك درهم وثم بفتح الثاء المثلثة وتشديد الميم وهو اسم يشار به إلى المكان البعيد وهو ظرف لا يتصرف فلذلك غلط من أعربه مفعولا لرأيت في قوله تعالى ( 76 ) وإذا رأيت ثم رأيت ( الإنسان02 ) قوله من حسناته أي من ثوابها فيزاد على ثواب المظلوم قيل ثواب الحسنة خالد أبدا غير متناه وجزاء السيئة من الظلم غيره متناه فكيف يقع غير المتناهي موقع المتناهي وكيف يقوم مقامه فيصير المظلوم ظالما وأجيب بأنه يعطي خصمه من أصل ثواب الحسنة ما يوازي عقوبة سيئته إذ الزائد عليه فضل من الله عز و جل عليه خاصة قوله فإن لم تكن له أي للظالم حسنات أخذ من أصل سيئات أخيه فيحط عليه فيزاد في عقابه قيل ما التوفيق بينه وبين قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام461 وغيرها ) وأجيب بأنه لا تعارض بينهما لأنه إنما يعاقب بسبب ظلمه أو معناه لا تزر باختياره وإرادته
5356 - حدثني ( الصلت بن محمد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) ( ( الأعراف ) 34 ( والحجر ) 74 ) قال حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أبي المتوكل الناجي ) أن ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله عنه قال قال

(23/112)


رسول الله يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا ( الحديث 0442 )
مطابقته للترجمة في قوله فيقص والصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها تاء مثناة من فوق ابن محمد بن عبد الرحمن أبو همام الخاركي بالخاء المعجمة والكاف البصري ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع أبو معاوية العيشي البصري وسعيد هو ابن أبي عروبة وأبو المتوكل علي بن داود الناجي بالنون وبالجيم نسبة إلى بني ناجية ابن سامة بن لؤي وهي قبيلة كبيرة الساجي بالسين المهملة البصرية وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري
والحديث مضى في المظالم فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن إبراهيم
قوله ونزعنا ما في صدورهم من غل ذكره بين رجال الإسناد لبيان أن الحديث كالتفسير له دقوله يخلص بفتح الياء وضم اللام قوله على قنطرة قيل هذا يشعر بأن في القيامة جسرين هذا والذي على متن جهنم المشهور بالصراط وأجيب بأنه لا محذور فيه ولئن ثبت بالدليل أنه واحد فتأويله أن هذه القنطرة من تتمة الأول قوله فيقص على صيغة المجهول من المضارع ويروى فيقتص من الاقتصاص وفي رواية الكشميهني فيقص بفتح الياء فعلى هذا اللام في لبعضهم زائدة وبعضهم فاعل له أو الفاعل محذوف تقديره فيقص الله لبعضهم من بعض قوله مظالم غير منون وقوله كانت بينهم صفة مظالم قوله هذبوا على صيغة المجهول من التهذيب وهو التنقية يقال رجل مهذب الأخلاق مطهر الأخلاق قاله الجوهري قوله ونقوا على صيغة المجهول أيضا من التنقية وأصله نقيوا استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها بعد حذف حركتها قوله أذن لهم في دخول الجنة على صيغة المجهول وهذا في الظاهر مرفوع مثل بقية الحديث كذا في سائر الروايات إلا في رواية عفان عند الطبري فإنه جعل هذا من كلام قتادة وقال القرطبي وقع في حديث عبد الله بن سلام أن الملائكة تدلهم على طريق الجنة يمينا وشمالا رواه عبد الله بن المبارك في ( الزهد ) وصححه الحاكم قوله لأحدهم مبتدأ واللام فيه للتأكيد وخبره هو قوله أهدى قوله بمنزلة قال الطيبي أهدى لا يتعدى بالباء بل باللام أو بإلى فكأنه ضمن معنى اللصوق بمنزله هاديا إليه وذلك لأن منازلهم تعرض عليهم غدوا وعشيا
94 -
( باب من نوقش الحساب عذب )
أي هذا باب في قوله من نوقش الحساب عذب قوله من مبتدأ أو نوقش صلته وعذب خبره وكل من نوقش وعذب على صيغة المجهول ونوقش من المناقشة وهو الاستقصاء والتفتيش في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة فيه والحساب منصوب بنزع الخافض
6356 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( عثمان بن الأسود ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) عن النبي قال من نوقش الحساب عذب قالت قلت أليس يقول الله تعالى ( 84 ) فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( الانشقاق48 ) قال ذلك العرض
مطابقته للترجمة مأخوذة من صدر الحديث وعبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الكوفي وعثمان بن الأسود بن موسى المكي وابن أبي مليكة بضم الميم هو عبد الله وقد مر عن قريب
والحديث مضى في كتاب العلم في باب من سمع شيئا فراجعه فإنه أخرجه هناك بأتم منه وفيه من حوسب عذب ولكن من نوقش الحساب يهلك
حدثني عمرو بن علي حدثنا يحيى عن عثمان بن الأسود سمعت ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي مثله

(23/113)


هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا عن يحيى بن سعيد القطان إلى آخره قوله مثله أي مثل الحديث المذكور
تابعه ابن جريج ومحمد بن سليم وأيوب وصالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي
أي تابع عثمان بن الأسود في روايته عن ابن أبي مليكة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومحمد بن سليم بضم السين المهملة أبو عثمان المكي قال الغساني استشهد به البخاري في كتاب الرقاق في باب من نوقش وليس هو ابن سليم البصري أبا هلال ووصل متابعة ابن جريج ومحمد بن سليم أبو عوانة في ( صحيحه ) من طريق أبي عاصم عن ابن جريج وعثمان ابن الأسود ومحمد بن سليم كلهم عن ابن أبي مليكة عن عائشة به
قوله وأيوب أي تابعه أيوب السختياني أيضا ووصل متابعته البخاري في التفسير من رواية حماد بن زيد عن أيوب ولم يسق لفظه قوله وصالح أي وتابعه أيضا صالح ابن رستم بضم الراء وسكون السين المهملة وضم التاء المثناة من فوق وقيل بفتحها المزني مولاهم أبو عامر الخزاز البصري ووصل متابعته إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) عن النضر بن شميل عن أبي عامر الخزاز بزيادة فيه وهي قوله عن عائشة رضي الله عنها قال قالت إني لأعلم أي آية في القرآن أشد فقال لي النبي وما هي قلت من يعمل سوء يجز به ( النساء321 ) فقال إن المؤمن يجازى بأسوأ عمله في الدنيا يصيبه المرض حتى النكبة ولكن من نوقش الحساب عذب
6356 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( عثمان بن الأسود ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) عن النبي قال من نوقش الحساب عذب قالت قلت أليس يقول الله تعالى ( 84 ) فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( الانشقاق48 ) قال ذلك العرض
مطابقته للترجمة مأخوذة من صدر الحديث وعبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الكوفي وعثمان بن الأسود بن موسى المكي وابن أبي مليكة بضم الميم هو عبد الله وقد مر عن قريب
والحديث مضى في كتاب العلم في باب من سمع شيئا فراجعه فإنه أخرجه هناك بأتم منه وفيه من حوسب عذب ولكن من نوقش الحساب يهلك
حدثني عمرو بن علي حدثنا يحيى عن عثمان بن الأسود سمعت ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي مثله
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا عن يحيى بن سعيد القطان إلى آخره قوله مثله أي مثل الحديث المذكور
تابعه ابن جريج ومحمد بن سليم وأيوب وصالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي
أي تابع عثمان بن الأسود في روايته عن ابن أبي مليكة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومحمد بن سليم بضم السين المهملة أبو عثمان المكي قال الغساني استشهد به البخاري في كتاب الرقاق في باب من نوقش وليس هو ابن سليم البصري أبا هلال ووصل متابعة ابن جريج ومحمد بن سليم أبو عوانة في ( صحيحه ) من طريق أبي عاصم عن ابن جريج وعثمان ابن الأسود ومحمد بن سليم كلهم عن ابن أبي مليكة عن عائشة به
قوله وأيوب أي تابعه أيوب السختياني أيضا ووصل متابعته البخاري في التفسير من رواية حماد بن زيد عن أيوب ولم يسق لفظه قوله وصالح أي وتابعه أيضا صالح ابن رستم بضم الراء وسكون السين المهملة وضم التاء المثناة من فوق وقيل بفتحها المزني مولاهم أبو عامر الخزاز البصري ووصل متابعته إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) عن النضر بن شميل عن أبي عامر الخزاز بزيادة فيه وهي قوله عن عائشة رضي الله عنها قال قالت إني لأعلم أي آية في القرآن أشد فقال لي النبي وما هي قلت من يعمل سوء يجز به ( النساء321 ) فقال إن المؤمن يجازى بأسوأ عمله في الدنيا يصيبه المرض حتى النكبة ولكن من نوقش الحساب عذب
7356 - حدثني ( إسحاق بن منصور ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( حاتم بن أبي صغيرة ) حدثنا ( عبد الله بن أبي مليكة ) حدثني ( القاسم بن محمد حدثتني عائشة ) أن رسول الله قال ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك فقلت يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( الانشقاق8 ) فقال رسول الله إنما ذلك العرض وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب
مطابقته للترجمة ظاهرة وحاتم بالخاء المهملة ابن أبي صغيرة بفتح الصاد المهملة وكسر الغين المعجمة ضد الكبيرة واسمه مسلم وقد مر عن قريب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقد استدرك الدارقطني على البخاري بأن ابن أبي مليكة روى مرة عن عائشة وأخرى عن القاسم ففيه اضطراب قال الكرماني الاستدراك مستدرك لاحتمال أنه سمعه منهما فتارة روى بالواسطة وأخرى بدونها
قوله يناقش على صيغة المجهول قوله الحساب منصوب بنزع الخافض أي في الحساب قوله إلا عذب على صيغة المجهول أيضا
8356 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( معاذ بن هشام ) قال حدثني أبي عن ( قتادة ) عن ( أنس ) عن النبي
( ح ) حدثني ( محمد بن معمر ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن ( نبي الله ) كان يقوليجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدى به فيقول نعم فيقال له قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذالك ( انظر الحديث 4333 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه نوع مناقشة وأخرجه من طريقين أحدهما عن علي بن عبد الله بن المديني عن معاذ

(23/114)


عن أبيه هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس والآخر عن محمد بن معمر بفتح الميمين القيسي المعروف بالبحراني ضد البراني عن روح بفتح الراء ابن عبادة بضم العين وتخفيف الباء الموحدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقد مضى الحديث في كتاب الأنبياء في باب قول الله تعالى ( 2 ) وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ( البقرة03 ) فإنه أخرجه هناك من وجه آخر عن أنس وهنا ذكره من طريقين وساقه بلفظ سعيد
قوله أرأيت أي أخبرني قوله أكنت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله ما هو أيسر من ذلك أي أهون وهو التوحيد
9356 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي قال حدثني ( الأعمش ) قال حدثني ( خيثمة ) عن ( عدي ابن حاتم ) قال قال النبي ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبين الله ترجمان ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة ( انظر الحديث 3141 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا أن فيه نوع مناقشة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن خيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الرحمن الجعفي عن عدي بن حاتم الطائي رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى مطولا في الزكاة في باب الصدقة قبل الرد فإنه أخرجه هناك من وجه آخر عن عبد الله بن محمد إلى آخره
قوله ما منكم من أحد ظاهر الخطاب للصحابة ويلحق بهم المؤمنون كلهم قوله إلا وسيكلمه الله وفي رواية ابن ماجه إلا يكلمه ربه والواو فيه إن صح فهو معطوف على محذوف تقديره إلا سيخاطبه وسيكلمه قوله ليس بينه وبين الله ويروى ليس بين الله وبينه قوله ترجمان بضم التاء وفتحها وفتح الجيم وضمها وقال ابن التين رويناه بفتح التاء وقال الجوهري فلك أن تضم التاء بضمة الجيم يقال ترجم كلامه إذا فسره بكلام آخر قوله قدامه أي أمامه وفي التوحيد على ما سيأتي فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم فلا يرى إلا ما قدم وكذا في رواية مسلم وفي رواية الترمذي فلا يرى شيئا إلا شيئا قدمه وفي رواية محمد بن خليفة فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار وينظر عن شماله فلا يرى إلا النار وقال ابن هبيرة نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يمينا وشمالا يطلب الغوث وقيل يحتمل أن يطلب طريقا يهرب منه لينجو من النار فلا يرى إلا ما يقضي الله به من دخول النار قوله فمن استطاع منكم جزاؤه محذوف أي فليفعل ووقع كذا في رواية وكيع
0456 - قال ( الأعمش ) حدثني ( عمرو ) عن ( خيثمة ) عن ( عدي بن حاتم ) قال قال النبي اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثلاثا حتى ظننا أنه ينظر إليها ثم قال قوله اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة
أي قال سليمان الأعمش وهو موصول بالسند المذكور عن عمرو هو ابن مرة عن خيثمة وروى الأعمش أولا عن خيثمة بلا واسطة ثم روى ثانيا بالواسطة
وقد أخرجه مسلم من رواية أبي معاوية عن الأعمش كذلك وقد مضى الحديث بأتم من هذا في كتاب الزكاة من رواية محمد بن خليفة
قوله وأشاح بالشين المعجمة وبالحاء المهملة أي صرف وجهه وقال الخليل أشاح بوجهه عن الشيء نحاه عنه وقيل صرف وجهه كالخائف أن يناله قوله فمن لم يجد أي ما يتصدق به على السائل قوله فبكلمة طيبة أي يدفعه أي السائل بكلمة تطيب قلبه
05 -
( باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب )
أي هذا باب في قوله يدخل الجنة إلى آخره وفي بعض النسخ باب يدخلون الجنة سبعون ألفا على لغة أكلوني البراغيث

(23/115)


1456 - حدثنا ( عمران بن ميسرة ) حدثنا ( ابن فضيل ) حدثنا ( حصين ) قال ( أبو عبد الله ) وحدثني ( أسيد ابن زيد ) حدثنا ( هشيم ) عن ( حصين ) قال ( كنت عند سعيد بن جبير ) فقال حدثني ( ابن عباس ) قال قال النبي عرضت علي الأمم فأخذ النبي يمر معه الأمة والنبي يمر معه النفر والنبي يمر معه العشرة والنبي يمر معه الخمسة والنبي يمر وحده فنظرت فإذا سواد كثير قلت يا جبريل هؤلاء أمتي قال لا ولاكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد كثير قال هاؤلاء أمتك وهاؤلاء سبعون ألفا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب قلت ولم قال كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام إليه عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعله منهم ثم قام إليه رجل آخر قال ادع الله أن يجعلني منهم قال سبقك بها عكاشة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن عمران بن ميسرة ضد الميمنة عن محمد بن فضيل بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان الضبي الكوفي عن حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي والطريق الآخرعن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة ابن زيد من الزيادة أبي محمد الجمال بالجيم مولى صالح القرشي الكوفي عن هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير الواسطي عن حصين إلى آخره وأشار البخاري إلى روايته عن أسيد المذكور بقوله قال أبو عبد الله وهو البخاري وحدثني أسيد بن زيد إلى آخره ولم يرو البخاري عنه إلا في هذا الموضع فقط مقرونا بعمران بن ميسرة فإن قلت أسيد هذا ضعيف جدا ضعفه جماعة منهم يحيى بن معين وأفحش القول فيه وقال أبو حاتم كانو يتكلمون فيه
قلت قال أبو مسعود لعله كان ثقة عنده وهذا لا يجدي في الاحتجاج به ولهذا روى عنه مقرونا بعمران بن ميسرة فإن قلت ما كان الداعي لهذا والإسناد الأول كان كافيا
قلت قال بعضهم إنما احتاج إليه فرارا من تكرر الإسناد بعينه فإنه أخرج السند الأول في الطب في باب من اكتوى ثم أعاده هنا فأضاف إليه طريق هشيم انتهى وهذا ليس بشيء لأنه قد وقع في البخاري أسانيد كثيرة تكررت بعينها في غير موضع ولا يخفى هذا على من يتأمل ذلك وأما الذي ذكره في الطب فهو مطول أخرجه عن عمران بن ميسرة عن ابن فضيل عن حصين عن عامر عن عمران بن حصين الحديث وأخرجه في أحاديث الأنبياء مختصرا عن مسدد ومضى الكلام فيه هناك
قوله عرضت علي بتشديد الياء والأمم بالرفع قوله الأمة أي العدد الكثير قوله فأخذ بفتح الخاء المعجمة والذال المعجمة في رواية الكشميهني وهو من أفعال المقاربة وضع لدنو الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ فيه فتارة يستعمل أخذ استعمال عسى فيدخل أن في خبره وتارة يستعمل استعمال كاد بغير أن ويروى فاجد بفتح الهمزة وكسر الجيم وبالدال المهملة فعلى هذا لفظ النبي منصوب على المفعولية وعلى الأول هو مرفوع على أنه اسم أخذ وقوله يمر خبره قوله النفر هو رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه قوله معه العشرة بفتح الشين اسم العدد المعين وفي رواية المستملي العشيرة بكسر الشين وسكون الياء آخر الحروف وهي القبيلة قوله فإذا سواد كثير السواد بلفظ ضد البياض هو الشخص الذي يرى من بعيد ووصفه بالكثرة إشارة إلى أن المراد بلفظه الجنس قوله فإذا سواد كثير كلمة إذا للمفاجأة وفي رواية سعيد بن منصور عظيم موضع كثير قوله قدامهم في رواية سعيد بن منصور ومعهم بدل قدامهم وفي رواية حصين بن نمير ومع هؤلاء قوله ولم يكسر اللام وفتح الميم ويجوز تسكينها يستفهم بها عن السبب قوله لا يكتوون قال الكرماني أي عند غير الضرورة والاعتقاد بأن الشفاء من الكي
قلت فيه تأمل قوله ول

(23/116)


الله يسترقون أي بالأمور التي هي غير القرآن كعزائم أهل الجاهلية قوله ولا يتطيرون أي لا يتشاءمون بالطيور وأنهم الذين يتركون أعمال الجاهلية وعقائدهم قيل هم أكثر من هذا العدد وأجيب الله أعلم بذلك مع احتمال أن يراد بالسبعين الكثير وقال بعضهم إن العدد المذكور على ظاهره وقوي كلامه بأحاديث منها ما رواه الترمذي من حديث أبي أمامة رفعه وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي
قلت احتمال الزيادة في السبعين باق لأن المراد منه ليس خصوص العدد والحثيات كناية عن المبالغة في الكثرة قاله ابن الأثير قوله رجل آخر قيل هو سعد بن عبادة الأنصاري سيد الخزرج
قلت أخرجه الخطيب في ( المبهمات ) من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر أحد الضعفاء وقيل يستبعد هذا السؤال من سعد بن عبادة فلعل هذا سعد بن عمارة الأنصاري وصحفه الناقل قوله سبقك بها عكاشة اختلفوا في الحكمة في قوله بهذا القول فقال الفراء كان الآخر منافقا ورد هذا بأن الأصل في الصحابة عدم النفاق وقيل إن النبي علم بالوحي أنه يجاب في عكاشة ولم يقع ذلك في حق الآخر وقال ابن الجوزي يظهر لي الأول سأل عن صدق قلب فأجيب وأما الثاني فيحتمل أن يكون أراد حسم المادة فلو قال للثاني نعم فلا شك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له وليس كل الناس يصلح لذلك وقال القرطبي لم يكن عند الثاني من تلك الأحوال ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجب وقال السهيلي الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها واتفق أن الرجل قال بعدما انقضت والله أعلم
2456 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) حدثه قال سمعت رسول الله يقول يدخل الجنة من أمتى زمرة هم سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر
وقال أبو هريرة فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعله منهم ثم قام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني عنهم فقال سبقك بها عكاشة ( انظر الحديث 1185 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعاذ بضم الميم ابن أسد أبو عبد الله المروزي نزل البصرة وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة عن يحيى
قوله نمرة هي كساء فيه خطوط بيض وسود كأنها أخذت من جلد النمر
3456 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد ) قال قال النبي ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف شك في أحدهما متماسكين آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة ووجوهم على ضوء القمر ليلة البدر ( انظر الحديث 7423 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين محمد بن مطرف وأبو حازم سلمة بن دينار
والحديث مضى في باب ما جاء في صفة الجنة
قوله شك في أحدهما وفي رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن محمد عن أبي حازم لا يدري أبو حازم أيهما قال قوله متماسكين نصب على الحال وفي رواية مسلم متماسكون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم متماسكون وقال النووي كذا في بعض النسخ وفي بعضها بالنصب فكلاهما صحيح قوله آخذ بعضهم ببعض أي بعضهم آخذ ببعض وآخذ بالمد وكسر الخاء وفي رواية مسلم أخذ بعضهم بعضا قوله حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة هذا غاية للتماسك المذكور والأخذ بالأيدي وفي رواية فضيل بن سليمان التي مضت في باب صفة الجنة لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم

(23/117)


ومعناه يدخلون صفا واحدا فيدخل الجميع دفعة واحدة وإن لم يحمل على هذا المعنى يلزم الدور وإنما وصفهم بالأولية والآخرية باعتبار الصفة التي جازوا فيها على الصراط وفيه إشارة إلى سعة الباب الذي يدخلون منه الجنة وقال عياض يحتمل أن يكون معنى قوله متماسكين أنهم على صفة الوقار فلا يسابق بعضهم بعضا بل يكون دخولهم جميعا وقال النووي معناه أنهم يدخلون معترضين صفا واحدا بعضهم بجنب بعض قوله ووجوههم على ضوء القمر الواو فيه للحال
4456 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا أبي عن ( صالح ) حدثنا ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت خلود
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه ذكر دخول المؤمنين الجنة
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وصالح هو ابن كيسان الغفاري بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن زهير بن حرب وغيره
قوله يا أهل النار أصله يا أهل النار حذفت الهمزة تخفيفا وكذا قوله يا أهل الجنة قوله لا موت مبنى على الفتح قوله خلود إما مصدر وإما جمع خالد والتقدير الشأن أو هذا الحال خلود أوأنتم خالدون
5456 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال النبي يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود لا موت ولأهل النار يا أهل النار خلود لا موت
مطابقة هذا للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
قوله يا أهل الجنة لم يثبت في رواية غير الكشميهني قوله لا موت زاد الإسماعيلي في روايته لا موت فيه
15 -
( باب صفة الجنة والنار )
أي هذا باب في بيان صفة الجنة وصفة النار وقد وقع في بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة وباب صفة النار
وقال أبو سعيد قال النبي أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد حوت
أبو سعيد هو سعد بن مالك الخدري رضي الله تعالى عنه هذا الحديث قد مضى مطولا عن قريب في باب يقبض الله الأرض قوله كبد حوت في رواية أبي ذر كبد الحوت
عدن خلد عدنت بأرض أقمت ومنه المعدن
أشار به إلى تفسير عدن في قوله تعالى جنات عدن ( التوبة27 ) وفسر العدن بقوله خلد بضم الخاء وقال الجوهري الخلد دوام البقاء تقول خلد الرجل يخلد خلودا وأخلده الله إخلادا وخلده تخليدا قوله عدنت بأرض اقمت به أشار به إلى أن معنى العدن الإقامة يقال عدن بالبلد أقام به قوله ومنه المعدن أي ومن هذا الباب المعدن الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس والحديد وغير ذلك
في معدن صدق في منبت صدق

(23/118)


أشار به إلى تفسير معدن صدق في كلام الناس بقوله منبت صدق وفي رواية أبي ذر في مقعد صدق كما في القرآن إن المتقين فى جنات ونهر في مقعد صدق ( القمر45 - 55 ) وهو الصواب قوله في جنات أي في بساتين قوله ونهر أي وأنهار وإنما وحده لأجل رؤوس الآي وقال الضحاك أي في ضياء وسعة ومنه النهار وقال الثعلبي معنى مقعد صدق مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة
6456 - حدثنا ( عثمان بن الهيثم ) حدثنا ( عوف ) عن ( أبي رجاء ) عن ( عمران ) عن النبي قال قوله اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء
مطابقته للترجمة من حيث إن كون أكثر أهل الجنة الفقراء وكون أكثر أهل النار النساء وصف من أوصاف الجنة ووصف من أوصاف النار
وعثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن الجهم أبو عمر المؤذن وعوف هو المشهور بالأعرابي وأبو رجاء بالجيم عمران العطاردي وشيخه هو عمران بن حصين الصحابي والرجال كلهم بصريون
والحديث مضى في صفة الجنة فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن سليمان بن بلال عن أبي رجاء عن عمران بن حصين إلى آخره وفي النكاح عن عثمان بن الهيثم عن عوف إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله إطلعت بالتشديد أي أشرفت ونظرت
7456 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( إسماعيل ) أخبرنا ( سليمان التيمي ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أسامة ) عن النبي قال قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ( انظر الحديث 6915 )
المطابقة فيه مثل ما ذكرنا في الحديث السابق وإسماعيل هو ابن علية وسليمان التيمي وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل وأسامة هو ابن زيد بن حارثة الصحابي ابن الصحابي
قوله عامة من دخلها المساكين وفي الحديث السابق الفقراء ففيه إشعار بأنه يطلق أحدهما على الآخر قاله الكرماني
قلت قد مر الكلام فيه في كتاب الزكاة قوله وأصحاب الجد بفتح الجيم أي الغنى قوله محبوسون يعني للحساب وهذا الحديث والذي قبله لم يذكرا في كثير من النسخ وما ثبتا إلا في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة
8456 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( عمر بن محمد بن زيد ) عن أبيه أنه حدثه عن ( ابن عمر ) قال قال رسول الله إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت يا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم ( انظر الحديث 4456 )
مطابقته للترجمة من حيث إن ازدياد أهل الجنة فرحا وازدياد أهل النار حزنا وصف من أوصافهما من حيث أنهما حاصلان فيهما وهو وصف المحل وإرادة وصف الحال
ومعاذ بن أسد أبو عبد الله المروزي نزل البصرة وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وعمر بن محمد يروي عن أبيه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في صفة أهل الجنة والنار عن هارون بن سعيد وغيره
قوله حتى يجعل بين الجنة والنار في حديث الترمذي عن أبي هريرة فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار قوله ثم يذبح قيل الموت عرض كيف يصح عليه المجيء والذبح وأجيب بأن الله سبحانه وتعالى يجسده ويجسمه أو هو على سبيل التمثيل للإشعار بالخلود ونقل القرطبي عن بعض الصوفية أن الذي يذبحه يحيى بن زكريا عليهما السلام بحضرة النبي إشارة إلى دوام الحياة وقيل يذبحه جبريل على باب الجنة

(23/119)


9456 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( مالك بن أنس ) عن ( زيد بن أسلم ) عن عطاء بن يسار عن ( أبي سعيد الخدري ) قال قال رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة يقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا
مطابقة هذا للترجمة مثل الذي ذكرناه فيما قبل والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن يحيى بن سليمان وأخرجه مسلم في صفة الجنة عن محمد بن عبد الرحمن وغيره وأخرجه الترمذي فيه عن سويد بن نصر وأخرجه النسائي في النعوت عن عمرو بن يحيى بن الحارث
قوله أحل من الإحلال بمعنى الإنزال أو بمعنى الإيجاب يقال أحله الله عليه أي أوجبه وحل أمر الله عليه أي وجب
0556 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( معاوية بن عمرو ) حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( حميد ) قال سمعت ( أنسا ) يقول ( أصيب حارثة يوم بدر ) وهو ( غلام فجاءت أمه إلى ) النبي فقالت يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع فقال ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه لفي جنة الفردوس
مطابقته للترجمة في آخر الحديث ومعاوية بن عمرو بن مهلب الأزدي البغدادي وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري وحميد بن أبي حميد الطويل
والحديث مضى في المغازي في باب فضل من شهد بدرا بعين هذا الإسناد والمتن
وحارثة هو ابن سراقة بن الحارث الأنصاري له ولأبويه صحبة وأمه هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس رضي الله تعالى عنهما قوله ترى ما أصنع بإشباع الراء في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني تر ما أصنع بالجزم جواب الشرط يعني وإن لم يكن في الجنة صنعت شيئا من صنع أهل الحزن مشهورا يره كل أحد قوله ويحك كلمة ترحم وتعطف قوله أو هبلت الهمزة فيه للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة وهبلت على صيغة المجهول والمعلوم من هبلته أمه إذا ثكلته قوله أو جنة واحدة الكلام فيه كالكلام في أو هبلت قوله وإنها أي الجنة جنان يعني أنواع البساتين قوله لفي جنة الفردوس باللام في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني بدون اللام وقال الزجاج الفردوس من الأودية ما ينبت ضروبا من النبات وقال ابن الأنباري وغيره بستان فيه كروم وغيرها ويذكر ويؤنث وقال الفراء هو عربي مشتق من الفردسة وهي السعة وقيل رومي نقلته العرب وقيل سرياني والمراد به هنا هو مكان من الجنة هو أفضلها
1556 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( الفضل بن موسى ) أخبرنا ( الفضيل ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة من حيث إن كون منكبي الكافر هذا المقدار في النار نوع وصف من أوصافها باعتبار ذكر المحل وإرادة الحال
والفضل بن موسى هو السيناني بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وتخفيف النون الأولى وكسر الثانية وسينان قرية من قرى مرو والفضيل مصغر فضل كذا في رواية الأكثرين غير منسوب ونسبه ابن السكن في روايته فقال الفضل بن غزوان وهو المعتمد ونسبه أبو الحسن القابسي في روايته عن أبي زيد المروزي فقال الفضيل بن عياض ورده أبو علي الجياني فقال لا رواية للفضيل بن عياض في البخاري إلا في موضعين من كتاب

(23/120)


التوحيد ولا رواية له عن أبي حازم راوي هذا الحديث ولا أدركه وأبو حازم سلمان الأشجعي
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن أبي كريب وغيره
قوله منكبي الكافر تثنية منكب بكسر الكاف وهو مجتمع العضد والكتف وفي رواية يوسف بن عيسيى عن الفضل موسى شيخ البخاري بسنده خمسة أيام وروى أحمد من رواية مجاهد عن ابن عمر مرفوعا يعظم أهل النار في النار حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وروى البيهقي في ( البعث ) من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس مسيرة سبعين خريفا وروى ابن المبارك في ( الزهد ) عن أبي هريرة قال ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد يعظمون لتمتلىء منهم وليذيقوا العذاب ولم يصرح برفعه لكنه في حكم المرفوع لأنه لا مجال فيه للرأي وفي مسلم عن أبي هريرة مرفوعا غلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام وأخرجه البزار عن أبي هريرة بسند صحيح بلفظ جلد الكافر وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار قال البيهقي أراد بلفظ الجبار التهويل قال ويحتمل أن يريد جبارا من الجبابرة إشارة إلى عظم الذراع وقال ابن حبان لما أخرجه في ( صحيحه ) بأن الجبار ملك كان باليمن وروى البيهقي من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة وفخذه مثل ورقان ومقعده مثل ما بين المدينة والربذة وأخرجه الترمذي ولفظه بين مكة والمدينة وورقان بفتح الواو وسكون الراء وبالقاف والنون جبل معروف بالحجاز واختلاف هذه المقادير مخمول على اختلاف تعذيب الكفار في النار فإن قلت ورد حديث أخرجه الترمذي والنسائي بسند جيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس
قلت هذا في أول الأمر عند الحشر والأحاديث المذكورة محمولة على ما بعد الاستقرار في النار
2556 - وقال ( إسحاق بن إبراهيم ) أخبرنا ( المغيرة بن سلمة ) حدثنا ( وهيب ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) عن رسول الله قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها
3556 - قال ( أبو حازم ) ( فحدثت به النعمان بن أبي عياش ) فقال حدثني ( أبو سعيد ) عن النبي قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه والمغيرة بن سلمة بفتحتين المخزومي البصري ووهيب مصغر وهب بن خالد البصري وأبو حازم سلمة بن دينار وسهل بن سعد بن ملك الأنصاري
والحديث أخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم أيضا ولكنه قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم وأخرجه البخاري معلقا
قوله لشجرة اللام فيه للتأكيد قوله لا يقطعها يعني لا يبلغ إلى منتهى أغصانها
قوله قال أبو حازم موصول بالسند المذكور والنعمان بن أبي عياش بالياء آخر الحروف المشددة وبالشين المعجمة الزرقي التابعي المدني الثقة واسم أبي النعمان زيد بن الصامت قتل بأرض حمص سنة أربع وستين وكان عاملا لابن الزبير عليها قوله حدثني أبو سعيد كذا في رواية مسلم حدثني ويروى هنا أخبرني أيضا وأبو سعيد هو الخدري رضي الله تعالى عنه
قوله الجواد بفتح الجيم وتخفيف الواو وهو الفرس البين الجودة ويقال الجواد للذكر والأنثى من خيل جياد وأجواد وأجاويد وقال ابن فارس الجواد الفرس السريع قوله المضمر بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم من قولهم ضمر الخيل تضميرا إذا علفها القوت بعد السمن وكذلك أضمرها قاله الكرماني وقال ابن فارس المضمر من الخيل أن يعلف حتى يسمن ثم يرده إلى القوت وذلك في أربعين ليلة وهذ المدة تسمى المضمار وقال الداودي المضمر هو الذي يدخل في بيت ويجعل عليه جله ويقل علفه لينقص من لحمه شيئا فيزداد جريه ويؤمن عليه أن يسبق قال وكان للخيل المضمرة على عهد رسول الله سبعة أميال في السبق وما لم يضمر ميل
4556 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) أن رسول الله

(23/121)


قالليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف لا يدري أبو حازم أيهما قال متماسكون آخذ بعضهم بعضا لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة البدر ( انظر الحديث 7423 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في بعض الأحاديث الماضية وعبد العزيز هو ابن أبي حازم سلمة بن دينار
والحديث مضى في الباب الذي قبله فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد ومضى الكلام فيه مبسوطا
قال الكرماني قوله لا يدخل فإن قلت كيف يتصور هذا وهو مستلزم الدور لأن دخول الأول موقوف على دخول الآخر وبالعكس
قلت يدخلون معا صفا واحدا وهو أيضا دور معية ولا محذور فيه فإن قلت في بعض الرواية يدخل بدون كلمة لا
قلت لا هو مقدر يدل عليه المعنى أو حتى بمعنى مع أو عن أو معناه استمرار دخول أولهم إلى دخول من هو آخر الكل
5556 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن أبيه عن ( سهل ) عن النبي قال قوله إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء
قال أبي فحدثت به النعمان بن أبي عياش فقال أشهد لسمعت أبا سعيد يحدث ويزيد فيه كما تراءون الكوكب الغارب في الأفق الشرقي والغربي ( انظر الحديث 6523 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز يروي عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه
قوله ليتراءون أي ينظرون واللام فيه للتأكيد قوله الغرف بضم الغين المعجمة وفتح الراء جمع غرفة قوله الكوكب في رواية الإسماعيلي الكوكب الدري
قوله قال أي قال عبد العزيز قال أبي هو أبو حازم قوله أشهد لسمعت اللام جواب قسم محذوف قوله أبا سعيد هو الخدري قوله فيه أي في الحديث قوله الغارب في رواية الكشميهني الغابر بتقديم الباء الموحدة على الراء والغابر الذاهب وضبطه بالياء آخر الحروف مهموزة قبل الراء وقال الكرماني الكوكب في الشرق ليس بغالب فما وجهه
قلت يراد به لازمه هو البعد ونحوه وقال الطيبي شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء الباقي في جانب الشرق والغرب في الاستضاءة مع البعد
7556 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي عمران ) قال سمعت ( أنس ابن مالك ) رضي الله عنه عن النبي قال قوله يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به فيقول نعم فيقول أردت منك أهون من هاذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي ( انظر الحديث 4333 وطرفه )
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة من حيث أن فيه نوع صفة للنار باعتبار وصف أهلها من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال
وغندر محمد بن جعفر وأبو عمران هو عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون البصري
والحديث مضى في خلق آدم عليه السلام وأخرجه مسلم في التوبة عن عبيد الله بن معاذ
قوله لأهون اللام فيه مكسورة لام الجر وأهون أي أسلم والهمزة في أكنت للاستفهام على سبيل الاستخبار والواو في وأنت للحال قوله أن لا تشرك بي شيئا بفتح الهمزة بدل من قوله أهون من هذا قوله فأبيت من الإباء أي امتنعت
142 - ( حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن عمرو عن جابر رضي الله عنه أن النبي قال يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير قلت وما الثعارير قال الضغابيس وكان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن دينار أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي يقول

(23/122)


يخرج بالشفاعة من النار قال نعم )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا الآن باعتبار ذكر المحل وإرادة الحال وأبو النعمان محمد بن الفضل وحماد هو ابن زيد وعمرو هو ابن دينار وجابر هو ابن عبد الله وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي الربيع قوله يخرج من النار كذا هو بحذف الفاعل في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن السرخسي عن الفربري يخرج قوم ولفظ مسلم أن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة قوله كأنهم الثعارير بفتح الثاء المثلثة والعين المهملة وكسر الراء جمع ثعرور على وزن عصفور وقال ابن الأعرابي هو قثاء صغار وقال أبو عبيدة مثله وزاد ويقال بالشين المعجمة بدل الثاء المثلثة وكان هذا هو السبب في قول الراوي وكان عمرو ذهب فمه أراد أنه سقطت أسنانه فينطق بالثاء المثلثة وهي بالشين المعجمة وقيل الثعرور ينبت في أصول الثمام كالقطن ينبت في الرمل ينبسط عليه ولا يطول وقال الكرماني هو القثاء الصغير ونبات كالهليون وقيل هو الأقط الرطب وأغرب القابسي فقال هو الصدف الذي يخرج من البحر فيه الجوهر وكأنه أخذه من قوله في الرواية الأخرى كأنهم اللؤلؤ وليس بشيء قوله قلت وما الثعارير القائل هو حماد وفي رواية الكشميهني ما الثعارير بدون الواو وفي أوله قوله قال الضغابيس أي قال عمرو بن دينار الثعارير الضغابيس جمع ضغبوس بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين وضم الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة وقال الأصمعي هو نبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق ثم يؤكل بالزيت والخل وقيل ينبت في أصول الشجر والأذخر يخرج قدر شبر في دقة الأصابع لا ورق له وفيه حموضة وفي غريب الحديث للحربي الضغبوس شجرة على طول الأصبع ويشبه به الرجل الضعيف قلت الغرض من التشبيه بيان حالهم حين خروجهم من النار وفي الغريبين وفي حديث ولا بأس باجتناء الضغابيس في الحرم قوله وكان قد سقط فمه القائل هو حماد أراد بسقوط فمه ذهاب أسنانه كما ذكرناه الآن ويروى وكان ذهب فمه فلذلك سمي الأثرم بالثاء المثلثة إذ الثرم سقوط الأسنان وانكسارها قوله قلت لعمرو بن دينار القائل هو حماد قوله أبا محمد أي يا أبا محمد وهو كنية عمرو بن دينار قوله سمعت أي أسمعت وهمزة الاستفهام فيه مقدرة وفي الحديث إثبات الشفاعة وإبطال مذهب المعتزلة في نفي الشفاعة وقال ابن بطال أنكرت المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وغير ذلك من الآيات وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار وجاءت الأحاديث بإثبات الشفاعة المحمدية متواترة ودل عليها قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا والجمهور على أن المراد به الشفاعة وبالغ الواحدي فنقل فيه الإجماع وقال الطبري قال أكثر أهل التأويل المقام المحمود هو الذي يقومه النبي ليريحهم من كرب الموقف وروي أحاديث كثيرة تدل على أن المقام المحمود الشفاعة عن ابن عباس موقوفا وعن أبي هريرة مرفوعا وعن أبي مسعود كذلك وعن الحسن البصري وقتادة وقال الطبري أيضا قال ليث عن مجاهد في قوله مقاما محمودا يجلسه معه على عرشه ثم أسنده وبالغ الواحدي في رد هذا القول ونقل النقاش عن أبي داود صاحب السنن أنه قال من أنكر هذا فهو متهم وقد جاء عن ابن مسعود عند الثعلبي وعن ابن عباس عند أبي الشيخ عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه أن محمدا يوم القيامة على كرسي الرب بين يدي الرب -
9556 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) عن النبي قال يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة من حيث أنها تتصف بنوع صفة حيث يقال لن يخرج منها جهنمي فينسب إليها
وهشام هو الدستوائي والحديث يأتي في التوحيد مطولا
قوله سفع بالمهملتين والفاء حرارة النار قوله الجهنميين جمع جهنمي منسوب إلى جهنم وروى النسائي من رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون فيقول الله هؤلاء عتقاء

(23/123)


الله وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد وزاد فيه فيدعون الله فيذهب هذا الاسم
0656 - حدثنا ( موسى ) الله حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( عمرو بن يحيى ) الله عن أبيه عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أن النبي قال قوله إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حمما فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل أو قال حميئة السيل وقال النبي ألم تروا أنها تنبت صفراء ملتوية
مطابقته للترجمة من حيث إن النار قد تصير من دخلها حمما وتتصف النار بذلك
وموسى هو ابن إسماعيل ووهيب هو ابن خالد وعمرو بن يحيى يروي عن أبيه يحيى بن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن أبي حسن المازني عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب تفاضل أهل الإيمان فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك ولنذكر بعض شيء لبعد المسافة
قوله قد امتحشوا على صيغة المجهول من الامتحاش وهو الاحتراق ومادته ميم وحاء مهملة وشين معجمة قوله حمما بضم الحاء المهملة وفتح الميم وهو الفحم قوله فيلقون على صيغة المجهول من الإلقاء وهو الرمي قوله الحبة بكسر الحاء المهملة وهو بذر البقل والرياحين قوله في حميل السيل وهو غثاؤه وهو محموله فميل بمعنى مفعول وهو ما جاء به من طين أو غثاء فإذا كان فيه حبة واستقرت على شط الوادي تنبت في يوم وليلة قوله أو قال شك من الراوي قوله حمئة بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبكسرها وبالهمز هو الطين الأسود المنتن وقال ابن التين والذي رويناه حمة بكسر الحاء غير مهموز ومعناه مثل معنى حميل ويروى حمية بفتح الحاء وتشديد الياء أي معظم جريه واشتداده قوله ملتوية من الالتواء وقال النووي لسرعة نباتة يكون ضعيفا ولضعفه يكون أصفر ملتويا ثم بعد ذلك تشتد قوته
2656 - حدثنا ( عبد الله بن رجاء ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( النعمان بن بشير )

(23/124)


قال سمعت النبي يقول إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل والقمقم ( انظر الحديث 1656 ) ح
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عمرو السبيعي وإسرائيل هذا يروي عن جده أبي إسحاق وهذا السند أعلى من السند الأول لكن أبا إسحاق عن هنا وهناك صرح بالسماع
قوله المرجل بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم قدر من نحاس والقمقم بضم القافين الآتية من الزجاج قاله الكرماني
قلت فيه تأمل لأن الحديث يدل على أنه إناء يغلي فيه الماء أو غيره والإناء الزجاج كيف يغلي فيها الماء وقال غيره هو إناء ضيق الرأس يسخن فيه الماء يكون من نحاس وغيره وهو فارسي وقيل رومي معرب ثم إن عطف القمقم على المرجل بالواو هو الصواب وقال القاضي عياض والقمقم بالواو لا بالباء وأشار به إلى رواية من روى كما يغلي المرجل بالقمقم وعلى هذا فسره الكرماني فقال الباء للتعدية ووجه التشبيه هو كما أن النار تغلي المرجل الذي في رأسه قمقم تسري الحرارة إليها وتؤثر فيها كذلك النار تغلي بدن الإنسان بحيث يؤدي أثرها إلى الدماغ
3656 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو ) عن ( خيثمة ) عن ( عدي بن حاتم ) أن النبي ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها ثم قال اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وتعوذ منها وذلك أن من جملة صفات النار أنه يتعوذ منها
وعمرو هو ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء وخيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الرحمن
والحديث مضى معلقا في باب من نوقش الحساب عذب عن الأعمش عن عمرو بن عن خيثمة عن عدي بن حاتم ومضى الكلام فيه
قوله فأشاح بالشين المعجمة والحاء المهملة أي صرف وجهه وقال ابن الأثير المشيح الحذر والحاد في الأمر وقيل المقبل إليك المانع لما وراء ظهره فيجوز أن يكون أشاح هنا أحد هذه المعاني أي حذر النار كأنه ينظر إليها أو حض على الإيصاء باتقائها أو أقبل إليك من خطابه
4656 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) حدثنا ( ابن أبي حازم والدراوردي ) عن ( يزيد ) عن ( عبد الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أنه سمع رسول الله وذكر عنده عمه أبو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه ( انظر الحديث 5883 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله في ضحضاح من نار لأنه وصف من أوصاف النار
وإبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري الأسدي وابن أبي حازم هو عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار الأسلمي والدراوردي أيضا اسمه عبد العزيز بن محمد بن عبيد من رجال مسلم روى البخاري عن إبراهيم عنه مقرونا بابن أبي حازم ونسبه إلى دراورد فتح الدال قرية من قرى خراسان ويزيد من الزيادة ابن عبد الله بن الهاد وعبد الله بن خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى الأنصاري وكل هؤلاء مدنيون
والحديث مضى في باب قصة أبي طالب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري إلى آخره وأخرجه أيضا عن إبراهيم بن حمزة عن ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد بهذا
قوله أبو طالب هو ابن عبد المطلب وعم النبي واسمه عبد مناف شقيق عبد الله والد رسول الله قوله

(23/125)


لعله تنفعه شفاعتي قيل يشكل هذا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( المدثر84 ) وأجيب بأنه خص فلذلك عدوه من خصائص النبي وقيل جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه فيجوز أن الله تعالى يضع عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيه تطييبا لقلب الشافع لا ثوابا للكافر لأن حسناته صارت بموته على كفره هباء منثورا قوله في ضحضاح بإعجام الضادين وإهمال الحاءين ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين فاستعير للنار قوله يغلي منه أم دماغه وأم الدماغ أصله وما به قوامه وقيل الهامة وقيل جلدة رقيقة تحيط بالدماغ
5656 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال رسول الله يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا عند ربنا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ويقول ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ائتو موسى الذي كلمه الله فيأتونه فيقول لست هناكم فيذكر خطيئته ائتوا عيسى فيأتونه فيقول لست هناكم ائتوا محمدا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأستأذن على ربي فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقال لي ارفع رأسك سل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني ثم أشفع فيحد لي حدا ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن وكان قتادة يقول عند هاذا أي وجب عليه الخلود
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله ثم أخرجهم من النار بالوجه الذي ذكرناه عند التراجم الماضية
وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري
والحديث مضى في أول تفسير سورة البقرة ولكنه أخرجه عن مسلم بن إبراهيم عن هشام عن قتادة عن أنس وعن خليفة عن يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس وقال الكرماني مر يعني حديث الباب في بني إسرائيل
قلت الذي مر في سورة بني إسرائيل عن أبي هريرة وليس عن أنس وهو حديث طويل
قوله يجمع الله الناس في رواية المستملي جمع الله أي في العرصات وفي حديث أبي هريرة الماضي يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد وفي رواية هشام وسعيد وهمام يجمع المؤمنين قوله لو استشفعنا جزاؤه محذوف أو هو للتمني فلا يحتاج إلى جواب وفي رواية مسلم فيلهمون بذلك وفي رواية فيهتمون بذلك وفي رواية همام حتى يهتموا بذلك قوله على ربنا في رواية هشام وسعيد إلى ربنا وضمن على هنا معنى الاستعانة أي لو استعنا على ربنا قوله حتى يريحنا بضم الياء من الإراحة بالراء والحاء المهملة أي يخرجنا من الموقف وأهواله وأحواله ويفصل بين العباد قوله فيأتون آدم عليه السلام وفي رواية شيبان فينطلقون حتى يأتوا آدم عليه السلام قوله عند ربنا في رواية مسلم عند ربك قوله لست هناكم أي ليس هذه المرتبة وقال عياض قوله لست هناكم كناية عن أن منزلته دون المنزلة المطلوبة قاله تواضعا وإكبارا لما يسألونه قال وقد يكون فيه إشارة إلى أن هذا المقام ليس لي بل لغيري ووقع في رواية معبد بن هلال فيقول لست لها وكذا

(23/126)


في بقية المواضع وفي رواية حذيفة لست بصاحب ذاك قوله ويذكر خطيئته زاد مسلم التي أصاب وزاد همام في روايته أكله من الشجرة وقد نهي عنها وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قد أخرجت بخطيئتي في الجنة وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد وإني أذنبت ذنبا فأهبطت به إلى الأرض وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور إني أخطأت وأنا في الفردوس وإن يغفر لي اليوم حسبي قوله أول رسول بعثه الله قيل آدم عليه السلام أول الرسل لا نوح وكذا شيث وإدريس وهما قبل نوح عليه السلام وأجاب الكرماني بأنه مختلف فيه ويحتمل أن يقال المراد هو أول رسول أنذر قومه الهلاك أو أول رسول له قوم انتهى
قلت في كل من الأجوبة الثلاثة نظر أما الأول فلأن آدم عليه السلام رسول قد أرسل إلى أولاد قابيل ونزل عليه إحدى وعشرون صحيفة أملأها عليه جبريل عليه السلام وكتبها بخطه بالسريانية وفرض عليه في اليوم والليلة خمسون ركعة وحرم عليه الميتة والدم ولحم الخنزير والبغي والظلم والغدر والكذب والزنا وأما الثاني فإن آدم أيضا أنذر أولاده مما فيه الهلاك وأوصى بذلك عند موته وأما الثالث فلأن آدم أيضا له قوم وعن ابن عباس إن آدم عليه السلام لم يمت حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا فرأى فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد ونهاهم قوله ويذكر خطيئته أي ويذكر نوح عليه السلام خطيئته وهي دعوته على قومه بالهلاك وقال الغزالي في ( كشف علوم الآخرة ) إن بين إتيان أهل الموقف آدم وإتيانهم نوحا ألف سنة وكذا بين كل نبي ونبي إلى نبينا وقال بعضهم ولم أقف لذلك على أصل ولقد أكثر في هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصل لها فلا تغتر بشيء منها انتهى
قلت جلالة قدر الغزالي ينافي ما ذكره وعدم وقوفه لذلك على أصل لا يستلزم نفي وقوف غيره على أصل ولم يحط علم هذا القائل بكل ما ورد وبكل ما نقل حتى يدعي هذه الدعوى قوله ائتوا إبراهيم إلى قوله ويذكر خطيئته وهي معاريضه الثلاث وهي قوله بل فعله كبيرهم ( الأنبياء36 ) في كسر الأصنام وقوله لامرأته أنا أخوك وقوله إني سقيم ( الصافات98 ) وقال لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات كلها في الله قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم ( الأنبياء36 ) وقوله لسارة ( هي أختي ) رواه الإمام أحمد والبزار قوله أئتوا موسى عليه السلام إلى قوله خطيئته هي قتل القبطي قوله فيأتونه وفي رواية مسلم فيأتون عيسى عليه السلام ولم يذكر ذنبا وفي حديث أبي نضرة عن أبي سعيد إني عبدت من دون الله وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد وإن يغفر لي اليوم حسبي قوله فيأتوني وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه حدثني نبي الله قال إني لقائم انتظر أمتي تعبر الصراط إذ جاء عيسى فقال يا محمد هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعو الله أن يفرق جميع الأمم حيث يشاء لغم ما هم فيه وهذا يدل على أن الذي وصف من كلام أهل الموقف كله يقع عند نصب الصراط بعد تساقط الكفار في النار قوله فأستأذن وفي رواية هشام فأنطلق حتى أستأذن قال عياض أي في الشفاعة وفي رواية قتادة عن أنس آتي باب الجنة فاستفتح فيقال من هذا فأقول محمد فيقال مرحبا بمحمد وفي حديث سليمان فآخذ بحلقة الباب وهي من ذهب فيقرع الباب فيقال من هذا فيقول محمد فيفتح له حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له قوله وقعت ساجدا نصب على الحال وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا قوله فيدعني أي في السجود ما شاء الله وفي حديث أبي بكر الصديق فيخر ساجدا قد قدر جمعة قوله ثم يقول ليأي ثم يقول الله لي وفي رواية النضر بن أنس فأوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن أذهب إلى محمد فقل له إرفع رأسك فعلى هذا معنى قوله ثم يقول لي على لسان جبريل عليه السلام قوله فيحد لي حدا أي يبين لي في كل طور من أطوار الشفاعة حدا أقف عنده فلا أتعداه مثل أن يقول لي شفعتك فيمن أخل بالجماعة ثم فيمن أخل بالصلاة ثم فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى وعلى هذا الأسلوب كذا حكاه الطيبي قوله ثم أخرجهم من النار قال الداودي كأن راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك في أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف وفي آخره ذكر الشفاعة في الإخراج من النار يعني ذلك إنما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار ثم تقع بعد ذلك الشفاعة في الإخراج وهو إشكال قوي وقد أجاب عنه عياض وتبعه النووي وغيره بأنه قد وقع في

(23/127)


حديث حذيفة المقرون بحديث أبي هريرة بعد قوله فيأتون محمدا فيقوم ويؤذن له أي في الشفاعة ويرسل الأمانة والرحم فيقومان بجنبي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق الحديث قال عياض فبهذا يتصل الكلام لأن الشفاعة التي يجاء الناس إليه فيها هي الإراحة من كرب الموقف ثم تجيء الشفاعة في الإخراج من النار قوله ثم أعود أي بعد إخراج من أخرجهم من النار وإدخال من أدخلهم الجنة قوله مثله أي مثل الأول قوله في الثالثة أي في المرة الثالثة قوله أو الرابعة شك من الراوي وحاصل الكلام أن المرة الأولى الشفاعة لإراحة أهل الموقف والثانية لإخراجهم من النار والثالثة يقول فيها يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن وهكذا هو في أكثر الروايات ولكن وقع عند أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ثم أعود الرابعة فأقول يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن وفسره قتادة بأنه من وجب عليه الخلود يعني من أخبر القرآن بأنه يخلد في النار
6656 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن الحسن بن ذكوان حدثنا أبو رجاء حدثنا عمران ابن حصين رضي الله عنهما عن النبي قال يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين
مطابقته للحديث السابق في الشفاعة و ( يحيى ) هو القطان و ( الحسن بن ذكوان ) بفتح الذال المعجمة أبو سلمة البصري تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما وليس له في البخاري إلا هذا الحديث من رواية يحيى القطان عنه و ( أبو رجاء ) عمران العطاردي
والحديث أخرجه أبو داود في السنة عن مسدد وأخرجه الترمذي في صفة النار وابن ماجه في الزهد جميعا عن محمد بن بشار
7656 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) أن أم ( حارثة أتت ) رسول الله وقد هلك حارثة يوم بدر أصابه غرب سهم فقالت يا رسول الله قد علمت موقع حارثة من قلبي فإن كان في الجنة لم أبك عليه وإلا سوف ترى ما أصنع فقال لها هبلت أجنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه في الفردوس الأعلى وقال غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قدم من الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها يعني الخمار خير من الدنيا وما فيها ( انظر الحديث 2972 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث إلى قوله وإنه في الفردوس الأعلى قد مر في أوائل الباب من رواية أبي إسحاق عن حميد عن أنس وهنا فيه زيادة وهي من قوله وقال غدوة في سبيل الله إلى آخر الحديث
قوله غرب سهم بالإضافة والصفة وسهم غرب هو الذي لا يدري من رمى به قوله وإنه في الفردوس ويروى لفي الفردوس
قوله ولقاب قوس أحدكم اللام فيه مفتوحة للتأكيد والقاب بالقاف والباء الموحدة والقيب بمعنى القدر وعينه وقوله أو موضع قدم أي أو موضع قدم أحدكم ويروى موضع قده بكسر القاف وتشديد الدال أي موضع سوطه لأنه يقد أي يقطع طولا وقيل موضع قده أي شراكه ويروى موضع قدمه قوله ريحا أي ريحا طيبة وفي رواية سعيد بن عامر لملأت الأرض ريح مسك قوله ولنصيفها اللام فيه للتأكيد والنصيف بفتح النون وكسر الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء هو الخمار بكسر الخاء المعجمة وقد فسره في الحديث هكذا وهذا تفسير من قتيبة وعن الأزهري النصيف أيضا يقال للخادم

(23/128)


9656 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال النبي لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة
مطابقته لجزئي الترجمة من حيث كون المقعدين فيهما نوع صفة لهما
وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز وهذا الإسناد بهؤلاء الرجال قد مر مرارا عديدة
والحديث وقع عند ابن ماجه من طريق آخر عن أبي هريرة أن ذلك يقع عند المسألة في القبر
قوله لو أساء يعني لو عمل عمل السوء وصار من أهل جهنم قوله ليزداد شكرا قيل الجنة ليست دار شكر بل هي دار جزاء وأجيب بأن الشكر ليس على سبيل التكليف بل هو على سبيل التلذذ أو المراد لازمه وهو الرضى والفرح لأن الشاكر على الشيء راض به فرحان بذلك قوله لو أحسن أي لو عمل عملا حسنا وهو الإسلام قوله ليكون عليه حسرة أي زيادة في تعذيبه
0756 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( عمرو ) عن ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة فقال لقد ظننت يا با هريرة أن لا يسألني عن هاذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إلاه إلا الله خالصا من قبل نفسه ( انظر الحديث 99 )
لو ذكر هذا عقيب حديث أنس المذكور كان أنسب على ما لا يخفى
وعمرو هو ابن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب
والحديث مضى في كتاب العلم في باب الحرص على الحديث ومر الكلام فيه
قوله يا با هريرة أصله يا أبا هريرة حذفت الألف تخفيفا قوله أن لا يسألني كلمة أن مخففة من المثقلة قوله أول بفتح اللام حال ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أول وفي بعض النسخ أولى منك قوله لما رأيت اللام فيه مكسورة وهي لام التعليل قوله من قبل نفسه بكسر القاف وفتح الباء أي من جهة نفسه طوعا ورغبة ووقع في رواية لأحمد وابن حبان من طريق أخرى عن أبي هريرة نحوه وفيه شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه وهذه الشفاعة غير الشفاعة الكبرى في الإراحة من كرب الموقف
1756 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( عبيدة ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال النبي إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله إذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآي فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملآى فيقول إذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملآى فيقول إذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول تسخر مني أو تضحك مني وأنت الملك فلقد رأيت رسول الله ضحك حتى بدت نواجذه وكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الخروج من النار والدخول في الجنة باعتبار الوجه الذي ذكرناه في التراجم المذكورة

(23/129)


وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة هو ابن عمرو السلماني وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وهؤلاء كلهم كوفيون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن محمد بن خالد وأخرجه مسلم في الإيمان عن عثمان وإسحاق وأخرجه الترمذي في صفة جهنم عن هناد وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن عثمان
قوله إني لأعلم اللام فيه للتأكيد قوله رجل يعني هو رجل يخرج من النار حبوا بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وهو المشي على اليدين أو المشي على الاست يقال حبا الرجل إذا حبا على يديه وحبا الصبي إذا مشى على استه ورأيت في بعض النسخ كبوا بفتح الكاف ووقع في مسلم من رواية أنس آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك ووقع في رواية الأعمش هنا زحفا قوله وعشرة أمثالها قيل عرض الجنة كعرض السموات والأرض فكيف يكون عشرة أمثال الدنيا وأجيب بأن هذا تمثيل وإثبات السعة على قدر فهمنا قوله تسخر مني أو تضحك مني وفي رواية الأعمش أتسخر بي ولم يشك وكذا في مسلم من رواية أنس عن ابن مسعود أتستهزيء مني وأنت رب العالمين قوله وأنت الملك الواو فيه للحال وقال المازري هذا مشكل وتفسير الضحك بالرضا لا يتأتي هنا ولكن لما كانت عادة المستهزىء أن يضحك من الذي استهزأ به ذكر معه وأما نسبة السخرية إلى الله فهي على سبيل المقابلة وإن لم يذكر في الجانب الآخر لفظا لكنه لما عاهد مرارا وغد رحل فعله محل المستهزيء فظن أن في قول الله له ادخل الجنة وتردده إليها وظنه أنها ملأى نوعا من السخرية به جزاء على فعله فسمى الجزاء على السخرية سخرية وقال القرطبي أكثروا في تأويله وأشبه ما قيل فيه إنه استخفه الفرح وأدهشه فقال ذلك وقال الكرماني قوله تسخر مني يقال سخر منه إذا استجهله فإن قلت كيف صح إسناده الهزء أو الضحك إلى الله
قلت أمثال هذه الإطلاقات يراد بها لوازمها من الإهانة ونحوها
قلت فيه تأمل قوله حتى بدت نواجذه بجيم وذال معجمه جمع ناجذ وهو ضرس الحلم وقال ابن الأثير النواجذ من الأسنان الضواحك وهي التي تبدو عند الضحك والأشهر إنها أقصى الأسنان والمراد الأول وقد مر الكلام فيه عن قريب مبسوطا قوله وكان يقال ذلك ويروى ذاك قوله منزلة ويروى منزلا وقال الكرماني قوله وكان يقال ذلك الرجل هو أقل الناس منزلة في الجنة ثم قال وهذا ليس من تتمة كلام رسول الله بل هو كلام الراوي نقلا عن الصحابة أو أمثالهم من أهل العلم وقال بعضهم قائل وكان يقال هو الراوي كما أشار إليه وأما قائل المقالة المذكورة فهو النبي ثبت ذلك في أول حديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار انتهى
قلت كون هذه المقالة في حديث أبي سعيد من كلام النبي لا يستلزم كونها في آخر حديث عبد الله بن مسعود كذلك من كلام النبي
2756 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( عبد الله بن الحارث ابن نوفل ) عن ( العباس ) رضي الله عنه أنه قال ل ( لنبي ) هل نفعت أبا طالب بشيء ( انظر الحديث 3883 وطرفه )
مطابقته للترجمة في بقية الحديث لأنه أخرجه مختصرا بحذف الجواب وجوابه هو قوله فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار وقد مر هذا في كتاب الأدب في باب كنية المشرك
وأخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة وهنا أخرجه عن مسدد عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب والعباس هو ابن عبد المطلب وهو عم جد عبد الله بن الحارث الراوي عنه وللحارث بن نوفل ولأبيه صحية ويقال إن لعبد الله رؤية وهو الذي كان يلقب ببه بباءين موحدتين مفتوحتين الثانية مشددة وفي آخرها هاء ولم يدر ما كان مقصود البخاري من اختصار هذا الحديث وحذف جوابه وذكره هنا ناقصا وقد ذكر في هذا الباب ثلاثة وعشرين حديثا أكثرها في صفة النار والله أعلم

(23/130)


25 -
( باب الصراط جسر جهنم )
أي هذا باب يذكر فيه الصراط جسر جهنم فقوله الصراط مبتدأ وجسر جهنم خبره وهو جسر منصوب على متن جهنم لعبور المسلمين عليه إلى الجنة وجهنم بفتح الجيم ويجوز كسرها وهي لفظة أعجمية وهي اسم لنار الآخرة وقيل هي عربية وسميت بها لبعد قعرها ومنه ركية جهنام وهي بكسر الجيم والهاء وتشديد النون وقيل هو تعريب كهنام
3756 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) أخبرني ( سعيد وعطاء بن يزيد ) أن ( أبا هريرة ) أخبرهما عن النبي
( ح ) وحدثني محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة قال قال أناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك يجمع الله الناس فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس ويتبع من كان يعبد القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيث وتبقى هاذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هاذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب جسر جهنم قال رسول الله فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وبه كلاليب مثل شوك السعدان أما رأيتم شوك السعدان قالوا بلى يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله فتخطف الناس بأعمالهم منهم الموبق بعمله ومنهم المخردل ثم ينجو حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود فيخرجونهم قد امتحشوا فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ويبقى رجل منهم مقبل بوجهه على النار فيقول يا رب قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فاصرف وجهي عن النار فلا يزال يدعو الله فيقول لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيصرف وجهه عن النار ثم يقول بعد ذلك يا رب قربني إلى باب الجنة فيقول أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ويلك يا بن آدم ما أغدرك فلا يزال يدعو فيقول لعلي أن أعطيتك ذلك تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره فيقربه إلى باب الجنة فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول

(23/131)


رب أدخلني الجنة ثم يقول أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول يا رب لا تجعلني أشقاى خلقك فلا يزال يدعو حتى يضحك فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها فإذا دخل فيها قيل له تمن من كذا فيتمنى ثم يقال له تمن من كذا فيتمنى حتى تنقطع به الأماني فيقول له هاذا لك ومثله معه قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا قال عطاء وأبو سعيد الخدري جالس مع ابي هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه إنتهى إلى قوله هذا لك ومثله قال أبو سعيد سمعت رسول الله يقول هذا لك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة حفظت مثله معه
مطابقته للترجمة في قوله ثم يضرب جسر جهنم وهو الصراط وإنما قال الصراط جسر جهنم لأنه ذكر في باب فضل السجود ثم يضرب الصراط فجمع هنا في الترجمة بين اللفظين
وأخرج هذا الحديث من طريقين أحدهما عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة والآخر عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بفتح الميمين بن راشد عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة وليس في هذا الطريق ذكر سعيد وساق الحديث علي هذا الطريق والحديث أخرجه أيضا في التوحيد عن عبد العزيز بن عبد الله وأخرجه مسلم في الإيمان عن زهير بن حرب وأخرجه النسائي في الصلاة عن محمد بن سليمان وفي التفسير عن عيسى ابن حماد وغيره
قوله يوم القيامة أشار به إلى أن السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا وقد أخرج مسلم من حديث ابي أمامة واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وسبب هذا السؤال أنه لما ذكر الحشر والقول ليتبع كل أمة ما كانت تعبد وقول المسلمين هذا مكاننا حتى نرى ربنا يوم القيامة قوله هل تضارون بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء المضمومة من الضر وأصله تضارون بصيغة المعلوم أي هل تضرون أحدا ويجوز بصيغة المجهول أي هل يضركم أحد بمنازعة ومضايقة وفيه وجه ثالث وهو وهل تضارون بالتخفيف من الضير بمعنى الضر يقال ضاره يضره إذا ضره وأصله تضيرون بضم أوله وسكون الضاد وفتح الياء وضم الراء استثقلت الفتحة على الياء لسكون ما قبلها فألقيت حركتها على الضاد وقلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وفيه وجه آخر وهو وهل تضامون بضم أوله وتشديد الميم وقال ابن الأثير وفي حديث الرؤية لا تضامون يروى بالتشديد والتخفيف فالتشديد معناه لا ينضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون وقت النظر إليه ويجوز ضم التاء وفتحها على تفاعلون وتتفاعلون ومعنى التخفيف لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض والضيم الظلم والحاصل أن المادة في هذه الأوجه أربع مواد الضر والضير والضيم والضم فالمتأمل فيها يقف عليها ووقع في رواية للبخاري لا تضامون أو تضاهون بالشك ومعناه لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا وفي رواية شعيب تقدمت في باب فضل السجود هل تمارون بضم أوله وتخفيف الراء أي هل تجادلون في ذلك أو هل يدخلكم فيه شك من المرية وهي الشك قوله في الشمس ذكرها ثم ذكر القمر وخصهما بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظم النور والضياء وحكى بعضهم عن بعض أن الابتداء بذكر القمر قبل الشمس متابعة للخليل عليه السلام واستدل به الخليل على إثبات الوحدانية واستدل به نبينا على إثبات الرؤية انتهى
قلت الابتداء بذكر القمر في رواية مسلم وفي رواية البخاري ذكر الشمس مقدم على الأصل فإن قلت لا بد من الجهة بين الرائي والمرئي
قلت قال الكرماني لا يلزم منه المشابهة في الجهة والمقابلة وخروج الشعاع ونحوه لأنها أمور لازمة للرؤية عادة لا عقلا وقال ابن الأثير قد يتخيل بعض الناس أن الكاف كاف تشبيه للمرئي وهو غلط وإنما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي ومعناه أنها رؤية يزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر وقيل التشبيه برؤية القمر ليقين الرؤية دون تشبيه

(23/132)


المرئي سبحانه وتعالى وقيل التمثيل وقع في تحقيق الرؤية لا في الكيفية لأن الشمس والقمر متحيزان والحق سبحانه منزه عن ذلك وقال النووي مذهب أهل السنة أن رؤية المؤمنين ربهم ممكنة ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج وهو جهل منهم فقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة على إثباتها في الآخرة للمؤمنين
قلت روي في إثبات الرؤية حديث الباب وعن نحو عشرين صحابيا منهم علي وجرير وصهيب وأنس رضي الله تعالى عنهم قوله كذلك أي واضحا جليا بلا مضارة ولا مزاحمة قوله يجمع الله الناس وفي رواية شعيب يحشر الله الناس في مكان وزاد في رواية العلاء في صعيد واحد ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر بالذال أي يخرقهم بالخاء المعجمة والقاف حتى يجوزهم وقيل بالدال المهملة أي يستوعبهم وروى البيهقي في ( الشعب ) إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم الحديث وفي حديث أبي سعيد رواه أحمد بسند جيد أنه يخفف الوقوف على المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة ولأبي يعلى من حديث أبي هريرة كتدلي الشمس للغروب إلى الغروب قوله فيتبع من كان يعبد الشمس التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد من دون الله للتنويه بذكرهما لعظم خلقهما قوله الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان والصنم ويكون جمعا ومفردا ومذكرا ومؤنثا ويطلق أيضا على رؤساء الضلال وقال الجوهري الطاغوت الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال وقد يكون واحدا قال تعالى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ( النساء06 ) وقد يكون جمعا قال تعالى أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم ( البقرة752 ) والطاغوت وإن جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب لأنه من طغى ولاهوت غير مقلوب لأنه من لاه بمنزلة الرغبوت والرحموت انتهى واعترض عليه بأنه ليس يجمع عند المحققين من أهل العربية لأنه مصدر كالرهبوت والرحموت وأصله طغيوت فقدمت الياء على الغين فصار طيغوت فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وإذا ثبت أنها في الأصل مصدر بمعنى الطغيان ثبت أنها اسم مفرد وإنما جاء الضمير العائد عليها جمعا في قوله تعالى يخرجونهم ( البقرة752 ) لكونها جنسا معرفا بلام الجنس قوله وتبقى هذه الأمة قيل يحتمل أن يكون المراد بالأمة أمة محمد ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فيدخل فيها جميع أهل التوحيد حتى الجن يدل عليه ما في بقية الحديث أنه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر
قلت الإشارة بقوله هذه الأمة ينافي تناوله لغير أمة النبي وقوله يدل عليه مافي بقية الحديث ليس كذلك لأن هذا في حديث أبي سعيد الخدري في رواية مسلم قوله منافقوها ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين في الآخرة ينفعهم فاختلطوا بهم في ذلك اليوم حتى يضرب بينهم بسور له باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ( الحديد31 ) قوله فيأتيهم الله المراد من الإتيان التجلي وكشف الحجاب وقيل الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالمجيء إليه فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمة الحدود وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله قوله في غير الصورة التي يعرفون الصورة من المشابهات والأمة فيها فرقتان المفوضة والمأولة فمن أوله قال المراد من الصورة الصفة أو آخراج الكلام على سبيل المطابقة قوله يعرفون فإن قلت لم يتقدم لهم رؤية فكيف يعرفون
قلت إنما عرفوه في الدنيا بالصفة أي بوصف الأنبياء لهم وقيل يخلق الله فيهم علما وقيل يصير جميع المعلومات ضروريا قوله نعوذ بالله منك قال الخطابي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين قال عياض هذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به وقال النووي الذي قاله عياض صحيح ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه وقال ابن الجوزي معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا أتانا بما نعرفه بالصورة وهي الصفة فإن قلت ما الحكمة في إتيانه بغير الصورة التي كانوا يعرفونه
قلت للامتحان وقيل يحتمل أن يأتيهم بصور مختلفة فيقول أنا ربكم على وجه الامتحان قوله

(23/133)


فيقولون أنت ربنا قيل فيه إشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا والعلم عند الله عز و جل وقال الخطابي هذه الرؤية غير الرؤية التي تقع في الجنة إكراما لهم فإن هذه للامتحان وتلك لزيادة الإكرام فإن قلت الامتحان من التكليف ولا تكاليف يوم القيامة
قلت آثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو في النار وقال الطيبي لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحد منهما ما يخص بالأخرى فإن القبر أو منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره قوله ويضرب جسر جهنم هو جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف وفي مسلم قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة يكون يتخذ فيها شويكة يقال لها السعدان قوله من يجيز من أجزت الوادي وجزته بمعنى مشيت عليه وقطعته وقيل معناه لا يجوز أحد على الصراط حتى يجوز هو وقال النووي المعنى أكون أنا وأمتي أول من يمضي على الصراط قوله وبه كلاليب جمع كلوب كتنور والضمير في به يرجع إلى الجسر وفي رواية شعيب وفي جهنم كلاليب وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به قوله مثل شوك السعدان بلفظ التثنية وهو جمع سعدانة وهو نبت ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاه قالوا مرعى ولا كالسعدان قوله أما رأيتم شوك السعدان هو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة قوله غير أنها أي الشوكة وفي رواية الكشميهني غير إنه والضمير للشأن قوله لا يعلم قدر عظمها إلا الله وفي رواية مسلم لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله وقال ابن التين قرأناه بضم العين وسكون الظاء وفي رواية أخرى بكسر العين وفتح الظاء وهو أشبه لأنه مصدر وقال الجوهري عظم الشيء عظما أي كبر فتقديره لا يعلم قدر كبرها إلا الله وعظم الشيء أكثره قوله فتخطف بفتح الطاء وكسرها وقال ثعلب في ( الفصيح ) خطف بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع وحكى الفراء عكسه والكسر في المضارع أفصح قوله بأعمالهم يتعلق بقوله تخطف والباء فيه للسببية نحو إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ( البقرة45 ) فكلا أخذنا بذنبه ( العنكبوت04 ) قوله فمنهم الموبق هذا تفسير لما قبله من قوله بأعمالهم أي فمن الناس الموبق بضم الميم وفتح الباء الموحدة أي المهلك بسبب عمله السيء يقال وبق يبق ووبق يوبق فهو وبق وأوبقه غيره فهو موبق ورواية شعيب فمنهم من يوبق أي يهلك وفي رواية لمسلم فمنهم الموثق بالثاء المثلثة المفتوحة من الوثاق وفي رواية الأصيلي ومنهم المؤمن بكسر الميم بعدها نون يقي بعمله بفتح الياء آخر الحروف وكسر القاف من الوقاية أي يستره عمله قوله ومنهم المخردل بالخاء المعجمة قال الكرماني المخردل المصروع وما قطع أعضاؤه أي جعل كل قطعة منه بمقدار خردلة وقال ابن الأثير المخردل المرمي المصروع وقيل المقطع تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار يقال خردلت اللحم بالدال والذال أي فصلت أعضاءه وقطعته وفي رواية شعيب ومنهم من يخردل على صيغة المجهول ووقع في رواية الأصيلي هنا بالجيم من الجردلة وهي الإشراف على السقوط وكذا وقع لأبي أحمد الجرجاني وفي رواية شعيب وهاه عياض والدال مهملة للجميع وحكى أبو عبيد فيه إعجام الدال ورجح صاحب ( المطالع ) الخاء المعجمة والدال المهملة وفي رواية مسلم ومنهم المجازي حتى ينجى قوله ثم ينجو من النجاة وفي رواية إبراهيم بن سعد ثم ينجلي بالجيم أي يبين ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي يخلى عنه وهو الأشبه قوله حتى إذا فرغ الله الفراغ الخلاص من المهام وهو محال على الله تعالى والمراد إتمام الحكم بين العباد قوله أن يخرج بضم الياء من الإخراج قوله من أراد مفعول أن يخرج قوله أمر الملائكة أن يخرجوهم أي أن يخرجوا من كان يشهد أن لا إله إلا الله وفي حديث أبي سعيد حتى إذا فرغ من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله قوله بعلامة آثار السجود أثر السجود هو الجبهة ويحتمل أن يراد الأعظم السبعة قوله وحرم الله على النار هو جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف يعرفونهم بأثر السجود مع قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة حاصل المعنى أن الله عز و جل يخصص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دل عليها هذا الخبر وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود من المؤمن قوله قد امتحشوا على صيغة المجهول من الامتحاش بالحاء المهملة

(23/134)


والشين المعجمة وهو الاحتراق ويروى بصيغة المعلوم وهو الأصح قوله ماء الحياة وفي حديث أبي سعيد فيلقون في نهر الحياة أو الحيا وفي رواية أخرى فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة والأفواه جمع فوهة على غير قياس قوله الحبة بكسر الحاء بزر الرياحين وقيل بزور الصحراء قوله في حميل السيل أي في محموله أي في الذي يحمله السيل من الغثاء وقد مر الكلام فيه في باب صفة الجنة والنار قوله ويبقى رجل منهم في رواية الكشميهني وكان هذا الرجل نباشا من بني إسرائيل قوله فيقول يا رب في رواية إبراهيم بن سعد أي رب على ما يجيء في التوحيد قوله قد قشبني بقاف وشين معجمة مفتوحتين مخففا وروي التشديد وقال الخطابي قشب الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ يكظمه وقال الكرماني القشب الإصابة بكل ما يكره ويستقذر قوله ذكاؤها كذا هو بالمد في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية أبي ذر وغيره ذكاها بالقصر وهو الأشهر في اللغة وقال ابن القطاع يقال ذكت النار تذكو ذكا بالقصر وذكوا بالضم وتشديد الواو أي كثر لهبها واشتد اشتعالها ووهجها قوله فاصرف وجهي عن النار قيل كيف يقول هذا القول والحال أنه يمر على الصراط طالبا الجنة فوجهه إلى الجنة وأجيب بأنه قيل إنه كان يتقلب على الصراط ظهرا لبطن فكأنه في تلك الحالة انتهى إلى آخره فصادف أن وجهه كان من قبل النار ولم يقدر على صرفه عنها باختياره فسأل الله تعالى في ذلك
قلت الأحسن أن يقال إنه من قبيل قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم ( الفاتحة6 ) أي ثبت صرف وجهي عن النار لأنه لما توجه إلى الجنة سأل الله تعالى أن يديم عليه صرف وجهه عن النار لما كان يقاسي منها قوله فيصرف وجهه عن النار على صيغة المجهول قوله ما أغدرك فعل التعجب من الغدر وهو نقض العهد وترك الوفاء قوله فإذا رأى ما فيها فإن قلت كيف رأى ما في الجنة والحال أنه لم يدخلها وقتئذ
قلت لأن جدار الجنة شفاف فيرى باطنها من ظاهرها كما جاء في وصف الغرف وقيل المراد من الرؤية العلم الذي يحصل له من سطوع رائحتها الطيبة وأنوارها المضيئة كما كان يحصل له من سطوع رائحة النار ونفحها وهو خارجها قوله لا تجعلني أشقى خلقك المراد بالخلق هنا من دخل الجنة قيل ليس هو أشقى الخلق لأنه مؤمن خارج من النار وأجيب بأن الأشقى بمعنى الشقي أو يخصص الخلق بالخارجين منها قوله حتى يضحك قيل الضحك لا يصح على الله وأجيب بأنه مجاز عن الرضا به قوله من كذا أي من الجنس الفلاني
قوله قال أبو هريرة هو موصول بالسند المذكور قوله وذلك الرجل قيل اسمه هناد بالنون والمهملة وقيل جهينة وقد وقع في ( غرائب مالك ) للدارقطني من طريق عبد الملك بن الحكم وهو رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين وقيل وجه الجمع بين الروايتين أنه يجوز أن يكون أحدالإسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر قوله الأماني جمع أمنية قوله هذا لك ومثله معه هذا إشارة إلى متمناه الذي وقف عليه
قوله قال وأبو سعيد الخدري جالس القائل هو عطاء بن يزيد بينه إبراهيم بن سعد في روايته عن الزهري قال قال عطاء بن يزيد وأبو سيعد الخدري رضي الله تعالى عنه قوله هذا لك عشرة أمثاله وجه الجمع بين الروايتين أنه يحتمل أن يكون قد أخبر بالمثل أو لا ثم اطلعه الله تعالى بتفضله بالعشرة
35 -
( باب في الحوض )
أي هذا باب في ذكر حوض النبي والحوض الذي يجمع فيه الماء ويجمع على أحواض وحياض والأحاديث التي وردت فيه كثيرة بحيث صارت متواترة من جهة المعنى والإيمان به واجب وهو الكوثر على باب الجنة يسقى المؤمنون منه وهو مخلوق اليوم وقال القرطبي في ( التذكرة ) ذهب صاحب ( القوت ) وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط وذهب آخرون إلى العكس والصحيح أن للنبي حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل الجنة وكل منهما يسمى كوثرا وفي بعض النسخ كتاب في الحوض وقبله البسملة

(23/135)


وقول الله تعالى ( 108 ) إنا أعطيناك الكوثر ( الكوثر1 )
وقول الله بالجر عطف على قوله في الحوض الكوثر فوعل من الكثرة والعرب تسمى كل شيء كثير في العدد أو القدر والخطر كوثرا وعن سفيان بن عيينة قيل لعجوز آب ابنها من السفر بما آب ابنك قالت آب بكوثر يعني بمال كثير وهو اسم لحوض النبي كما ذكرناه وعن أنس رضي الله تعالى عنه في ذكر الكوثر هو حوض ترد عليه أمتي وقد اشتهر اختصاص نبينا بالحوض لكن أخرج الترمذي من حديث سمرة رفعه أن لكل نبي حوضا وقال اختلف في وصله وإرساله وأن المرسل أصح والمرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو من عرف من أمته ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن سمرة موصولا مرفوعا وفي إسناد لين فإن ثبت فالمختص بنبينا الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره وقد امتن الله عز و جل عليه به في السورة المذكورة
وقد أنكر الحوض الخوارج وبعض المعتزلة وممن كان ينكره عبيد الله بن زياد أحد أمراء العراق وهؤلاء ضلوا في ذلك وخرقوا إجماع السلف وفارقوا مذهب أئمة الخلف
ورويت أحاديث الحوض عن أكثر من خمسين صحابيا منهم ابن عمر وأبو سعيد وسهل بن سعد وجندب وأم سلمة وعقبة بن عامر وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب والمستورد وأبو ذر وثوبان وأنس وجابر بن سمرة فهؤلاء أخرج عنهم مسلم وأبو بكر الصديق وزيد ابن أرقم وأبو أمامة وعبد الله بن زيد وسويد بن جبلة وعبد الله الصنابحي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وابن عباس وكعب بن عجرة وبريدة وأبو الدرداء وأبي بن كعب وأسامة بن زيد وحذيفة بن أسيد وحمزة بن عبد المطلب ولقيط بن عامر وزيد بن ثابت والحسن بن علي وأبو بكرة وخولة بنت حكيم وحديث أبي بكر عند أحمد وأبي عوانة وحديث زيد بن أرقم عند البيهقي وغيره وحديث أبي أمامة عند ابن حبان وغيره وحديث عبد الله بن زيد عند البخاري وحديث سويد بن جبلة عند أبي زرعة الدمشقي في ( مسنده ) وحديث عبد الله الصنابحي عند أحمد وابن ماجه وحديث البراء بن عازب وحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه عند البخاري وحديث خولة بنت قيس عند الطبراني وحديث ابن عباس عند البخاري وحديث كعب ابن عجرة عند الترمذي والنسائي وحديث بريدة عند ابن أبي عاصم وأحاديث ابن أبي بن كعب ومن ذكر معه إلى خولة بنت حكيم كلها عند ابن أبي عاصم وعرباض بن سارية عند ابن حبان وأبو مسعود البدري وسلمان الفارسي وسمرة بن جندب وعقبة بن عمرو عند الطبراني وخباب بن الأرت عند الحاكم والنواس بن سمعان عند ابن أبي الدنيا وعبد الرحمن بن عوف عند ابن منده وعثمان بن مظعون عند ابن كثير في ( نهايته ) ومعاذ بن جبل ولقيط بن صبرة عند ابن القيم في ( الحاوي ) وجابر بن عبد الله عند أحمد والبزار وعمر وعائذ بن عمرو وأبو برزة وأخو زيد بن أرقم ويقال إن اسمه ثابت عند أحمد
وقال عبد الله بن زيد قال النبي اصبروا حتى تلقوني على الحوض
عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وهذا التعليق وصله البخاري بحديث طويل في غزوة حنين
5756 - حدثني يحياى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله عن النبي أنا فرطكم على الحوض
( ح ) وحدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة قال سمعت أبا وائل عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله

(23/136)


عليه وسلم قال أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
مطابقته للترجمة ظاهرة وفي أحاديث الباب كلها ذكر الحوض ما عدا حديث أبي هريرة الذي روي عنه عطاء بن يسار على ما يجيء إن شاء الله تعالى فلا يحتاج عند ذكرها إلى ذكر وجه المطابقة
وأخرجه من طريقين الأول عن ( يحيى بن حماد ) الشيباني البصري عن أبي عوانة الوضاح عن ( سليمان ) الأعمش عن ( شقيق ) بن سلمة عن ( عبد الله ) بن مسعود الثاني عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا عن محمد بن جعفر عن شعبة عن المغيرة بن مقسم الضبي عن أبي وائل هو شقيق المذكور عن عبد الله
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن عثمان بن أبي شيبة وغيره
قوله أنا ( فرطكم على الحوض ) الفرط بفتح الفاء والراء الذي يتقدم الواردين ليصلح لهم الحياض والدلاء ونحوها يقال فرطت القوم إذا تقدمتهم لترداد لهم الماء وتهيء لهم وفيه بشارة لهذه الأمة فهنيئا لمن كان رسول الله فرطه
قوله ليرفعن على صيغة المجهول أي يظهرهم لي حتى أراهم قوله ليختلجن بلفظ المجهول أيضا أي يعدل بهم عن الحوض ويجذبون من عندي قال الكرماني وهم إما المرتدون وإما العصاة
تابعه عاصم عن أبي وائل وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي
أي تابع سليمان الأعمش عاصم بن أبي النجود قارىء الكوفة في روايته عن أبي وائل المذكور عن عبد الله بن مسعود ووصله الحارث بن أبي أسامة في ( مسنده ) من طريق سفيان الثوري عن عاصم قوله حصين مصغر حصن بن عبد الرحمن عن أبي وائل عن حذيفة يعني خالف حصين سليمان الأعمش وعاصما فقال عن أبي وائل عن حذيفة ووصل هذه المتابعة مسلم من طريق حصين
7756 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح
( يحيى ) هو القطان و ( عبيد الله ) هو ابن عمر العمري
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن زهير بن حرب وغيره
قوله أمامكم بفتح الهمزة أي قدامكم قوله حوض وفي رواية السرخسي حوضي بزيادة ياء الإضافة قوله جرباء بفتح الجيم وسكون الراء وبالباء الموحدة مقصورا عند الجمهور وقال عياض جاء في البخاري ممدودا وقال النووي في ( شرح مسلم ) الصواب أنها مقصورة وذكرها البخاري ومسلم قال والمد خطأ وأذرح بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء وبالحاء المهملة كذا في رواية الجمهور قال عياض ووقع في رواية العذري في مسلم بالجيم وهو وهم قال الكرماني وهما موضعان قال وفي ( صحيح مسلم ) قال عبيد الله فسألته يعني ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما فقال قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال انتهى
قلت قال الرشاطي الجرباء على لفظ تأنيث الأجرب قرية بالشام وقال ابن وضاح أذرح بفلسطين قال الرشاطي وباذرح بايع الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما معاوية وأعطاه معاوية مائتي ألف درهم
وهذا الموضع يحتاج إلى بسط كلام لوقوع الاختلاف الكثير في طول الحوض وعرضه وهنا قال ما بين جرباء وأذرح ولم بين قدر المسافة بينهما وفي حديث عبد الله بن عمرو على ما يجيء حوضي مسيرة شهر وفي حديث أنس عنده أيضا قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وفي حديث حارثة بن وهب عنده أيضا كما يبين المدينة وصنعاء وفي حديث جابر بن سمرة عند مسلم بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة وفي حيث عقبة بن عامر عنده أيضا وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة وفي حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه ما بين عدن وأيلة وفي حديث أبي ذر ما بين عمان إلى أيلة وفي حديث أبي بردة عند ابن حبان ما يين ناحيتي حوضي كما يبين أيلة وصنعاء مسيرة شهر وفي حديث جابر رضي الله تعالى عنه كما يبين صنعاء إلى

(23/137)


المدينة وفي حديث ثوبان ما بين عدن وعمان البلقاء وعند عبد الرزاق في حديث ثوبان ما بين مكة وأيلة وفي لفظ ما بين مكة وعمان وفي حديث عبد الله بن عمر وعند أحمد بعدها بين مكة وأيلة وفي لفظ ما بين مكة وعمان وفي حديث حذيفة بن أسيد ما بين صنعاء إلى بصري وفي حديث أنس عند أحمد كما بين مكة وأيلة أو بين صنعاء ومكة وفي حديث أبي سعيد عند ابن أبي شيبة وابن ماجه ما بين كعبة إلى القدس وفي حديث عتبة بن عمر وعند الطبراني كما بين البيضاء إلى بصري
وقد جمع العلماء بين هذا الاختلاف فقال القاضي عياض هذا من اختلاف التقادير لأن ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد اضطرابا من الرواة وإنما جاء من أحاديث مختلفة عن غير واحد من الصحابة سمعوه في مواطن مختلفة وكان النبي يضرب في كل منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته بما سنح له من العبارة ويقرب ذلك ببعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة المتحققة قال فبهذا يجمع بين الألفاظ المختلفة من جهة المعنى انتهى وقال بعضهم وفيه نظر من جهة أن ضرب المثل والتقدير إنما يكون فيما يتقارب وإما هذا الاختلاف المتباعد الذي يزيد تارة إلى ثلاثين يوما وينقص إلى ثلاثة أيام فلا انتهى
قلت في نظره نظر لأنه يحتمل أنه لما أخبر بثلاثة أيام كان هذا المقدار ثم إن الله تعالى تفضل عليه باتساعه شيئا بعد شيء وكلما اتسع أخبره بقدر ما اتسع وكل من روى بمقدار خلاف ما رواه غيره بحسب ذلك وبهذا الوجه يحصل الجواب الشافي عن الاختلاف المذكور فلا يحتاج بعد ذلك إلى كلام طويل غير طائل كما صدر ذلك عن بعضهم
وأما تفسير المواضع المذكورة فنقول الأيلة مدينة كانت عامرة وهي بطرف بحر القلزم من طرف الشام وهي الآن خراب يمر بها الحاج من مصر وغزة وإليها تنسب العقبة المشهورة عند أهل مصر بينها وبين المدينة النبوية نحو شهر بسير الأثقال كل يوم مرحلة وإلا فدون ذلك وصنعاء ثنتان إحداهماصنعاء اليمن أعظم مدنها والأخرى صنعاء قرية عل باب دمشق من ناحية باب الفراديس قاله ياقوت والأولى هي المرادة في الحديث فلذلك قيد في الحديث وصنعاء من اليمن والجحفة بضم الجيم وسكون الحاء وهو موضع بالقرب من رابغ وهي من ميقات أهل الشام ومصر واليوم أهل الشام يحرمون من ذي الحليفة ميقات أهل المدينة وعدن مدينة في أقصى اليمن على ساحل بحر الهند وعمان ثنتان الأولى بفتح العين وتشديد الميم وبتخفيفها بلد قريب من البلقاء فلذك قيل عمان البلقاء والأخرى بضم العين وتخفيف الميم بلد على شاطىء البحر بين البصرة وعدن والبلقاء بفتح الباء الموحدة وسكون اللام بعدها قاف وبالمد بلدة معروفة من فلسطين قاله بعضهم
قلت البلقاء تمد وتقصر وقال الرشاطي البلقاء من عمل دمشق وبصري بضم الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة قال ياقوت بلد بالشام وهي قصبة حوران من أعمال دمشق والبيضاء بالقرب من الربذة البلد المعروف بين مكة والمدينة وقال الرشاطي البيضاء تأنيث الأبيض موضع تلقاء حمى الربذة
8756 - حدثني ( عمرو بن محمد ) حدثنا ( هشيم ) أخبرنا ( أبو بشر وعطاء بن السائب ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنه قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه
( انظر الحديث 6694 )
أشار به إلى تفسير الكوثر في قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر ( الكوثر1 )
قد مضى هذا في تفسير سورة الكوثر فإنه أخرجه هناك عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير وهنا أخرجه عن عمرو بن محمد بن بكير الناقد البغدادي وهو شيخ مسلم أيضا يروي عن هشيم مصغر هشم ابن بشير بالتصغير أيضا عن أبي بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس وعن عطاء بن السائب الكوفي المحدث المشهور من صغار التابعين صدوق اختلط في آخر عمره وسماع هشيم منه بعد اختلاطه فلذلك أخرج له البخاري مقرونا بأبي بشر وماله غيره إلا في هذا الموضع
قوله إياه أي النبي
قال أبو بشر قلت لسعيد إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة

(23/138)


من الخير الذي أعطاه الله إياه
أبو بشر هو جعفر المذكور وسعيد هو ابن جبير قوله إنه أي إن الكوثر نهر في الجنة قال الهروي جاء في التفسير أنه أي الكوثر القرآن والنبوة
9756 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( نافع بن عمر ) عن ( ابن أبي مليكة ) قال قال ( عبد الله بن عمرو ) قال النبي قوله حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المس وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها فلا يظمأ أبدا
سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي المصري ونافع بن عمر الجمحي المكي وابن أبي مليكة عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة التيمي المكي يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الحوض عن داود بن عمرو عن نافع به قوله حوضي مسيرة شهر وفي رواية مسلم مسيرة شهر وزواياه سواء قوله ماؤه أبيض من اللبن قال المازري مقتضى كلام النحاة أن يقال أشد بياضا ولا يقال أبيض من كذا ومنهم من أجازه في الشعر ومنهم من أجاز بقلة ويشهد له هذا الحديث وغيره وقال بعضهم يحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة فقد وقع في رواية أبي ذر عند مسلم بلفظ أشد بياضا من اللبن انتهى
قلت القول بأن هذا جاء من النبي أولى من نسبة الرواة إلى الغلط على زعم النحاة واستشهاده لذلك برواية مسلم لا يفيده لأنه لا مانع أن يكون النبي استعمل أفعل التفضيل من اللون فيكون حجة على النحاة قوله وريحه أطيب من المسك وعند الترمذي من حديث ابن عمر أطيب ريحا من المسك وعند ابن حبان في حديث أبي أمامة أطيب رائحة وزاد ابن أبي عاصم وابن أبي الدنيا في حديث بريدة وألين من الزبد وزاد مسلم في حديث أبي ذر وثوبان وأحلى من العسل وزاد أحمد في حديث ابن عمرو من حديث ابن مسعود وأبرد من الثلج وعند الترمذي في حديث ابن عمر وماؤه أشد بردا من الثلج قوله وكيزانه جمع كوز قوله كنجوم السماء الظاهر أن التشبيه في العدد ويحتمل أن يكون في الضياء وعند مسلم من حديث ابن عمر فيه أباريق كنجوم السماء قوله من شرب منها أي من الكيزان وفي رواية الكشميهني من شرب منه أي من شرب من الحوض قوله فلا يظمأ أبدا أي فلا يعطش أبدا وزاد ابن أبي عاصم في حديث أبي ابن كعب ومن صرف عنه لم يرو أبدا
0856 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( ابن وهب ) عن ( يونس ) قال ( ابن شهاب ) حدثني ( أنس ابن مالك ) رضي الله عنه أن رسول الله قال إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء
سعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد الأياي
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن حرملة
قوله حدثني أنس هذا يرد قول من قال بأن ابن شهاب لم يسمعه من أنس قوله وصنعاء من اليمن احترز بقوله من اليمن عن صنعاء التي من الشام وقد ذكرناه عن قريب قوله من الأباريق جمع إبريق قال الجوهري الإبريق فارسي معرب قوله كعدد نجوم السماء التشبيه هنا في العدد
1856 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) عن النبي
وحدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) عن النبي قال بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف قلت ما هاذا يا جبريل قال هذا الكوثر

(23/139)


الذي أعطاك ربك فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر شك هدبة
أبو الوليد هشام بن عبد الملك وهمام هو ابن يحيى الأزدي
وأخرج الحديث من طريقين الأول عن أبي الوليد عن همام عن قتادة عن أنس والثاني عن هدبة بن خالد إلى آخره وفيه صرح بتحديث الزهري عن أنس وفي الطريق الأول بالعنعنة
قوله بينما أنا أسير في الجنة كان هذا في ليلة الإسراء وصرح بذلك في تفسير سورة الكوثر وقال الداودي إن كان هذا أي قوله إذا أنا بنهر محفوظا دل على أن الحوض الذي يدفع عنه أقوام يوم القيامة غير النهر الذي في الجنة أو يكون هو الذي يراهم وهو داخل وهم من خارجها فيناديهم فيصرفون عنه وأنكر عليه بعضهم فقال يغني عنه أن الحوض الذي هو خارج الجنة يمد من النهر الذي هو داخل الجنة فلا إشكال انتهى
قلت هذا الذي قاله يحتاج إلى دليل أنه يمد من النهر الذي في الجنة ونقول أحسن من ذلك أن يقال إن للنبي حوضين أحدهما في الجنة والآخر يكون يوم القيامة وقد ذكرنا عن قريب قوله حافتاه بتخفيف الفاء أي جابناه ولا منافاة بين كونه نهرا أو الحوض لإمكان اجتماعهما قوله قباب الدر القباب بكسر القاف وتخفيف الباء الموحدة الأولى جمع قبة من البناء ويجمع على قبب أيضا والدر جمع درة وهي اللؤلؤة قوله المجوف أي الخاوي قوله فإذا طينه بكسر الطاء وسكون الياء آخر الحروف بعدها نون قوله أو طيبه بكسر الطاء وسكون الياء آخر الحروف بعدها باء موحدة والشك فيه من هدبة شيخ البخاري قوله اذفر بالذال المعجمة أي الذكي الرائحة وقال ابن فارس الذفر حدة الرائحة الطيبة والخبيثة
2856 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) عن النبي قال ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك
وهيب مصغر وهب بن خالد البصري وعبد العزيز هو ابن صهيب أبو حمزة البصري
والحديث أخرجه مسلم في المناقب عن محمد بن حاتم
قوله ليردن باللام المفتوحة للتأكيد ويردن بالنون الثقيلة قوله علي بتشديد الياء وناس بالرفع فاعل يردن وكلمة من في من أصحابي للتبيين والحوض منصوب بقوله ليردن قوله اختلجوا بالخاء المعجمة والجيم أي جذبوا من الخلج وهو النزع والجذب قوله دوني أي بالقرب مني قوله فأقول أصحابي بالتكبير في رواية الكشميهني وفي رواية غيره أصيحابي بالتصغير قوله فيقول وفي رواية الكشميهني فيقال قوله ما أحدثوا بعدك أي من المعاصي الموجبة الحرمان الشرب من الحوض
3856 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم حدثا محمد بن مطرف ) حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل ابن سعد ) قال قال النبي إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم
قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال هكذا سمعت من سهل فقلت نعم فقال أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي وقال ابن عباس سحقا بعدا يقال سحيق بعيد وسحقه وأسحقه أبعده )
محمد بن مطرف بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الراء المكسورة وبالقاف أبو غسان الليثي المدني نزل عسقلان وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري قوله إني فرطكم ويروى أنا فرطكم والفرط بفتحتين الذي يتقدم الواردين ليصلح لهم الحياض وقد مر عن قريب قوله ويعرفوني ويروى

(23/140)


ويعرفونني على الأصل قوله يحال على صيغة المجهول من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما من الآخر قوله لسمعته اللام فيه للتأكيد قوله وهو يزيد فيها أي والحال أنه يزيد في هذه المقالة والذي زاده هو قوله فأقول إلى قوله وقال ابن عباس قوله سحقا أي بعدا وكرر للتأكيد وهو نصب على المصدر وهذا مشعر بأنهم مرتدون عن الدين لأنه يشفع للعصاة ويهتم بأمرهم ولا يقول لهم مثل ذلك قوله وقال ابن عباس أي عبد الله بن عباس وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم من رواية علي بن أبي طلحة عنه بلفظة قوله يقال سحيق أي بعيد من كلام أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى أو تهوي به الريح في مكان سحيق ومنه النخلة السحوق الطويلة قوله سحقه وأسحقه أبعده ثبت هذا في رواية الكشميهني وأشار به إلى أن معنى سحقه الذي هو ثلاثي ومعنى أسحقه الذي هو مزيد فيه بمعنى واحد وهو أبعده وهذا أيضا من كلام أبي عبيدة
5856 - وقال ( أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي ) حدثنا أبي عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) أنه كان يحدث أن رسول الله قال يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقهرى
هذا تعليق عن أحمد بن شبيب بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى ابن سعيد الحبطي بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وبالطاء المهملة ينسب إلى الحبطات من تميم وهو الحارث بن عمرو بن تميم بن مر والحارث هو الحبط وولده يقال لهما الحبطات وأحمد هذا يروي عن أبيه شبيب بن سعيد عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
ووصل هذا التعليق أبو عوانة عن أبي زرعة الرازي وأبي الحسن الميموني قالا حدثنا أحمد بن شبيب به
قوله يرد علي بتشديد الياء قوله رهط قد مر غير مرة أن الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى الأربعين ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع قوله فيحلؤون من التحلثة بالحاء المهملة وتشديد اللام بعدها همزة مضمومة على صيغة المجهول أي يمنعون ويطردون يقال حلأه عن الماء إذا طرده ومنعه منه هذا هكذا في رواية الكشميهني ويروى فيجلون على صيغة المجهول أيضا بالجيم الساكنة وفتح اللام أي يصرفون قوله على أدبارهم ويروى على أعقابهم قوله القهقري هو الرجوع إلى خلف فإذا قلت رجعت القهقري فكأنك قلت رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم لأن القهقري ضرب من الرجوع وقال ابن الأثير القهقري مصدر فيكون منصوبا على المصدرية من غير لفظه كما في قولك قعدت جلوسا
6856 - حدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( ابن المسيب ) أنه كان يحدث عن ( أصحاب ) النبي أن النبي قال يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلوون عنه فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ( انظر الحديث 5856 )
أحمد بن صالح أبو جعفر المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن أصحاب النبي هذا هو الحديث الذي مضى غير أن في ذاك قال سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وهنا قال عن أصحاب النبي وهذا الاختلاف لا يضر لأن أبا هريرة داخل فيهم ولا يقال إنه رواية عن مجهول لأن الصحابة كلهم عدول

(23/141)


وقال شعيب عن الزهري كان أبو هريرة يحدث عن النبي فيجلون وقال عقيل فيحلؤون
شعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي وأشار بهذا إلى أن شعيبا وعقيل بن خالد الأيلي اختلفا في روايتهما عن الزهري فروى شعيب فيجلون بالجيم وروى عقيل فيحلؤون بالحاء المهملة وقد مر ضبطهما وتفسيرهما الآن
وقال الزبيدي عن الزهري عن محمد بن علي عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة نسبة إلى زبيد قبيلة ومن المنسوبين إليها محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الشامي الحمصي صاحب الزهري يروي عن الزهري عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني المشهور بالباقر عن عبيد الله بن أبي رافع مولى النبي واسم أبي رافع أسلم وقال الغساني وفي بعض النسخ عبد الله مكبر وهو وهم وفيه ثلاثة من التابعين وهم الزهري وشيخه وشيخ شيخه وهذا التعليق وصله الدارقطني في الأفراد من رواية عبد الله بن سالم عنه كذلك
7856 - حدثني ( إبراهيم بن المنذر الحزامي ) حدثنا ( محمد بن فليح ) حدثنا أبي قال حدثني ( هلال ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين قال إلى النار والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم قلت أين قال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم
قيل لا مطابقة بينه وبين الترجمة على ما لا يخفى
قلت ذكره عقيب الحديث السابق لمطابقة بينهما من حيث المعنى فالمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء
ومحمد بن فليح بضم الفاء يروي عن أبيه فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة ورجال سنده كلهم مدنيون
والحديث أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم
قوله بينا أنا قائم بالقاف في رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين بالنون بدل القاف والأول أوجه لأن المراد هو قيامه على الحوض ووجه الأول أنه رأى في المنام ما سيقع له في الآخرة قوله فإذا زمرة كلمة إذا للمفاجأة والزمرة الجماعة قوله خرج رجل المراد به الملك الموكل به على صورة الإنسان قوله هلم خطاب للزمرة ومعناه تعالوا وهو على لغة من لا يقول هلما هلموا هلمي قوله فقلت أين القائل هو النبي أي تطلبهم إلى أين تؤديهم قال أؤديهم إلى النار قوله وما شأنهم أي وما حالهم حتى تروح بهم إلى النار قال إنهم ارتدوا إلى آخره قوله فلا أراه بضم الهمزة أي فلا أظن أمرهم أنه يخلص منهم إلا مثل همل النعم بفتح الهاء والميم وهو ما يترك مهملا لا يتعهد ولا يرعى حتى يضيع ويهلك أي لا يخلص منهم من النار إلا قليل وهذا يشعر بأنهم صنفان كفار وعصاة وقال الخطابي الهمل يطلق على الضوال ويقال الهمل الإبل بلا راع مثل النفش إلا أن النفش لا يكون إلا ليلا والهمل يكون ليلا ونهارا ويقال إبل هاملة وهمال وهوامل وتركتها هملا أي سدى إذا أرسلتها ترعى ليلا أو نهارا بلا راع وفي المثل اختلط المرعى بالهمل

(23/142)


8856 - حدثني ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( عبيد الله ) عن ( خبيب ) عن ( حفص ابن عاصم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي
عبيد الله هو ابن عمر العمري وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة الأولى ابن عبد الرحمن أبو الحارث الأنصاري خال عبيد الله المذكور وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو جد عبيد الله المذكور
والحديث مضى في آخر الصلاة وفي آخر الحج عن مسدد عن يحيى بن سعيد وأخرجه مسلم في الحج عن زهير بن حرب وغيره
قوله ومنبري قالوا المراد منبره بعينه الذي كان في الدنيا وقيل إن له هناك منبرا على حوضه يدعو الناس عليه إلى الحوض قوله روضة معناها أن ذلك الموضع بعينه ينتقل إلى الجنة فهو حقيقة أو أن العبادة فيه تؤدي إلى روضة الجنة فهو مجاز باعتبار المآل أي مآل العبادة فيه الجنة أو تشبيه أي هو كروضة وسمى تلك البقعة المباركة روضة لأن زوار قبره من الملائكة والإنس والجن لم يزالوا منكبين فيها على ذكر الله تعالى وقال الخطابي معناه تفضيل المدينة والترغيب في المقام بها والاستكثار من ذكر الله في مسجدها وأن من لزم الطاعة فيه آلت به إلى روضة الجنة ومن لزم العبادة عند المنبر سقي يوم القيامة من الحوض
0956 - حدثنا ( عمرو بن خالد ) حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة ) رضي الله عنه أن النبي خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف على المنبر فقال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها
عمرو بن خالد الجزري بالجيم والزاي والراء ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب أبو ورجاء المصري واسم أبي حبيب سويد وأبو الخير مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الله اليزني وعقبة بن عامر الجهني
والحديث مضى في الجنائز عن عبد الله بن يوسف وفي علامات النبوة عن سعيد بن شرحبيل وفي المغازي عن قتيبة وغيره وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي جميعا عن قتيبة فمسلم في فضائل النبي والآخران في الجنائز ومضى الكلام فيه مكررا
قوله فصلى على أهل أحد أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت قاله الكرماني وقيل صلى صلاة الموتى وهو ظاهر الحديث وكان ذلك بعد موتهم بثمانية أعوام قوله ثم انصرف على المنبر ويروى ثم انصرف فصعد على المنبر قوله أو مفاتيح الأرض شك من الراوي والمراد كنوز الأرض قوله ما أخاف عليكم أن تشركوا قيل قد وقع بعد رسول الله ارتداد لبعض الأعراب وأجيب بأن الخطاب للجمع فلا ينافي ارتداد البعض قوله أن تنافسوا أصله تتنافسوا فحذفت إحدى التاءين أي تراغبوا وتنازعوا قوله فيها أي في الدنيا وفيه عدة معجزات

(23/143)


لرسول الله
1956 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( حرمي بن عمارة حدثا شعبة ) عن ( معبد بن خالد ) أنه سمع ( حارثة بن وهب ) يقول سمعت النبي وذكر الحوض فقال كما بين المدينة وصنعاء
وزاد ابن أبي عدي عن شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة سمع النبي قال حوضه ما بين صنعاء والمدينة فقال له المستور ألم تسمعه قال الأواني قال لا قال المستورد ترى فيه الآنية مثل الكواكب
علي بن عبد الله بن المديني وحرمي بفتح الحاء المهملة والراء وتشديد الياء آخر الحروف ابن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبالراء ومعد بفتح الميم وسكون العين وفتح الباء الموحدة ابن خالد القاضي الكوفي وحارثة بن وهب الخزاعي نزل الكوفة وله أحاديث وكان أخا لعبيد الله بالتصغير ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لأمه
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن محمد بن عبد الله وغيره
قوله وزاد ابن أبي عدي وهو محمد بن إبراهيم وأبو عدي جده ولا يعرف اسمه وهو بصري ثقة كثير الحديث
ووصل هذه الزيادة مسلم حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سعيد بن خالد عن حارثة أنه سمع النبي قال حوضه ما بين صنعاء والمدينة فقال له المستورد آلم تسمعه قال الأواني قال لا قال المستورد ترى فيه الآنية
قوله قوله حوضه ويروى قال حوضه كما في رواية مسلم قوله فقال له المستورد على وزن مستفعل بكسر العين ابن شداد بن عمرو القرشي الفهري الصحابي بن الصحابي شهد فتح مصر وسكن الكوفة مات سنة خمس وأربعين وليس له في البخاري إلا في هذا الموضع وحديثه مرفوع وإن لم يصرح به ويلزم منه رفعه سياقا قوله ألم تسمعه أي ألم تسمع رسول الله قال الأواني فيه تكون كذا وكذا قال حارثة لا فقال المستورد ترى فيه الآنية مثل الكواكب أي كثرة وضياء يعني أنا سمعته قال ذلك
3956 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) عن ( نافع بن عمر ) قال حدثني ( ابن أبي مليكة ) عن ( أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله عنهما قالت قال النبي إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم فكان ابن أبي مليكة يقول اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا على أعقابهم ينكصون يرجعون على العقب ( الحديث 3956 - طرفه في 8407 )
ابن أبي مليكة عبد الله مضى عن قريب
قوله حتى أنظر بالنصب أي إلى أن أنظر قوله من دوني أي بالقرب مني قوله ومن أمتي هذا يدفع قول من حمل الناس على غير هذه الأمة قوله هل شعرت أي هل علمت وقال بعضهم فيه إشعار إلى أنه لم يعرف أشخاصهم بعينها وإن كان قد عرف أنهم من هذه الأمة انتهى
قلت فيه نظر لا يخفى قوله ما عملوا ويرى بما عملوا بزيادة الباء قوله ما برحوا أي ما زالوا قوله فكان ابن أبي مليكة يقول موصول بالسند المذكور قوله أو نفتن على صيغة المجهول قوله على أعقابهم ينكصون إلى آخره هكذا فسره أبو عبيدة في الآية

(23/144)


28 -
( كتاب القدر )
أي هذا كتاب في بيان القدر وذكره قال الكرماني كتاب القدر أي حكم الله تعالى قالوا القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله التي تقع قال تعالى وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ( الحجر12 ) ومذهب أهل الحق أن الأمور كلها من الإيمان والكفر والخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره ولا يجري في ملكه إلا مقدراته وقال الراغب القدر بوضعه يدل على القدرة وعلى المقدور الكائن بالعلم يتضمن الإرادة عقلا والقول نقلا وقدر الله الشيء بالتشديد قضاه ويجوز التخفيف وفي بعض النسخ باب القدر بعد قوله كتاب القدر قيل هذا زيادة أبي ذر عن المستملي
1 - ( حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك حدثنا شعبة أنبأني سليمان الأعمش قال سمعت زيد بن وهب عن عبد الله قال حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق قال إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع برزقه وأجله وشقي أو سعيد فوالله إن أحدكم أو الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وقال آدم إلا ذراع )
مطابقته للترجمة ظاهرة في معناه وزيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الكوفي من قضاعة خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في الطريق سمع عبد الله بن مسعود وغيره وهذا الحديث اشتهر عن الأعمش بالسند المذكور هنا قال علي بن المديني في كتاب العلل كنا نظن أن الأعمش تفرد به حتى وجدناه من رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب وروايته عند أحمد والنسائي ولم ينفرد به زيد بن وهب أيضا عن ابن مسعود بل رواه عنه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عند أحمد وعلقمة عند أبي يعلى ولم ينفرد به ابن مسعود أيضا بل رواه جماعة من الصحابة مطولا ومختصرا منهم أنس رضي الله تعالى عنه على ما يجيء عقيب هذا الحديث وحذيفة بن أسيد عند مسلم وعبد الله بن عمر في القدر لابن وهب وسهل بن سعد وسيأتي في هذا الكتاب وأبو هريرة عند مسلم وعائشة عند أحمد وأبو ذر عند الفريابي ومالك بن الحويرث عند أبي نعيم في الطب وغيرهم وهذا الحديث أخرجه البخاري في التوحيد عن آدم ومضى في بدء الخلق عن الحسن بن الربيع وفي خلق آدم عن عمر بن حفص وأخرجه مسلم في القدر عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه بقية الجماعة وقد ذكرناه في بدء الخلق ومضى الكلام فيه هناك ولا نقتصر عليه فقوله أنبأني سليمان الأعمش وقال في التوحيد حدثنا سليمان الأعمش ويفهم منه أن التحديث والأنباء عند شعبة سواء ويرد به على من زعم أن شعبة يستعمل الأنباء في الإجازة قوله وهو الصادق المصدوق أي الصادق في نفسه والمصدوق من جهة غيره وقال الكرماني لما كان مضمون الخبر مخالفا لما عليه الأطباء أراد الإشارة إلى صدقه وبطلان ما قالوه أو ذكره تلذذا وتبركا وافتخارا قال الأطباء إنما يتصور الجنين فيما بين ثلاثين يوما إلى الأربعين والمفهوم من الحديث أن خلقه إنما يكون بعد أربعة أشهر انتهى وقال بعضهم بعد أن نقل كلام الكرماني ما ملخصه أنه لم يعجبه ما قاله الكرماني حيث قال وقد وقع هذا اللفظ بعينه في

(23/145)


حديث آخر ليس فيه إشارة إلى بطلان شيء يخالف ما ذكره وهو ما ذكره أبو داود من حديث المغيرة بن شعبة سمعت الصادق المصدوق يقوله لا تنزع الرحمة إلا من قلب شقي ومضى في علامات النبوة من حديث أبي هريرة سمعت الصادق المصدوق يقول هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش انتهى قلت هذا مجرد تحريش من غير طعم وهذه نكتة لطيفة ذكرها من وجهين فالوجه الثاني يمشي في كل موضع فيه ذكر الصادق المصدوق قوله إن أحدكم قال أبو البقاء لا يجوز أن إلا بالفتح لأنه مفعول حدثنا فلو كسر لكان منقطعا عن حدثنا قلت لا يجوز إلا الكسر لأنه وقع بعد قوله قال إن أحدكم ولفظة قال موجودة في كثير من النسخ هكذا حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق قال إن أحدكم وإن كانت لفظة قال غير مذكورة في الرواية فهي مقدرة فلا يتم المعنى إلا بها قوله إن أحدكم يجمع في بطن أمه كذا هو في رواية أبي ذر عن شيخه وله عن الكشميهني إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه وكذا هو في رواية آدم في التوحيد وكذا في رواية الأكثرين عن الأعمش وفي رواية أبي الأحوص عنه إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه وفي رواية ابن ماجه إنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه والمراد من الجمع ضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار والخلق بمعنى المخلوق كقولهم هذا درهم ضرب الأمير أي مضروبه وقال القرطبي ما ملخصه أن المنى يقع في الرحم بقوة الشهوة المزعجة مبثوثا متفرقا فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم قوله أربعين يوما زاد في رواية آدم أو أربعين ليلة قوله ثم علقة مثل ذلك وفي رواية آدم ثم يكون علقة مثل ذلك يعني مدة الأربعين والعلقة الدم الجامد الغليظ سميت بذلك للرطوبة التي فيها وتعلقها بما مر بها قوله ثم يكون مضغة مثل ذلك يعني مدة الأربعين والمضغة قطعة اللحم سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضغ الماضع قوله ثم يبعث الله ملكا وفي رواية الكشميهني ثم يبعث الله إليه ملكا وفي رواية مسلم ثم يرسل الله وفي رواية آدم ثم يبعث إليه الملك واللام فيه للعهد وهو الملك من الملائكة الموكلين بالأرحام قوله فيؤمر على صيغة المجهول أي يأمره الله تعالى بأربعة أشياء وفي رواية آدم بأربع كلمات والمراد بها القضايا وكل كلمة تسمى قضية قوله بأربع كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بأربعه والمعدود إذا أبهم جاز التذكير والتأنيث قوله برزقه بدل من أربع وما بعده عطف عليه داخل في حكمه والمراد برزقه قيل الغداء حلالا أو حراما وهو كل ما ساقه الله تعالى إلى العبد لينتفع به وهو أعم لتناوله العلم ونحوه قوله وأجله الأجل يطلق لمعنيين لمدة العمر من أولها إلى آخرها وللجزء الأخير الذي يموت فيه قوله وشقي أو سعيد قال بعضهم هو بالرفع خبر مبتدأ محذوف قلت ليس كذلك لأنه معطوف على ما قبله الذي هو بدل عن أربع فيكون مجرورا لأن تقدير قوله فيؤمر بأربع أربع كلمات كلمة تتعلق برزقه وكلمة تتعلق بأجله وكلمة تتعلق بسعادته أو شقاوته وكان من حق الظاهر أن يقال يكتب سعادته وشقاوته فعدل عن ذلك حكاية بصورة ما يكتبه وهو أنه يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد قيل هذه ثلاثة أمور لا أربعة وأجيب بأن الرابع كونه ذكرا أو أنثى كما صرح في الحديث الذي بعده أو عمله كما تقدم في أول كتاب بدء الخلق ولعله لم يذكره لأنه يلزم من المذكور أو اختصره اعتمادا على شهرته وقيل هذا يدل على أن الحكم بهذه الأمور بعد كونه مضغة لا أنه أزلي وأجيب بأن هذا للملك بأن المقضي في الأزل حتى يكتب على جبهته مثلا قوله أو الرجل شك من الراوي أي أو أن الرجل وفي رواية آدم فإن أحدكم بغير شك قوله بعمل أهل النار قدم النار على الجنة وفي رواية آدم بالعكس قوله حتى ما يكون قال الطيبي حتى هي الناصبة وما نافية ولم تكف عن العمل وتكون منصوبة بحتى وأجاز غيره أن تكون حتى ابتدائية ويكون على هذا بالرفع قوله غير باع أو ذراع هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره غير ذراع أو باع وفي رواية أبي الأحوص إلا ذراع بغير شك والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت وضابط ذلك بالغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة قوله فيسبق عليه الكتاب الفاء في فيسبق للتعقيب يدل على حصول السبق بغير مهلة وضمن يسبق معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب وما قدر عليه سبقا بلا مهلة فعند ذلك يعمل

(23/146)


بعمل أهل الجنة وعمل أهل النار والمراد من الكتاب المكتوب أي مكتوب الله أي القضاء الأزلي قوله فيعمل بعمل أهل النار الباء فيه زائدة للتأكيد قوله أو ذراعين أي أو غير ذراعين فهو شك من الراوي قوله وقال آدم إلا ذراع أي قال آدم بن إياس إلا ذراع هذا تعليق وصله البخاري في التوحيد -
5956 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد ) عن ( عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ) عن ( أنس ابن مالك ) رضي الله عنه عن النبي قال وكل الله بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال أي رب ذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب كذالك في بطن أمه
حماد هو ابن زيد وعبيد الله هو ابن أبي بكر بن أنس بن مالك يروي عن جده أنس
والحديث مضى في الطهارة في الحيض عن مسدد وفي خلق آدم عن أبي النعمان وأخرجه مسلم في القدر عن أبي كامل الجحدري
قوله أي رب أي يا رب قوله نطفة بالنصب على اعتبار فعل محذوف وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف قوله أن يقضي خلقها أي يتمه قوله في بطن أمه ليس ظرفا للكتابة بل هو مكتوب على الجبهة أو على الرأس مثلا وهو في بطن أمه قيل قال هنا وكل الله وفي الحديث السابق ثم يبعث الله ملكا وأجيب بأن المراد بالبعث الحكم عليه بالتصرف فيها
2 -
( باب جف القلم على علم الله )
أي هذا باب يذكر فيه جف القلم وقال بعضهم باب التنوين
قلت هذا قول من لم يمس شيئا من الإعراب والتنوين يكون في المعرب ولفظ باب هنا مفرد فكيف ينون والتقدير ما ذكرناه أو نحوه وجفاف القلم عبارة عن عدم تغيير حكمه لأن الكاتب لما أن جف قلمه عن المداد لا تبقى له الكتابة كذا قاله الكرماني وفيه نظر لأن الله تعالى قال يمحوا الله ما يشاء ويثبت ( الرعد93 ) فإن كان مراده من عدم تغيير حكمه الذي في الأزل فمسلم وإن كان الذي في اللوح فلا والأوجه أن يقال جف القلم أي فرغ من الكتابة التي أمر بها حين خلقه وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فإذا أراد بعد ذلك تغيير شيء مما كتبه محاه كما قال يمحوا الله ما يشاء ويثبت قوله على علم الله أي حكم الله لأن معلومه لا بد أن يقع وإلا لزم الجهل فعلمه بمعلوم مستلزم للحكم بوقوعه
وقوله وأضله الله على علم ( الجاثية32 )
ذكر هذا أي قول الله تعالى إشارة إلى أن علم الله حكمه كما في قوله تعالى وأضله الله على علم أي على علمه في الأزل وهو حكمه عند الظهور وقيل معناه أضله الله بعد أن أعلمه وبين له فلم يقبل
وقال أبو هريرة قال لي النبي جف القلم بما أنت لاق
صدر الحديث هو الترجمة وهو قطعة من حديث ذكر أصله البخاري من طريق ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله إني رجل شاب وإني أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء فسكت عني الحديث وفيه يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق فاختصر على ذلك أو ذر أخرجه في أوائل النكاح
وقال ابن عباس لها سابقون ( المؤمنون16 ) سبقت لهم السعادة
أي قال ابن عباس في قوله تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون سبقت لهم السعادة قيل تفسير ابن عباس يدل على أن السعادة سابقة الآية تدل على أن الخيرات يعني السعادة مسبوقة وأجيب بأن معنى الآية أنهم سبقوا الناس لأجل السعادة لا أنهم سبقوا السعادة

(23/147)


6956 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( يزيد الرشك ) قال سمعت ( مطرف بن عبد الله بن الشخير ) يحدث عن ( عمران بن حصن ) قال قال رجل يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال فلم يعمل العاملون قال كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له
المطابقة للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس ويزيد من الزيادة الرشك بكسر الراء وسكون الشين المعجمة وبالكاف معناه القسام وقال الغساني هو بالفارسية الغيور وقيل هو كبير اللحية يقال بلغ طول لحيته إلى أن دخلت فيها عقرب ومكثت ثلاثة أيام ولا يدري بها وقال الكرماني الرشك بالفارسية القمل الصغير يلتصق بأصول الشعر فعلى هذا الإضافة إليه أولى من الصفة وما ليزيد في البخاري إلا هذا الحديث هنا وفي الاعتصام ومطرف على وزن اسم الفاعل من التطريف ابن عبد الله بن الشخير بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء وهذا من صيغ المبالغة لمن يشخر كثيرا كالسكير لمن يسكر كثيرا
والحديث أخرجه أيضا في التوحيد عن أبي معمر وأخرجه مسلم في القدر عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه أبو داود في السنة عن مسدد وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن النضر
قوله قال قال رجل هو عمران بن حصين راوي الخبر بينه عبد الوارث بن سعيد عن يزيد الرشك عن عمران بن حصين قال قلت يا سول الله فذكره قوله أيعرف أهل الجنة من أهل النار أي أيميز بينهما قيل المعرفة إنما هي بالعمل لأنه إمارة فما وجه سؤاله وأجيب بأن معرفتنا بالعمل أما معرفة الملائكة مثلا فهي قبل العمل فالغرض من لفظ أيعرف أيميز ويفرق بينهما تحت قضاء الله وقدره قوله فلم يعمل العاملون وفي رواية حماد ففيم وهو استفهام والمعنى إذا سبق القلم بذلك فلا يحتاج العامل إلى العمل لأنه سيصير إلى ما قدر له قوله كل يعمل أي كل أحد يعمل لما خلق له على صيغة المجهول وكلمة ما موصولة أي للذي خلق له وفي رواية حماد كل ميسر له خلق له وقد جاء بهذا اللفظ عن جماعة من الصحابة منها ما رواه أحمد بإسناد حسن بلفظ كل امرىء مهيأ لما خلق له قوله أو لما يسر له شك من الراوي أي كل يعمل لما يسر له بضم الياء آخر الحروف وتشديد السين المكسورة وفتح الراء هذا هكذا ورواية الكشميهني وفي رواية غيره لما ييسر له بضم الياء الأولى وفتح الثانية وتشديد السين وحاصل معنى هذا أن العبد لا يدري ما أمره في المآل لأنه يعمل ما سبق في يعلمه تعالى فعليه أن يجتهد في عمل ما أمر به فإن عمله إمارة إلى ما يؤول إليه أمره
3 -
( باب الله أعلم بما كانوا عاملين )
أي هذا باب يذكر فيه قوله الله أعلم بما كانوا عاملين والضمير في كانوا يرجع إلى أولاد المشركين لأن صدر الحديث سؤال عن أولاد المشركين وقد مضى في آخر كتاب الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين وذكر فيه حديث ابن عباس الذي ذكر في هذا الباب
7956 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي بشر ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال ( سئل ) النبي عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ( انظر الحديث 3831 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وغند بضم الغين المعجمة وسكون النون محمد بن جعفر وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الواسطي
والحديث مضى في آخر الجنائز فإنه أخرجه هناك عن حبان عن عبد الله عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك وقال النووي أطفال المشركين فيهم ثلاثة مذاهب فالأكثرون على أنهم في النار وتوقفت طائفة والثالث وهو الصحيح أنهم من أهل الجنة

(23/148)


وقال البيضاوي الثواب والعقاب ليسا بالأعمال وإلا لزم أن لا يكون الذراري لا في الجنة ولا في النار بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم في الأزل فالأولى فيهم التوقف
8956 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال وأخبرني ( عطاء بن يزيد ) أنه سمع ( أبا هريرة ) يقول ( سئل ) رسول الله عن ذراري المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ( انظر الحديث 4831 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
والحديث مضى في أواخر كتاب الجنائز فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري قال أخبرني عطاء بن يزيد الليثي أنه سمع أبا هريرة إلى آخره قال هناك أخبرني عطاء بن يزيد كما رأيت وقال هنا قال وأخبرني عطاء بن يزيد بواو العطف على محذوف كأنه حدث قبل ذلك بشيء ثم حدث بحديث عطاء
قوله عن ذراري المشركين بتشديد الياء وتخفيفها جمع ذرية وذرية الرجل أولاده ويكون واحدا وجمعا قوله الله أعلم بما كانوا عاملين غرض البخاري من هذا الرد على الجهمية في قولهم إن الله لا يعلم أفعال العباد حتى يعملوها تعالى الله عن ذلك القول وأخبر الشارع في هذا الحديث أن الله يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف يكون فأحرى أن يعلم ما يكون وما قدره وقضاه في كونه وهذا يقوي ما ذهب إليه أهل السنة أن القدر هو علم الله وغيبه الذي استأثر به فلم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وقال الداودي لا أعلم لهذا الحديث وجها إلا أن الله أعلم بما يعمل به لأنه سبحانه علم أن هؤلاء لا يتأخرون عن آجالهم ولا يعملون شيئا قد أخبر أنهم ولدوا على الفطرة أي الإسلام وأن أباءهم يهودونهم وينصرونهم كما أن البهيمة تولد سليمة من الجدع والخصا وغير ذلك مما يعمل الناس بها حتى يصنع ذلك بها وكذلك الولدان
9956 - حدثني ( إسحاق ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتجون البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين ( انظر الحديث 4831 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق قال بعضهم هو إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه الحنظلي وقال الكلاباذي يروي البخاري عن إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وإسحاق بن إبراهيم الكوسج عن عبد الرزاق
قلت كلامه يشير إلى أن إسحاق هنا يحتمل أن يكون أحد الثلاثة المذكورين لأن كلا منهم روى عن عبد الرزاق بن همام وجزم بعضهم بأنه إسحاق بن راهويه من أين ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد وهمام هو ابن منبه
والحديث أخرجه مسلم في القدر عن محمد بن رافع وأخرجه البخاري أيضا من وجه آخر عن أبي هريرة في آخر الجنائز في باب ما قيل في أولاد المشركين وفيه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء واقتصر على هذا المقدار
قوله ما من مولود مبتدأ ويولد خبره لأن من الاستغراقية في سياق النفي تفيد العموم كقولك ما أحد خير منك والتقدير ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على هذا الأمر وهو قوله على الفطرة أي على الإسلام وقيل الفطرة الخلقة والمراد هنا القابلية لدين الحق إذ لو تركوا وطبائعهم لما اختاروا دينا آخر قوله ويهودانه أي يجعلانه يهوديا إذا كانا من اليهود وينصرانه أي يجعلانه نصرانيا إذا كانا من النصارى والفاء في فابواه إما للتعقيب وهو ظاهر وإما للتسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه قوله كما إما حال من الضمير المنصوب في يهودانه مثلا فالمعنى يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة شبيها بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة وإما صفة مصدر

(23/149)


محذوف أي يغير أنه تغييرا مثل تغييرهم البهيمة السليمة قوله تنتجون على صيغة بناء المعلوم وقال ابن التين رويناه تنتجون بضم أوله من الإنتاج يقال أنتج إنتاجا قال أبو علي يقال أنتجت الناقة إذا أعنتها على النتاج ويقرب منه ما قاله في ( المغرب ) نتج الناقة ينتجها نتجا إذا ولي نتاجها حتى وضعت فهو ناتج وهو للبهائم كالقابلة للنساء قوله هل تجدون فيها من جدعاء في موضع الحال أي بهيمة سليمة مقولا في حقها هذا القول قوله جدعاء أي مقطوعة الطرف وهو من الجدع وهو قطع الأنف وقطع الأذن أيضا وقطع اليد والشفة
4 -
( باب ( 33 ) وكان أمر الله قدرا مقدورا ( الأحزاب83 )
أي هذا باب في قوله تعالى وكان أمر الله قدرا مقدورا والقدر بالفتح والسكون ما يقدره الله من القضاء وبالفتح اسم لما صدره مقدورا على فعل القادر كالهدم لما صدر عن فعل الهادم يقال قدرت الشيء بالتشديد والتخفيف بمعنى فهو قدر أي مقدور والتقدير تبين الشيء قوله قدرا مقدورا أي حكما مقطوعا بوقوعه وقال المهلب غرضه في الباب أن يبين أن جميع مخلوقات الله عز و جل بأمره بكلمة كن من حيوان أو غيره وحركات العباد واختلاف إرادتهم وأعمالهم من المعاصي أو الطاعات كل مقدر بالأزمان والأوقات لا زيادة في شيء منها ولا نقصان عنها ولا تأخير لشيء منها عن وقته ولا يقدم قبل وقته
1066 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها
مطابقته للترجمة في قوله فإن لها ما قدر لها أي من الرزق كانت للزوج زوجة أخرى أو لم تكن ولا يحصل لها من ذلك إلا ما كتبه الله لها سواء أجابها الزوج أم لم يجبها
والحديث مضى في كتاب النكاح في باب الشروط التي لا تحل في النكاح فإنه أخرجه هناك من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال لا يحل لإمرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإن لها ما قدر لها وهنا أخرجه عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج
قوله أختها الأخت أعم من أخت القرابة أو غيرها من المؤمنات لأنهن أخوات في الدين ونهى النبي المرأة أن تسأل الرجل طلاق زوجته لينكحها ويصير لها من نفقته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك باستفراغ الصحفة مجازا
22066 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( عاصم ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أسامة ) قال ( كنت عند ) النبي إذ جاءه رسول إحدى بناته وعنده سعد وأبي بن كعب ومعاذ أن ابنها يجود بنفسه فبعث إليها لله ما أخذو لله ما أعطى كل بأجل فلتصبر ولتحتسب
مطابقته للترجمة في قوله كل بأجل من الأمر المقدر وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق وعاصم هو ابن سليمان الأحول وأبو عثمان عبد الرحمن النهدي وأسامة هو ابن زيد بن حارثة الكلبي
والحديث مضى في الجنائز عن عبدان ومضى الكلام فيه
قوله وعنده سعد هو سعد بن عبادة ومعاذ هو ابن جبل قوله إن ابنها ذكر كذلك ابنها في الجنائز وذكر في كتاب المرضى البنت قال ابن بطال هذا الحديث لم يضبطه الراوي فأخبر مرة عن صبي ومرة عن صبية قوله يجود بنفسه يعني في السياق يقال جاد بنفسه عند الموت يجود جودا قوله فلتصبر ولتحتسب ولم يقل فلتصبري لأنها كانت غائبة والغائب لا يخاطب بما يخاطب به الحاضر وقال الداودي إنما خاطب الرسول ولو خاطب المأمور بالصبر لقال فاصبري واحتسبي

(23/150)


3066 - حدثنا ( حبان بن موسى ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبد الله بن محيريز الجمحي ) أن ( أبا سعيد الخدري ) أخبره أنه ( بينما ) هو ( جالس عند ) النبي جاء رجل من الأنصار فقال يا رسول الله إنا نصيب سببا ونحب المال كيف ترى في العزل فقال رسول الله أو إنكم تفعلون ذلك لا عليكم أن لا تفعلوا فإنه ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي كائنة
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وهو شيخ مسلم أيضا وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد يروي عن محمد بن مسلم الزهري
والحديث مضى في البيوع عن أبي اليمان وفي النكاح عن عبد الله بن محمد وفي المغازي عن قتيبة وفي العتق عن عبد الله بن يوسف وفي التوحيد عن إسحاق بن عفان وأخرجه مسلم في النكاح عن عبد الله بن محمد وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه النسائي في العتق عن علي بن حجر وغيره
قوله رجل من الأنصار قيل إنه أبو صرمة وقيل مجدي الضمري قوله سببا هو الجواري المسببات قوله في العزل وهو نزع الذكر من الفرج وقت الإنزال قوله لا عليكم أن لا تفعلوا قيل هو على النهي وقيل على الإباحة للعزل أي لكم أن تعزلوا وليس فعل ذلك موؤدة قوله فإنه أي فإن الشأن قوله نسمة بفتحتين وهو النفس قوله كتب الله أي قدر الله أن تخرج أي من العدم إلى الوجود
4066 - حدثنا ( موسى بن مسعود ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( حذيفة ) رضي الله عنه قال ل ( قد خطبنا ) النبي خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره علمه من علمه وجهله من جهله إن كنت لأرى الشيء قد نسيت فأعرف ما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ما ترك فيها شيئا أي من الأمور المقدرة من الكائنات
وموسى بن مسعود هو أبو حذيفة النهدي وسفيان هو الثوري والأعمش هو سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وحذيفة بن اليمان
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن عثمان بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود عن عثمان به
قوله إلا ذكره وفي رواية إلا حدث به قوله علمه من علمه وجهله من جهله وفي رواية جرير حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قوله إن كنت كلمة إن مخففة من الثقيلة قوله قد نسيت وفي رواية الكشميهني نسيته قوله فأعرف ما يعرف الرجل ويروى فأعرفه كما يعرفه الرجل المعنى أنسى شيئا ثم أذكره فأعرف أن ذلك بعينه
5066 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( سعد بن عبيدة ) عن ( أبي عبد الرحمان السلمي ) عن ( علي ) رضي الله عنه قال ( كنا جلوسا مع ) النبي ومعه عود ينكت به في الأرض وقال ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة فقال رجل من القوم ألا نتكل يا رسول الله قال لا اعملوا فكل ميسر ثم قرأ ( 92 ) فأما من أعطى واتقى ( الليل5 ) الآية
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ألا نتكل إلى آخره لأن معناه نعتمد على ما قدره الله في الأزل ونترك العمل
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان وقد تكرر ذكره وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي اسمه محمد بن ميمون السكري وسعد بن عبيدة مصغر عبدة السلمي الكوفي وهو صهر أبي عبد الرحمن شيخه في هذا الحديث وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب من كبار التابعين

(23/151)


وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في الجنائز في باب موعظة الرجل عند القبر بأطول منه ومضى الكلام فيه
قوله جلوسا أي جالسين ويروى عن الأعمش قعودا جمع القاعد قوله مع النبي عن الأعمش كنا مع النبي في بقيع الغرقد بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف وبالدال المهملة وهي مقبرة أهل المدينة قوله ومعه عود وفي رواية شعبة وبيده فجعل ينكت بها في الأرض وفي رواية منصور معه مخصرة بكسر الميم وهي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ولغير ذلك ومعنى ينكت بالنون بعد الياء يضرب قوله أو من الجنة كلمة أو للتنويع ووقع في رواية سفيان ما يشعر بأنها بمعنى الواو وقد تقدم من حديث ابن عمر أن لكل أحد مقعدين قوله فقال رجل وهذا الرجل وقع في حديث جابر عند مسلم أنه سراقة بن مالك بن جعشم قوله ألا نتكل أي ألا نعتمد على ما قدره الله في الأزل ونترك العمل فقال لا إذ كل أحد ميسر لما خلق له وحاصله أن الواجب عليكم متابعة الشريعة لا تحقيق الحقيقة والظاهر لا يترك للباطن قوله فأما من أعطى واتقى ( الليل5 ) الآية وفي رواية سفيان ووكيع الآيات إلى قوله العسرى
5 -
( باب العمل بالخواتيم )
أي هذا باب يذكر فيه العمل بالخواتيم أي بالعواقب وهو جمع خاتمة يعني الاعتبار لحال الشخص عند الموت قبل المعاينة لملائكة العذاب
13 - ( حدثنا حبان بن موسى أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال شهدنا مع رسول الله خيبر فقال رسول الله لرجل ممن معه يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال وكثرت به الجراح فأثبتته فجاء رجل من أصحاب النبي فقال يا رسول الله أرأيت الذي تحدثت أنه من أهل النار قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح فقال النبي أما إنه من أهل النار فكاد بعض المسلمين يرتاب فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع منها سهما فانتحر بها فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك قد انتحر فلان فقتل نفسه فقال رسول الله يا بلال قم فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )
مطابقته للترجمة من حيث أن الرجل المذكور فيه ختم عمله بالسوء وإنما العمل بالخاتمة وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وعبد الله بن المبارك المروزي ومعمر بفتح الميمين ابن راشد والحديث مضى في الجهاد في باب أن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر ومضى الكلام فيه قوله خيبر أي غزوة خيبر بفتح الخاء المعجمة قوله لرجل اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي قوله ممن يدعي الإسلام أي تلفظ به قوله فلما حضر القتال بالرفع والنصب قاله الكرماني قلت الرفع على أنه فاعل حضر والنصب على المفعولية أي فلما حضر الرجل القتال قوله الجراح جمع جراحة قوله فأثبتته أي أثخنته الجراح وجعلته ساكنا غير متحرك وقيل صرعته صرعا لا يقدر معه على القيام قوله يرتاب أي يشك في الدين لأنهم رأوا الوعيد شديدا قوله فبينما أصله بين زيدت فيه الميم والألف ويقع بعده جملة اسمية وهي قوله هو كذلك ويحتاج إلى جواب وهو قوله إذ وجد الرجل أي الرجل المذكور قوله فأهوى بيده أي مدها

(23/152)


إلى كنانته فانتزع منها سهما أي فأخرج منها نشابة فانتحر بها أي نحر بها نفسه قوله فاشتد رجال أي فأسرعوا في السير إلى رسول الله قوله فأذن أي أعلم ويروى فأذن في الناس -
7066 - حدثنا ( سعيد بن مريم ) حدثنا ( أبو غسان ) حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل ) أن رجلا ( من أعظم المسلمين غناء ) عن ( المسلمين في غزوة غزاها مع ) النبي فنظر النبي فقال من أحب أن ينظر إلى الرجل من أهل النار فلينظر إلى هاذا فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه فأقبل الرجل إلى النبي مسرعا فقال أشهد أنك رسول الله فقال وما ذاك قال قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنه لا يموت على ذالك فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه فقال النبي عند ذالك إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنما الأعمال بالخواتيم
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار وسهل بن سعد الأنصاري
والحديث مضى في الجهاد في باب لا يقول فلان شهيدا ومضى الكلام فيه وفي ( التوضيح ) إن حدثت أبي هريرة السابق وهذا الحديث قصة واحدة وإن الراوي نقل على المعنى ويحتمل أن يكونا رجلين
قوله غناء بفتح الغين المعجمة والمد يقال أغنى عنه غناء فلان أي ناب عنه وأجرى مجراه وما فيه غناء ذاك أي الاضطلاع والقيام عليه وقال ابن ولاد الغناء بالفتح والمد النفع والغنا بالكسر والقصر ضد الفقر وبالمد الصوت قوله في غزوة هي غزوة خيبر قوله فلينظر إلى هذا أي إلى هذا الرجل وهو قزمان أو غيره إن كان قضيتان قوله حتى جرح على صيغة المجهول قوله ذبابة سيفه الذبابة بضم الذال المعجمة وهو الطرف قيل في الحديث السابق أنه نحر نفسه بالسهم وهنا قال بالذبابة وأجيب إن كانت القصة واحدة فلا منافاة لاحتمال استعمالهما كليهما وإن كانت قصتين فظاهرة قوله بين ثدييه قال ابن فارس الثندؤة بالهمزة للرجل والثدي للمرأة والحديث يرد عليه ولذلك جعله الجوهري للرجل أيضا قوله وإنما الأعمال أي اعتبار الأعمال بالعواقب
وفيه حجة قاطعة على القدرية في قولهم إن الإنسان يملك أمر نفسه ويختار لها الخير والشر
6 -
( باب إلقاء النذر العبد إلى القدر )
أي هذا باب في بيان الإلقاء النذر إلقاء مصدر يضاف إلى فاعله وهو النذر والعبد منصوب على المفعولية هذا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره باب إلقاء العبد النذر فإعرابه بعكس ذاك والمعنى أن العبد إذا نذر لدفع شر أو لجلب خير فإن نذره يلقيه إلى القدر الذي فرغ الله منه وأحكمه لا أنه شيء يختاره فمهما قدره الله هو الذي يقع ولهذا قال في حديث الباب إن النذر لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل ومتى اعتقد خلاف ذلك قد جعل نفسه مشاركا لله تعالى في خلقه ومجوزا عليه ما لم يقدره تعالى الله عن ذلك
8066 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( عبد الله بن مرة ) عن ( ابن عمر ) رضي

(23/153)


الله عنهما قال نهاى النبي عن النذر وقال لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل
مطابقته للترجمة من حيث أن النذر يلقي العبد إلى القدر ولا يرد شيئا والقدر هو الذي يعمل عمله
وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو ابن عيينة ومنصور هو ابن المعتمر وعبد الله بن مرة بضم الميم وتشديد الراء الهمداني يروي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النذور عن خلاد بن يحيى وأخرجه مسلم في النذور أيضا عن إسحاق بن إبراهيم وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن عمر بن منصور وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن علي بن محمد
قوله إنه أي إن النذر لا يرد شيئا قيل النذر التزام قربة فلم يكن منهيا وأجيب بأن القربة غير منهية لكن التزامها منهي إذ ربما لا يقدر على الوفاء وقيل الصدقة ترد البلاء وهذا التزام الصدقة وأجيب بأنه لا يلزم من رد الصدقة التزامها وقال الخطابي هذا باب غريب من العلم وهو أن ي ( نهى ) عن الشيء أن يفعل حتى إذا فعل وقع واجبا وفي لفظ إنما يستخرج دليل على وجوب الوفاء وفي ( التوضيح ) النذر ابتداء جائز والمنهي عنه المعلق كأنه يقول لا أفعل خيرا يا رب حتى تفعل بي خيرا فإذا دخل فيه فعليه الوفاء
9066 - حدثنا ( بشر بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدرته ولكن يلقيه القدر وقد قدرته له استخرج به من البخيل
قيل لا يطابق الحديث الترجمة والمطابق أن يقول إلقاء القدر العبد إلى النذر لأن لفظ الحديث يلقيه القدر
قلت في رواية الكشميهني يلقيه النذر ومن عادة البخاري أنه يترجم بما ورد في بعض طرق الحديث وإن لم يسق ذلك اللفظ بعينه وقد غفل عما في رواية الكشميهني من المطابقة فلذلك ادعى عدم المطابقة وقال الكرماني فإن قلت الترجمة مقلوبة إذ القدر يلقي العبد إلى النذر لقوله يلقيه القدر
قلت هما صادقان إذ بالحقيقة القدر هو الموصل وبالظاهر هو النذر لكن كان الأولى في الترجمة العكس ليوافق الحديث إلا أن يقال إنهما متلازمان انتهى
قلت لو وقف الكرماني أيضا على رواية الكشميهني لما تكلف فيما تعسف
وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد الشختياني المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ومعمر هو ابن راشد وهمام بن منبه بضم الميم وفتح النون وكسر الباء الموحدة
والحديث من أفراده
قوله لا يأتي ابن آدم فاعل لا يأتي النذر وابن آدم مفعوله وهو قريب من معنى قوله في الحديث السابق إنه لا يرد شيئا قد وقع قوله لا يأتي بالياء في الأصول وفي رواية أبي الحسن لا يأت بدون الياء كأنه كتبه على الوصل مثل قوله سندع الزبانية ( العلق81 ) بغير واو قوله لم يكن قدرته صفة لقوله بشيء قال الكرماني وقدرته بصيغة المتكلم ويروى قدر به بلفظ المجهول الغائب والجار والمجرور قوله ولكن يلقيه القدر من الإلقاء ويقال معنى لم يكن قدرته أما ما قدرت عليه الشدة فيحملها عنه والنذر لا يحل عنه الشدة بنذره ويكون ذلك النذر استخرجه من البخيل للشدة التي عرضت له قوله ولكن يلقيه القدر من الإلقاء وقيل بالفاء والقاف قوله استخرج بلفظ المتكلم من المضارع
7 -
( باب لا حول ولا قوة إلا بالله )
أي هذا باب يذكر فيه لا حول ولا قوة إلا بالله ومعنى لا حول لا تحويل للعبد في معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة له على طاعة الله إلا بتوفيق الله وقيل معنى لا حول لا حيلة وقال النووي هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئا ليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله عز و جل

(23/154)


166 - حدثني ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( خالد الحذاء ) عن ( أبي عثمان النهدي ) عن ( أبي موسى ) قال ( كنا مع ) رسول الله في غزاة فجعلنا لا نصعد شرقا ولا نعلو شرقا ولا نهبط في واد إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير قال فدنا منا رسول الله فقال يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا بصيرا ثم قال يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله هو ابن المبارك وأبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري
وقد مر الحديث في كتاب الدعوات في باب الدعاء إذا علا عقبة فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي عثمان عن أبي موسى إلى آخره ومضى أيضا في الجهاد في باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير أخرجه عن محمد بن يوسف عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري
قوله في غزاة هي غزوة خيبر والشرف الموضع العالي قوله أربعوا بفتح الباء الموحدة أي أرفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم يقال ربع الرجل إذا توقف وانحبس قوله أصم ويروى أصما قوله يا عبد الله بن قيس هو اسم أبي موسى الأشعري قوله هي من كنوز الجنة يعني أن له ثوابا مدخرا نفيسا كالكنز فإنه من نفائس مدخراتكم وقال النووي المعنى أن قولها يحصل ثوابا نفيسا مدخرا لصاحبه في الجنة
8 -
( باب المعصوم من عصم الله )
أي هذا باب يذكر فيه قول رسول الله المعصوم من عصمة الله بأن حماه عن الوقوع في الهلاك يقال عصمه الله من المكروه وقاه وحفظه والفرق بين عصمة المؤمنين وعصمة الأنبياء عليهم السلام أن عصمة الأنبياء بطريق الوجوب وفي حق غيرهم بطريق الجواز
عاصم مانع
أشار به إلى تفسير لا عاصم اليوم من أمر الله ( هود34 ) أي لا مانع
قال مجاهد سدا عن الحق يترددون في الضلالة
أي قال مجاهد في تفسير سدى في قوله عز و جل أيحسب الإنسان أن يترك سدى ( القيامة63 ) بقوله يترددون في الضلالة وقال بعضهم سدا بتشديد الدال بعدها ألف ووصله ابن أبي حاتم من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى وجعلنا من بين أيديهم سدا ( يس9 ) قال عن الحق ثم قال ورأيته في بعض نسخ البخاري سدى بتخفيف الدال مقصور وعليه شرح الكرماني ثم قال ولم أر في شيء من نسخ البخاري إلا الذي أوردته انتهى
قلت هذا كلام ينقض آخره أوله لأنه قال أولا ورأيته في بعض نسخ البخاري سدى بتخفيف الدال ثم قال ولم أر في شيء من نسخ البخاري إلا الذي أوردته ومع هذا هو لم يطلع على جميع نسخ البخاري وهذا لا يتصور إلا بالتعسف في النسخ التي في مدينته وأما النسخ التي في بلاد كرمان وبلخ وخراسان فمن أين يتصور له الاطلاع عليهما
دساها أغواها
أشار بهذا إلى تفسير قوله تعالى وقد خاب من دساها ( الشمس01 ) بقوله أغواها وأخرج الطبري بسند صحيح عن حبيب بن ثابت عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله دساها قال أحدهما أغواها وقال الآخر أضلها وقال الكرماني مناسبة الآيتين بالترجمة بيان أن من لم يعصمه الله كان سدى ومغوى