حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج43.وج44. عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني

 

 ج43.وج44.عمدة القاري شرح صحيح البخاري   لبدر الدين العيني

ج43.عمدة القاري شرح صحيح البخاري   لبدر الدين العيني

عن عهدة التفصي حتى يكون جازما بأنه قال كما قال رسول الله وأجيب بأنه يدعونه ثلاث مرات يقول تارة في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وأخرى في عاجلي وآجلي وثالثة في ديني وعاجلي وآجلي قوله فاقدره لي بضم الدال وكسرها أي اجعله مقدورا لي أو قدره لي وقيل معناه يسره لي قوله رضني أي اجعلني راضيا بذلك قوله ويسمي أي يعين حاجته مثل أن يقول إن كنت تعلم أن هذا الأمر من السفر أو التزوج أو نحو ذلك
94 -
( باب الدعاء عند الوضوء )
أي هذا باب في بيان الدعاء عند الوضوء وفي بعض النسخ باب الوضوء عند الدعاء والأول هو المناسب للحديث وإن كان للثاني أيضا وجه
3836 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد بن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) قال ( دعا ) النبي بماء فتوضأ به ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه فقال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فتوضأ به ثم رفع يديه فيكون دعاؤه عند الوضوء يعني عقيبه يدل عليه قوله ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر إلى آخره
وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر بن نأبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس الحديث مختصر من حديث طويل أخرجه في المغازي في باب غزوة أوطاس بهذا الإسناد بعينه وعبيد مصغر عبد وكنيته أبو عامر وهو عم أبي موسى الأشعري رمي في ركبته يوم أوطاس فمات به فلما أخبر رسول الله بذلك دعا له بالدعاء المذكور وتتمة الكلام قد مضت في غزوة أوطاس
25 -
( باب الدعاء إذا علا عقبة )
أي هذا باب في بيان الدعاء إذا علا أي صعد عقبة
4836 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أبي موسى ) رضي الله عنه قال ( كنا مع ) النبي في سفر فكنا إذا علونا كبرنا فقال النبي أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ولكن تدعون سميعا بصيرا ثم أتى علي وأنا أقول في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله فقال يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة أو قال ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله تدعون في موضعين وأيوب هو السختياني وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي وأبو موسى هو لأشعري ومضى عن قريب
والحديث مضى في الجهاد في باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري إلى آخره ومر أيضا في غزوة خيبر بأتم منه عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد عن عاصم عن أبي عثمان إلى آخره
قوله إربعوا بكسر الهمزة وفتح الباء الموحدة أي إرفقوا بأنفسكم يعني لا تبالغوا في الجهر قوله أصم يروى صما ولعله باعتبار مناسبة غائبا قوله سميعا بصيرا ومر في الجهاد أنه معكم إنه سميع قريب وفي غزوة خيبر إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم قوله ثم أتى علي بتشديد الياء أي ثم أتى النبي على قوله أو قال إلى آخره شك من الراوي وسيأتي في كتاب القدر

(23/12)


من رواية خالد الحذاء عن أبي عثمان قوله بلفظ ثم قال يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة إلى آخره قوله كنز أي كالكنز في كونه أمرا نفسيا مدخرا مكنونا عن أعين الناس وهي كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى ومعناه لا حيلة في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله وفي لفظة لا حول ولا قوة خمسة أوجه ذكرها النحاة قوله لا حول يجوز أن يكون منصوبا محلا على تقدير أعني وأن يكون مجرورا على أنه بدل من قوله هي كنز لأنها في محل الجر على أنها صفة لقوله على كلمة وأن يكون مرفوعا على تقدير هو لا حول ولا قوة إلا بالله
15 -
( باب الدعاء إذا هبط واديا )
أي هذا باب في بيان الدعاء إذا هبط واديا
فيه حديث جابر
أي في هذا الباب جاء حديث جابر وهذا إنما ثبت في رواية المستملي والكشميهني وحديث جابر هو الذي مضى في الجهاد في باب التسبيح إذا هبط واديا حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا
25 -
( باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع )
أي هذا باب في بيان الدعاء إذا أراد الشخص سفرا أو رجع عنه
فيه يحيى بن أبي إسحاق عن أنس رضي الله عنه
أي في هذا الباب جاء حديث من رواية يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي وحديثه سبق في الجهاد في باب ما يقول إذا رجع من الغزو وحدثنا أبو معمر أخبرنا عبد الوارث أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك قال كنا مع النبي مقفله من عسفان ورسول الله على راحلته وقد أردف صفية الحديث وفي أخره فلما أشرفنا على المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة
5836 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة ظاهرة فإن قلت الترجمة شيئان أحدهما الدعاء إذا أراد سفرا والآخر الدعاء إذا رجع من السفر فأين الحديث للأول وحديث يحيى بن أبي إسحاق أيضا صريح أنه للجزء الثاني
قلت الحديث المذكور له طريق آخر عند مسلم من رواية علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر في أوله كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا قال سبحان الذي سخر لنا هذا الحديث إلى أن قال وإذا رجع قالهن وزاد آيبون تائبون الحديث
إسماعيل هو ابن أبي أوبس
قوله إذا قفل أي إذا رجع قوله من غزو أو حج أو عمرة ظاهره الاختصاص بهذه الثلاثة وليس كذلك عند الجمهور وإنما اقتصر البخاري على الثلاث لانحصار سفر النبي فيها بل يقول ذلك في كل سفر لكن قيده الشافعية بسفر الطاعة كصلة الرحم وطلب العلم ونحو ذلك وقيل يشرع في سفر المعصية أيضا لأن مرتكب المعصية أحوج إلى تحصيل الثواب قوله كل شرف بفتحتين المكان العالي قوله آيبون أي نحن آيبون أي راجعون جمع آيب من

(23/13)


آب إذا رجع قوله صدق الله وعده أي فيما وعده به من إظهار دينه قوله ونصر عبده أراد به نفسه قوله وهزم الأحزاب جمع حزب وهو الطائفة التي اجتمعت من القبائل وعزموا على القتال مع النبي وفرقهم الله تعالى وهزمهم بلا قتال وهو أعم من الأحزاب الذين اجتمعوا في غزوة الخندق وقيل قد نهى رسول الله عن السجع وهذا سجع وأجيب بأنه نهى عن سجع كسجع الكهان في كونه متكلفا أو متضمنا للباطل
55 -
( باب الدعاء للمتزوج )
أي هذا باب في بيان كيفية الدعاء المرجل الذي تزوج
6836 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال رأى النبي على عبد الرحمان بن عوف أثر صفرة فقال مهيم أومه قال تزوجت امرأة على نواة من ذهب فقال بارك الله لك أولم ولو بشاة
مطابقته للترجمة في قوله بارك الله لك وثابت بن أسلم البناني
والحديث مضى في النكاح في باب كيف يدعى للمتزوج فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله صفرة أي من الطيب الذي استعمله عند الزفاف قوله مهيم بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره ميم أي ما حالك وما شأنك قوله أومه أي أو قال مه وهو شك من الراوي و ما استفهامية قلبت ألفها هاء قوله على نواه وهي خمسة دراهم وزنا من الذهب وهي ثلاثة مثاقيل ونصف وفي ( التوضيح ) في الحديث رد على أبي حنيفة الذي لا يجوز الصداق عنده بأقل من عشرة دراهم
قلت سبحان الله ما هذا الفهم فإن وزن خمسة دراهم من الذهب أكثر من عشرة دراهم قوله أولم أمر بإيجاد الوليمة وقد مر بيانها في النكاح
65 -
( باب ما يقول إذا أتى أهله )

(23/14)


أي هذا باب في بيان ما يقوله الرجل إذا أراد أن يجامع امرأته
8836 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( سالم ) عن ( كريب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال النبي لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا
طابقته للترجمة ظاهرة وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وسالم هو ابن أبي الجعد وكريب بن أبي مسلم مولى عبد الله بن عباس
والحديث مضى في النكاح في باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله فإنه أخرجه هناك عن سعد بن حفص عن سفيان عن منصور عن سالم إلى آخره ومضى الكلام فيه مستوفى
قوله أن يأتي أهله أي زوجته وعبر عن الجماع بالإتيان قوله لم يضره شيطان أي لم يسلط عليه بحيث يتمكن من أضراره في دينه أو بدنه وليس المراد دفع الوسوسة من أصلها
75 -
( باب قول النبي ربنرا آتنا في الدنيا حسنة ( البقرة102 )
أي هذا باب في قول النبي ( 2 ) ربنا آتنا في الدنيا حسنة ( البقرة102 ) قال الحسن الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة وقال قتادة الحسنة في الدنيا العافية وقال السدي في الدنيا المال وفي الآخرة الجنة وعن محمد بن كعب القرظي الزوجة الصالحة من الحسنات قوله تعالى ( 2 ) وقنا عذاب النار ( البقرة102 ) أي اصرفه عنا
9836 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) قال كان أكثر دعاء النبي اللهم ( 2 ) ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ( البقرة102 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الوارث هو ابن سعيد البصري وعبد العزيز هو ابن صهيب البصري
والحديث مضى في التفسير عن أبي معمر وأخرجه أبو داود في الصلاة عن مسدد نحوه
وقال عياض إنما كان يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة قال والحسنة عندهم ههنا النعمة فسأل نعيم الدنيا والآخرة والوقاية من العذاب
85 -
( باب التعوذ من فتنة الدنيا )
أي هذا باب في بيان التعوذ من فتنة الدنيا وقد ذكرنا فيما مضى أن المراد من فتنة الدنيا الدجال وقيل المال
0936 - حدثنا ( فروة بن أبي المغراء ) حدثنا ( عبيدة ) هو ( ابن حميد ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( مصعب بن سعد بن أبي وقاص ) عن أبيه رضي الله عنه قال كان النبي يعلمنا هاؤلاء الكلمات كما تعلم الكتابة اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن نرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر
مطابقته للترجمة في قوله وأعوذ بك من فتنة الدنيا
والحديث مضى في باب التعوذ من البخل فإن أخرجه هناك عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن عبد الملك إلى آخره ومضى أيضا في باب الاستعاذة من أرذل العمر ومن فتنة الدنيا عن إسحاق بن إبراهيم عن الحسين عن الزائدة عن عبد الملك وأخرجه هنا عن فروة بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو وابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء وبالمد أبو القاسم الكندي الكوفي عن عبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة

(23/15)


ابن حميد الضبي النحوي ومضى شرحه هناك
95 -
( باب تكرير الدعاء )
أي هذا باب في بيان تكرير الدعاء وهو أن يدعو بدعاء مرة بعد أخرى لأن في تكريره إظهارا لموضع الفقر والحاجة إلى الله عز و جل والتذلل والخضوع له وقد روى أبو داود والنسائي من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه )
1936 - حدثنا ( إبراهيم بن منذر ) حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن رسول الله طب حتى إنه ليخيل إليه أنه قد صنع الشيء وما صنعه وأنه دعا ربه ثم قال أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه فقالت عائشة فما ذاك يا رسول الله قال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في ذروان وذروان بئر في بني زريق قالت فأتاها رسول الله ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قالت فأتى رسول الله فأخبرها عن البئر فقلت يا رسول الله فهلا أخرجته قال أما أنا فقد شفاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرا
زاد عيسى بن يونس والليث بن سعد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي فدعا ودعا وساق الحديث
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فدعا ودعا وهذه الزيادة هي المطابقة للترجمة لأن الحديث ليس فيه ما يدل على الدعاء فضلا عن تكريره
والحديث من أفراده
قوله طب على صيغة المجهول أي سحر ومطبوب أي مسحور قوله حتى إنه ليخيل إليه على صيغة المجهول واللام فيه مفتوحة للتأكيد وقال الخطابي إنما كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله في أمر النساء خصوصا وإتيان أهله إذ كان قد أخذ عنهن بالسحر دون ما سواه فلا ضرر فيما لحقه من السحر على نبوته وليس تأثير السحر في أبدان الأنبياء بأكثر من القتل والسم ولم يكن ذلك دافعا لفضيلتهم وإنما هو ابتلاء من الله تعالى وأما ما يتعلق بالنبوة فقد عصمه الله من أن يلحقه الفساد قوله وأنه أي وأن رسول الله دعا ربه قوله أشعرت الخطاب لعائشة أي أعلمت قوله رجلان أحدهما جبريل والآخر ميكائيل أتياه في صورة الرجال قوله قال من طبه أي من سحره قوله لبيد بن الأعصم قيل كان يهوديا وقيل كان منافقا وقال ابن التين يحتمل أن يكون يهوديا ثم أسلم وتستر بالنفاق قوله في مشط بضم الميم وهو الذي تسرح به اللحية قوله ومشاطة بضم الميم وتخفيف الشين هو ما يخرج من الشعر بالمشط قوله وجف طلعة بضم الجيم وتشديد الفاء وهو وعاء طلع النخلة يطلق على الذكر والأنثى قال الكرماني ولهذا قيده بقوله ذكر قوله ذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء وبالواو والنون وهو بئر في المدينة في بني زريق بضم الزاي وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف قوله نقاعة الحناء بضم النون وتخفيف القاف وهو الماء الذي ينقع فيه والحناء ممدود قوله رؤوس الشياطين قال صاحب ( التوضيح ) أي الحيات وشبه النخل برؤوس الشياطين في كونها وحشية المنظر وهو تمثيل في استقباح الصورة قوله شرا مثل تعلم المنافقين السحر من ذلك فيؤذون المسلمين به
قوله زاد عيسى بن يونس أي زاد على الحديث المذكور عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ومضت زيادة عيسى موصولة في الطب قوله والليث

(23/16)


أي وزاد الليث بن سعد أيضا مثله وتقدم الكلام فيه في صفة إبليس من كتاب بدء الخلق وروايتهما هذه الزياة عن هشام عن أبيه عروة عن عائشة وساق الحديث وفيه فدعا ودعا مكررا ولم يذكر هذه الزيادة في رواية أبي زيد المروزي
06 -
( باب الدعاء على المشركين )
أي هذا باب في بيان الدعاء على المشركين ذكره هنا مطلقا وذكر في كتاب الجهاد باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
وقال ابن مسعود قال النبي اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف وقال اللهم عليك بأبي جهل
مطابقة هذا التعليق للترجمة ظاهرة ومضى هذا التعليق موصولا في كتاب الاستسقاء وتقدم شرحه أيضا قوله وقال اللهم عليك بأبي جهل أي بهلاكه وسقط هذا التعليق من رواية أبي زيد وهو طرف من حديث ابن مسعود أيضا في قصة سلاء الجزور التي ألقاها أشقى القوم على النبي وقد مرت موصولة في آخر كتاب الطهارة
وقال ابن عمر دعا النبي في الصلاة اللهم العن فلانا وفلانا حتى أنزل الله عز و جل ليس لك من الأمر شيء ( آل عمران821 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا التعليق تقدم موصولا في غزوة أحد وفي تفسير سورة آل عمران وقال صاحب ( التوضيح ) فيه حجة على أبي حنيفة في قوله لا يدعى في الصلاة إلا بما في القرآن وإن دعا بغيره بطلت
قلت لا حجة عليه في ذلك لأن ذلك في صلاة التطوع على أن هذه الآية ناسخة للعنة المنافقين في الصلاة والدعاء عليهم وأنه عوض عن ذلك القنوت في صلاة الصبح روى ذلك عن ابن وهب وغيره
83 - ( حدثنا ابن سلام أخبرنا وكيع عن ابن أبي خالد قال سمعت ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال دعا رسول الله على الأحزاب فقال اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم )
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن سلام هو محمد بتخفيف اللام على الأصح وابن أبي خالد هو إسماعيل واسم أبي خالد سعد ويقال هرمز ويقال كثير البجلي الأحمسي الكوفي وابن أبي أوفى هو عبد الله واسم أبي أوفى علقمة وكلاهما صحابيان والحديث مضى في الجهاد عن أحمد بن محمد وأخرجه بقية الجماعة ما خلا أبا داود وكان النبي يدعو على المشركين على حسب ذنوبهم وإجرامهم وكان يبالغ في الدعاء على من اشتد أذاه على المسلمين ألا ترى أنه لما أيس من قومه قال اللهم اشدد وطأتك على مضر الحديث ودعا على أبي جهل بالهلاك ودعا على الأحزاب الذين اجتمعوا يوم الخندق بالهزيمة والزلزلة فأجاب الله دعاءه فيهم فإن قلت قد نهى عائشة عن اللعنة على اليهود وأمرها بالرفق والرد عليهم بمثل ما قالوا ولم يبح لها الزيادة قلت يمكن أن يكون ذلك على وجه التألف لهم والطمع في إسلامهم -
3936 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) أن النبي كان إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت

(23/17)


اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف
مطابقته للترجمة في قوله اللهم اشد وطأتك إلى آخره ومعاذ بضم الميم وبالذال المعجمة ابن فضالة بفتح الفاء وتخفيف المعجمة وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى بن أبي كثير بالثاء المثلثة وأبو سلمة بن عبد الرحمن
والحديث مضى في تفسير سورة النساء فإنه أخرجه عن أبي نعيم عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة إلى آخره ومضى أيضا في الاستسقاء من رواية الأعرج عن أبي هريرة وعياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة وهؤلاء الثلاثة المذكورين فيه أسباط المغيرة المخزومي
قوله وطأتك الوطأة بفتح الواو وإسكان الطاء هو الدوس بالقدم ويراد منها الإهلاك لأن من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في هلاكه ومضر قبيلة غير منصرف وفيه المضاف محذوف أي اشدد وطأتك على كفار مضر
4936 - ح ( دثنا الحسن بن الربيع ) حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( عاصم ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال بعث النبي سرية يقال لهم القراء فأصيبوا فما رأيت النبي وجد على شيء ما وجد عليهم فقنت شهرا في صلاة الفجر ويقول إن عصية عصوا الله ورسوله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فقنت لأن قنوته كان يتضمن الدعاء عليهم والحسن بن الربيع بفتح الراء وكسر الباء الموحدة البجلى الكوفي وأبو الأحوص سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي الكوفي وعاصم هو ابن سليمان الأحول
والحديث مضى في الوتر عن مسدد وفي المغازي عن موسى بن إسماعيل وفي الجنائز عن عمرو بن علي وفي الجزية عن أبي النعمان محمد بن الفضل وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر وأبي كريب وغيرهما
قوله سرية هي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري أي النفيس قوله يقال لهم القراء سموا به لأنهم كانوا أكثر قراءة من غيرهم وكانوا من أوزاع الناس ينزلون الصفة يتعلمون القرآن وكانوا ردءا للمسلمين فبعث رسول الله سبعين منهم إلى أهل نجد لتدعوهم إلى الإسلام فلما نزلوا بئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء من عصية وغيرهم فقتلوهم قوله فأصيبوا على صيغة المجهول أي قتلوا قوله وجد أي حزن حزنا شديدا قوله إن عصية مصغر العصي وهي قبيلة وقد مر في الجهاد أنه قنت أربعين يوما ومفهوم العدد لا اعتبار له
5936 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان اليهود يسلمون على النبي يقولون السام عليك ففطنت عائشة إلى قولهم فقالت عليكم السام واللعنة فقال النبي مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقالت يا نبي الله أولم تسمع ما يقولون قال أولم تسمعي أرد ذلك عليهم فأقول وعليكم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فأقول وعليكم فإنه دعاء عليهم
وعبد الله بن محمد المعروف بالسندي وهشام بن يوسف الصنعاني ومعمر بفتح الميمين ابن راشد
والحديث مر في كتاب الأدب في باب الرفق في الأمر كله فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير إلى آخره
قوله السام هو الموت

(23/18)


قوله مهلا أي رفقا وانتصابه على المصدرية يقال مهلا للواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد قوله أو لم تسمعي ويروي أو لم تسمعين بالنون وجوز بعضهم إلغاء عمل الجوازم والنواصب وقالوا إن عملها أفصح
6936 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( الأنصاري ) حدثنا ( هشام بن حسان ) حدثنا ( محمد بن سيرين ) حدثنا ( عبيدة ) حدثنا ( علي بن أبي طالب ) رضي الله عنه قال كنا مع النبي يوم الخندق فقال ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس وهي صلاة العصر
مطابقته للترجمة ظاهرة والأنصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى القاضي وهو من شيوخ البخاري وأخرج عنه هنا بالواسطة وهشام بن حسان هذا وإن تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه لكنه أثبت الناس في الشيخ الذي حدث عنه حديث الباب وهو محمد بن سيرين وقال سعيد بن أبي عروبة ما كان أحد أحفظ عن ابن سيرين من هشام بن حسان وعبيدة بفتح العين وكسر الباء الموحدة السلماني بسكون اللام
والحديث مضى في غزوة الخندق فإنه أخرجه هناك عن إسحاق عن روح عن هشام إلى آخره
قوله كنا مع النبي يوم الخندق أي يوم غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب قوله ملأ الله قبورهم أي أمواتا وبيوتهم أي أحياء قوله كما شغلونا وجه التشبيه اشتغالهم بالنار مستوجب لاشتغالهم عن جميع المحبوبات فكأنه قال شغلهم الله عنها كما شغلونا عنها قوله وهي صلاة العصر قال الكرماني هو تفسير من الراوي إدراجا منه وقال بعضهم فيه نظر لأنه وقع في المغازي إلى أن غابت الشمس وهو مشعر بأنها العصر
قلت هنا أيضا قال حتى غابت الشمس وهذا لا يدل على أنها العصر وحده لأنه يجوز أن يكون الظهر معه لأن منهم من ذهب إلى أن الصلاة الوسطى هي الظهر واستدل هذا القائل أيضا بأن هذه اللفظة من نفس الحديث وليست بمدرجة بحديث حذيفة مرفوعا شغلونا عن صلاة العصر وليس استدلا له به صحيحا لأن فيه التصريح بالعصر في نفس الحديث وهنا ليس كذلك على ما لا يخفى
16 -
( باب الدعاء للمشركين )
أي هذا باب في بيان الدعاء للمشركين وقد تقدمت هذه الترجمة في كتاب الجهاد لكن قال باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم ثم أخرج حديث أبي هريرة الذي هو حديث الباب فوجه البابين أعني باب الدعاء على المشركين وباب الدعاء للمشركين باعتبارين ففي الأول مطلق الدعاء عليهم لأجل تماديهم على كفرهم وإيذائهم المسلمين وفي الثاني الدعاء بالهداية ليتألفوا بالإسلام فإن قلت جاء في حديث آخر اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
قلت معناه إهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة لأن ذنب الكفر لا يغفر أو يكون المعنى اغفر لهم إن أسلموا
7936 - حدثنا ( علي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قدم الطفيل بن عمرو على رسول الله فقال يا رسول الله إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليها فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال اللهم إهد دوسا وأت بهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث مضى في الجهاد في الباب الذي ذكرنا آنفا
قوله قدم الطفيل بضم الطاء وفتح الفاء ابن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن غنم بن دوس الدوسي من دوس أسلم الطفيل وصدق النبي بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه من أرض دوس فلم يزل مقيما بها حتى هاجر رسول الله ثم قدم على رسول الله وهو بخيبر بمن تبعه من قومه فلم يزل مقيما مع رسول الله صلى الله عليه

(23/19)


وسلم حتى قبض ثم كان مع المسلمين حتى قتل باليمامة شهيدا وقيل قتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله إن دوسا قد عصت وأبت أي امتنعت عن الإسلام ودوس قبيلة أبي هريرة قوله وائت بهم أي مسلمين أو كناية عن الإسلام وهذا من خلقه العظيم ورحمته على العالمين حيث دعا لهم وهم طلبوا الدعاء عليهم وحكى ابن بطال أن الدعاء للمشركين ناسخ الدعاء عليهم ودليله قوله تعالى ( 3 ) ليس لك من الأمر شيء ( آل عمران821 ) ثم قال والأكثر على أن لا نسخ وأن الدعاء على المشركين جائز
26 -
( باب قول النبي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت )
أي هذا باب في ذكر قوله اللهم أي يا الله اغفر لي ما قدمت وما أخرت قال النووي قال ذلك تواضعا وعد ذلك على نفسه ذنبا وقيل أراد ما كان عن سهو وقيل ما كان قبل النبوة وعلى كل حال هو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فدعا بهذا وغيره تواضعا ولأن الدعاء عبادة
قلت هذا إرشاد لأمته وتعليم لهم وهو معصوم عن الذنوب جميعها قبل النبوة وبعدها ويحتمل أن يكون المراد ما قدم الفاضل وأخر الأفضل
8936 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( عبد الملك بن صباح ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( ابن أبي موسى ) عن أبيه عن النبي أنه كان يدعو بهاذا الدعاء رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذالك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الملك بن صباح بفتح الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة البصري وماله في البخاري إلا هذا الموضع وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وابن أبي موسى قال الكرماني الطريق الذي بعده يشعر بأن المراد به أبو بردة بن أبي موسى يعني عامرا والرواية التي بعد الطريق أنه هو أبو بكر بن أبي موسى لكن قال الكلاباذي هو عمرو بن أبي موسى وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضا عن عبيد الله بن معاوية وعن محمد بن بشار به
قوله خطيئتي هي الذنب ويجوز فيه تسهيل الهمزة فيقال خطية بتشديد الياء قوله وجهلي الجهل ضد العلم قوله وإسرافي الإسراف هنا التجاوز عن الحد قوله خطاياي جمع خطيئة وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله وعمدي العمد ضد السهو والجهل ضد العلم والهزل ضد الجد وعطف العمد على الخطأ إما عطف الخاص على العام باعتبار أن الخطيئة أعم من التعمد أو من عطف أحد المتقابلين على الآخر بأن يحمل الخطيئة على ما وقع على سبيل الخطأ قوله أنت المقدم أي تقدم من تشاء من خلقك إلى رحمتك بتوفيقك وأنت المؤخر تؤخر من تشاء عن ذلك بخذلانك
وقال عبيد الله بن معاذ وحدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي بنحوه
هذا تعليق عن عبيد الله بتصغير عبد ابن معاذ بضم الميم العنبري التميمي البصري قال الكرماني ويروى عبد الله مكبرا وهو غير صحيح وعبيد الله هذا يروي عن أبيه معاذ عن شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري عن النبي بنحو الحديث المذكور وأخرجه مسلم بصريح التحديث حدثنا عبيد الله بن معاذ
9936 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( عبيد الله بن عبد المجيد ) حدثنا ( إسرائيل حدثا أبو إسحاق )

(23/20)


عن ( أبي بكر بن أبي موسى وأبي ) بردة أحسبه عن أبي موسى الأشعري عن النبي أنه كان يدعو اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذالك عندي ( انظر الحديث 8936 ) ح
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن المثنى ضد المفرد عن عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي البصري قال الكرماني ويروى عن عبد الحميد والأول هو الصحيح عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق عمرو عن أبي بكر وأبي بردة ابني أبي موسى عن أبي موسى الأشعري ولم يشك فيه
قوله وما أنت أعلم به مني أي من الذنوب قوله وخطئي هكذا بالإفراد في رواية الكشميهني وفي رواية غيره خطاياي بالجمع قوله وكل ذلك عندي أي أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها وقال الكرماني قال القرافي في ( كتاب القواعد ) قول القائل في دعائه اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين دعاء بالمحال لأن صاحب الكبيرة يدخل النار ودخول النار ينافي الغفران أقول فيه منع ومعارضة أما المنع فلا نسلم المنافاة إذا المنافي هو الدخول المخلد كما للكفار إذ الإخراج من النار بالشفاعة ونحوها أيضا غفران وأما المعارضة فهي بقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام ( 71 ) رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتيمؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ( نوح82 ) وقال بعضهم نقل الكرماني تبعا لمغلطاي عن القرافي إلى آخره
قلت قط لم يتبع الكرماني أحدا في نقله هذا عن القرافي وفيه ترك الأدب أيضا حيث يصرح بقوله مغلطاي ولو كان الشيخ علاء الدين مغلطاي تلميذه أو رفيقه في الاشتغال لم يكن من الأدب أن يذكره باسمه بدون التعظيم وقال في آخر كلامه لم يظهر لي مناسبة ذكر هذه المسألة في هذا الباب
قلت وجه المناسبة في ذلك أظهر من كل شيء وقد ظهر لغيره من أصحاب التحقيق ما لم يظهر له لقصور تأمله والله أعلم
36 -
( باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة )
أي هذا باب في بيان الساعة التي يرجى فيها إجابة الدعاء يوم الجمعة وقد ذكر في كتاب الجمعة باب الساعة التي في يوم الجمعة ولم يعين أية ساعة هي لا هنا ولا هناك وفي تعيينها أقوال كثيرة ذكرناها في كتاب الجمعة
00 - 4 - 6 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم ) أخبرنا ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال أبو القاسم في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل خيرا إلا أعطاه وقال بيده قلنا يقللها يزهدها
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن إبراهيم هو إسماعيل بن علية وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن زهير بن حرب وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن زرارة
قوله حدثنا ويروى أخبرنا قوله في الجمعة ساعة ويروى في يوم الجمعة ولفظ مسلم إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم إلى آخره نحوه قوله وهو قائم يصلي يسأل ثلاثة أحوال متداخلة أو مترادفة قوله يسأل خيرا ويروى يسأل الله خيرا وقيد بالخير ليخرج مثل الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم ونحو ذلك قوله قال بيده أي أشار بيده إلى أنها ساعة لطيفة خفيفة قليلة وفي رواية مسلم بعد ذكر حديث أبي هريرة المذكور قال وهي ساعة خفيفة قوله قلنا يقللها أي يقلل تلك الساعة قوله يزهدها يحتمل أن يكون تأكيدا لقوله قوله يقللها لأن التزهيد أيضا التقليل وإلى ذلك أشار الخطابي ووقع في رواية الأسماعيلي من رواية زهير بن حرب يقللها ويزهدها بواو العطف وهو أيضا للتأكيد ووقع في رواية أبي عوانة عن الزعفران عن إسماعيل بلفظ وقال بيده هكذا فقلنا بزهدها أو يقللها
46 -
( باب قول النبي يستجاب لنا في اليهود ولا يستجاب لهم فينا )
أي هذا باب في ذكر قول النبي يستجاب الدعاء الذي لنا في حق اليهود لأنا لا ندعوا إلا بالحق ولا يستجاب لليهود

(23/21)


في حقنا لأنهم يدعون علينا بالظلم
1046 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( عبد الوهاب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن اليهود أتوا النبي فقالوا السام عليك قال وعليكم فقالت عائشة السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم فقال رسول الله مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف أو الفحش قالت أولم تسمع ما قالوا قال أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني وابن أبي مليكة عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير
والحديث مضى عن قريب في باب الدعاء على المشركين
قوله قال وعليكم قيل الواو وتقتضى التشريك وأجيبأن معناه وعليكم الموت إذ كل من عليها فان ( الرحمن62 ) أو الواو للاستئناف أي عليكم ما تستحقونه من الذم قوله والعنف مثلثة العين وهو ضد الرفق قوله أو الفحش شك من الراوي قوله في بتشديد الياء
56 -
( باب التأمين )
أي هذا باب في بيان قول آمين عقيب الدعاء
2046 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال ( الزهري ) ( حدثناه ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال إذا أمن القاريء فأمنوا فإن الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
( انظر الحديث 087 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان بن عيينة
والحديث مضى في الصلاة في باب جهر الإمام بالتأمين وفي بابين أيضا بعده
قوله قال الزهري حدثناه بفتح الدال المشددة وفتح الثاء المثلثة واصله حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب قوله القارىء أعم من أن يكون إماما أو غيره في الصلاة وخارجها قوله فمن وافق الموافقة إما في الزمان وإما في الصفة من الخشوع ونحوه قوله من ذنبه أي ذنبه الخاص بحقوق الله عز و جل علم ذلك بالدلائل الخارجية وأما فقه الباب فقد تقدم في كتاب الصلاة
66 -
( باب فضل التهليل )
أي هذا باب في بيان فضل قول لا إله إلا الله
3046 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذالك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه ( انظر الحديث 3923 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث مضى في كتاب بدء الخلق في باب صفة إبليس وجنوده فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف

(23/22)


وهنا عن عبد الله بن مسلمة وكلاهما عن مالك ومضى الكلام فيه
قوله عدل بفتح العين المثل والنظير أي مثل إعتاق عشر رقاب وقال ابن التين قرأناه بفتح العين وقال الأخفش العدل بالكسر المثل وبالفتح أصله مصدر قولك عدلت لهذا عدلا حسنا تجعله اسما للمثل فتفرق بينه وبين عدل المتاع وقال الفراء الفتح ما عدل الشيء من غير جنسه والأكثر المثل وإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت وربما كسرها بعض العرب وكان منهم غلط قوله وكتب بالتذكير رواية الكشميهني أي كتب القول المذكور وفي رواية غيره كتبت بالتأنيث قوله حرزا بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وبالزاي الموضع الحصين والعوذة
95 - ( حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عمر بن أبي زائدة عن أبي إسحق عن عمرو بن ميمون قال من قال عشرا كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل قال عمر بن أبي زائدة وحدثنا عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع بن خثيم مثله فقلت للربيع ممن سمعته فقال من عمرو بن ميمون فأتيت عمرو بن ميمون فقلت ممن سمعته فقال من ابن أبي ليلى فأتيت ابن أبي ليلى فقلت ممن سمعته فقال من أبي أيوب الأنصاري يحدثه عن النبي وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحق حدثني عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب قوله عن النبي وقال موسى حدثنا وهيب عن داود عن عامر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب عن النبي وقال إسماعيل عن الشعبي عن الربيع قوله وقال آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن مسيرة سمعت هلال بن يساف عن الربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون عن ابن مسعود قوله وقال الأعمش وحصين عن هلال عن الربيع عن عبد الله قوله ورواه أبو محمد الحضرمي عن أبي أيوب عن النبي كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل )
عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي وعبد الملك بن عمرو بفتح العين أبو عامر العقدي بفتح العين المهملة وفتح القاف مشهور بكنيته أكثر من اسمه وعمر بضم العين ابن أبي زائدة على وزن فاعلة من الزيادة واسمه خالد وقيل ميسرة وهو أخو زكريا بن أبي زائدة الهمداني وزكريا أكثر حديثا منه وأشهر مات سنة تسع وأربعين ومائة وأبو اسحق عمرو بن عبد الله السبيعي التابعي الصغير وعمرو بن ميمون الأودي بالواو والدال المهملة التابعي الكبير المخضرم أدرك الجاهلية وهو الذي رجم القردة في حكايته المشهورة وكان بالشام ثم سكن بغداد وسمع معاذ بن جبل باليمن والشام عندهما وعمر بن الخطاب وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص عند البخاري وسمع ابن أبي ليلى وعائشة وابن مسعود عند مسلم مات في ولاية الحجاج قبل الجماجم قوله قال من قال عشرا أي من قال لا إله إلا الله وحده إلى آخره عشر مرات كان كمن أعتق رقبة واحدة من ولد إسماعيل عليه السلام ولا يخفى أن النسبة بين الحديثين محفوظة إذ نسبة المائة إلى العشرة كنسبة العشرة إلى الرقبة الواحدة وهكذا ذكره البخاري مختصرا مرسلا ورواه مسلم مطولا وقال حدثنا سليمان بن عبيد الله أبو أيوب الغيلاني حدثنا أبو عامر يعني العقدي حدثنا عمر بن أبي زائدة عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل فإن قلت ما وجه تخصيص الذكر من ولد إسماعيل عليه السلام قلت لأن عتق من كان من ولده له فضل على عتق غيره وذلك أن محمدا وإسماعيل

(23/23)


وإبراهيم صلوات الله عليهم وسلامه بعضهم من بعض قوله قال عمر بن أبي زائدة هكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر قال عمر غير منسوب قوله وحدثنا عبد الله بن أبي السفر بفتح السين المهملة وفتح الفاء وقيل بتسكينها وهو غير صحيح واسم أبي السفر سعيد بن محمد الثوري الهمداني الكوفي مات في خلافة مروان فإن قلت ما هذه الواو في قوله وحدثنا قلت هو واو العطف على قوله عن أبي اسحق تقديره قال عمر بن أبي زائدة حدثنا أبو اسحق وحدثنا عبد الله بن أبي السفر عن عامر بن شراحيل الشعبي عن الربيع بفتح الراء وكسر الباء الموحدة ابن خثيم بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف والميم ابن عائذ بن عبد الله الثوري الكوفي سمع عبد الله بن مسعود عند البخاري وعمرو بن ميمون عندهما مات في ولاية عبد الله بن زياد قوله مثله أي مثل ما رواه أبو اسحق عن عمرو بن ميمون وحاصل ذلك أن عمر بن أبي زائدة أسنده عن شيخين ( أحدهما ) عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون موقوفا ( والثاني ) عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب خالد الأنصاري الخزرجي مرفوعا وهو معنى قوله فقلت للربيع ممن سمعته إلى قوله يحدثه عن النبي أي يحدث أبو أيوب عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي قوله وقال إبراهيم بن يوسف هذا تعليق أفاد التصريح بتحديث عمرو لأبي اسحق وإبراهيم هذا يروي عن أبيه يوسف بن اسحق بن أبي اسحق عمرو السبيعي الكوفي وهو يروي عن جده أبي اسحق قال حدثني عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب الأنصاري قوله عن النبي قوله وقال موسى أي ابن إسماعيل المنقري التبوذكي أحد مشايخ البخاري إنما أتى بلفظ قال لأنه تحمل منه مذاكرة ونقلا أو هو تعليق وهو يروي عن وهيب مصغر وهب بن خالد عن داود بن أبي هند القشيري البصري واسم أبي هند دينار وداود يروي عن عامر الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب خالد الأنصاري عن النبي ووصل هذا التعليق أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب بن أبي خالد عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي ولفظه كان له من الأجر مثل من أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل عليه السلام قوله وقال إسماعيل أي ابن أبي خالد الأحمسي البجلي وقد مر ذكره عن قريب وهو يروي عن عامر الشعبي عن الربيع بن خثيم قوله أي قول الربيع وأشار به إلى أنه موقوف قوله وقال آدم أي ابن أبي إياس أحد مشايخ البخاري حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة الزراد أبو زيد العامري قال سمعت هلال بن يساف بفتح الياء آخر الحروف وكسرها وبالسين المهملة وبالفاء الأشجعي عن الربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قوله وهذا أيضا إما مذاكرة وإما تعليق ووقع عند الدارقطني أن البخاري قال فيه حدثنا آدم فعلى هذا يكون موصولا وأخرجه النسائي من رواية محمد بن جعفر عن شعبة بسنده المذكور وساق المتن ولفظه عن عبد الله هو ابن مسعود قال لأن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث وفيه أحب إلي من أربع رقاب قوله وقال الأعمش أي سليمان وحصين مصغر الحصن بالمهملتين والنون ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي كلاهما عن هلال بن يساف عن الربيع بن خثيم عن عبد الله بن مسعود وأما تعليق الأعمش فوصله النسائي من طريق وكيع عنه ولفظه عن عبد الله بن مسعود قال من قال أشهد أن لا إله إلا الله وقال فيه كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل عليه السلام وأما تعليق حصين فوصله محمد بن الفضل في كتاب الدعاء له حدثنا حصين بن عبد الرحمن فذكره ولفظه قال عبد الله من قال أول النهار لا إله إلا الله فذكره بلفظ كن كعدل أربع رقاب تحرر من ولد إسماعيل قوله ورواه أي وروى الحديث المذكور أبو محمد الحضرمي كذا في رواية أبي ذر والنسفي وفي رواية غيرهما وقال أبو محمد لا يعرف اسمه وكان يخدم أبا أيوب وقال الحافظ المزي أنه أفلح مولى أبي أيوب وقال الدارقطني لا يعرف أبو محمد إلا في هذا الحديث وليس له في الصحيح إلا هذا الموضع ووصله الإمام أحمد والطبراني من طريق سعيد بن إياس الجريري عن أبي الورد بفتح الواو وسكون الراء واسمه ثمامة بن حزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وبالنون القشيري

(23/24)


عن أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب الأنصاري قال لما قدم النبي المدينة نزل علي فقال يا أبا أيوب ألا أعلمك قلت بلى يا رسول الله قال ما من عبد يقول إذا أصبح لا إله إلا الله فذكره إلا كتب الله له بها عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات وإلا كن له عند الله عدل عشر رقاب يحررن وإلا كان في جنة من الشيطان حتى يمسي ولا قالها حين يمسي إلا كان كذلك قال قلت لأبي محمد أنت سمعتها من أبي أيوب قال والله لسمعتها من أبي أيوب رضي الله تعالى عنه
( قال أبو عبد الله والصحيح قول عمرو )
أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله قول عمر وكذا وقع في رواية أبي ذر وحده والصواب بضم العين قيل الظاهر أن الواو واو العطف ووقع عند أبي زيد المروزي في روايته الصحيح قول عبد الملك بن عمرو وقال الدارقطني الحديث حديث ابن أبي السفر عن الشعبي وهو الذي ضبط الإسناد -
76 -
( باب فضل التسبيح )
أي هذا باب في بيان فضل التسبيح وهو قول سبحان الله وهو أي لفظ سبحان الله اسم مصدر وهو التسبيح وقيل بل سبحان مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي وهو من الأسماء اللازمة للإضافة وقد يفرد وإذا أفرد منع الصرف للتعريف وزيادة الألف والنون كقوله
( أقول لما جاءني فخره
سبحان من علقمة الفاخر )
وجاء منونا كقوله
( سبحانه ثم سبحانا يعود له
وقبلنا سبح الجودي والجمد )
فقيل صرف ضرورة وقيل هو بمنزلة قبل وبعد إن نوى تعريفه بقي على حاله وإن نكر أعرب منصرفا وهذا البيت يساعد على كونه مصدرا لا اسم مصدر ولوروده منصرفا ولقائل القول الأول أن يجيب عنه بأن هذا نكرة لا معرفة وهو من الأسماء اللازمة النصب على المصدرية فلا ينصرف والناصب له فعل مقدر لا يجوز إظهاره وعن الكسائي إنه منادى تقديره يا سبحانك ومنعه جمهور النحويين وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والأول هو المشهور ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ويطلق ويراد به الصلاة النافلة وقال ابن الأثير وأصل التسبيح التنزيه من النقائص ثم استعمل في مواضع تقرب منه اتساعا يقال سبحته أسبحه تسبيحا وسبحانا ويقال أيضا للذكر والصلاة النافلة سبحة يقال قضيت سبحتي والسبحة من التسبيح كالسخرة من التسخير
5046 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر
هذا الإسناد بعينه مع بعض هذا المذكور فيه قد مضى في أول الباب السابق وهناك بعد قوله مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب إلى آخره وهنا حطت خطاياه الخ
ويقال إن البخاري أفرد هذا الحديث من ذلك الحديث وأخرجه الترمذي في الدعوات عن إسحاق بن موسى الأنصاري وغيره وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن قتيبة وغيره وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح عن نصر بن عبد الرحمن الوشابة
قوله سبحان الله منصوب على المصدرية بفعل محذوف تقديره سبحت سبحان الله قوله وبحمده أي أحمده والواو فيه للحال تقديره سبحت الله ملتبسا بحمدي له من أجل توفيقه لي للتسبيح قوله في يوم قال الطيبي يوم مطلق

(23/25)


لم يعلم في أي وقت من أوقاته فلا يقيد بشيء منها وقال صاحب ( المظهر ) ظاهر الإطلاق يشعر بأنه يحصل هذا الأجر المذكور لمن قال ذلك مائة مرة سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخر النهار لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار قوله حطت خطاياه أي من حقوق الله لأن حقوق الناس لا تنحط إلا باسترضاه الخصوم قوله مثل زبد البحر كناية عن المبالغة في الكثرة
6046 - حدثنا ( زهير بن حرب ) حدثنا ( ابن فضيل ) عن ( عمارة ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمان سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن فضيل هو محمد بن فضيل بتصغير فضل الضبي وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة اسمه هرم بن عمرو بن جرير الجبلي الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأيمان والنذور عن قتيبة وفي التوحيد آخر الكتاب عن أحمد بن أشكاب وأخرجه مسلم في الدعوات عن زهير بن حرب وغيره وأخرجه الترمذي فيه عن يوسف بن عيسى وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن علي بن منذر وغيره وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره
قوله كلمتان أي كلامان والكلمة تطلق على الكلام كما يقال كلمة الشهادة قوله خفيفتان قال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات ولا يشق عليه فذكر المشبه وأراد المشبه به قوله ثقيلتان في الميزان الثقل فيه على حقيقته لأن الأعمال تتجسم عند الميزان والميزان هو الذي يوزن به في القيامة أعمال العباد وفي كيفيته أقوال والأصح أنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين والله تعالى يجعل الأعمال كالأعيان موزونة أو يوزن صحف الأعمال قوله حبيبتان تثنية حبيبة بمعنى محبوبة يقال حبيب فلان إلى هذا الشيء أي جعله محبوبا والمراد هنا محبوبية قائلهما ومحبة اللهللعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم قيل لفظ الفعيل بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ولا سيما إذا كان موصوفه مذكرا فما وجه لحوق علامة التأنيث وأجيب بأن التسوية بينهما جائزة لا واجبة أو وجوبها في المفرد لا في المثنى وقيل إنما أنثها لمناسبة الخفيفة والثقيلة لأنهما بمعنى الفاعلة لا المفعولة وقيل هذه التاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية قوله إلى الرحمن وإنما خصص لفظ الرحمن من بين سائر الأسماء الحسنى لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل قلت يجوز أن يقال اختصاص ذلك لإقامة السجع أعني الفواصل وهي من محسنات الكلام على ما عرف في علم البديع وإنما نهى عن سجع الكهان لكونه متضمنا للباطل قوله سبحان الله قد ذكرنا أنه لازم النصب بإضمار الفعل وسبحان علم للتسبيح كعثمان علم للرجل والعلم على نوعين علم شخصي وعلم جنسي ثم أنه يكون تارة للعين وتارة للمعنى فهذا من العلم الجنسي الذي للمعنى قيل قالوا لفظ سبحان واجب الإضافة فكيف الجمع بين العلمية والإضافة وأجيب بأنه ينكر ثم يضاف كما قال الشاعر
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم
بأبيض ماض الشفرتين يمان
ووجه تكرير سبحان الله الإشعار بتنزيهه على الإطلاق ثم أن التسبيح ليس إلا ملتبسا بالحمد ليعلم ثبوت الكمال له نفيا وإثباتا جميعا والله سبحانه وتعالى أعلم
( باب فضل ذكر الله عز و جل )
أي هذا باب في بيان فضل ذكر الله تعالى والمراد بذكر الله هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب فيها والإكثار منها وقد يطلق ذكر الله ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه الله تعالى أو ندب إليه كقراءة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة

(23/26)


العلم والتنفل بالصلاة وقال الرازي رحمه الله المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي حتى يطلع على أحكامها وفي أسرار مخلوقات الله تعالى والذكر بالجوارح هو أن تصير مستغرقة في الطاعات
98 - ( حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال النبي مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت )
مطابقته للترجمة من حيث أن الذي يذكر الله تعالى كالحي بسبب فضيلة الذكر وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس والحديث أخرجه عن محمد بن العلاء أيضا بسنده المذكور بلفظ مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت وكذا وقع عند الإسماعيلي وابن حبان وأبي عوانة والبيت لا يوصف بالحياة والموت حقيقة والذي يوصف بهما هو الساكن فيكون هذا من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال ويحتمل أن يكون هذا تجوزا من الراوي قوله والذي لا يذكر الله وقع في رواية أبي ذر ربه أيضا وجه التشبيه بين الذاكر والحي الاعتداد به والنفع والنصرة ونحوها وبين تارك الذكر والميت التعطيل في الظاهر والبطلان في الباطن
99 - ( حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي قالوا يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول هل رأوني قال فيقولون لا والله ما رأوك قال فيقول وكيف لو رأوني قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأكثر لك تسبيحا قال فيقول فما يسألوني قالوا يسألونك الجنة قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال فيقول فكيف لو أنهم رأوها قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم )
مطابقته للترجمة ظاهرة وجرير هو ابن عبد الحميد والأعمش هو سليمان وأبو صالح ذكوان الزيات والحديث أخرجه مسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال إن لله ملائكة سيارة فضلا يبتغون أهل الذكر الحديث وقال عياض فضلا بسكون الضاد المعجمة قال وهو الصواب وقال في الأكمال فضلا بفتح الفاء وسكون الضاد وقال ابن الأثير أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق ويروى بسكون الضاد وبضمها وقيل السكون أكثر وأصوب وقال الطيبي فضلا بضم الفاء وسكون الضاد جمع فاضل كنزل جمع نازل قوله يلتمسون أي يطلبون وعند مسلم

(23/27)


يبتغون كما ذكرنا وهو بمعناه قوله أهل الذكر يتناول الصلاة وقراءة القرآن وتلاوة الحديث وتدريس العلوم ومناظرة العلماء ونحوها قوله فإذا وجدوا قوما يذكرون الله في رواية مسلم فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكره قوله تنادوا وفي رواية الإسماعيلي يتنادون قوله هلموا أي تعالوا وهذا ورد على اللغة التميمية حيث لا يقولون باستواء الواحد والجمع فيه وأهل الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجمع هلم بلفظ الإفراد قوله لي حاجتكم وفي رواية أبي معاوية إلى بغيتكم قوله فيحفونهم أي يطوقونهم بأجنحتهم ومنه وترى الملائكة حافين ومنه وحففناهما بنخل والباء للتعدية وقيل للاستعانة قوله إلى السماء الدنيا وفي رواية الكشميهني إلى سماء الدنيا قوله فيسألهم ربهم أي فيسأل الملائكة ربهم وهو أعلم أي والحال أنه أعلم منهم أي من الملائكة وفي رواية الكشميهني وهو أعلم بهم ووجه هذا السؤال الإظهار للملائكة أن في بني آدم المسبحين والمقدسين وأنه استدراك لما سبق منهم من قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها وفي رواية مسلم من أين جئتم فيقولن جئنا من عند عباد لك في الأرض وفي رواية الترمذي أي شيء تركتم عبادي يصنعون قال فيقول هكذا رواية أبي ذر فيقول بالفاء وفي رواية غيره يقول أي يقول الله قوله فما يسألون ويروى فما يسألونني قوله يسألونك الجنة وفي رواية مسلم يسألون جنتك قوله وهل رأوها أي الجنة وفي رواية مسلم وهل رأوا جنتي قوله فمم يتعوذون وفي رواية أبي معاوية فمن أي شيء يتعوذون قوله من النار وفي رواية مسلم من نارك قوله فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة وفي مسلم يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم وزاد قال فيقول وله قد غفرت قوله هم الجلساء جمع جليس وفي رواية مسلم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وفيه أن الصحبة لها تأثير عظيم وإن جلساء السعداء سعداء والتحريض على صحبة أهل الخير والصلاح
( رواه شعبة عن الأعمش ولم يرفعه )
يعني روى الحديث المذكور شعبة بن الحجاج عن سليمان الأعمش بسنده المذكور ولم يرفعه إلى رسول الله ووصله أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال بنحوه ولم يرفعه حاصله أنه موقوف -
76 -
( باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله )
أي هذا باب في بيان فضل لا حول ولا قوة إلا بالله معناه لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بالله وحكى عن أهل اللغة أن معنى لا حول ولا حيلة يقال ما للرجل حيلة ولا حول ولا احتيال ولا محتال ولا محالة وقوله تعالى ( 13 ) وهو شديد المحال ( الرعد31 ) يعني المكر والقوة والشدة
9046 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( سليمان التيمي ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أبي موسى الأشعري ) علا عليها رجل نادى فرفع صوته لا إلاه إلا الله والله أكبر قال ورسول الله على بغلته قال فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ثم قال يا أبا موسى أو يا عبد الله ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة قلت بلاى قال لا حول ولا قوة إلا بالله
طابقته للترجمة في آخر الحديث وعبد الله هو ابن المبارك وسليمان هو ابن طرخان التيمي البصري وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس
والحديث مضى عن قريب في

(23/28)


باب الدعاء إذا علا عقبة
قوله أخذ أي طفق يمشي قوله أو قال في تنية شك من الراوي والثنية هي العقبة وشك الراوي في اللفظ وهذا على مذهب من يحتاط ويريد نفل اللفظ بعينه قوله ورسول الله على بغلتهالواو فيه للحال قوله على كلمة من كنز الجنة قيل كيف كانت من الكنز وأجيب بأنها كالكنز في كونها ذخيرة نفيسة تتوقع الانتفاعات بها
86 -
( باب لله عز و جل مائة اسم غير واحد )
أي هذا باب يذكر فيه أن لله مائة اسم غير واحد وفي رواية أبي ذر غير واحدة بالتأنيث
0146 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( حفظناه من أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة رواية ) قال لله تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر طابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضا عن زهير بن حرب وغيره ولفظه عن أبي هريرة عن النبي قال لله تعالى تسعة وتسعون اسما من حفظها دخل الجنة والله وتر يحب الوتر وفي لفظ من أحصاها وفي لفظ مثل لفظ البخاري إلا أن في آخره من أحصاها دخل الجنة وأخرجه الترمذي فيه عن ابن أبي عمر به ولفظه إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الحديث وعدها كلها ثم قال وهذا حديث غريب
قوله رواية أي عن أبي هريرة من حيث الرواية عن النبي قوله تسعة مبتدأ وخبر مقدما قوله لله قوله مائة أي هذه مائة إلا واحدا وذكر هذه الجملة لدفع الالتباس بسبع وسبعين وللاحتياط فيه بالزيادة والنقصان وقال المهلب فذهب قوم إلى أن ظاهره يقتضي أن لا اسم لله غير ما ذكر إذ لو كان له غيرها لم يكن لتخصيص هذه المدة معنى وقال آخرون يجوز أن يكون له زيادة على ذلك إذ لا يجوز أن تتناهى أسماؤه لأن مدائحه وفواضله غير متناهية وقيل ليس فيه حصر لأسمائه إذ ليس معناه أنه ليس له اسم غيرها بل معناه أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة إذ المراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء فيها وقيل أسماء الله وإن كانت أكثر منها لكن معاني جميعها محصورة فيها فلذلك حصرها فيها قيل فيه دليل على أن أشهر أسمائه هو الله لإضافة الأسماء إليه وقيل هو الاسم الأعظم وعن أبي القاسم القشيري فيه دليل على أن الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره وقال غيره إذا كان الاسم غير المسمى لزم من قوله لله تسعة وتسعون اسما الحكم بتعدد الآلهة الجواب أن المراد من الاسم هنا اللفظ ولا خلاف في ورود الاسم بهذا المعنى وإنما النزاع في أنه هل يطلق ويراد به المسمى عينه ولا يلزم من تعدد الأسماء تعدد المسمى وجواب آخر أن كل واحد من الألفاظ المطلقة على الله سبحانه يدل على ذاته باعتبار صفة حقيقية أو غير حقيقية وذلك يستدعى التعدد في الاعتبارات والصفات دون الذات ولا استحالة في ذلك قوله إلا واحدا في رواية أبي ذر إلا واحدة أنثها ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة قوله لا يحفظها أحد المراد بالحفظ القراءة بظهر القلب فيكون كناية عن التكرار لأن الحفظ يستلزم التكرار وقيل معناه العمل بها والطاعة بمعنى كل اسم منها والإيمان بها ومعنى الرواية الأخرى من أحصاها عدها في الدعاء بها وقيل أحسن المراعاة لها والمحافظة على ما تقتضيه وصدق معانيها وقيل من أحصاها أي كرر مجموعها قوله دخل الجنة ذكره بلفظ الماضي تحقيقا له لأنه كائن لا محالة قوله وهو وترا أي الله وتر يعني واحد لا شريك له والوتر بكسر الواو وفتحها وقرىء بهما قوله يحب الوتر يعني يفضله في الأعمال وكثير من الطاعات ولهذا جعل الله الصلوات خمسا والطواف سبعا وندب التثليث في أكثر الأعمال وخلق السموات سبعا والأرضين سبعا وغير ذلك

(23/29)


17 -
( باب الموعظة ساعة بعد ساعة )
أي هذا باب في بيان أن الموعظة ينبغي أن تكون ساعة بعد ساعة لأن الاستمرار عليها يورث الملل وهو معنى قوله كان يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا والموعظة اسم من لوعظ وهو النصح والتذكير بالعواقب تقول وعظته وعظا وعظة فاتعظ أي قبل الموعظة فإن قلت ما وجه ذكر هذا الباب في الدعوات
قلت لأن المواعظ يخالطها غالبا التذكير بالله والذكر من جملة الدعاء كما سبق فيما مضى
1146 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( شقيق ) قال كنا ننتظر عبد الله إذ جاء يزيد بن معاوية فقلنا ألا تجلس قال لا ولاكن أدخل فأخرج إليكم صاحبكم وإلا جئت أنا فجلست فخرج عبد الله وهو آخذ بيده فقام علينا فقال أما إني أخبر بمكانكم ولاكنه يمنعني من الخروج إليكم أن رسول الله كان يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا
طابقته للترجمة تؤخذ من قوله كان يتخولنا إلى آخره وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة
والحديث مضى في كتاب العلم في باب كان النبي يتخولهم بالموعظة والعلم كيلا ينفروا ومضى أيضا في الباب الذي يليه
قوله كنا ننتظر عبد الله يعني ابن مسعود وفي رواية مسلم كنا جلوسا عند باب عبد الله ننتظره فمر بنا يزيد بن معاوية قوله إذ جاء كلمة إذ للمفاجأة ويزيد من الزيادة ابن معاوية النخعي الكوفي التابعي الثقة العابد قتل غازيا بفارس كان في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه وليس له في الصحيحين ذكر إلا في هذا الموضع قوله ألا تجلس كلمة ألا للعرض والتنبيه والخطاب ليزيد قوله أدخل بلفظ المتكلم من المضارع أي أدخل دار عبد الله قوله فأخرج بضم الهمزة من الإخراج قوله صاحبكم يعني ابن مسعود قوله وإلا أي وإن لم أخرجه جئت فجلست عندكم قوله وهو آخذ الواو فيه للحال قوله أما إني كلمة أما بالتخفيف وإني بكسر الهمزة قوله أخبر على صيغة المجهول قوله بمكانكم أي بكونكم هذا جواب ابن مسعود لهم في قولهم وددنا أنك لو ذكرتنا كل يوم وكان يذكرهم كل خميس قوله يتخولنا بالخاء المعجمة أي يتعهدنا وكان الأصمعي يقول يتخوننا بالنون بمعنى يتعهدنا قوله كراهية السآمة أي لأجل كراهة الملالة وكان ذلك رفقا من النبي لأصحابه فيجب أن يقتدى به لأن التكرار يسقط النشاط ويمل القلب وينفره
18 -
( كتاب الرقاق )
أي هذا كتاب في بيان الرقاق وهو جمع رقيق من الرقة قال ابن سيده الرقة الرحمة ورققت له أرق ورق وجهه استحى ويقال الرقة ضد الغلظة يقال رق يرق رقا فهو رقيق ورقاق وفي ( التوضيح ) كتاب الرقاق كذا في الأصول وقال صاحب ( التلويح ) عبر جماعة من العلماء في كتبهم الرقائق وكذا في نسخة معتمدة من رواية النسفي عن البخاري وهو جمع رقيقه والمعنى واحد وفي بعض النسخ ما جاء في الرقاق وسميت أحاديث الباب بذلك لأن في كل منها ما يحدث في القلب رقه
1 -
( باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة )
أي هذا باب في بيان ما جاء الخ كذا في رواية أبي ذر عن السرخسي وفي روايته عن المستملي والكشميهني سقط لفظ الصحة والفراغ وكذا في رواية النسفي وفي رواية كريمة عن الكشميهني ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة وفي ( شرح

(23/30)


ابن بطال ) باب لا عيش إلا عيش الآخرة كرواية أبي ذر عن المستملي وهذه الترجمة مذكورة في حديثين من أحاديث الباب على ما يجيء إن شاء الله تعالى
2146 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) أخبرنا ( عبد الله بن سعيد ) هو ( ابن أبي هند ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال النبي نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ
مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة والمكي كذا في رواية الأكثرين بالألف واللام وهو اسم بلفظ النسبة وهو من مشايخ البخاري الكبار وقد روى أحمد هذا الحديث عنه بعينه وعبد الله بن سعيد من صغار التابعين لأنه لقي بعض صغار الصحابة وهو أبو أمامة بن سهل وهو يروي عن أبيه سعيد بن أبي هند الفزاري مولى سمرة بن جندب وأوضح هذا يحيى القطان في روايته حيث قال عن عبد الله بن سعيد حدثني أبي أخرجه الإسماعيلي والضمير في قوله هو ابن أبي هند يرجع إلى سعيد لا لعبد الله وهو من تفسير البخاري
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن صالح بن عبد الله وسويد بن نصر وأخرجه النسائي في الرقاق عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن عباس بن عبد العظيم وقال الترمذي ورواه غير واحد عن عبد الله بن سعيد ورفعوه ووقفه بعضهم
قوله نعمتان تثنية نعمة وهي الحالة الحسنة وبناء النعمة التي يكون عليها الإنسان كالجلسة وقال الإمام فخر الدين النعمة عبارة عن المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير قوله مغبون إما مشتق من الغبن بسكون الباء وهو النقص في البيع وإما من الغبن بفتح الباء وهو النقص في الرأي فكأنه قال هذان الأمران إذا لم يستعملا فيما ينبغي فقد غبن صاحبهما فيهما أي باعهما ببخس لا تحمد عاقبته أو ليس له في ذلك رأي ألبتة فإن الإنسان إذ لم يعمل الطاعة في زمن صحته ففي زمن المرض بالطريق الأولى وعلى ذلك حكم الفراغ أيضا فيبقى بلا عمل خاسرا مغبونا هذا وقد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش وبالعكس فإذا اجتمعا في العبد وقصر في نيل الفضائل فذلك هو الغبن له كل الغبن وكيف لا والدنيا هي سوق الأرباح وتجارات الآخرة قوله كثير مرفوع بالابتداء وخبره هو قوله مغبون مقدما والجملة خبر قوله نعمتان قوله الصحة أي إحدى النعمتين الصحة في الأبدان قوله والفراغ أي الأخرى منهما الفراغ وهو عدم ما يشغله من الأمور الدنيوية
قال عباس العنبري حدثنا صفوان بن عيسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه قال سمعت ابن عباس عن النبي مثله
هذا تعليق أورده البخاري عن عباس بتشديد الباء الموحدة ابن عبد العظيم العنبري أحد مشايخ البخاري عن صفوان بن عيسى الزهري عن عبد الله بن سعيد المذكور في السند السابق عن أبيه عن ابن عباس عن النبي ورواه ابن ماجه عن عباس العنبري المذكور
4146 - حدثني ( أحمد بن المقدام ) حدثنا ( الفضيل بن سليمان ) حدثنا ( أبو حازم ) حدثنا ( سهل بن سعد الساعدي ) قال كنا مع رسول الله في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب

(23/31)


ويمر بنا فقال اللهم
لا عيش إلا عيش الآخره
فاغفر للأنصار والمهاجره
( انظر الحديث 7973 وطرفه )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة وأحمد بن المقدام بكسر الميم العجلي والفضيل بن سليمان النميري بضم النون وفتح الميم مصغر النمر وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي سلمة بن دينار
والحديث مضى في فضل الأنصار وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمد بن عبد الله بن بزيغ
قوله وهو يحفر أي رسول الله يحفر الخندق فإن قلت تقدم في فضل الأنصار خرج رسول الله وهم يحفرون
قلت الجمع بينهما بأن يقال كان منهم من يحفر مع النبي ومنهم من كان ينقل التراب
تابعه سهل بن سعد عن النبي مثله
قال صاحب ( التلويح ) هذا يحتاج إلى نظر وقال غيره هذا ليس بموجود في نسخ البخاري فينبغي إسقاطه
2 -
( باب مثل الدنيا في الآخرة )
أي هذا باب مترجم بقوله مثل الدنيا في الآخرة قوله مثل الدنيا كلام إضافي مبتدأ وقوله في الآخرة متعلق بمحذوف تقديره مثل الدنيا بالنسبة إلى الآخرة وكلمة في تأتى بمعنى إلى كافي قوله تعالى ( 14 ) فردوا أيديهم في أفواههم ( إبراهيم9 ) أي إلى أفواههم والخبر محذوف تقديره كمثل لا شيء ألا ترى أن قدر سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها على ما يجيء في حديث الباب وقال بعضهم هذه الترجمة بعض لفظ حديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق قيس بن أبي حازم عن المستورد بن شداد رفعه والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع
قلت لا وجه أصلا في الذي ذكره ولا خطر ببال البخاري هذا وإنما وضع هذه الترجمة ثم ذكر حديث سهل لأنه يطابقها في المعنى ولا يخفى ذلك إلا على القاصر في الفهم
وقوله تعالى اعلموا أنما الحيواة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الاموال والاولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الاخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحيواة الدنيآ إلا متاع الغرور ( الحديد02 ) ح
وقوله بالرفع عطف على قوله مثل الدنيا وهذا هكذا بالسوق إلى قوله متاع الغرور في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر إنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله متاع الغرور وأول الآية اعلموا أنما الحياة الدنيا والمراد بالحياة الدنيا هنا ما يختص بدار الدنيا من تصرف وأما ما كان فيها من الطاعة وما لا بدل منه مما يقيم الأود ويعين على الطاعة فليس مرادا هنا قوله وزينة وهي ما يتزين به مما هو خارج عن ذات الشيء مما يحسن به الشيء قوله وتفاخر هذا غالبا يكون بالنسب كعادة العرب قوله وتكاثر في الأموال والأولاد حيث يقولون نحن أكثر مالا وولدا من بني فلان فيتفاخرون بذلك قوله كمثل غيث أي زرع أعجب الكفار أي الزراع نباته وهم الذين يكفرون البذر أي يغطونه وقيل هم من كفر لأن الدنيا تعجبهم قوله ثم يهيج أي يجف ويبقى حطاما يتحطم وهذا مثل الدنيا وزوالها قوله عذاب شديد أي الأعداء الله تعالى قوله ومغفرة أي لأوليائه قوله وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور تأكيد لما سبق أي تغر من ركن إليها وأما التقى فهي له بلاغ إلى الآخرة
5146 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل ) قال سمعت النبي يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها

(23/32)


مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث من حيث إن قدر موضع سوط إذا كان خيرا من الدنيا وما فيها تكون الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كلا شيء كما ذكرناه
وعبد العزيز يروي عن أبيه أبي حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار عن سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري رضي الله عنه
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد عن يحيى بن يحيى
قوله ولغدوة اللام فيه للتأكيد قوله في سبيل الله أعم من الجهاد قوله أو روحة كلمة أو للتنويع لا لشك الراوي
3 -
( باب قول النبي كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )
أي هذا باب في بيان قول النبي كن في الدنيا إلى آخره وهذه ترجمة ببعض حديث الباب قيل أشار به إلى أن حديث الباب مرفوع وأن من رواه موقوفا قصر فيه
4 -
( باب في الأمل وطوله )
أي هذا باب في بيان الهاء الأمل عن العمل والأمل مذموم لجميع الناس إلا العلماء فلولا أملهم وطوله لما صنفوا ولما ألفوا وقد نبه عليه ابن الجوزي بقوله
( وآمال الرجال لهم فضوح
سوى أمل المصنف ذي العلوم )
والفرق بين الأمل والتمني أن الأمل ما يقوم بسبب والتمني بخلافه وقال بعض الحكماء إن الإنسان لا ينفك عن الأمل فإن فاته الأمل عول على التمني وقيل كثرة التمني تخلق العقل وتفسد الدين وتطرد القناعة وقال الشاعر

(23/33)


الله أصدق والآمال كاذبة
وجل هذا المنى في الصدر وسواس
وقول الله تعالى ( 3 ) فمن زحزح عن النار وادخل الجنةمتاع الغرور ( آل عمران581 ) إلى قوله ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ( الحجر3 )
هاتان الآيتان الأولى مسوقة بتمامها في رواية كريمة وفي رواية النسفي هكذا فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز الآية والثانية في رواية كريمة وغيرها مسوقة إلى آخرها وفي رواية أبي ذر هكذا ذرهم يأكلوا ويتمتعوا الآية وبين الآيتين سقط لفظ قوله في رواية النسفي وقال الكرماني وجه مناسبة الآية الأولى بالترجمة صدرها وهو قوله تعالى كل نفس ذائقة الموت أو عجزها وهو وما الحياة الدنيا الامتاع الغرور وهذا يبين أن متعلق الأمل ليس بشيء قوله فمن زحزح أي أبعد قوله فاز أي نجا قوله ذرهم الأمر فيه للتهديد أي ذر المشركين يا محمد يأكلوا في هذه الدنيا ويتمتعوا من لذاتها إلى أجلهم الذي أجل لهم وفيه زجر عن الانهماك في ملاذ الدنيا قوله ويلههم الأمل أي يشغلهم عن عمل الآخرة
وقال علي ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
أي قال علي بن أبي طالب وهكذا وقع في بعض النسخ ومطابقته للترجمة تؤخذ من أوله لأن الدنيا لما كانت مدبرة فالأمل فيها مذموم ومن كلام علي هذا أخذ بعض الحكماء قوله الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة فعجب لمن يقبل على المدبرة ويدبر عن المقبلة وقال صاحب ( التوضيح ) روينا في كتاب أبي الليث السمرقندي رحمه الله قال صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل قلت روى هذا الحديث عبد الله بن عمرو رفعه أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا وأثر علي رضي الله تعالى عنه أخرجه ابن المبارك في ( رقائقه ) ورواه نعيم بن حماد عن سليمان ابن خلاد حدثنا سفيان عن زبيد اليامي عن مهاجر الطبري عنه قوله فإن اليوم عمل قيل اليوم ليس عملا بل فيه العمل ولا يمكن تقدير في وإلا وجب نصب عمل وأجيب بأنه جعله نفس العمل مبالغة كقولهم أبو حنيفة فقه ونهاره صائم قوله ولا حساب بالفتح أي لا حساب فيه ويجوز بالرفع أي ليس في اليوم حساب ومثله شاذ عند النحاة وهذا حجة عليهم
7146 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) قال حدثني أبي عن ( منذر ) عن ( ربيع بن خثيم ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال خط النبي خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خططا صغارا إلى هاذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال هاذا الإنسان وهاذا أجله محيط به أو قد أحاط به وهاذا الذي هو خارج أمله وهاذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هاذا نهشه هاذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه مثال أمل الإنسان وأجله والأعراض التي تعرض عليه وموته عند واحد منها فإن سلم منها فيأتيه الموت عند انقضاء أجله
ويحيي هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري يروي عن أبيه سعيد بن مسروق وسعيد بن مسروق وسعيد يروي عن منذر على صيغة اسم الفاعل من الإنذار ابن يعلى على وزن يرضى بفتح الياء الثوري الكوفي يروي عن ربيع بفتح الراء وكسر الباء الموحدة ابن خثيم بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف وبالميم الثوري أيضا
وهؤلاء الأربعة ثوريون كوفيون وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن ابن بشار وأخرجه النسائي في الرقاق عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن

(23/34)


أبي بشر بكر بن خلف وأبي بكر بن خلاد خمستهم عن يحيى بن سعيد عن سفيان الثوري
قوله خط النبي الخط الرسم والشكل قوله مربعا هو المستوي الزوايا قوله منه أي من الخط المربع قوله وخط خططا بضم الخاء وكسرها جمع الخطة قوله وقال أي النبي قوله هذا الإنسان مبتدأ وخبر أي هذا الخط هو الإنسان هذا على سبيل التمثيل وهذه صفته
أجل
إنسان 111111
أمل
111111
- وقيل هكذا
أجل
إنسان 111111 111111
أمل
111111 111111 -
وقال الكرماني الخطوط ثلاثة لأن الصغار كلها في حكم واحد والمشار إليه أربعة فكيف ذلك
قلت الداخل له اعتباران إذ نصفه داخل ونصفه مثلا خارج فالمقدار الداخل منه هو الإنسان فرضا والخارج أمله قوله وهذه الخطط الصغار الأعراض أي الآفات العارضة له وفي رواية المستملي والسرخسي وهذه الخطوط وهي الشطبات على الخط الخارج من وسط المربع من فوقه ومن أسفله وهي الأعراض أي الآفات فإن أخطأه هذا أي فإن تجاوز عنه هذا العرض نهشه هذا أي العرض الآخر ونهشه بالنون والشين المعجمة ومعناه أصابه وقال ابن التين رويناه بالمعجمة والمهملة ومعناه أخذ الشيء بمقدم الأسنان والحية تنهس إذا عضت قوله وإن أخطأ هذا أي وإن أخطأ الإنسان هذا العرض نهشه هذا أي عرض آخر وهو الأجل يعني إن يمت بالموت الاخترامي لا بد أن يموت بالموت الطبيعي وحاصله أن ابن آدم يتعاطى الأمل ويختلجه الأجل دون الأمل
8146 - حدثنا ( مسلم ) حدثنا ( همام ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس ) قال خط النبي خطوطا فقال هاذا الأمل وهاذا أجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب
هذا وجه آخر في مثال الأمر والأجل أخرجه مسلم بن إبراهيم عن همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك يكنى أبا يحيى يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه
والحديث أخرجه النسائي في الرقاق عن عبيد الله بن سعيد عن مسلم بن إبراهيم
قوله خط النبي خطوطا وهذه صفتها
أجل
إنسان 111111
أمل
111111
- وهذه الخطوط
الآفات التي تعرض فبينما الإنسان كذلك في هذه الآفات التي تعرض فبينما الإنسان كذلك في هذه الآفات إذ جاءه الخط الأقرب وهو الأجل وقال الكرماني قال خطوطا في مجملة وذكر اثنين في مفصله
قلت فيه اختصار عن مطول والخطوط الأخر الآفات والخط الأقرب يعني الأجل إذ لا شك أن الخط المحيط هو أقرب من الخط الخارج منه
5 -
( باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله ( 35 ) أو لم نعمركمما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ( فاطر73 ) يعني الشيب )

(23/35)


أي هذا باب في بيان حال من بلغ ستين سنة من العمر قوله فقد أعذر الله إليه أي أزال الله عذره فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية ولا يكون له على الله عد ذلك حجة فالهمزة في أعذر للسلب وحاصل المعنى أقام الله عذره في تطويل عمره وتمكينه من الطاعة مدة مديدة واحتج في ذلك بقوله عز و جل أو لم نعمركم الآية قوله يعني الشيب لم يثبت إلا في رواية أبي ذر وحده قوله أو لم نعمركم قال الزمخشري هذا توبيخ من الله تعالى يعني فيقول لهم وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم انتهى واختلفوا في المراد بالتعمير في الآية على أقوال فعن مسروق أنه أربعون سنة وعن مجاهد عن ابن عباس ست وأربعون سنة وعن ابن عباس سبعون سنة وعن سهل بن سعد ستون سنة وعن أبي هريرة من عمر ستين سنة أو سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر قوله وجاءكم النذير اختلفوا فيه فقيل الرسول وعن زيد بن علي القرآن وعن عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع الشيب وهو الأصح
9146 - حدثنا ( عبد السلام بن مطهر ) حدثنا ( عمر بن علي ) عن ( معن بن محمد الغفاري ) عن ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال أعذر الله إلى أمرىء أخر أجله حتى بلغه ستين سنة
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد السلام بن مطهر بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الهاء المفتوحة ابن حسام أبو ظفر الأزدي البصري مات في رجب سنة أربع وعشرين ومائتين وهو من أفراده وعمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي أبو حفص البصري ومعن بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالنون ابن محمد الغفاري بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء نسبة إلى غفار بن مقبل قبيلة منهم أبو ذر الغفاري وسعيد بن أبي سعيد ذكوان المقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان يسكن عندها
والحديث من أفراده وهذا الإسناد بعينه بحديث آخر مضى في كتاب الإيمان
قوله أعذر الله من الإعذار وهو إزالة العذر قوله أخر أجله أي أطال الله حياته حتى بلغه ستين سنة قال الأطباء الأسنان أربعة سن الطفولة وسن الشباب وسن الكهولة وسن الشيخوخة فإذا بلغ الستين وهو آخر الأسنان فقد ظهر فيه ضعف القوة وتبين فيه النقص والانحطاط وجاء نذير الموت فهو وقت الإنابة إلى الله عز و جل
تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري
أي تابع معن بن محمد في روايته عن سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار وروى هذه المتابعة النسائي عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم سلمة بن دينار عن أبي هريرة قوله وابن عجلان أي وتابعه أيضا محمد بن عجلان في روايته عن المقبري وروى هذه المتابعة الطبراني في ( الأوسط ) عن عبد الرزاق عن معمر عن منصور بن المعتمر عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة
0246 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( أبو صفوان عبد الله بن سعيد ) حدثنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الأمل
مطابقته للترجمة ظاهرة قال الكرماني وكان الأنسب أن يذكر هذا الحديث في الباب المتقدم
وعلى ابن عبد الله هو ابن المديني ويونس هو ابن يزيد الأيلي
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي الطاهر بن السرح وغيره وأخرجه النسائي في الرقاق عن هارون بن سعيد
قوله قلب الكبير أي الشيخ قوله في اثنتين أي في خصلتين قوله شابا سماه شابا لقوة استحكامه في محبة المال قوله وطول الأمل المراد بالأمل هنا طول العمر

(23/36)


قال ليث بن سعد حدثني يونس وابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد وأبو سلمة
وقال ليث بن سعد بدون الألف واللام حدثني يونس هو ابن يزيد قوله وابن وهب هو عبد الله بن وهب وهو عطف على ليث وسعيد هو ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أما رواية ليث فوصلها الإسماعيلي من طريق أبي صالح كاتب الليث حدثنا الليث حدثني يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب أخبرني سعيد وأبو سلمة عن أبي هريرة بلفظه إلا أنه قال المال بدل الدنيا وأما رواية ابن وهب فوصلها مسلم عن حرملة عنه بلفظ قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال
1246 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( هشام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال رسول الله يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان حب المال وطول العمرنه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله يكبر ابن آدم ومسلم بن إبراهيم وفي رواية أبي ذر مسلم غير منسوب وهشام هو الدستوائي
والحدبث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي غسان المسمعي وأبي موسى
قوله يكبر بفتح الباء الموحدة أي يطعن في السن قوله ويكبر معه بضم الباء أي يعظم ولو صحت الرواية في الكلمة الثانية بالفتح فالتلفيق بينه وبين الحديث السابق الذي ذكر فيه الشباب أن المراد بالشباب الزيادة في القوة وبالكبر الزيادة في العدد فذاك باعتبار الكيف وهذا باعتبار الكم قالوا التخصيص بهذين الأمرين هو أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فأحب بقاءها وهو العمر وسبب بقاءها هو المال فإذا أحس بقرب الرحيل قوي حبه لذلك
( والكرى عند الصباح بطيب )
رواه شعبة عن قتادة
أي روى الحديث المذكور شعبة بن حجاج عن قتادة ووصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة ولفظه سمعت قتادة يحدث عن أنس بنحوه قيل فائدة هذا التعليق دفع توهم الانقطاع فيه لكون قتادة مدلسا وقد عنعنه لكن شعبة لا يحدث عن المدلسين إلا بما علم أنه داخل في سماعهم فيستوي في ذلك التصريح والعنعنة بخلاف غيره
6 -
( باب العمل الذي يبتغي به وجه الله تعالى )
أي هذا باب في بيان اعتداد العمل الذي يبتغي به أي يطلب به وجه الله أي ذات الله لا للرياء والسمعة أسقط ابن بطال هذه الترجمة فأضاف حديثها للذي قبله
فيه سعد
أي في هذا الباب حديث سعد بن أبي وقاص وهذا سقط في رواية النسفي والإسماعيلي وغيرهما وحديثه قد مضى في الجنائز مطولا في باب رثاء النبي سعد بن خولة
2246 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( محمود بن الربيع ) ( وزعم محمود ) أنه ( عقل ) رسول الله وقال وعقل مجة مجها من دلو كانت في دراهم
قال سمعت عتبان بن مالك الأنصاري ثم أحد بني سالم قال غدا علي رسول الله فقال لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إلاه إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرمه الله على النار ح
مطابقته للترجمة في قوله يبتغي به وجه الله
ومعاذ بضم الميم ابن أسد المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي

(23/37)


ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد
والحديث مضى في الصلاة مطولا في باب المساجد في البيوت فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري إلى آخره
قوله وزعم أي قال قوله إنه عقل إنما قال عقل لأنه كان صغيرا حين دخل رسول الله دارهم وشرب ماء ومج من ذلك الماء مجة على وجهه
قوله عتبان بكسر العين على الأصح قوله ثم أحد بني سالم بالنصب عطف على قوله الأنصاري وقد تكلم الكرماني هنا كلاما لا حاجة إليه لأنه يشوش بذلك على من ليس له إتقان في هذا الباب وهو أنه قال ذكر في كتاب الصلاة أن الزهري هو الذي سأل الحصين وسمع منه والمفهوم هنا هو محمود
قلت توضيح هذا أن الحديث الذي مضى في الصلاة مطول كما ذكرنا في آخره قال ابن شهاب وهو الزهري ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري وهو أحد بني سالم وهو من سراتهم عن حديث محمود بن الربيع فصدقه بذلك هذا المقدار إن لم يقف عليه أحد لا يظهر له سؤاله المذكور ثم قال في جوابه إن كانت الرواية بالرفع يعني برفع قوله ثم أحد بني سالم فهو عطف على محمود أي أخبرني محمود ثم أخبرني سالم فلا إشكال وإن كان بالنصب يعني قوله ثم أخبرني سالم فالمراد سمعت عتبان الأنصاري ثم السالمي إذ عتبان كان سالميا أيضا أو يقال بأن السماع من الحصين كان حاصلا لهما ولا محذور في ذلك لجواز سماع الصحابي من التابعي أو المراد من الأحد غير الحصين انتهى قوله عدا على بتشديد الياء قوله لن يوافي من الموافاة وهي الإتيان يقال وافيت القوم أي أتيتهم قوله وجه الله أي ذات الله عز و جل
والحديث من المتشابهات ويقال لفظ الوجه زائد أو المراد وجه الحق والإخلاص لا الرياء ونحوه قوله إلا حرمه الله على النار وفي الحديث المتقدم في الصلاة فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله قال الكرماني فإن قلت قال ثمة حرمه على النار وههنا حرم عليه النار فما الفرق بين التركيبين
قلت الأول حقيقة باعتبار أن النار آكلة لما يلقى فيها والتحريم يناسب الفاعل وأما المعنيان فهما متلازمان
قلت تبعه على هذا بعضهم فنقل ما قاله الكرماني ولكن التركيبان ليسا كما ذكراه لأن اللفظ الذي في الصلاة نحو ما ذكرناه الآن واللفظ الذي هنا إلا حرمه الله على النار
4246 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله قال يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفية من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ثم احتسبه لأن معناه صبر على فقد صفية وابتغى الأجر من الله تعالى والاحتساب طلب الأجر من الله تعالى خالصا واحتسب بكذا أجرا عند الله أي نوى به وجه الله والحسبة بالكسر الأجرة واسم من الاحتساب
وقتيبة هو ابن سعيد و ( يعقوب بن عبد الرحمن ) الإسكندراني و ( عمرو ) بن أبي عمرو بالواو فيهما مولى المطلب المخزومي والحديث من أفراده
قوله صفيه بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد الياء آخر الحروف وهو الحبيب المصافي كالولد والأخر وكل من يحبه الإنسان قوله إلا الجنة يتعلق بقوله ما لعبدي المؤمن
7 -
( باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها )
أي هذا باب في بيان ما يحذر على صيغة المجهول من الحذر وفي بعض النسخ ما يحذر بالتشديد من التحذير قوله من زهرة الدنيا أي بهجتها ونضارتها وحسنها قوله والتنافس فيها وهو من النفاسة وهي الرغبة في الشيء ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه وأصلها من الشيء النفيس في نوعه يقال نافست في الشيء منافسة ونفاسة ونفاسا ونفس الشيء بالضم نفاسة صار مرغوبا فيه ونفست به بالكسر بخلت به ونفست عليه لم أره أهلا لذلك

(23/38)


5246 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ) عن ( موسى ابن عقبة ) قال ( ابن شهاب ) حدثني ( عروة بن الزبير ) أن ( المسور بن مخرمة ) أخبره أن ( عمرو بن عوف ) وهو ( حليف لبني عامر بن لؤي ) كان ( شهد بدرا مع ) رسول الله أخبره أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدومه فوافته صلاة الصبح مع رسول الله فلما انصرف تعرضوا له فتبسم رسول الله حين رآهم وقال أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولاكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم طابقته للترجمة في قوله فتنافسوها إلى آخره وإسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ابن أبي عياش يروي عن عمه موسى بن أبي عياش الأسدي مولى الزبير بن العوام وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري والمسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتح الميم وعمرو بن عوف الأنصاري
وفي هذا السند إسماعيل بن إبراهيم من أفراد البخاري وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم موسى وابن شهاب وعروة بن الزبير وفيه صحابيان وهما المسور وعمرو بن عوف وكلهم مدنيون
والحديث مضى في باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة عن عمرو بن عوف الأنصاري إلى آخره ومضى الكلام فيه مستقصى هناك
قوله إلى البحرين سقط لفظ إلى البحرين وفي رواية الأكثرين وثبت في رواية الكشميهني قوله فقدم أبو عبيدة بمال كان قدوم أبي عبيدة سنة عشر قدم بمائة ألف وثمانين ألف درهم كذا في ( جامع المختصر ) وقال قتادة كان المال ثمانين ألفا وقال الزهري قدم به ليلا وقال ابن حبيب هو أكثر مال قدم به على رسول الله وقال قتادة وصب على حصير وفرقه وما أحرم منه سائلا وكان أهل البحرين مجوسا ويستفاد منه أخذ الجزية من المجوس وفيه خلاف بين الفقهاء قوله فوافته ويروى فوافت بدون الضمير وهو رواية المستملي والكشميهني وفي رواية غيرهما فوافقت من الموافقة ووافت من الموافاة وهو الإتيان قوله فابشروا بهمزة القطع قوله وأملوا من التأميل من الأمل وهو الرجاء قوله ما يسركم في محل النصب لأنه مفعول أملوا قوله ما الفقر منصوب بتقدير ما أخشى الفقر وحذف لأن أخشى عليكم مفسر له وقال الطيبي فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر قيل يجوز رفع الفقر بتقدير ضمير أي ما الفقر أخشاه عليكم وقيل هذا مخصوص بالشعر ومضى تفسير التنافس عن قريب قوله وتلهيكم أي تشغلكم عن الآخرة
6246 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة ابن عامر ) أن رسول الله خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرطكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم

(23/39)


أن تشركوا بعدي ولكني أخاف أن تنافسوا فيها
طابقته للترجمة في قوله أخاف أن تنافسوا فيها قوله الليث هو ابن سعد ويروى ليث بدون الألف واللام ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب واسمه سويد وأبو الخير مرثد بفتح الميم وبالثاء المثلثة ابن عبد الله
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب الصلاة على الشهيد فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب إلى آخره
قوله فصلى أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت ولا بد من هذا التأويل لما تقدم في الجنائز أنه دفن شهداء أحد قبل أن يصلي عليهم قوله فرطكم الفرط بفتحتين المتقدم في طلب الماء أي سابقكم إليه كالمهيء له قوله أو مفاتيح الأرض شك من الراوي
وفيه إثبات الحوض المورود وأنه مخلوق اليوم وفيه إخبار بالغيب معجزة له
7246 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال قال رسول الله إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض قيل وما بركات الأرض قال زهرة الدنيا فقال له رجل هل يأتي الخير بالشر فصمت النبي ظننا أنه ينزل عليه ثم جعل يمسح عن جبينه فقال أين السائل قال أنا قال أبو سعيد لقد حمدناه حين طلع ذلك قال لا يأتي الخيرإلا بالخير إن هاذا المال خضرة حلوة وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضرة أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس فاجترت وثلطت وبالت ثم عادت فأكلت وإن هاذا المال حلوة من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعح المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع
مطابقته للترجمة في قوله زهرة الدنيا وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان ونسبته إلى خدر بطن من الأنصار
والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب الصدقة على اليتامى فإنه أخرجه هناك عن معاذ بن فضالة عن هشام عن يحيى عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري إلى آخره
قوله إن أكثر ما أخاف عليكم وفي رواية الزكاة إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم وفي رواية السرخسي إني مما أخاف قوله ما يخرج بضم الياء من الإخراج وهو خبر إن قيل هذا لا يصلح أن يكون خبرا للأكثره وأجيب بأن فيه إضمارا تقديره ما أخاف بسببه عليكم أو مما يخرج قوله زهرة الدنيا وفي كتاب الزكاة زاد هلال وزينتها وهو عطف تفسيري والزهرة بفتح الزاي وسكون الهاء وقد قرىء في الشاذ عن الحسن وغيره بفتح الهاء فقيل هما بمعنى واحد وقيل بالتحريك جمع زاهر كفاجر وفجرة والمراد بالزهرة الزينة والبهجة مأخوذ من زهرة الشجرة وهو نورها بفتح النون والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها مما يغتر الناس بحسنه مع قلة البقاء قوله فقال رجل لم يدر اسمه قوله هل يأتي الخير بالشر أي هل تصير النعمة عقوبة قوله حتى ظننا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره حتى ظننت أنه أي أن النبي ينزل عليه بصيغة المجهول أي الوحي قوله ثم جعل يمسح عن جبينه أي العرق وهكذا وقع في رواية الدارقطني قوله لقد حمدناه حين طلع ذلك أي حمدنا الرجل حين ظهر هكذا هو في رواية النسفي وفي رواية غيره كذلك وقال الكرماني تقدم في الزكاة أنهم ذموه وقالوا له لم تكلم النبي ولا يكلمك وأجاب بأنهم ذموه أو لا حيث رأوا سكوته وحمدوه آخرا حيث صار سؤاله سببا لاستفادتهم منه قوله لا يأتي الخير إلا بالخير زاد في رواية الدارقطني تكرار ذلك ثلاث مرات قوله خضرة التاء فيه إما للمبالغة نحو رجل علامة أو هو صفة الموصوف محذوف

(23/40)


نحو بقلة خضرة أو باعتبار أنواع المال وقال ابن الأنباري هذا ليس بصفة للمال وإنما هو للتشبيه كأنه قال المال كالبقلة الخضرة الحلوة قوله الربيع أي الجدول وهو النهر الصغير وجمع الربيع الأربعاء وإسناد الإنبات إلى الربيع مجاز والمنبت هو الله عز و جل في الحقيقة قوله حبطا بفتح الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وبالطاء المهملة وهو انتفاخ البطن من كثرة الأكل يقال حبطت الدابة تحبط حبطا إذا أصابت مرعى طيبا فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ فتموت وروي بالخاء المعجمة من التخبط وهو الاضطراب قوله أويلم بضم أوله أي يقرب أن يقتل قوله إلا آكلة الخضرة كلمة إلا بالتشديد للاستثناء ويروى بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح و آكلة بالمد وكسر الكاف والخضرة بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني بضم الخاء وسكون الضاد وبتاء التأنيث وفي رواية السرخسي الخضراء بفتح أوله وسكون ثانيه وبالمد ولغيرهم بضم أوله وفتح ثانيه جمع خضرة وقال الكرماني الخضرة بفتح الخاء البقلة الخضراء أو ضرب من الكلأ وقيل ما بين الشجر والبقل قوله خاصرتاها تثنية خاصرة وهما جانبا البطن من الحيوان وفي رواية الكشميهني خاصرتها بالإفراد قوله فاجترت بالجيم من الاجترار وهو أن يجر البعير من الكرش ما أكله إلى فمه فيمضغه مرة ثانية وكل لقمة منه تسمى جرة ويصير كل واحدة بعرة قوله وثلطت بفتح الثاء المثلثة وفتح اللام والطاء المهملة وضبطها ابن التين بكسر اللام أي ألقت ما في بطنها رقيقا والغرض من هذا أن جمع المال غير محرم لكن الاستكثار منه ضار بل يكون سببا للهلاك قوله فنعم المعونة هو أي المال يعني حيث كان دخله وخرجه بالحق فنعم العون للرجل في الدارين وقال صاحب ( المغرب ) المعونة العون
قلت أشار به إلى أنه مصدر ميمي
وفيه مثل للمؤمن أن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر حاجته ولا تغره زهرتها فتهلكه
9246 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( عبيدة ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه عن النبي قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين

(23/41)


يلونهم ثم يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم
طابقته للترجمة تؤخذ من قوله ولم تنقصهم الدنيا إلى آخره يستخرجها من أمعن النظر فيه
و ( يحيى بن موسى ) بن عبد ربه البلخي يقال له خت و ( إسماعيل ) هو ابن أبي خالد و ( قيس ) هو ابن أبي حازم وخباب هو ابن الأرت
والحديث مضى في كتاب المرضى في باب تمني المريض الموت فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن إسماعيل الخ
قوله ولم تنقصهم الدنيا أي لم تدخل الدنيا فيهم نقصا بوجه من الوجوه أي لم يشتغلوا بجمع المال بحيث يلزم في كمالهم نقصان قوله إلا التراب أراد به بناء الحيطان بقرينة قوله في الحديث الذي يليه وهو يبني حائطا ول ( ولا ) ذلك لكان اللفظ محتملا لإرادة الكنز ودفن الذهب في الأرض وقال الداودي يعني لا يكاد ينجو من فتنة المال إلا من مات وصار إلى التراب
19 - ( حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل قال حدثني قيس قال أتيت خبابا وهو يبني حائطا له فقال إن أصحابنا الذين مضوا لم تنقصهم الدنيا شيئا وإنا أصبنا من بعدهم شيئا لا نجد له موضعا إلا التراب )
هذا طريق آخر في الحديث السابق عن محمد بن المثنى ضد المفرد عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد إلى آخره قوله شيئا ويروى بشيء
20 - ( حدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن خباب رضي الله عنه قال هاجرنا مع رسول الله قصه )
محمد بن كثير ضد القليل وسفيان هو ابن عيينة والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة قوله قصه كذا لأبي ذر أي قص الحديث راويه وأشار به إلى ما أخرجه بتمامه في أول الهجرة إلى المدينة عن محمد بن كثير بالسند المذكور ههنا
( باب قول الله تعالى يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )

(23/42)


أي هذا باب في قوله تعالى الخ وفي رواية كريمة هكذا سقيت الآيتان المذكورتان وفي رواية أبي ذر هكذا يا أيها الناس إن وعد الله حق الآية إلى قوله السعير قوله إن وعد الله حق أي بالبعث والثواب والعقاب قوله ولا يغرنكم بالله الغرور وهو أن يغتر بالله فيعمل المعصية ويتمنى المغفرة ويقال الغرور الشيطان وقد نهى الله عن الاغترار به وبين لنا عداوته لئلا نلتفت إلى تسويله وتزيينه لنا الشهوات الرديئة قوله فاتخذوه عدوا أي أنزلوه من أنفسكم منزلة الأعداء وتجنبوا طاعته قوله إنما يدعو حزبه أي شيعته إلى الكفر قوله ليكونوا من أصحاب السعير أي النار
( جمعه سعر )
أي جمع السعير سعر على وزن فعل بضمتين والسعير على وزن فعيل بمعنى مفعول من السعر بفتح السين وسكون العين وهو التهاب النار
( قال مجاهد الغرور الشيطان )
أثر مجاهد هذا لم يثبت هنا إلا في رواية الكشميهني وحده ووصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وهو تفسير قوله تعالى ولا يغرنكم بالله الغرور وهو على وزن فعول بمعنى فاعل تقول غررت فلانا أصبت غرته ونلت ما أردت منه والغرة بالكسر غفلة في اليقظة والغرور كل ما يغر الإنسان وإنما فسر بالشيطان لأنه رأس ذلك
21 - ( حدثنا سعد بن حفص حدثنا شيبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم القرشي قال أخبرني معاذ بن عبد الرحمن أن ابن أبان أخبره قال أتيت عثمان بطهور وهو جالس على المقاعد فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قال رأيت النبي توضأ وهو في هذا المجلس فأحسن الوضوء ثم قال من توضأ مثل هذا الوضوء ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه قال وقال النبي لا تغتروا )
مطابقته للآية التي هي الترجمة في قوله لا تغتروا وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي يقال له الضخم وشيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية النحوي ويحيى هو ابن أبي كثير ضد القليل ومحمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي ولجده الحارث صحبة ومعاذ بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي وعثمان جده هو أخو طلحة بن عبيد الله الصحابي وعبد الرحمن بن عثمان صحابي أيضا أخرج له مسلم وكان يلقب بشارب الذهب وقتل مع ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم بمكة في يوم واحد وأما عبد الرحمن بن عبيد الله بن عثمان أخو طلحة بن عبيد الله فله صحبة أيضا قتل يوم الجمل وذلك في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وابن أبان كذا وقع لأبي ذر والنسفي وغيرهما أن ابن أبان أخبره ووقع لابن السكن أن حمران بن أبان ووقع للجرجاني وحده أن أبان أخبره وهو خطأ والحديث أخرجه مسلم في الطهارة عن أبي الطاهر بن السرح وغيره وأخرجه النسائي في الصلاة عن سليمان بن داود قوله بطهور بفتح الطاء وهو الماء الذي يتطهر به قوله وهو جالس الواو فيه للحال قوله على المقاعد بوزن المساجد بالقاف والمهملتين موضع بالمدينة قوله فأحسن الوضوء وفي رواية نافع بن جبير عن حمران فأسبغ الوضوء قوله ثم قال من توضأ أي النبي قوله مثل هذا الوضوء المثلية لا تستلزم أن يكون وضوؤه مثل وضوء النبي من كل وجه لتعذر ذلك قوله فركع ركعتين هكذا أطلق من غير تقييد بالمكتوبة وقيده مسلم في روايته من طريق نافع بن جبير عن حمران بلفظ ثم مشى

(23/43)


إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو في المسجد وكذا وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه عن حمران فيصلي المكتوبة وفي رواية أبي صخرة عن حمران ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب عليه فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارة لما بينهن قوله غفر له ما تقدم من ذنبه يعني الذنب الذي بينه وبين الله تعالى وأما ما بينه وبين العباد فلا يغفر إلا بإرضاء الخصم قوله لا تغتروا فتجسرون على الذنوب معتمدين على المغفرة للذنوب فإن ذلك بمشيئة الله عز و جل
( باب ذهاب الصالحين )
أي هذا باب في ذكر ذهاب الصالحين أي موتهم وذهاب الصالحين من أشراط الساعة وقرب فناء الدنيا
( ويقال الذهاب المطر )
ثبت هذا في رواية السرخسي وحده وقال بعضهم مراده أن لفظ الذهاب مشترك بين المضي والمطر قلت ليس كذلك لأن الذهاب بمعنى المضي بفتح الذال والذهاب بمعنى المطر بكسرها قال صاحب المحكم الذهبة بالكسر المطرة الضعيفة والجمع الذهاب
22 - ( حدثني يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن بيان عن قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي قال قال النبي يذهب الصالحون الأول فالأول وتبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالة )
مطابتقه للترجمة ظاهرة ويحيى بن حماد الشيباني البصري روى البخاري عنه في الحيض بواسطة الحسن بن مدرك وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو والنون واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري وبيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون ابن بشر بكسر الباء الموحدة وبالشين المعجمة الأحمسي بالمهملتين وقيس بن أبي حازم بالحاء المهملة وبالزاي ومرداس بكسر الميم وسكون الراء ابن مالك الأسلمي وكان ممن بايع تحت الشجرة ثم سكن الكوفة وهو معدود في أهلها والحديث مضى في المغازي عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس الخ قوله يذهب وعند الإسماعيلي يقبض بدل يذهب أي يقبض أرواحهم قوله الأول أي يذهب الأول فالأول عطف عليه قوله حفالة بضم الحاء المهملة وتخفيف الفاء وهي الرذائل من كل شيء ويقال هي ما يبقى من آخر الشعير ومن التمر أردؤه وقال ابن التين الحفالة سقط الناس وأصلها ما يتساقط من قشور التمر والشعير وغيرهما وقال الداودي الحفالة ما يسقط من الشعير عند الغربلة ويبقى من التمر بعد الأكل قوله أو التمر يحتمل الشك والتنويع ووقع في رواية عبد الحميد كحثالة الشعير فقط وفي رواية يحيى لا يبقى إلا مثل حثالة التمر والشعير والحثالة بالثاء المثلثة مثل الحفالة يتعاقبان كقولهم فوم وثوم قوله لا يباليهم الله قال الخطابي أي لا يرفع لهم قدر أو لا يقيم لهم وزنا وفي رواية عيسى بن يونس عن بيان تقدمت في المغازي بلفظ لا يعبأ الله بهم شيئا وفي رواية عبد الواحد لا يبالي الله عنهم وكلمة عن ههنا بمعنى الباء يقال ما باليت به وما باليت عنه قوله بالة اسم لمصدر وليس مصدرا لباليت وقيل أصله بالية فحذفت الياء تخفيفا كذا قاله الكرماني قلت يقال باليت بالشيء مبالاة وبالة وبالية
( قال أبو عبد الله يقال حفالة وحثالة )
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأراد به أن حفالة وحثالة بالفاء والثاء المثلثة بمعنى واحد
( باب ما يتقى من فتنة المال )
أي هذا باب في بيان ما يتقى على صيغة المجهول قوله من فتنة المال أي الانتهاء به ومعنى الفتنة في كلام العرب الاختبار

(23/44)


والابتلاء والفتنة الإمالة عن القصد ومنه قوله تعالى وإن كادوا ليفتنونك أي ليميلونك والفتنة أيضا الاحتراق ومنه قوله تعالى يوم هم على النار يفتنون أي يحرقون قاله ابن الأنباري والامتلاء والاختبار يجمع ذلك كله
( وقول الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة )
وقول الله بالجر عطف على قوله من فتنة المال وقد أخبر الله تعالى عن الأموال والأولاد أنها فتنة لأنها تشغل الناس عن الطاعة قال الله تعالى ألهاكم التكاثر أي شغلكم التكاثر وخرج لفظ الخطاب بذلك على العموم لأن الله تعالى فطر العباد على حب المال والأولاد وقد روى الترمذي وابن حبان والحاكم وصححوه من حديث كعب بن عياض سمعت رسول الله يقول إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال
23 - ( حدثني يحيى بن يوسف أخبرنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخيمصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ويحيى بن يوسف الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم نسبة إلى بلدة يقال لها زم ويقال له ابن أبي كريمة فقيل هو كنية أبيه وقيل هو جده واسمه كنيته أخرج عنه البخاري بغير واسطة في الصحيح وبواسطة خارج الصحيح وأبو بكر هو ابن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة القارىء المحدث وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم وأبو صالح ذكوان الزيات والحديث مضى في الجهاد عن يحيى أيضا متنا وإسنادا في باب الحراسة في الغزو وأخرجه ابن ماجه عن الحسن بن حماد عن يحيى به وقال الإسماعيلي وافق أبا بكر على رفعه شريك القاضي وقيس بن الربيع عن أبي حصين وخالفهم إسرائيل فرواه عن أبي حصين موقوفا قوله تعس بكسر العين المهملة وفتحها أي سقط والمراد هنا هلك وقال ابن الأنباري التعس الشر قال تعالى فتعسا لهم أراد ألزمهم الشر وقيل التعس البعد أي بعدا لهم وقيل قولهم تعسا له نقيض قولهم لعا له فتعسا دعاء عليه بالعثرة ولعا دعاء له بالانتعاش قوله عبد الدينار أي طالبه وخادمه والحريص على جمعه والقائم على حفظه فكأنه لذلك عبده وقال شيخ شيخنا الطيبي خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالأسير الذي لا يجد خلاصا ولم يقل مالك الدينار ولا جامع الدينار لأن المذموم من الملك والجمع الزيادة على قدر الحاجة قوله والقطيفة الدثار المخمل وهو الثوب الذي له خمل والخميصة الكساء الأسود المربع قوله إن أعطي على صيغة المجهول وكذا وإن لم يعط قال الله تعالى فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون
24 - ( حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول سمعت النبي يقول لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأنه أشار بهذا المثل إلى ذم الحرص على الدنيا والشره والازدياد وهذه آفة يجب الاتقاء منها وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل البصري وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعطاء هو ابن أبي رباح يروي بالسماع عن ابن عباس يقول سمعت النبي وهذا من الأحاديث التي صرح فيها ابن عباس بسماعه من النبي وهي قليلة بالنسبة إلى مرويه عنه فإنه أحد المكثرين ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن زهير بن حرب وهارون بن عبد الله قوله لو كان لابن آدم واديان وفي الحديث يليه لو كان لابن آدم مثل واد مالا وفي الحديث الآخر لو أن ابن آدم أعطي واديا وفي الآخر

(23/45)


لو أن لابن آدم واديان قوله من مال وفي الحديث الثالث ملأ من ذهب وفي الحديث الرابع واديا من ذهب وعند أحمد في حديث زيد بن أرقم من ذهب وفضة قوله لابتغى بالغين المعجمة من الابتغاء وهو الطلب وفي الحديث الثاني لأحب أن له إليه مثله وفي حديث أنس لتمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية وفي الحديث الثالث أحب إليه ثانيا وفي الرابع أحب إليه أن يكون له واديا وقال الكرماني في قوله لابتغى لهما ثالثا فزاد لفظة لهما في شرحه ثم قال فإن قلت الابتغاء لا يستعمل باللام قلت هذا متعلق بقوله ثالثا أي ثالثا لهما أي مثلثهما انتهى قوله ولا يملأ جوف ابن آدم وفي الحديث الثاني ولا يملأ عين ابن آدم وفي الثالث ولا يسد جوف ابن آدم وفي الرابع ولن يملأ فاه وفي رواية الإسماعيلي عن ابن جريج لا يملأ نفس ابن آدم وفي مرسل جبير بن يغير ولا يشبع جوف ابن آدم بضم الياء من الإشباع وفي حديث زيد بن أرقم ولا يملأ بطن ابن آدم وقال الكرماني ما وجه ذكره في الرواية الأولى الجوف وفي الثانية العين وفي الثالثة الفم قلت ليس المقصود منه الحقيقة بقرينة عدم الانحصار على التراب إذ غيره يملؤه أيضا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال لا يشبع سن الدنيا حتى يموت فالغرض من العبارات كلها واحد ليس فيها إلا التفنن في الكلام وقال بعضهم هذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة انتهى قلت إحالته على كلام الشارع أولى من إحالته إلى تصرف الرواة مع أن فيه تغيير لفظ الشارع فإن قلت نسبة الامتلاء إلى الجوف والبطن واضحة فما وجهها إلى النفس والفم والعين قلت أما النفس فعبر بها عن الذات وأراد البطن من قبيل إطلاق الكل وإرادة الجزء وأما الفم فلكونه الطريق إلى الوصول إلى الجوف وأما العين فلأنها الأصل في الطلب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه إليه وخص البطن في أكثر الروايات لأن أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات وأكثرها تكرار للأكل والشرب وقال الطيبي وقع قوله ولا يملأ إلى آخره موقع التذييل والتقرير للكلام السابق كأنه قيل ولا يشبع من خلق من التراب إلا بالتراب قوله ويتوب الله على من تاب أي من المعصية ورجع عنها يعني يوفقه للتوبة أو يرجع عليه من التشديد إلى التخفيف أو يرجع عليه بقبوله
25 - ( حدثنا محمد أخبرنا مخلد أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله يقول لو أن لابن آدم مثل واد مالا لأحب أن له إليه مثله ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب قال ابن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا قال وسمعت ابن الزبير يقول ذلك على المنبر )
هذا طريق آخر عن محمد هو ابن سلام وصرح بذلك في رواية أبي زيد المروزي وهو يروي عن مخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ابن يزيد من الزيادة أبو الحسن الحراني الجزري مات سنة ثلاث وتسعين ومائة قوله مثل واد ويروى ملء واد قوله قال ابن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا يعني الحديث المذكور يعني من القرآن المنسوخ تلاوته قوله قال وسمعت ابن الزبير أي قال عطاء سمعت عبد الله بن الزبير وهو متصل بالسند المذكور قوله يقول ذلك إشارة إلى الحديث وقال الكرماني وعبد الله بن الزبير كان يقول قال النبي قال ذلك يعني لو أن لابن آدم إلى آخره ويحتمل أن يراد به قول لا أدري أيضا قوله على المنبر أي بمكة كما يأتي الآن
26 - ( حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عباس بن سهل بن سعد قال سمعت ابن الزبير على المنبر بمكة في خطبته يقول يا أيها الناس إن النبي كان يقول لو أن ابن آدم أعطي واديا ملأ من ذهب أحب إليه ثانيا ولو أعطي ثانيا أحب إليه ثالثا ولا يسد جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب )
أبو نعيم الفضل بن دكين وعبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل أي مغسول الملائكة حين استشهد وهو

(23/46)


جنب والغسيل هو حنظلة بن أبي عامر الأوسي وعبد الله من صغار الصحابة قتل يوم الحرة وكان الأمير على طائفة الأنصار يومئذ وحنظلة استشهد بأحد وهو من كبار الصحابة وأبوه أبو عامر يعرف بالراهب وهو الذي بني مسجد الضرار بسببه ونزل فيه القرآن وعبد الرحمن معدود من صغار التابعين وهذا الإسناد من أعلى ما في صحيح البخاري لأنه في حكم الثلاثيات وإن كان رباعيا كذا قاله بعضهم ولكنه من الرباعيات حقيقة وقوله في حكم الثلاثيات فيه نظر وعباس بن سهل بن سعد الساعدي وسهل من الصحابة المشهورين والحديث من أفراده قوله أعطي على صيغة المجهول قوله ملأ ويروى ملآن قوله ثانيا أي واديا ثانيا -
9346 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( أنس بن مالك ) أن رسول الله قال لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب
عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف كان على قضاء بغداد وصالح هو ابن كيسان وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن عبد الله بن الحكم
قوله أحب وقع كذا بغير اللام قوله ولن يملأ ويروي ولا يملأ
0446 - وقال لنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( حماد بن سلمة ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) عن أبي قال كنا نرى هاذا من القرآن حتى نزلت ألهاكم التكاثر ( التكاثر1 )
أبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ذهب الحافظ المزي إن هذا تعليق واعترض عليه بعضهم قال هذا صريح في الوصل لقوله وقال لنا وإن كان التصريح بالتحديث أشد اتصالا انتهى
قلت الصواب ما قاله المزي لأن فيه حماد بن سلمة وهو لم يعد فيمن أخرج له البخاري موصولا وليس هو على شرطه في الاحتجاج على أن عند البعض قال فلان أو قال فلان للمذاكرة غالبا وربما يكون للإجازة أو للمناولة
قوله عن ثابت بالتاء المثلثة في أوله وهو ابن أسلم البناني أبو محمد البصريقوله عن أبي هو أبي بن كعب الأنصاري
وفيه رواية الصحابي عن الصحابي
قوله كنا نرى بضم النون أي كنا نظن ويجوز فتحها من الرأي أي كنا نعتقد قوله هذا لم يبين المشار إليه وقد بينه الإسماعيلي حيث قال في روايته كنا نرى هذا الحديث من القرآن لو أن لابن آدم واديا من مال الحديث حتى نزلت ألهاكم التكاثر ( التكاثر1 ) وفي رواية موسى بن إسماعيل زاد إلى آخر السورة قيل ما وجه التخصيص بسورة التكاثر وهي ليست ناسخة له إذ لا معارضة بينهما وأجيب بأن شرط نسخ الحكم المعارضة وأما نسخ اللفظ فلا يشترط فيه ذلك فمقصوده أنه لما نزلت السورة التي هي بمعناه أعلمنا رسول الله بنسخ تلاوته والاكتفاء بما هو في معناه وأما موافقته لمعنى فلأن بعضهم فسر زيارة المقابر بالموت يعني شغلكم التكاثر في الأموال إلى أن متم وقيل يحتمل أن يقال معناه كنا نظن أنه قرآن حتى نزلت السورة التي بمعناه فحين المقايسة بينهما عرفنا رسول الله أنه ليس قرآنا فلا يكون من باب النسخ في شيء والله أعلم وقيل كان قرآنا ونسخت تلاوته ولما نزلت آلهاكم التكاثر واستمرت تلاوتها كانت ناسخة لتلاوة ذلك ومن هذا القبيل ما رواه أحمد من حديث أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي إذا نزل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم أن الله قال إنما أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان الحديث ظاهره أنه أخبر به عن الله تعالى بأنه من القرآن على أنه يحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية فعلى الوجه الأول نسخت تلاوته قطعا وإن كان حكمه مستمرا
11 -
( باب قول النبي هاذا المال خضرة حلوة )

(23/47)


أي هذا باب في بيان ذكر قول النبي هذا المال أشار به إلى المال الذي يتصرف فيه الناس قوله خضرة التاء فيه للمبالغة أو باعتبار أنواع المال وكذا الكلام في حلوة
وقال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ( آل عمران41 ) ح
سيقت هذه الآية كلها في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين الآية وفي رواية أبي زيد المروزي حب الشهوات الآية وكانت رواية الإسماعيلي مثل رواية أبي ذر وزاد إلى قوله ذلك متاع الحياة الدنيا
قوله زين للناس أي في هذه الدنيا من أنواع الملاذ من النساء فبدأ بهن لأن الفتنة بهن أشد لقوله في ( الصحيح ) ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء فإذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه لقوله الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة الحديث ثم ذكر البنين فلا يخلو حبهم إما أن يكون للتفاخر والزينة فهو داخل فيها وإما أن يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد فهذا محمود ممدوح كما في الحديث تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة قوله القناطير المقنطرة اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال فقال الضحاك المال الجزيل وقيل ألف دينار وقيل ألف ومائتان وقيل اثنا عشر ألفا وقيل أربعون الفا وقيل سبعون ألفا وقيل ثمانون ألفا وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله القنطار اثنا عشر ألف أوقية كل أوقية خير مما بين السماء والأرض ورواه ابن ماجه أيضا وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عارم عن حماد عن سعيد الحرشي عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال القنطار ملء مسك الثور ذهبا وروي عن حماد مرفوعا والموقوف أصح وعن سعيد بن جبير القنطار مائة ألف دينار قوله المقنطرة مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم ألف مؤلفة وبدرة مبدرة قوله والخيل المسومة أي المعلمة والأنعام الأزواج الثمانية قوله والحرث بمعنى الأراضي المتخدة للغراس والزراعة وروى أحمد من حديث سويد بن هبيرة عن النبي قال خير مال امرىء مهرة مأمورة أو سكة مأبورة المأمورة الكثيرة النسل والسكة النخيل المصطف والمأبورة الملقحة قوله ذلك أي المذكور متاع الحياة الدنيا أي إنما هذه زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة قوله والله عنده حسن المآب أي حسن المرجع والثواب
قال عمر اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه
أي قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في الآية المذكورة إنا لا نستطيع أي لا نقدر إلا أن نفرح بما زينته لنا أي بما حصل لنا مما في آية زين للناس حب الشهوات من النساء ثم لما رأى أن فتنة المال والغنى مسلطة على من فتحه الله عليه لتزيين الله تعالى له ولشهوات الدنيا في نفوس العباد دعا الله تعالى بقوله اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه لأن من أخذ المال من حقه ووضعه في حقه فقد سلم من فتنته وهذا الأثر وصله الدارقطني في ( غرائب مالك ) من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري أن عمر بن الخطاب أتي بمال من المشرق يقال له نفل كسرى فأمر به فصب وغطي ثم دعا الناس فاجتمعوا ثم أمر به فكشف عنه فإذا هو حلي كثير وجواهر ومتاع فبكى عمر رضي الله تعالى عنه وحمد الله عز و جل فقالوا ما يبكيك يا أمير المؤمنين هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها فقال ما فتح الله من هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمتهم قال فحدثني زيد بن أسلم أنه بقي من ذلك المال مناطق وخواتم فرفع فقال له عبد الله بن أرقم حتى متى تحبسه لا تقسمه قال بلى إذا رأيتني فارغا فاذني به فلما رآه فارغا بسط شيئا في حش نخلة ثم جاء به في مكتل فصبه فكأنه استكثره ثم قال اللهم أنت قلت زين للناس حب الشهوات الآية حتى فرغ منها ثم قال لا نستطيع ألا أن نحب ما زينت لنا فقني شره وارزقني أن أنفقه في حقك فما قام حتى ما بقي منه شيء وهذا التعليق قد سقط في رواية أبي زيد المروزي

(23/48)


1446 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( الزهري ) يقول أخبرني ( عروة وسعيد بن المسيب ) عن ( حكيم بن حزام ) قال سألت النبي فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال هاذا المال وربما قال سفيان قال لي يا حكيم إن هاذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعروة هو ابن الزبير بن العوام وحكيم بفتح الحاء ابن حزام بكسر الحاء وبالزاي الخفيفة ابن خويلد الأسدي
والحديث مضى في الوصايا وفي الخمس عن محمد بن يوسف عن الأوزاعي ومضى الكلام فيه
قوله ثم قال أي النبي قوله وربما قال القائل بربما هو علي بن المديني رواية عن سفيان والقائل قال لي هو حكيم بن حزام يعني قال قال لي النبي ولا يظن سفيان هو القائل بقوله قال لي يا حكيم لأن سفيان لم يدرك حكيما لأن بين وفاة حكيم ومولد سفيان نحو خمسين سنة قوله يا حكيم بالرفع بغير تنوين لأنه منادى مفرد معرفة وتفسير الخضرة الحلوة قد مضى عن قريب قوله بإشراف نفس الإشراف على الشيء الإطلاع عليه والتعرض له بنحو بسط اليد قوله كالذي يأكل ولا يشبع أي كمن به الجوع الكاذب وقد يسمى بجوع الكلب كلما ازداد أكلا ازداد جوعا قوله واليد العليا قد مضى الكلام فيه في كتاب الزكاة في باب الاستعفاف
21 -
( باب ما قدم من ماله فهو له )
أي هذا باب في بيان حال من قدم أي الإنسان المكلف من ماله فهو له يجد ثوابه يوم القيامة والمراد بالتقديم صرف ماله قبل موته في مواضع القربات وهذه الترجمة مع حديث الباب تدل على أن إنفاق المال في وجوه البر أفضل من تركه لورثته فإن قلت هذا يعارض قوله لسعد رضي الله تعالى عنه إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس قلت لا تعارض بينهما لأن سعدا أراد أن يتصدق بماله كله في مرضه وكان وارثه بنته ولا طاقة لها على الكسب فأمره أن يتصدق منه بثلثه ويكون باقيه لابنته وبيت المال وحديث الباب إنما خاطب به أصحابه في صحتهم وحرضهم على تقديم شيء من مالهم لينفعهم يوم القيامة وليس المراد منه أن تقديم جميع ماله عند مرضه فإن ذلك تحريم للورثة وتركهم فقراء يسألون الناس وإنما الشارع جعل له التصرف في ماله بالثلث فقط
2446 - حدثني ( عمر بن حفص ) حدثني أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( إبراهيم التيمي ) عن ( الحارث بن سويد ) قال ( عبد الله ) قال النبي أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه قال فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب العابد عن الحارث بن سويد التيمي وكل هؤلاء كوفيون وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه النسائي في الوصايا عن هناد بن السري
قوله ما قدم أي على موته بأن صرفه في حياته في مصارف الخير قوله ومال وارثه ما أخر أي ما أخره من المال الذي يتركه ولا يتصدق منه حتى يموت
31 -
( باب المكثرون هم المقلون )
أي هذا باب يذكرفيه المكثرون هم المقلون كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني هم الأقلون ووقع في

(23/49)


رواية أبي ذر المكثرون هم الأخسرون ومعناه المكثرون من المال هم المقلون في الثواب يعني كثرة المال تؤول بصاحبه إلى الإقلال من الحسنات يوم القيامة إذا لم ينفقه في طاعة الله تعالى فإن أنفقه فيها كان غنيا من الحسنات يوم القيامة
وقوله تعالى من كان يريد الحيواة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولائك الذين ليس لهم فى الاخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ( هود51 - 61 ) ح
سيقت هاتان الآيتان بتمامهما في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية أبي ذر من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الآيتان وفي رواية أبي زيد بعد قوله وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها الآية ومثله للإسماعيلي لكن قال إلى قوله وباطل ما كانوا يعملون قوله من كان إلى آخره على عمومها في الكفار وفيمن يرائي بعمله من المسلمين وقال سعيد بن جبير الآية فيمن عمل عملا يريد به غير الله جوزي عليه في الدنيا وعن أنس هم اليهود والنصارى إن أعطوا سائلا أو وصلوا رحما عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة في الرزق وصحة في البدن وقيل هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله فأسهم لهم من الغنائم وقال الضحاك يعني المشركين إذا عملوا عملا جوزوا عليه في الدنيا وهذا أبين لقوله تعالى أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار قوله نوف إليهم أعمالهم أي نوصل إليهم أجور أعمالهم كاملة وافية وهو من التوفية وقرىء يوف بالياء على أن الفعل لله وبالياء على صيغة المجهول ويوفي بالتخفيف وإثبات الياء قوله فيها أي في الدنيا قوله لا يبخسون من البخس وهو النقص قوله وحبط أي بطل يقال حبط عمله يحبط وأحبطه غيره ومعنى حبط عملهم ليس لهم ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة قوله وباطل ما كانوا يعملون أي عملهم في نفسه باطل وقرىء وبطل على الفعل وعن عاصم وباطلا بالنصب
3446 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( عبد العزيز بن رفيع ) عن ( زيد بن وهب ) عن ( أبي ذر ) رضي الله عنه قال خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله يمشي وحده وليس معه إنسان قال فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد قال فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني فقال من هاذا قلت أبو ذر جعلني الله فداءك قال يا أبا ذر تعاله قال فمشيت معه ساعة فقال إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفخ فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا قال فمشيت معه ساعة فقال لي اجلس هاهنا قال فأجلسني في قاع حوله حجارة فقال لي إجلس هاهنا حتى أرجع إليك قال فانطلق في الحرة حتى لا أراه فلبث عني فأطال اللبث ثم إني سمعته وهو مقبل وهو يقول وإن سرق وإن زنى قال فلما جاء لم أصبر حتى قلت يا نبي الله جعلني الله فداءك من تكلم في جانب الحرة ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا قال ذالك جبريل عليه السلام عرض لي في جانب الحرة قال بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت يا جبريل وإن سرق وإن زنى قال نعم قال قلت وإن سرق وإن زنى قال نعم وإن شرب الخمر
مطابقته للترجمة ظاهرة والمطابقة أيضا بين الحديث والآية المذكورة هي أن الوعيد الذي فيها محمول على التأقيت في حق من وقع له ذلك من المسلمين لا على التأبيد لدلالة الحديث على أن المرتكب لجنس الكبيرة من المسلمين يدخل الجنة وليس فيه ما ينفي أنه يعذب قبل ذلك كما أنه ليس في الآية ما ينفي أنه قد يدخل الجنة بعد التعذيب على معصية الزنا

(23/50)


وجرير هو ابن عبد الحميد وعبد العزيز بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة الأسدي المكي سكن الكوفة وهو من صغار التابعين سمع أنس بن مالك وزيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الكوفي من قضاعة خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في الطريق وأبو ذر الغفاري اسمه في الأشهر جندب بن جنادة
والحديث بزيادة ونقصان مضى في مواضع كثيرة في الاستقراض وفي الاستئذان وأخرجه مسلم في الزكاة عن قتيبة به وأخرجه الترمذي في الإيمان عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن عبدة بن عبد الرحمن وغيره
قوله خرجت ليلة من الليالي وفي رواية الأعمش عن زيد بن وهب عنه كنت أمشي مع رسول الله في حرة المدينة عشاء فبين فيه المكان والزمان قوله في ظل القمر أي في مكان ليس للقمر فيه ضوء ليخفي نفسه وإنما استمر يمشي لاحتمال أن يطرأ للنبي حاجة فيكون قريبا منه قوله قلت أبو ذر أي أنا أبو ذر قوله تعاله أمر بهاء السكت هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره تعال قال ابن التين فائدة هاء السكت أن لا يقف على ساكنين وهو غير مطرد قوله إن المكثرين هم المقلون قد مر الكلام فيه آنفا قوله خيرا أي مالا قال تعالى إن ترك خيرا قوله فنفح فيه بالحاء المهملة يقال نفح فلان فلانا بشيء أي أعطاه والنفحة الدفعة وقال صاحب ( الأفعال ) نفح بالعطاء أعطى والله نفاح بالخيرات وقال صاحب ( العين ) نفح بالمال والسيف ونفحت الدابة رمت بحافرها الأرض قوله ووراءه قيل معناه يوصي فيه ويبقيه لوارثه وحبس بحبسه قوله في قاع هو أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال قوله في الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أرض ذات حجارة سود كأنها احترقت بالنار قوله وهو مقبل الواو فيه للحال قوله وهو يقول كذلك الواو فيه للحال قوله دخل الجنة أي كان مصيره إليها وإن ناله عقوبة جمعا بينه وبين مثل ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم من الآيات الموعدة للفساق قوله وإن سرق وإن زنى قيل يحتمل معنيين أحدهما أن هذه الأمة يغفر لجميعها والثاني أن يكون يدخل الجنة من عوقب ببعض ذنوبه فأدخل النار ثم أخرج منها بذنوبه
قال النضر أخبرنا شعبة وحدثنا حبيب بن أبي ثابت والأعمش وعبد العزيز بن رفيع حدثنا زيد بن وهب بهاذا
قال النضر بن شميل إلى آخره قوله بهذا أي بالحديث المذكور قيل الغرض بهذا التعليق تصريح الشيوخ الثلاثة المذكورين بأن زيد بن وهب حدثهم قال الإسماعيلي ليس في حديث شعبة قصة المكثرين والمقلين إنما فيه من مات لا يشرك به شيئا والعجب من أبي عبد الله كيف أطلق هذا الكلام أخبرنيه الحسن حدثنا حميد يعني ابن زنجويه حدثنا النضر بن شميل أنا شعبة حدثنا حبيب بن أبي ثابت والأعمش وعبد العزيز بن رفيع قالوا سمعنا زيد بن وهب عن أبي ذر قال رسول الله إن جبريل عليه السلام أتاني فبشرني أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
قلت وإن زنى وسرق قال وإن زنى وسرق قال سليمان يعني الأعمش وإنما يروي هذا الحديث عن أبي الدرداء قال أما أنا فإنما سمعته من أبي ذر أخبرنيه يحيى بن محمد الحنائي حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن حبيب وبلال والأعمش وعبد العزيز المكي سمعوا زيد بن وهب عن أبي ذر عن النبي الحديث قال ورواه أبو داود عن شعبة فذكرهم ولم يذكر بلالا ولم يزد على هذه القصة أخبرنيه الهيثم الدوري حدثنا زيد بن أخزم حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن بلال وهو أبي مرداس ويقال ابن معاذ تفرد بهذا الحديث عنه ورواه شعبة أيضا عن المعرور بن سويد سمع أبا ذر عن النبي مثل قصة من مات لا يشرك بالله شيئا أخبرنيه الحنائي حدثنا عبيد الله حدثنا أبي حدثنا شعبة وقال بعضهم وقد تبع الإسماعيلي على أعتراضه المذكور جماعة منهم مغلطاي ومن بعده
قلت فيه إساءة الأدب حيث قال مغلطاي بطريق الاستهتار وأراد بقوله ومن بعده صاحب ( التوضيح ) الشيخ سراج الدين بن الملقن وهو شيخه والكرماني أيضا ثم تصدى للجواب عن الاعتراض المذكور بقوله الجواب عن البخاري واضح على طريقة أهل الحديث لأن مراده أصل الحديث

(23/51)


فإن الحديث المذكور في الأصل قد اشتمل على ثلاثة أشياء فيجوز إطلاق الحديث على كل واحد من الثلاثة إذا أفرد فقول البخاري بهذا أي بأصل الحديث لا خصوص اللفظ المساق انتهى
قلت الاعتراض باق على ما لا يخفى لأن الإطلاق في موضع التقييد غير جائز وقوله بهذا أي بأصل الحديث إلى آخره غير سديد لأن الإشارة بلفظ هذا تكون للحاضر والحاضر هو اللفظ المساق والمراد من ثلاثة أشياء ثلاثة أحاديث الأول قوله ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا الثاني حديث المكثرين والمقلين والثالث حديث من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
قال أبو عبد الله حديث أبي صالح عن أبي الدرداء مرسل لا يصح إنما أردنا للمعرفة والصحيح حديث أبي ذر قيل لأبي عبد الله حديث عطاء بن يسار عن أبي الدرداء قال مرسل أيضا لا يصح والصحيح حديث أبي ذر وقال اضربوا على حديث أبي الدرداء هاذا إذا مات قال لا إلاه إلا الله عند الموت
هذا أعني قال أبو عبد الله إلى آخره لا يوجد في كثير من النسخ وأبو عبد الله هو البخاري قوله حديث أبي صالح هو ذكوان الزيات عن أبي الدرداء عويمر بن مالك مرسل لا يصح وقال صاحب ( التلويح ) فيه نظر من حيث إن النسائي رواه بسند صحيح على شرط أبي الحجاج القشيري فقال حدثني قتيبة عن عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عبيد الله عن زيد بن وهب وعن عمرو بن هشام عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن عيسى بن مالك عن زيد عن أبي الدرداء قوله إنما أردنا للمعرفة أي لنعرف أنه قد روى عنه لا لأنه يحتج به قوله قيل لأبي عبد الله هو البخاري أيضا قوله حديث عطاء بن يسار ضد اليمين عن أبي الدرداء قال مرسل أي هو مرسل أيضا لا يصح قال صاحب ( التلويح ) فيه نظر أيضا لأن الطبراني قد أخرجه بإسناد جيد حدثنا يحيى بن أيوب العلاف حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار قال أخبرني أبو الدرداء أن رسول الله فذكره قوله هذا أي هذا الذي روي عن أبي الدرداء وهو قوله من مات لا يشرك بالله شيئا في حق من قال لا إله إلا الله عند الموت
41 -
( باب قول النبي ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا )
أي هذا باب في ذكر قول النبي ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا وفي بعض النسخ ما أحب أن لي أحدا ذهبا وفي بعضها باب قول النبي ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا وهذا هو الموافق للفظ حديث الباب
4446 - حدثنا ( الحسن بن الربيع ) حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( الأعمش ) عن ( زيد بن وهب ) قال قال ( أبو ذر ) ( كنت أمشي مع ) النبي في حرة المدينة فاستقبلنا أحد فقال يا أبا ذر قلت لبيك يا رسول الله قال ما يسرني أن عندي مثل أحد هاذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هاكذا وهاكذا وهاكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ثم مشى فقال إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هاكذا وهاكذا وهاكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ثم قال لي مكانك لا تبرح حتى آتيك ثم انطلق في سواد الليل حتى تواراى فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون قد عرض للنبي فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي لا تبرح حتى آتيك فلم أبرح حتى أتاني قلت يا رسول الله لقد سمعت صوتا تخوفت فذكرت له فقال وهل

(23/52)


سمعته قلت نعم قال ذاك جبريل أتاني فقال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق
مطابقته للترجمة التي هي ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا ظاهرة وفي غير هذا اللفظ أيضا التطابق موجود من حيث المعنى
والحسن بن الربيع بفتح الراء هو أبو علي البوراني بالباء الموحدة والراء وبالنون وقال الرشاطي ينسب إلى البواري وهي حصر من قصب وكان له غلمان يصنعونها وأبو الأحوص هو سلام بالتشديد ابن سليم والأعمش سليمان
والحديث قد روي بزيادة ونقصان عن أبي ذر كما ذكرناه في الباب السابق
قوله فاستقبلنا بفتح اللام و أحد بالرفع فاعله وفي رواية حفص بن غياث فاستقبلنا أحدا بسكون اللام ونصب أحدا على أنه مفعول قوله ما يسرني من سره إذا فرحه والسرور خلاف الحزن قوله أن عندي مثل أحد هذا ذهبا قوله ثالثة أي ليلة ثالثة قيل قيد بالثلاث لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبا
قلت يعكر عليه رواية حفص بن غياث ما أحب أن لي أحدا ذهبا يأتي على يوم وليلة أو ثلاث عندي منه دينار قال بعضهم والأولى أن يقال الثلاث أقصى ما يحتاج إليه في تفرقة مثل ذلك والواحدة أقل ما يمكن
قلت ذكر اليوم أو الثلاث ليس بقيد وإنما هو كناية عن سرعة التفريق من غير تأخير ولا إبقاء شيء منه وفيه أيضا مبالغة لقوله وعندي الواو فيه للحال قوله إلا شيئا استثناء من دينار قوله أرصده بضم الهمزة أي أعده وأحفظه وعن الكسائي والأصمعي أرصدت له أعددت له ورصدته ترقبته وهذه الجملة أعني أرصده في محل النصب لأنها صفة لقوله شيئا ثم إرصاد العين أعم من أن يكون لصاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذه أو لأجل وفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفى قوله لدين ويروى لديني بياء الإضافة قوله إلا أن أقول به استثناء بعد استثناء قال الكرماني إلا أن أقول استثناء من فاعل يسرني أي إلا أن أصرفه وقد ذكرنا غير مرة أن العرب تستعمل لفظ القول في معان كثيرة قوله في عباد الله أي بين عباد الله كما في قوله تعالى فادخلي في عبادي ( الفجر92 ) أي بين عبادي قوله هكذا وهكذا وهكذا قالها ثلاث مرات وأشار بها بيده ثم بين ذلك بقوله عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وهذا على سبيل المبالغة لأن الأصل في العطية أن تكون لمن بين يديه وهذه جهة رابعة من الجهات الأربع ولم يذكر ههنا وقد جاء في رواية أحمد بن ملاعب عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه بلفظ إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأرانا بيده وذكر فيه الجهات الأربع وأخرجه أبو نعيم من طريق سهل بن بحر عن عمر بن حفص فاقتصر على ثنتين قوله ثم مشى أي رسول الله قوله إن الأكثرين هم الأقلون ويروى ألا إن الأكثرين هم المقلون وقد مضت رواية أخرى إن المكثرين هم المقلون وفي رواية أحمد إن المكثرين هم الأقلون قوله إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا وفي رواية ابن شهاب إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا قوله وقليل ما هم كلمة ما زائدة مؤكدة للقلة وهم مبتدأ وقليل مقدما خبره قوله مكانك بالنصب أي إلزم مكانك قوله لا تبرح حتى آتبك تأكيد لما قبله وفي رواية حفص لا تبرح يا أبا ذر حتى أرجع قوله ثم انطلق في سواد الليل فيه إشعار بأن القمر قد غاب قوله حتى توارى أي حتى غاب عن بصري قوله فسمعت صوتا وفي رواية أبي معاوية لفظا وصوتا قوله قد عرض بهم العين وروى فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي أي له سوء قوله وإن زنى وإن سرق تعرض وقع في رواية عبد العزيز بن رفيع
قلت يا جبرائيل وإن سرق وإن زنى قال نعم وكررها مرتين في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي ثلاثا
5446 - حدثنا ( أحمد بن شبيب ) حدثنا أبي عن ( يونس )
وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) قال ( أبو هريرة ) رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله

(23/53)


عليه وسلم لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيئا أرصده لدين
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن شبيب بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى ابن سعيد الحبطي بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وبالطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من بني تميم البصري وهو من أفراد البخاري وضعفه ابن عبد البر تبعا لأبي الفتح الأزدي والأزدي غير مرضي فلا يتبع في ذلك
قلت فلذلك قال في ( رجال الصحيحين ) روى عنه البخاري في غير موضع مقرونا إسناده بإسناد آخر وأبوه شبيب بن سعيد روى عنه ابنه أحمد في الاستقراض ومناقب عثمان مفردا وفي غير موضع مقرونا ويونس هو ابن يزيد
قوله وقال الليث إلى آخره ذكره البخاري تقوية لرواية أحمد بن شبيب
والحديث مضى في الاستقراض عن أحمد بن شبيب أيضا قوله مثل أحد ذهبا في رواية الأعرج لو أن أحدكم عندي ذهبا قوله لسرني جواب لو التي للتمني وهو ماض مثبت كما في قولك لو قام لقمت وذكر بعضهم في شرحه ما يسرني بلفظ المضارع وبكلمة ما النافية ثم نقل كلام ابن مالك بما ملخصه إن جواب لو التي للتمني يكون ماضيا مثبتا وهنا وقع مضارعا منفيا ثم أجاب بما ملخصه أن المضارع هنا وقع موضع الماضي وأيضا أن الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن المؤمن لا ينبغي له أن يتمنى كثرة المال إلا بشرط أن يسلطه الله تعالى على إنفاقه في طاعته اقتداه بالشارع في ذلك وفيه أن المبادرة إلى الطاعة مطلوبة وفيه أنه كان يكون عليه دين لكثرة مواساته بقوته وقوت عياله وإيثاره على نفسه أهل الحاجة وفيه الرضا بالقليل والصبر على خشونة العيش
51 -
( باب الغنى غنى النفس )
أي هذا باب يذكر فيه الغنى غنى النفس سواء كان الشخص متصفا بالمال الكثير أو القليل والغنى بالكسر مقصور وربما مده الشاعر للضرورة وهو من الصوت ممدود والغناء بالفتح والمد الكفاية وقال بعضهم باب بالتنوين
قلت ليس كذلك لأن التنوين علامة الإعراب ولفظ باب مفرد والمعرب جزء المركب
وقول الله تعالى أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ( المؤمنون55 ) إلى قوله تعالى من دون ذلك هم لها عاملون ( المؤمنون36 )
في رواية أبي ذر إلى عاملون وبقية هذه الآية بعد بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ( المؤمنون65 ) ثم من بعد هذه الآية إلى قوله وهم لها عاملون ثمان آيات أخرى فالجملة تسع آيات ساقها الكرماني كلها في شرحه ثم قال غرض البخاري من ذكر الآية أن المال مطلقا ليس خيرا قوله أيحسبون الآية نزلت في الكفاء وليست بمعارضة لدعائه لأنس بكثرة المال والولد والمعنى أيحسبون أن ما نمدهم به أي نعطيهم ونزيدهم من مال وبنين مجازاة لهم وخيرا بل هو استدراج لهم ثم بين المسارعين إلى الخيرات من هم فقال إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ( المؤمنون75 ) أي خائفون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون ( المؤمنون85 ) أي يصدقون وهذه الآية والتي بعدها في مدح هؤلاء المتقين قوله والذين يؤتون ( المؤمنون95 ) أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات والحال أن قلوبهم وجلة أي خائفة أن لا يقبل منهم قوله يسارعون يقول سارعت وأسرعت بمعنى واحد إلا أن سارعت أبلغ من أسرعت قوله وهم لها أي إليها والتقدير وهم يسابقونها قوله إلا وسعها يعني إلا ما يسعها قوله ولدينا كتاب يعني اللوح المحفوظ ينطق بالحق يعني يشهد بما عملوه قوله بل قلوبهم في غمرة إضراب عن وصف المتقين وشروع في وصف الكفار أي في غفلة عن الإيمان بالقرآن قاله مقاتل وقيل في عماية من هذا أي من القرآن قوله لهم أعمال من دون ذلك أي أعمال سيئة دون الشرك وقيل دون أعمال المؤمنين قوله هم لها عاملون إخبار عما سيعملونه من الأعمال الخبيثة التي كتبت عليهم لا بد أن يعملوها

(23/54)


وقال ابن عيينة لم يعملوها لا بد من أن يعملوها
أي قال سفيان بن عيينة في تفسير قوله تعالى ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ( المؤمنون36 ) حاصله كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد من أن يعملوها قبل موتهم ليحق عليهم كلمة العذاب
6446 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( أبو بكر ) حدثنا ( أبو حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال ليس الغنى عن كثرة العرض ولاكن الغنى غنى النفس
مطابقته للترجمة ظاهرة وأما وجه المناسبة بين الحديث والآية هو أن خيرية المال ليست لذاته بل بحسب ما يتعلق به وإن كان يسمى خيرا وكذلك ليس صاحب المال الكثير غنيا لذاته بل بحسب تصرفه فيه فإن كان غنيا في نفسه لم يتوقف في صرفه في الواجبات والمستحبات من وجوه البر والقربات وإن كان في نفسه فقيرا أمسكه وامتنع من بذله فيما أمر به خشية من نفاده فهو في الحقيقة فقير صورة ومعنى وإن كان المال تحت يده لكونه لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الآخرة بل ربما كان وبالا عليه
وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التيمي اليربوعي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وأبو بكر هو ابن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة القارىء المشهور الكوفي وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين واسمه عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن أحمد بن بديل بن قريش اليامي الكوفي
قوله من كثرة العرض بفتحتين حطام الدنيا وبالسكون المتاع وقال أبو عبيد العروض الأمتعة وهي ما سوى الحيوان والعقار وما لا يدخله كيل ولا وزن وقال ابن فارس العرض بالسكون كل ما كان من المال غير نقدوجمعه عروض وأما بالفتح فما يصيبه الإنسان من حظ في الدنيا قال تعالى تريدون عرض الدنيا ( الأنفال76 ) وقال وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ( الأعراف961 ) حاصل معنى الحديث ليس الغنى الحقيقي المعتبر من كثرة المال بل هو من استغناء النفس وعدم الحرص على الدنيا ولهذا ترى كثيرا من المتمولين فقير النفس مجتهدا في الزيادة فهو لشدة شرهه وشدة حرصه على جمعه كأنه فقير وأما غنى النفس فهو من باب الرضا بقضاء الله لعلمه أن ما عند الله لا ينفد
61 -
( باب فضل الفقر )
أي هذا باب في بيان فضل الفقر والمراد به الفقر الذي صاحبه راض بما قسم الله له وصابر على ذلك ولا يصدر من قوله وفعله ما يسخط الله تعالى ولا يترك التكسب ويشتغل بالسؤال الذي فيه ذلة ومنة وأما فقراء هذا الزمان فإن أكثرهم غير موصوف بهذه الصفات وفقر هؤلاء هو الذي استعاذ منه النبي وأما الخلاف في أن الفقر الصابر أفضل أو الغني الشاكر فهو مشهور قد تكلمت فيه جماعة كثيرون
7446 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل بن سعد الساعدي ) أنه قال ( مر رجل على ) رسول الله فقال لرجل عنده جالس ما رأيك في هاذا فقال رجل من أشراف الناس هاذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع قال فسكت رسول الله ثم مر رجل فقال له رسول الله ما رأيك في هذا فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هاذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله فقال رسول الله هاذا خير من ملء الأرض من مثل هاذا
( انظر الحديث 1905 )

(23/55)


مطابقته للترجمة في الشق الثاني من الحديث وإسماعيل هو ابن أبي أويس وعبد العزيز يروي عن أبيه أبي حازم بالحاء المهملة وبالزاي واسمه سلمة بن دينار
والحديث مضى في كتاب النكاح في باب الأكفاء في الدين فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن حمزة عن أبي حازم إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله حري بفتح الحاء المهلمة وكسر الراء وتشديد الياء أي جدير ولائق قوله أن ينكح على صيغة المجهول قوله لا يشفع أيضا على صيغة المجهول بتشديد الفاء وكذا لا يسمع على صيغة المجهول أي لا يلتفت إليه بقوله من مثل هذا ويروى مثل هذا بنصب مثل على التمييز ووقع في ( مسند محمد بن هارون الروياني وفي ( فتوح مصر ) لابن عبد الحكم وفي ( مسند الصحابة ) الذين نزلوا مصر ) لمحمد بن الربيع الحبري إن اسم المار الثاني جعبد قال أبو عمر جعيد بن سراقة الغفاري ويقال الضمري أثنى عليه رسول الله
8446 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( الأعمش ) قال سمعت ( أبا واثل ) قال ( عدنا خبابا ) فقال ( هاجرنا مع ) النبي نريد وجه الله فوقع أجرنا على الله تعالى فمنهم من مضى لم يأخذ من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة فإذا غطينا رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدا رأسه فأمرنا النبي أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قضية مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه
والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى أحد أجداده حميد وسفيان هو ابن عيينة والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة
والحديث مضى في الجنائز في باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله عدنا من العيادة قوله هاجرنا مع النبي أي إلى المدينة بأمره وإذنه والمراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة قوله نريد وجه الله ويروى ينبغي وجه الله أي جهة ما عنده من الثواب لا جهة الدنيا قوله فوقع قال الكرماني أي تبت أجرنا على الله كالشيء الواجب أو ثبت بحسب ما وعد العباد
قلت الأحسن أن يقال ثبت جزاؤنا بحسب وعده ولا يجب على الله شيء قوله فمنهم أي فمن الذين هاجروا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا وفي روايته المتقدمة في الجنائز فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا أي من عرض الدنيا فإن قلت الأجر ثواب الآخرة
قلت نعم الدنيا أيضا من جملة الخير والأجر قوله مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى يجتمع مع رسول الله في قصي قوله قتل يوم أحد أي قتل شهيدا في غزوة أحد وكان صاحب لوآء رسول الله يومئذ قوله نمرة بفتح النون وكسر الميم ثم راء هي إزار من صوف مخطط أو بردة قوله أينعت بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون والعين المهملة أي حان قطافها واليانع النضيج ويروى ينعت بدون الهمزة وهي لغة قال الفراء أينعت أكثر قوله يهدبها بفتح أوله وسكون الهاء وكسر الدال المهملة وضمها أي يجتنيها ويقطعها
9446 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( سلم بن زرير ) حدثنا ( أبو رجاء ) عن ( عمران بن حصين ) رضي الله عنهما عن النبي قال اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وسلم بفتح السين وسكون اللام ابن زرير بفتح الزاي وكسر الراء الأولى على وزن عظيم العطاردي البصري وأبو رجاء عمران بن تيم العطاردي
والحديث مضى في

(23/56)


صفة الجنة عن أبي الوليد أيضا وفي النكاح عن عثمان بن الهيثم
تابعه أيوب وعوف
أي تابع أبا رجاء أيوب السختياني وعوف المشهور بالأعرابي في روايته عن عمران بن حصين أما متابعة أيوب فوصلها النسائي عن بشر بن هلال عن عمران بن موسى عن عبد الوارث عن أيوب عن أبي رجاء عن عمران وأما متابعة عوف فوصلها البخاري في كتاب النكاح
وقال صخر وحماد بن نجيح عن أبي رجاء عن ابن عباس
صخر هو ابن جويرية البصري وحماد بتشديد الميم ابن نجيح بفتح النون وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة الإسكاف وتعليق صخر رواه النسائي عن يحيى بن مخلد المقسمي حدثنا المعافي بن عمران عن صخر بن جويرية عن أبي رجاء عن ابن عباس وتعليق حماد رواه النسائي أيضا عن محمد بن معمر النجراني حدثنا عثمان بن عمر عن حماد بن نجيح عن أبي رجاء عن ابن عباس
0546 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( سعيد بن أبي عروبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال لم ( يأكل ) النبي عل خوان حتى مات وما أكل خبزا مرققا حتى مات ( انظر الحديث 6835 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وقال ابن بطال الحديث لا يدل إلا على فضل القناعة والكفاف
قلت القناعة والكفاف من صفات الفقراء الراضين بما قسم الله وهذا يدل على فضل الفقر
وأبو معمر بفتح الميمين هو عبد الله بن محمد بن عمرو بن الحجاج وعبد الوارث بن سعيد البصري
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وأخرجه النسائي في الوليمة عن الفضل بن سهل الأعرج وأخرجه ابن ماجه في الأطعمة عن عبد الله بن يوسف
قوله خوان بكسر الخاء المعجمة وضمها وهو ما يؤكل عليها الطعام عند أهل التنعم ويجمع على خوت وأخونة
1546 - حدثنا ( عبد الله بن أبي شيبة ) حدثنا ( أبو أسامة ) حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت لقد توفي النبي وما في رفي من شيء يأكله ذو وكبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني ( انظر الحديث 7903 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن هذه الحالة تدل على اختيار الفقر وفضله
وعبد الله بن أبي شيبة هو أبو بكر وأبو شيبة جده لأبيه وهو ابن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم أصله من واسط وسكن الكوفة وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير
والحديث مضى في الخمس أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي كريب
قوله وما في رفي ويروى وما في بيتي والرف بفتح الراء وتشديد الفاء خشبة عريضة يغرز طرفاها في الجدار وهو شبه الطاق في البيوت فإن قلت هذا يخالف ما في الوصايا من حديث عمر بن الحارث المصطلقي ما ترك رسول الله عند موته دينارا ولا درهما ولا شيئا
قلت لا مخالفة أصلا لأن مراده بالشيء المنفي ما يتخلف عنه مما كان يختص به وأما الذي قالته عائشة فكان بقية نفقتها التي تختص بها فلم يتحد الموردان قوله ذو كبد يشمل جميع الحيوانات قوله إلا شطر شعير أي بعض شعير قوله فكلته بكسر الكاف ففني أي فرغ قيل قد مر في البيع في باب الكيل أنه قال كيلوا طعامكم يبارك لكم وقولها فكلته ففني مشعر بأن الكيل سبب عدم البركة وأجيب بأن البركة عند البيع وعدمها عند النفقة أو المراد أن مكيله بشرط أن يبقى الباقي مجهولا

(23/57)


71 -
( باب كيف كان عيش النبي وأصحابه وتخليهم من الدنيا )
أي هذا باب في بيان كيفة عيش النبي وكيفية عيش أصحابه رضي الله عنهم وفي بيان تخليهم أي تركهم الملاذ والشهوات من الدنيا
2546 - حدثنا ( أبو نعيم بنحو من نصف هاذا ) الحديث حدثنا ( عمر بن ذر ) حدثنا ( مجاهد ) أن ( أبا هريرة ) كان يقول الله الذي لا إلاه إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل ثم مر بي أبو القاسم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال إلحق ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنا في قدح فقال من أين هذا اللبن قالوا أهداه لك فلان أو فلانة قال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال إلحق إلى أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذالك فقلت وما هاذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أنا أن أصيب من هاذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا جاؤوا أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عساى أن يبلغني من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال خذ فأعطهم قال فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يرواى ثم يرد علي القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يرواى ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يرواى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي وقد روي القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة ( انظر الحديث 5735 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه الإخبار عن عيش النبي وعيش أصحابه رضي الله عنهم
وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وعمر بضم العين ابن ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء الهمداني
وبعض الحديث مضى في الاستئذان مختصرا أخرجه عن أبي نعيم عن عمر بن ذرو عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن عمر بن ذر ثم أعاده هنا عن أبي نعيم وحده مطولا وأخرجه الترمذي في الزهد عن هناد بن سري عن يونس بن بكير عن عمر بن ذر به وأخرجه النسائي في الرقاق عن أحمد بن يحيى عن أبي نعيم
دقوله بنحو من نصف هذا الحديث أشار به إلى حديث الباب

(23/58)


قال الكرماني هذا مشكل لأن نصف الحديث يبقى بدون الإسناد ثم إن النصف مبهم أهو النصف الأول أم الآخر ثم أجاب بأنه اعتمد على ما ذكر في كتاب الأطعمة من طريق يوسف بن عيسى المروزي وهو قريب من نصف هذا الحديث فلعل البخاري أراد بالنصف المذكور لأبي نعيم ما لم يذكره ثمة فيصير الكل مسندا بعضه بطريق يوسف والبعض الآخر بطريق أبي نعيم وقال صاحب ( التلويح ) ذكر البخاري هذا الحديث في الاستئذان مختصرا فقال حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر وعن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك عن عمر بن ذر حدثنا مجاهد وكان هذا هو النصف المشار إليه ههنا انتهى واعترض عليه الكرماني بقوله ليس ما ذكره ثمة نصفه ولا ثلثه ولا ربعه وقال بعضهم فيه نظر من وجهين آخرين أحدهما احتمال أن يكون هذا السياق لابن المبارك فإنه لا يتعين كونه لفظ أبي نعيم وثانيهما أنه منتزع من أثناء الحديث فإنه ليس فيه القصة الأولى المتعلقة بأبي هريرة ولا ما في آخره من حصول البركة في اللبن إلى آخره
قلت في هذا النظر نظر لأنه إذا لم يتعين كون السياق لأبي نعيم كذلك لا يتعين كونه لابن المبارك وكونه منتزعا من أثناء الحديث لا يضر على ما لا يخفى
قوله الله بالنصب قسم حذف حرف الجر منه ويروى والله على الأصل قوله إن كنت كلمة إن هذه مخففة من الثقيلة قوله لأعتمد بكبدي على الأرض أي إلصق بطني بالأرض قوله وإن كنت وإن هذه أيضا مخففة من الثقيلة قوله لأشد الحجر على بطني اللام فيه للتأكيد وفي رواية عن أبي هريرة لتأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه وفائدة شد الحجر على البطن المساعدة على الاعتدال والانتصاب على القيام أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكونها حجارة رقاقا تعدل البطن وربما سدت طرف الأمعاء فيكون الضعف أقل أو تقليل حرارة الجوع ببرودة الحجر أو الإشارة إلى كسر النفس وإلقامها الحجر ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب وقال الخطابي اشكل الأمر في شد الحجر على قوم حتى توهموا أنه تصحيف من الحجز بالزاي جمع الحجزة التي يشد بها الإنسان وسطه لكن من أقام بالحجاز عرف عادة أهله في أن المجاعة تصيبهم كثيرا فإذا خوى البطن لم يكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف فيربطها على البطن فتعتدل القامة بعض الاعتدال
قلت وممن أنكر ربط الحجر ابن حبان في ( صحيحه ) قوله على طريقهم أي طريق النبي وأصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسجد متحدة قوله ليشبعني من الإشباع من الجوع وفي رواية الكشميهني ليستتبعني من الاستتباع وهو طلب أن يتبعه قوله فمر أي إلى حاله ولم يفعل أي الإشباع أو الاستتباع قوله ثم مر بي عمر رضي الله تعالى عنه كأنه استقر هنا حتى مر به عمر فوقع أمره معه مثل ما وقع مع أبي بكر والظاهر أنهما حملا سؤال أبي هريرة على ظاهره وهو سؤاله عن آية من القرآن أو لم يكن عندهما شيء إذ ذاك ويروى أن عمر رضي الله تعالى عنه تأسف على عدم إدخاله أبا هريرة في داره قوله وما في وجهي أي من التغير فيه من الجوع قوله أباهر ووقع في رواية علي بن مسهر فقال أبو هر ووجهه على لغة من لا يعرب الكنية وهو بتشديد الراء وهو إما رد الاسم المؤنث إلى المذكر أو المصغر إلى المكبر فإن كنيته في الأصل أبو هريرة تصغير هرة مؤنثا وأبو هر مذكر مكبر وقيل يجوز فيه تخفيف الراء مطلقا ووقع في رواية يونس بن بكير فقال أبو هريرة أي أنت أبو هريرة قوله إلحق من اللحوق أي اتبعني قوله فدخل زاد ابن مسهر إلى أهله قوله فاستأذن على صيغة المتكلم من المضارع وفي رواية علي بن مسهر ويونس فأستادنت قوله فدخل فيه التفات وفي رواية علي بن مسهر فدخلت وهي ظاهرة قوله فوجد لبنا في قدح وفي رواية علي بن مسهر فإذا هو لبن في قدح وفي رواية يونس فوجد قدحا من اللبن قوله من أين هذا اللبن زاد روح لكم وفي رواية ابن مسهر فقال لأهله من أين لكم هذا قوله أو فلانة شك من الراوي قوله إلحق إلى أهل الصفة عدى إلحق بكلمة إلى لأنه ضمنه معنى انطلق وكذا وقع في رواية روح انطلق قوله قال وأهل الصفة سقط لفظ قال في رواية روح ولا بد منه لأنه من كلام أبي هريرة قوله ولا على أحد تعميم بعد تخصيص فيشمل الأقارب والأصدقاء وغيرهم قوله فساءني ذلك وفي رواية علي بن مسهر والله ومعناه أهمني ذلك قوله وما هذا اللبن في أهل الصفة أي ما قدره في أهل الصفة الواو فيه عطف على محذوف تقديره هذا قليل أو نحو ذلك وما هذا وفي رواية يونس بحذف الواو وفي رواية

(23/59)


علي بن مسهر وأين يقع هذا اللبن من أهل الصفة قوله فإذا جاء كذا فيه بالإفراد في بعض النسخ أي إذا جاء من أمرني بطلبه وفي رواية الأكثرين فإذا جاؤوا بصيغة الجمع كما في نسختنا قوله أمرني أي رسول الله قوله وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن أي قائلا في نفسي وما عسى قال الكرماني والظاهر أن عسى مقحم قوله وأخذوا مجالسهم من البيت يعني قعد كل واحد منهم في المجلس الذي يليق به ولم يذكر عددهم وقد تقدم في أبواب المساجد في كتاب الصلاة من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رأيت سبعين من أصحاب الصفة الحديث وذكر في ( الحلية ) أن عدتهم تقرب من المائة وقال أبو نعيم كان عدد أهل الصفة يختلف بحسب اختلاف الحال فربما اجتمعوا فكثروا وربما تفرقوا إما لغزو أو سفر أو استغناء فقلوا وقيل هنا كانوا أكثر من سبعين قوله خذ أي القدح الذي فيه اللبن فأعطهم وصرح هكذا في رواية يونس قوله حتى يروى بفتح الواو نحو رضي يرضى قوله ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل قال الكرماني الرجل الثاني معرفة معادة فيكون عين الأول على القاعدة النحوية لكن المراد غيره ثم أجاب بأن ذلك حيث لا قرينة ولفظ حتى انتهيت قرينة المغايرة كما في قوله عز و جل قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ( آل عمران62 ) قوله فتبسم كان ذلك لأجل توهم أبي هريرة أن لا يفضل له من اللبن شيء قوله فقال أبا هر أي يا أبا هر وفي رواية علي بن مسهر فقال أبو هريرة أي فقال النبي أبو هريرة وقد ذكرنا وجهه عن قريب قوله قال بقيت أنا وأنت هذا بالنسبة إلى من حضر من أهل الصفة فأما من كان في البيت من أهل النبي فلم يتعرض لذكرهم ويحتمل أن لا يكون إذ ذاك في البيت أحد أو كانوا أخذوا كفايتهم وكان الذي في القدح نصيب النبي قوله فأرني وفي رواية روح ناولني القدح قوله فحمد الله وسمى أما الحمد فلحصول البركة فيه وأما التسمية فلإقامة السنة عند الشرب وشرب الفضلة أي البقية
وفيه فوائد كثيرة يستخرجها من له يد في تحرير النظر وتقريب المراد
3546 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) الله عن ( إسماعيل ) حدثنا ( قيس ) قال سمعت ( سعدا ) يقول إني لأول العرب رماى بسهم في سبيل الله ورأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط ثم أصبحت بنو أسد تعززني على الإسلام خبت إذا وضل سعيي ( انظر الحديث 8273 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه بيان عيش سعد وغيره على الوجه المذكور
ويحيى هو ابن سعيد القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وسعد هو ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في فضل سعد عن عمرو بن عوف وفي الأطعمة عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن حبيب ومضى الكلام فيه
قوله لأول العرب اللام فيه للتأكيد وفي رواية الترمذي إني لأول رجل أهرق دما في سبيل الله قوله ورأيتنا بضم التاء المثناة من فوق أي ورأيت أنفسنا قوله نغزو من الغزو في سبيل الله قوله الحبلة بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وقيل بفتحها أيضا وهي ثمر السلم أو ثمر عامة العضاه وهي بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة شجرا له شوك كالطلح والعوسج قوله السمر بضم الميم شجر وفي مسلم ما تأكل الأوراق الحبلة هذا السمر قوله ليضع كناية عن التغوط أي ليضع الذي يخرج منه عند التغوط قوله ماله خلط بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام يعني لا يختلط بعضه ببعض لجفافه وشدة يبسه الناشىء عن تقشف العيش قوله بنو أسد قبيلة وهي أسد بن خزيمة قوله تعزرني أي تقومني بالتعليم على أحكام الدين وهو من التعزير وهو التوقيف على الأحكام والفرائض ومنه تعزير السلطان وهو التقويم بالتأديب قوله على الإسلام ويروى على الدين قوله خبت من الخيبة وهي الحرمان والخسران قوله وضل سعيي ويروى وضل عملي قيل كيف جاز لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لورود النهي عنه وأجيب بأن الجهال لما عيروه بأنه لا يحسن الصلاة فاضطر إلى ذكر فضله والمدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره ذلك

(23/60)


4546 - حدثني ( عثمان ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) قالت ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض ( انظر الحديث 6145 )
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه بيان عيش آل النبي على الوجه المذكور
وعثمان هو ابن أبي شيبة وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد وكل هؤلاء كوفيون
والحديث مضى في الأطعمة عن قتيبة
قوله آل محمد أي النبي قوله تباعا بكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف الباء الموحدة أي متتابعة ومتوالية قوله حتى قبض إشارة إلى استمراره على تلك الحالة مدة إقامته وهي عشر سنين بما فيها من أيام أسفاره في الغزو والحج والعمرة
أخرجه ابن سعد من وجه آخر عن إبراهيم وما رفع عن مائدته كسرة خبز فضلا حتى قبض وروى عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة ما شبع آل محمد من خبز بر مأدوم أخرجه مسلم وروى مسلم أيضا من رواية يزيد بن قسيط عن عائشة رضي الله عنهما ما شبع رسول الله من خبز وزيت في يوم واحد مرتين وله من طريق مسروق عنها والله ما شبع من خبز ولحم في يوم مرتين وروى ابن سعد من طريق الشعبي عن عائشة أن رسول الله كانت تأتي عليه أربعة أشهر ما يشبع من خبز البر
5546 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمان حدثنا إسحاق هو الأزرق عن مسعر ابن كدام عن هلال عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت ما أكل آل محمد أكلتين في يوحم إلا إحداهما تمر
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن ) أبو يعقوب البغوي يقاله له لؤلؤ سكن بغداد و ( إسحاق ) الأزرق بتقديم الزاي على الراء هو إسحاق بن يوسف بن يعقوب الواسطي ومسعر بكسر الميم وسكون المهملة الأولى وفتح الثانية وبالراء ابن كدام بكسر الكاف وتخفيف الدال المهملة العامري مر في الوضوء و ( هلال ) بن حميد ويقال ابن أبي حميد الوزان الكوفي يروي عن ( عروة ) بن الزبير عن ( عائشة )
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي كريب
قوله أكلتين بفتح الهمزة وضمها
6546 - حدثني ( أحمد بن رجاء ) حدثنا ( النضر ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان فراش رسول الله من أدم وحشوه من ليف
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن رجاء بالجيم والمد الهروي والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل بالشين المعجمة مصغر يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة والحديث من أفراده
قوله من أدم بفتح الهمزة والدال المهملة وأخرج ابن ماجه من رواية ابن نمير عن هشام بلفظ كان ضجاع رسول الله أدما وحشوه ليف والضجاع بكسر الضاد المعجمة وبالجيم هو ما يرقد عليه
7546 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام بن يحيى ) الله حدثنا ( قتادة ) قال ( كنا نأتي أنس بن مالك ) وخبازه قائم وقال كلوا فما أعلم النبي رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله ولا رأى شاة سميطا بعينه قط ( انظر الحديث 5835 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهدبة بفتح الهاء وسكون الدال المهملة
والحديث مضى في الأطعمة عن محمد بن سنان
قوله مرققا قال ابن الأثير هو الأرغفة الواسعة الرقيقة يقال رقيق ورقاق كطويل وطوال قوله سميطا أي مشويا فعيل بمعنى

(23/61)


مفعول وأصل السمط أن ينزع صوف الشاة المذبوحة بالماء الحار وإنما يفعل بها ذلك في الغالب لتشوى وإنا لم يقل سميطة لأنا قلنا هو فعيل بمعنى مفعول فيستوي فيه التذكير والتأنيث وغرضه أن النبي ما كان منعما في المأكولات
8546 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى ) الله حدثنا ( هشام ) أخبرني أبي عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللحيم طابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه إخبارا عن كيفية عيشهم
ويحيى هو القطان وهشام هو ابن عروة والحديث من أفراده
قوله إنما هو أي طعامنا قوله إلا أن نؤتى على صيغة المجهول بنون الجماعة قوله باللحيم تصغير اللحم أشارت به إلى قلقه ويروى مكبرا
9546 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ) حدثني ( ابن أبي حازم ) عن أبيه عن ( يزيد بن رومان ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أنها قالت لعروة ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله نار فقلت ما كان يعيشكم قالت الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله من أبياتهم فيسقيناه ( انظر الحديث 7652 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وابن أبي حازم هو عبد العزيز وأبوه سلمة بن دينار ويزيد من الزيادة ابن رومان بضم الراء أبو روح الأسدي المدني مولى آل الزبير بن العوام
والحديث مضى في أول الهبة عن عبد العزيز المذكور بعين هذا الإسناد والمتن وفيه فقلت يا خالة ما كان يعيشكم
قوله من أبياتهم وهناك من ألبانهم قوله ابن أختي أي يا ابن أختي وحرف النداء محذوف وكانت أم عروة أسماء بنت أبي بكر الصديق أخت عائشة رضي الله عنهم قوله إن كنا لننظر كلمة إن مخففة من الثقيلة قوله إلى الهلال أي الثالث وهو هلال الشهر الثالث لأنه يرى عند انقضاء الشهرين وبرؤيته يدخل الشهر الثالث قوله يعيشكم بضم الياء وفتح العين وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة وبالشين المعجمة أي المضمومة ويروى يعيشكم بضم الياء وكسرالعين وسكون الياء من أعاشه الله أي أعطاه العيش قوله إلا أنه كلمة إلا بمعنى لكن وأنه أي وأن الشأن قوله منائح جمع منيحة وفي ( المغرب ) المنيحة والمنحة الناقة الممنوحة ومنيحة اللبن أن يعطى الرجل ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها قوله يمنحون رسول الله أي يعطونه من المنائح قوله فيسقيناه أي يسقينا رسول الله ويروى فيسقيني بالإفراد
0646 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( محمد بن فضيل ) عن أبيه عن ( عمارة ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله اللهم ارزق آل محمد قوتا
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه طلب الكفاف وفضله وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك وهكذا كان عيشه
وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي ومحمد بن فضيل مصغر فضل بالمعجمة ابن غزوان الضبي الكوفي ومحمد هذا يروي عن أبيه فضيل المذكور عن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبالراء ابن القعقاع وأبو زرعة هرم بفتح الهاء ابن عمرو بن جرير
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي عمار وأخرجه النسائي في الرقائق عن إسحاق بن إبراهيم
قوله قوتا أي مسكة من الرزق
81 -
( باب القصد والمداومة على العمل )

(23/62)


أي هذا باب في بيان استحباب القصد وهو السلوك في الطريق المعتدلة ويقال القصد استقامة الطريق بين الإفراط والتفريط قوله والمداومة أي وفي بيان المداومة على العمل الصالح
1646 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا أبي عن ( شعبة ) عن ( أشعث ) قال سمعت أبي قال سمعت ( مسروقا ) قال سألت ( عائشة ) رضي الله عنها أي العمل كان أحب إلى النبي قالت الدائم قال قلت فأي حين كان يقوم قالت كان يقوم إذا سمع الصارخ ( انظر الحديث 2311 وطرفه )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة ابن أبي الشعثاء واسمه سليم بن الأسود
والحديث مضى بهذا الإسناد في كتاب التهجد في باب من نام عند السحر
قوله فأي حين هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره في أي حين قوله يقوم أي من النوم والصارخ الديك قال الكرماني أو المؤذن قلت فيه نظر
1646 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا أبي عن ( شعبة ) عن ( أشعث ) قال سمعت أبي قال سمعت ( مسروقا ) قال سألت ( عائشة ) رضي الله عنها أي العمل كان أحب إلى النبي قالت الدائم قال قلت فأي حين كان يقوم قالت كان يقوم إذا سمع الصارخ ( انظر الحديث 2311 وطرفه )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة ابن أبي الشعثاء واسمه سليم بن الأسود
والحديث مضى بهذا الإسناد في كتاب التهجد في باب من نام عند السحر
قوله فأي حين هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره في أي حين قوله يقوم أي من النوم والصارخ الديك قال الكرماني أو المؤذن قلت فيه نظر
2646 - حدثنا ( قتيبة ) عن ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) أنها قالت كان أحب العمل إلى رسول الله الذي يدوم عليه صاحبه ( انظر الحديث 2311 وطرفه )
مطابقته أيضا للجزء الثاني للترجمة والحديث من أفراده
3646 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله لن ينجي أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا
مطابقته للجزء الأول للترجمة وهو قوله القصد وآدم هو ابن أبي إياس واسمه عبد الرحمن وابن أبي ذئب بلفظ الحيوان المشهور هو محمد بن عبد الرحمن
والحديث من أفراده
قوله لن ينجي من التنجية أو من الإنجاء ومعناه لن يخلص والنجاة من الشيء التخلص منه قوله أحدا منصوب على المفعولية وعمله بالرفع فاعل ينجي قوله ولا أنا قال الكرماني إذا كان كل الناس لا يدخلون الجنة إلا برحمة الله فوجه تخصيص رسول الله بالذكر هو أنه إذا كان مقطوعا له بأنه يدخل الجنة ولا يدخلها إلا برحمة الله فغيره يكون في ذلك بطريق الأولى قوله إلا أن يتغمدني الله أي إلا أن يسترني الله برحمته يقال تغمده الله برحمته إذا ستره بها ويقال تغمدت فلانا أي سترت ما كان منه وغطيته ومنه غمد السيف لأنك إذا غمدته فقد سترته في غلافه وفي رواية سهيل إلا أن يتداركني والاستثناء منقطع ويحتمل أن يكون متصلا من قبيل قوله تعالى لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ( الدخان65 ) قيل كيف الجمع بينه وبين قوله وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ( الزخرف27 ) وأجاب ابن بطال بما ملخصه إن الآية تحمل على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال وأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال ويحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( النحل23 ) فصرح بأن دخول الجنة أيضا بالأعمال وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون قوله برحمة وفي رواية أبي عبيد بفضل ورحمة وفي رواية الكشميهني من طريقه بفضل رحمته وفي رواية الأعمش بفضل ورحمة وفي رواية ابن عون بمغفرة ورحمة قوله سددوا وفي رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن سددوا ومعناه اقصدوا السداد أي الصواب وقال الكرماني التسديد بالمهملة من السداد وهو القصد من القول والعمل واختيار للصواب منهما قوله وقاربوا أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال

(23/63)


فتتركوا العمل فتفرطوا وقال الكرماني أي لا تبلغوا الغاية بل تقربوا منها قوله واغدوا من الغدو وهو السير من أول النهار والرواح السير من أول النصف الثاني من النهار قوله وشيء من الدلجة أي استعينوا ببعض شيء من الدلجة بضمالدال وإسكان اللام ويجوز في اللغة فتحها ويقال بفتح اللام أيضا وهو بالضم السير آخر الليل وبالفتح سير الليل وقد بسطنا الكلام فيه في باب الدين يسر في كتاب الإيمان قوله والقصد القصد بالنصب على الإغراء أي إلزموا الطريق الوسط المعتدل تبلغوا المنزل الذي هو مقصدكم شبه المتعبدين بالمسافرين فقال لا تستوعبوا الأوقات كلها بالسير بل اغتنموا أوقات نشاطكم وهو أول النهار وآخره وبعض الليل وارحموا أنفسكم فيما بينهما لئلا ينقطع بكم قال الله تعالى أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ( هود411 )
4646 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( سليمان ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( عائشة ) أن رسول الله قال سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل ( الحديث 4646 - طرفه في 7646 )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس العامري الأويسي المدني وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب القرشي التيمي وموسى بن عقبة بسكون القاف ابن أبي عياش الأسدي المدني
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن إسحاق بن إبراهيم وغيره وأخرجه النسائي في الرقائق عن الحسن بن إسماعيل
قوله سددوا وقاربوا قد مضى شرحهما عن قريب قوله إنه أي أن الشأن ويروى أن لن يدخل قوله لن يدخل بضم الياء من الإدخال وأحدكم منصوب لأنه مفعول وعمله مرفوع لأنه فاعل لقوله لن يدخل والجنة نصب على الظرف قوله أدومها بصيغة أفعل التفضيل قيل أدومها كيف يكون قليلا ومعنى الدوام شمول الأزمنة مع أنه غير مقدور أيضا أجيب بأن المراد بالدوام المواظبة العرفية وهي الإتيان بها في كل شهر أو كل يوم بقدر ما يطلق عليه عرفا اسم المداومة قوله وإن قل أي أحب الأعمال وهو معطوف على مقدر تقديره أن لم يقل وإن قل
6646 - حدثني ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) قال سألت أم المؤمنين ( عائشة ) قلت يا أم المؤمنين كيف كان عمل النبي هل كان يخص شيئا من الأيام قالت لا كان عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان النبي يستطيع ( انظر الحديث 7891 )

(23/64)


مطابقته للجزء الثاني للترجمة وجرير بن عبد الحميد ومنصور بن المعتمر وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس وهو خال إبراهيم ورجال السند كلهم كوفيون
والحديث مضى في الصوم عن مسدد ومضى الكلام فيه
قوله هل كان يخص شيئا من الأيام أي بعبادة مخصوصة لا يفعل مثلها في غيره فقالت لا قيل هو معارض بقولها ما رأيته أكثر صياما منه في شعبان وأجيب بأنه لا تعارض لأنه كان كثير الأسفار فلا يجد سبيلا إلى صيام الثلاثة الأيام من كل شهر فيجمعها في شعبان وإنما كان يوقع العبادة على قدر نشاطه وفراغه من جهاده قوله ديمة بكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف أي دائما والديمة في الأصل المطر المستمر بسكون بلا رعد ولا برق ثم استعمل في غيره وأصل ديمة دومة قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قوله وأيكم يستطيع إلى آخره أي في العبادة بحسب الكم وبحسب الكيف من خشوع وخضوع وإخبات
7646 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( محمد بن الزبرقان ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( أبي سلمة بن عبده الرحمان ) عن ( عائشة ) عن النبي قال سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة
قال أظنه عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة ( انظر الحديث 4146 )
هذا وجه آخر في حديث موسى بن عقبة الذي مضى عن قريب فإن فيه موسى بن عقبة عن أبي سلمة وهنا قال علي بن عبد الله شيخ البخاري اظن أن بين موسى بن عقبة وأبي سلمة واسطة وهو أبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ومحمد بن الزبرقان بكسر الزاي وسكون الباء الموحدة وكسر الراء وبالقاف الأهوازي وماله في البخاري سوى هذا الحديث وبقية شرح الألفاظ المذكورة قد مرت
عفان حدثنا وهيب عن موسى بن عقبة قال سمعت أبا سلمة عن عائشة عن النبي سددوا وأبشروا
أي قال عفان بن مسلم الصفار وإنما قال قال عفان لأنه أخذ منه مذاكرة لا تحديثا وتحميلا وكثيرا روى عنه بالواسطة وقال أبو نعيم هذا تدليس من البخاري قلت استبعد هذا وقد قال ابن القطان لما ذكر تدليس الشيوخ قال لم يصح ذلك عن البخاري قط ووهيب هو ابن خالد البصري وحديث وهيب هذا أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم حدثنا بهز حدثنا وهيب عن موسى به
وقال مجاهد سدادا سديدا صدقا
قول مجاهد هذا ثبت عند الأكثرين وثبت عند الطبري والفريابي عن مجاهد في قوله تعالى قولا سديدا ( النساء92 ) قال سدادا والسداد بفتح السين العدل المعتدل الكافي وبالكسر ما يسد الخلل وقال بعضهم زعم مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن أن الطبري وصل تفسير مجاهد عن موسى بن هارون عن عمرو بن طلحة عن أسباط عن السدي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وهذا وهم فاحش فما للسدي عن ابن أبي نجيح رواية
قلت رعاية الأدب مطلوبة وليته قال الشيخ مغلطاي أو علاء الدين فإنه كان يقال له علاء الدين مع أنه هو شيخ شيخه لأنه كثيرا ما يذكره في شرحه بتعظيم وقد علم أنه إذا اجتمع المثبت والنافي أخذ بقول المثبت لأن له زيادة علم
7646 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( محمد بن الزبرقان ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( أبي سلمة بن عبده الرحمان ) عن ( عائشة ) عن النبي قال سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة
قال أظنه عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة ( انظر الحديث 4146 )
هذا وجه آخر في حديث موسى بن عقبة الذي مضى عن قريب فإن فيه موسى بن عقبة عن أبي سلمة وهنا قال علي بن عبد الله شيخ البخاري اظن أن بين موسى بن عقبة وأبي سلمة واسطة وهو أبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ومحمد بن الزبرقان بكسر الزاي وسكون الباء الموحدة وكسر الراء وبالقاف الأهوازي وماله في البخاري سوى هذا الحديث وبقية شرح الألفاظ المذكورة قد مرت
عفان حدثنا وهيب عن موسى بن عقبة قال سمعت أبا سلمة عن عائشة عن النبي سددوا وأبشروا
أي قال عفان بن مسلم الصفار وإنما قال قال عفان لأنه أخذ منه مذاكرة لا تحديثا وتحميلا وكثيرا روى عنه بالواسطة وقال أبو نعيم هذا تدليس من البخاري قلت استبعد هذا وقد قال ابن القطان لما ذكر تدليس الشيوخ قال لم يصح ذلك عن البخاري قط ووهيب هو ابن خالد البصري وحديث وهيب هذا أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم حدثنا بهز حدثنا وهيب عن موسى به
وقال مجاهد سدادا سديدا صدقا
قول مجاهد هذا ثبت عند الأكثرين وثبت عند الطبري والفريابي عن مجاهد في قوله تعالى قولا سديدا ( النساء92 ) قال سدادا والسداد بفتح السين العدل المعتدل الكافي وبالكسر ما يسد الخلل وقال بعضهم زعم مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن أن الطبري وصل تفسير مجاهد عن موسى بن هارون عن عمرو بن طلحة عن أسباط عن السدي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وهذا وهم فاحش فما للسدي عن ابن أبي نجيح رواية
قلت رعاية الأدب مطلوبة وليته قال الشيخ مغلطاي أو علاء الدين فإنه كان يقال له علاء الدين مع أنه هو شيخ شيخه لأنه كثيرا ما يذكره في شرحه بتعظيم وقد علم أنه إذا اجتمع المثبت والنافي أخذ بقول المثبت لأن له زيادة علم
8646 - حدثني ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( محمد بن فليح ) قال حدثني أبي عن ( هلال بن علي ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال ( سمعته ) يقول إن رسول الله صلى لنا يوما الصلاة ثم رقى المنبر فأشار بيده قبل قبلة المسجد فقال قوله قد أريت الآن منذ صليت

(23/65)


لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين في قبل هاذا الجدار فلم أر كاليوم في الخير والشر فلم أر كاليوم في الخير والشر
مطابقته للترجمة من حيث أن تكون الجنة المرغبة والنار المرهبة نصب عين المصلي ليكونا باعثين على مداومة العمل وإدمانه
ومحمد بن فليح بضم الفاء مصغر الفلح بالفاء والحاء المهملة يروي عن أبيه فليج بن سليمان المغيرة الخزاعي وقيل الأسلمي وهلال بن علي وهو هلال بن أبي ميمونة ويقال هلال بن أبي هلال
والحديث مضى في الصلاة في باب رفع البصر إلى الإمام عن يحيى بن صالح وعن محمد بن سنان
قوله ثم رقى بفتح الراء وكسر القاف أي صعد وزنا ومعنى قوله قبل قبلة المسجد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة قبلة المسجد قوله أريت بضم الهمزة وكسر الراء قوله الجنة نصب على أنه مفعول ثان لأريت قوله ممثلتين أي مصورتين قوله في قبل هذا الجدار بضم القاف والباء الموحدة أي قدام هذا الجدار أي جدار المسجد ويروى هذا الحائط يقال مثل له أي صور له حتى كأنه ينظر إليه قوله فلم أر كاليوم أي يوما مثل هذا اليوم وقد وقع هذا مكررا تأكيدا
91 -
( باب الرجاء مع الخوف )
أي هذا باب في بيان استحباب الرجاء مع الخوف فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف ولا في الخوف عن الرجاء لئلا يقضي في الأول إلى الكبر وفي الثاني إلى القنوط وكل منهما مذموم والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها وأما من انهمك في المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا غرور في غرور وقد أخرج ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن عائشة قلت يا رسول الله الذين يؤتون وقلوبهم وجلة أهو الذي يسرق ويزني قال لا ولكن الذي يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف أن لا يقبل منه
وقال سفيان ما في القرآن آية أشد علي من لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل إليكم من ربكم ( المائدة 86 )
سفيان هذا هو ابن عيينة وأول الآية قل يا أهل الكتاب لستم على شيء وإنما كان أشد لأنه يستلزم العلم بما في الكتب الإلهية والعمل بها وقد مر في تفسير سورة المائدة وقيل الأخوف هو قوله تعالى واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( آل عمران131 ) وقيل هو لبئس ما كانوا يصنعون ( المائدة 36 ) وقيل أخوف آية من يعمل سوءا يجزيه ( النساء321 ) فإن قلت ما وجه مناسبة الآية بالترجمة
قلت من حيث إن الآية تدل على أن من لم يعمل بما تضمنه الكتاب الذي أنزل عليه لم يحصل له النجاة ولا ينفعه رجاؤه من غير عمل ما أمر به
9646 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( يعقوب بن عبد الرحمان ) عن ( عمرو بن أبي عمرو ) عن ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ( انظر الحديث 0006 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فلو يعلم الكافر إلى آخر الحديث وذلك أن المكلف لو تحقق ما عند الله من الرحمة لما قطع رجاءه أصلا ولو تحقق ما عنده من العذاب لما ترك الخوف أصلا فينبغي أن يكون بين الخوف والرجاء فلا يكون مفرطا في الرجاء بحيث يصير من المرجئة القائلين بأنه لا يضر مع الإيمان شيء ولا في الخوف بحيث يكون من الخوارج والمعتزلة

(23/66)


القائلين بتخليد صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة في النار بل يكون وسطا بينهما كما قال الله تعالى يرجون رحمته ويخافون عذابه ( الإسراء75 ) قوله قتيبة بن سعيد في رواية أبي ذر لم يذكر ابن سعيد قوله وعمرو بن أبي عمرو وبالواو فيهما مولى المطلب وهو تابعي صغير وشيخه تابعي وسط وكلاهما مدنيان
والحديث من أفراده وقد مر في الأدب في باب جعل الله الرحمة مائة جزء من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه جعل الله الرحمة مائة جزء
قوله إن الله خلق الرحمة أي الرحمة التي جعلها في عباده وهي مخلوقة وأما الرحمة التي هي صفة من صفاته فهي قائمة بذاته عز و جل قوله مائة رحمة أي مائة نوع من الرحمة أو مائة جزء كما في الحديث الذي تقدم في الأدب قوله في خلقه كلهم ويروى كله قاله الكرماني قوله فلو يعلم الكافر هكذا ثبت في هذا الطريق بالفاء إشارة إلى ترتب ما بعدها على ما قبلها ومن ثم قدم ذكر الكافر لأن كثرة الرحمة وسعتها تقتضي أن يطمعها كل أحد ثم ذكر المؤمن استطرادا والحكمة في التعبير بالمضارع دون الماضي الإشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذا امتنع في المستقبل كان ممتنعا فيما مضى وقد صرح ابن الحاجب أن لو لانتفاء الأول لانتفاء الثاني كما في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء22 ) فانتفاء التعدد بانتفاء الفساد وليس ههنا كذلك إذ فيه انتفاء الثاني وهو انتفاء الرجاء لانتفاء الأول كما في قوله لوجئتني لأكرمتك فإن الإكرام منتف لانتفاء المجيء قوله بكل الذي قيل فيه إشكال لأن لفظة كل إذا أضيفت إلى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الأجزاء لا لعموم الإفراد والغرض من سياق الحديث تعميم الإفراد وأجيب بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذ لعموم الإجزاء في الأصل ونزلت الأجزاء منزلة الأفراد مبالغة قوله لم ييأس من الجنة من اليأس وهو القنوط يقال يئس بالكسر ييأس وفيه لغة أخرى بكسر الهمزة من مستقبله وهو شاذ وقال المبرد منهم من يبدل الهمزة في المستقبل أو الياء الثانية ألفا فتقول ييأس ويائس فإن قلت ما معنى لم ييئس من الجنة قلت قيل المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء وقيل المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة
02 -
( باب الصبر عن محارم الله )
أي هذا باب في بيان الاجتهاد في الصبر عن محارم الله أي محرماته قاله الكرماني قلت المحارم جمع محرمة بفتح الميمين وجاء بضم الراء أيضا قال الجوهري الحرمة ما لا يحل انتهاكه وكذلك المحرمة بفتح الراء وضما والصبر حبس النفس وتارة يستعمل بكلمة عن كما في المعاصي يقال صبر عن الزنا وتارة بكلمة على كما في الطاعات يقال صبر على الصلاة ونحو ذلك
وقوله عز و جل إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( الزمر 01 ) ح
وقوله بالجر عطف على قوله الصبر عن محارم الله هذا في رواية أبي ذر هكذا بلفظ قوله وليس في رواية غيره لفظ قوله وفي بعض النسخ وقوله عز و جل وهذا أحسن ولفظ الصابرون يحتمل أن يستعمل بعن وبعلى كما ذكرنا آنفا أن استعماله بالوجهين وأراد بقوله بغير حساب المبالغة بالنسبة إلينا
وقال عمر وجدنا خير عيشنا بالصبر
أي قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله بالصبر كذا هو بالباء الموحدة وفي رواية الكشميهني بحذف الباء فيكون منصوبا بنزع الخافض وقال بعضهم والأصل في الصبر والباء بمعنى في
قلت لا يحتاج إلى هذا والباء على حالها للإلصاق أي وجدنا ملتصقا بالصبر ويجوز أن تكون للاستعانة
وهذا الأثر رواه أحمد في ( كتاب الزهد ) بسند صحيح عن مجاهد قال عمر رضي الله تعالى عنه وجدنا خير عيشنا الصبر
0746 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عطاء بن يزيد ) أن ( أبا سعيد )

(23/67)


أخبره أن ( أناسا من الأنصار سألوا ) رسول الله فلم يسأله أحد منهم إلا أعطاه حتى نفد ما عنده فقال لهم حين نفد كل شيء أنفق بيديه ما يكن عندي من خير لا أدخره عنكم وإنه من يستعف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله ومن يستغن يغنه الله ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر ( انظر الحديث 9641 )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأبو اليمان الحكم بن نافع وروايته عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري في البخاري كثيرة وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري
والحديث مضى في الزكاة عن قتيبة وأخرجه مسلم والنسائي أيضا عن قتيبة ومضى الكلام فيه
قوله أن أناسا ويروى أن ناسا والمعنى واحد قوله حتى نفد بفتح النون وكسر الفاء أي فرغ قوله إنفق بيديه جملة حالية أو اعتراضية أو استئنافية ويروى بيده بالإفراد قوله ما يكن كلمة ما إما موصولة وإما شرطية ويروى ما يكون وصوب الدمياطي الأول قوله لا أدخره بالإدغام وبغيره وفي رواية مالك فلم أدخره وعنه فلن أدخره وداله مهملة وقيل معجمة قوله وإنه من يستعف كذا في رواية الأكثرين بتشديد الفاء وفي رواية الكشميهني من يستعفف من الاستعفاف وهو طلب العفة وهي الكف عن الحرام والسؤال من الناس قوله يعفه الله بضم الياء وبتشديد الفاء المفتوحة أي يرزقه العفاف قوله ومن يتصبر أي ومن يتكلف الصبر يصبره الله بضم الياء وتشديد الباء المكسورة أي يرزقه الله الصبر قوله ومن يستغن أي ومن يظهر الغناء ولم يسأل يغنه بضم الباء من الإغناء أي يرزقه الغنى عن الناس ووقع في رواية عبد الرحمن بن أبي سعيد بدل التصبر ومن استكفى كفاءه الله وزاد ومن سال وله قيمة أوقية فقد ألحف قوله ولن تعطوا على صيغة المجهول بالخطاب للجمع قوله عطاء خيرا بالنصب كذا في هذه الرواية وقع في رواية مالك هو خير بالرفع وفي رواية مسلم عطاء خير والتقدير هو خير وقال النووي كذا في نسخ مسلم يعني بالرفع والتقدير هو خير كما قلنا
1746 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) حدثنا ( مسعر ) حدثنا ( زياد بن علاقة ) قال سمعت ( المغيرة بن شعبة ) يقول كان النبي يصلي حتى ترم أو تنتفخ قدماه فيقال له فيقول أفلا أكون عبدا شكورا ( انظر الحديث 0311 وطرفه )
مطابقته للترجمة في الصبر على الطاعة فإنه صبر عليها حتى تورمت قدماه
وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي سكن مكة ومات بها سنة ثلاث عشرة ومائتين ومعسر بكسر الميم وسكون المهملة الأولى وفتح الثانية وبالراء ابن كدام الكوفي وزياد بكسرالزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن علاقة بكسر العين وتخفيف اللام وبالقاف
والحديث مضى في صلاة الليل عن أبي نعيم وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه في الصلاة فالأولان عن قتيبة وابن ماجه عن هشام بن عمار
قوله حتى ترم أصله تورم لأنه من ورم يرم بالكسر فيهما والقياس يورم وهو أحد ما جاء على هذا البناء ومجيئه على هذا البناء شاذ وهو من الورم وهو الانتفاخ قوله أو تنتفخ بالنصب قال الكرماني كلمة أو للتنويع ويحتمل أن يكون شكا من الراوي وجزم غيره أنه للشك قوله فيقال له أي إنك قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول أفلا أكون عبدا شكورا على ما أنعم الله علي من هذا الفضل العظيم الذي اختصصت به
12 -
( باب ( 65 ) ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( الطلاق3 )
أي هذا باب مترجم بقوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وأصل التوكل من الوكول يقال وكل أمره إلى فلان أي التجأ إليه واعتمد عليه والتوكل تفويض الأمر إلى الله وقطع النظر عن الأسباب وليس التوكل ترك السبب والاعتماد على ما يجيء من المخلوقين لأن ذلك قد يجر إلى ضد ما يراد من التوكل وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل جلس

(23/68)


في بيته أو في مسجد وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العلم فقد قال النبي إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي وقال لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق قال وكانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم يتجرون ويعملون في تخيلهم والقدوة بهم
وقال الربيع بن خثيم من كل ما ضاق على الناس
الربيع بفتح الراء وكسر الباء الموحدة ابن خثيم بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف الثوري الكوفي من كبار التابعين صحب ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وكان يقول له لو رآك رسول الله لأحبك رواه الإمام أحمد في ( الزهد ) بسند جيد قوله من كل ما ضاق أراد من يتوكل على الله فهو حسبه من كل ما ضاق على الناس وقال الكرماني من كل ما ضاق يعني التوكل على الله عام من كل أمر مضيق على الناس يعني لا خصوصية في التوكل في أمر بل هو جار في جميع الأمور التي تضيق على الناس
2746 - حدثني ( إسحاق ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( حصين بن عبد الرحمان ) قال ( كنت قاعدا عند سعيد بن جبير ) فقال عن ( ابن عباس ) يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وإسحاق شيخ البخاري قال النسائي لم أجده منسوبا عند شيوخنا لكن حدث البخاري في ( الجامع ) كثيرا عن إسحاق بن إبراهيم وقال بعضهم إسحاق هو ابن منصور وغلط من قال ابن إبراهيم
قلت التغليط من أين وقد سمع البخاري من جماعة كل منهم يسمى إسحاق بن إبراهيم وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين
والحديث أخرجه البخاري في الطب مطولا وفي أحاديث الأنبياء مختصرا عن مسدد وههنا أيضا روى بعضه
قوله لا يسترقون أي لا يطلبون الرقية وهي العودة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع ونحو ذلك من الآفات وقد جاء في بعض الأحاديث جوازها وفي بعضها النهي عنها فمن الجواز استرقوا لها فإن بها النظرة أي اطلبوا لها من يرقى لها ومن النهي قوله هذا لا يسترقون ووجه الجمع أن المنهي عنها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة وأن يعتقدوا أن الرقيا مانعة لا محالة والمأمور بها ما كان بقوارع القرآن ونحوه قوله ولا يتطيرون أي لا يتشاءمون بالطيور ومثلها مما هو عادتهم قبل الإسلام والطيرة ما يكون في الشر والفأل ما يكون في الخير
22 -
( باب ما يكره من قيل وقال )
أي هذا باب في بيان ما يكره من قيل وقال وكلاهما فعلان ماضيان الأول مجهول قيل وأصله قول نقلت حركة الواو إلى القاف بعد سلب حركتها ثم قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وهو حكاية أقاويل الناس قال فلان كذا وفلان كذا وقيل كذا وكذا وإذا روي بالتنوين يكونان مصدرين يقال قال قولا وقيلا وقالا والمراد أنه نهى عن الإكثار مما لا فائدة فيه وقيل إذا كانا اسمين يكون في عطف أحدهما على الآخر كثير فائدة بخلاف ما إذا كانا فعلين وقيل إذا كانا اسمين يكون الثاني تأكيدا
3746 - حدثنا ( علي بن مسلم ) حدثنا ( هشيم ) أخبرنا ( غير واحد منهم مغيرة وفلان ورجل

(23/69)


ثالث ) أيضا عن ( الشعبي ) عن ( وراد كاتب المغيرة بن شعبة ) أن ( معاوية كتب إلى المغيرة ) أن ( اكتب إلي ) بحديث ( سمعته من ) رسول الله قال ( فكتب إليه المغيرة ) أني سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات قال وكان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات وعقوق الأمهات ووأد البنات
مطابقته للترجمة ظاهرة
علي بن مسلم الطوسي ثم البغدادي وهشيم مصغر هشم بن بشير الواسطي والمغيرة هو ابن مقسم الضبي
قوله وفلان هو مجالد بن سعيد فقد أخرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) عن زياد بن أيوب ويعقوب بن إبراهيم الدورقي قالا نا هشيم أنا غير واحد منهم مغيرة ومجالد قوله ورجل ثالث قيل يحتمل أن يكون داود بن أبي هند فقد أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) من طريق داود بن أبي هند وغيره عن الشعبي ويحتمل أن يكون زكريا بن أبي زائدة أو إسماعيل بن أبي خالد فقد أخرجه الطبراني من طريق الحسن بن علي بن راشد عن هشيم عن مغيرة عن زكريا بن أبي زائدة ومجالد وإسماعيل بن أبي خالد كلهم عن الشعبي والشعبي هو عامر بن شراحيل ووراد بفتح الواو وتشديد الراء مولى المغيرة وكاتبه
والحديث مضى في الصلاة عن محمد بن يوسف وفي الاعتصام عن موسى وفي القدر عن محمد بن سنان وفي الدعوات عن قتيبة وقد مضى الكلام فيه
قوله حدثنا علي بن مسلم كذا في رواية الجمهور وفي رواية الكشميهني وحده وقال علي بن مسلم قوله وكثرة السؤال أي في المسائل التي لا حاجة فيها أو من الأموال أو من أحوال الناس قوله وإضاعة المال أي وضعه في غير محله وحقه قوله ومنع وهات أي حرم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه وطلب ما ليس لكم أخذه قوله ووأد البنات هي البنت تدفن وهي حية كانوا يفعلونه في الجاهلية إذا ولد للفقير منهم بنت دسها في التراب
وعن هشيم أخبرنا عبد الملك بن عمير قال سمعت ورادا يحدث هذا الحديث عن المغيرة عن النبي
هو موصول بالطريق الذي قبله وقد رواه الإسماعيلي من رواية يعقوب الدورقي وزياد بن أيوب قالا أنا هشيم عن عبد الملك به
32 -
( باب حفظ اللسان )
أي هذا باب في بيان وجوب حفظ اللسان عن التكلم بما لا يسوغ في الشرع وقال وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وأما القول بالحق فواجب والصمت فيه غير واسع
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
يأتي هذا موصولا في الباب وذكره هكذا ترجمة وفي رواية أبي ذر وقول النبي ومن كان إلى آخره
وقول الله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( ق81 ) ح
كذا لأبي ذر وفي رواية غيره وقوله ما يلفظ من قول إلى آخره ولابن بطال وقد أنزل الله تعالى ما يلفظ الآية قوله إلا لديه رقيب أي حافظ والعتيد هو الحاضر المهيأ وأراد به الملكين اللذين يكتبان جميع الأشياء كذا قاله الحسن وقتادة وخصه عكرمة بالخير والشر ويقوي الأول تفسير أبي صالح في قوله ( 13 ) يمحوا الله ما يشاء ويثبت ( الرعد93 ) إن الملائكة تكتب كل ما يتكلم به المرء فيمحوا لله تعالى منه ما ليس له ولا عليه ويثبت ما ماله وما عليه

(23/70)


4746 - حدثنا ( محمد بن أبي بكر المقدمي ) حدثنا ( عمر بن علي ) سمع ( أبا حازم ) عن ( سهل ابن سعد ) عن رسول الله قال من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة
مطابقته للترجمة في قوله من يضمن لي ما بين لحييه لأن المراد بهذا حفظ اللسان كما يجيء
قوله حدثنا بنون الجمع رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر حدثني بنون الإفراد
والمقدمي بصيغة اسم المفعول من التقديم هذه نسبة إلى أحد أجداد محمد المذكور وهو محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي البصري وعمر بن علي هو عم محمد المذكور وهو مدلس ولكنه صرح بالسماع وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن خليفة بن خياط وأخرجه الترمذي في الزهد عن محمد بن عبد الأعلى وقال حسن صحيح غريب
قوله من يضمن لي إطلاق الضمان عليه مجاز إذ المراد لازم الضمان وهو أداء الحق الذي عليه قوله ما بين لحييه بفتح اللام وسكون الحاء المهملة تثنية لحي وهما العظمان في جانبي الفم والمراد بما بينهما اللسان وبما بين رجليه الفرج قوله أضمن له بالجزم لأنه جواب الشرط ووقع في رواية الحسن تكفلت له
وفيه أن أعظم البلاء على العبد في الدنيا اللسان والفرج فمن وقي من شرهما فقد وقي أعظم الشر
5746 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه
مطابقته للترجمة ظاهرة ورحاله قد ذكروا غير مرة والحديث من أفراده
قوله بالله واليوم الآخر إنما خصهما بالذكر إشارة إلى المبدأ و المعاد وخصص الأمور الثلاثة ملاحظة لحال الشخص قولا وفعلا وذلك إما بالنسبة إلى المقيم أو المسافر أو الأول تحلية والثاني تخلية
6446 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ل ( يث ) حدثنا ( سعيد المقبري ) عن ( أبي شريح الخزاعي ) قال سمع ( أذناي ووعاه قلبي ) النبي يقول الضيافة ثلاثة أيام جائزته قيل وما جائزته قال يوم وليلة ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ( انظر الحديث 9106 وطرفه )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وأبو شريح اسمه خويلد الخزاعي
والحديث مضى في كتاب الأدب في باب من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يؤذ جاره فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قولهجائزته بالنصب أي أعطوا جائزته ولو صحت الرواية بالرفع كان تقديره المتوجه عليكم جائزته قولهيوم وليلة أي جائزته يوم وليلة وقيل الجائزة جنة واليوم ظرف فكيف يقع خبرا عنها وأجيب بأن فيه مضافا مقدرا أي زمان جائزته يوم وليلة
7746 - حدثني ( إبراهيم بن حمزة ) حدثني ( ابن أبي حازم ) عن ( يزيد ) عن ( محمد بن إبراهيم ) عن عيساى بن طلحة بن عبيد الله التيمي عن أبي هريرة سمع رسول الله يقول إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار ابعد مما بين المشرق

(23/71)


مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إشارة إلى حفظ اللسان من حيث المفهوم
وإبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي الأسدي وابن أبي حازم عبد العزيز ويزيد من الزيادة ابن عبد الله المعروف بابن الهاد ومحمد بن إبراهيم التيمي و ( عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي ) وطلحة هو أحد العشرة ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن قتيبة وغيره وأخرجه الترمذي في الزهد عند محمد بن بشار وقال حسن غريب وأخرجه النسائي في الرقائق عن قتيبة وغيره به
قوله حدثني بالإفراد في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر حدثنا بنون الجمع قوله ليتكلم باللام في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر يتكلم بدون اللام قوله ما يتبين فيها أي لا يتدبر فيها ولا يتفكر في قبحها وما يترتب عليها وتطلق الكلمة ويراد بها الكلام كقولهم كلمة الشهادة ويروى وليتكلم بالكلمة ما يتقى فيها قوله يزل بها أي بتلك الكلمة وهذا كناية عن دخول النار قوله أبعد مما بين المشرق كناية عن عظمها ووسعها قيل لفظ بين يقتضي دخوله على متعدد وأجيب بأن المشرق متعدد معنى إذ مشرق الصيف غير مشرق الشتاء وبينهما بعد عظيم وهو نصف كرة الفلك أو اكتفى بأحد الضدين عن الآخر كقوله تعالى سرابيل تقيكم الحر ( النحل18 ) وفي بعض الروايات جاء صريحا والمغرب
وفيه أن من أراد النطق بكلمة أن يتدبرها بنفسه قبل نطقه فإن ظهرت مصلحة تكلم بها وإلا أمسك
8746 - حدثني ( عبد الله بن منير ) سمع ( أبا النضر ) حدثنا ( عبد الرحمان بن عبد الله ) يعني ( ابن دينار ) عن أبيه عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوي بها في جهنم ( انظر الحديث 7746 ) ح
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن منير على وزن اسم الفاعل من الإنارة المروزي و النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التيمي الخراساني مر في الوضوء وعبد الرحمن يروي عن أبيه عبد الله بن دينار مولى ابن عمر وأبو صالح ذكوان الزيات وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على نسق
قوله من رضوان الله أي مما يرضي الله به قوله لا يلقي بضم الياء من الإلقاء أي لا يلتفت إليها خاطره ولا يعتد بها ولا يبالي بها ومعنى البال هنا القلب قوله يرفع الله بها كذا في رواية المستملي والسرخسي وفي رواية الأكثرين والنسفي يرفع الله له بها درجات وفي رواية الكشميهني يرفعه الله بها درجات قوله من سخط الله يعني مما لا يرضى به قوله يهوي بفتح الياء وسكون الهاء وكسر الواو وقال عياض ينزل فيها ساقطا وقد جاء بلفظ يزل بها في النار لأن دركات النار إلى أسفل فهو نزول سقوط وقيل أهوى من قريب وهوى من بعيد
42 -
( باب البكاء من خشية الله عز و جل )
أي هذا باب في بيان فضل البكاء من خوف الله عز و جل
9746 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا يحياى عن عبيد الله قال حدثني خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال سبعة يظلهم الله رجل ذكر الله ففاضت عيناه
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى ) هو القطان و ( عبيد الله ) بن عمر العمري وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء أخرى ابن عبد الرحمن الخزرجي و ( حفص بن عاصم ) بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وهذا قطعة من حديث أتم منه قد مضى في الزكاة عن مسدد وفي الصلاة عن محمد بن بشار في أبواب

(23/72)


المساجد ووردت أحاديث في البكاء منها حديث أسد بن موسى عن عمران بن يزيد عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ثم تقطع الدموع وتسيل الدماء فتقرح العيون فلو أن السفن أجريت فيها لجرت
52 -
( باب الخوف من الله تعالى )
أي هذا باب في بيان شدة الاعتناء بالخوف من الله عز و جل والخوف من لوازم الإيمان قال الله تعالى وخافون إن كنتم مؤمنين ( آل عمران571 )
0846 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( ربعي ) عن ( حذيفة ) عن النبي قال كان رجل ممن كان قبلكم يسىء الظن بعمله فقال لأهله إذا أنا مت فخذوني فذروني في البحر في يوم صائف ففعلوا به فجمعه الله ثم قال ما حملك على الذي صنعت قال ما حملني إلا مخافتك فغفر له ( انظر الحديث 2543 وطرفه )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء ابن حراش بكسر الحاء المهملة وبالراء المخففة والشين المعجمة وحذيفة ابن اليمان ورجال السند كلهم كوفيون
والحديث مضي في ذكر بني إسرائيل عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي في الجنائز وفي الرقائق عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير
قوله ممن كان قبلكم يعني من بني إسرائيل قوله يسيء الظن بعمله يعني بعمله الذي كان معصية وكان نباشا قوله فذروني في البحر بضم الذال من الذر وهو التفريق يقال ذررت الملح أذره ويروى بفتح الذال من التذرية يقال ذرت الريح الشيء وأذرته وذرته أي أطارته وأذهبته ويروى أذروني بهمزة قطع وسكون الذال من أذرت العين دمعها ومنه تذروه الرياح قوله في يوم صائف أي حار بتشديد الراء من الحرارة وروي للمروزي والأصيلي في يوم حاز بالزاي الثقيلة بمعنى أنه يحز البدن لشدة حره وروي لأبي ذر عن المستملي والسرخسي في يوم حار بالراء كما ذكرنا أولا وكذا روي لكريمة عن الكشميهني وذكر بعضهم رواية المروزي بنون بدل الزاي وقال ابن فارس الحون ريح يحن كحنين الإبل
1846 - حدثنا ( موسى ) الله حدثنا ( معتمر ) سمعت أبي حدثنا ( قتادة ) عن ( عقبة بن عبد الغافر ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله عنه عن النبي ذكر رجلا فيمن كان سلف أو قبلكم آتاه الله مالا وولدا يعني أعطاه مالا وولدا قال فلما حضر قال لبنيه أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإنه لم يبتئر عند الله خيرا فسرها قتادة لم يدخر وإن يقدم على الله يعذبه فانظروا فإذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحما فاسحقوني أو قال فاسهكوني ثم إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها فأخذ مواثيقهم على ذالك وربي ففعلوا فقال الله كن فإذا رجل قائم ثم قال أي عبدي ما حملك على ما فعلت قال مخافتك أو فرق منك فما تلافاه أن رحمه الله
فحدثت أبا عثمان فقال سمعت سلمان غير أنه زاد فأذروني في البحر أو كما حدث ( انظر الحديث 8743 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله مخافتك وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي ومعتمر يروي عن أبيه سليمان التيمي وعقبة بضم العين وسكون القاف ابن عبد الغافر أبو نهار الأزدي العوذي البصري وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله تعالى عنه

(23/73)


والحديث مر في ذكر بني إسرائيل عن أبي الوليد ويحيى في التوحيد عن عبد الله بن أبي الأسود وأخرجه مسلم في التوبة عن عبيد الله بن معاذ وغيره
قوله أو قبلكم شك من الراوي قوله يعني أعطاه مالا هذا تفسير لقوله آتاه الله وهو بالمد بمعنى أعطاه وبالقصر بمعنى المجيء قوله مالا بعد قوله أعطاه رواية الكشميهني ولا معنى لإعادة لفظ مالا وفي رواية غيره أعطاه بلا ذكر مالا فلما حضر بضم الحاء وكسر الضاد المعجمة أي فلما حضره أوان الموت قوله خير أب بالنصب أي كنت خير أب وبالرفع أي أنت خير أب قوله لم يبتئر من الابتئار افتعال من البار بالباء الموحدة والراء ومعناه لم يدخر ولم يخبأ هكذا فسره قتادة وأصله من البئيرة بمعنى الذخيرة والخبيئة قال أهل اللغة بارت الشيء وابتأرته إبارة وابتئره إذا خبأته ووقع في رواية ابن السكن لم يأبتر بتقديم الهمزة على الباء الموحدة حكاه عياض ومعناه لم يقدم خيرا يقال بأرته وابتارته كما ذكرناه ووقع في التوحيد في رواية أبي زيد المروزي لم يبتئر أو لم يبتئر بالشك في الزاي أو الراء وفي رواية الجرجاني بنون بدل الباء الموحدة والزاي قيل كلاهما غير صحيح ويروى في غير البخاري يبتهر بالهاء بدل الهمزة وبالراء ويمتئر بالميم بدل الباء الموحدة وبالراء قوله وإن يقدم على الله يعذبه كذا هنا بسكون القاف وفتح الدال من القدوم وهو بالجزم على الشرطية وكذا يعذبه بالجزم لأنه جزاء والمعنى أنه إن بعث يوم القيامة على هيئته يعرفه كل أحد فإذا صار رمادا مبثوثا في الماء أو الريح لعله يخفى ووقع في حديث حذيفة عند الإسماعيلي من رواية أبي خيثمة عن جرير بسند حديث الباب فإنه إن يقدر علي ربي لا يغفر لي وكذا في حديث أبي هريرة لئن قدر الله علي قيل كيف غفر لهذا الذي أوصى بهذه الوصية وقد جهل قدرة الله على إحيائه وأجيب بأن الناس اختلفوا في تأويل هذا الحديث فقيل أما عفو الله عما كان منه في أيام صحته من المعاصي فلندمه عليها وتوبته منها عند موته ولذلك أمر ولده بإحراقه وتذريته في البر والبحر خشية من عذاب ربه والندم توبة
قلت فيه نظر لأن كون الندم توبة إنما هو لهذه الأمة ألا يرى ما حكى الله عن قابيل بقوله فاصبح من النادمين ( المائدة13 ) فلم يكن ندمه توبة وقيل إن معنى قوله إن قدر الله على القدرة التي هي العجز وإنه كان عنده أنه إذا أحرق وذري أعجز ربه عن إحيائه فهو على أنه غفر له لجهله بالقدرة لأنه لم يكن تقدم في ذلك الزمان أنه لا يغفرالشرك به وليس في العقل دليل على أن ذلك غير جائز في حكمة الله تعالى وإنما نقول لا يجوز أن يغفر الشرك بعد نزول قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ( النساء84 و611 ) وأما جواز غفران الله ذلك فلفضله الأعم وغنائه الأتم لأنه لا يضره كفر كافر ولا ينفعه إيمان مؤمن وقيل معنى أن قدر الله علي أن ضيق على كقوله تعالى ومن قدر عليه رزقه ( الطلاق7 ) أي ضيق ولم يرد بذلك وصف خالقه بالعجز عن إعادته وقيل إنما غفر له لأنه غلب على فهمه من الجزع الذي كان لحقه من خوف الله وعذابه فيعذر ومثل هذا إنما يكون كفرا ممن يقصد به الكفر وهو يعقل ما يقول وقيل غفر له بأصل توحيده الذي لا تضر معه معصية وعزى ذلك إلى المرجئة قوله فأحرقوني وفي رواية حذيفة الذي أخرجه البخاري في بني إسرائيل فاجمعوا لي حطبا كثيرا ثم أوروا نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فخذوها واطحنوها قوله فاستحقوني من السحق وهو دق الشيء ناعما أو قال فاسهكوني شك من الراوي من السهك قالوا السحق والسهك بمعنى واحد وقيل السهك ونه وهو أن يفت الشيء أو يدق قطعا صغارا قوله فاذروني يصح أن يقرأ موصول الألف من ذرأت الشيء فرقته ويصح أن يكون أصله من الثلاثي المزيد فيه فيقطع الهمزة من قولهم أذرت العين دمعها وأذريت الرجل عن فرسه أي رميته وقال ابن التين قرأناه بقطع الهمزة قوله فأخذه مواثيقهم جمع ميثاق وهو العهد قوله وربي هو على القسم عن المخبر بذلك عنهم لتصحيح خبره ويحتمل أن يكون حكاية الميثاق الذي أخذه أي قال لمن أوصاه قل وربي لافعلن ذلك وفي ( صحيح مسلم ) فأخذ منهم ميثاقا ففعلوا ذلك وربي قال القاضي عياض وفي بعض نسخه ففعلوا ذلك وذرى قال فإن صحت هذه الرواية فهي وجه الكلام ولعل الذال سقطت لبعض النساخ وتابعه الباقون وقال الكرماني ولفظ البخاري يحتمل أن يكون بصيغة الماضي من التربية أي ربي أخذ المواثيق والمبايعات لكنه موقوف على الرواية وقال بعضهم وأبعد الكرماني ثم نقل ذلك عنه
قلت ما جزم بذلك حتى يقال فيه وأبعد وإنما قيد بصحة الرواية

(23/74)


مع الاحتمال الذي ذكره قوله فإذا رجل قائم وقع المبتدأ هنا نكرة لأن وقوعه هنا بعد إذا المفاجأة من المخصصات كما في قولك خرجت فإذا سبع قوله أي عبدي يعني يا عبدي قوله أو فرق هو شك من الراوي وهو بفتح الفاء والراء وبالقاف الخوف قوله فما تلافاه أن رحمه كلمة ما موصولة وكلمة أن مصدرية أي الذي تلافاه أي تداركه بأن رحمه أي بالرحمة والضمير المنصوب في تلافاه يرجع إلى عمل الرجل ويجوز أن يكون ما نافية وكلمة الاستثناء محذوفة على مذهب من يجوز حذفها أي ما تلافاه إلا أن رحمه
قوله فحدثت أبا عثمان قال الكرماني القائل بحدثت قتادة وقال بعضهم هو سليمان والد المعتمر
قلت الذي يظهر أن قول الكرماني هو الصواب فلينظر فيه وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون المفتوحة قوله فقال أي أبو عثمان قوله سمعت هذا من سلمان أي الفارسي وحذف المسموع منه الذي استثنى منه ما ذكر والتقدير سمعت سلمان يحدث عن النبي بمثل هذا الحديث غير أنه زاد قوله أو كما حدث شك من الراوي يشير به إلى أنه معنى حديث أبي سعيد لا بلفظه كله
وقال معاذ حدثنا شعبة عن قتادة سمعت عقبة سمعت أبا سعيد عن النبي
أي قال معاذ بن التميمي وهذا التعليق وصله مسلم حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن قتادة سمع عقبة بن عبد الغافر يقول سمعت أبا سعيد الخدري يحدث عن النبي أن رجلا فيمن كان قبلكم راشه الله مالا وولدا فقال لولده لتفعلن ما آمركم به أو لأولين ميراثي غيركم إذا أنا مت فأحرقوني وأكبر علمي أنه قال ثم اسحقوني فاذروني في الريح فإني لم ابتهر عند الله خيرا وأن الله يقدر على أن يعذبني قال فأخذ منهم ميثاقا ففعلوا ذلك به وربي فقال الله ما حملك على ما فعلت قال مخافتك فما تلافاه غيرها انتهى أي ما تداركه غير المخافة
62 -
( باب الانتهاء عن المعاصي )
أي هذا باب في بيان وجوب الانتهاء عن المعاصي أي تركها أصلا والإعراض عنها بعد الوقوع فيها
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا وكذبته طائفة فصبحهم الجيش فاجتاحهم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الإنذار عن الوقوع في المعاصي والانتهاء عنها
ومحمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وبريد بضم الباء الموحدة مصغر برد ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر وقيل الحارث وبريد هذا يروى عن جده أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام وأخرجه مسلم في فضائل النبي
قوله مثلي المثل بفتحتين الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل الشبه لإرادة التقريب والتفهيم
قوله ومثل ما بعثني الله العائد محذوف تقديره ما بعثني الله به إليكم قوله قوما التنكير فيه للشيوع قوله الجيش اللام فيه للعهد قوله بعيني بالتثنية وهي رواية الكشميهني وفي رواية غيره بالإفراد قوله وأنا النذير العريان أي المنذر الذي تجرد عن ثوبه وأخذه يرفعه ويديره حول رأسه علاما لقومه بالغارة وقال ابن بطال النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف إلى قومه فحذرهم فضرب به المثل في تحقق الخبز وقال ابن السكيت اسم الرجل الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري والمرأة كانت من بني كنانة وتنزيل هذه القصة على لفظ الحديث بعيد لأنه ليس

(23/75)


فيها أنه كان عريانا وقال أبو عبد الملك هذا مثل قديم وذلك أن رجلا لقي جيشا فجردوه وعروه فجاء إلى المدينة فقال إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير لكم وتروني عريانا جردني الجيش فالنجاء النجاء وقال ابن السكيت ضرب به النبي المثل لأمته لأنه تجرد لإنذارهم وقال الخطابي روي عن محمد بن خالد العربان بباء موحدة فإن كان محفوظا فمعناه صحيح وهو الفصيح بالإنذار لا يكنى ولا يورى يقال رجل عربان أي فصيح اللسان من أعرب الرجل عن حاجته إذا أفصح عنها قوله فالنجاء بالنصب مفعول مطلق فيه إغراء أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب لأنكم لا تطيقون مقاومة ذلك الجيش والنجاء الثاني تأكيد وكلاهما ممدودان وجاء القصر فيهما تخفيفا وجاء مد الأول وقصر الثاني قوله فأدلجوا من الإدلاج من باب الإفعال وهو السير أول الليل أو كل الليل على الاختلاف في معناه وهمزته همزة قطع وفي ( التوضيح ) قوله فأدلجوا بتشديد الدال قلت لا يستقيم هذا هنا لأن الادلاج بالتشديد هو السير آخر الليل فلا يناسب هذا المقام والصواب ما ذكرناه قوله على مهلهم بفتحتين أي على السكينة والتأني وأما المهل بسكون الهاء فمعناه الإمهال فلا يناسب هنا وفي رواية مسلم عن مهلتهم قوله فنجوا لأنهم أطاعوا النذير وساروا من أول الليل فنجوا قوله فصبحهم الجيش أي أتوهم صباحا هذا أصله ثم استعمل فيمن يطرق بغتة في أي وقت كان قوله فاجتاحهم بجيم ثم بحاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشيء أجوحه إذا استأصلته ومنه الجائحة وهي الهلاك
62 -
( باب الانتهاء عن المعاصي )
أي هذا باب في بيان وجوب الانتهاء عن المعاصي أي تركها أصلا والإعراض عنها بعد الوقوع فيها
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا وكذبته طائفة فصبحهم الجيش فاجتاحهم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الإنذار عن الوقوع في المعاصي والانتهاء عنها
ومحمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وبريد بضم الباء الموحدة مصغر برد ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر وقيل الحارث وبريد هذا يروى عن جده أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام وأخرجه مسلم في فضائل النبي
قوله مثلي المثل بفتحتين الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل الشبه لإرادة التقريب والتفهيم
قوله ومثل ما بعثني الله العائد محذوف تقديره ما بعثني الله به إليكم قوله قوما التنكير فيه للشيوع قوله الجيش اللام فيه للعهد قوله بعيني بالتثنية وهي رواية الكشميهني وفي رواية غيره بالإفراد قوله وأنا النذير العريان أي المنذر الذي تجرد عن ثوبه وأخذه يرفعه ويديره حول رأسه علاما لقومه بالغارة وقال ابن بطال النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف إلى قومه فحذرهم فضرب به المثل في تحقق الخبز وقال ابن السكيت اسم الرجل الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري والمرأة كانت من بني كنانة وتنزيل هذه القصة على لفظ الحديث بعيد لأنه ليس فيها أنه كان عريانا وقال أبو عبد الملك هذا مثل قديم وذلك أن رجلا لقي جيشا فجردوه وعروه فجاء إلى المدينة فقال إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير لكم وتروني عريانا جردني الجيش فالنجاء النجاء وقال ابن السكيت ضرب به النبي المثل لأمته لأنه تجرد لإنذارهم وقال الخطابي روي عن محمد بن خالد العربان بباء موحدة فإن كان محفوظا فمعناه صحيح وهو الفصيح بالإنذار لا يكنى ولا يورى يقال رجل عربان أي فصيح اللسان من أعرب الرجل عن حاجته إذا أفصح عنها قوله فالنجاء بالنصب مفعول مطلق فيه إغراء أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب لأنكم لا تطيقون مقاومة ذلك الجيش والنجاء الثاني تأكيد وكلاهما ممدودان وجاء القصر فيهما تخفيفا وجاء مد الأول وقصر الثاني قوله فأدلجوا من الإدلاج من باب الإفعال وهو السير أول الليل أو كل الليل على الاختلاف في معناه وهمزته همزة قطع وفي ( التوضيح ) قوله فأدلجوا بتشديد الدال قلت لا يستقيم هذا هنا لأن الادلاج بالتشديد هو السير آخر الليل فلا يناسب هذا المقام والصواب ما ذكرناه قوله على مهلهم بفتحتين أي على السكينة والتأني وأما المهل بسكون الهاء فمعناه الإمهال فلا يناسب هنا وفي رواية مسلم عن مهلتهم قوله فنجوا لأنهم أطاعوا النذير وساروا من أول الليل فنجوا قوله فصبحهم الجيش أي أتوهم صباحا هذا أصله ثم استعمل فيمن يطرق بغتة في أي وقت كان قوله فاجتاحهم بجيم ثم بحاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشيء أجوحه إذا استأصلته ومنه الجائحة وهي الهلاك
3846 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن عبد الرحمان أنه حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهاذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها ( انظر الحديث 6243 )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه منع النبي إياهم عن الإتيان بالمعاصي التي تؤديهم إلى الدخول في النار
وأبو اليمان الحكم ب نافع وشعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان و ( عبد الرحمن ) هو الأعرج
والحديث مضى في باب قول الله ووهبنا لداود سليمان ( ص03 ) فإنه أخرجه هناك بعين هذا السند عن أبي اليمان إلى قوله وهذه الدواب تقع في النار ثم اختصره وذكر حديثا آخر قوله استوقد بمعنى أوقد ولكن استوقد أبلغ قوله أضاءت من الإضاءة وهي فرط الإنارة قوله الفراش بفتح الفاء وتخفيف الراء وبالشين المعجمة جمع الفراشة وقال الكرماني هي صغار البق وقيل هي ما يتهافت في النار من الطيارات
قلت هذا أصح من الأول وقال الفراء في تفسيرها إنها كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا وقال ابن سيده هي دواب مثل البعوض واحدتها فراشة وقال الطبري ليس هي ببعوض ولا ذباب وقال أبو نصر هي التي تطير وتتهافت في السراج وفي ( مجمع الغرائب ) هي ما تتهافت في النار من الطيارات وقال الداودي هي طائر فوق البعوض قوله يقعن خبر قوله جعل الفرش قوله وهذه الدواب التي تقع في النار جملة معترضة وأشار بها إلى تفسير الفراش قوله فجعل بالفاء وفي رواية الكشميهني بالواو والضمير فيه يرجع إلى الرجل قوله ينزعهن بفتح الياء والزاي وضم العين المهملة أي يدفعهن ويروى يزعهن بلا نون من وزعه يزعه وزعا فهو وازع إذا كفه ومنعه قوله فيقتحمن من الاقتحام وهو الهجوم على الشيء يقال قحم في الأمر أي رمى بنفسه فيه فجأة واقحمته فاقتحم ويقال اقتحم المنزل إذا هجم قوله فيها أي في النار قوله فأنا آخذ قال النووي روي باسم الفاعل ويروى بصيغة المضارع من المتكلم وقال الطيبي الفاء فيه فصيحة كأنه لما قال مثلي ومثل الناس إلى آخره أتى بما هو أهم وهو قوله فأنا آخذ بحجزكم ومن هذه الدقيقة التفت من الغيبة في قوله مثل الناس إلى الخطاب في قوله بحجزكم قوله بحجزكم بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وبالزاي جمع حجزة وهي معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة ويجوز ضم الجيم في الجمع قوله وهم يقتحمون

(23/76)


فيها هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره وأنتم تقتحمون وعلى الأول سأل الكرماني فقال القياس وأنتم لا هم ليوافق لفظ حجزكم ثم أجاب بأنه التفات
وفيه إشارة إلى أن من أخذه رسول الله بحجرته لا اقتحام له فيها
4846 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( زكرياء ) عن ( عامر ) قال سمعت ( عبد الله بن عمرو ) يقول قال النبي المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه
مطابقته للترجمة من حيث إن ترك أذى المسلم باليد واللسان من جملة الانتهاء عن المعاصي وأيضا قوله من هجر ما نهى الله عنه من جملة الانتهاء عن المعاصي
وأبو نعيم الفضل بن دكين وزكريا هو ابن أبي زائدة وعامر هو الشعبي
والحديث مضى في أول كتاب الإيمان قيل خص المهاجر بالذكر تطبيبا لقلب من لم يهاجر من المسلمين لفوات ذلك بفتح مكة فأعلمهم بأن من هجر ما نهى الله عنه كان هو المهاجر الكامل
7 -
( باب قول النبي لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا )
أي هذا باب قول النبي لو تعلمون ما أعلم إلى آخره ذكر الترجمة بلفظ حديث الباب وعكس بعضهم حيث قال ذكر فيه حديث أبي هريرة بلفظ الترجمة
5846 - حدثنا يحياى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول قال رسول الله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
الترجمة والحديث سواء و ( يحيى بن بكير ) بضم الباء الموحدة مصغر بكر هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري و ( عقيل ) بضم العين المهملة ابن خالد الأيلي و ( ابن شهاب ) محمد بن مسلم الزهري والحديث من أفراده
قوله ما أعلم أي من الأهوال والأحوال التي بين أيدينا عند النزع وفي البرزخ ويوم القيامة
وفيه من صنعة البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما بالآخر
6846 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( موسى بن أنس ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال النبي لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
هذا مثل الحديث السابق غير أن راوي ذاك أبو هريرة وراوي هذا أنس بن مالك روى عنه ابنه موسى الأنصاري قاضي البصرة
وهذا مختصر من حديث أخرجه البخاري في تفسير سورة المائدة عن المنذر بن الوليد الجارودي وسيجيء في الاعتصام عن محمد بن عبد الرحيم وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن محمد بن معمر وغيره وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن معمر بإسناده نحوه وأخرجه النسائي في الرقائق عن محمود بن غيلان مختصرا
82 -
( باب حجبت النار بالشهوات )
أي هذا باب يذكر فيه حجبت النار أي غطت النار فكانت الشهوات سببا للوقوع في النار ووقع عند أبي نعيم باب حفت النار وفي بعض النسخ بعده وحجبت الجنة بالمكاره

(23/77)


7846 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره
الترجمة جزء الحديث وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث من أفراده
قوله حجبت النار كذا لجميع الرواة في الموضعين إلا الفروي فقال حفت النار في الموضعين وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء بن عمر عن أبي الزناد وكذا أخرجه مسلم والترمذي من حديث أنس وهذا من جوامع كلمه في بديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وإن كرهتها النفوس وشق عليها قوله حفت بالحاء المهملة وتشديد الفاء من الحفاف وهو ما يحيط بالشيء حتى لا يتوصل إليه إلا بتخطئه فالجنة لا يتوصل إليها إلا بقطع مفاوز المكاره والنار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات
92 -
( باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك )
أي هذا باب يذكر فيه الجنة إلى آخره وهذه الترجمة حذفها ابن بطال وذكر الحديثين اللذين فيهما في الباب الذي قبلها ومناسبة ذلك ظاهرة ولكن الذي ثبت في الأصول التفرقة
8846 - حدثني ( موسى بن مسعود ) حدثنا ( سفيان ) عن ( منصور والأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال قال النبي الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك
الترجمة والحديث سواء وموسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي بفتح النون وسكون الهاء وسفيان هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود وهؤلاء كلهم كوفيون والحديث من أفراده
قوله والأعمش بالجر عطف على منصور وشراك النعل هو الذي يدخل فيه إصبع الرجل ويطلق أيضا على كل سير وقى به القدم
وفيه دليل واضح على أن الطاعات موصلة إلى الجنة والمعاصي مقربة من النار فقد يكون في أيسر الأشياء وينبغي للمؤمن أن لا يزهد في قليل من الخير ولا يستقل قليلا من الشر فيحسبه هينا وهو عند الله عظيم فإن المؤمن لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها والسيئة التي يسخط الله عليه بها
9846 - حدثني ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال أصدق بيت قاله الشاعر
( ألا كل شيء ما خلا الله باطل )
( انظر الحيث 1483 وطرفه )
لم أر أحد من الشراح ذكر وجه إيراد هذا الحديث في هذا الباب فلذلك ذكره ابن بطال في الباب الذي قبله فأقول من الفيض الإلهي الذي وقع في خاطري أن كل شيء ما خلا الله من أمر الدنيا الذي لا يؤول إلى طاعة الله ولا يقرب منه إذا كان باطلا يكون الاشتغال به مبعدا من الجنة مع كونها أقرب إليه من شراك نعلهولإشتغال بالأمور الي هي داخلة في أمر الله تعال يكون مبعدا من النار مع كزنها أقرب إليه من شراك نعله
وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون هو محمد بن جعفر والحديث قد مضى في الأدب في باب ما يجوز من الشعر ومضى الكلام فيه مستقصى وبسطنا الكلام فيه في شرحنا الأكبر للشواهد
03 -
( باب لينظر إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه )
أي هذا باب يذكر فيه لينظر إلى ما هو أسفل منه
0946 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) عن رسول الله قال إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه

(23/78)


الجزء الأول من الترجمة من لفظ حديث الباب وقال بعضهم هذا لفظ حديث أخرجه مسلم بنحوه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم
قلت هذا أليس كلفظ حديث مسلم بل هو في المعنى مثله
وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأبو الزناد عبد الله والأعرج عبد الرحمن وقد ذكرا عن قريب والحديث من أفراده
قوله من فضل على بناء المجهول قوله والخلق قال الكرماني بفتح المعجمة الصورة أو الأولاد والاتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا قوله فلينظر إلى من هو أسفل منه ليسهل عليه نقصانه ويفرح بما أنعم الله عليه ويشكر عليه وأما في الدين وما يتعلق بالآخرة فلينظر إلى من هو فوقه لتزيد رغبته في اكتساب الفضائل
13 -
( باب من هم بحسنة أو بسيئة )
أي هذا باب يذكر فيه من هم بحسنة الهم ترجيح قصد الفعل تقول هممت بكذا أي قصدته بهمتي وهو فوق مجرد خطور الشيء بالقلب
1946 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( جعد أبو عثمان ) حدثنا ( أبو رجاء العطاردي ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما عن النبي فيما يروي عن ربه عز و جل قال قال إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذالك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة
مطابقته للترجمة في قوله فمن هم بحسنة وقوله ومن هم بسيئة
وأبو معمر عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف وعبد الوارث هو ابن سعيد وجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن دينار وكنيته أبو عثمان الرازي وأبو رجاء بالمد وبالجيم اسمه عثمان بن تميم العطاردي وهؤلاء كلهم بصريون
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن شيبان بن فروخ وغيره وأخرجه النسائي في النعوت وفي الرقائق عن قتيبة
قوله عن النبي وفي رواية الإسماعيلي عن مسدد عن رسول الله قوله فيما يروي عن ربه هذا لبيان أنه من الأحاديث القدسية أو بيان ما فيه من الإسناد الصريح إلى الله تعالى حيث قال قوله إن الله قد كتب أو بيان الواقع وليس فيه أن غيره ليس كذلك بل فيه أن غيره كذلك لأنه ما ينطق عن الهوى أو المعنى في جملة ما يرويه أنه عز و جل كتب الحسنات أي قدرها وجعلها حسنة وكذلك السيئات قدرها وجعلها سيئة وقال الكرماني وفيه دلالة على بطلان قاعدة الحسن والقبح العقليين وأن الأفعال ليست بذواتها قبيحة أو حسنة بل الحسن والقبح شرعيان حتى لو أراد الشارع التعكيس والحكم بأن الصلاة قبيحة والزنا حسن كان له ذلك خلافا للمعتزلة فإنهم قالوا الصلاة في نفسها حسنة والزنا في نفسه قبيح والشارع كاشف مبين لا مثبت وليس له تعكيسها قوله ثم بين ذلك أي ثم بين الله عز و جل الذي كتب من الحسنات والسيئات قوله فمن هم بيان ذلك بفاء الفصيحة قوله فلم يعملها أي فلم يعمل الحسنة التي هم بها قوله كتبها الله له عنده أي كتب الله تلك الحسنة التي هم بها وقيل أمر الحفظة بأن تكتب ذلك وقيل قدر ذلك وعرف الكتبة من الملائكة ذلك التقدير وقوله عنده أي عند الله وهذه إشارة إلى الشرف قوله كاملة إشارة إلى رفع توهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد وقال النووي أشار بقوله عنده إلى مزيد الاعتناء به وبقوله كاملة إلى تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها وعكس ذلك في السيئة فلم يصفها بكاملة بل أكدها بقوله واحدة إشارة إلى تحقيقها مبالغة في الفضل والإحسان قوله فإن هو هم بها أي

(23/79)


فإن هم العبد بالحسنة فعملها قوله عشر حسنات قال عز و جل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( الأنعام061 ) قوله إلى سبعمائة ضعف أي مثل والضعف يطلق على المثل وعلى المثلين قال الله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم ( البقرة162 و562 ) الآية قوله إلى أضعاف كثيرة قال الله تعالى والله يضاعف لمن يشاء ( البقرة162 ) قيل لما كان الهم بالحسنة معتبرا باعتبار أنه فعل القلب لزم أن يكون بالسيئة أيضا كذلك وأجيب بأن هذا من فضل الله على عباده حيث عفا عنهم ولولا هذا الفضل العظيم لم يدخل أحد الجنة لأن السيئات من العباد أكثر من الحسنات فلطف الله عز و جل بعباده بأن ضاعف لهم الحسنات دون السيئات قيل إذا هم العبد بالسيئة ولم يعمل بها فغايته أن لا تكتب له سيئة فمن أين أن تكتب له حسنة وأجيب بأن الكف عن الشر حسنة قيل اتفق العلماء على أن الشخص إذا عزم على ترك صلاة بعد عشرين سنة عصى في الحال وأجيب بأن العزم وهو توطين النفس على فعله غير الهم الذي هو تحديث النفس من غير استقرار وقال ابن الجوزي إذا حدث العبد نفسه بالمعصية لم يؤاخذ فإذا عزم فقد خرج عن تحديث النفس فيصير من أعمال القلب فإن عقد النية على الفعل فحينئذ يأثم وبيان الفرق بين الهم والعزم أنه لو حدث نفسه في الصلاة وهو فيها بقطعها لم تنقطع فإذا عزم حكمنا بقطعها
ثم إعلم أن حديث ابن عباس هذا معناه الخصوص لمن هم بسيئة فتركها لوجه الله تعالى وأما من تركها مكرها على تركها بأن يحال بينه وبينها فلا تكتب له حسنة فلا يدخل في نص الحديث وقال الطبري وفي هذا الحديث تصحيح مقالة من يقول إن الحفظة تكتب ما يهم به العبد من حسنة أو سيئة وتعلم اعتقاده كذلك ورد مقالة من زعم أن الحفظة لا تكتب إلا ما ظهر من عمل العبد وتسمع فإن قيل الملك لا يعلم الغيب فكيف يعلم بهم العبد قيل له قد جاء في الحديث أنه اذا هم بحسنة فاحت منه رائحة طيبة وإذا هم بسيئة فاحت منه رائحة كريهة
قلت هذا الحديث أخرجه الطبري عن أبي معشر المدني وسيأتي حديث أبي هريرة في التوحيد بلفظ إذا اراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها
وفيه دليل على أن الملك يطلع على ما في الآدمي إما باطلاع الله إياه وإما بأن يخلق الله له علما يدرك به ذلك
23 -
( باب ما يتقى من محقرات الذنوب )
أي هذا باب في بيان ما يتقى أي ما يجتنب من محقرات الذنوب وجاء هذا اللفظ في حديث أخرجه النسائي وابن ماجه عن عائشة أن النبي قال لها يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا وصححه ابن حبان والمحقرات جمع محقرة وهي الذنوب التي يحتقرها فاعلها
2946 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( مهدي ) عن ( غيلان ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا نعد على عهد النبي الموبقات
قال أبو عبد الله يعني بذالك المهلكات
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ومهدي هو ابن ميمون الأزدي وغيلان بفتح المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ابن جرير وقال بعضهم هو غيلان بن جامع وهو غلط صريح لأن غيلان بن جرير من أهل البصرة وغيلان بن جامع كوفي قاضي الكوفة
ورجال السند كلهم بصريون والحديث من أفراده
قوله لتعملون اللام فيه للتأكيد قوله هي أدق أفعل التفضيل من الدقة بكسر الدال وأراد به أنهم كانوا يحقرونها ويهونونها قوله إن كنا تعدها إن مخففة من الثقيلة وجاز استعمالها بدون اللام الفارقة بينها وبين النافية عند الأمن من الالتباس وتعدها بدون اللام في رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي وعند الأكثرين لنعدها بلام التأكيد وأيضا بالضمير وعندهما بحذف الضمير أيضا ولفظهما إن كنا نعد قوله على عهد النبي أي في زمنه وأيامه قوله الموبقات

(23/80)


أي المهلكات هكذا فسره البخاري على ما يجيء الآن وفي رواية الأكثرين من الموبقات وسقوط كلمة من في رواية السرخسي والمستملي
قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه يعني بذلك أي بلفظ الموبقات يعني أراد بها المهلكات وهي جمع موبقة أي مهلكة وثلاثيه وبق يبق فهو وبق إذا هلك وأوبقه غيره فهو موبق فالفاعل بكسر الباء والمفعول بفتحها ومعنى الحديث راجع إلى قوله عز و جل وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ( النور51 ) وكانت الصحابة يعدون الصغائر من الموبقات لشدة خشيتهم لله ولم تكن لهم كبائر والمحقرات إذا كثرت صارت كبائر للإصرار عليها
33 -
( باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها )
أي هذا باب فيه الأعمال بالخواتيم أي بالعواقب وهو جمع خاتمة وفي ( التوضيح ) يقال خاتم بفتح التاء وكسرها وعد اللغات الست التي فيه ثم قال والجمع الخواتيم
قلت هذا تصرف عجيب فإنه ظن أن الخواتيم هنا جمع الخاتم الذي يلبس وليس لهذا هنا دخل وإنما المراد بالخواتيم الأعمال التي يختم بها عمل الرجل عند موته
3946 - حدثنا ( علي بن عياش ) حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد الساعدي ) قال ( نظر ) النبي إلى رجل يقاتل المشركين وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم فقال من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هاذا فتبعه رجل فلم يزل على ذالك حتى جرح فاستعجل الموت وقال بذبابة سيفه فوضعه بين ثدييه فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه فقال النبي إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة وإنما الأعمال بخواتيمها
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعلي بن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة الألهاني بالنون الحمصي وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة ابن دينار
والحديث مضى في الجهاد مطولا في باب لا يقال فلان شهيد فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم إلى آخره ومضى الكلام فيه ومضى أيضا في المغازي وسيأتي في القدر أيضا
قوله إلى رجل اسمه قزمان بضم القاف وبالزاي قوله غناء بفتح الغين المعجمة وبالمد يقال غنى عن فلان غناء ناب عنه وأجرى مجراه قوله وقال بذبابة سيفه يعني طعن بذبابة سيفه وهو حده وطرفه بين ثدييه وقد تقدم فيما مضى بنصل سيفه فلا منافاة لإمكان الجمع بينهما قوله فتحامل عليه أي اتكأ عليه بقوته
43 -
( باب العزلة راحة من خلاط السوء )
أي هذا باب مترجم بترجمة هي العزلة أي الاعتزال والانفراد راحة من خلاط السوء بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام جمع خليط وهو جمع غريب وخليط الرجل الذي يخالطه ويعاشره يستوي فيه الواحد والجمع ويجمع الخليط أيضا على خالط بضمتين ذكره الصغاني في اللباب وقال بعضهم ذكره الكرماني بلفظ خلط بغير ألف يعني مثل ما ذكره الصغاني
قلت لم يذكر الكرماني هكذا وإنما قال خلاط بضم الخاء وتشديد اللام جمع خليط وبكسرها والتخفيف مصدر أي المخالطة هذا الذي ذكره الكرماني ولم يرد بقوله وبكسرها إلى آخره أنه الترجمة وإنما ذكر هذا لزيادة الفائدة على أنه يجوز أن يكون أشار به إلى جواز الوجهين في قوله من خلاط السوء أحدهما أن يكون جمعا والآخر إن يكون مصدرا من خالط يخالط مخالطة وخلاطا قوله راحة أصله روحة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها قال الجوهري الروح والراحة من الاستراحة وهو سكون النفس مع سعة من غير تنكد بشيء وهذه مادة واسعة تستعمل لمعان كثيرة
وفي العزلة عن الناس فوائد كثيرة وأقلها البعد من شرهم وقد قال أبو الدرداء وجدت الناس أكبر ثقلة وروى ابن المبارك أخبرنا

(23/81)


شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال خذوا حظكم من العزلة وفي رواية قال عمر العزلة راحة من خليط السوء وروى الطحاوي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال ألا أخبركم بخير الناس منزلا قلنا بلى يا رسول الله قال رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله وأخبركم بالذي يليه رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ثم قال فإن قال قائل أين ما روى عن النبي من قوله المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ويجاب بأنه لا تضاد بينهما لأن قوله رجل أخذ بعنان فرسه خرج مخرج العموم والمراد به الخصوص فالمعنى فيه أنه من خير الناس كما ذكره غيره بمثل ذلك فقال خير الناس من طال عمره وحسن عمله أو يكون المراد بتفضيله في وقت من الأوقات لا في كل الأوقات
4946 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عطاء بن يزيد ) أن ( أبا سعيد ) حدثه قال قيل ( يا ) رسول الله
وقال ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( الأوزاعي ) حدثنا ( الزهري ) عن ( عطاء ابن يزيد الليثي ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال جاء أعرابي إلى النبي فقال يا رسول الله أي الناس خير قال رجل جاهد بنفسه وماله ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره ( انظر الحديث 6872 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ورجل في شعب إلى آخره
وأبو اليمان الحكم بن نافع وعطاء بن يزيد من الزيادة واسم أبي سعيد سعد بن مالك والأوزاعي عبد الرحمن
والحديث مضى في أوائل الجهاد في باب أفضل الناس مؤمن مجاهد فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان إلى آخره
قوله وقال محمد بن يوسف هو الفريابي قرنه هنا برواية أبي اليمان وأفرد أبا اليمان في الجهاد ورواه مسلم عن عبيد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن محمد بن يوسف قوله أعرابي لم يدر اسمه قوله أي الناس خير وفي الرواية المتقدمة بلفظ أفضل قوله رجل جاهد أي خير الناس رجل جاهد ولا يعارضه قوله خيركم من تعلم القرآن وعلمه ومثل ذلك لأن اختلاف هذا بحسب اختلاف الأوقات والأقوام والأحوال قوله في شعب بكسر الشين المعجمة الطريق في الجبل ومسيل الماء وما انفرج بين الجبلين قوله ويدع أي يترك
تابعه الزبيدي وسليمان بن كثير والنعمان عن الزهري
أي تابع شعيبا في روايته عن الزهري الزبيدي وكذا تابع الأوزاعي في روايته عن الزهري والزبيدي هو محمد بن الوليد السامي نسبة إلى زبيد بضم الزاء وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وهو منبه بن صعب وهو زبيد الأكبر وإليه يرجع قبائل زبيد وروى متابعته مسلم عن منصور بن أبي مزاحم حدثنا يحيى بن حمزة عن الزبيدي قوله وسليمان بالرفع عطف على الزبيدي وروى متابعته أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي عن سليمان به قوله والنعمان هو ابن راشد الجزري وروى متابعته أحمد عن وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت النعمان بن راشد به
وقال معمر عن الزهري عن عطاء أو عبيد الله عن أبي سعيد عن النبي
أي قال معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن عطاء بن يزيد أو عبيد الله بالشك وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي عن أبي سعيد الخدري عن النبي وهذا التعليق رواه أحمد عن عبد الرزاق وقال في سياقه معمر يشك وفي رواية مسلم عن أبي حميد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن محمد عن عطاء بغير شك

(23/82)


وقال يونس وابن مسافر ويحياى بن سعيد عن ابن شهاب عن عطاء عن بعض أصحاب النبي عن النبي
يونس هو ابن يزيد الأيلي وابن مسافر أبو خالد ويقال أبو الوليد التميمي المصري والي مصر لهشام سنة ثمان عشرة ومائة وعزل عنها سنة تسع عشرة ومائة وهو مولى الليث بن سعد ويحيى بن سعيد الأنصاري النجاري المديني قاضي المدينة رأى أنس بن مالك وتعليق يونس أخرجه عبد الله بن وهب في ( جامعه ) وتعليق ابن مسافر أخرجه الذهلي في ( الزهريات ) من طريق الليث ابن سعد عنه وتعليق يحيى أخرجه الذهلي المذكور من طريق سليمان بن بلال عنه قوله عن بعض أصحاب النبي قال الكرماني لعله أبو سعيد الخدري
5946 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( الماجشون ) عن عبد الرحمان بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد أنه سمعه يقول سمعت النبي يقول يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه وأبو نعيم هو الفضل بن دكين وهو الفضل بن عمرو بن حماد الأحول التيمي الكوفي ودكين لقب عمرو مات سنة ثمان أو تسع عشرة ومائتين والماجشون بكسر الجيم وضم الشين المعجمة هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة و ( عبد الرحمن بن أبي صعصعة ) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة يروي عن أبيه وفي رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه أخرجه أحمد والإسماعيلي وأخوه عبد الرحمن محمد بن عبد الله انفرد البخاري بهما وبأبيهما
والحديث مضى في الإيمان في باب من الدين الفرار من الفتن فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن المذكور ومر الكلام فيه هناك
قوله شعف الجبال بفتح الشين المعجمة والعين المهملة جمع شعفة وهي رأس الجبل قوله ومواقع القطر يعني بطون الأودية
وفيه أن اعتزال الناس عند ظهور الفتن والهرب عنهم أسلم للدين من مخالطتهم
53 -
( باب رفع الأمانة )
أي هذا باب في بيان رفع الأمانة من بين الناس والمراد برفعها ذهابها بحيث إن لا يوجد الأمين والأمانة ضد الخيانة
6946 - حدثنا ( محمد بن سنان ) حدثنا ( فليح بن سليمان ) حدثنا ( هلال بن علي ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ( انظر الحديث 95 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إذا ضيعت الأمانة ومحمد بن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى
والحديث قد مضى في أول كتاب العلم بهذا الإسناد
قوله كيف إضاعتها القائل بهذا هو الأعرابي سأل متى الساعة لأن أول الحديث عن أبي هريرة بينما النبي في مجلس يحدث القوم جاء أعرابي فقال متى الساعة الحديث قوله قال إذا أسند أي قال النبي إذا أسند الأمر إلى غير أهله والمراد من الأمر جنس الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والسلطنة والإمارة والقضاء والإفتاء وقال الكرماني أسند الأمر أي فوض المناصب إلى غير مستحقيها كتفويض القضاء إلى غير العالم بالأحكام كما هو في زماننا
قلت يا ليت أن يتولى الجاهل بلا رشوة لأنه يحتمل أن يكون دينا يستفتي فيما يجهله فالمصيبة العظمى أن يتولى الجاهل بالرشوة فلعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش حيث قال لعن الله الراشي إلى آخر الحديث رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ولا شك أن من لعنه الله لعنه رسول الله وأعظم المصائب أن الديار

(23/83)


المصرية التي هي كرسي الإسلام لا يتولى فيها القضاة والحكام وسائر أصحاب المناصب إلا بالرشي والبراطيل ولا يوجد هذا في بلاد الروم ولا في بلاد العجم
7946 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) حدثنا ( الأعمش ) عن ( زيد بن وهب ) حدثنا ( حذيفة ) قال حدثنا رسول الله حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة وحدثنا عن رفعها قال ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت ثم ينام النومة فتقبض فيبقاى أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما رده علي الإسلام وإن كان نصرانيا رده علي ساعيه فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو الثوري والأعمش سليمان
والحديث أخرجه أيضا عن علي بن عبد الله عن سفيان بن عيينة وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر وغيره وأخرجه الترمذي في الفتن عن هناد بن السري وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن وكيع به
قوله حديثين أي في باب الأمانة أحدهما في نزول الأمانة والآخر في رفعها قوله حدثنا أي رسول الله قوله في جذر قلوب الرجال بفتح الجيم وكسرها وسكون الذال المعجمة وهو الأصل في كل شيء قاله أبو عبيد وقال ابن الأعرابي الجذر أصل الحسب والنسب وأصل الشجرة قوله ثم علموا أي بعد نزولها في قلوب الرجال بالفطرة علموها من القرآن قال الله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض ( الأحزاب27 ) الآية قال ابن عباس هي الفرائض التي على العباد وقيل هي ما أمروا به ونهوا عنه وقيل هي الطاعة نقله الواحدي عن أكثر المفسرين قوله ثم علموا من السنة أي سنة النبي وحاصل المعنى أن الأمانة كانت لهم بحسب الفطرة وحصلت لهم بالكسب أيضا بسبب الشريعة قوله وحدثنا أي رسول الله عن رفعها أي عن رفع الأمانة قوله ينام الرجل إلى آخره بيان رفعها وهو أنه ينام نومة فتقبض الأمانة من قلبه يعني تقبض من قوم ثم من قوم ثم شيئا بعد شيء في وقت بعد وقت على قدر فساد الدين قوله فيظل أثرها أي فيصير أثرها مثل أثر الوكت بفتح الواو وسكون الكاف وبالتاء المثناة وهو أثر النار ونحوه وقال ابن الأثير الوكتة الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه والجمع وكت ومنه قيل للبسر إذا وقعت فيه نقطة من الإرطاب وكت ومنه حديث حذيفة المذكور وقال الجوهري في فصل الواو من باب التاء المثناة من فوق الوكتة كالنقطة في الشيء يقال في عينه وكتة وضبطه صاحب ( التلويح ) بالثاء المثلثة وهو غلط قوله مثل المجل بفتح الميم وسكون الجيم وفتحها هو التنفط الذي يحصل في اليد من العمل بفأس ونحوه وهو مصدر مجلت يده تمجل مجلا ويقال هو أن يكون بين الجلد واللحم ماء وكذلك المجلة وهو من باب علم يعلم ومصدره مجل بفتحتين ومن باب نصر ينصر ومصدره مجل بسكون الجيم ومجول وقال الأصمعي هو تفتح يشبه البئر من العمل قوله فنفط بكسر الفاء قال ابن فارس النفط قرح يخرج في اليد من العمل وإنما قال نفط مع أن الضمير فيه يرجع إلى الرجل وهو مؤنث وذكره باعتبار العضو أو باعتبار لفظ الرجل قوله منتبرا أي مرتفعا من الانتبار وهو الارتفاع ومنه انتبر الأمير صعد على المنبر ومنه سمي المنبر منبرا لارتفاعه وكل شيء ارتفع فقد نبره وقال أبو عبيد منتبرا أي متنفطا وحاصله أن القلب يخلو عن الأمانة بأن تزول عنه شيئا فشيئا فإذا زال جزء منها

(23/84)


زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت وإذا زال شيء آخر منه صار كالمجل وهو أثر حكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة ثم شبه زوال ذلك النور بعد ثبوته في القلب وخروجه منه واعتقابه إياه بجمر تدحرجه على رجلك حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط قوله يتبايعون أي من البيع والشراء قوله فلا يكاد أحد كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فلا يكاد أحدهم قوله أتى علي بتشديد الياء قوله وما أبالي أيكم بايعت وقال ابن التين تأوله بعض الناس على بيعة الخلافة وهو خطأ فكيف يكون ذلك وهو يقول لئن كان نصرانيا إلى آخره والذي عليه الجمهور وهو الصحيح أنه أراد به البيع والشراء المعروفين يعني كنت أعلم أن الأمانة في الناس فكنت أقدم على معاملة من أثق غير باحث عن حاله وثوقا بأمانته فإنه إن كان مسلما فدينه يمنعه من الخيانة ويحمله على أداء الأمانة وإن كان كافرا فساعيه وهو الوالي الذي يسعى له أي الوالي عليه يقوم بالأمانة في ولايته فينصفني ويستخرج حقي منه وكل من ولى شيئا على قوم فهو ساعيهم مثل سعاة الزكاة وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة فلست أثق اليوم بأحد أأتمنه على بيع أو شراء إلا فلانا وفلانا يعني أفراد من الناس قلائل أعرفهم وأثق بهم قوله رده علي الإسلام وفي رواية المستملي بالإسلام قوله وإن كان نصرانيا ذكر النصراني على سبيل التمثيل وإلا فاليهودي أيضا كذلك صرح في ( صحيح مسلم ) بهما
8946 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله يقول إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة
مطابقته للترجمة يمكن أن توجه من حيث إن النبي أخبر في هذا الحديث بأن الناس كثيرون والمرضي فيهم قليل بمنزلة الراحلة في الإبل المائة وغير المرضي هم الذين ضيعوا الفرائض التي عليهم وقد ذكرنا أن ابن عباس فسر الأمانة بالفرائض فمن هذه الحيثية تحصل المطابقة بين الترجمة والحديث
وأبو اليمان الحكم بن نافع
والحديث بهذا الإسناد من أفراده وفي رواية مسلم من طريق معمر عن الزهري تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة
واختلفوا في معنى هذا الحديث فقيل إنما يراد به القرون المذمومة في آخر الزمان ولذلك ذكره البخاري هنا ولم يرد به زمن أصحابه وتابعيهم لأنه قد شهد لهم بالفضل فقال خير القرون الحديث ونقل الكرماني هذا في ( شرحه ) بقوله وقال بعضهم المراد به القرون المذمومة إلى آخر ما ذكرناه وقال بعضهم نقل الكرماني هذا عن مغلطاي ظنا منه أنه كلامه لكونه لم يعزه
قلت لم يقل الكرماني إلا قال بعضهم ولم يذكر لفظ مغلطاي أصلا فلا يحتاج إلى ذكره بما فيه من سوء الأدب ونسبة الظن إليه وبعض الظن إثم وقيل يحتمل أن يريد كل الناس فلا يكون مؤمن إلا في مائة أو أكثر وقيل إن الناس في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف ولا لرفيع على وضيع كالإبل المائة التي لا تكون فيها راحلة وقيل إن أكثر الناس أهل نقص وأهل الفضل عددهم قليل بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة قال الله تعالى ولكن ثر الناس لا يعلمون ( الأعراف781 وغيرها ) وقوله ولكن أكثرهم يجهلون ( الأنعام111 ) وقال القرطبي الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجوادالذي يتحمل أثقال الناس والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة
قلت الأنسب من كل الأقوال هو القول الذي ذكرناه أولا وفيه أيضا مطابقة الحديث للترجمة كما ذكرناه
قوله كالإبل المائة وصف لفظ الإبل الذي هو مفرد بقوله المائة لأن العرب يقول للمائة من الإبل ويقال لفلان إبل أي مائة من الإبل وإبلان إذا كان له مائتان قوله راحلة هي النجيبة المختارة الكاملة الأوصاف الحسنة المنظر وقيل الراحلة الجمل النجيب والهاء للمبالغة
63 -
( باب الرياء والسمعة )
أي هذا باب في بيان ذم الرياء بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وبالمد هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها

(23/85)


فيحمدوا صاحبها والسمعة بضم السين المهملة وسكون الميم قال بعضهم هي مشتقة من السماع
قلت السمعة اسم والسماع مصدر والاسم لا يشتق من المصدر ومعنى السمعة التنويه بالعمل وتشهيره ليراه الناس ويسمعوا به والفرق بينهما أن الرياء يتعلق بحاسة البصر والسمعة بحاسة السمع
9446 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) الله عن ( سفيان ) حدثني ( سلمة بن كهيل )
( ح ) وحدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( سلمة ) قال سمعت ( جندبا ) يقول قال النبي ولم أسمع أحدا يقول قال النبي غيره فدنوت منه فسمعته يقول قال النبي من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري في الطريقين وأبو نعيم هو الفضل بن دكين وجندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وضمها ابن عبد الله البجلي بالباء الموحدة والجيم المفتوحتين وهو من صغار الصحابة
وأخرج هذا الحديث من طريقين والسند الثاني أعلى من الأول
ورجاله كوفيون ولم يكتف به مع علوه لأن في الرواية الأولى ما ليس في الثانية وهو جلالة القطان وتصريح سفيان بالتحديث عن سلمة ولفظ ( ح ) بين الطريقين إشارة إلى التحويل من إسناد إلى إسناد آخر قبل ذكر الحديث أو إلى الحائل أو إلى صح أو إلى الحديث ويتلفظ عند القراءة بلفظة ( حا ) مقصورا
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر عن وكيع عن الثوري وعن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم به وعن غيرهما وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن هارون بن إسحاق عن محمد بن عبد الوهاب عن الثوري به
قوله ولم أسمع أحدا يقول قال النبي غيره أي قال سلمة بن كهيل لم أسمع أحدا إلى آخره وقال الكرماني لم أسمع أي لم يبق من أصحاب النبي حينئذ غيره في ذلك المكان ورد عليه بعضهم بأنه ليس كذلك فإن جندبا كان بالكوفة إلى أن مات وكان بها في حياة جندب أو جحيفة السوائي وكانت وفاته بعد جندب بست سنين وعبد الله بن أبي أوفى وكانت وفاته بعد جندب بعشرين سنة وقد روى سلمة بن كهيل عن كل منهما فيتعين أن يكون مراده أنه لم يسمع منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما ممن كان موجودا من الصحابة بغير الكوفة بعد أن سمع من جندب الحديث المذكور عن النبي شيئا انتهى
قلت إنما رد هذا القائل بما قاله بعد أن قال احترز بقوله وذلك عمن كان من الصحابة موجودا إذ ذاك بغير المكان الذي كان فيه جندب ثم قال وليس كذلكإلى آخره وفيه نظر لأن للكرماني أن يقول مرادي من قولي في ذلك المكان المكان الذي كان جندب معدا فيه لإسماع الحديث ولم يكن هناك من أصحاب النبي حينئذ غيره وإن كان أبو جحيفة وابن أبي أوفى موجودين في الكوفة حينئذ والعجب من هذا القائل يفسر كلام الكرماني بحسب ما يفهمه ثم يرد عليه
وفي الصحابة من يسمى بجندب خمسة أنفس جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري وجندب بن مكين الجهني وجندب بن ضمرة الجندعي وجندب بن كعب العبدي وجندب بن عبد الله البجلي وهو الذي روى عنه سلمة بن كهيل والأشهر منهم أبو ذر الغفاري فقال خليفة بن خياط مات جندب يعني أبا ذر سنة اثنتين وثلاثين بالربذة قرية من قرى المدينة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه وصلى عليه ابن مسعود وأما جندب المذكور في هذا الحديث فلم يذكر أحد تاريخ وفاته فكيف يقول هذا القائل وكانت وفاة أبي جحيفة بعد جندب بست سنين وكانت وفاة أبي جحيفة في سنة أربع وسبعين وقال الواقدي توفي في ولاية بشر بن مروان وكانت وفاة ابن أبي أوفى سنة سبع وثمانين قاله البخاري فكيف يقول وكانت وفاته بعد جندب بعشرين سنة فأحسب التفاوت بين تاريخي وفاة أبي جحيفة وابن أبي أوفى وبين تاريخ جندب
قوله من سمع بتشديد الميم من التسميع وهو التشهير وإزالة الخمول بنشر الذكر وقال الخطابي أي عمل عملا على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله تعالى ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه وقيل إن قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله تعالى فإن الله يجعله حديثا عند

(23/86)


الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة قوله ومن يرائي بضم الياء وبالمد وكسر الهمزة والثانية مثلها وثبتت الياء في آخر كل منهما للإشباع أي من يرائي بعمله الناس يرائي الله به أي يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه فاستحق سخط الله عليه وفيه من المشاكلة ما لا يخفى
73 -
( باب من جاهد نفسه في طاعة الله )
أي هذا باب في بيان فضل من جاهد من المجاهدة وهي كف النفس عن إرادتها مما يشغلها بغير العبادة
00 - 5 - 6 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) عن ( معاذ ابن جبل ) رضي الله عنه قال ( بينما ) أنا ( رديف ) النبي ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل فقال يا معاذ قلت لبيك يا رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك قال هل تدري ما حق الله على عباده قلت الله ورسوله أعلم قال حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك قال هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه قلت الله ورسوله أعلم قال حق العباد على الله أن لا يعذبهم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه مجاهدة النفس بالتوحيد وجهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكبر
وهذا الحديث بعين هذا الإسناد والمتن قد مر في كتاب اللباس في باب مجرد عقيب باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه فإنه أخرجه هناك عن هدبة بن خالد عن همام بن يحيى عن قتادة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك ونظيره مضى عن أنس في آخر كتاب العلم في باب من خص بالعلم قوما
قوله رديف النبي الرديف هو الراكب خلف الراكب قوله إلا آخرة الرحل الآخرة على وزن الفاعلة وهي العود الذي يستند إليه الراكب من خلفه وأراد بذكره المبالغة في شدة قربه ليكون أوقع في نفس سامعه لكونه أضبط وأما تكريره عليه ثلاثا فلتأكيد الاهتمام بما يخبره ولتكميل تنبه معاذ فيما يسمعه والرحل سرج الجمل وقال الجوهري الرحل رحل الجمل وهو أصغر من القتب قوله لبيك قد مضى الكلام فيه مرارا أنه من التلبية وهي إجابة المنادي أي إجابتي لك يا رسول الله مأخوذ من لب بالمكان وألب إذا قام به ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد إجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت ألب إلبابا بعد إلباب قوله وسعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد ولهذا ثنى وهو أيضا من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال وقال الجرمي لم يسمع سعدك مفردا قوله لبيك رسول الله أي يا رسول الله حذف فيه حرف النداء وفي العلم بإثباته قوله فقال يا معاذ وفي رواية الكشميهني ثم قال يا معاذ قوله هل تدري ما حق الله على عباده الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة قوله أن يعبدوه أي أن يوحدوه قوله ولا يشركوا به شيئا تفسيره وقيل المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي قوله ما حق العباد على الله يحتمل وجهين أحدهما أن يكون خرج مخرج المقابلة في اللفظ كقوله تعالى ومكروا ومكر الله ( آل عمران45 ) والثاني أن يكون أراد حقا شرعيا لا واجبا بالعقل كقول المعتزلة وقيل معنى الحق المستحق الثابت أو الجدير وهو كالواجب في تحققه وقال القرطبي حق العباد على الله هو ما وعدهم به من الثواب والجزاء
83 -
( باب التواضع )

(23/87)


أي هذا باب في بيان فضل التواضع وهو إظهار التنزل عن مرتبته وقيل هو تعظيم من فوقه من أرباب الفضائل وفي ( رقائق ) ابن المبارك عن معاذ بن جبل أنه قال لن يبلغ ذروة الإيمان حتى تكون الضعة أحب إليه من الشرف وما قل من الدنيا أحب إليه مما كثر
1056 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله عنه كان ل ( لنبي ) ( ناقة )
قال وحدثني ( محمد ) أخبرنا ( الفزاري وأبو خالد الأحمر ) عن ( حميد الطويل ) عن ( أنس ) قال ( كانت ناقة ل ) رسول الله تسمى العضباء وكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذالك على المسلمين وقالوا سبقت العضباء فقال رسول الله إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه
مطابقته للترجمة من حيث إن في طرق هذا الحديث عند النسائي بلفظ حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه ففيه إشارة إلى ذم الترفع والحض على التواضع والإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة
وأخرج البخاري هذا الحديث من طريقين أحدهما عن مالك بن إسماعيل بن زياد أبي غسان النهدي الكوفي عن زهير بن معاوية عن حميد الطويل بن أبي حميد عن أنس بن مالك والآخر عن محمد بن سلام قاله الكلاباذي عن مروان بن معاوية الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء عن أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان بتشديد الياء آخر الحروف الأزدي
والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب ناقة النبي فإنه أخرجه بالطريق الأول بعين إسناده ومتنه عن مالك بن إسماعيل عن زهير عن حميد عن مالك إلى آخره
قوله العضباء بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة وبالمد الناقة المشقوقة الأذن ولكن ناقة رسول الله لم تكن مشقوقة الأذن لكن صار هذا لقبالها قوله لا تسبق على صيغة المجهول قوله على قعود بفتح القاف وهو البكر من الإبل حين يمكن ظهره للركوب وأدنى ذلك سنتان
2056 - حدثني ( محمد بن عثمان ) حدثنا ( خالد بن مخلد ) حدثنا ( سليمان بن بلال ) حدثني ( شريك بن عبد الله بن أبي نمر ) عن ( عطاء ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله إن الله قال من عاداى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته لأعيذنه
قيل لا مطابقة بين هذا الحديث والترجمة حتى قال الداودي ليس هذا الحديث من التواضع في شيء وقال صاحب ( التلويح ) لا أدري ما مطابقته لها لأنه لا ذكر فيه للتواضع ولا لما يقرب منه وقيل المناسب إدخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه في طاعة الله وأجابوا عن ذلك فقال الكرماني التقرب بالنوافل لا يكون إلا بغاية التواضع والتذلل للرب تعالى
قلت قد سبقه بهذا صاحب ( التلويح ) فإنه قال التقرب إلى الله بالنوافل حتى يستحقوا المحبة من الله تعالى لا يكون إلا بغاية التواضع والتذلل للرب عز و جل ثم قال وفيه بعد لأن النوافل إنما يزكي ثوابها عند الله لمن حافظ على فرائضه وقيل الترجمة مستفادة مما قال كنت سمعه ومن التردد وقال بعضهم تستفاد الترجمة من لازم قوله من عادى لي

(23/88)


وليا لأنه يقتضي الزجر عن معاداة الأولياء المستلزم لموالاتهم وموالاة جميع الأولياء لا تتأتى إلا بغاية التواضع إذ فيهم الأشعث الأغبر الذي لا يؤبه له انتهى
قلت دلالة الإلتزام مهجورة لأنها لو كانت معتبرة لزم أن يكون للفظ الواحد مدلولات غير متناهية ويقال لهذا القائل تريد اللزوم البين أو مطلق اللزوم وأياما كان فدلالة الالتزام مهجورة فإن أردت اللزوم البين فهو يختلف باختلاف الأشخاص فلا يكاد ينصبط المدلول وإن أردت مطلق اللزوم فاللوازم لا تتناهى فيمتنع إفادة اللفظ إياها فلا يقع كلامه جوابا
ومحمد بن عثمان بن كرامة بفتح الكاف وتخفيف الراء العجلي بكسر العين المهملة الكوفي مات ببغداد سنة ست وخمسين ومائتين وهو من صغار شيوخ البخاري وقد شاركه في كثير من مشايخه منهم خالد بن مخلد شيخه في هذا الحديث فقد أخرج عنه البخاري بغير واسطة أيضا في باب الاستعاذة من الجبن في كتاب الدعوات وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام البجلي ويقال القطواني الكوفي مات بالكوفة في محرم سنة ثلاث عشرة ومائتين وسليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي مات سنة سبع وسبعين ومائة وشريك بن عبد الله بن أبي نمر بلفظ الحيوان المشهور القرشي ويقال الليثي مات سنة أربعين ومائة فإن قلت خالد فيه مقال فعن أحمد له مناكير وعن أبي حاتم لا يحتج به وأخرج ابن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها منها حديث الباب وشريك أيضا فيه مقال وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر وتفرد بأشياء لم يتابع عليها
قلت أما خالد فعن ابن معين ما به بأس وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو داود صدوق ولكنه تشيع وهو عندي إن شاء الله لا بأس به وأما شريك فعن يحيى بن معين والنسائي ليس به بأس وقال محمد بن سعد كان ثقة كثير الحديث وعطاء هو ابن يسار ضد اليمين ووقع في بعض النسخ كذلك وقيل هو ابن أبي رباح والأول أصح والحديث من أفراده
قوله إن الله قال هذا من الأحاديث الإلهية التي تسمى القدسية وقد مر الكلام فيها عن قريب وقد وقع في بعض طرقه أن النبي حدث به عن جبريل عليه السلام عن الله عز و جل قوله لي صفة لقوله وليا لكنه لما قدم صار حالا قوله وليا الولي هو العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته فإن قلت قوله عادى من المعاداة وهو من باب المفاعلة التي تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والاجتناب عن المعاداة والصفح عمن يجهل عليه
قلت أجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاداة الدنيوية مثلا بل تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر رضي الله تعالى عنه والمبتدع في بغضه للسني فتقع المعاداة من الجانبين أما من جانب الولي فلله وفي الله وأما من الجانب الآخر فظاهر انتهى
قلت لا يحتاج إلى هذا التكلف فإذا قلنا إن فاعل يأتي بمعنى فعل كما في قوله عز و جل وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ( آل عمران331 ) بمعنى اسرعوا يحصل الجواب قوله فقد آذنته بالمد وفتح المعجمة بعد هانون أي أعلمته من الإيذان وهو الإعلام قوله بالحرب وفي رواية الكشميهني بحرب ووقع في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها من عادى لي واليا فقد استحل محاربتي وفي حديث معاذ فقد بارز الله بالمحاربة وفي حديث أبي أمامة وأنس فقد بارزني فإن قيل المحاربة من الجانبين والمخلوق في أسر الخالق قيل له أطلق الحرب وأراد لازمه أي أعمل به ما يعمله العدو المحارب قوله أحب بالرفع والنصب قاله الكرماني
قلت وجه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أحب ووجه النصب والمراد به الفتح صفة لقوله بشيء فيكون مفتوحا في موضع الجر ويدخل في قوله مما افترضت عليه جميع الفرائض فرائض العين وفرائض الكفاية قوله وما يزال كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره وما زال بصيغة الماضي قوله يتقرب إلي بتشديد الياء وفي حديث أبي أمامة يتحبب والتقرب طلب القرب وقال القشيري قرب العبد من ربه يقع أولا بإيمانه ثم بإحسانه وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق قال وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس وباللطف والنصرة خاص بالخواص وبالتأنيس خاص بالأولياء قوله بالنوافل المراد بها ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها وليس المراد كون النوافل مطلقا قوله أحبه هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره حتى أحببته قوله كنت

(23/89)


سمعه الذي يسمع به لفظة به في رواية الكشميهني لا غيره قال الداودي هذا كله من المجاز يعني أنه يحفظه كما يحفظ العبد جوارحه لئلا يقع في مهلكة وقال الخطابي هذه أمثال والمعنى والله أعلم توفيقه في الأعمال التي باشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه من موافقة ما يكره الله تعالى من الإصغاء إلى اللهو مثلا ومن النظر إلى ما نهى عنه ومن البطش بما لا يحل له ومن السعي في الباطل برجله أو بأن يسرع في إجابة الدعاء والإلحاح في الطلب وذلك أن مساعي الإنسان إنما تكون بهذه الجوارح الأربع قوله وبصره الذي يبصر به وفي حديث عائشة في رواية عبد الواحد عينه التي يبصر بها وفي رواية يعقوب بن مجاهد عينيه اللتين يبصر بهما وكذا قال في الأذن واليد والرجل وزاد عبد الواحد في روايته وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به وقيل المعنى إجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره إلى آخره وقيل كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه وقيل فيه مضاف محذوف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل سماعه وحافظ بصره كذلك إلى آخره قيل إن الاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد واحتجوا بمجيء جبريل عليه الصلاة و السلام في صورة دحية قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو ببعضه تعالى الله سبحانه عما يقول الظالمون علوا كبيرا قوله يبطش بكسر الطاء قوله وإن سألني أي عبدي وكذا وقع في رواية عبد الواحد قوله لأعطينه اللام للتأكيد والهمزة مضمومة والفعل مؤكد بالنون الثقيلة قوله استعاذ بي بالباء الموحدة بعد الذال المعجمة وقيل بالنون موضع الباء قوله لأعيذنه أي مما يخاف فإن قيل كثير من الصلحاء والعباد دعوا وبالغوا ولم يجابوا قيل له الإجابة تتنوع فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور وتارة يقع ولكن يتأخر الحكم وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها قوله وما ترددت عن شيء التردد مثل لأنه محال على الله وقال الخطابي التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الأمور غير سائغ لكن له تأويلان أحدهما أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه أو فاقة تنزل به فيدعو الله فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها فيكون ذلك من فعله كترديد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه ولا بد من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن كما روى في قصة موسى عليه السلام وما كان من لطمه عين ملك الموت وتردده إليه مرة بعد أخرى قال وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه قوله وإساءته ويروى مساءته أي حياته لأنه بالموت يبلغ إلى النعيم المقيم لا في الحياة أولأن حياته تؤدي إلى أرذل العمر وتنكيس الخلق والرد إلى أسفل سافلين أو أكره مكروهه الذي هو الموت فلا أسرع بقبض روحه فأكون كالمترددشر
93 -
( باب قول النبي بعثت أنا والساعة كهاتين )
أي هذا باب فيه قول النبي بعثت إلى آخره قال الكرماني الساعة بالرفع والنصب واختصر على هذا
قلت وجه النصب أن الواو بمعنى مع ومنهم من منع الرفع لفساد المعنى لأنه لا يقال بعثت الساعة وجزم عياض بأن الرفع أحسن لأنه عطف على ضمير المجهول في بعثت قوله كهاتين أي الإصبعين السبابة والوسطى
وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير ( النحل77 )
تقديره وقول الله عز و جل وما أمر الساعة الآية بتمامها في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر وما أمر الساعة إلا كلمح البصر الآية وإنما قلنا تقديره وقول الله عز و جل لأنه يوهم أن تكون بقية الحديث على أن في بعض النسخ وقول الله موجود قوله وما أمر الساعة أي وما شأن القيامة إلا كلمح البصر اللمح سرعة إبصار الشيء أو هو أي أمر الساعة أقرب من لمح البصر

(23/90)


3056 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( أبو غسان ) حدثنا ( أبو حازم ) عن ( سهل ) قال قال رسول الله بعثت أنا والساعة هاكذا ويشير بإصبعيه فيمد بهما بش
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يتضمن معنى الترجمة وسعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن مريم المصري وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف وأبو حازم سلمة بن دينار وسهل بن سعد الساعدي الأنصاري
والحديث من أفراده
قوله عن سهل وفي رواية سفيان عن أبي حازم سمعت سهل بن سعد صاحب رسول الله قوله فيمد بهما أي ليمتازا عن سائر الأصابع ويروى فيمدهما
4056 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) هو ( الجعفي ) حدثنا ( وهب بن جرير ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة وأبي التياح ) عن ( أنس ) عن النبي قال بعثت أنا والساعة كهاتين
هذا الحديث هو عين الترجمة والجعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة من مذحج قال الجوهري هو أبو قبيلة من اليمن والنسبة إليه كذلك وأبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة واسمه يزيد من الزيادة ابن حميد الضبعي البصري
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن عبد الله بن معاذ وغيره وقال ابن التين اختلف في معنى قول كهاتين فقيل كما بين السباية والوسطى في الطول وقيل المعنى ليس بينه وبينها شيء وقال القرطبي حاصل معنى الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها وقال الكرماني معنى الحديث إشارة إلى قرب المجاورة ثم قال فإن قلت إن الله عنده علم الساعة ( لقمان43 ) ولا يعلمه غيره فكيف يعلم أنها قريبه
قلت المعلوم قربها والمجهول ذاتها فلا معاوضة
04 -
( باب )
كذا ذكر مجردا عن الترجمة في رواية الأكثرين وهو كالفصل وحديثه داخل فيما قبله وفي رواية الكشميهني باب طلوع الشمس من مغربها وعلى الوجهين المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله ظاهرة لأن طلوع الشمس من المغرب إنما يقع عند إشراف قرب الساعة وقيامها
6056 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها

(23/91)


فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون فذالك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ( الأنعام 851 ) ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها
مطابقته للترجمة على رواية الكشميهني ظاهرة وعلى رواية غيره هو داخل فيما قبله
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب هو ابن أبي حمزة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان و ( عبد الرحمن ) هو ابن هرمز الأعرج
والحديث مختصر من حديث سيأتي في أواخر كتاب الفتن بهذا الإسناد بتمامه وأوله لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان وذكر فيه نحو عشرة أشياء من هذا الجنس ثم ذكر ما في هذا الباب مقتصرا على ما يتعلق بطلوع الشمس
قوله من مغربها قال الكرماني أهل الهيئة بينوا أن الفلكيات بسيطة لا تختلف مقتضياتها ولا يتطرق إليها خلاف ما هي عليه ثم أجاب بقوله قواعدهم منقوضة ومقدماتهم ممنوعة ولئن سلمنا صحتها فلا امتناع في انطباق منطقة البروج على معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وبالعكس قوله آمنوا أجمعون وفي رواية أبي زرعة عن ( أبي هريرة ) في التفسير فإذا رآها الناس آمن من عليها أي من على الأرض من الناس قوله فذلك هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره فذاك ووقع في رواية التفسير وذلك بالواو ويعني عند طلوع الشمس من مغربها لا ينفع نفسا إيمانها وقال الطبري معنى الآية لا ينفع كافرا لم يكن آمن قبل الطلوع إيمان بعد الطلوع لأن حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذ حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة وذلك لا يفيد شيئا كما قال الله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( غافر58 ) وكما ثبت في الحديث الصحيح تقبل توبة العبد ما لم يبلغ الغرغرة وقال ابن عطية في هذا الحديث دليل على أن المراد بالبعض في قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك ( الأنعام851 ) طلوع الشمس من المغرب وإلى ذلك ذهب الجمهور واعلم أن الشمس تجري بقدرة الله تعالى وتغرب في عين حمثة ثم تبلغ العرض فتسجد ثم تستأذن فيؤذن لها فتعود إلى المطلع فإذا كانت تلك الليلة لم يؤذن لها إلى ما شاء الله ثم يؤذن لها وقد مضى وقت طلوعها فتسير سيرا فتعلم أنها لا تبلغ إلى المطلع في باقي ليلتها فتعود إلى مغربها فتطلع منه فمن كان قبل كافرا لم ينفعه إيمانه ومن كان مؤمنا مذنبا لم تنفعه توبته وروى الترمذي من حديث صفوان بن غسان قال سمعت رسول الله يقول إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها وقال حديث حسن صحيح قوله وقد نشر الرجلان الواو فيه للحال قوله بلبن لقحته بكسر اللام وهي الناقة الحلوب قوله يليط حوضه من لاط حوضه وألاطه إذا أصلحه وطينه قوله أكلته أي لقمته وهي بالضم وأما بالفتح فهي المرة الواحدة هذا كله إخبار عن الساعة أنها تأتي فجأة وأسرع من دفع اللقمة إلى الفم
14 -
( باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه )
أي هذا باب في قوله من أحب الخ هذا جزء من الحديث الأول في الباب وقال الخطابي محبة اللقاء إيثار العبد الآخرة على الدنيا فلا يحب طول القيام فيها لكن يستعد للارتحال عنها وكراهته ضد ذلك ومحبة الله لقاء عبده إرادة الخير له وهدايته إليه وكراهته ضد ذلك
7056 - حدثنا ( حجاج ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) عن ( عبادة بن الصامت ) عن النبي قال من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قالت عائشة أو بعض أزواجه إنا لنكره الموت قال ليس ذاك ولاكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن

(23/92)


الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره الله لقاءه
قد ذكرنا أن الترجمة جزء الحديث فلا مطابقة أوضح من هذا
وحجاج هو ابن المنهال البصري وهو من كبار شيوخ البخاري مات سنة سبع عشرة ومائتين وهمام هو ابن يحيى وفيه رواية الصحابي عن الصحابي
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن هدبة بن خالد وغيره وأخرجه الترمذي في الزهد عن محمود بن غيلان وفي الجنائز عن أبي الأشعث أحمد بن المقدم وأخرجه النسائي في الجنائز عن أبي الأشعث
قوله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه قال الكرماني ليس الشرط سببا للجزاء بل الأمر بالعكس ثم قال مثله يؤول بالأخبار أي من أحب لقاء الله أخبره الله بأن الله أحب لقاءه وكذلك الكراهة انتهى
وقيل من خبرية وليست بشرطية وليس معناه أن سبب حب الله لقاء العبد حب لقائه ولا الكراهة ولكنه صفة حال الطائفتين في أنفسهم وعند ربهم والتقدير من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه وكذا الكراهة انتهى
قلت حديث أبي هريرة الذي يأتي في التوحيد مرفوع قال الله تعالى إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه يدل على أن من شرطية فلا وجه لنفيها وقال النووي الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل التوبة فحينئذ يكشف لكل إنسان ما هو صائر إليه فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد الله لهم ويحب الله لقاءهم ليجزل لهم العطاء والكرامة وأهل الشقاوة يكرهونه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته ولا يريد لهم الخير وقال الخطابي اللقاء على وجوه منها الرؤية ومنها البعث كقوله تعالى قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ( الأنعام13 ويونس54 ) أي بالبعث ومنها الموت كقوله من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وقال ابن الأثير في ( النهاية ) المراد بلقاء الله هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لأن كلا يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه إنما يصل إليه بالموت قوله أو بعض أزواجه كذا في هذه الرواية بالشك وجزم سعيد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي قالت ذلك ولم يتردد فيه
قلت روى مسلم هذا الحديث عن هداب ابن خالد عن همام مقتصرا على أصل الحديث ولم يذكر في هذه الرواية هذه الزيادة أعنى قوله قالت عائشة أو بعض أزواجه إلى آخره ثم أخرجه من رواية سعيد بن أبي عروبة موصولا فكأن مسلما حذف الزيادة عمدا لكونها مرسلة من هذا الوجه واكتفى بإيرادها موصولة من طريق سعيد بن أبي عروبة وقد أشار البخاري إلى ذلك حيث علق رواية شعبة بقوله اختصره إلى آخره على ما يأتي وكذا أشار إلى رواية سعيد بن أبي عروبة تعليقا وهذا من العلل الخفية جدا فإن قلت هذه الزيادة لا تظهر صريحا هل هي من كلام عبادة على معنى أنه سمع الحديث من النبي وسمع مراجعة عائشة رضي الله تعالى عنها أو من كلام أنس على معنى أنه حضر ذلك أو من كلام قتادة أرسله في رواية همام ووصله في رواية سعيد بن أبي عروبة فيكون في رواية همام إدراج
قلت هذه الاحتمالات لا ترد فلذلك قال البخاري عقيب الحديث المذكور اختصره أبو داود إلى آخره وهذا من صنيعه العجيب قوله مما أمامه بفتح الهمزة أي مما قدامه من استقبال الموت وقال الكرماني مما أمامه متناول للموت أيضا ثم قال فإن قلت قد نفاه رسول الله خصوصا وأثبته عموما فما وجهه
قلت نفى الكراهة التي هي حال الصحة وقبل الاطلاع على حاله وأثبت التي هي في حال النزع وبعد الإطلاع على حاله فلا منافاة قوله حضر على صيغة المجهول وكذلك قوله بشر قوله كره لقاء الله ويروى فكره بالفاء
اختصره أبو داود وعمرو عن شعبة
وقال سعيد عن قتادة عن زرارة عن سعد عن عائشة عن النبي
أي اختصر الحديث المذكور أبو داود سليمان الطيالسي وعمرو بن مرزوق الباهلي فرواية أبي داود أخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي داود بلفظ أبي موسى الذي يأتي هنا من غير زيادة لا نقصان ورواية عمرو بن مرزوق أخرجها

(23/93)


الطبراني في الكبير عن أبي مسلم الكشي ويوسف بن يعقوب القاضي قالا حدثنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة فذكره مثل لفظ أبي داود سواء قوله وقال سعيد يعني ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى العامري كان يؤم الصلاة فقرأ فيها فإذا نقر في الناقور ( المدثر8 ) فشهق فمات سنة ثلاث وتسعين وهو يروي عن سعد بن هشام الأنصاري ابن عم أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قتل بأرض مكران وهذا التعليق وصله مسلم عن محمد بن عبد الله حدثنا خالد وحدثنا ابن بشار وحدثنا محمد بن بكر كلاهما عن سعيد به
8056 - حدثني ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) الله عن النبي قال من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء مصغر برد ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء واسمه الحارث أو عامر يروي بريد عن جده أبي بردة وأبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن أبي بكر وغيره وهذا مثل حديث عبادة غير قوله فقالت عائشة إلى آخره فكأنه أورده استظهارا لصحة الحديث
9056 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) أخبرني ( سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل ) العلم أن ( عائشة ) زوج النبي قالت كان رسول الله يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفلق فأشخص بصره إلى السقف ثم قال اللهم الرفيق الأعلى قلت إذا لا يختارنا وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به قالت فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها النبي قوله اللهم الرفيق الأعلى طابقته للترجمة من جهة اختيار النبي لقاء الله بعد أن خير بين الموت والحياة فاختار الموت لمحبته لقاء الله تعالى
والحديث مضى في باب مرض النبي ووفاته عن محمد بن بشار عن غندر وعن مسلم عن شعبة وعن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري ومضى أيضا في كتاب الدعوات في باب دعاء النبي اللهم الرفيق الأعلى فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة إلى آخره
قوله في رجال أي في جملة رجال أخر رووا ذلك قوله وهو صحيح الواو فيه للحال قوله ثم يخير على صيغة المجهول أي بين حياة الدنيا وموتها قوله فلما نزل به بضم النون على صيغة المجهول يعني لما حضره الموت قوله ورأسه الواو للحال قوله غشي عليه على صيغة المجهول جواب لما قوله فأشخص بصره أي رفع قوله الرفيق منصوب بمقدر وهو نحو أختار أو أريد والأعلى صفته وهو إشارة إلى الملائكة أو إلى الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين ( النساء96 ) قوله لا يختارنا بالنصب أي حين اختار مرافقة أهل السماء لا يبغي أن يختار مرافقتنا من أهل الأرض
قلت هكذا أعربه الكرماني فلا مانع من أن يكون مرفوعا لأن معنى قوله إذا يعني حينذ هو لا يختارنا قوله وعرفت أنه أي أن الأمر الذي حصل له هو قوله الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح وهو قوله إنه لم يقبض نبي قط حتى يخير قوله فكانت تلك أي تلك الكلمة التي هي قوله اللهم الرفيق الأعلى وهي اسم كانت قوله آخر كلمة بالنصب خبرها قوله تكلم بها النبي صفتها قوله قوله منصوب على الاختصاص أي أعني قوله اللهم الرفيق الأعلى
24 -
( باب سكرات الموت )

(23/94)


أي هذا باب في بيان سكرات الموت وهي جمع سكرة بفتح السين وسكون الكاف وهي شدة الموت وغمه وغشيته والسكر بضم السين حالة تعرض بين المرء وعقله وهو اسم والمصدر سكر بفحتين يسكر سكرا قال الجوهري وقد سكر يسكر سكرا مثل بطر يبطر بطرا والاسم السكر بالضم انتهى وأكثر ما يستعمل في الشراب ويطلق في الغضب والعشق والنعاس والغشي الناشىء عن الألم والسكر بالفتح وسكون الكاف مصدر سكرت النهر أسكره سكرا إذا سددته والسكر بفتحتين نبيذ التمر
0156 - حدثني ( محمد بن عبيد بن ميمون ) حدثنا ( عيسى بن يونس ) عن ( عمر بن سعيد ) قال أخبرني ( ابن أبي مليكة ) أن ( أبا عمرو ذكوان ) مولى ( عائشة ) أخبره أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول إن رسول الله كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء شك عمر فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول لا إلاه إلا الله إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول في الرقيق الأعلى حتى قبض ومالت يده
مطابقته للترجمة في قوله إن للموت سكرات وعمر بن سعيد بن أبي حسين المكي وابن أبي مليكة عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير التيمي الأحول المكي القاضي على عهد ابن الزبير وأبو عمرو بالواو ذكوان بفتح الذال المعجمة
والحديث مختصر من حديث أخرجه في المغازي بهذا الإسناد المذكور بعضه
قوله ركوة بفتح الراء وهو إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء والجمع ركاء قوله أو علبة بضم العين المهملة قال أبو عبيد العلبة من الخشب والركوة من الجلد وقال العسكري في ( تلخيصه ) العلبة قدح الأعراب يتخذ من جلد ويعلق بجنب البعير والجمع علاب وفي ( الموعب ) لابن التياني العلبة على مثال ركوة القدح الضخم من جلد الإبل وعن أبي ليلى العلبة أسفلها جلد وأعلاها خشب مدور لها إطار كإطار المنخل والغربال وتجمع على علب وفي ( المحكم ) هي كهيئة القصعة من جلد لها طوق من خشب قوله شك عمر يعني عمر بن سعيد المذكور وفي باب وفاة النبي يشك عمر بلفظ المضارع وفي يرواية الإسماعيلي شك ابن أبي حسين قوله يدخل يديه من الإدخال ويديه بالتثنية رواية الكشميهني وفي رواية غيره بالإفراد وعلى هذا قوله بهما بالتثنية أو بالإفراد قوله في الرفيق أي أدخلني في جملتهم أي اخترت الموت
وقال أبو عبد الله ) العلبة من الخشب والركوة من الأدم
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وقد فسر العلبة بما فسره أبو عبيد كما ذكرناه الآن وهذا ثبت في رواية المستملي وحده
98 - ( حدثني صدقة أخبرنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي فيسألونه متى الساعة فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم قال هشام يعني موتهم )
يمكن أن يؤخذ وجه المطابقة من قوله موتهم لأن كل موت فيه سكرة وصدقة هو ابن الفضل المروزي وعبدة بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة هو ابن سليمان وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها والحديث من أفراده ونظيره حديث أنس مضى في كتاب الأدب في باب ما جاء في قول الرجل ويلك قوله الأعراب هم ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة والعرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه وسواء أقام بالبادية أو المدن والنسبة إليهما أعرابي وعربي وقال الجوهري

(23/95)


ليس الأعراب جمعا لعرب كما أن الأنباط جمع لنبط إنما العرب اسم جنس قوله جفاتا بضم الجيم جمع جاف من الجفاء وهو الغلظ في الطبع لقلة مخالطة الناس ويروى بالحاء المهملة جمع حاف وهو الذي يمشي بلا شيء في رجليه وكلا المعنيين غالب على أهل البادية قوله ينظر إلى أصغرهم وفي رواية مسلم وكان ينظر إلى أحدث أسنان منهم قوله لا يدركه مجزوم لأنه جواب الشرط قوله قال هشام يعني ابن عروة راوي الحديث وهو موصول بالسند المذكور يعني فسر الساعة بالموت قال الكرماني يريد بساعتهم موتهم وانقراض عصرهم إذ من مات فقد قامت قيامته وكيف والقيامة الكبرى لا يعلمها إلا الله عز و جل ثم قال فإن قلت السؤال عن الكبرى والجواب عن الصغرى فلا مطابقة قلت هو من باب أسلوب الحكيم قلت معناه دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى فإنها لا يعلمها إلا الله عز و جل واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم لأن معرفتكم إياه تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الآخر وقيل هو تمثيل لتقريب الساعة لا يراد بها حقيقة قيامها أو الهرم لا حد له أو علم أن ذلك المشار إليه لا يعمر ولا يعيش -
2156 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( محمد بن عمرو بن حلحلة ) عن ( معبد بن كعب بن مالك ) عن ( أبي قتادة بن ربعي الأنصاري ) أنه كان يحدث أن رسول الله مر عليه بجنازة فقال مستريح ومستراح منه قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز و جل والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب
مطابقته للترجمة يمكن أخذها من قوله يستريح من نصب الدنيا ومن جملة النصب سكرة الموت
وإسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله المدني ابن أخت مالك بن أنس الذي روى عنه ومحمد بن عمرو بن حلحلة بفتح الحاءين المهملتين وإسكان اللام الأولى وليس له عن معبد غيره ومعبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة ابن كعب بن مالك الأنصاري وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء
والحديث أخرجه مسلم في الجنائز عن قتيبة عن مالك به وعن غيره وأخرجه النسائي أيضا فيه عن قتيبة
قوله مر عليه بجنازة على صيغة المجهول قوله ومستراح الواو فيه بمعنى أو أو هي للتقسيم على ما صرح بمقتضاه في جواب سؤالهم قوله من نصب الدنيا النصب التعب والمشقة قوله وأذاها من عطف العام على الخاص وقال ابن التين يحتمل أن يراد بالمؤمن المتقي خاصة ويحتمل كل مؤمن والفاجر يحتمل أن يراد به الكافر ويحتمل أن يدخل فيه العاصي أما راحة العباد منه فلما كان لهم من ظلمه وأما راحة البلاد فلما كان من غصبها ومنعها من حقها وصرف ما يحصل منها إلى غير أهله في غير وجهه وأما راحة الشجر فلما كان من قلعة إياها بالغصب أو من أخذ ثمره كذلك لكن الراحة هنا لصاحب الشجر وإسناد الراحة إليه مجاز وأما راحة الدواب فلما كان من استعمالها فوق طاقتها والتقصير في أكلها وشربها
3156 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة حدثني بن كعب عن ابي قتادة عن النبي قال مستريح ومستراح منه المؤمن يستريح
هذا طريق آخر أخرجه عن مسدد عن ( يحيى ) القطان عن ( عبد ربه بن سعيد ) بن قيس الأنصاري كذا وقع هنا لأبي ذر عن شيوخه الثلاثة في رواية عن أبي زيد المروزي ووقع عند مسلم عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند وقال الغساني عبد ربه بن سعيد وهم والصواب المحفوظ عبد الله وكذا روه ابن السكن عن الفربري فقال في روايته عبد الله بن سعيد هو

(23/96)


ابن أبي هند والحديث محفوظ له لا لعبد ربه
قوله حدثني الله ( بن كعب ) هو معبد بن كعب بن مالك المذكور في السند الأول قوله مستريح إلى آخره أخرجه مختصرا هكذا بدون السؤال والجواب
4156 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ) سمع ( أنس بن مالك ) يقول قال رسول الله يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله
تؤخذه مطابقته للترجمة من قوله يتبع الميت لأن كل ميت يقاسي سكرة الموت
والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى أحد أجداده حميد مصغر حمد وسفيان هو ابن عيينة وليس لشيخه عبد الله بن أبي بكر عن أنس غير هذا الحديث
وأخرجه مسلم في الزهد عن يحيى بن يحيى وزهير بن حرب وأخرجه الترمذي فيه عن سويد بن نصر وأخرجه النسائي في الرقائق عن سويد بن نصر وفي الجنائز عن قتيبة
قوله يتبع الميت هكذا هو في رواية الأكثرين والسرخسي وفي رواية المستملي يتبع المرء وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني يتبع المؤمن والأول هو المحفوظ قيل التبعية في بعضها حقيقة وفي بعضها مجاز فكيف جاز استعمال لفظ واحد فيهما وأجيب بأنه يجوز عند الشافعية ذلك وأما عند غيرهم فيحمل على عموم المجاز قوله يتبعه أهله إلى آخره توضيح قوله ثلاثة وهذا يقع في الأغلب ورب ميت لا يتبعه إلا عمله فقط قوله وماله مثل رقيقه ودوابه على ما جرت به عادة العرب قوله ويبقى عمله ومعنى بقاء عمله أنه إن كان صالحا يأتيه في صورة رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الرائحة فيقول أبشر بالذي يسرك فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح وقال في الحديث في حق الكافر ويأتيه رجل قبيح الوجه فيقول أنا عملك الخبيث هذا وقع هكذا في حديث البراء بن عازب أخرجه أحمد وغيره
5156 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده غدوة وعشيا إما النار وإما الجنة فيقال هاذا مقعدك حتى تبعث ( انظر الحديث 9731 وطرفه )
تؤخذ مطابقته للترجمة من قوله إذا مات لأن الذي يموت لا بد له من سكرة الموت
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري يقال له عارم وأيوب هو السختياني والحديث من أفراده
قوله عرض عليه مقعده كذا في رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي والمستملي عرض على مقعده والأول هو الأصل والثاني من باب القلب نحو عرض الناقة على الحوض قوله غدوة وعشيا أي أول النهار وآخره بالنسبة إلى أهل الدنيا والذي يعرض على المؤمن مقعدان يراهما جميعا وفائدة العرض للمؤمن نوع من الفرح وللكافر نوع من العذاب والعرض على الروح حقيقة وعلى ما يتصل به من البدن الاتصال الذي يمكن به إدراك التنعيم أو التعذيب وقال ابن بطال حاكيا عن غيره إن المراد بالعرض هنا الإخبار بأن هذا موضع جزائكم على أعمالكم عند الله لأن العرض لا يقع على شيء فان فالعرض الذي يدوم إلى يوم القيامة هو العرض الذي على الأرواح خاصة واعترض عليه بأن حمل العرض على الإخبار عدول عن الظاهر بغير مقتضى لذلك فلا يجوز العدول إلا بصارف يصرفه عن الظاهر انتهى
قلت فيه نظر لأن الأبدان تفنى والذي يفنى حكمه حكم المعدم ولا يتصور العرض على المعدوم وقوله عدول عن الظاهر بغير مقتضى غير مسلم لأن الحكم بالظاهر متعذر والصارف عن الظاهر موجود وهو امتناع العرض على المعدوم وقال بعضهم يؤيد الحمل على الظاهر أن الخبر ورد على العموم في المؤمن والكافر فلو اختص العرض بالروح لم يكن للشهيد في ذلك كثير فائدة لأن روحه منعمة جزما كما في الأحاديث الصحيحة وكذا روح الكافر معذبة في النار جزما فإذا حمل على الروح التي لها اتصال بالبدن ظهرت فائدة ذلك في حق الشهيد وفي حق الكافر أيضا انتهى
قلت كون عموم الخبر يؤيد الحمل على الظاهر غير مسلم لما ذكرنا ثم تقوية ذلك بقوله فلو اختص

(23/97)


العرض بالروح إلى آخره غير مسلم أيضا لأن العرض في حق الشهيد زيادة فرح وسرور وفي حق الكافر زيادة جزع وتحسر ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة في فتنة السؤال في القبر وفيه ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك وما أعده الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك وما أعده الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا الحديث وفيه في حق الكافر ثم يفتح له باب من أبواب النار وفيه فيزداد حسرة وثبورا في الموضعين وفيه لو أطعته قوله إما النار وإما الجنة قيل كلمة إما التفصيلية تمنع الجمع بينهما وأجيب بأنه قد يكون لمنع الخلو عنهما فإن قلت هذا العرض للمؤمن المتقي والكافر ظاهر فكيف الأمر في المؤمن المخلص
قلت يحتمل أن يعرض عليه مقعده من الجنة التي سيصير إليها فإن قلت ما فائدة التكرر في العرض
قلت فائدته تذكارهم بذلك قوله حتى تبعث إليه وفي رواية الكشميهني حتى تبعث عليه وفي طريق مالك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة وقال الكرماني ما معنى الغاية التي في حتى تبعث ثم أجاب بقول معناها أنه يرى بعد البعث من عند الله كرامة ينسى عندها هذا المقعد وقال الكرماني أيضا وفيه إثبات عذاب القبر والأصح أنه للجسد ولا بد من اعادة الروح فيه لأن الألم لا يكون إلا للحي قلت إثبات عذاب القبر لا تداع وأما قوله والأصح أنه للجسد فغير مسلم لأن الجسد يفنى وتعذيب الذي فني غير متصور وأما قوله ولا بد من إعادة الروح فيه ففيه اختلاف هل تعود الروح فيه حقيقة أو تقرب من البدن بحسب ما يعذب البدن بواسطة أو بغير ذلك فحقيقة ذلك عند الله وقد ضرب بعض العلماء لتعذيب الروح مثلا بالنائم فإن روحه تتنعم أو تعذب والجسد لا يحس بشيء من ذلك واعلم أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ويعرض عليه مقعدها غدوة وعشيا وأرواح الكفار في أجواف طيور سود تغدو على جهنم وتروح كل يوم مرتين فذلك عرضها وقد قيل إن أرواحهم في صخرة سوداء تحت الأرض السابعة على شفير جهنم في حواصل طيور سود
6156 - حدثنا ( علي بن الجعد ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( الأعمش ) عن ( مجاهد ) عن ( عائشة ) قالت قال النبي قوله لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ( انظر الحديث 3931 )
ذكر هذا الحديث هنا لكونه في أمر الأموات الذين ذاقوا سكرات الموت وقد مضى في آخر كتاب الجنائز في باب ما ينهى عن سب الأموات فإنه أخرجه هنا ك عن آدم عن شعبة عن الأعمش وهو سليمان عن مجاهد إلى آخره
علي بن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن عبيد أبو الحسن الجوهري البغدادي روى عنه البخاري في كتابه اثني عشر حديثا وقال مات ببغداد آخر رجب سنة ثلاثين ومائتين وقد مضى الكلام فيه هناك
قوله أفضوا أي وصلوا إلى جزاء أعمالهم من الخير والشر
34 -
( باب نفخ الصور )
أي هذا باب في بيان نفخ الصور وهو بضم الصاد المهملة وسكون الواو وروى عن الحسن أنه قرأها بفتح الواو جمع صورة وتأوله على أن المراد النفخ في الأجساد لتعاد إليها الأرواح وقال أبو عبيدة في ( المجاز ) يقال الصور يعني بسكون الواو جمع صورة كما يقال سور المدينة جمع سورة وحكى الطبري عن قوم مثله وزاد كالصوف جمع صوفة ورد على هذا بأن الصور اسم جنس لا جمع قال وقال الأزهري إنه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة ويأتي تفسيره الآن
قال مجاهد الصور كهيئة البوق
هذا التعليق وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في قوله تعالى ونفخ في الصور ( الكهف99 وغيرها ) قال كهيئة البوق

(23/98)


الذي يزمر به وهو معروف ويقال إن الصور اسم القرن بلغة أهل اليمن قيل كيف شبه الصور بالقرن الذي هو مذموم وأجيب لا مانع من ذلك ألا يرى كيف شبه صوت الوحي بصلصلة الجرس مع ورود النهي عن استصحابه فإن قلت مماذا خلق الصور
قلت روى أبو الشيخ في كتاب ( العظمة ) من طريق وهب بن منبه من قوله قال خلق الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان إسرافيل عليه السلام فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة فذكر الحديث وفيه ثم يجمع الأرواح كلها في الصور ثم يأمر الله عز و جل إسرافيل عليه السلام فينفخ فيه فتدخل كل روح في جسدها وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان وصححه والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي فقال ما الصور قال قرن ينفخ فيه
زجرة صيحة
أشار به إلى تفسير قوله عز و جل فإنما هي زجرة واحدة ( الصافات91 والنازعات31 ) وفسر الزجرة بقوله صيحة وهو من تفسير مجاهد أيضا وصله الفريابي أيضا من طريق ابن أبي نجيح عنه
وقال ابن عباس الناقور الصور
أراد به أن ابن عباس فسر الناقور في قوله عز و جل فإذا نقر في الناقور ( المدثر8 ) بأنه الصور وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في الآية المذكورة ومعنى نقر نفخ
الراجفة النفخة الأولى والرادفة النفخة الثانية
هذا من تفسير ابن عباس أيضا في قوله عز و جل يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ( النازعات6 - 7 ) أي النفخة الأولى تتبعها النفخة الثانية وصله الطبري وابن أبي حاتم أيضا بالسند المذكور وبه فسر الفراء في ( معاني القرآن ) وعن مجاهد الراجفة الزلزلة والرادفة الدكدكة أخرجه الفريابي وغيره عنه وقال الكرماني واختلف في عددها والأصح أنها نفختان قال تعالى ونفخ فى الصور فصعق من فى السماوات ومن فى الارض إلا من شآء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( الزمر86 ) والقول الثاني إنها ثلاث نفخات نفخة الفزع فيفزع أهل السموات والأرض بحيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت ثم نفخة الصعق ثم نفخة البعث فأجيب بأن الأوليين عائدتان إلى واحدة فزعوا إلى أن صعقوا والمشهور أن صاحب الصور إسرافيل عليه الصلاة و السلام ونقل فيه الحليمي الإجماع فإن قلت جاء أن الذي ينفخ في الصور غير إسرافيل فروى الطبراني في ( الأوسط ) عن عبد الله بن الحارث كنا عند عائشة فقالت يا كعب أخبرني عن إسرافيل قيل فذكر الحديث وفيه وملك الصور جاثي على إحدى ركبتيه وقد نصب الأخرى يلتقم الصور محنيا ظهره شاخصا ببصره ينظر إلى إسرافيل وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور فقالت عائشة سمعته من رسول الله
قلت فيه زيد بن جدعان وهو ضعيف فإن قلت يؤيد الحديث المذكور ما أخرجه هناد بن السري في ( كتاب الزهد ) ما من صباح إلا وملكان موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان يعني في الصور
قلت هذا موقوف على عبد الرحمان بن أبي عمرة فإن قلت روى عن الإمام أحمد من طريق سليمان التيمي عن أبي عن النبي أو عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال النافخان في السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب والآخر بالعكس ينتظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا ورجاله ثقات وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بغير شك وروى ابن ماجه والبزار من حديث أبي سعيد رفعه أن صاحبي الصور بأيديهما قرنان

(23/99)


يلاحظان النظر متى يؤمران وقال بعض العلماء الملك الذي إذا رأى إسرافيل ضم جناحيه في حديث عائشة ينفخ النفخة الأولى وإسرافيل ينفخ النفخة الثانية وهي نفخة البعث
7156 - حدثني ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان وعبد الرحمان الأعرج أنهما حدثاه ) أن ( أبا هريرة ) قال استب رجلان رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم والذي اصطفى محمدا على العالمين فقال اليهودي والذي اصطفاى موسى على العالمين قال فغضب المسلم عند ذالك فلطم وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى رسول الله فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم فقال رسول الله لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون في أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة يمكن أن يؤخذ من قوله فإن الناس يصعقون يوم القيامة إلى آخر الحديث ولكن فيه تعسف وقد تكرر ذكر رجاله
والحديث مضى في باب ما يذكر في الأشخاص فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن قزعة عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله لا تخيروني أي لا تفضلوني ولا تجعلوني خيرا منه قيل هو أفضل المخلوقات فلم نهى عن التفضيل وأجيب بأن معناه لا تفضلوني بحيث يلزم نقص أو غضاضة على غيره من الفضل أو بحيث يؤدي إلى خصومة أو قاله تواضعا أو كان هذا قبل علمه بأنه كان سيد ولد آدم وقال ابن بطال لا تفضلوني عليه في العمل فإنه أكثر عملا مني والثواب بفضل الله لا بالعمل أو لا تفضلوني في البلوى والامتحان فإنه أكثر محنة مني وأعظم إيذاء وبلاء قوله يصعقون بفتح العين في المضارع وبكسرها في الماضي من صعق إذا غشي عليه وقال ابن الأثير الصعق أن يغشى على الإنسان من صوت شديد يسمعه وربما مات منه ثم استعمل في الموت كثيرا أو قال القاضي يحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حتى تنشق السموات والأرض يدل عليه قوله فأفاق قبلي لأنه إنما يقال أفاق من الغشي وأما الموت فيقال بعث منه وصعقة الطور لم تكن موتا وأما قوله فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي فيحتمل أنه قال ذلك قبل أن علم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره وأن نبينا أو شخص ممن تنشق عنهم الأرض فيكون موسى عليه السلام من تلك الزمرة وهي والله أعلم زمرة الأنبياء عليهم السلام قوله أو كان ممن استثنى الله أي فيما قال فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ( الزمر86 ) وفيه عشرة أقوال الأول أنهم الموتى لكونهم لا إحساس لهم والثاني الشهداء الثالث الأنبياء عليهم السلام وإليه مال البيهقي وجوز أن يكون موسى عليه السلام ممن استثنى الله الرابع جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ثم يموت الثلاثة ثم يقول الله لملك الموت مت فيموت قاله يحيى بن سلام في ( تفسيره ) الخامس حملة العرش لأنهم فوق السموات السادس موسى عليه السلام وحده أخرجه الطبري بسند فيه ضعف عن أنس وعن قتادة وذكره الثعلبي عن جابر السابع الولدان الذين في الجنة والحور العين الثامن خزان الجنة التاسع خزان النار وما فيها من الحيات والعقارب حكاه الثعلبي العاشر الملائكة كلهم جزم به ابن حزم في ( الملل والنحل ) فقال الملائكة أرواح لا أرواح فيها فلا يموتون أصلا
8156 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال النبي يصعق الناس حين يصعقون فأكون أول من قام فإذا موسى آخذ بالعرش

(23/100)


فما أدري أكان ممن صعق
رواه أبو سعيد عن النبي
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أورده مختصرا وبقيته بعد قوله ممن صعق أم لا
ورجاله بهذا النسق قد مروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز فإن قيل فهل صار موسى عليه السلام بهذا التقدم أفضل من نبينا قيل له لا يلزم من فضله من هذه الجهة أفضليته مطلقا وقيل لا يلزم أحد الأمرين المشكوك فيهما الأفضلية على الإطلاق
قوله رواه أبو سعيد أي روى الحديث المذكور أبو سعيد الخدري عن النبي يعني أصل الحديث وقد تقدم موصولا في كتاب الأشخاص وفي قصة موسى عليه السلام من أحاديث الأنبياء عليهم السلام
44 -
( باب يقبض الله الأرض يوم القيامة )
أي هذا باب يذكر فيه يقبض الله الأرض معنى يقبض يجمع وقد يكون معنى القبض فناء الشيء وذهابه قال تعالى والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ( الزمر76 ) ويحتمل أن يكون المراد به والأرض جميعا ذاهبة فانية يوم القيامة
رواه نافع عن ابن عمر عن النبي
أي روى قوله يقبض الله الأرض يوم القيامة نافع عن عبد الله بن عمر عن النبي وهذا التعليق سقط من بعض الرواة من شيوخ أبي ذر ووصله البخاري في التوحيد على ما يجيء إن شاء الله تعالى
9156 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) حدثني ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض
مطابقته للترجمة في أول الحديث ومحمد بن مقاتل المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد والزهري محمد بن مسلم
والحديث أخرجه البخاري في التوحيد أيضا عن أحمد بن صالح وأخرجه مسلم في التوبة عن حرملة وأخرجه النسائي في النعوت عن سويد بن نصر وغيره وفي التفسير عن يونس بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجه في السنة عن حرملة بن يحيى وغيره والحديث من المتشابهات
قوله ويطوي السماء أي يذهبها ويفنيها ولا يراد بذلك طي بعلاج وانتصاب إنما المراد بذلك الإذهاب والإفناء يقال انطوى عنا ما كنا فيه أي ذهب وزال والأصل الحقيقة قوله بيمينه أي بقدرته وقال القرطبي يده عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته واليد تأتي لمعان كثيرة بمعنى القوة ومنه قوله تعالى واذكر عبدنا داود ذا الأيد ( ص71 ) وبمعنى الملك ومنه قوله تعالى قل إن الفضل بيد الله ( آل عمران37 ) وبمعنى النعمة تقول كم يد لي عند فلان أي كم من نعمة أسديتها إليه وبمعنى الصلة ومنه قوله تعالى ( 2 ) أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( البقرة732 ) وبمعنى الجارحة ومنه قوله تعالى ( 38 ) وخذ بيدك ضغثا وبمعنى الذل ومنه قوله تعالى ( حتى يعطوا الجزية عن يد ) قال الهروي أي عن ذل وقوله تعالى ( يد الله فوق ايديهم ) ( ص44 ) قيل في الوفاء وقيل في الثواب وفي الحديث هذه يدي لك أي استسلمت لك وانقدت لك وقد يقال ذلك للعاتب واليد الاستسلام قال الشاعر
( أطاع يدا بالقول فهو ذلول )
أي انقاد واستسلم واليد السلطان واليد الطاعة واليد الجماعة واليد الأكل واليد الندم وفي الحديث وأخذ بهم يد البحر يريد طريق الساحل ويقال للقوم إذا تفرقوا وتمزقوا في آفاق صاروا أيدي سبأ واليد السماء واليد الحفظ والوقاية ويد القوس أعلاها ويد السيف قبضته ويد الرحى العود الذي يقبض عليه الطاحن ويد الطائر جناحه وقالوا لا آتيه يد الدهر أي الدهر ولقيته أول ذات يدي أي أول شيء وفي الحديث إجعل الفساق يدا يدا ورجلا رجلا أي فرق بينهما في الهجرة واليد الطاعة وابتعت الغنم بيدين أي بثمنين مختلفين ويد الثوب ما فضل منه إذا تعطفت به والتحقت وأعطاء عن ظهر يد أي ابتداء لا عن بيع ولا مكافاة ويد الشيء أمامه وهذا

(23/101)


عيش يد أي واسع وبايعته يدا بيد أي بالنقد قوله ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض وعند هذا القول انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والحشر والنشر وقيل إن المنادي ينادى بعد حشر الخلق على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله عليها لمن الملك اليوم فيجيبه العباد لله الواحد القهار رواه أبو وائل عن ابن مسعود وأخرجه النحاس فإن قلت جاء في حديث الصور الطويل إن جميع الأحياء إذا ماتوا بعد النفخة الأولى ولم يبق إلا الله قال سبحانه أنا الجبار لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول الله سبحانه وتعالى لله الوحد القهار
قلت يمكن الجمع بينهما بأن ذلك يقع مرتين
0256 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( خالد ) عن ( سعيد بن أبي هلال ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال قال النبي تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمان عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة قال بلى قال تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي فنظر النبي إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال ألا أخبرك بإدامهم قال إدامهم بالام ونون قالوا وما هاذا قال ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفا
مطابقته للترجمة من حيث إن الله عز و جل يقبض الأرض يوم القيامة ثم يصيرها خبزة
وخالد هو ابن يزيد من الزيادة الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالحاء المهملة والسند إلى سعيد مصريون ومنه إلى آخره مدنيون
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده
قوله تكون الأرض يعني أرض الدنيا قوله خبزة بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي قال الخطابي الخبزة الطلمة بضم الطاء المهملة وسكون اللام وهو عجين يجعل ويوضع في الحفيرة بعد إيقاد النار فيها قال والناس يسمونها الملة بفتح الميم وتشديد اللام وإنما الملة الحفرة نفسها والتي تمل فيها هي الطلمة والخبزة والمليل قوله يتكفؤها بفتح التاء لمثناة من فوق وبفتح الكاف وتشديد الفاء المفتوحة بعدها همزة أي يميلها ويقلبها من كفأت الإناء إذا قلبته وفي رواية مسلم يكفؤها قوله كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر أراد أنه كخبزة المسافر التي يجعلها في الرماد الحار يقلبها من يد إلى يد حتى تستوي لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ومعناه أن الله عز و جل يجعل الأرض كالرغيف العظيم الذي هو عادة المسافرين فيه ليأكل المؤمن من تحت قدميه حتى يفرغ من الحساب وقال الخطابي يعني خبز الملة الذي يصنعه المسافر فإنها لا تدحى كما تدحى الرقاقة وإنما تقلب على الأيدي حتى تستوي وهذا على أن السفر بفتح المهملة والفاء ورواه بعضهم بضم أوله جمع سفرة وهو الطعام الذي يتخذ للمسافر ومنه سميت السفرة يعني التي يؤكل عليها قوله نزلا لأهل الجنة بضم النون والزاي وبسكونها أيضا وهو ما يعد للضيف عند نزوله ومعناه أن الله تعالى جعل هذه الخبزة نزلا لمن يصير من أهل الجنة يأكلونها في الموقف قبل دخول الجنة حتى لا يعاقبون بالجوع في طول زمان الموقف وقال الداودي إن المراد أنه يأكل منها من سيصير إلى الجنة من أهل الحشر لا أنهم لا يأكلونها حتى يدخلوا الجنة وقال بعضم وظاهر الخبز يخالفه
قلت كان هذا القائل يقول إن قوله نزلا لأهل الجنة أعم من كون ذلك يقع قبل دخول الجنة أو بعده والداودي بنى كلامه على ظاهر ما روي عن سعيد بن جبير قال تكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه رواه الطبري ولا ينافي العموم ما قاله الداودي وعن البيضاوي أن هذا الحديث مشكل جدا لا من جهة إنكار صنع الله وقدرته على ما يشاء بل لعدم التوقف على قلب جرم الأرض من الطبع الذي عليه إلى طبع المطعوم والمأكول مع ما ثبت في الآثار أن هذه الأرض تصير يوم القيامة نارا وتنضم إلى جهنم فلعل الوجه فيه أن معنى قوله خبزة واحدة

(23/102)


أي كخبزة واحدة من نعتها كذا وكذا
قلت تكلم الطيبي هنا بما آل حاصله وحاصل كلام البيضاوي أن أرض الدنيا تصير نارا محمول على حقيقته وأن كونها تصير خبزة يأكل منها أهل الموقف محمول على المجاز
قلت الأثر الذي ذكرناه الآن عن سعيد بن جبير وغيره يرد عليهما والأولى أن يحمل على الحقيقة مهما أمكن وقدرة الله صالحة لذلك والجواب عن الحديث الذي استدل به البيضاوي من كون الأرض تصير نارا أن المراد به أرض البحر لا كل الأرض فقد أخرج الطبري من طريق كعب الأحبار قال يصير مكان البحر نارا وفي ( تفسير الربيع بن أنس ) عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه تصير السموات جفانا ويصير مكان البحر نارا فإن قلت أخرج البيهقي في البعث في قوله تعالى وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ( الحاقة41 ) قال يصيران غبرة في وجوه الكفار
قلت قد قال بعضهم يمكن الجمع بأن بعضها يصير نارا وبعضها غبارا وبعضها يصير خبزة وفيه تأمل لأن لفظ حديث الباب تكون الأرض يوم القيامة خبزة يطلق على الأرض كلها وفيما قاله ارتكاب المجاز فلا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة ولا تعذر هنا من كون كل الأرض خبزة لأن القدرة صالحة لذلك ولأعظم منها بل الجواب الشافي هنا أن يقال إن المراد من كون الأرض نارا هو أرض البحر كما مر والمراد من كونها غبرة الجبال فإنها بعد أن تدك تصير غبارا في وجوه الكفار قوله ثم ضحك يعني تعجبا من اليهودي كيف أخبر عن كتابهم نظير ما أخبر به من جهة الوحي قوله حتى بدت نواجذه أي حتى ظهرت نواجذه وهو جمع ناجذة بالنون والمعجمتين وهي أخريات الأسنان إذا الأضراس أولها الثنايا ثم الرباعيات ثم الضواحك ثم الأرحاء ثم النواجذ وجاء في كتاب الصوم حتى بدت أنيابه ولا منافاة بينهما لأن النواجذ تطلق على الأنياب والأضراس أيضا قيل مضى في كتاب الأدب في باب التبسم أنه ما كان يزيد على التبسم وأجيب بأن ذلك بيان عادته وحكم الغالب فيه وهذا نادر ولا اعتبار له قوله ألا أخبرك وفي رواية مسلم ألا أخبركم قوله ثم قال وفي رواية الكشميهني فقال قوله بالأم بفتح الباء الموحدة وتخفيف اللام والميم وقال الكرماني وهي موقوفة ومرفوعة منونة وغير منونة وفيه أقوال والصحيح أنها كلمة عبرانية معناها بالعربية الثور وبهذا فسره ولهذا سألوا اليهودي عن تفسيرها ولو كانت عربية لعرفتها الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقال الخطابي لعل اليهودي أراد التعمية عليهم وقطع الهجاء وقدم أحد الحرفيين على الآخر وهي لام الف وياء يريد لأي على وزن وهو الثور الوحشي فصحف الراوي المثناة فجعلها موحدة وقال ابن الأثير وأما البالام فقد تمحلوا لها شرحا غير مرضى لعل اللفظة عبرانية ثم نقل كلام الخطابي الذي ذكره ثم قال وهذا أقرب ما وقع لي فيه قوله ونون وهو الحوت المذكور في أول السورة قوله وقالوا أي الصحابة وفي رواية مسلم فقالوا قوله ما هذا وفي رواية الكشميهني وما هذا بزيادة واو قوله من زائدة كبدهما الزائدة هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أطيبها وألذها ولهذا خص بأكلها سبعون ألفا ويحتمل أن هؤلاء هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب ويحتمل أن يكون عبر بالسبعين عن العدد الكثير ولم يرد الحصر فيها وقال الداودي أول أكل أهل الجنة زائدة الكبد يلعب الثور والحوت بين أيديهم فيذكي الثور الحوت بذنبه فيأكلون منه ثم يعيده الله تعالى فيلعبان فيذكي الحوت الثور بذنبه فيأكلون منه كذلك ما شاء الله وقال كعب فيما ذكره ابن المبارك أن الله يقول لأهل الجنة إذا دخلوها إن لكل ضيف جزورا وإني أجزركم اليوم حوتا وثورا فيجزر لأهل الجنة وروى مسلم من حديث ثوبان تحفة أهل الجنة زيادة كبد النون أي الحوت وفيه غذاؤهم على أثرها أنه ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها وفيه وشرابهم عليه من عين تسمى سلسبيلا
108 - ( حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال حدثني أبو حازم قال سمعت سهل بن سعد قال سمعت النبي يقول يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي قال سهل أو غيره ليس فيها معلم لأحد )

(23/103)


مطابقته للترجمة ما قاله الكرماني مناسبة القرصة للخبزة المذكورة في الحديث السابق وجعلها كالقرصة نوع من القبض قلت فيه نظر لأن جعلها كالقرصة إلى آخره في أرض الدنيا وهذه الأرض غير تلك الأرض وروى عبد بن حميد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال بلغنا أن هذه الأرض يعني أرض الدنيا تطوى وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها وروى البيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض الآية قال تبدل الأرض أرضا كأنها فضة لم يسفك عليها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف وأخرجه البيهقي من وجه آخر مرفوعا وروى الطبري من طريق سنان بن سعيد عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعا يبدلها الله بأرض من فضة لم تعمل عليها الخطايا وسعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري ومحمد بن جعفر بن أبي كثير وأبو حازم سلمة بن دينار وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن أبي بكر بن أبي شيبة قوله عفراء بالعين المهملة والفاء والراء وبالمد البيضاء إلى حمرة وأرض بيضاء لم تطأ وقال الخطابي العفر بياض ليس بالناصع وقال عياض العفر بياض يضرب إلى حمرة قليلا ومنه سمي عفر الأرض وهو وجهها وقال ابن فارس يعني عفراء خالصة البياض قوله كقرصة نقي بفتح النون وكسر القاف وهو الدقيق النقي من الغش والنخال ويروى النقي بالألف واللام قوله قال سهل أو غيره موصول بالسند المذكور وسهل هو راوي الخبر المذكور وكلمة أو للشك قوله معلم بفتح الميم واللام وهو بمعنى العلامة التي يستدل بها أي هذه الأرض مستوية ليس فيها حدب يرد البصر ولا بناء يستر ما وراءه ولا علامة غيره وفيه إشارة إلى أن أرض الدنيا اضمحلت وأعدمت وأن أرض الموقف تجددت -
54 -
( باب كيف الحشر )
أي هذا باب فيه بيان كيفية الحشر وفي بعض النسخ باب الحشر بدون لفظ كيف قال القرطبي الحشر الجمع والحشر على أربعة أوجه حشران في الدنيا وحشران في الآخرة
أما أحد الحشرين اللذين في الدنيا فهو المذكور في سورة الحشر في قوله عز و جل هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ( الحشر2 ) قال الزهري كانوا من سبط لم يصبهم الجلاء وكان الله تعالى قد كتبه عليهم فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا وكان أول حشر حشروا في الدنيا إلى الشام وأما الحشر الآخر فهو ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي في هذا الباب يحشر الناس على ثلاث طرائق الحديث وقال قتادة الحشر الثاني نار تخرج من المشرق إلى المغرب وفيه تأكل منهم من تخلف قال عياض هذا قبل قيام الساعة
وأما أحد الحشرين اللذين في الآخرة فهو حشر الأموات من قبورهم بعد البعث إلى الموقف وأما الحشر الآخر الذي هو الرابع فهو حشرهم إلى الجنة أو النار
2256 - حدثنا ( معلى بن أسد ) حدثنا ( وهيب ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال قوله يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعلى بلفظ اسم المفعول من التعلية ابن أسد البصري ووهيب مصغر وهب هو ابن خالد وابن طاووس هو عبد الله يروى عن أبيه طاووس عن ابن عباس
والحديث أخرجه مسلم في باب يحشر الناس على طرائق عن زهير ابن حرب وغيره
قوله ثلاث طرائق أي ثلاث فرق قال الكرماني قالوا هذا الحشر في آخر الدنيا قبيل القيامة كما يجيء في الحديث الذي بعده إنكم ملاقو الله مشاة ولما فيه من ذكر المساء والصباح ولانتقال النار معهم وهي نار تحشر الناس

(23/104)


من المشرق إلى المغرب
قلت قال الخطابي هذا الحشر قبيل قيام الساعة يحشر الناس أحياء إلى الشام وأما الحشر من القبور إلى الموقف فهو على خلاف هذه الصورة من الركوب على الإبل والتعاقب عليها وإنما هو على ما ورد في حديث ابن عباس في الباب حفاة عراة مشاة قوله راغبين هم السابقون قوله وراهبين هم عامة المؤمنين والكفار أهل النار وفي رواية مسلم راهبين بغير واو قوله واثنان على بعير قال الكرماني والأبعرة إنما هي للراهبين والمخلصون حالهم أعلى واجل من ذلك أو هي للراغبين وأما الراهبون فيكونون مشاة على أقدامهم أو هي لهما بأن يكون اثنان من الراغبين مثلا على بعير وعشرة من الراهبين على بعير والكفار يمشون على وجوههم وقال الخطابي قوله واثنان على بعير وثلاثة على بعيرإلى آخره يريد أنهم يعتقبون البعير الوحد يركب بعض ويمشي بعض وإنما لم يذكر الخمسة والستة إلى العشرة إيجازا واكتفاء بما ذكر من الأعداد مع أن الاعتقاب ليس مجزوما به ولا مانع أن يجعل الله في البعير ما يقوي به على حمل العشرة وقال بعض شراح ( المصابيح ) حمله على الحشر من القبور أقوى من أوجه وذكر وجوها طوينا ذكرها واكتفينا بما قاله الخطابي الذي ذكرناه الآن وفيه كفاية للرد عليه على أنه قد وردت عدة أحاديث في وقوع الحشر في الدنيا إلى جهة الشام منها حديث معاوية بن جيدة قال سمعت رسول الله يقول إنكم تحشرون ونحا بيده نحو الشام رجالا وركبانا وتحشرون على وجوهكم أخرجه الترمذي والنسائي قوله تقيل من القيلولة وهي استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم يقال قال يقيل قيلولة فهو قائل وفي قوله يقيل إلى آخره دلالة على أنهم يقيمون كذلك أياما قوله وتبيت من البيتوتة وتصبح من الإصباح وتمسي من الإمساء
3256 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( يونس بن محمد البغدادي ) حدثنا ( شيبان ) عن ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه قال أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة قال قتادة بلى وعزة ربنا ( انظر الحديث 0674 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد هو الجعفي المعروف بالمسندي ويونس هو ابن محمد المؤدب البغدادي وشيبان بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة ابن عبد الرحمن النحوي
والحديث مضى في التفسير وأخرجه مسلم في التوبة عن زهير بن حرب وغيره وأخرجه النسائي في التفسير عن الحسين بن منصور
قوله كيف يحشر على صيغة المجهول وهو إشارة إلى قوله عز و جل ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ( الإسراء79 ) ووقع في بعض النسخ قال يا نبي الله يحشر الكافر على وجهه بدون لفظة كيف كأنه استفهام حذف أداته والحكمة في حشر الكافر على وجهه أنه يعاقب على عدم سجوده لله تعالى في الدنيا فيسحب على وجهه في القيامة إظهارا لهوانه قوله أن يمشيه بضم الياء من الإمشاء والمشي على حقيقته فلذلك استغربوه خلافا لمن زعم من المفسرين أنه مثل قوله قال قتادة بلى وعزة ربنا موصول بالسند المذكور فإن قلت هل ورد في الحديث وقوع المشي على وجوههم في الدنيا أيضا
قلت روى أبو نعيم من حديث عبد الله بن عمرو ثم يبعث الله بعد قبض عيسى عليه السلام وأرواح المؤمنين بتلك الريح الطيبة نارا تخرج من نواحي الأرض تحشر الناس والدواب إلى الشام وعن معاذ يحشر الناس أثلاثا ثلثا على ظهور الخيل وثلثا يحملون أولادهم على عواتقهم وثلثا على وجوههم مع القردة والخنازير إلى الشام فيكون الذين يحشرون إلى الشام لا يعرفون حقا ولا فريضة ولا يعملون بكتاب ولاسنة يتهارجون هم والجن مائة سنة تهارج الحمير والكلاب وأول ما يفجأ الناس بعد من أمر الساعة أن يبعث الله ليلا ريحا فتقب كل دينار ودرهم فيذهب به إلى بيت المقدس ثم ينسف الله بنيان بيت المقدس فينبذه في البحيرة المنتنة
4256 - حدثنا ( علي ) حدثنا ( سفيان ) قال ( عمرو ) سمعت ( سعيد بن جبير ) سمعت ( ابن عباس ) سمعت

(23/105)


النبي يقول إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا
قال سفيان هاذا مما نعد أن ابن عباس سمعه من النبي
طابقته للترجمة من حيث أن ملاقاتهم الله بالوصف المذكور يكون يوم الحشر
وعلي هو ابن المديني وسفيان هو بن عيينة وعمرو هو ابن دينار
والحديث أخرجه مسلم في صفة القيامة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في الجنائز عن قتيبة
قوله ملاقو الله أصله ملاقون فلما أضيف إلى لفظة الله سقطت النون قوله حفاة بضم الحاء المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي بلا نعل ولا خف ولا شيء يستر أرجلهم والعراة بضم العين جمع عار والغرل بضم الغين المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف يعني الذي لم يختن والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا أول مرة ويعادون كما كانوا في الابتداء لا يفقد شيء منهم حتى الغرلة وهو ما يقطعه الختان من ذكر الصبي قوله هذا أي هذا الحديث من مشاهير مسموعات ابن عباس
6256 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( المغيرة بن النعمان ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) قال قام فينا النبي يخطب فقال إنكم محشورون حفاة عراة كما بدأنا أول خلق نعيده ( الأنبياء401 ) الآية وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصيحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله الحكيم ( المائدة711 ) قال فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم
ذا طريق آخر في حديث ابن عباس السابق أخرجه عن محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وقد مر غير مرة وهو لقب محمد بن جعفر عن شعبة بن الحجاج عن المغيرة ابن النعمان النخعي
قوله محشورون جمع محشور اسم مفعول من حشر كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره تحشرون على صيغة المجهول من المضارع فإن قلت روى أبو داود أن أبا سعيد لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها وقال سمعت رسول الله يقول إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها
قلت التوفيق بين الحديثين بأن يقال إن بعضهم يحشر عاريا وبعضهم كاسيا أو يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة قوله كما بدأنا أول خلق نعيده الآية ساق ابن المثنى الآية كلها إلى قوله فاعلين قوله وأن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة و السلام قيل ما وجه تقدمه على سيدنا محمد وأجيب أنه لعله بسبب أنه أول من وضع سنة الختان وفيه كشف لبعض العورة فجوزي بالستر أولا كما أن الصائم العطشان يجازى بالريان وقيل الحكمة من ذلك أنه حين ألقي في النار وقيل لأنه أول من استن الستر بالسراويل وقالالقرطبي في ( شرح مسلم ) يجوز أن يراد بالخلائق من عدا نبينا فلم يدخل هو في عموم خطاب نفسه وقال تلميذه القرطبي أيضا في ( التذكرة ) هذا حسن لولا ما جاء من حديث علي رضي الله تعالى عنه الذي أخرجه ابن المبارك في ( الزهد ) من طريق عبد الله بن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه أول من يكسى يوم القيامة خليل الله عليه السلام قبطيتين ثم يكسى محمد حلة حبرة عن يمين العرش
قلت العجب من القرطبي كيف يقول يجوز أن يراد بالخلائق من عدى نبينا إلى آخره لأن العام لا يخص إلا بدليل مستقل لفظي مقترن كما عرف في موضعه على أن ما رواه ابن المبارك المذكور يدفعه

(23/106)


وروى أبو يعلى عن ابن عباس مطولا مرفوعا نحو حديث الباب وزاد وأول من يكسى من الجنة إبراهيم عليه السلام يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر ثم يؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش وقيل هل فيه دلالة على أن إبراهيم عليه السلام أفضل منه وأجيب بأنه لا يلزم من اختصاص الشخص بفضيلة كونه أفضل مطلقا قوله ذات الشمال أي طريق جهنم وجهتها قوله أصيحابي أي هؤلاء أصحابي ذكرهم بالتصغير وهو من باب تصغير الشفقة كما في يا بني قوله العبد الصالح أراد به عيسى عليه السلام قوله لم يزالوا وفي رواية الكشميهني لن يزالوا قوله مرتدين قال الخطابي لم يرد بقوله مرتدين الردة عن الإسلام بل التخلف عن الحقوق الواجبة ولم يرتد أحد بحمد الله من الصحابة وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب وقال عياض هؤلاء صنفان إما العصاة وإما المرتدون إلى الكفر وقيل هو على ظاهره من الكفر والمراد بأمتي أمة الدعوة لا أمة الإجابة وقال ابن التين يحتمل أن يكونوا منافقين أو مرتكبي الكبائر وقال الداودي لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر والبدع في ذلك وقال النووي قيل هم المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الأمة فيناديهم من السيماء التي عليهم فيقال إنهم بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ظاهر ما فارقتهم عليه قال عياض وغيره وعلى هذا فتذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفى نورهم وقال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر رضي الله عنه فقاتلهم أبو بكر حتى قتلوا أو ماتوا على الكفر
7256 - حدثنا ( قيس بن حفص ) حدثنا ( خالد بن الحارث ) حدثنا ( حاتم بن أبي صغيرة ) عن ( عبد الله بن أبي مليكة ) قال حدثني ( القاسم بن محمد بن أبي بكر ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت قال رسول الله ( تحشرون حفاة عراة غرلا ) قالت ( عائشة ) فقلت يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض فقال الأمر أشد من أن يهتم لذالك
مطابقته للترجمة ظاهرة وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري مات سنة سبع وعشرين ومائتين أو نحوها قاله البخاري وخالد بن الحارث أبو عثمان الهجيمي مات سنة ست وثمانين ومائة وهو من أفراد البخاري وحاتم بن أبي صغيرة بفتح الصاد المهملة وكسر الغين المعجمة ضد الكبيرة واسمه مسلم القشيري وعبد الله بن أبي مليكة بضم الميم هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة واسمه زهير الأحول المكي
والحديث أخرجه مسلم في أواخر الكتاب في صفة الحشر عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في الجنائز عن عمر بن علي وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله أن يهتم على صيغة المجهول من الاهتمام ويروى من أن يهمهم بضم الياء وكسر الهاء من الإهمام وهو القصد وجوز ابن التين فتح أوله وضم ثانيه من همه الشي إذا أقلقه وفي رواية مسلم يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعض إلى بعض وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض
8256 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( عمرو بن ميمون ) عن ( عبد الله ) قال كنا مع النبي في قبة فقال أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذالك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود

(23/107)


أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر
( الحديث 8256 - طرفه في 2466 )
مطابقته للترجمة من حيث إن كون هذه الأمة نصف أهل الجنة لا يكون إلا بعد الحشر وهذا بطريق الاستثناء
ورجال هذا الحديث قد تكرر ذكرهم جدا وغندر هو محمد بن جعفر وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وعمرو بن ميمون الأزدي أدرك الجاهلية وكان فيمن رجم القردة الزانية وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النذور عن أحمد بن عثمان وأخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن المثنى وبندار وغيرهما وأخرجه الترمذي في صفة الجنة عن محمود بن غيلان وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن بندار به
قوله كنا مع النبي وفي رواية مسلم نحوا من أربعين رجلا قوله في قبة وفي رواية الإسماعيلي عن أبي إسحاق أسند رسول الله ظهره بمنى إلى قبة من أدم قوله أترضون ذكره بهمزة الاستفهام لإرادة تقرير البشارة بذلك وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم وفي رواية يوسف ابن إسحاق بن أبي إسحاق إذ قال لأصحابه ألا ترضون وفي رواية إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق أليس ترضون ووقع في رواية مالك بن مغول أتحبون قوله إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة وفي رواية إسرائيل نصف بدل شطر وفي حديث أبي سعيد إني لأطمع بدل لارجو ووقع لابن عباس نحو حديث أبي سعيد الذي سيأتي من رواية الكلبي عن أبي صالح إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة بل أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة قالوا لا تصح هذه الزيادة لأن الكلبي واه ولكن وقع في حديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة وفيه إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل أنتم ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني وروى الترمذي من حديث بريدة رفعه أهل الجنة عشرون ومائة صف أمتي منها ثمانون صفا قوله أو كالشعرة السوداء قال الكرماني أو إما تنويع من رسول الله وإما شك من الراوي قوله الأحمر كذا في رواية الأكثرين وكذا في رواية مسلم وفي رواية أبي أحمد الجرجاني عن الفربري الأبيض بدل الأحمر وقال ابن التين أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الوحدة لأنه لا يكون ثور في جلده شعرة واحدة من غير لونه
9256 - حدثنا ( إسماعيل ) حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( ثور ) عن ( أبي الغيث ) عن ( أبي هريرة ) أن النبي قال أول من يدعى يوم القيامة آدم فتراءى ذريته فيقال هذا أبوكم آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول أخرج بعث جهنم من ذريتك فيقول يا رب كم أخرج فيقول أخرج من كل مائة تسعة وتسعين فقالوا يا رسول الله إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى منا قال إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود
مطابقته للترجمة يمكن أن يقال من حيث إن الذي تضمنه هذا الحديث إنما يكون بعد الحشر يوم القيامة
إسماعيل هو ابن أبي أويس وأخوه عبد الحميد وسلميان هو ابن بلال وثور بالثاء المثلثة هو ابن زيد الديلمي وأبو الغيث هو سالم مولى عبد الله بن مطيع وهؤلاء كلهم مدنيون
والحديث من أفراده ونظيره عن أبي سعيد الخدري مر في كتاب الأنبياء في باب قصة يأجوج ومأجوج ويجيء الآن أيضا
قوله فتراءى يقال تراءى لي أي ظهر وتصدى لأن اراه وتفسير لبيك وسعديك قد مر عن قريب ومضى في كتاب الحج أيضا قوله فيقول أخرج أي يقول الله تعالى أخرج بفتح الهمزة من الإخراج قوله بعث جهنم منصوب لأنه مفعول أخرج وبعث جهنم هم الذين استحقوا أن يبعثوا إلى النار أي أخرج من جملة الناس الذين هم أهل النار وميزهم وابعثهم الى النار قوله كم أخرج بضم الهمزة من الإخراج وجل قوله فيقول أي فيقول الله عز و جل خرج بفتح الهمزة من الإخراج أيضا
64 -
( باب قول الله عز و جل ( 22 ) إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( الحج1 )

(23/108)


أي هذا باب في قوله تعالى إن زلزلة الساعة أي اضطراب يوم القيامة شيء عظيم والساعة في أصل الوضع جزء من الزمان واستعيرت ليوم القيامة وقال الزجاج معنى الساعة الوقت الذي فيه القيامة وقيل سميت ساعة لوقوعها بغتة أو لطولها أولسرعة الحساب فيها أو لأنها عند الله خفيفة مع طولها على الناس
( 53 ) أزفت الآزفة ( النجم75 )
أزف الماضي مشتق من الأزف بفتح الزاي وهو القرب يقال أزف الوقت وحان الأجل أي دنا وقرب
( 54 ) اقترتب الساعة ( القمر1 )
أي دنت القيامة وقال ابن كيسان في الآية تقديم وتأخير مجازها انشق القمر واقتربت الساعة وقيل معناه وسينشق القمر والعلماء على خلافه
0356 - حدثني ( يوسف بن موسى ) الله حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي سعيد ) قال قال رسول الله يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فذاك حين يشيب الصغير ( 22 ) وتضع كل ذاتولكن عذاب الله شديد ( الحج2 ) فاشتد ذالك عليهم فقالوا يا رسول الله أينا ذالك الرجل قال أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم رجل ثم قال والذي نفسي في يده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة قال فحمدنا الله وكبرنا ثم قال والذي نفسي في يده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو الرقمة في ذراع الحمار
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله يشيب الصغير إلى آخره الآية
ويوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي مات ببغداد سنة اثنتين وخمسين ومائتين وجرير هو ابن عبد الحميد والأعمش هو سليمان وأبو صالح هو ذكوان الزيات وأبو سعيد هو سعد بن مالك الخدري
والحديث مر في باب قصة يأجوج ومأجوج فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن نصر عن أبي أسامة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري
قوله قال رسول الله كذا هو في رواية كريمة وفي رواية الأكثرين وقع غير مرفوع ووقع فيما مضى في باب قصة يأجوج ومأجوج مرفوعا وكذا في رواية مسلم قوله والخير في يديك خص به لرعاية الأدب وإلا فالخير والشر كله بيد الله وقيل الكل بالنسبة إلى الله حسن ولا قبيح في فعله وإنما الحسن والقبح بالنسبة إلى العباد قوله من كل ألف وقد سبق في الحديث الذي قبل هذا الباب من كل مائة والتفاوت بينهما كثير والجواب أن مفهوم العدد لا اعتبار له يعني التخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد أو المقصود منهما شيء واحد وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين قوله وما بعث النار عطف على مقدر تقديره سمعت وأطعت وما بعث النار أي وما مقدار مبعوث النار قوله فذاك إشارة إلى الوقت الذي يشيب فيه الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وظاهر هذا الكلام أن هذا يقع في الموقف وقال بعض المفسرين إن ذلك قبل يوم القيامة لأنه ليس فيها حمل ولا وضع ولا شيب والحديث يرد عليه وقال الكرماني هذا تمثيل للتهويل وقيل إنه كناية عن اشتداد الحال بحيث إنه لو كانت النساء حوامل لوضعت حملهن ويشيب فيه الطفل كما تقول العرب أصابنا أمر يشب فيه الوليد قوله أينا ذلك الرجل إشارة إلى الرجل الذي يستثنى من الألف قوله أبشروا وفي حديث ابن عباس إعملوا وأبشروا وفي حديث أنس أخرجه الترمذي قاربوا وسددوا قوله ومنكم رجل أي المخرج منكم

(23/109)


رجل واحد وقال القرطبي قوله من يأجوج ومأجوج ألف أي منهم وممن كان على الشرك مثلهم قوله أو الرقمة بفتح القاف وسكونها الخط والرقمتان في الحمار هما الأثران اللذان في باطن عضديه وقيل الدائرة في ذراعه وقال الكرماني الفرق كثير بين المشبه والمشبه به الأول والثاني فكيف يصح التشبيه في المقدار بشيئين مختلفي القدر وأجاب بأن الغرض من التشبيهين أمر واحد وهو بيان قلة عدد المؤمنين بالنسبة إلى الكافرين غاية القلة وهو حاصل منهما سواء
74 -
( باب قول الله تعالى ألا يظن أولائك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ( المطففين4 - 6 )
أي هذا باب في قول الله تعالى إلى آخره قوله ألا يظن أي ألا يستيقن والظن هنا بمعنى اليقين أنهم مبعوثون فيسألون عما فعلوا في الدنيا قوله ليوم عظيم يعني يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين لفصل القضاء بين يدي ربهم وقال كعب يقفون ثلاثمائة عام وقال مقاتل وذلك إذا خرجوا من قبورهم
وقال ابن عباس وتقطعت بهم الأسباب ( البقرة961 ) قال الوصلات في الدنيا
أي قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى وتقطعت بهم الأسباب الوصلات في الدنيا بضم الواو والصاد المهملة وقال ابن التين ضبطناه بضم الصاد وفتحها وسكونها وقال الكرماني هو جمع الوصلة وهي الاتصال وكل ما اتصل بشي فما بينهما وصلة وقال أبو عبيد الأسباب هي الوصلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا وعن ابن عباس الأسباب الأرحام رواه الطبري من طريق ابن جريج عنه هو منقطع وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة الأسباب الوصلات التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابون فصارت عداوة يوم القيامة
1356 - حدثنا ( إسماعيل بن أبان ) حدثنا عيسى بن يونس حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي يوم يقوم الناس لرب العالمين ( المطففين6 ) قال يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه ( انظر الحديث 8394 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة منصرفا الوراق الوزان الكوفي و ( عيسى بن يونس ) بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي سكن ناحية الشام موضعا يقال له الحدث ومات بها أول سنة إحدى وتسعين ومائة و ( ابن عون ) هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه الترمذي في الزهد والتفسير عن هناد عن عيسى به وأخرجه النسائي في التفسير عن هناد به وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن أبي بكر به
قوله في رشحه الرشح العرق قوله أنصاف أذنيه كقوله ( 66 ) فقد صغت قلوبكما ( التحريم4 ) ويمكن الفرق بأنه لما كان لكل شخص أذنان فهو من باب إضافة الجمع إلى مثله بناء على أن أقل الجمع اثنان
قلت روي في هذا الباب أحاديث مختلفة فروى البيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا أن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن وروى الطبراني وأبو يعلى وصححه ابن حبان من حديث أبي الأحوص عن عبد الله قال قال رسول الله إن الكافر ليلجم بعرقه يوم القيامة من طول ذلك اليوم حتى يقول يا رب أرحني ولو إلى النار وروى مسلم من حديث سليم بن عامر عن المقداد سمعت رسول الله يقول إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قيد ميل أو ميلين قال سليم لا أدري أراد أي الميلين أمسافة الأرض أو الذي يكتحل به قال فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما قال فرأيت رسول الله وهو يشير بيده إلى فيه وروى الحاكم عن عقبة بن عامر سمعت النبي يقول تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة فيعرق الناس فمن الناس من يبلغ عرقه عقبه ومنهم من يبلغ نصف ساقه ومنهم من يبلغ ركبتيه

(23/110)


ومنهم من يبلغ فخذه ومنهم من يبلغ خاصرته ومنهم من يبلغ منكبيه ومنهم من يبلغ فاه فأشار بيده فألجمها ومنهم من يغطيه عرقه وضرب بيده على رأسه هكذا وروى ابن أبي شيبة عن سلمان الخبر قال تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى يكون قاب قوسين قال فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل قال سلمان حتى يقول الرجل غرغر وقال القرطبي إن هذا لا يضر مؤمنا كامل الإيمان أو من استظل بالعرش وروي عن سلمان ولا يجد حرها مؤمن ولا مؤمنة وأما الكفار فتطبخهم طبخا حتى يسمع لإحراقهم عق عق وروى البيهقي في ( الشعب ) عن عبد الله بن عمر وبسند لا بأس به قال يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمن قال على كرسي من ذهب ويظل عليهم الغمام وعن أبي ظبيان قال أبو موسى الشمس فوق رؤوس الناس وأعمالهم تظلهم
2356 - حدثني ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( سليمان ) عن ( ثور بن زيد ) عن ( أبي الغيث ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم
ذكر هذا عقيب حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما أنه يتضمن بعض ما فيه والمناسبة بهذا المقدار كافية
عبد العزيز ابن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني وسليمان بن بلال وأبو الغيث سالم
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن قتيبة
قوله يعرق بفتح الراء ويلجمهم بضم الياء من ألجمه الماء إلجاما إذا بلغ فاه وسبب كثرة العرق تراكم الأهوال وشدة الازدحام ودنو الشمس قال الكرماني الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتدلة أخذهم الماء أخذا واحدا بحيث يكون بالنسبة إلى الكل إلى الأذن مع اختلاف قاماتهم طولا وقصرا وأجاب بأنه خلاف المعتاد أو لا يكون في القامات حينئذ اختلاف وقد روى اختلافهم أيضا على قدر أعمالهم وقد ذكرناه عن قريب
84 -
( باب القصاص يوم القيامة )
أي هذا باب في بيان كيفية القصاص يوم القيامة والقصاص بكسر القاف مأخوذ من القص وهو القطع أو من اقتصاص الأثر وهو تتبعه لأن الذي يطلب القصاص بتبع جناية الجاني ليأخذ مثلها وفي ( المغرب ) القصاص مقاصة ولي المقتول القاتل والمجروح الجارح وهي مساواته إياه في قتل أو جرح ثم عم في كل مساواة
وهي الحاقة لأن فيها الثواب وحواق الأمور الحقة والحاقة واحد
أي القيامة تسمى الحاقة قوله وحواق الأمور بالنصب أي ولأن فيها ثوابت الأمور يعني يتحقق فيها الجزاء من الثواب والعقاب وسائر الأمور الثابتة الحقة الصادقة قوله الحقة والحاقة واحد يعني في المعنى كذا نقل عن الفراء وقيل سميت الحاقة لأنها تحاق الكفار الذين خالفوا الأنبياء يقال حاققته فحققته أي خاصمته فخصمته وقيل لأنها حق لا شك فيها
والقارعة والغاشية والصاحة والتغابن غبن أهل الجنة أهل النار
أي وهي القارعة لأنها تقرع القلوب بأهوالها وقال الجوهري القارعة الشديدة من شدائد الدهر وهي الداهية وأصل معنى القرع الدق ومنه قرع الباب وقرع الرأس بالعصا قوله والغاشية سميت بذلك لأنها تغشى النار بإفزاعها أي تعمهم بذلك وعن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب الغاشية النار وقال أكثر المفسرين الغاشية القيامة تغشى كل شيء بالأهوال قوله والصاخة هي في الأصل الداهية وفي ( الصحاح ) الصاخة الصيحة يقال صخ الصوت الأذن يصخها صخا ومنه سميت القيامة وقال الثعلبي الصاخة يعني صخة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع أي تتابع في إسماعها حتى تكاد تصمها قوله والتغابن بالرفع عطف على ما قبله وهو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ والمراد وقال المفسرون المغبون من غبن أهله ومنازله

(23/111)


في الجنة ويظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام قوله غبن أهل الجنة فقوله غبن فعل ماض وأهل الجنة فاعله وأهل النار بالنصب مفعوله ومعناه أن أهل الجنة ينزلون منازل الأشقياء التي كانت أعدت لهم لو كانوا سعداء وقال بعضهم فعلى هذا التغابن من طرف واحد ولكنه ذكر بهذه الصيغة للمبالغة انتهى
قلت لا نسلم صحة ما قاله ولم يقل أحد إن صيغة التفاعل تجيء للمبالغة والتفاعل هنا على أصله وهو الاشتراك بين القوم ولا شك أنهم مشتركون في أصل الغبن لأن كل غابن فله مغبون
3356 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثني ( شقيق ) قال سمعت ( عبد الله ) رضي الله عنه قال النبي أول ما يقضى بين الناس بالدماء
مطابقته للترجمة من حيث إن القضاء يوم القيامة هو للقصاص
وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه والرجال كلهم كوفيون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن عبيد الله بن موسى وأخرجه مسلم في الحدود عن عثمان بن أبي شيبة وغيره وأخرجه الترمذي في الديات عن أبي كريب وغيره وأخرجه النسائي في المحاربة عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث به وعن غيره وأخرجه ابن ماجه في الديات عن محمد بن عبد الله بن نمير وغيره
قوله بالدماء وفي رواية الكشميهني في الدماء والمعنى القضاء بالدماء التي كانت بين الناس في الدنيا فإن قلت روى أبو هريرة مرفوعا أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته
قلت لا تعارض بينهما لأن الأول فيما يتعلق بمعاملات الخلق والثاني فيما يتعلق بعباده الخالق وفي حديث الصور الطويل عن أبي هريرة رفعه أول ما يقضى بين الناس في الدماء ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول رب سل هذا فيم قتلني وفي حديث نافع بن جبير عن ابن عباس رفعه يأتي المقتول معلق رأسه بإحدى يديه ملبيا قاتله بيده الأخرى تسخب أوداجه دما حتى يقفا بين يدي الله
4356 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيآت أخيه فطرحت عليه ( انظر الحديث 9442 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله من قبل أن يؤخذ إلى آخره وإسماعيل هو ابن أبي أويس
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عقيب حديث زيد بن أبي أنيسة
قوله مظلمة بفتح اللام والكسر وهو أشهر وهي اسم ما أخذ منك بغير حق قوله لأخيه وفي رواية الكشميهني من أخيه قوله فليتحلله أي فليسأله أن يجعله حلاله وليطلب منه براءة ذمته قبل يوم القيامة قوله فإنه ليس ثم أي فإن الشأن ليس هناك درهم وثم بفتح الثاء المثلثة وتشديد الميم وهو اسم يشار به إلى المكان البعيد وهو ظرف لا يتصرف فلذلك غلط من أعربه مفعولا لرأيت في قوله تعالى ( 76 ) وإذا رأيت ثم رأيت ( الإنسان02 ) قوله من حسناته أي من ثوابها فيزاد على ثواب المظلوم قيل ثواب الحسنة خالد أبدا غير متناه وجزاء السيئة من الظلم غيره متناه فكيف يقع غير المتناهي موقع المتناهي وكيف يقوم مقامه فيصير المظلوم ظالما وأجيب بأنه يعطي خصمه من أصل ثواب الحسنة ما يوازي عقوبة سيئته إذ الزائد عليه فضل من الله عز و جل عليه خاصة قوله فإن لم تكن له أي للظالم حسنات أخذ من أصل سيئات أخيه فيحط عليه فيزاد في عقابه قيل ما التوفيق بينه وبين قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام461 وغيرها ) وأجيب بأنه لا تعارض بينهما لأنه إنما يعاقب بسبب ظلمه أو معناه لا تزر باختياره وإرادته
5356 - حدثني ( الصلت بن محمد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) ( ( الأعراف ) 34 ( والحجر ) 74 ) قال حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أبي المتوكل الناجي ) أن ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله عنه قال قال

(23/112)


رسول الله يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا ( الحديث 0442 )
مطابقته للترجمة في قوله فيقص والصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها تاء مثناة من فوق ابن محمد بن عبد الرحمن أبو همام الخاركي بالخاء المعجمة والكاف البصري ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع أبو معاوية العيشي البصري وسعيد هو ابن أبي عروبة وأبو المتوكل علي بن داود الناجي بالنون وبالجيم نسبة إلى بني ناجية ابن سامة بن لؤي وهي قبيلة كبيرة الساجي بالسين المهملة البصرية وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري
والحديث مضى في المظالم فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن إبراهيم
قوله ونزعنا ما في صدورهم من غل ذكره بين رجال الإسناد لبيان أن الحديث كالتفسير له دقوله يخلص بفتح الياء وضم اللام قوله على قنطرة قيل هذا يشعر بأن في القيامة جسرين هذا والذي على متن جهنم المشهور بالصراط وأجيب بأنه لا محذور فيه ولئن ثبت بالدليل أنه واحد فتأويله أن هذه القنطرة من تتمة الأول قوله فيقص على صيغة المجهول من المضارع ويروى فيقتص من الاقتصاص وفي رواية الكشميهني فيقص بفتح الياء فعلى هذا اللام في لبعضهم زائدة وبعضهم فاعل له أو الفاعل محذوف تقديره فيقص الله لبعضهم من بعض قوله مظالم غير منون وقوله كانت بينهم صفة مظالم قوله هذبوا على صيغة المجهول من التهذيب وهو التنقية يقال رجل مهذب الأخلاق مطهر الأخلاق قاله الجوهري قوله ونقوا على صيغة المجهول أيضا من التنقية وأصله نقيوا استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها بعد حذف حركتها قوله أذن لهم في دخول الجنة على صيغة المجهول وهذا في الظاهر مرفوع مثل بقية الحديث كذا في سائر الروايات إلا في رواية عفان عند الطبري فإنه جعل هذا من كلام قتادة وقال القرطبي وقع في حديث عبد الله بن سلام أن الملائكة تدلهم على طريق الجنة يمينا وشمالا رواه عبد الله بن المبارك في ( الزهد ) وصححه الحاكم قوله لأحدهم مبتدأ واللام فيه للتأكيد وخبره هو قوله أهدى قوله بمنزلة قال الطيبي أهدى لا يتعدى بالباء بل باللام أو بإلى فكأنه ضمن معنى اللصوق بمنزله هاديا إليه وذلك لأن منازلهم تعرض عليهم غدوا وعشيا
94 -
( باب من نوقش الحساب عذب )
أي هذا باب في قوله من نوقش الحساب عذب قوله من مبتدأ أو نوقش صلته وعذب خبره وكل من نوقش وعذب على صيغة المجهول ونوقش من المناقشة وهو الاستقصاء والتفتيش في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة فيه والحساب منصوب بنزع الخافض
6356 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( عثمان بن الأسود ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) عن النبي قال من نوقش الحساب عذب قالت قلت أليس يقول الله تعالى ( 84 ) فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( الانشقاق48 ) قال ذلك العرض
مطابقته للترجمة مأخوذة من صدر الحديث وعبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الكوفي وعثمان بن الأسود بن موسى المكي وابن أبي مليكة بضم الميم هو عبد الله وقد مر عن قريب
والحديث مضى في كتاب العلم في باب من سمع شيئا فراجعه فإنه أخرجه هناك بأتم منه وفيه من حوسب عذب ولكن من نوقش الحساب يهلك
حدثني عمرو بن علي حدثنا يحيى عن عثمان بن الأسود سمعت ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي مثله

(23/113)


هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا عن يحيى بن سعيد القطان إلى آخره قوله مثله أي مثل الحديث المذكور
تابعه ابن جريج ومحمد بن سليم وأيوب وصالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي
أي تابع عثمان بن الأسود في روايته عن ابن أبي مليكة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومحمد بن سليم بضم السين المهملة أبو عثمان المكي قال الغساني استشهد به البخاري في كتاب الرقاق في باب من نوقش وليس هو ابن سليم البصري أبا هلال ووصل متابعة ابن جريج ومحمد بن سليم أبو عوانة في ( صحيحه ) من طريق أبي عاصم عن ابن جريج وعثمان ابن الأسود ومحمد بن سليم كلهم عن ابن أبي مليكة عن عائشة به
قوله وأيوب أي تابعه أيوب السختياني أيضا ووصل متابعته البخاري في التفسير من رواية حماد بن زيد عن أيوب ولم يسق لفظه قوله وصالح أي وتابعه أيضا صالح ابن رستم بضم الراء وسكون السين المهملة وضم التاء المثناة من فوق وقيل بفتحها المزني مولاهم أبو عامر الخزاز البصري ووصل متابعته إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) عن النضر بن شميل عن أبي عامر الخزاز بزيادة فيه وهي قوله عن عائشة رضي الله عنها قال قالت إني لأعلم أي آية في القرآن أشد فقال لي النبي وما هي قلت من يعمل سوء يجز به ( النساء321 ) فقال إن المؤمن يجازى بأسوأ عمله في الدنيا يصيبه المرض حتى النكبة ولكن من نوقش الحساب عذب
6356 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( عثمان بن الأسود ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) عن النبي قال من نوقش الحساب عذب قالت قلت أليس يقول الله تعالى ( 84 ) فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( الانشقاق48 ) قال ذلك العرض
مطابقته للترجمة مأخوذة من صدر الحديث وعبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الكوفي وعثمان بن الأسود بن موسى المكي وابن أبي مليكة بضم الميم هو عبد الله وقد مر عن قريب
والحديث مضى في كتاب العلم في باب من سمع شيئا فراجعه فإنه أخرجه هناك بأتم منه وفيه من حوسب عذب ولكن من نوقش الحساب يهلك
حدثني عمرو بن علي حدثنا يحيى عن عثمان بن الأسود سمعت ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي مثله
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا عن يحيى بن سعيد القطان إلى آخره قوله مثله أي مثل الحديث المذكور
تابعه ابن جريج ومحمد بن سليم وأيوب وصالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي
أي تابع عثمان بن الأسود في روايته عن ابن أبي مليكة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومحمد بن سليم بضم السين المهملة أبو عثمان المكي قال الغساني استشهد به البخاري في كتاب الرقاق في باب من نوقش وليس هو ابن سليم البصري أبا هلال ووصل متابعة ابن جريج ومحمد بن سليم أبو عوانة في ( صحيحه ) من طريق أبي عاصم عن ابن جريج وعثمان ابن الأسود ومحمد بن سليم كلهم عن ابن أبي مليكة عن عائشة به
قوله وأيوب أي تابعه أيوب السختياني أيضا ووصل متابعته البخاري في التفسير من رواية حماد بن زيد عن أيوب ولم يسق لفظه قوله وصالح أي وتابعه أيضا صالح ابن رستم بضم الراء وسكون السين المهملة وضم التاء المثناة من فوق وقيل بفتحها المزني مولاهم أبو عامر الخزاز البصري ووصل متابعته إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) عن النضر بن شميل عن أبي عامر الخزاز بزيادة فيه وهي قوله عن عائشة رضي الله عنها قال قالت إني لأعلم أي آية في القرآن أشد فقال لي النبي وما هي قلت من يعمل سوء يجز به ( النساء321 ) فقال إن المؤمن يجازى بأسوأ عمله في الدنيا يصيبه المرض حتى النكبة ولكن من نوقش الحساب عذب
7356 - حدثني ( إسحاق بن منصور ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( حاتم بن أبي صغيرة ) حدثنا ( عبد الله بن أبي مليكة ) حدثني ( القاسم بن محمد حدثتني عائشة ) أن رسول الله قال ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك فقلت يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( الانشقاق8 ) فقال رسول الله إنما ذلك العرض وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب
مطابقته للترجمة ظاهرة وحاتم بالخاء المهملة ابن أبي صغيرة بفتح الصاد المهملة وكسر الغين المعجمة ضد الكبيرة واسمه مسلم وقد مر عن قريب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقد استدرك الدارقطني على البخاري بأن ابن أبي مليكة روى مرة عن عائشة وأخرى عن القاسم ففيه اضطراب قال الكرماني الاستدراك مستدرك لاحتمال أنه سمعه منهما فتارة روى بالواسطة وأخرى بدونها
قوله يناقش على صيغة المجهول قوله الحساب منصوب بنزع الخافض أي في الحساب قوله إلا عذب على صيغة المجهول أيضا
8356 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( معاذ بن هشام ) قال حدثني أبي عن ( قتادة ) عن ( أنس ) عن النبي
( ح ) حدثني ( محمد بن معمر ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن ( نبي الله ) كان يقوليجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدى به فيقول نعم فيقال له قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذالك ( انظر الحديث 4333 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه نوع مناقشة وأخرجه من طريقين أحدهما عن علي بن عبد الله بن المديني عن معاذ

(23/114)


عن أبيه هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس والآخر عن محمد بن معمر بفتح الميمين القيسي المعروف بالبحراني ضد البراني عن روح بفتح الراء ابن عبادة بضم العين وتخفيف الباء الموحدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقد مضى الحديث في كتاب الأنبياء في باب قول الله تعالى ( 2 ) وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ( البقرة03 ) فإنه أخرجه هناك من وجه آخر عن أنس وهنا ذكره من طريقين وساقه بلفظ سعيد
قوله أرأيت أي أخبرني قوله أكنت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله ما هو أيسر من ذلك أي أهون وهو التوحيد
9356 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي قال حدثني ( الأعمش ) قال حدثني ( خيثمة ) عن ( عدي ابن حاتم ) قال قال النبي ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبين الله ترجمان ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة ( انظر الحديث 3141 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا أن فيه نوع مناقشة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن خيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الرحمن الجعفي عن عدي بن حاتم الطائي رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى مطولا في الزكاة في باب الصدقة قبل الرد فإنه أخرجه هناك من وجه آخر عن عبد الله بن محمد إلى آخره
قوله ما منكم من أحد ظاهر الخطاب للصحابة ويلحق بهم المؤمنون كلهم قوله إلا وسيكلمه الله وفي رواية ابن ماجه إلا يكلمه ربه والواو فيه إن صح فهو معطوف على محذوف تقديره إلا سيخاطبه وسيكلمه قوله ليس بينه وبين الله ويروى ليس بين الله وبينه قوله ترجمان بضم التاء وفتحها وفتح الجيم وضمها وقال ابن التين رويناه بفتح التاء وقال الجوهري فلك أن تضم التاء بضمة الجيم يقال ترجم كلامه إذا فسره بكلام آخر قوله قدامه أي أمامه وفي التوحيد على ما سيأتي فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم فلا يرى إلا ما قدم وكذا في رواية مسلم وفي رواية الترمذي فلا يرى شيئا إلا شيئا قدمه وفي رواية محمد بن خليفة فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار وينظر عن شماله فلا يرى إلا النار وقال ابن هبيرة نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يمينا وشمالا يطلب الغوث وقيل يحتمل أن يطلب طريقا يهرب منه لينجو من النار فلا يرى إلا ما يقضي الله به من دخول النار قوله فمن استطاع منكم جزاؤه محذوف أي فليفعل ووقع كذا في رواية وكيع
0456 - قال ( الأعمش ) حدثني ( عمرو ) عن ( خيثمة ) عن ( عدي بن حاتم ) قال قال النبي اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثلاثا حتى ظننا أنه ينظر إليها ثم قال قوله اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة
أي قال سليمان الأعمش وهو موصول بالسند المذكور عن عمرو هو ابن مرة عن خيثمة وروى الأعمش أولا عن خيثمة بلا واسطة ثم روى ثانيا بالواسطة
وقد أخرجه مسلم من رواية أبي معاوية عن الأعمش كذلك وقد مضى الحديث بأتم من هذا في كتاب الزكاة من رواية محمد بن خليفة
قوله وأشاح بالشين المعجمة وبالحاء المهملة أي صرف وجهه وقال الخليل أشاح بوجهه عن الشيء نحاه عنه وقيل صرف وجهه كالخائف أن يناله قوله فمن لم يجد أي ما يتصدق به على السائل قوله فبكلمة طيبة أي يدفعه أي السائل بكلمة تطيب قلبه
05 -
( باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب )
أي هذا باب في قوله يدخل الجنة إلى آخره وفي بعض النسخ باب يدخلون الجنة سبعون ألفا على لغة أكلوني البراغيث

(23/115)


1456 - حدثنا ( عمران بن ميسرة ) حدثنا ( ابن فضيل ) حدثنا ( حصين ) قال ( أبو عبد الله ) وحدثني ( أسيد ابن زيد ) حدثنا ( هشيم ) عن ( حصين ) قال ( كنت عند سعيد بن جبير ) فقال حدثني ( ابن عباس ) قال قال النبي عرضت علي الأمم فأخذ النبي يمر معه الأمة والنبي يمر معه النفر والنبي يمر معه العشرة والنبي يمر معه الخمسة والنبي يمر وحده فنظرت فإذا سواد كثير قلت يا جبريل هؤلاء أمتي قال لا ولاكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد كثير قال هاؤلاء أمتك وهاؤلاء سبعون ألفا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب قلت ولم قال كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام إليه عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعله منهم ثم قام إليه رجل آخر قال ادع الله أن يجعلني منهم قال سبقك بها عكاشة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن عمران بن ميسرة ضد الميمنة عن محمد بن فضيل بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان الضبي الكوفي عن حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي والطريق الآخرعن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة ابن زيد من الزيادة أبي محمد الجمال بالجيم مولى صالح القرشي الكوفي عن هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير الواسطي عن حصين إلى آخره وأشار البخاري إلى روايته عن أسيد المذكور بقوله قال أبو عبد الله وهو البخاري وحدثني أسيد بن زيد إلى آخره ولم يرو البخاري عنه إلا في هذا الموضع فقط مقرونا بعمران بن ميسرة فإن قلت أسيد هذا ضعيف جدا ضعفه جماعة منهم يحيى بن معين وأفحش القول فيه وقال أبو حاتم كانو يتكلمون فيه
قلت قال أبو مسعود لعله كان ثقة عنده وهذا لا يجدي في الاحتجاج به ولهذا روى عنه مقرونا بعمران بن ميسرة فإن قلت ما كان الداعي لهذا والإسناد الأول كان كافيا
قلت قال بعضهم إنما احتاج إليه فرارا من تكرر الإسناد بعينه فإنه أخرج السند الأول في الطب في باب من اكتوى ثم أعاده هنا فأضاف إليه طريق هشيم انتهى وهذا ليس بشيء لأنه قد وقع في البخاري أسانيد كثيرة تكررت بعينها في غير موضع ولا يخفى هذا على من يتأمل ذلك وأما الذي ذكره في الطب فهو مطول أخرجه عن عمران بن ميسرة عن ابن فضيل عن حصين عن عامر عن عمران بن حصين الحديث وأخرجه في أحاديث الأنبياء مختصرا عن مسدد ومضى الكلام فيه هناك
قوله عرضت علي بتشديد الياء والأمم بالرفع قوله الأمة أي العدد الكثير قوله فأخذ بفتح الخاء المعجمة والذال المعجمة في رواية الكشميهني وهو من أفعال المقاربة وضع لدنو الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ فيه فتارة يستعمل أخذ استعمال عسى فيدخل أن في خبره وتارة يستعمل استعمال كاد بغير أن ويروى فاجد بفتح الهمزة وكسر الجيم وبالدال المهملة فعلى هذا لفظ النبي منصوب على المفعولية وعلى الأول هو مرفوع على أنه اسم أخذ وقوله يمر خبره قوله النفر هو رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه قوله معه العشرة بفتح الشين اسم العدد المعين وفي رواية المستملي العشيرة بكسر الشين وسكون الياء آخر الحروف وهي القبيلة قوله فإذا سواد كثير السواد بلفظ ضد البياض هو الشخص الذي يرى من بعيد ووصفه بالكثرة إشارة إلى أن المراد بلفظه الجنس قوله فإذا سواد كثير كلمة إذا للمفاجأة وفي رواية سعيد بن منصور عظيم موضع كثير قوله قدامهم في رواية سعيد بن منصور ومعهم بدل قدامهم وفي رواية حصين بن نمير ومع هؤلاء قوله ولم يكسر اللام وفتح الميم ويجوز تسكينها يستفهم بها عن السبب قوله لا يكتوون قال الكرماني أي عند غير الضرورة والاعتقاد بأن الشفاء من الكي
قلت فيه تأمل قوله ول

(23/116)


الله يسترقون أي بالأمور التي هي غير القرآن كعزائم أهل الجاهلية قوله ولا يتطيرون أي لا يتشاءمون بالطيور وأنهم الذين يتركون أعمال الجاهلية وعقائدهم قيل هم أكثر من هذا العدد وأجيب الله أعلم بذلك مع احتمال أن يراد بالسبعين الكثير وقال بعضهم إن العدد المذكور على ظاهره وقوي كلامه بأحاديث منها ما رواه الترمذي من حديث أبي أمامة رفعه وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي
قلت احتمال الزيادة في السبعين باق لأن المراد منه ليس خصوص العدد والحثيات كناية عن المبالغة في الكثرة قاله ابن الأثير قوله رجل آخر قيل هو سعد بن عبادة الأنصاري سيد الخزرج
قلت أخرجه الخطيب في ( المبهمات ) من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر أحد الضعفاء وقيل يستبعد هذا السؤال من سعد بن عبادة فلعل هذا سعد بن عمارة الأنصاري وصحفه الناقل قوله سبقك بها عكاشة اختلفوا في الحكمة في قوله بهذا القول فقال الفراء كان الآخر منافقا ورد هذا بأن الأصل في الصحابة عدم النفاق وقيل إن النبي علم بالوحي أنه يجاب في عكاشة ولم يقع ذلك في حق الآخر وقال ابن الجوزي يظهر لي الأول سأل عن صدق قلب فأجيب وأما الثاني فيحتمل أن يكون أراد حسم المادة فلو قال للثاني نعم فلا شك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له وليس كل الناس يصلح لذلك وقال القرطبي لم يكن عند الثاني من تلك الأحوال ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجب وقال السهيلي الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها واتفق أن الرجل قال بعدما انقضت والله أعلم
2456 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) حدثه قال سمعت رسول الله يقول يدخل الجنة من أمتى زمرة هم سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر
وقال أبو هريرة فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعله منهم ثم قام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني عنهم فقال سبقك بها عكاشة ( انظر الحديث 1185 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعاذ بضم الميم ابن أسد أبو عبد الله المروزي نزل البصرة وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة عن يحيى
قوله نمرة هي كساء فيه خطوط بيض وسود كأنها أخذت من جلد النمر
3456 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد ) قال قال النبي ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف شك في أحدهما متماسكين آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة ووجوهم على ضوء القمر ليلة البدر ( انظر الحديث 7423 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين محمد بن مطرف وأبو حازم سلمة بن دينار
والحديث مضى في باب ما جاء في صفة الجنة
قوله شك في أحدهما وفي رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن محمد عن أبي حازم لا يدري أبو حازم أيهما قال قوله متماسكين نصب على الحال وفي رواية مسلم متماسكون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم متماسكون وقال النووي كذا في بعض النسخ وفي بعضها بالنصب فكلاهما صحيح قوله آخذ بعضهم ببعض أي بعضهم آخذ ببعض وآخذ بالمد وكسر الخاء وفي رواية مسلم أخذ بعضهم بعضا قوله حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة هذا غاية للتماسك المذكور والأخذ بالأيدي وفي رواية فضيل بن سليمان التي مضت في باب صفة الجنة لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم

(23/117)


ومعناه يدخلون صفا واحدا فيدخل الجميع دفعة واحدة وإن لم يحمل على هذا المعنى يلزم الدور وإنما وصفهم بالأولية والآخرية باعتبار الصفة التي جازوا فيها على الصراط وفيه إشارة إلى سعة الباب الذي يدخلون منه الجنة وقال عياض يحتمل أن يكون معنى قوله متماسكين أنهم على صفة الوقار فلا يسابق بعضهم بعضا بل يكون دخولهم جميعا وقال النووي معناه أنهم يدخلون معترضين صفا واحدا بعضهم بجنب بعض قوله ووجوههم على ضوء القمر الواو فيه للحال
4456 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا أبي عن ( صالح ) حدثنا ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت خلود
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه ذكر دخول المؤمنين الجنة
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وصالح هو ابن كيسان الغفاري بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن زهير بن حرب وغيره
قوله يا أهل النار أصله يا أهل النار حذفت الهمزة تخفيفا وكذا قوله يا أهل الجنة قوله لا موت مبنى على الفتح قوله خلود إما مصدر وإما جمع خالد والتقدير الشأن أو هذا الحال خلود أوأنتم خالدون
5456 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال النبي يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود لا موت ولأهل النار يا أهل النار خلود لا موت
مطابقة هذا للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
قوله يا أهل الجنة لم يثبت في رواية غير الكشميهني قوله لا موت زاد الإسماعيلي في روايته لا موت فيه
15 -
( باب صفة الجنة والنار )
أي هذا باب في بيان صفة الجنة وصفة النار وقد وقع في بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة وباب صفة النار
وقال أبو سعيد قال النبي أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد حوت
أبو سعيد هو سعد بن مالك الخدري رضي الله تعالى عنه هذا الحديث قد مضى مطولا عن قريب في باب يقبض الله الأرض قوله كبد حوت في رواية أبي ذر كبد الحوت
عدن خلد عدنت بأرض أقمت ومنه المعدن
أشار به إلى تفسير عدن في قوله تعالى جنات عدن ( التوبة27 ) وفسر العدن بقوله خلد بضم الخاء وقال الجوهري الخلد دوام البقاء تقول خلد الرجل يخلد خلودا وأخلده الله إخلادا وخلده تخليدا قوله عدنت بأرض اقمت به أشار به إلى أن معنى العدن الإقامة يقال عدن بالبلد أقام به قوله ومنه المعدن أي ومن هذا الباب المعدن الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس والحديد وغير ذلك
في معدن صدق في منبت صدق

(23/118)


أشار به إلى تفسير معدن صدق في كلام الناس بقوله منبت صدق وفي رواية أبي ذر في مقعد صدق كما في القرآن إن المتقين فى جنات ونهر في مقعد صدق ( القمر45 - 55 ) وهو الصواب قوله في جنات أي في بساتين قوله ونهر أي وأنهار وإنما وحده لأجل رؤوس الآي وقال الضحاك أي في ضياء وسعة ومنه النهار وقال الثعلبي معنى مقعد صدق مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة
6456 - حدثنا ( عثمان بن الهيثم ) حدثنا ( عوف ) عن ( أبي رجاء ) عن ( عمران ) عن النبي قال قوله اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء
مطابقته للترجمة من حيث إن كون أكثر أهل الجنة الفقراء وكون أكثر أهل النار النساء وصف من أوصاف الجنة ووصف من أوصاف النار
وعثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن الجهم أبو عمر المؤذن وعوف هو المشهور بالأعرابي وأبو رجاء بالجيم عمران العطاردي وشيخه هو عمران بن حصين الصحابي والرجال كلهم بصريون
والحديث مضى في صفة الجنة فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن سليمان بن بلال عن أبي رجاء عن عمران بن حصين إلى آخره وفي النكاح عن عثمان بن الهيثم عن عوف إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله إطلعت بالتشديد أي أشرفت ونظرت
7456 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( إسماعيل ) أخبرنا ( سليمان التيمي ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أسامة ) عن النبي قال قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ( انظر الحديث 6915 )
المطابقة فيه مثل ما ذكرنا في الحديث السابق وإسماعيل هو ابن علية وسليمان التيمي وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل وأسامة هو ابن زيد بن حارثة الصحابي ابن الصحابي
قوله عامة من دخلها المساكين وفي الحديث السابق الفقراء ففيه إشعار بأنه يطلق أحدهما على الآخر قاله الكرماني
قلت قد مر الكلام فيه في كتاب الزكاة قوله وأصحاب الجد بفتح الجيم أي الغنى قوله محبوسون يعني للحساب وهذا الحديث والذي قبله لم يذكرا في كثير من النسخ وما ثبتا إلا في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة
8456 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( عمر بن محمد بن زيد ) عن أبيه أنه حدثه عن ( ابن عمر ) قال قال رسول الله إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت يا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم ( انظر الحديث 4456 )
مطابقته للترجمة من حيث إن ازدياد أهل الجنة فرحا وازدياد أهل النار حزنا وصف من أوصافهما من حيث أنهما حاصلان فيهما وهو وصف المحل وإرادة وصف الحال
ومعاذ بن أسد أبو عبد الله المروزي نزل البصرة وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وعمر بن محمد يروي عن أبيه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في صفة أهل الجنة والنار عن هارون بن سعيد وغيره
قوله حتى يجعل بين الجنة والنار في حديث الترمذي عن أبي هريرة فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار قوله ثم يذبح قيل الموت عرض كيف يصح عليه المجيء والذبح وأجيب بأن الله سبحانه وتعالى يجسده ويجسمه أو هو على سبيل التمثيل للإشعار بالخلود ونقل القرطبي عن بعض الصوفية أن الذي يذبحه يحيى بن زكريا عليهما السلام بحضرة النبي إشارة إلى دوام الحياة وقيل يذبحه جبريل على باب الجنة

(23/119)


9456 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( مالك بن أنس ) عن ( زيد بن أسلم ) عن عطاء بن يسار عن ( أبي سعيد الخدري ) قال قال رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة يقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا
مطابقة هذا للترجمة مثل الذي ذكرناه فيما قبل والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن يحيى بن سليمان وأخرجه مسلم في صفة الجنة عن محمد بن عبد الرحمن وغيره وأخرجه الترمذي فيه عن سويد بن نصر وأخرجه النسائي في النعوت عن عمرو بن يحيى بن الحارث
قوله أحل من الإحلال بمعنى الإنزال أو بمعنى الإيجاب يقال أحله الله عليه أي أوجبه وحل أمر الله عليه أي وجب
0556 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( معاوية بن عمرو ) حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( حميد ) قال سمعت ( أنسا ) يقول ( أصيب حارثة يوم بدر ) وهو ( غلام فجاءت أمه إلى ) النبي فقالت يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع فقال ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه لفي جنة الفردوس
مطابقته للترجمة في آخر الحديث ومعاوية بن عمرو بن مهلب الأزدي البغدادي وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري وحميد بن أبي حميد الطويل
والحديث مضى في المغازي في باب فضل من شهد بدرا بعين هذا الإسناد والمتن
وحارثة هو ابن سراقة بن الحارث الأنصاري له ولأبويه صحبة وأمه هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس رضي الله تعالى عنهما قوله ترى ما أصنع بإشباع الراء في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني تر ما أصنع بالجزم جواب الشرط يعني وإن لم يكن في الجنة صنعت شيئا من صنع أهل الحزن مشهورا يره كل أحد قوله ويحك كلمة ترحم وتعطف قوله أو هبلت الهمزة فيه للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة وهبلت على صيغة المجهول والمعلوم من هبلته أمه إذا ثكلته قوله أو جنة واحدة الكلام فيه كالكلام في أو هبلت قوله وإنها أي الجنة جنان يعني أنواع البساتين قوله لفي جنة الفردوس باللام في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني بدون اللام وقال الزجاج الفردوس من الأودية ما ينبت ضروبا من النبات وقال ابن الأنباري وغيره بستان فيه كروم وغيرها ويذكر ويؤنث وقال الفراء هو عربي مشتق من الفردسة وهي السعة وقيل رومي نقلته العرب وقيل سرياني والمراد به هنا هو مكان من الجنة هو أفضلها
1556 - حدثنا ( معاذ بن أسد ) أخبرنا ( الفضل بن موسى ) أخبرنا ( الفضيل ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة من حيث إن كون منكبي الكافر هذا المقدار في النار نوع وصف من أوصافها باعتبار ذكر المحل وإرادة الحال
والفضل بن موسى هو السيناني بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وتخفيف النون الأولى وكسر الثانية وسينان قرية من قرى مرو والفضيل مصغر فضل كذا في رواية الأكثرين غير منسوب ونسبه ابن السكن في روايته فقال الفضل بن غزوان وهو المعتمد ونسبه أبو الحسن القابسي في روايته عن أبي زيد المروزي فقال الفضيل بن عياض ورده أبو علي الجياني فقال لا رواية للفضيل بن عياض في البخاري إلا في موضعين من كتاب

(23/120)


التوحيد ولا رواية له عن أبي حازم راوي هذا الحديث ولا أدركه وأبو حازم سلمان الأشجعي
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن أبي كريب وغيره
قوله منكبي الكافر تثنية منكب بكسر الكاف وهو مجتمع العضد والكتف وفي رواية يوسف بن عيسيى عن الفضل موسى شيخ البخاري بسنده خمسة أيام وروى أحمد من رواية مجاهد عن ابن عمر مرفوعا يعظم أهل النار في النار حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وروى البيهقي في ( البعث ) من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس مسيرة سبعين خريفا وروى ابن المبارك في ( الزهد ) عن أبي هريرة قال ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد يعظمون لتمتلىء منهم وليذيقوا العذاب ولم يصرح برفعه لكنه في حكم المرفوع لأنه لا مجال فيه للرأي وفي مسلم عن أبي هريرة مرفوعا غلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام وأخرجه البزار عن أبي هريرة بسند صحيح بلفظ جلد الكافر وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار قال البيهقي أراد بلفظ الجبار التهويل قال ويحتمل أن يريد جبارا من الجبابرة إشارة إلى عظم الذراع وقال ابن حبان لما أخرجه في ( صحيحه ) بأن الجبار ملك كان باليمن وروى البيهقي من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة وفخذه مثل ورقان ومقعده مثل ما بين المدينة والربذة وأخرجه الترمذي ولفظه بين مكة والمدينة وورقان بفتح الواو وسكون الراء وبالقاف والنون جبل معروف بالحجاز واختلاف هذه المقادير مخمول على اختلاف تعذيب الكفار في النار فإن قلت ورد حديث أخرجه الترمذي والنسائي بسند جيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس
قلت هذا في أول الأمر عند الحشر والأحاديث المذكورة محمولة على ما بعد الاستقرار في النار
2556 - وقال ( إسحاق بن إبراهيم ) أخبرنا ( المغيرة بن سلمة ) حدثنا ( وهيب ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) عن رسول الله قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها
3556 - قال ( أبو حازم ) ( فحدثت به النعمان بن أبي عياش ) فقال حدثني ( أبو سعيد ) عن النبي قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه والمغيرة بن سلمة بفتحتين المخزومي البصري ووهيب مصغر وهب بن خالد البصري وأبو حازم سلمة بن دينار وسهل بن سعد بن ملك الأنصاري
والحديث أخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم أيضا ولكنه قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم وأخرجه البخاري معلقا
قوله لشجرة اللام فيه للتأكيد قوله لا يقطعها يعني لا يبلغ إلى منتهى أغصانها
قوله قال أبو حازم موصول بالسند المذكور والنعمان بن أبي عياش بالياء آخر الحروف المشددة وبالشين المعجمة الزرقي التابعي المدني الثقة واسم أبي النعمان زيد بن الصامت قتل بأرض حمص سنة أربع وستين وكان عاملا لابن الزبير عليها قوله حدثني أبو سعيد كذا في رواية مسلم حدثني ويروى هنا أخبرني أيضا وأبو سعيد هو الخدري رضي الله تعالى عنه
قوله الجواد بفتح الجيم وتخفيف الواو وهو الفرس البين الجودة ويقال الجواد للذكر والأنثى من خيل جياد وأجواد وأجاويد وقال ابن فارس الجواد الفرس السريع قوله المضمر بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم من قولهم ضمر الخيل تضميرا إذا علفها القوت بعد السمن وكذلك أضمرها قاله الكرماني وقال ابن فارس المضمر من الخيل أن يعلف حتى يسمن ثم يرده إلى القوت وذلك في أربعين ليلة وهذ المدة تسمى المضمار وقال الداودي المضمر هو الذي يدخل في بيت ويجعل عليه جله ويقل علفه لينقص من لحمه شيئا فيزداد جريه ويؤمن عليه أن يسبق قال وكان للخيل المضمرة على عهد رسول الله سبعة أميال في السبق وما لم يضمر ميل
4556 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) أن رسول الله

(23/121)


قالليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف لا يدري أبو حازم أيهما قال متماسكون آخذ بعضهم بعضا لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة البدر ( انظر الحديث 7423 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في بعض الأحاديث الماضية وعبد العزيز هو ابن أبي حازم سلمة بن دينار
والحديث مضى في الباب الذي قبله فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد ومضى الكلام فيه مبسوطا
قال الكرماني قوله لا يدخل فإن قلت كيف يتصور هذا وهو مستلزم الدور لأن دخول الأول موقوف على دخول الآخر وبالعكس
قلت يدخلون معا صفا واحدا وهو أيضا دور معية ولا محذور فيه فإن قلت في بعض الرواية يدخل بدون كلمة لا
قلت لا هو مقدر يدل عليه المعنى أو حتى بمعنى مع أو عن أو معناه استمرار دخول أولهم إلى دخول من هو آخر الكل
5556 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن أبيه عن ( سهل ) عن النبي قال قوله إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء
قال أبي فحدثت به النعمان بن أبي عياش فقال أشهد لسمعت أبا سعيد يحدث ويزيد فيه كما تراءون الكوكب الغارب في الأفق الشرقي والغربي ( انظر الحديث 6523 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز يروي عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه
قوله ليتراءون أي ينظرون واللام فيه للتأكيد قوله الغرف بضم الغين المعجمة وفتح الراء جمع غرفة قوله الكوكب في رواية الإسماعيلي الكوكب الدري
قوله قال أي قال عبد العزيز قال أبي هو أبو حازم قوله أشهد لسمعت اللام جواب قسم محذوف قوله أبا سعيد هو الخدري قوله فيه أي في الحديث قوله الغارب في رواية الكشميهني الغابر بتقديم الباء الموحدة على الراء والغابر الذاهب وضبطه بالياء آخر الحروف مهموزة قبل الراء وقال الكرماني الكوكب في الشرق ليس بغالب فما وجهه
قلت يراد به لازمه هو البعد ونحوه وقال الطيبي شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء الباقي في جانب الشرق والغرب في الاستضاءة مع البعد
7556 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي عمران ) قال سمعت ( أنس ابن مالك ) رضي الله عنه عن النبي قال قوله يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به فيقول نعم فيقول أردت منك أهون من هاذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي ( انظر الحديث 4333 وطرفه )
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة من حيث أن فيه نوع صفة للنار باعتبار وصف أهلها من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال
وغندر محمد بن جعفر وأبو عمران هو عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون البصري
والحديث مضى في خلق آدم عليه السلام وأخرجه مسلم في التوبة عن عبيد الله بن معاذ
قوله لأهون اللام فيه مكسورة لام الجر وأهون أي أسلم والهمزة في أكنت للاستفهام على سبيل الاستخبار والواو في وأنت للحال قوله أن لا تشرك بي شيئا بفتح الهمزة بدل من قوله أهون من هذا قوله فأبيت من الإباء أي امتنعت
142 - ( حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن عمرو عن جابر رضي الله عنه أن النبي قال يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير قلت وما الثعارير قال الضغابيس وكان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن دينار أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي يقول

(23/122)


يخرج بالشفاعة من النار قال نعم )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا الآن باعتبار ذكر المحل وإرادة الحال وأبو النعمان محمد بن الفضل وحماد هو ابن زيد وعمرو هو ابن دينار وجابر هو ابن عبد الله وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي الربيع قوله يخرج من النار كذا هو بحذف الفاعل في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن السرخسي عن الفربري يخرج قوم ولفظ مسلم أن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة قوله كأنهم الثعارير بفتح الثاء المثلثة والعين المهملة وكسر الراء جمع ثعرور على وزن عصفور وقال ابن الأعرابي هو قثاء صغار وقال أبو عبيدة مثله وزاد ويقال بالشين المعجمة بدل الثاء المثلثة وكان هذا هو السبب في قول الراوي وكان عمرو ذهب فمه أراد أنه سقطت أسنانه فينطق بالثاء المثلثة وهي بالشين المعجمة وقيل الثعرور ينبت في أصول الثمام كالقطن ينبت في الرمل ينبسط عليه ولا يطول وقال الكرماني هو القثاء الصغير ونبات كالهليون وقيل هو الأقط الرطب وأغرب القابسي فقال هو الصدف الذي يخرج من البحر فيه الجوهر وكأنه أخذه من قوله في الرواية الأخرى كأنهم اللؤلؤ وليس بشيء قوله قلت وما الثعارير القائل هو حماد وفي رواية الكشميهني ما الثعارير بدون الواو وفي أوله قوله قال الضغابيس أي قال عمرو بن دينار الثعارير الضغابيس جمع ضغبوس بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين وضم الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة وقال الأصمعي هو نبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق ثم يؤكل بالزيت والخل وقيل ينبت في أصول الشجر والأذخر يخرج قدر شبر في دقة الأصابع لا ورق له وفيه حموضة وفي غريب الحديث للحربي الضغبوس شجرة على طول الأصبع ويشبه به الرجل الضعيف قلت الغرض من التشبيه بيان حالهم حين خروجهم من النار وفي الغريبين وفي حديث ولا بأس باجتناء الضغابيس في الحرم قوله وكان قد سقط فمه القائل هو حماد أراد بسقوط فمه ذهاب أسنانه كما ذكرناه الآن ويروى وكان ذهب فمه فلذلك سمي الأثرم بالثاء المثلثة إذ الثرم سقوط الأسنان وانكسارها قوله قلت لعمرو بن دينار القائل هو حماد قوله أبا محمد أي يا أبا محمد وهو كنية عمرو بن دينار قوله سمعت أي أسمعت وهمزة الاستفهام فيه مقدرة وفي الحديث إثبات الشفاعة وإبطال مذهب المعتزلة في نفي الشفاعة وقال ابن بطال أنكرت المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وغير ذلك من الآيات وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار وجاءت الأحاديث بإثبات الشفاعة المحمدية متواترة ودل عليها قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا والجمهور على أن المراد به الشفاعة وبالغ الواحدي فنقل فيه الإجماع وقال الطبري قال أكثر أهل التأويل المقام المحمود هو الذي يقومه النبي ليريحهم من كرب الموقف وروي أحاديث كثيرة تدل على أن المقام المحمود الشفاعة عن ابن عباس موقوفا وعن أبي هريرة مرفوعا وعن أبي مسعود كذلك وعن الحسن البصري وقتادة وقال الطبري أيضا قال ليث عن مجاهد في قوله مقاما محمودا يجلسه معه على عرشه ثم أسنده وبالغ الواحدي في رد هذا القول ونقل النقاش عن أبي داود صاحب السنن أنه قال من أنكر هذا فهو متهم وقد جاء عن ابن مسعود عند الثعلبي وعن ابن عباس عند أبي الشيخ عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه أن محمدا يوم القيامة على كرسي الرب بين يدي الرب -
9556 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) عن النبي قال يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة من حيث أنها تتصف بنوع صفة حيث يقال لن يخرج منها جهنمي فينسب إليها
وهشام هو الدستوائي والحديث يأتي في التوحيد مطولا
قوله سفع بالمهملتين والفاء حرارة النار قوله الجهنميين جمع جهنمي منسوب إلى جهنم وروى النسائي من رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون فيقول الله هؤلاء عتقاء

(23/123)


الله وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد وزاد فيه فيدعون الله فيذهب هذا الاسم
0656 - حدثنا ( موسى ) الله حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( عمرو بن يحيى ) الله عن أبيه عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أن النبي قال قوله إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حمما فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل أو قال حميئة السيل وقال النبي ألم تروا أنها تنبت صفراء ملتوية
مطابقته للترجمة من حيث إن النار قد تصير من دخلها حمما وتتصف النار بذلك
وموسى هو ابن إسماعيل ووهيب هو ابن خالد وعمرو بن يحيى يروي عن أبيه يحيى بن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن أبي حسن المازني عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب تفاضل أهل الإيمان فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك ولنذكر بعض شيء لبعد المسافة
قوله قد امتحشوا على صيغة المجهول من الامتحاش وهو الاحتراق ومادته ميم وحاء مهملة وشين معجمة قوله حمما بضم الحاء المهملة وفتح الميم وهو الفحم قوله فيلقون على صيغة المجهول من الإلقاء وهو الرمي قوله الحبة بكسر الحاء المهملة وهو بذر البقل والرياحين قوله في حميل السيل وهو غثاؤه وهو محموله فميل بمعنى مفعول وهو ما جاء به من طين أو غثاء فإذا كان فيه حبة واستقرت على شط الوادي تنبت في يوم وليلة قوله أو قال شك من الراوي قوله حمئة بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبكسرها وبالهمز هو الطين الأسود المنتن وقال ابن التين والذي رويناه حمة بكسر الحاء غير مهموز ومعناه مثل معنى حميل ويروى حمية بفتح الحاء وتشديد الياء أي معظم جريه واشتداده قوله ملتوية من الالتواء وقال النووي لسرعة نباتة يكون ضعيفا ولضعفه يكون أصفر ملتويا ثم بعد ذلك تشتد قوته
2656 - حدثنا ( عبد الله بن رجاء ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( النعمان بن بشير )

(23/124)


قال سمعت النبي يقول إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل والقمقم ( انظر الحديث 1656 ) ح
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عمرو السبيعي وإسرائيل هذا يروي عن جده أبي إسحاق وهذا السند أعلى من السند الأول لكن أبا إسحاق عن هنا وهناك صرح بالسماع
قوله المرجل بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم قدر من نحاس والقمقم بضم القافين الآتية من الزجاج قاله الكرماني
قلت فيه تأمل لأن الحديث يدل على أنه إناء يغلي فيه الماء أو غيره والإناء الزجاج كيف يغلي فيها الماء وقال غيره هو إناء ضيق الرأس يسخن فيه الماء يكون من نحاس وغيره وهو فارسي وقيل رومي معرب ثم إن عطف القمقم على المرجل بالواو هو الصواب وقال القاضي عياض والقمقم بالواو لا بالباء وأشار به إلى رواية من روى كما يغلي المرجل بالقمقم وعلى هذا فسره الكرماني فقال الباء للتعدية ووجه التشبيه هو كما أن النار تغلي المرجل الذي في رأسه قمقم تسري الحرارة إليها وتؤثر فيها كذلك النار تغلي بدن الإنسان بحيث يؤدي أثرها إلى الدماغ
3656 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو ) عن ( خيثمة ) عن ( عدي بن حاتم ) أن النبي ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها ثم قال اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وتعوذ منها وذلك أن من جملة صفات النار أنه يتعوذ منها
وعمرو هو ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء وخيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الرحمن
والحديث مضى معلقا في باب من نوقش الحساب عذب عن الأعمش عن عمرو بن عن خيثمة عن عدي بن حاتم ومضى الكلام فيه
قوله فأشاح بالشين المعجمة والحاء المهملة أي صرف وجهه وقال ابن الأثير المشيح الحذر والحاد في الأمر وقيل المقبل إليك المانع لما وراء ظهره فيجوز أن يكون أشاح هنا أحد هذه المعاني أي حذر النار كأنه ينظر إليها أو حض على الإيصاء باتقائها أو أقبل إليك من خطابه
4656 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) حدثنا ( ابن أبي حازم والدراوردي ) عن ( يزيد ) عن ( عبد الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أنه سمع رسول الله وذكر عنده عمه أبو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه ( انظر الحديث 5883 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله في ضحضاح من نار لأنه وصف من أوصاف النار
وإبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري الأسدي وابن أبي حازم هو عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار الأسلمي والدراوردي أيضا اسمه عبد العزيز بن محمد بن عبيد من رجال مسلم روى البخاري عن إبراهيم عنه مقرونا بابن أبي حازم ونسبه إلى دراورد فتح الدال قرية من قرى خراسان ويزيد من الزيادة ابن عبد الله بن الهاد وعبد الله بن خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى الأنصاري وكل هؤلاء مدنيون
والحديث مضى في باب قصة أبي طالب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري إلى آخره وأخرجه أيضا عن إبراهيم بن حمزة عن ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد بهذا
قوله أبو طالب هو ابن عبد المطلب وعم النبي واسمه عبد مناف شقيق عبد الله والد رسول الله قوله

(23/125)


لعله تنفعه شفاعتي قيل يشكل هذا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( المدثر84 ) وأجيب بأنه خص فلذلك عدوه من خصائص النبي وقيل جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه فيجوز أن الله تعالى يضع عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيه تطييبا لقلب الشافع لا ثوابا للكافر لأن حسناته صارت بموته على كفره هباء منثورا قوله في ضحضاح بإعجام الضادين وإهمال الحاءين ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين فاستعير للنار قوله يغلي منه أم دماغه وأم الدماغ أصله وما به قوامه وقيل الهامة وقيل جلدة رقيقة تحيط بالدماغ
5656 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال رسول الله يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا عند ربنا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ويقول ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ائتو موسى الذي كلمه الله فيأتونه فيقول لست هناكم فيذكر خطيئته ائتوا عيسى فيأتونه فيقول لست هناكم ائتوا محمدا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأستأذن على ربي فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقال لي ارفع رأسك سل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني ثم أشفع فيحد لي حدا ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن وكان قتادة يقول عند هاذا أي وجب عليه الخلود
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله ثم أخرجهم من النار بالوجه الذي ذكرناه عند التراجم الماضية
وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري
والحديث مضى في أول تفسير سورة البقرة ولكنه أخرجه عن مسلم بن إبراهيم عن هشام عن قتادة عن أنس وعن خليفة عن يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس وقال الكرماني مر يعني حديث الباب في بني إسرائيل
قلت الذي مر في سورة بني إسرائيل عن أبي هريرة وليس عن أنس وهو حديث طويل
قوله يجمع الله الناس في رواية المستملي جمع الله أي في العرصات وفي حديث أبي هريرة الماضي يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد وفي رواية هشام وسعيد وهمام يجمع المؤمنين قوله لو استشفعنا جزاؤه محذوف أو هو للتمني فلا يحتاج إلى جواب وفي رواية مسلم فيلهمون بذلك وفي رواية فيهتمون بذلك وفي رواية همام حتى يهتموا بذلك قوله على ربنا في رواية هشام وسعيد إلى ربنا وضمن على هنا معنى الاستعانة أي لو استعنا على ربنا قوله حتى يريحنا بضم الياء من الإراحة بالراء والحاء المهملة أي يخرجنا من الموقف وأهواله وأحواله ويفصل بين العباد قوله فيأتون آدم عليه السلام وفي رواية شيبان فينطلقون حتى يأتوا آدم عليه السلام قوله عند ربنا في رواية مسلم عند ربك قوله لست هناكم أي ليس هذه المرتبة وقال عياض قوله لست هناكم كناية عن أن منزلته دون المنزلة المطلوبة قاله تواضعا وإكبارا لما يسألونه قال وقد يكون فيه إشارة إلى أن هذا المقام ليس لي بل لغيري ووقع في رواية معبد بن هلال فيقول لست لها وكذا

(23/126)


في بقية المواضع وفي رواية حذيفة لست بصاحب ذاك قوله ويذكر خطيئته زاد مسلم التي أصاب وزاد همام في روايته أكله من الشجرة وقد نهي عنها وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قد أخرجت بخطيئتي في الجنة وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد وإني أذنبت ذنبا فأهبطت به إلى الأرض وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور إني أخطأت وأنا في الفردوس وإن يغفر لي اليوم حسبي قوله أول رسول بعثه الله قيل آدم عليه السلام أول الرسل لا نوح وكذا شيث وإدريس وهما قبل نوح عليه السلام وأجاب الكرماني بأنه مختلف فيه ويحتمل أن يقال المراد هو أول رسول أنذر قومه الهلاك أو أول رسول له قوم انتهى
قلت في كل من الأجوبة الثلاثة نظر أما الأول فلأن آدم عليه السلام رسول قد أرسل إلى أولاد قابيل ونزل عليه إحدى وعشرون صحيفة أملأها عليه جبريل عليه السلام وكتبها بخطه بالسريانية وفرض عليه في اليوم والليلة خمسون ركعة وحرم عليه الميتة والدم ولحم الخنزير والبغي والظلم والغدر والكذب والزنا وأما الثاني فإن آدم أيضا أنذر أولاده مما فيه الهلاك وأوصى بذلك عند موته وأما الثالث فلأن آدم أيضا له قوم وعن ابن عباس إن آدم عليه السلام لم يمت حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا فرأى فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد ونهاهم قوله ويذكر خطيئته أي ويذكر نوح عليه السلام خطيئته وهي دعوته على قومه بالهلاك وقال الغزالي في ( كشف علوم الآخرة ) إن بين إتيان أهل الموقف آدم وإتيانهم نوحا ألف سنة وكذا بين كل نبي ونبي إلى نبينا وقال بعضهم ولم أقف لذلك على أصل ولقد أكثر في هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصل لها فلا تغتر بشيء منها انتهى
قلت جلالة قدر الغزالي ينافي ما ذكره وعدم وقوفه لذلك على أصل لا يستلزم نفي وقوف غيره على أصل ولم يحط علم هذا القائل بكل ما ورد وبكل ما نقل حتى يدعي هذه الدعوى قوله ائتوا إبراهيم إلى قوله ويذكر خطيئته وهي معاريضه الثلاث وهي قوله بل فعله كبيرهم ( الأنبياء36 ) في كسر الأصنام وقوله لامرأته أنا أخوك وقوله إني سقيم ( الصافات98 ) وقال لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات كلها في الله قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم ( الأنبياء36 ) وقوله لسارة ( هي أختي ) رواه الإمام أحمد والبزار قوله أئتوا موسى عليه السلام إلى قوله خطيئته هي قتل القبطي قوله فيأتونه وفي رواية مسلم فيأتون عيسى عليه السلام ولم يذكر ذنبا وفي حديث أبي نضرة عن أبي سعيد إني عبدت من دون الله وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد وإن يغفر لي اليوم حسبي قوله فيأتوني وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه حدثني نبي الله قال إني لقائم انتظر أمتي تعبر الصراط إذ جاء عيسى فقال يا محمد هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعو الله أن يفرق جميع الأمم حيث يشاء لغم ما هم فيه وهذا يدل على أن الذي وصف من كلام أهل الموقف كله يقع عند نصب الصراط بعد تساقط الكفار في النار قوله فأستأذن وفي رواية هشام فأنطلق حتى أستأذن قال عياض أي في الشفاعة وفي رواية قتادة عن أنس آتي باب الجنة فاستفتح فيقال من هذا فأقول محمد فيقال مرحبا بمحمد وفي حديث سليمان فآخذ بحلقة الباب وهي من ذهب فيقرع الباب فيقال من هذا فيقول محمد فيفتح له حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له قوله وقعت ساجدا نصب على الحال وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا قوله فيدعني أي في السجود ما شاء الله وفي حديث أبي بكر الصديق فيخر ساجدا قد قدر جمعة قوله ثم يقول ليأي ثم يقول الله لي وفي رواية النضر بن أنس فأوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن أذهب إلى محمد فقل له إرفع رأسك فعلى هذا معنى قوله ثم يقول لي على لسان جبريل عليه السلام قوله فيحد لي حدا أي يبين لي في كل طور من أطوار الشفاعة حدا أقف عنده فلا أتعداه مثل أن يقول لي شفعتك فيمن أخل بالجماعة ثم فيمن أخل بالصلاة ثم فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى وعلى هذا الأسلوب كذا حكاه الطيبي قوله ثم أخرجهم من النار قال الداودي كأن راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك في أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف وفي آخره ذكر الشفاعة في الإخراج من النار يعني ذلك إنما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار ثم تقع بعد ذلك الشفاعة في الإخراج وهو إشكال قوي وقد أجاب عنه عياض وتبعه النووي وغيره بأنه قد وقع في

(23/127)


حديث حذيفة المقرون بحديث أبي هريرة بعد قوله فيأتون محمدا فيقوم ويؤذن له أي في الشفاعة ويرسل الأمانة والرحم فيقومان بجنبي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق الحديث قال عياض فبهذا يتصل الكلام لأن الشفاعة التي يجاء الناس إليه فيها هي الإراحة من كرب الموقف ثم تجيء الشفاعة في الإخراج من النار قوله ثم أعود أي بعد إخراج من أخرجهم من النار وإدخال من أدخلهم الجنة قوله مثله أي مثل الأول قوله في الثالثة أي في المرة الثالثة قوله أو الرابعة شك من الراوي وحاصل الكلام أن المرة الأولى الشفاعة لإراحة أهل الموقف والثانية لإخراجهم من النار والثالثة يقول فيها يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن وهكذا هو في أكثر الروايات ولكن وقع عند أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ثم أعود الرابعة فأقول يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن وفسره قتادة بأنه من وجب عليه الخلود يعني من أخبر القرآن بأنه يخلد في النار
6656 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن الحسن بن ذكوان حدثنا أبو رجاء حدثنا عمران ابن حصين رضي الله عنهما عن النبي قال يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين
مطابقته للحديث السابق في الشفاعة و ( يحيى ) هو القطان و ( الحسن بن ذكوان ) بفتح الذال المعجمة أبو سلمة البصري تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما وليس له في البخاري إلا هذا الحديث من رواية يحيى القطان عنه و ( أبو رجاء ) عمران العطاردي
والحديث أخرجه أبو داود في السنة عن مسدد وأخرجه الترمذي في صفة النار وابن ماجه في الزهد جميعا عن محمد بن بشار
7656 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) أن أم ( حارثة أتت ) رسول الله وقد هلك حارثة يوم بدر أصابه غرب سهم فقالت يا رسول الله قد علمت موقع حارثة من قلبي فإن كان في الجنة لم أبك عليه وإلا سوف ترى ما أصنع فقال لها هبلت أجنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه في الفردوس الأعلى وقال غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قدم من الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها يعني الخمار خير من الدنيا وما فيها ( انظر الحديث 2972 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث إلى قوله وإنه في الفردوس الأعلى قد مر في أوائل الباب من رواية أبي إسحاق عن حميد عن أنس وهنا فيه زيادة وهي من قوله وقال غدوة في سبيل الله إلى آخر الحديث
قوله غرب سهم بالإضافة والصفة وسهم غرب هو الذي لا يدري من رمى به قوله وإنه في الفردوس ويروى لفي الفردوس
قوله ولقاب قوس أحدكم اللام فيه مفتوحة للتأكيد والقاب بالقاف والباء الموحدة والقيب بمعنى القدر وعينه وقوله أو موضع قدم أي أو موضع قدم أحدكم ويروى موضع قده بكسر القاف وتشديد الدال أي موضع سوطه لأنه يقد أي يقطع طولا وقيل موضع قده أي شراكه ويروى موضع قدمه قوله ريحا أي ريحا طيبة وفي رواية سعيد بن عامر لملأت الأرض ريح مسك قوله ولنصيفها اللام فيه للتأكيد والنصيف بفتح النون وكسر الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء هو الخمار بكسر الخاء المعجمة وقد فسره في الحديث هكذا وهذا تفسير من قتيبة وعن الأزهري النصيف أيضا يقال للخادم

(23/128)


9656 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال النبي لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة
مطابقته لجزئي الترجمة من حيث كون المقعدين فيهما نوع صفة لهما
وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز وهذا الإسناد بهؤلاء الرجال قد مر مرارا عديدة
والحديث وقع عند ابن ماجه من طريق آخر عن أبي هريرة أن ذلك يقع عند المسألة في القبر
قوله لو أساء يعني لو عمل عمل السوء وصار من أهل جهنم قوله ليزداد شكرا قيل الجنة ليست دار شكر بل هي دار جزاء وأجيب بأن الشكر ليس على سبيل التكليف بل هو على سبيل التلذذ أو المراد لازمه وهو الرضى والفرح لأن الشاكر على الشيء راض به فرحان بذلك قوله لو أحسن أي لو عمل عملا حسنا وهو الإسلام قوله ليكون عليه حسرة أي زيادة في تعذيبه
0756 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( عمرو ) عن ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة فقال لقد ظننت يا با هريرة أن لا يسألني عن هاذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إلاه إلا الله خالصا من قبل نفسه ( انظر الحديث 99 )
لو ذكر هذا عقيب حديث أنس المذكور كان أنسب على ما لا يخفى
وعمرو هو ابن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب
والحديث مضى في كتاب العلم في باب الحرص على الحديث ومر الكلام فيه
قوله يا با هريرة أصله يا أبا هريرة حذفت الألف تخفيفا قوله أن لا يسألني كلمة أن مخففة من المثقلة قوله أول بفتح اللام حال ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أول وفي بعض النسخ أولى منك قوله لما رأيت اللام فيه مكسورة وهي لام التعليل قوله من قبل نفسه بكسر القاف وفتح الباء أي من جهة نفسه طوعا ورغبة ووقع في رواية لأحمد وابن حبان من طريق أخرى عن أبي هريرة نحوه وفيه شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه وهذه الشفاعة غير الشفاعة الكبرى في الإراحة من كرب الموقف
1756 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( عبيدة ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال النبي إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله إذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآي فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملآى فيقول إذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملآى فيقول إذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول تسخر مني أو تضحك مني وأنت الملك فلقد رأيت رسول الله ضحك حتى بدت نواجذه وكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الخروج من النار والدخول في الجنة باعتبار الوجه الذي ذكرناه في التراجم المذكورة

(23/129)


وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة هو ابن عمرو السلماني وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وهؤلاء كلهم كوفيون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن محمد بن خالد وأخرجه مسلم في الإيمان عن عثمان وإسحاق وأخرجه الترمذي في صفة جهنم عن هناد وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن عثمان
قوله إني لأعلم اللام فيه للتأكيد قوله رجل يعني هو رجل يخرج من النار حبوا بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وهو المشي على اليدين أو المشي على الاست يقال حبا الرجل إذا حبا على يديه وحبا الصبي إذا مشى على استه ورأيت في بعض النسخ كبوا بفتح الكاف ووقع في مسلم من رواية أنس آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك ووقع في رواية الأعمش هنا زحفا قوله وعشرة أمثالها قيل عرض الجنة كعرض السموات والأرض فكيف يكون عشرة أمثال الدنيا وأجيب بأن هذا تمثيل وإثبات السعة على قدر فهمنا قوله تسخر مني أو تضحك مني وفي رواية الأعمش أتسخر بي ولم يشك وكذا في مسلم من رواية أنس عن ابن مسعود أتستهزيء مني وأنت رب العالمين قوله وأنت الملك الواو فيه للحال وقال المازري هذا مشكل وتفسير الضحك بالرضا لا يتأتي هنا ولكن لما كانت عادة المستهزىء أن يضحك من الذي استهزأ به ذكر معه وأما نسبة السخرية إلى الله فهي على سبيل المقابلة وإن لم يذكر في الجانب الآخر لفظا لكنه لما عاهد مرارا وغد رحل فعله محل المستهزيء فظن أن في قول الله له ادخل الجنة وتردده إليها وظنه أنها ملأى نوعا من السخرية به جزاء على فعله فسمى الجزاء على السخرية سخرية وقال القرطبي أكثروا في تأويله وأشبه ما قيل فيه إنه استخفه الفرح وأدهشه فقال ذلك وقال الكرماني قوله تسخر مني يقال سخر منه إذا استجهله فإن قلت كيف صح إسناده الهزء أو الضحك إلى الله
قلت أمثال هذه الإطلاقات يراد بها لوازمها من الإهانة ونحوها
قلت فيه تأمل قوله حتى بدت نواجذه بجيم وذال معجمه جمع ناجذ وهو ضرس الحلم وقال ابن الأثير النواجذ من الأسنان الضواحك وهي التي تبدو عند الضحك والأشهر إنها أقصى الأسنان والمراد الأول وقد مر الكلام فيه عن قريب مبسوطا قوله وكان يقال ذلك ويروى ذاك قوله منزلة ويروى منزلا وقال الكرماني قوله وكان يقال ذلك الرجل هو أقل الناس منزلة في الجنة ثم قال وهذا ليس من تتمة كلام رسول الله بل هو كلام الراوي نقلا عن الصحابة أو أمثالهم من أهل العلم وقال بعضهم قائل وكان يقال هو الراوي كما أشار إليه وأما قائل المقالة المذكورة فهو النبي ثبت ذلك في أول حديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار انتهى
قلت كون هذه المقالة في حديث أبي سعيد من كلام النبي لا يستلزم كونها في آخر حديث عبد الله بن مسعود كذلك من كلام النبي
2756 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( عبد الله بن الحارث ابن نوفل ) عن ( العباس ) رضي الله عنه أنه قال ل ( لنبي ) هل نفعت أبا طالب بشيء ( انظر الحديث 3883 وطرفه )
مطابقته للترجمة في بقية الحديث لأنه أخرجه مختصرا بحذف الجواب وجوابه هو قوله فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار وقد مر هذا في كتاب الأدب في باب كنية المشرك
وأخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة وهنا أخرجه عن مسدد عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب والعباس هو ابن عبد المطلب وهو عم جد عبد الله بن الحارث الراوي عنه وللحارث بن نوفل ولأبيه صحية ويقال إن لعبد الله رؤية وهو الذي كان يلقب ببه بباءين موحدتين مفتوحتين الثانية مشددة وفي آخرها هاء ولم يدر ما كان مقصود البخاري من اختصار هذا الحديث وحذف جوابه وذكره هنا ناقصا وقد ذكر في هذا الباب ثلاثة وعشرين حديثا أكثرها في صفة النار والله أعلم

(23/130)


25 -
( باب الصراط جسر جهنم )
أي هذا باب يذكر فيه الصراط جسر جهنم فقوله الصراط مبتدأ وجسر جهنم خبره وهو جسر منصوب على متن جهنم لعبور المسلمين عليه إلى الجنة وجهنم بفتح الجيم ويجوز كسرها وهي لفظة أعجمية وهي اسم لنار الآخرة وقيل هي عربية وسميت بها لبعد قعرها ومنه ركية جهنام وهي بكسر الجيم والهاء وتشديد النون وقيل هو تعريب كهنام
3756 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) أخبرني ( سعيد وعطاء بن يزيد ) أن ( أبا هريرة ) أخبرهما عن النبي
( ح ) وحدثني محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة قال قال أناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك يجمع الله الناس فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس ويتبع من كان يعبد القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيث وتبقى هاذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هاذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب جسر جهنم قال رسول الله فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وبه كلاليب مثل شوك السعدان أما رأيتم شوك السعدان قالوا بلى يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله فتخطف الناس بأعمالهم منهم الموبق بعمله ومنهم المخردل ثم ينجو حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود فيخرجونهم قد امتحشوا فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ويبقى رجل منهم مقبل بوجهه على النار فيقول يا رب قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فاصرف وجهي عن النار فلا يزال يدعو الله فيقول لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيصرف وجهه عن النار ثم يقول بعد ذلك يا رب قربني إلى باب الجنة فيقول أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ويلك يا بن آدم ما أغدرك فلا يزال يدعو فيقول لعلي أن أعطيتك ذلك تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره فيقربه إلى باب الجنة فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول

(23/131)


رب أدخلني الجنة ثم يقول أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول يا رب لا تجعلني أشقاى خلقك فلا يزال يدعو حتى يضحك فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها فإذا دخل فيها قيل له تمن من كذا فيتمنى ثم يقال له تمن من كذا فيتمنى حتى تنقطع به الأماني فيقول له هاذا لك ومثله معه قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا قال عطاء وأبو سعيد الخدري جالس مع ابي هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه إنتهى إلى قوله هذا لك ومثله قال أبو سعيد سمعت رسول الله يقول هذا لك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة حفظت مثله معه
مطابقته للترجمة في قوله ثم يضرب جسر جهنم وهو الصراط وإنما قال الصراط جسر جهنم لأنه ذكر في باب فضل السجود ثم يضرب الصراط فجمع هنا في الترجمة بين اللفظين
وأخرج هذا الحديث من طريقين أحدهما عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة والآخر عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بفتح الميمين بن راشد عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة وليس في هذا الطريق ذكر سعيد وساق الحديث علي هذا الطريق والحديث أخرجه أيضا في التوحيد عن عبد العزيز بن عبد الله وأخرجه مسلم في الإيمان عن زهير بن حرب وأخرجه النسائي في الصلاة عن محمد بن سليمان وفي التفسير عن عيسى ابن حماد وغيره
قوله يوم القيامة أشار به إلى أن السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا وقد أخرج مسلم من حديث ابي أمامة واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وسبب هذا السؤال أنه لما ذكر الحشر والقول ليتبع كل أمة ما كانت تعبد وقول المسلمين هذا مكاننا حتى نرى ربنا يوم القيامة قوله هل تضارون بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء المضمومة من الضر وأصله تضارون بصيغة المعلوم أي هل تضرون أحدا ويجوز بصيغة المجهول أي هل يضركم أحد بمنازعة ومضايقة وفيه وجه ثالث وهو وهل تضارون بالتخفيف من الضير بمعنى الضر يقال ضاره يضره إذا ضره وأصله تضيرون بضم أوله وسكون الضاد وفتح الياء وضم الراء استثقلت الفتحة على الياء لسكون ما قبلها فألقيت حركتها على الضاد وقلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وفيه وجه آخر وهو وهل تضامون بضم أوله وتشديد الميم وقال ابن الأثير وفي حديث الرؤية لا تضامون يروى بالتشديد والتخفيف فالتشديد معناه لا ينضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون وقت النظر إليه ويجوز ضم التاء وفتحها على تفاعلون وتتفاعلون ومعنى التخفيف لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض والضيم الظلم والحاصل أن المادة في هذه الأوجه أربع مواد الضر والضير والضيم والضم فالمتأمل فيها يقف عليها ووقع في رواية للبخاري لا تضامون أو تضاهون بالشك ومعناه لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا وفي رواية شعيب تقدمت في باب فضل السجود هل تمارون بضم أوله وتخفيف الراء أي هل تجادلون في ذلك أو هل يدخلكم فيه شك من المرية وهي الشك قوله في الشمس ذكرها ثم ذكر القمر وخصهما بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظم النور والضياء وحكى بعضهم عن بعض أن الابتداء بذكر القمر قبل الشمس متابعة للخليل عليه السلام واستدل به الخليل على إثبات الوحدانية واستدل به نبينا على إثبات الرؤية انتهى
قلت الابتداء بذكر القمر في رواية مسلم وفي رواية البخاري ذكر الشمس مقدم على الأصل فإن قلت لا بد من الجهة بين الرائي والمرئي
قلت قال الكرماني لا يلزم منه المشابهة في الجهة والمقابلة وخروج الشعاع ونحوه لأنها أمور لازمة للرؤية عادة لا عقلا وقال ابن الأثير قد يتخيل بعض الناس أن الكاف كاف تشبيه للمرئي وهو غلط وإنما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي ومعناه أنها رؤية يزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر وقيل التشبيه برؤية القمر ليقين الرؤية دون تشبيه

(23/132)


المرئي سبحانه وتعالى وقيل التمثيل وقع في تحقيق الرؤية لا في الكيفية لأن الشمس والقمر متحيزان والحق سبحانه منزه عن ذلك وقال النووي مذهب أهل السنة أن رؤية المؤمنين ربهم ممكنة ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج وهو جهل منهم فقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة على إثباتها في الآخرة للمؤمنين
قلت روي في إثبات الرؤية حديث الباب وعن نحو عشرين صحابيا منهم علي وجرير وصهيب وأنس رضي الله تعالى عنهم قوله كذلك أي واضحا جليا بلا مضارة ولا مزاحمة قوله يجمع الله الناس وفي رواية شعيب يحشر الله الناس في مكان وزاد في رواية العلاء في صعيد واحد ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر بالذال أي يخرقهم بالخاء المعجمة والقاف حتى يجوزهم وقيل بالدال المهملة أي يستوعبهم وروى البيهقي في ( الشعب ) إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم الحديث وفي حديث أبي سعيد رواه أحمد بسند جيد أنه يخفف الوقوف على المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة ولأبي يعلى من حديث أبي هريرة كتدلي الشمس للغروب إلى الغروب قوله فيتبع من كان يعبد الشمس التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد من دون الله للتنويه بذكرهما لعظم خلقهما قوله الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان والصنم ويكون جمعا ومفردا ومذكرا ومؤنثا ويطلق أيضا على رؤساء الضلال وقال الجوهري الطاغوت الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال وقد يكون واحدا قال تعالى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ( النساء06 ) وقد يكون جمعا قال تعالى أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم ( البقرة752 ) والطاغوت وإن جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب لأنه من طغى ولاهوت غير مقلوب لأنه من لاه بمنزلة الرغبوت والرحموت انتهى واعترض عليه بأنه ليس يجمع عند المحققين من أهل العربية لأنه مصدر كالرهبوت والرحموت وأصله طغيوت فقدمت الياء على الغين فصار طيغوت فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وإذا ثبت أنها في الأصل مصدر بمعنى الطغيان ثبت أنها اسم مفرد وإنما جاء الضمير العائد عليها جمعا في قوله تعالى يخرجونهم ( البقرة752 ) لكونها جنسا معرفا بلام الجنس قوله وتبقى هذه الأمة قيل يحتمل أن يكون المراد بالأمة أمة محمد ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فيدخل فيها جميع أهل التوحيد حتى الجن يدل عليه ما في بقية الحديث أنه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر
قلت الإشارة بقوله هذه الأمة ينافي تناوله لغير أمة النبي وقوله يدل عليه مافي بقية الحديث ليس كذلك لأن هذا في حديث أبي سعيد الخدري في رواية مسلم قوله منافقوها ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين في الآخرة ينفعهم فاختلطوا بهم في ذلك اليوم حتى يضرب بينهم بسور له باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ( الحديد31 ) قوله فيأتيهم الله المراد من الإتيان التجلي وكشف الحجاب وقيل الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالمجيء إليه فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمة الحدود وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله قوله في غير الصورة التي يعرفون الصورة من المشابهات والأمة فيها فرقتان المفوضة والمأولة فمن أوله قال المراد من الصورة الصفة أو آخراج الكلام على سبيل المطابقة قوله يعرفون فإن قلت لم يتقدم لهم رؤية فكيف يعرفون
قلت إنما عرفوه في الدنيا بالصفة أي بوصف الأنبياء لهم وقيل يخلق الله فيهم علما وقيل يصير جميع المعلومات ضروريا قوله نعوذ بالله منك قال الخطابي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين قال عياض هذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به وقال النووي الذي قاله عياض صحيح ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه وقال ابن الجوزي معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا أتانا بما نعرفه بالصورة وهي الصفة فإن قلت ما الحكمة في إتيانه بغير الصورة التي كانوا يعرفونه
قلت للامتحان وقيل يحتمل أن يأتيهم بصور مختلفة فيقول أنا ربكم على وجه الامتحان قوله

(23/133)


فيقولون أنت ربنا قيل فيه إشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا والعلم عند الله عز و جل وقال الخطابي هذه الرؤية غير الرؤية التي تقع في الجنة إكراما لهم فإن هذه للامتحان وتلك لزيادة الإكرام فإن قلت الامتحان من التكليف ولا تكاليف يوم القيامة
قلت آثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو في النار وقال الطيبي لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحد منهما ما يخص بالأخرى فإن القبر أو منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره قوله ويضرب جسر جهنم هو جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف وفي مسلم قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة يكون يتخذ فيها شويكة يقال لها السعدان قوله من يجيز من أجزت الوادي وجزته بمعنى مشيت عليه وقطعته وقيل معناه لا يجوز أحد على الصراط حتى يجوز هو وقال النووي المعنى أكون أنا وأمتي أول من يمضي على الصراط قوله وبه كلاليب جمع كلوب كتنور والضمير في به يرجع إلى الجسر وفي رواية شعيب وفي جهنم كلاليب وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به قوله مثل شوك السعدان بلفظ التثنية وهو جمع سعدانة وهو نبت ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاه قالوا مرعى ولا كالسعدان قوله أما رأيتم شوك السعدان هو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة قوله غير أنها أي الشوكة وفي رواية الكشميهني غير إنه والضمير للشأن قوله لا يعلم قدر عظمها إلا الله وفي رواية مسلم لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله وقال ابن التين قرأناه بضم العين وسكون الظاء وفي رواية أخرى بكسر العين وفتح الظاء وهو أشبه لأنه مصدر وقال الجوهري عظم الشيء عظما أي كبر فتقديره لا يعلم قدر كبرها إلا الله وعظم الشيء أكثره قوله فتخطف بفتح الطاء وكسرها وقال ثعلب في ( الفصيح ) خطف بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع وحكى الفراء عكسه والكسر في المضارع أفصح قوله بأعمالهم يتعلق بقوله تخطف والباء فيه للسببية نحو إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ( البقرة45 ) فكلا أخذنا بذنبه ( العنكبوت04 ) قوله فمنهم الموبق هذا تفسير لما قبله من قوله بأعمالهم أي فمن الناس الموبق بضم الميم وفتح الباء الموحدة أي المهلك بسبب عمله السيء يقال وبق يبق ووبق يوبق فهو وبق وأوبقه غيره فهو موبق ورواية شعيب فمنهم من يوبق أي يهلك وفي رواية لمسلم فمنهم الموثق بالثاء المثلثة المفتوحة من الوثاق وفي رواية الأصيلي ومنهم المؤمن بكسر الميم بعدها نون يقي بعمله بفتح الياء آخر الحروف وكسر القاف من الوقاية أي يستره عمله قوله ومنهم المخردل بالخاء المعجمة قال الكرماني المخردل المصروع وما قطع أعضاؤه أي جعل كل قطعة منه بمقدار خردلة وقال ابن الأثير المخردل المرمي المصروع وقيل المقطع تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار يقال خردلت اللحم بالدال والذال أي فصلت أعضاءه وقطعته وفي رواية شعيب ومنهم من يخردل على صيغة المجهول ووقع في رواية الأصيلي هنا بالجيم من الجردلة وهي الإشراف على السقوط وكذا وقع لأبي أحمد الجرجاني وفي رواية شعيب وهاه عياض والدال مهملة للجميع وحكى أبو عبيد فيه إعجام الدال ورجح صاحب ( المطالع ) الخاء المعجمة والدال المهملة وفي رواية مسلم ومنهم المجازي حتى ينجى قوله ثم ينجو من النجاة وفي رواية إبراهيم بن سعد ثم ينجلي بالجيم أي يبين ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي يخلى عنه وهو الأشبه قوله حتى إذا فرغ الله الفراغ الخلاص من المهام وهو محال على الله تعالى والمراد إتمام الحكم بين العباد قوله أن يخرج بضم الياء من الإخراج قوله من أراد مفعول أن يخرج قوله أمر الملائكة أن يخرجوهم أي أن يخرجوا من كان يشهد أن لا إله إلا الله وفي حديث أبي سعيد حتى إذا فرغ من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله قوله بعلامة آثار السجود أثر السجود هو الجبهة ويحتمل أن يراد الأعظم السبعة قوله وحرم الله على النار هو جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف يعرفونهم بأثر السجود مع قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة حاصل المعنى أن الله عز و جل يخصص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دل عليها هذا الخبر وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود من المؤمن قوله قد امتحشوا على صيغة المجهول من الامتحاش بالحاء المهملة

(23/134)


والشين المعجمة وهو الاحتراق ويروى بصيغة المعلوم وهو الأصح قوله ماء الحياة وفي حديث أبي سعيد فيلقون في نهر الحياة أو الحيا وفي رواية أخرى فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة والأفواه جمع فوهة على غير قياس قوله الحبة بكسر الحاء بزر الرياحين وقيل بزور الصحراء قوله في حميل السيل أي في محموله أي في الذي يحمله السيل من الغثاء وقد مر الكلام فيه في باب صفة الجنة والنار قوله ويبقى رجل منهم في رواية الكشميهني وكان هذا الرجل نباشا من بني إسرائيل قوله فيقول يا رب في رواية إبراهيم بن سعد أي رب على ما يجيء في التوحيد قوله قد قشبني بقاف وشين معجمة مفتوحتين مخففا وروي التشديد وقال الخطابي قشب الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ يكظمه وقال الكرماني القشب الإصابة بكل ما يكره ويستقذر قوله ذكاؤها كذا هو بالمد في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية أبي ذر وغيره ذكاها بالقصر وهو الأشهر في اللغة وقال ابن القطاع يقال ذكت النار تذكو ذكا بالقصر وذكوا بالضم وتشديد الواو أي كثر لهبها واشتد اشتعالها ووهجها قوله فاصرف وجهي عن النار قيل كيف يقول هذا القول والحال أنه يمر على الصراط طالبا الجنة فوجهه إلى الجنة وأجيب بأنه قيل إنه كان يتقلب على الصراط ظهرا لبطن فكأنه في تلك الحالة انتهى إلى آخره فصادف أن وجهه كان من قبل النار ولم يقدر على صرفه عنها باختياره فسأل الله تعالى في ذلك
قلت الأحسن أن يقال إنه من قبيل قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم ( الفاتحة6 ) أي ثبت صرف وجهي عن النار لأنه لما توجه إلى الجنة سأل الله تعالى أن يديم عليه صرف وجهه عن النار لما كان يقاسي منها قوله فيصرف وجهه عن النار على صيغة المجهول قوله ما أغدرك فعل التعجب من الغدر وهو نقض العهد وترك الوفاء قوله فإذا رأى ما فيها فإن قلت كيف رأى ما في الجنة والحال أنه لم يدخلها وقتئذ
قلت لأن جدار الجنة شفاف فيرى باطنها من ظاهرها كما جاء في وصف الغرف وقيل المراد من الرؤية العلم الذي يحصل له من سطوع رائحتها الطيبة وأنوارها المضيئة كما كان يحصل له من سطوع رائحة النار ونفحها وهو خارجها قوله لا تجعلني أشقى خلقك المراد بالخلق هنا من دخل الجنة قيل ليس هو أشقى الخلق لأنه مؤمن خارج من النار وأجيب بأن الأشقى بمعنى الشقي أو يخصص الخلق بالخارجين منها قوله حتى يضحك قيل الضحك لا يصح على الله وأجيب بأنه مجاز عن الرضا به قوله من كذا أي من الجنس الفلاني
قوله قال أبو هريرة هو موصول بالسند المذكور قوله وذلك الرجل قيل اسمه هناد بالنون والمهملة وقيل جهينة وقد وقع في ( غرائب مالك ) للدارقطني من طريق عبد الملك بن الحكم وهو رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين وقيل وجه الجمع بين الروايتين أنه يجوز أن يكون أحدالإسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر قوله الأماني جمع أمنية قوله هذا لك ومثله معه هذا إشارة إلى متمناه الذي وقف عليه
قوله قال وأبو سعيد الخدري جالس القائل هو عطاء بن يزيد بينه إبراهيم بن سعد في روايته عن الزهري قال قال عطاء بن يزيد وأبو سيعد الخدري رضي الله تعالى عنه قوله هذا لك عشرة أمثاله وجه الجمع بين الروايتين أنه يحتمل أن يكون قد أخبر بالمثل أو لا ثم اطلعه الله تعالى بتفضله بالعشرة
35 -
( باب في الحوض )
أي هذا باب في ذكر حوض النبي والحوض الذي يجمع فيه الماء ويجمع على أحواض وحياض والأحاديث التي وردت فيه كثيرة بحيث صارت متواترة من جهة المعنى والإيمان به واجب وهو الكوثر على باب الجنة يسقى المؤمنون منه وهو مخلوق اليوم وقال القرطبي في ( التذكرة ) ذهب صاحب ( القوت ) وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط وذهب آخرون إلى العكس والصحيح أن للنبي حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل الجنة وكل منهما يسمى كوثرا وفي بعض النسخ كتاب في الحوض وقبله البسملة

(23/135)


وقول الله تعالى ( 108 ) إنا أعطيناك الكوثر ( الكوثر1 )
وقول الله بالجر عطف على قوله في الحوض الكوثر فوعل من الكثرة والعرب تسمى كل شيء كثير في العدد أو القدر والخطر كوثرا وعن سفيان بن عيينة قيل لعجوز آب ابنها من السفر بما آب ابنك قالت آب بكوثر يعني بمال كثير وهو اسم لحوض النبي كما ذكرناه وعن أنس رضي الله تعالى عنه في ذكر الكوثر هو حوض ترد عليه أمتي وقد اشتهر اختصاص نبينا بالحوض لكن أخرج الترمذي من حديث سمرة رفعه أن لكل نبي حوضا وقال اختلف في وصله وإرساله وأن المرسل أصح والمرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو من عرف من أمته ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن سمرة موصولا مرفوعا وفي إسناد لين فإن ثبت فالمختص بنبينا الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره وقد امتن الله عز و جل عليه به في السورة المذكورة
وقد أنكر الحوض الخوارج وبعض المعتزلة وممن كان ينكره عبيد الله بن زياد أحد أمراء العراق وهؤلاء ضلوا في ذلك وخرقوا إجماع السلف وفارقوا مذهب أئمة الخلف
ورويت أحاديث الحوض عن أكثر من خمسين صحابيا منهم ابن عمر وأبو سعيد وسهل بن سعد وجندب وأم سلمة وعقبة بن عامر وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب والمستورد وأبو ذر وثوبان وأنس وجابر بن سمرة فهؤلاء أخرج عنهم مسلم وأبو بكر الصديق وزيد ابن أرقم وأبو أمامة وعبد الله بن زيد وسويد بن جبلة وعبد الله الصنابحي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وابن عباس وكعب بن عجرة وبريدة وأبو الدرداء وأبي بن كعب وأسامة بن زيد وحذيفة بن أسيد وحمزة بن عبد المطلب ولقيط بن عامر وزيد بن ثابت والحسن بن علي وأبو بكرة وخولة بنت حكيم وحديث أبي بكر عند أحمد وأبي عوانة وحديث زيد بن أرقم عند البيهقي وغيره وحديث أبي أمامة عند ابن حبان وغيره وحديث عبد الله بن زيد عند البخاري وحديث سويد بن جبلة عند أبي زرعة الدمشقي في ( مسنده ) وحديث عبد الله الصنابحي عند أحمد وابن ماجه وحديث البراء بن عازب وحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه عند البخاري وحديث خولة بنت قيس عند الطبراني وحديث ابن عباس عند البخاري وحديث كعب ابن عجرة عند الترمذي والنسائي وحديث بريدة عند ابن أبي عاصم وأحاديث ابن أبي بن كعب ومن ذكر معه إلى خولة بنت حكيم كلها عند ابن أبي عاصم وعرباض بن سارية عند ابن حبان وأبو مسعود البدري وسلمان الفارسي وسمرة بن جندب وعقبة بن عمرو عند الطبراني وخباب بن الأرت عند الحاكم والنواس بن سمعان عند ابن أبي الدنيا وعبد الرحمن بن عوف عند ابن منده وعثمان بن مظعون عند ابن كثير في ( نهايته ) ومعاذ بن جبل ولقيط بن صبرة عند ابن القيم في ( الحاوي ) وجابر بن عبد الله عند أحمد والبزار وعمر وعائذ بن عمرو وأبو برزة وأخو زيد بن أرقم ويقال إن اسمه ثابت عند أحمد
وقال عبد الله بن زيد قال النبي اصبروا حتى تلقوني على الحوض
عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وهذا التعليق وصله البخاري بحديث طويل في غزوة حنين
5756 - حدثني يحياى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله عن النبي أنا فرطكم على الحوض
( ح ) وحدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة قال سمعت أبا وائل عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله

(23/136)


عليه وسلم قال أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
مطابقته للترجمة ظاهرة وفي أحاديث الباب كلها ذكر الحوض ما عدا حديث أبي هريرة الذي روي عنه عطاء بن يسار على ما يجيء إن شاء الله تعالى فلا يحتاج عند ذكرها إلى ذكر وجه المطابقة
وأخرجه من طريقين الأول عن ( يحيى بن حماد ) الشيباني البصري عن أبي عوانة الوضاح عن ( سليمان ) الأعمش عن ( شقيق ) بن سلمة عن ( عبد الله ) بن مسعود الثاني عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا عن محمد بن جعفر عن شعبة عن المغيرة بن مقسم الضبي عن أبي وائل هو شقيق المذكور عن عبد الله
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن عثمان بن أبي شيبة وغيره
قوله أنا ( فرطكم على الحوض ) الفرط بفتح الفاء والراء الذي يتقدم الواردين ليصلح لهم الحياض والدلاء ونحوها يقال فرطت القوم إذا تقدمتهم لترداد لهم الماء وتهيء لهم وفيه بشارة لهذه الأمة فهنيئا لمن كان رسول الله فرطه
قوله ليرفعن على صيغة المجهول أي يظهرهم لي حتى أراهم قوله ليختلجن بلفظ المجهول أيضا أي يعدل بهم عن الحوض ويجذبون من عندي قال الكرماني وهم إما المرتدون وإما العصاة
تابعه عاصم عن أبي وائل وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي
أي تابع سليمان الأعمش عاصم بن أبي النجود قارىء الكوفة في روايته عن أبي وائل المذكور عن عبد الله بن مسعود ووصله الحارث بن أبي أسامة في ( مسنده ) من طريق سفيان الثوري عن عاصم قوله حصين مصغر حصن بن عبد الرحمن عن أبي وائل عن حذيفة يعني خالف حصين سليمان الأعمش وعاصما فقال عن أبي وائل عن حذيفة ووصل هذه المتابعة مسلم من طريق حصين
7756 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح
( يحيى ) هو القطان و ( عبيد الله ) هو ابن عمر العمري
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن زهير بن حرب وغيره
قوله أمامكم بفتح الهمزة أي قدامكم قوله حوض وفي رواية السرخسي حوضي بزيادة ياء الإضافة قوله جرباء بفتح الجيم وسكون الراء وبالباء الموحدة مقصورا عند الجمهور وقال عياض جاء في البخاري ممدودا وقال النووي في ( شرح مسلم ) الصواب أنها مقصورة وذكرها البخاري ومسلم قال والمد خطأ وأذرح بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء وبالحاء المهملة كذا في رواية الجمهور قال عياض ووقع في رواية العذري في مسلم بالجيم وهو وهم قال الكرماني وهما موضعان قال وفي ( صحيح مسلم ) قال عبيد الله فسألته يعني ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما فقال قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال انتهى
قلت قال الرشاطي الجرباء على لفظ تأنيث الأجرب قرية بالشام وقال ابن وضاح أذرح بفلسطين قال الرشاطي وباذرح بايع الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما معاوية وأعطاه معاوية مائتي ألف درهم
وهذا الموضع يحتاج إلى بسط كلام لوقوع الاختلاف الكثير في طول الحوض وعرضه وهنا قال ما بين جرباء وأذرح ولم بين قدر المسافة بينهما وفي حديث عبد الله بن عمرو على ما يجيء حوضي مسيرة شهر وفي حديث أنس عنده أيضا قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وفي حديث حارثة بن وهب عنده أيضا كما يبين المدينة وصنعاء وفي حديث جابر بن سمرة عند مسلم بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة وفي حيث عقبة بن عامر عنده أيضا وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة وفي حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه ما بين عدن وأيلة وفي حديث أبي ذر ما بين عمان إلى أيلة وفي حديث أبي بردة عند ابن حبان ما يين ناحيتي حوضي كما يبين أيلة وصنعاء مسيرة شهر وفي حديث جابر رضي الله تعالى عنه كما يبين صنعاء إلى

(23/137)


المدينة وفي حديث ثوبان ما بين عدن وعمان البلقاء وعند عبد الرزاق في حديث ثوبان ما بين مكة وأيلة وفي لفظ ما بين مكة وعمان وفي حديث عبد الله بن عمر وعند أحمد بعدها بين مكة وأيلة وفي لفظ ما بين مكة وعمان وفي حديث حذيفة بن أسيد ما بين صنعاء إلى بصري وفي حديث أنس عند أحمد كما بين مكة وأيلة أو بين صنعاء ومكة وفي حديث أبي سعيد عند ابن أبي شيبة وابن ماجه ما بين كعبة إلى القدس وفي حديث عتبة بن عمر وعند الطبراني كما بين البيضاء إلى بصري
وقد جمع العلماء بين هذا الاختلاف فقال القاضي عياض هذا من اختلاف التقادير لأن ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد اضطرابا من الرواة وإنما جاء من أحاديث مختلفة عن غير واحد من الصحابة سمعوه في مواطن مختلفة وكان النبي يضرب في كل منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته بما سنح له من العبارة ويقرب ذلك ببعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة المتحققة قال فبهذا يجمع بين الألفاظ المختلفة من جهة المعنى انتهى وقال بعضهم وفيه نظر من جهة أن ضرب المثل والتقدير إنما يكون فيما يتقارب وإما هذا الاختلاف المتباعد الذي يزيد تارة إلى ثلاثين يوما وينقص إلى ثلاثة أيام فلا انتهى
قلت في نظره نظر لأنه يحتمل أنه لما أخبر بثلاثة أيام كان هذا المقدار ثم إن الله تعالى تفضل عليه باتساعه شيئا بعد شيء وكلما اتسع أخبره بقدر ما اتسع وكل من روى بمقدار خلاف ما رواه غيره بحسب ذلك وبهذا الوجه يحصل الجواب الشافي عن الاختلاف المذكور فلا يحتاج بعد ذلك إلى كلام طويل غير طائل كما صدر ذلك عن بعضهم
وأما تفسير المواضع المذكورة فنقول الأيلة مدينة كانت عامرة وهي بطرف بحر القلزم من طرف الشام وهي الآن خراب يمر بها الحاج من مصر وغزة وإليها تنسب العقبة المشهورة عند أهل مصر بينها وبين المدينة النبوية نحو شهر بسير الأثقال كل يوم مرحلة وإلا فدون ذلك وصنعاء ثنتان إحداهماصنعاء اليمن أعظم مدنها والأخرى صنعاء قرية عل باب دمشق من ناحية باب الفراديس قاله ياقوت والأولى هي المرادة في الحديث فلذلك قيد في الحديث وصنعاء من اليمن والجحفة بضم الجيم وسكون الحاء وهو موضع بالقرب من رابغ وهي من ميقات أهل الشام ومصر واليوم أهل الشام يحرمون من ذي الحليفة ميقات أهل المدينة وعدن مدينة في أقصى اليمن على ساحل بحر الهند وعمان ثنتان الأولى بفتح العين وتشديد الميم وبتخفيفها بلد قريب من البلقاء فلذك قيل عمان البلقاء والأخرى بضم العين وتخفيف الميم بلد على شاطىء البحر بين البصرة وعدن والبلقاء بفتح الباء الموحدة وسكون اللام بعدها قاف وبالمد بلدة معروفة من فلسطين قاله بعضهم
قلت البلقاء تمد وتقصر وقال الرشاطي البلقاء من عمل دمشق وبصري بضم الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة قال ياقوت بلد بالشام وهي قصبة حوران من أعمال دمشق والبيضاء بالقرب من الربذة البلد المعروف بين مكة والمدينة وقال الرشاطي البيضاء تأنيث الأبيض موضع تلقاء حمى الربذة
8756 - حدثني ( عمرو بن محمد ) حدثنا ( هشيم ) أخبرنا ( أبو بشر وعطاء بن السائب ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنه قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه
( انظر الحديث 6694 )
أشار به إلى تفسير الكوثر في قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر ( الكوثر1 )
قد مضى هذا في تفسير سورة الكوثر فإنه أخرجه هناك عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير وهنا أخرجه عن عمرو بن محمد بن بكير الناقد البغدادي وهو شيخ مسلم أيضا يروي عن هشيم مصغر هشم ابن بشير بالتصغير أيضا عن أبي بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس وعن عطاء بن السائب الكوفي المحدث المشهور من صغار التابعين صدوق اختلط في آخر عمره وسماع هشيم منه بعد اختلاطه فلذلك أخرج له البخاري مقرونا بأبي بشر وماله غيره إلا في هذا الموضع
قوله إياه أي النبي
قال أبو بشر قلت لسعيد إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة

(23/138)


من الخير الذي أعطاه الله إياه
أبو بشر هو جعفر المذكور وسعيد هو ابن جبير قوله إنه أي إن الكوثر نهر في الجنة قال الهروي جاء في التفسير أنه أي الكوثر القرآن والنبوة
9756 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( نافع بن عمر ) عن ( ابن أبي مليكة ) قال قال ( عبد الله بن عمرو ) قال النبي قوله حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المس وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها فلا يظمأ أبدا
سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي المصري ونافع بن عمر الجمحي المكي وابن أبي مليكة عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة التيمي المكي يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الحوض عن داود بن عمرو عن نافع به قوله حوضي مسيرة شهر وفي رواية مسلم مسيرة شهر وزواياه سواء قوله ماؤه أبيض من اللبن قال المازري مقتضى كلام النحاة أن يقال أشد بياضا ولا يقال أبيض من كذا ومنهم من أجازه في الشعر ومنهم من أجاز بقلة ويشهد له هذا الحديث وغيره وقال بعضهم يحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة فقد وقع في رواية أبي ذر عند مسلم بلفظ أشد بياضا من اللبن انتهى
قلت القول بأن هذا جاء من النبي أولى من نسبة الرواة إلى الغلط على زعم النحاة واستشهاده لذلك برواية مسلم لا يفيده لأنه لا مانع أن يكون النبي استعمل أفعل التفضيل من اللون فيكون حجة على النحاة قوله وريحه أطيب من المسك وعند الترمذي من حديث ابن عمر أطيب ريحا من المسك وعند ابن حبان في حديث أبي أمامة أطيب رائحة وزاد ابن أبي عاصم وابن أبي الدنيا في حديث بريدة وألين من الزبد وزاد مسلم في حديث أبي ذر وثوبان وأحلى من العسل وزاد أحمد في حديث ابن عمرو من حديث ابن مسعود وأبرد من الثلج وعند الترمذي في حديث ابن عمر وماؤه أشد بردا من الثلج قوله وكيزانه جمع كوز قوله كنجوم السماء الظاهر أن التشبيه في العدد ويحتمل أن يكون في الضياء وعند مسلم من حديث ابن عمر فيه أباريق كنجوم السماء قوله من شرب منها أي من الكيزان وفي رواية الكشميهني من شرب منه أي من شرب من الحوض قوله فلا يظمأ أبدا أي فلا يعطش أبدا وزاد ابن أبي عاصم في حديث أبي ابن كعب ومن صرف عنه لم يرو أبدا
0856 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( ابن وهب ) عن ( يونس ) قال ( ابن شهاب ) حدثني ( أنس ابن مالك ) رضي الله عنه أن رسول الله قال إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء
سعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد الأياي
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن حرملة
قوله حدثني أنس هذا يرد قول من قال بأن ابن شهاب لم يسمعه من أنس قوله وصنعاء من اليمن احترز بقوله من اليمن عن صنعاء التي من الشام وقد ذكرناه عن قريب قوله من الأباريق جمع إبريق قال الجوهري الإبريق فارسي معرب قوله كعدد نجوم السماء التشبيه هنا في العدد
1856 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) عن النبي
وحدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) عن النبي قال بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف قلت ما هاذا يا جبريل قال هذا الكوثر

(23/139)


الذي أعطاك ربك فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر شك هدبة
أبو الوليد هشام بن عبد الملك وهمام هو ابن يحيى الأزدي
وأخرج الحديث من طريقين الأول عن أبي الوليد عن همام عن قتادة عن أنس والثاني عن هدبة بن خالد إلى آخره وفيه صرح بتحديث الزهري عن أنس وفي الطريق الأول بالعنعنة
قوله بينما أنا أسير في الجنة كان هذا في ليلة الإسراء وصرح بذلك في تفسير سورة الكوثر وقال الداودي إن كان هذا أي قوله إذا أنا بنهر محفوظا دل على أن الحوض الذي يدفع عنه أقوام يوم القيامة غير النهر الذي في الجنة أو يكون هو الذي يراهم وهو داخل وهم من خارجها فيناديهم فيصرفون عنه وأنكر عليه بعضهم فقال يغني عنه أن الحوض الذي هو خارج الجنة يمد من النهر الذي هو داخل الجنة فلا إشكال انتهى
قلت هذا الذي قاله يحتاج إلى دليل أنه يمد من النهر الذي في الجنة ونقول أحسن من ذلك أن يقال إن للنبي حوضين أحدهما في الجنة والآخر يكون يوم القيامة وقد ذكرنا عن قريب قوله حافتاه بتخفيف الفاء أي جابناه ولا منافاة بين كونه نهرا أو الحوض لإمكان اجتماعهما قوله قباب الدر القباب بكسر القاف وتخفيف الباء الموحدة الأولى جمع قبة من البناء ويجمع على قبب أيضا والدر جمع درة وهي اللؤلؤة قوله المجوف أي الخاوي قوله فإذا طينه بكسر الطاء وسكون الياء آخر الحروف بعدها نون قوله أو طيبه بكسر الطاء وسكون الياء آخر الحروف بعدها باء موحدة والشك فيه من هدبة شيخ البخاري قوله اذفر بالذال المعجمة أي الذكي الرائحة وقال ابن فارس الذفر حدة الرائحة الطيبة والخبيثة
2856 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) عن النبي قال ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك
وهيب مصغر وهب بن خالد البصري وعبد العزيز هو ابن صهيب أبو حمزة البصري
والحديث أخرجه مسلم في المناقب عن محمد بن حاتم
قوله ليردن باللام المفتوحة للتأكيد ويردن بالنون الثقيلة قوله علي بتشديد الياء وناس بالرفع فاعل يردن وكلمة من في من أصحابي للتبيين والحوض منصوب بقوله ليردن قوله اختلجوا بالخاء المعجمة والجيم أي جذبوا من الخلج وهو النزع والجذب قوله دوني أي بالقرب مني قوله فأقول أصحابي بالتكبير في رواية الكشميهني وفي رواية غيره أصيحابي بالتصغير قوله فيقول وفي رواية الكشميهني فيقال قوله ما أحدثوا بعدك أي من المعاصي الموجبة الحرمان الشرب من الحوض
3856 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم حدثا محمد بن مطرف ) حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل ابن سعد ) قال قال النبي إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم
قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال هكذا سمعت من سهل فقلت نعم فقال أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي وقال ابن عباس سحقا بعدا يقال سحيق بعيد وسحقه وأسحقه أبعده )
محمد بن مطرف بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الراء المكسورة وبالقاف أبو غسان الليثي المدني نزل عسقلان وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري قوله إني فرطكم ويروى أنا فرطكم والفرط بفتحتين الذي يتقدم الواردين ليصلح لهم الحياض وقد مر عن قريب قوله ويعرفوني ويروى

(23/140)


ويعرفونني على الأصل قوله يحال على صيغة المجهول من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما من الآخر قوله لسمعته اللام فيه للتأكيد قوله وهو يزيد فيها أي والحال أنه يزيد في هذه المقالة والذي زاده هو قوله فأقول إلى قوله وقال ابن عباس قوله سحقا أي بعدا وكرر للتأكيد وهو نصب على المصدر وهذا مشعر بأنهم مرتدون عن الدين لأنه يشفع للعصاة ويهتم بأمرهم ولا يقول لهم مثل ذلك قوله وقال ابن عباس أي عبد الله بن عباس وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم من رواية علي بن أبي طلحة عنه بلفظة قوله يقال سحيق أي بعيد من كلام أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى أو تهوي به الريح في مكان سحيق ومنه النخلة السحوق الطويلة قوله سحقه وأسحقه أبعده ثبت هذا في رواية الكشميهني وأشار به إلى أن معنى سحقه الذي هو ثلاثي ومعنى أسحقه الذي هو مزيد فيه بمعنى واحد وهو أبعده وهذا أيضا من كلام أبي عبيدة
5856 - وقال ( أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي ) حدثنا أبي عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) أنه كان يحدث أن رسول الله قال يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقهرى
هذا تعليق عن أحمد بن شبيب بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى ابن سعيد الحبطي بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وبالطاء المهملة ينسب إلى الحبطات من تميم وهو الحارث بن عمرو بن تميم بن مر والحارث هو الحبط وولده يقال لهما الحبطات وأحمد هذا يروي عن أبيه شبيب بن سعيد عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
ووصل هذا التعليق أبو عوانة عن أبي زرعة الرازي وأبي الحسن الميموني قالا حدثنا أحمد بن شبيب به
قوله يرد علي بتشديد الياء قوله رهط قد مر غير مرة أن الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى الأربعين ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع قوله فيحلؤون من التحلثة بالحاء المهملة وتشديد اللام بعدها همزة مضمومة على صيغة المجهول أي يمنعون ويطردون يقال حلأه عن الماء إذا طرده ومنعه منه هذا هكذا في رواية الكشميهني ويروى فيجلون على صيغة المجهول أيضا بالجيم الساكنة وفتح اللام أي يصرفون قوله على أدبارهم ويروى على أعقابهم قوله القهقري هو الرجوع إلى خلف فإذا قلت رجعت القهقري فكأنك قلت رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم لأن القهقري ضرب من الرجوع وقال ابن الأثير القهقري مصدر فيكون منصوبا على المصدرية من غير لفظه كما في قولك قعدت جلوسا
6856 - حدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( ابن المسيب ) أنه كان يحدث عن ( أصحاب ) النبي أن النبي قال يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلوون عنه فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ( انظر الحديث 5856 )
أحمد بن صالح أبو جعفر المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن أصحاب النبي هذا هو الحديث الذي مضى غير أن في ذاك قال سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وهنا قال عن أصحاب النبي وهذا الاختلاف لا يضر لأن أبا هريرة داخل فيهم ولا يقال إنه رواية عن مجهول لأن الصحابة كلهم عدول

(23/141)


وقال شعيب عن الزهري كان أبو هريرة يحدث عن النبي فيجلون وقال عقيل فيحلؤون
شعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي وأشار بهذا إلى أن شعيبا وعقيل بن خالد الأيلي اختلفا في روايتهما عن الزهري فروى شعيب فيجلون بالجيم وروى عقيل فيحلؤون بالحاء المهملة وقد مر ضبطهما وتفسيرهما الآن
وقال الزبيدي عن الزهري عن محمد بن علي عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة نسبة إلى زبيد قبيلة ومن المنسوبين إليها محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الشامي الحمصي صاحب الزهري يروي عن الزهري عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني المشهور بالباقر عن عبيد الله بن أبي رافع مولى النبي واسم أبي رافع أسلم وقال الغساني وفي بعض النسخ عبد الله مكبر وهو وهم وفيه ثلاثة من التابعين وهم الزهري وشيخه وشيخ شيخه وهذا التعليق وصله الدارقطني في الأفراد من رواية عبد الله بن سالم عنه كذلك
7856 - حدثني ( إبراهيم بن المنذر الحزامي ) حدثنا ( محمد بن فليح ) حدثنا أبي قال حدثني ( هلال ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين قال إلى النار والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم قلت أين قال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم
قيل لا مطابقة بينه وبين الترجمة على ما لا يخفى
قلت ذكره عقيب الحديث السابق لمطابقة بينهما من حيث المعنى فالمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء
ومحمد بن فليح بضم الفاء يروي عن أبيه فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة ورجال سنده كلهم مدنيون
والحديث أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم
قوله بينا أنا قائم بالقاف في رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين بالنون بدل القاف والأول أوجه لأن المراد هو قيامه على الحوض ووجه الأول أنه رأى في المنام ما سيقع له في الآخرة قوله فإذا زمرة كلمة إذا للمفاجأة والزمرة الجماعة قوله خرج رجل المراد به الملك الموكل به على صورة الإنسان قوله هلم خطاب للزمرة ومعناه تعالوا وهو على لغة من لا يقول هلما هلموا هلمي قوله فقلت أين القائل هو النبي أي تطلبهم إلى أين تؤديهم قال أؤديهم إلى النار قوله وما شأنهم أي وما حالهم حتى تروح بهم إلى النار قال إنهم ارتدوا إلى آخره قوله فلا أراه بضم الهمزة أي فلا أظن أمرهم أنه يخلص منهم إلا مثل همل النعم بفتح الهاء والميم وهو ما يترك مهملا لا يتعهد ولا يرعى حتى يضيع ويهلك أي لا يخلص منهم من النار إلا قليل وهذا يشعر بأنهم صنفان كفار وعصاة وقال الخطابي الهمل يطلق على الضوال ويقال الهمل الإبل بلا راع مثل النفش إلا أن النفش لا يكون إلا ليلا والهمل يكون ليلا ونهارا ويقال إبل هاملة وهمال وهوامل وتركتها هملا أي سدى إذا أرسلتها ترعى ليلا أو نهارا بلا راع وفي المثل اختلط المرعى بالهمل

(23/142)


8856 - حدثني ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( عبيد الله ) عن ( خبيب ) عن ( حفص ابن عاصم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي
عبيد الله هو ابن عمر العمري وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة الأولى ابن عبد الرحمن أبو الحارث الأنصاري خال عبيد الله المذكور وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو جد عبيد الله المذكور
والحديث مضى في آخر الصلاة وفي آخر الحج عن مسدد عن يحيى بن سعيد وأخرجه مسلم في الحج عن زهير بن حرب وغيره
قوله ومنبري قالوا المراد منبره بعينه الذي كان في الدنيا وقيل إن له هناك منبرا على حوضه يدعو الناس عليه إلى الحوض قوله روضة معناها أن ذلك الموضع بعينه ينتقل إلى الجنة فهو حقيقة أو أن العبادة فيه تؤدي إلى روضة الجنة فهو مجاز باعتبار المآل أي مآل العبادة فيه الجنة أو تشبيه أي هو كروضة وسمى تلك البقعة المباركة روضة لأن زوار قبره من الملائكة والإنس والجن لم يزالوا منكبين فيها على ذكر الله تعالى وقال الخطابي معناه تفضيل المدينة والترغيب في المقام بها والاستكثار من ذكر الله في مسجدها وأن من لزم الطاعة فيه آلت به إلى روضة الجنة ومن لزم العبادة عند المنبر سقي يوم القيامة من الحوض
0956 - حدثنا ( عمرو بن خالد ) حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة ) رضي الله عنه أن النبي خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف على المنبر فقال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها
عمرو بن خالد الجزري بالجيم والزاي والراء ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب أبو ورجاء المصري واسم أبي حبيب سويد وأبو الخير مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الله اليزني وعقبة بن عامر الجهني
والحديث مضى في الجنائز عن عبد الله بن يوسف وفي علامات النبوة عن سعيد بن شرحبيل وفي المغازي عن قتيبة وغيره وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي جميعا عن قتيبة فمسلم في فضائل النبي والآخران في الجنائز ومضى الكلام فيه مكررا
قوله فصلى على أهل أحد أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت قاله الكرماني وقيل صلى صلاة الموتى وهو ظاهر الحديث وكان ذلك بعد موتهم بثمانية أعوام قوله ثم انصرف على المنبر ويروى ثم انصرف فصعد على المنبر قوله أو مفاتيح الأرض شك من الراوي والمراد كنوز الأرض قوله ما أخاف عليكم أن تشركوا قيل قد وقع بعد رسول الله ارتداد لبعض الأعراب وأجيب بأن الخطاب للجمع فلا ينافي ارتداد البعض قوله أن تنافسوا أصله تتنافسوا فحذفت إحدى التاءين أي تراغبوا وتنازعوا قوله فيها أي في الدنيا وفيه عدة معجزات

(23/143)


لرسول الله
1956 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( حرمي بن عمارة حدثا شعبة ) عن ( معبد بن خالد ) أنه سمع ( حارثة بن وهب ) يقول سمعت النبي وذكر الحوض فقال كما بين المدينة وصنعاء
وزاد ابن أبي عدي عن شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة سمع النبي قال حوضه ما بين صنعاء والمدينة فقال له المستور ألم تسمعه قال الأواني قال لا قال المستورد ترى فيه الآنية مثل الكواكب
علي بن عبد الله بن المديني وحرمي بفتح الحاء المهملة والراء وتشديد الياء آخر الحروف ابن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبالراء ومعد بفتح الميم وسكون العين وفتح الباء الموحدة ابن خالد القاضي الكوفي وحارثة بن وهب الخزاعي نزل الكوفة وله أحاديث وكان أخا لعبيد الله بالتصغير ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لأمه
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن محمد بن عبد الله وغيره
قوله وزاد ابن أبي عدي وهو محمد بن إبراهيم وأبو عدي جده ولا يعرف اسمه وهو بصري ثقة كثير الحديث
ووصل هذه الزيادة مسلم حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سعيد بن خالد عن حارثة أنه سمع النبي قال حوضه ما بين صنعاء والمدينة فقال له المستورد آلم تسمعه قال الأواني قال لا قال المستورد ترى فيه الآنية
قوله قوله حوضه ويروى قال حوضه كما في رواية مسلم قوله فقال له المستورد على وزن مستفعل بكسر العين ابن شداد بن عمرو القرشي الفهري الصحابي بن الصحابي شهد فتح مصر وسكن الكوفة مات سنة خمس وأربعين وليس له في البخاري إلا في هذا الموضع وحديثه مرفوع وإن لم يصرح به ويلزم منه رفعه سياقا قوله ألم تسمعه أي ألم تسمع رسول الله قال الأواني فيه تكون كذا وكذا قال حارثة لا فقال المستورد ترى فيه الآنية مثل الكواكب أي كثرة وضياء يعني أنا سمعته قال ذلك
3956 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) عن ( نافع بن عمر ) قال حدثني ( ابن أبي مليكة ) عن ( أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله عنهما قالت قال النبي إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم فكان ابن أبي مليكة يقول اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا على أعقابهم ينكصون يرجعون على العقب ( الحديث 3956 - طرفه في 8407 )
ابن أبي مليكة عبد الله مضى عن قريب
قوله حتى أنظر بالنصب أي إلى أن أنظر قوله من دوني أي بالقرب مني قوله ومن أمتي هذا يدفع قول من حمل الناس على غير هذه الأمة قوله هل شعرت أي هل علمت وقال بعضهم فيه إشعار إلى أنه لم يعرف أشخاصهم بعينها وإن كان قد عرف أنهم من هذه الأمة انتهى
قلت فيه نظر لا يخفى قوله ما عملوا ويرى بما عملوا بزيادة الباء قوله ما برحوا أي ما زالوا قوله فكان ابن أبي مليكة يقول موصول بالسند المذكور قوله أو نفتن على صيغة المجهول قوله على أعقابهم ينكصون إلى آخره هكذا فسره أبو عبيدة في الآية

(23/144)


28 -
( كتاب القدر )
أي هذا كتاب في بيان القدر وذكره قال الكرماني كتاب القدر أي حكم الله تعالى قالوا القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله التي تقع قال تعالى وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ( الحجر12 ) ومذهب أهل الحق أن الأمور كلها من الإيمان والكفر والخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره ولا يجري في ملكه إلا مقدراته وقال الراغب القدر بوضعه يدل على القدرة وعلى المقدور الكائن بالعلم يتضمن الإرادة عقلا والقول نقلا وقدر الله الشيء بالتشديد قضاه ويجوز التخفيف وفي بعض النسخ باب القدر بعد قوله كتاب القدر قيل هذا زيادة أبي ذر عن المستملي
1 - ( حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك حدثنا شعبة أنبأني سليمان الأعمش قال سمعت زيد بن وهب عن عبد الله قال حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق قال إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع برزقه وأجله وشقي أو سعيد فوالله إن أحدكم أو الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وقال آدم إلا ذراع )
مطابقته للترجمة ظاهرة في معناه وزيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الكوفي من قضاعة خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في الطريق سمع عبد الله بن مسعود وغيره وهذا الحديث اشتهر عن الأعمش بالسند المذكور هنا قال علي بن المديني في كتاب العلل كنا نظن أن الأعمش تفرد به حتى وجدناه من رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب وروايته عند أحمد والنسائي ولم ينفرد به زيد بن وهب أيضا عن ابن مسعود بل رواه عنه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عند أحمد وعلقمة عند أبي يعلى ولم ينفرد به ابن مسعود أيضا بل رواه جماعة من الصحابة مطولا ومختصرا منهم أنس رضي الله تعالى عنه على ما يجيء عقيب هذا الحديث وحذيفة بن أسيد عند مسلم وعبد الله بن عمر في القدر لابن وهب وسهل بن سعد وسيأتي في هذا الكتاب وأبو هريرة عند مسلم وعائشة عند أحمد وأبو ذر عند الفريابي ومالك بن الحويرث عند أبي نعيم في الطب وغيرهم وهذا الحديث أخرجه البخاري في التوحيد عن آدم ومضى في بدء الخلق عن الحسن بن الربيع وفي خلق آدم عن عمر بن حفص وأخرجه مسلم في القدر عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه بقية الجماعة وقد ذكرناه في بدء الخلق ومضى الكلام فيه هناك ولا نقتصر عليه فقوله أنبأني سليمان الأعمش وقال في التوحيد حدثنا سليمان الأعمش ويفهم منه أن التحديث والأنباء عند شعبة سواء ويرد به على من زعم أن شعبة يستعمل الأنباء في الإجازة قوله وهو الصادق المصدوق أي الصادق في نفسه والمصدوق من جهة غيره وقال الكرماني لما كان مضمون الخبر مخالفا لما عليه الأطباء أراد الإشارة إلى صدقه وبطلان ما قالوه أو ذكره تلذذا وتبركا وافتخارا قال الأطباء إنما يتصور الجنين فيما بين ثلاثين يوما إلى الأربعين والمفهوم من الحديث أن خلقه إنما يكون بعد أربعة أشهر انتهى وقال بعضهم بعد أن نقل كلام الكرماني ما ملخصه أنه لم يعجبه ما قاله الكرماني حيث قال وقد وقع هذا اللفظ بعينه في

(23/145)


حديث آخر ليس فيه إشارة إلى بطلان شيء يخالف ما ذكره وهو ما ذكره أبو داود من حديث المغيرة بن شعبة سمعت الصادق المصدوق يقوله لا تنزع الرحمة إلا من قلب شقي ومضى في علامات النبوة من حديث أبي هريرة سمعت الصادق المصدوق يقول هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش انتهى قلت هذا مجرد تحريش من غير طعم وهذه نكتة لطيفة ذكرها من وجهين فالوجه الثاني يمشي في كل موضع فيه ذكر الصادق المصدوق قوله إن أحدكم قال أبو البقاء لا يجوز أن إلا بالفتح لأنه مفعول حدثنا فلو كسر لكان منقطعا عن حدثنا قلت لا يجوز إلا الكسر لأنه وقع بعد قوله قال إن أحدكم ولفظة قال موجودة في كثير من النسخ هكذا حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق قال إن أحدكم وإن كانت لفظة قال غير مذكورة في الرواية فهي مقدرة فلا يتم المعنى إلا بها قوله إن أحدكم يجمع في بطن أمه كذا هو في رواية أبي ذر عن شيخه وله عن الكشميهني إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه وكذا هو في رواية آدم في التوحيد وكذا في رواية الأكثرين عن الأعمش وفي رواية أبي الأحوص عنه إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه وفي رواية ابن ماجه إنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه والمراد من الجمع ضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار والخلق بمعنى المخلوق كقولهم هذا درهم ضرب الأمير أي مضروبه وقال القرطبي ما ملخصه أن المنى يقع في الرحم بقوة الشهوة المزعجة مبثوثا متفرقا فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم قوله أربعين يوما زاد في رواية آدم أو أربعين ليلة قوله ثم علقة مثل ذلك وفي رواية آدم ثم يكون علقة مثل ذلك يعني مدة الأربعين والعلقة الدم الجامد الغليظ سميت بذلك للرطوبة التي فيها وتعلقها بما مر بها قوله ثم يكون مضغة مثل ذلك يعني مدة الأربعين والمضغة قطعة اللحم سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضغ الماضع قوله ثم يبعث الله ملكا وفي رواية الكشميهني ثم يبعث الله إليه ملكا وفي رواية مسلم ثم يرسل الله وفي رواية آدم ثم يبعث إليه الملك واللام فيه للعهد وهو الملك من الملائكة الموكلين بالأرحام قوله فيؤمر على صيغة المجهول أي يأمره الله تعالى بأربعة أشياء وفي رواية آدم بأربع كلمات والمراد بها القضايا وكل كلمة تسمى قضية قوله بأربع كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بأربعه والمعدود إذا أبهم جاز التذكير والتأنيث قوله برزقه بدل من أربع وما بعده عطف عليه داخل في حكمه والمراد برزقه قيل الغداء حلالا أو حراما وهو كل ما ساقه الله تعالى إلى العبد لينتفع به وهو أعم لتناوله العلم ونحوه قوله وأجله الأجل يطلق لمعنيين لمدة العمر من أولها إلى آخرها وللجزء الأخير الذي يموت فيه قوله وشقي أو سعيد قال بعضهم هو بالرفع خبر مبتدأ محذوف قلت ليس كذلك لأنه معطوف على ما قبله الذي هو بدل عن أربع فيكون مجرورا لأن تقدير قوله فيؤمر بأربع أربع كلمات كلمة تتعلق برزقه وكلمة تتعلق بأجله وكلمة تتعلق بسعادته أو شقاوته وكان من حق الظاهر أن يقال يكتب سعادته وشقاوته فعدل عن ذلك حكاية بصورة ما يكتبه وهو أنه يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد قيل هذه ثلاثة أمور لا أربعة وأجيب بأن الرابع كونه ذكرا أو أنثى كما صرح في الحديث الذي بعده أو عمله كما تقدم في أول كتاب بدء الخلق ولعله لم يذكره لأنه يلزم من المذكور أو اختصره اعتمادا على شهرته وقيل هذا يدل على أن الحكم بهذه الأمور بعد كونه مضغة لا أنه أزلي وأجيب بأن هذا للملك بأن المقضي في الأزل حتى يكتب على جبهته مثلا قوله أو الرجل شك من الراوي أي أو أن الرجل وفي رواية آدم فإن أحدكم بغير شك قوله بعمل أهل النار قدم النار على الجنة وفي رواية آدم بالعكس قوله حتى ما يكون قال الطيبي حتى هي الناصبة وما نافية ولم تكف عن العمل وتكون منصوبة بحتى وأجاز غيره أن تكون حتى ابتدائية ويكون على هذا بالرفع قوله غير باع أو ذراع هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره غير ذراع أو باع وفي رواية أبي الأحوص إلا ذراع بغير شك والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت وضابط ذلك بالغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة قوله فيسبق عليه الكتاب الفاء في فيسبق للتعقيب يدل على حصول السبق بغير مهلة وضمن يسبق معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب وما قدر عليه سبقا بلا مهلة فعند ذلك يعمل

(23/146)


بعمل أهل الجنة وعمل أهل النار والمراد من الكتاب المكتوب أي مكتوب الله أي القضاء الأزلي قوله فيعمل بعمل أهل النار الباء فيه زائدة للتأكيد قوله أو ذراعين أي أو غير ذراعين فهو شك من الراوي قوله وقال آدم إلا ذراع أي قال آدم بن إياس إلا ذراع هذا تعليق وصله البخاري في التوحيد -
5956 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد ) عن ( عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ) عن ( أنس ابن مالك ) رضي الله عنه عن النبي قال وكل الله بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال أي رب ذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب كذالك في بطن أمه
حماد هو ابن زيد وعبيد الله هو ابن أبي بكر بن أنس بن مالك يروي عن جده أنس
والحديث مضى في الطهارة في الحيض عن مسدد وفي خلق آدم عن أبي النعمان وأخرجه مسلم في القدر عن أبي كامل الجحدري
قوله أي رب أي يا رب قوله نطفة بالنصب على اعتبار فعل محذوف وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف قوله أن يقضي خلقها أي يتمه قوله في بطن أمه ليس ظرفا للكتابة بل هو مكتوب على الجبهة أو على الرأس مثلا وهو في بطن أمه قيل قال هنا وكل الله وفي الحديث السابق ثم يبعث الله ملكا وأجيب بأن المراد بالبعث الحكم عليه بالتصرف فيها
2 -
( باب جف القلم على علم الله )
أي هذا باب يذكر فيه جف القلم وقال بعضهم باب التنوين
قلت هذا قول من لم يمس شيئا من الإعراب والتنوين يكون في المعرب ولفظ باب هنا مفرد فكيف ينون والتقدير ما ذكرناه أو نحوه وجفاف القلم عبارة عن عدم تغيير حكمه لأن الكاتب لما أن جف قلمه عن المداد لا تبقى له الكتابة كذا قاله الكرماني وفيه نظر لأن الله تعالى قال يمحوا الله ما يشاء ويثبت ( الرعد93 ) فإن كان مراده من عدم تغيير حكمه الذي في الأزل فمسلم وإن كان الذي في اللوح فلا والأوجه أن يقال جف القلم أي فرغ من الكتابة التي أمر بها حين خلقه وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فإذا أراد بعد ذلك تغيير شيء مما كتبه محاه كما قال يمحوا الله ما يشاء ويثبت قوله على علم الله أي حكم الله لأن معلومه لا بد أن يقع وإلا لزم الجهل فعلمه بمعلوم مستلزم للحكم بوقوعه
وقوله وأضله الله على علم ( الجاثية32 )
ذكر هذا أي قول الله تعالى إشارة إلى أن علم الله حكمه كما في قوله تعالى وأضله الله على علم أي على علمه في الأزل وهو حكمه عند الظهور وقيل معناه أضله الله بعد أن أعلمه وبين له فلم يقبل
وقال أبو هريرة قال لي النبي جف القلم بما أنت لاق
صدر الحديث هو الترجمة وهو قطعة من حديث ذكر أصله البخاري من طريق ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله إني رجل شاب وإني أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء فسكت عني الحديث وفيه يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق فاختصر على ذلك أو ذر أخرجه في أوائل النكاح
وقال ابن عباس لها سابقون ( المؤمنون16 ) سبقت لهم السعادة
أي قال ابن عباس في قوله تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون سبقت لهم السعادة قيل تفسير ابن عباس يدل على أن السعادة سابقة الآية تدل على أن الخيرات يعني السعادة مسبوقة وأجيب بأن معنى الآية أنهم سبقوا الناس لأجل السعادة لا أنهم سبقوا السعادة

(23/147)


6956 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( يزيد الرشك ) قال سمعت ( مطرف بن عبد الله بن الشخير ) يحدث عن ( عمران بن حصن ) قال قال رجل يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال فلم يعمل العاملون قال كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له
المطابقة للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس ويزيد من الزيادة الرشك بكسر الراء وسكون الشين المعجمة وبالكاف معناه القسام وقال الغساني هو بالفارسية الغيور وقيل هو كبير اللحية يقال بلغ طول لحيته إلى أن دخلت فيها عقرب ومكثت ثلاثة أيام ولا يدري بها وقال الكرماني الرشك بالفارسية القمل الصغير يلتصق بأصول الشعر فعلى هذا الإضافة إليه أولى من الصفة وما ليزيد في البخاري إلا هذا الحديث هنا وفي الاعتصام ومطرف على وزن اسم الفاعل من التطريف ابن عبد الله بن الشخير بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء وهذا من صيغ المبالغة لمن يشخر كثيرا كالسكير لمن يسكر كثيرا
والحديث أخرجه أيضا في التوحيد عن أبي معمر وأخرجه مسلم في القدر عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه أبو داود في السنة عن مسدد وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن النضر
قوله قال قال رجل هو عمران بن حصين راوي الخبر بينه عبد الوارث بن سعيد عن يزيد الرشك عن عمران بن حصين قال قلت يا سول الله فذكره قوله أيعرف أهل الجنة من أهل النار أي أيميز بينهما قيل المعرفة إنما هي بالعمل لأنه إمارة فما وجه سؤاله وأجيب بأن معرفتنا بالعمل أما معرفة الملائكة مثلا فهي قبل العمل فالغرض من لفظ أيعرف أيميز ويفرق بينهما تحت قضاء الله وقدره قوله فلم يعمل العاملون وفي رواية حماد ففيم وهو استفهام والمعنى إذا سبق القلم بذلك فلا يحتاج العامل إلى العمل لأنه سيصير إلى ما قدر له قوله كل يعمل أي كل أحد يعمل لما خلق له على صيغة المجهول وكلمة ما موصولة أي للذي خلق له وفي رواية حماد كل ميسر له خلق له وقد جاء بهذا اللفظ عن جماعة من الصحابة منها ما رواه أحمد بإسناد حسن بلفظ كل امرىء مهيأ لما خلق له قوله أو لما يسر له شك من الراوي أي كل يعمل لما يسر له بضم الياء آخر الحروف وتشديد السين المكسورة وفتح الراء هذا هكذا ورواية الكشميهني وفي رواية غيره لما ييسر له بضم الياء الأولى وفتح الثانية وتشديد السين وحاصل معنى هذا أن العبد لا يدري ما أمره في المآل لأنه يعمل ما سبق في يعلمه تعالى فعليه أن يجتهد في عمل ما أمر به فإن عمله إمارة إلى ما يؤول إليه أمره
3 -
( باب الله أعلم بما كانوا عاملين )
أي هذا باب يذكر فيه قوله الله أعلم بما كانوا عاملين والضمير في كانوا يرجع إلى أولاد المشركين لأن صدر الحديث سؤال عن أولاد المشركين وقد مضى في آخر كتاب الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين وذكر فيه حديث ابن عباس الذي ذكر في هذا الباب
7956 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي بشر ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال ( سئل ) النبي عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ( انظر الحديث 3831 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وغند بضم الغين المعجمة وسكون النون محمد بن جعفر وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الواسطي
والحديث مضى في آخر الجنائز فإنه أخرجه هناك عن حبان عن عبد الله عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك وقال النووي أطفال المشركين فيهم ثلاثة مذاهب فالأكثرون على أنهم في النار وتوقفت طائفة والثالث وهو الصحيح أنهم من أهل الجنة

(23/148)


وقال البيضاوي الثواب والعقاب ليسا بالأعمال وإلا لزم أن لا يكون الذراري لا في الجنة ولا في النار بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم في الأزل فالأولى فيهم التوقف
8956 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال وأخبرني ( عطاء بن يزيد ) أنه سمع ( أبا هريرة ) يقول ( سئل ) رسول الله عن ذراري المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ( انظر الحديث 4831 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
والحديث مضى في أواخر كتاب الجنائز فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري قال أخبرني عطاء بن يزيد الليثي أنه سمع أبا هريرة إلى آخره قال هناك أخبرني عطاء بن يزيد كما رأيت وقال هنا قال وأخبرني عطاء بن يزيد بواو العطف على محذوف كأنه حدث قبل ذلك بشيء ثم حدث بحديث عطاء
قوله عن ذراري المشركين بتشديد الياء وتخفيفها جمع ذرية وذرية الرجل أولاده ويكون واحدا وجمعا قوله الله أعلم بما كانوا عاملين غرض البخاري من هذا الرد على الجهمية في قولهم إن الله لا يعلم أفعال العباد حتى يعملوها تعالى الله عن ذلك القول وأخبر الشارع في هذا الحديث أن الله يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف يكون فأحرى أن يعلم ما يكون وما قدره وقضاه في كونه وهذا يقوي ما ذهب إليه أهل السنة أن القدر هو علم الله وغيبه الذي استأثر به فلم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وقال الداودي لا أعلم لهذا الحديث وجها إلا أن الله أعلم بما يعمل به لأنه سبحانه علم أن هؤلاء لا يتأخرون عن آجالهم ولا يعملون شيئا قد أخبر أنهم ولدوا على الفطرة أي الإسلام وأن أباءهم يهودونهم وينصرونهم كما أن البهيمة تولد سليمة من الجدع والخصا وغير ذلك مما يعمل الناس بها حتى يصنع ذلك بها وكذلك الولدان
9956 - حدثني ( إسحاق ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتجون البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين ( انظر الحديث 4831 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق قال بعضهم هو إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه الحنظلي وقال الكلاباذي يروي البخاري عن إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وإسحاق بن إبراهيم الكوسج عن عبد الرزاق
قلت كلامه يشير إلى أن إسحاق هنا يحتمل أن يكون أحد الثلاثة المذكورين لأن كلا منهم روى عن عبد الرزاق بن همام وجزم بعضهم بأنه إسحاق بن راهويه من أين ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد وهمام هو ابن منبه
والحديث أخرجه مسلم في القدر عن محمد بن رافع وأخرجه البخاري أيضا من وجه آخر عن أبي هريرة في آخر الجنائز في باب ما قيل في أولاد المشركين وفيه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء واقتصر على هذا المقدار
قوله ما من مولود مبتدأ ويولد خبره لأن من الاستغراقية في سياق النفي تفيد العموم كقولك ما أحد خير منك والتقدير ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على هذا الأمر وهو قوله على الفطرة أي على الإسلام وقيل الفطرة الخلقة والمراد هنا القابلية لدين الحق إذ لو تركوا وطبائعهم لما اختاروا دينا آخر قوله ويهودانه أي يجعلانه يهوديا إذا كانا من اليهود وينصرانه أي يجعلانه نصرانيا إذا كانا من النصارى والفاء في فابواه إما للتعقيب وهو ظاهر وإما للتسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه قوله كما إما حال من الضمير المنصوب في يهودانه مثلا فالمعنى يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة شبيها بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة وإما صفة مصدر

(23/149)


محذوف أي يغير أنه تغييرا مثل تغييرهم البهيمة السليمة قوله تنتجون على صيغة بناء المعلوم وقال ابن التين رويناه تنتجون بضم أوله من الإنتاج يقال أنتج إنتاجا قال أبو علي يقال أنتجت الناقة إذا أعنتها على النتاج ويقرب منه ما قاله في ( المغرب ) نتج الناقة ينتجها نتجا إذا ولي نتاجها حتى وضعت فهو ناتج وهو للبهائم كالقابلة للنساء قوله هل تجدون فيها من جدعاء في موضع الحال أي بهيمة سليمة مقولا في حقها هذا القول قوله جدعاء أي مقطوعة الطرف وهو من الجدع وهو قطع الأنف وقطع الأذن أيضا وقطع اليد والشفة
4 -
( باب ( 33 ) وكان أمر الله قدرا مقدورا ( الأحزاب83 )
أي هذا باب في قوله تعالى وكان أمر الله قدرا مقدورا والقدر بالفتح والسكون ما يقدره الله من القضاء وبالفتح اسم لما صدره مقدورا على فعل القادر كالهدم لما صدر عن فعل الهادم يقال قدرت الشيء بالتشديد والتخفيف بمعنى فهو قدر أي مقدور والتقدير تبين الشيء قوله قدرا مقدورا أي حكما مقطوعا بوقوعه وقال المهلب غرضه في الباب أن يبين أن جميع مخلوقات الله عز و جل بأمره بكلمة كن من حيوان أو غيره وحركات العباد واختلاف إرادتهم وأعمالهم من المعاصي أو الطاعات كل مقدر بالأزمان والأوقات لا زيادة في شيء منها ولا نقصان عنها ولا تأخير لشيء منها عن وقته ولا يقدم قبل وقته
1066 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها
مطابقته للترجمة في قوله فإن لها ما قدر لها أي من الرزق كانت للزوج زوجة أخرى أو لم تكن ولا يحصل لها من ذلك إلا ما كتبه الله لها سواء أجابها الزوج أم لم يجبها
والحديث مضى في كتاب النكاح في باب الشروط التي لا تحل في النكاح فإنه أخرجه هناك من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال لا يحل لإمرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإن لها ما قدر لها وهنا أخرجه عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج
قوله أختها الأخت أعم من أخت القرابة أو غيرها من المؤمنات لأنهن أخوات في الدين ونهى النبي المرأة أن تسأل الرجل طلاق زوجته لينكحها ويصير لها من نفقته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك باستفراغ الصحفة مجازا
22066 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( عاصم ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أسامة ) قال ( كنت عند ) النبي إذ جاءه رسول إحدى بناته وعنده سعد وأبي بن كعب ومعاذ أن ابنها يجود بنفسه فبعث إليها لله ما أخذو لله ما أعطى كل بأجل فلتصبر ولتحتسب
مطابقته للترجمة في قوله كل بأجل من الأمر المقدر وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق وعاصم هو ابن سليمان الأحول وأبو عثمان عبد الرحمن النهدي وأسامة هو ابن زيد بن حارثة الكلبي
والحديث مضى في الجنائز عن عبدان ومضى الكلام فيه
قوله وعنده سعد هو سعد بن عبادة ومعاذ هو ابن جبل قوله إن ابنها ذكر كذلك ابنها في الجنائز وذكر في كتاب المرضى البنت قال ابن بطال هذا الحديث لم يضبطه الراوي فأخبر مرة عن صبي ومرة عن صبية قوله يجود بنفسه يعني في السياق يقال جاد بنفسه عند الموت يجود جودا قوله فلتصبر ولتحتسب ولم يقل فلتصبري لأنها كانت غائبة والغائب لا يخاطب بما يخاطب به الحاضر وقال الداودي إنما خاطب الرسول ولو خاطب المأمور بالصبر لقال فاصبري واحتسبي

(23/150)


3066 - حدثنا ( حبان بن موسى ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبد الله بن محيريز الجمحي ) أن ( أبا سعيد الخدري ) أخبره أنه ( بينما ) هو ( جالس عند ) النبي جاء رجل من الأنصار فقال يا رسول الله إنا نصيب سببا ونحب المال كيف ترى في العزل فقال رسول الله أو إنكم تفعلون ذلك لا عليكم أن لا تفعلوا فإنه ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي كائنة
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وهو شيخ مسلم أيضا وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد يروي عن محمد بن مسلم الزهري
والحديث مضى في البيوع عن أبي اليمان وفي النكاح عن عبد الله بن محمد وفي المغازي عن قتيبة وفي العتق عن عبد الله بن يوسف وفي التوحيد عن إسحاق بن عفان وأخرجه مسلم في النكاح عن عبد الله بن محمد وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه النسائي في العتق عن علي بن حجر وغيره
قوله رجل من الأنصار قيل إنه أبو صرمة وقيل مجدي الضمري قوله سببا هو الجواري المسببات قوله في العزل وهو نزع الذكر من الفرج وقت الإنزال قوله لا عليكم أن لا تفعلوا قيل هو على النهي وقيل على الإباحة للعزل أي لكم أن تعزلوا وليس فعل ذلك موؤدة قوله فإنه أي فإن الشأن قوله نسمة بفتحتين وهو النفس قوله كتب الله أي قدر الله أن تخرج أي من العدم إلى الوجود
4066 - حدثنا ( موسى بن مسعود ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( حذيفة ) رضي الله عنه قال ل ( قد خطبنا ) النبي خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره علمه من علمه وجهله من جهله إن كنت لأرى الشيء قد نسيت فأعرف ما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ما ترك فيها شيئا أي من الأمور المقدرة من الكائنات
وموسى بن مسعود هو أبو حذيفة النهدي وسفيان هو الثوري والأعمش هو سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وحذيفة بن اليمان
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن عثمان بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود عن عثمان به
قوله إلا ذكره وفي رواية إلا حدث به قوله علمه من علمه وجهله من جهله وفي رواية جرير حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قوله إن كنت كلمة إن مخففة من الثقيلة قوله قد نسيت وفي رواية الكشميهني نسيته قوله فأعرف ما يعرف الرجل ويروى فأعرفه كما يعرفه الرجل المعنى أنسى شيئا ثم أذكره فأعرف أن ذلك بعينه
5066 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( سعد بن عبيدة ) عن ( أبي عبد الرحمان السلمي ) عن ( علي ) رضي الله عنه قال ( كنا جلوسا مع ) النبي ومعه عود ينكت به في الأرض وقال ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة فقال رجل من القوم ألا نتكل يا رسول الله قال لا اعملوا فكل ميسر ثم قرأ ( 92 ) فأما من أعطى واتقى ( الليل5 ) الآية
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ألا نتكل إلى آخره لأن معناه نعتمد على ما قدره الله في الأزل ونترك العمل
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان وقد تكرر ذكره وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي اسمه محمد بن ميمون السكري وسعد بن عبيدة مصغر عبدة السلمي الكوفي وهو صهر أبي عبد الرحمن شيخه في هذا الحديث وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب من كبار التابعين

(23/151)


وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في الجنائز في باب موعظة الرجل عند القبر بأطول منه ومضى الكلام فيه
قوله جلوسا أي جالسين ويروى عن الأعمش قعودا جمع القاعد قوله مع النبي عن الأعمش كنا مع النبي في بقيع الغرقد بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف وبالدال المهملة وهي مقبرة أهل المدينة قوله ومعه عود وفي رواية شعبة وبيده فجعل ينكت بها في الأرض وفي رواية منصور معه مخصرة بكسر الميم وهي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ولغير ذلك ومعنى ينكت بالنون بعد الياء يضرب قوله أو من الجنة كلمة أو للتنويع ووقع في رواية سفيان ما يشعر بأنها بمعنى الواو وقد تقدم من حديث ابن عمر أن لكل أحد مقعدين قوله فقال رجل وهذا الرجل وقع في حديث جابر عند مسلم أنه سراقة بن مالك بن جعشم قوله ألا نتكل أي ألا نعتمد على ما قدره الله في الأزل ونترك العمل فقال لا إذ كل أحد ميسر لما خلق له وحاصله أن الواجب عليكم متابعة الشريعة لا تحقيق الحقيقة والظاهر لا يترك للباطن قوله فأما من أعطى واتقى ( الليل5 ) الآية وفي رواية سفيان ووكيع الآيات إلى قوله العسرى
5 -
( باب العمل بالخواتيم )
أي هذا باب يذكر فيه العمل بالخواتيم أي بالعواقب وهو جمع خاتمة يعني الاعتبار لحال الشخص عند الموت قبل المعاينة لملائكة العذاب
13 - ( حدثنا حبان بن موسى أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال شهدنا مع رسول الله خيبر فقال رسول الله لرجل ممن معه يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال وكثرت به الجراح فأثبتته فجاء رجل من أصحاب النبي فقال يا رسول الله أرأيت الذي تحدثت أنه من أهل النار قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح فقال النبي أما إنه من أهل النار فكاد بعض المسلمين يرتاب فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع منها سهما فانتحر بها فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك قد انتحر فلان فقتل نفسه فقال رسول الله يا بلال قم فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )
مطابقته للترجمة من حيث أن الرجل المذكور فيه ختم عمله بالسوء وإنما العمل بالخاتمة وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وعبد الله بن المبارك المروزي ومعمر بفتح الميمين ابن راشد والحديث مضى في الجهاد في باب أن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر ومضى الكلام فيه قوله خيبر أي غزوة خيبر بفتح الخاء المعجمة قوله لرجل اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي قوله ممن يدعي الإسلام أي تلفظ به قوله فلما حضر القتال بالرفع والنصب قاله الكرماني قلت الرفع على أنه فاعل حضر والنصب على المفعولية أي فلما حضر الرجل القتال قوله الجراح جمع جراحة قوله فأثبتته أي أثخنته الجراح وجعلته ساكنا غير متحرك وقيل صرعته صرعا لا يقدر معه على القيام قوله يرتاب أي يشك في الدين لأنهم رأوا الوعيد شديدا قوله فبينما أصله بين زيدت فيه الميم والألف ويقع بعده جملة اسمية وهي قوله هو كذلك ويحتاج إلى جواب وهو قوله إذ وجد الرجل أي الرجل المذكور قوله فأهوى بيده أي مدها

(23/152)


إلى كنانته فانتزع منها سهما أي فأخرج منها نشابة فانتحر بها أي نحر بها نفسه قوله فاشتد رجال أي فأسرعوا في السير إلى رسول الله قوله فأذن أي أعلم ويروى فأذن في الناس -
7066 - حدثنا ( سعيد بن مريم ) حدثنا ( أبو غسان ) حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل ) أن رجلا ( من أعظم المسلمين غناء ) عن ( المسلمين في غزوة غزاها مع ) النبي فنظر النبي فقال من أحب أن ينظر إلى الرجل من أهل النار فلينظر إلى هاذا فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه فأقبل الرجل إلى النبي مسرعا فقال أشهد أنك رسول الله فقال وما ذاك قال قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنه لا يموت على ذالك فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه فقال النبي عند ذالك إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنما الأعمال بالخواتيم
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار وسهل بن سعد الأنصاري
والحديث مضى في الجهاد في باب لا يقول فلان شهيدا ومضى الكلام فيه وفي ( التوضيح ) إن حدثت أبي هريرة السابق وهذا الحديث قصة واحدة وإن الراوي نقل على المعنى ويحتمل أن يكونا رجلين
قوله غناء بفتح الغين المعجمة والمد يقال أغنى عنه غناء فلان أي ناب عنه وأجرى مجراه وما فيه غناء ذاك أي الاضطلاع والقيام عليه وقال ابن ولاد الغناء بالفتح والمد النفع والغنا بالكسر والقصر ضد الفقر وبالمد الصوت قوله في غزوة هي غزوة خيبر قوله فلينظر إلى هذا أي إلى هذا الرجل وهو قزمان أو غيره إن كان قضيتان قوله حتى جرح على صيغة المجهول قوله ذبابة سيفه الذبابة بضم الذال المعجمة وهو الطرف قيل في الحديث السابق أنه نحر نفسه بالسهم وهنا قال بالذبابة وأجيب إن كانت القصة واحدة فلا منافاة لاحتمال استعمالهما كليهما وإن كانت قصتين فظاهرة قوله بين ثدييه قال ابن فارس الثندؤة بالهمزة للرجل والثدي للمرأة والحديث يرد عليه ولذلك جعله الجوهري للرجل أيضا قوله وإنما الأعمال أي اعتبار الأعمال بالعواقب
وفيه حجة قاطعة على القدرية في قولهم إن الإنسان يملك أمر نفسه ويختار لها الخير والشر
6 -
( باب إلقاء النذر العبد إلى القدر )
أي هذا باب في بيان الإلقاء النذر إلقاء مصدر يضاف إلى فاعله وهو النذر والعبد منصوب على المفعولية هذا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره باب إلقاء العبد النذر فإعرابه بعكس ذاك والمعنى أن العبد إذا نذر لدفع شر أو لجلب خير فإن نذره يلقيه إلى القدر الذي فرغ الله منه وأحكمه لا أنه شيء يختاره فمهما قدره الله هو الذي يقع ولهذا قال في حديث الباب إن النذر لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل ومتى اعتقد خلاف ذلك قد جعل نفسه مشاركا لله تعالى في خلقه ومجوزا عليه ما لم يقدره تعالى الله عن ذلك
8066 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( عبد الله بن مرة ) عن ( ابن عمر ) رضي

(23/153)


الله عنهما قال نهاى النبي عن النذر وقال لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل
مطابقته للترجمة من حيث أن النذر يلقي العبد إلى القدر ولا يرد شيئا والقدر هو الذي يعمل عمله
وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو ابن عيينة ومنصور هو ابن المعتمر وعبد الله بن مرة بضم الميم وتشديد الراء الهمداني يروي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النذور عن خلاد بن يحيى وأخرجه مسلم في النذور أيضا عن إسحاق بن إبراهيم وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن عمر بن منصور وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن علي بن محمد
قوله إنه أي إن النذر لا يرد شيئا قيل النذر التزام قربة فلم يكن منهيا وأجيب بأن القربة غير منهية لكن التزامها منهي إذ ربما لا يقدر على الوفاء وقيل الصدقة ترد البلاء وهذا التزام الصدقة وأجيب بأنه لا يلزم من رد الصدقة التزامها وقال الخطابي هذا باب غريب من العلم وهو أن ي ( نهى ) عن الشيء أن يفعل حتى إذا فعل وقع واجبا وفي لفظ إنما يستخرج دليل على وجوب الوفاء وفي ( التوضيح ) النذر ابتداء جائز والمنهي عنه المعلق كأنه يقول لا أفعل خيرا يا رب حتى تفعل بي خيرا فإذا دخل فيه فعليه الوفاء
9066 - حدثنا ( بشر بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدرته ولكن يلقيه القدر وقد قدرته له استخرج به من البخيل
قيل لا يطابق الحديث الترجمة والمطابق أن يقول إلقاء القدر العبد إلى النذر لأن لفظ الحديث يلقيه القدر
قلت في رواية الكشميهني يلقيه النذر ومن عادة البخاري أنه يترجم بما ورد في بعض طرق الحديث وإن لم يسق ذلك اللفظ بعينه وقد غفل عما في رواية الكشميهني من المطابقة فلذلك ادعى عدم المطابقة وقال الكرماني فإن قلت الترجمة مقلوبة إذ القدر يلقي العبد إلى النذر لقوله يلقيه القدر
قلت هما صادقان إذ بالحقيقة القدر هو الموصل وبالظاهر هو النذر لكن كان الأولى في الترجمة العكس ليوافق الحديث إلا أن يقال إنهما متلازمان انتهى
قلت لو وقف الكرماني أيضا على رواية الكشميهني لما تكلف فيما تعسف
وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد الشختياني المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ومعمر هو ابن راشد وهمام بن منبه بضم الميم وفتح النون وكسر الباء الموحدة
والحديث من أفراده
قوله لا يأتي ابن آدم فاعل لا يأتي النذر وابن آدم مفعوله وهو قريب من معنى قوله في الحديث السابق إنه لا يرد شيئا قد وقع قوله لا يأتي بالياء في الأصول وفي رواية أبي الحسن لا يأت بدون الياء كأنه كتبه على الوصل مثل قوله سندع الزبانية ( العلق81 ) بغير واو قوله لم يكن قدرته صفة لقوله بشيء قال الكرماني وقدرته بصيغة المتكلم ويروى قدر به بلفظ المجهول الغائب والجار والمجرور قوله ولكن يلقيه القدر من الإلقاء ويقال معنى لم يكن قدرته أما ما قدرت عليه الشدة فيحملها عنه والنذر لا يحل عنه الشدة بنذره ويكون ذلك النذر استخرجه من البخيل للشدة التي عرضت له قوله ولكن يلقيه القدر من الإلقاء وقيل بالفاء والقاف قوله استخرج بلفظ المتكلم من المضارع
7 -
( باب لا حول ولا قوة إلا بالله )
أي هذا باب يذكر فيه لا حول ولا قوة إلا بالله ومعنى لا حول لا تحويل للعبد في معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة له على طاعة الله إلا بتوفيق الله وقيل معنى لا حول لا حيلة وقال النووي هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئا ليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله عز و جل

(23/154)


166 - حدثني ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( خالد الحذاء ) عن ( أبي عثمان النهدي ) عن ( أبي موسى ) قال ( كنا مع ) رسول الله في غزاة فجعلنا لا نصعد شرقا ولا نعلو شرقا ولا نهبط في واد إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير قال فدنا منا رسول الله فقال يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا بصيرا ثم قال يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله هو ابن المبارك وأبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري
وقد مر الحديث في كتاب الدعوات في باب الدعاء إذا علا عقبة فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي عثمان عن أبي موسى إلى آخره ومضى أيضا في الجهاد في باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير أخرجه عن محمد بن يوسف عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري
قوله في غزاة هي غزوة خيبر والشرف الموضع العالي قوله أربعوا بفتح الباء الموحدة أي أرفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم يقال ربع الرجل إذا توقف وانحبس قوله أصم ويروى أصما قوله يا عبد الله بن قيس هو اسم أبي موسى الأشعري قوله هي من كنوز الجنة يعني أن له ثوابا مدخرا نفيسا كالكنز فإنه من نفائس مدخراتكم وقال النووي المعنى أن قولها يحصل ثوابا نفيسا مدخرا لصاحبه في الجنة
8 -
( باب المعصوم من عصم الله )
أي هذا باب يذكر فيه قول رسول الله المعصوم من عصمة الله بأن حماه عن الوقوع في الهلاك يقال عصمه الله من المكروه وقاه وحفظه والفرق بين عصمة المؤمنين وعصمة الأنبياء عليهم السلام أن عصمة الأنبياء بطريق الوجوب وفي حق غيرهم بطريق الجواز
عاصم مانع
أشار به إلى تفسير لا عاصم اليوم من أمر الله ( هود34 ) أي لا مانع
قال مجاهد سدا عن الحق يترددون في الضلالة
أي قال مجاهد في تفسير سدى في قوله عز و جل أيحسب الإنسان أن يترك سدى ( القيامة63 ) بقوله يترددون في الضلالة وقال بعضهم سدا بتشديد الدال بعدها ألف ووصله ابن أبي حاتم من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى وجعلنا من بين أيديهم سدا ( يس9 ) قال عن الحق ثم قال ورأيته في بعض نسخ البخاري سدى بتخفيف الدال مقصور وعليه شرح الكرماني ثم قال ولم أر في شيء من نسخ البخاري إلا الذي أوردته انتهى
قلت هذا كلام ينقض آخره أوله لأنه قال أولا ورأيته في بعض نسخ البخاري سدى بتخفيف الدال ثم قال ولم أر في شيء من نسخ البخاري إلا الذي أوردته ومع هذا هو لم يطلع على جميع نسخ البخاري وهذا لا يتصور إلا بالتعسف في النسخ التي في مدينته وأما النسخ التي في بلاد كرمان وبلخ وخراسان فمن أين يتصور له الاطلاع عليهما
دساها أغواها
أشار بهذا إلى تفسير قوله تعالى وقد خاب من دساها ( الشمس01 ) بقوله أغواها وأخرج الطبري بسند صحيح عن حبيب بن ثابت عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله دساها قال أحدهما أغواها وقال الآخر أضلها وقال الكرماني مناسبة الآيتين بالترجمة بيان أن من لم يعصمه الله كان سدى ومغوى

(23/155)


1166 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( أبو سلمة ) عن ( أبي سعيد الخدري ) عن النبي قال ما استخلف خليفة إلا له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد الأيلي والزهري هو محمد بن مسلم وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن إصبغ وأخرجه النسائي في البيعة وفي السير عن يونس بن عبد الأعلى
قوله بطانتان البطانة بكسر الباء الموحدة الصاحب الوليجة المشاور وهو اسم جنس يشمل الواحد والجمع قوله ويحضه أي يحثه قوله وبطانة تأمره بالشر قال الكرماني لفظ تأمره دليل على أنه لا يشترط في الأمر العلو ولا الاستعلاء
9 -
( باب وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ( الأنبياء59 ) إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( هود63 ) ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ( نوح72 )
أي هذا باب في قوله تعالى وحرام إلى آخره قال الكرماني الغرض من هذه الآيات أن الإيمان والكفر بتقدير الله تعالى وفي رواية أبي ذر وحرم على قرية أهلكناها الآية وفي رواية غيره وحرام إلى آخر الآية والقراءاتان مشهورتان فقرأ أهل الحجاز والبصرة والشام حرام وقرأ أهل الكوفة وحرم
وقال منصور بن النعمان عن عكرمة عن ابن عباس وحرم بالحبشية وجب
منصور بن النعمان اليشكري البصري سكن مرو ثم بخاري وماله في البخاري سوى هذا الموضع وقال الكرماني منصور بن النعمان في النسخ هكذا لكن قالوا صوابه منصور بن المعتمر السلمي الكوفي وهذا التعليق رواه أبو جعفر عن ابن قهزاد عن أبي عوانة عنه هكذا قاله صاحب ( التلويح ) وتبعه صاحب ( التوضيح ) وقال بعضهم لم أقف على ذلك في ( تفسير أبي جعفر الطبري )
قلت هذا مجرد تشنيع وعدم وقوفه على هذا لا يستلزم عدم وقوف غيره ونسخ الطبري كثيرة فلا تخلو عن زيادة ونقصان قوله وحرم بالحبشية وجب يعني معنى حرم باللغة الحبشية وجب وروى غير عكرمة عن ابن عباس وجب عليهم أنهم لا يتوبون يعني في تفسير قوله عز و جل وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ( الأنبياء59 ) وعن أبي هريرة لا هنا زائدة وذهب إلى أن حراما على بابه وأنكر البصريون زيادة لا هنا وقيل المعنى وحرام أن يتقبل منهم عمل لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون وكذا قال الزجاج وقيل الحرام المنع فالمعنى حرام عليهم الرجوع إلى الدنيا وقال المهلب وجب عليهم أنهم لا يتوبون وحرم وحرام بمعنى واحد والتقدير وحرام على قرية أردنا إهلاكها التوبة من كفرهم وهذا كقوله إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( هود63 ) أي تقدم علم الله في قوم نوح أنه لن يؤمن منهم غير من آمن ولذلك قال نوح عليه السلام رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( نوح62 ) إلى قوله فاجرا كفارا ( نوح62 ) إذا قد اعلمتني إنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن ( هود63 ) وأهلكهم لعلمه تعالى أنهم لا يرجعون إلى الإيمان
2166 - حدثني ( محمود بن غيلان ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) قال ( ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما ) قال ( أبو هريرة ) رضي الله عنه عن النبي إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه ( انظر الحديث 3426 )
مطابقته للترجمة التي هي الآيات التي تدل على أن كل شيء غير خارج عن سابق قدره وكذلك حديث الباب لأن الزنا

(23/156)


ودواعيه كل ذلك مكتوب مقدر على العبد غير خارج من سابق قدره
ومحمود بن غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وعبد الرزاق بن همام ومعمر هو ابن راشد وابن طاوس هو عبد الله يروي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
قوله ما رأيت شيئا أشبه باللمم بفتحتين وهو صغار الذنوب وأصله ما يلم به الشخص من شهوات النفس والمفهوم من كلام ابن عباس أنه النظر والنطق وقال الخطابي يريد به المعفو عنه المستثنى في كتاب الله الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ( النجم23 ) وسمى المنطق والنظر زنا لأنهما من مقدماته وحقيقته إنما يقع بالفرج وعن ابن عباس اللمم أن يتوب من الذنوب ولا يعاودها وروى عنه كل ما دون الزنا فهو اللمم قوله فزنا العين النظر أي النظر إلى الأجنبية وقال ابن مسعود العينان تزنيان بالنظر والشفتان تزنيان وزناهما التقبيل واليدان تزنيان وزناهما اللمس والرجلان تزنيان وزناهما المشي وقيل إنما سميت هذه الأشياء زنا لأنها دواعي إليه قوله لا محالة بفتح الميم أي لا بد له من ذلك ولا تحول له عنه قوله تمنى أصله تتمني فحذفت منه إحدى التاءين قوله والفرج يصدق ذلك ويكذبه يعني إذا قدر على الزنا فيما كان فيه النظر والتمني كان زنا صدق ذلك فرجه وإن امتنع وخاف ربه كذب ذلك فرجه وتكتب له حسنه قيل التصديق والتكذيب من صفات الإخبار وأجيب بأن إطلاقهما هنا على سبيل التشبيه
وقال شبابة حدثنا ورقاء عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي
شبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى ابن سوار بفتح السين المهملة وتشديد الواو وبالراء الفزاري روى عنه محمود وورقاء مؤنث الأورق بالواو وبالراء والقاف ابن عمر الخوارزمي سكن المدينة وأشار البخاري بهذا التعليق إلى أن طاووسا سمع القصة من ابن عباس عن أبي هريرة أيضا والظاهر أنه سمعه من أبي هريرة بعد أن سمعه من ابن عباس ووصل هذا التعليق صاحب ( التلويح ) فقال رويناه في ( معجم الطبراني الأوسط ) فقال حدثنا عمر بن عثمان حدثنا ابن المنادي عنه فذكره وتبعه في ذلك صاحب ( التوضيح ) وقال بعضهم راجعت ( المعجم الأوسط ) فلم أجد هذا فيه
قلت صاحب ( التلويح ) يصرح بأنه رواه وتبعه أيضا صاحب ( التوضيح ) الذي هو شيخ هذا القائل مع علمه بأن المثبت مقدم على النافي ولكن عرق العصبية ينبض فيؤدي صاحبها إلى حط من هو أكبر منه في العلم والسن والقدم
01 -
( باب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ( الإسراء06 )
أي هذا باب في قول الله تعالى وما جعلنا إلى آخره قال الثعلبي في قوله تعالى وما جعلنا الآية قال قوم هي رؤيا عين ما رأى النبي ليلة المعراج من العجائب والآيات فكان ذلك فتنة للناس فقوم أنكروا وكذبوا وقوم ارتدوا وقوم حدثوا قوله إلا فتنة أي بلاء للناس وقيل رأى رسول الله بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتى مات فأنزل الله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الآية وقيل إنما فتن الناس بالرؤيا والشجرة لأن جماعة ارتدوا وقالوا كيف سرى به إلى بيت المقدس في ليلة واحدة وقالوا لما أنزل الله تعالى شجرة الزقوم كيف تكون في النار شجرة لا تأكلها فكانت فتنة لقوم واستبصارا لقوم منهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ويقال إنه سمي صديقا ذلك اليوم وأصل الفتنة في الأصل الاختبار ثم استعملت في الكفر كقوله تعالى والفتنة أشد من القتل ( البقرة191 ) وفي الإثم كقوله تعالى ألا في الفتنة سقطوا ( التوبة94 ) وفي الإحراق كقوله إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ( البروج01 ) وفي الإزالة عن الشيء كقوله وإن كادوا ليفتنونك ( الإسراء37 ) وغير ذلك والمراد بها في هذا الموضع الاختبار
20 - ( حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال هي رؤيا عين أريها رسول الله ليلة أسري به إلى بيت المقدس قال والشجرة الملعونة في القرآن قال هي شجرة الزقوم )

(23/157)


قال ابن التين وجه دخول هذا الحديث في كتاب القدر الإشارة إلى أن الله تعالى قدر للمشركين التكذيب لرؤيا نبيه الصادق فكان ذلك زيادة في طغيانهم والحميدي عبد الله بن الزبير نسبته إلى أحد أجداده حميد مصغر حمد وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار والحديث مضى في تفسير سورة الإسراء عن علي بن عبد الله وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور قوله رؤيا عين أي في اليقظة لا رؤيا منام قوله والشجرة الملعونة يعني شجرة الزقوم المذكورة في القرآن والشجرة مبتدأ وخبره هي شجرة الزقوم وإنما ذكر الشجرة الملعونة لأنها مثل الرؤيا كانت فتنة وقد ذكرنا كيف كانت فتنة والزقوم شجرة بجهنم طعام أهل النار فإن قلت لم يذكر في القرآن لعن هذه الشجرة قلت قد لعن آكلوها وهم الكفار قال تعالى إن شجرة الزقوم طعام الأثيم وقال إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم وقال فإنهم لآكلون منها فمالؤون منها البطون فوصفت بلعن آكليها وقيل طعام مكروه ملعون ثم إن هذه الشجرة تنبت في النار مخلوقة من جوهر لا تأكله النار كسلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها -
11 -
( باب تحاج آدم وموسى عليهما السلام عند الله عز و جل )
أي هذا باب يذكر فيه تحاج آدم وموسى قوله تحاج فعل ماض من المحاججة وأصله تحاجج بجيمين فادغمت إحداهما في الأخرى قوله عند الله قيل يعني في يوم القيامة وقيل في الدنيا
قلت اللفظ أعم من ذلك وقد روى أحمد من طريق يزيد بن هرمز عن أبي هريرة بلفظ احتج آدم وموسى عند ربهما والعندية عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان
4166 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال ( حفظناه من عمرو ) عن ( طاووس ) سمعت ( أبا هريرة ) عن النبي قال احتج آدم وموسى فقال له موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة قال له آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى فحج آدم موسى ثلاثا
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفاين هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار
والحديث أخرجه مسلم في القدر أيضا عن محمد بن حاتم وغيره وأخرجه أبو داود في السنة عن مسدد وأحمد بن صالح وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الله وأخرجه ابن ماجه في السنة عن هشام بن عمار وغيره
قوله حفظناه من عمرو وفي ( مسند الحميدي ) عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار وفيه التأكيد لصحة روايته قوله احتج أي تحاج وتناظر وفي رواية همام ومالك تحاج كما في الترجمة وهي أوضح وفي رواية أيوب عند البخاري ويحيى بن آدم حج آدم موسى وعليهما ( شرح الطيبي ) فقال معنى قوله حج آدم موسى غلبه بالحجة وقوله بعد ذلك قال موسى يا آدم أنت إلى آخره توضيح لذلك وتفسير لما أجمل وقوله في آخره فحج آدم وموسى تقرير لما سبق وتأكيد له قوله أنت أبونا وفي رواية ابن أبي كثير أنت أبو الناس وفي رواية الشعبي أنت آدم أبو البشر قوله خيبتنا أي أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان قوله وأخرجتنا من الجنة وهي دار الجزاء في الآخرة وهي مخلوقة قبل آدم قوله وخط لك بيده من المتشابهات فإما أن يفوض إلى الله تعالى وإما أن يؤول بالقدرة والغرض منه كتابة ألواح التوراة قوله على أمر قدره الله ويروى قدر الله بدون الضمير وهي رواية السرخسي والمستملي والمراد بالتقدير هنا الكتابة في اللوح المحفوظ أو في صحف التوراة وإلا فتقدير الله أزلي قوله بأربعين سنة قال ابن التين يحتمل أن يكون المراد بالأربعين سنة ما بين قوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة ( البقرة03 ) إلى نفخ الروح في آدم وقيل ابتداء المدة وقت الكتابة في الألواح وآخرها ابتداء خلق آدم وقال ابن الجوزي المعلومات كلها قد أحاط بها علم الله القديم قبل وجود المخلوقات كلها ولكن كتابتها وقعت في أوقات متفاوتة وقد ثبت في ( صحيح مسلم ) إن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة فيجوز أن تكون

(23/158)


قصة آدم بخصوصها كتبت قبل خلقه بأربعين سنة ويجوز أن يكون ذلك القدر مدة لبثه طينا إلى أن نفخت فيه الروح فقد ثبت في ( صحيح مسلم ) أن بين تصويره طينا ونفخ الروح فيه كان مدة أربعين سننة ولا يخالف ذلك كتابة المقادير عموما قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة فإن قلت وقع في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أتلومني على أمر قدره لله علي قبل أن يخلق السموات والأرض
قلت تحمل مدة الأربعين سنة على ما يتعلق بالكتابة ويحمل الآخر على ما يتعلق بالعلم قوله فحج آدم موسى آدم مرفوع بلا خلاف وشذ بعض الناس فقرأه بالنصب على أن آدم المفعول وموسى في محل الرفع على أنه الفاعل نقله الحافظ أبو بكر بن الخاصة عن مسعود بن ناصر السجزي الحافظ قال سمعته يقرأ فحج آدم بالنصب قال وكان قدريا وقد روى أحمد من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ فحجه آدم وهذا يقطع الإشكال فإن رواته أئمة حفاظ والزهري من كبار الفقهاء الحفاظ ومعنى فحج أي غلبه بالحجة يقال حاججت فلانا فحججته مثل خاصمته فخصمته وقال الخطابي إنا حجه آدم في رفع اللوم إذ ليس لأحد من الآدميين أن يلوم أحدا به وقال النووي معناه أنك تعلم أنه مقدر فلا تلمني وأيضا اللوم شرعي لا عقلي وإذا تاب الله عليه وغفر له ذنبه زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجا قوله ثلاثا أي قال حج آدم موسى ثلاث مرات وفي حديث رواه عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج لقد حج آدم موسى لقد حج آدم موسى لقد آدم حج موسى
فإن قلت متى كان ملاقاة آدم وموسى
قلت قيل يحتمل أن يكون في زمن موسى عليه السلام وأحيا الله له آدم معجزة له فكلمه أو كشف له عن قبره فتحدثا أو أراه الله روحه كما أرى النبي ليلة المعراج أرواح الأنبياء عليهم السلام أو أراه الله في المنام رؤيا ورؤيا الأنبياء وحي أو كان ذلك بعد وفاة موسى فالتقيا في البرزخ أول ما مات موسى فالتقت أرواحهما في السماء وبذلك جزم ابن عبد البر والقابسي أو أن ذلك لم يقع وإنما يقع بعد في الآخرة والتعبير عنه بلفظ الماضي لأنه محقق الوقوع فكأنه قد وقع فإن قلت لم خص موسى عليه السلام بالذكر
قلت ليكونه أول نبي بعث بالتكاليف الشديدة فإن قلت ما وجه وقوع الغلبة لآدم عليه السلام
قلت لأنه ليس لمخلوق أن يلوم مخلوقا في وقوع ما قدر عليه إلا بإذن من الله فيكون الشارع هو اللائم فلما أخذ موسى في لومه من غير أن يؤذن له في ذلك عارضه بالقدر فأسكنه وقيل إن الذي فعله آدم اجتمع فيه القدر والكسب والتوبة تمحو أثر الكسب وقد كان الله تاب عليه فلم يبق إلا القدر والقدر لا يتوجه عليه لوم فعل الله ولا يسأل عما يفعل وقيل إن آدم أب وموسى ابن وليس للابن أن يلوم أباه حكاه القرطبي فإن قلت فالعاصي اليوم لو قال هذه المعصية قدرت علي فينبغي أن يسقط عنه اللوم
قلت هو باق في دار التكليف وفي لومه زجر له ولغيره عنها وأما آدم فميت خارج عن هذه الدار فلم يكن في القول فائدة سوى التخجيل ونحوه
قال سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي مثله
أي قال سفيان بن عيينة حدثنا أبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة وهذا موصول وهو معطوف على قوله حفظناه من عمرو وفي رواية الحميدي قال وحدثنا أبو الزناد بإثبات الواو وهي أظهر في المراد وقيل أخطأ من زعم أن هذا الطريق معلق وقد أخرجه الإسماعيلي منفردا بعد أن ساق طريق طاووس عن جماعة عن سفيان فقال أخبرنيه القاسم يعني ابن زكريا حدثنا إسحاق بن حاتم العلاف حدثنا سفيان عن عمرو مثله سواء وزاد قال وحدثني سفيان عن أبي الزناد به
21 -
( باب لا مانع لما أعطى الله )
أي هذا باب في بيان لا مانع لما أعطى الله ويروى لما أعطاه الله وهذا منتزع من معنى حديث الباب فلفظ الحديث لا مانع لما أعطيت

(23/159)


5166 - حدثنا ( محمد بن سنان ) حدثنا ( فليح ) حدثنا ( عبدة بن أبي لبابة ) عن ( وراد ) مولى ( المغيرة ابن شعبة ) قال ( كتب معاوية إلى المغيرة ) ( أكتب إلي ما ) سمعت النبي يقول خلف الصلاة فأملى علي المغيرة قال سمعت النبي يقول خلف الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد
مطابقته للترجمة ظاهرة وإن كان بينهما نوع تغيير ومحمد بن سنان بكسر السين المهملة وبالنونين وفليح مصغر الفلح بالفاء والحاء المهملة ابن سليمان وكان اسمه عبد الملك وفليح لقبه فغلب على اسمه وعبدة ضد الحرة ابن أبي لبابة بضم اللام وبالباءين الموحدتين الأسدي الكوفي سكن دمشق ووراد بفتح الواو وتشديد الراء مولى المغيرة بن شعبة وكاتبه
والحديث مضى في الصلاة في باب الذكر بعد الصلاة وأخرجه في مواضع كثيرة في الاعتصام وفي الرقاق وفي الدعوات وغيرها ومضى الكلام فيه في الصلاة
قوله الجد وهو ما جعل الله للإنسان من الحظوظ الدنيوية وكلمة من تسمى من البدلية كقوله تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ( التوبة83 ) أي بدل الآخرة أي المحظوظ لا ينفعه حظه بذلك أي بدل طاعتك وقال الراغب قيل أراد بالجد أب الأب أي لا ينفع أحدا نسبه وقال النووي منهم من رواه بالكسر وهو الاجتهاد أي لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده إنما ينفعه رحمتك
وقال ابن جريج أخبرني عبدة أن ورادا أخبره بهاذا ثم وفدت بعد إلى معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك القول
ابن جريج هو عبد الملك بن العزيز بن جريج وهذا التعليق وصله أحمد ومسلم من طريق ابن جريج والمقصود من هذا التعليق التصريح بأن ورادا أخبر به عبدة لأنه وقع في الرواية الأولى بالعنعنة قوله ثم وفدت القائل بهذا عبدة ووفدت من الوفود وهو قصد الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك يقال وفد يفد فهو وافد قوله بعد مبني على الضم أي بعد أن سمعته من وراد قوله إلى معاوية هو ابن أبي سفيان لما كان في الشام حاكما قوله بذلك القول أشار به إلى القول الذي كان يقوله وهو الدعاء المذكور عقيب الصلاة
31 -
( باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء )
أي هذا باب في بيان أمر المتعوذ من هذين الشيئين أحدهما درك الشقاء بفتح الراء اللحاق والتبعة والشقاء بالفتح والمد الشدة والعسر وهو يتناول الدينية والدنياوية والآخر سوء القضاء أي المقضي إذ حكم الله كله حسن
وقوله تعالى قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ( الفلق1 - 2 )
أشار بذكر هذه الآية الكريمة إلى الرد على من زعم أن العبد يخلق فعل نفسه لأنه لو كان السوء المأمور بالاستعاذة منه مخترعا لفاعله لما كان للاستعاذة بالله منه معنى لأنه لا يصح التعوذ إلا بمن قدر على إزالة ما استعيذ به منه
6166 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء
( انظر الحديث 7436 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو ابن عيينة وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر المخزومي وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث مضى في كتاب الدعوات في باب التعوذ من جهد البلاء فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفاين عن سمي إلى آخره
قوله جهد البلاء بضم الجيم أشهر وهو الحالة التي يختار عليها الموت وقيل هو قلة

(23/160)


المال وكثرة العيال وفي التوضيح جهد البلاء أقصى ما يبلغ وهو الجهد بضم الجيم وفتحها قوله وشماتة الأعداء الشماتة هي الحزن يفرح العدو والفرح يحزنه
( باب يحول بين المرء وقلبه )
أي هذا باب في قوله تعالى يحول بين المرء وقلبه وأوله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون وعن سعيد بن جبير معناه يحول بين الكافر أن يؤمن وبين المؤمن أن يكفر وعن ابن عباس يحول بين الكافر وطاعته وبين المؤمن ومعصيته وكذا روى عن الضحاك وعن مجاهد يحول بين المرء وقلبه فلا يعقل ولا يدري ما يعلم والغرض من هذه الترجمة الإشارة إلى أن الله خالق لجميع كسب العباد من الخير والشر وأنه قادر على أن يحول بين الكافر والإيمان ولم يقدره إلا على ضده وهو الكفر وعلى أن يحول بين المؤمن والكفر وأقدره على ضده وهو الإيمان وفعل الله عدل فيمن أضله لأنه لم يمنعهم حقا وجب عليه وخلقهم على إرادته لا على إرادتهم وكان من خلق فيهم من قوة الهداية والتوفيق على وجه التفصيل
24 - ( حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن أخبرنا عبد الله أخبرنا موسى بن عقبة عن سالم عن عبد الله قال كثيرا مما كان النبي يحلف لا ومقلب القلوب )
مطابقته للترجمة من حيث أن معنى مقلب القلوب تقليبه قلب عبده عن إيثار الإيمان إلى إيثار الكفر وعكسه وفعل الله عدل في ذلك كما ذكرناه الآن وعبد الله هو ابن المبارك وموسى بن عقبة بضم العين المهملة وسكون القاف وسالم هو ابن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن سعيد بن سليمان وفي الإيمان والنذور عن محمد بن يوسف وأخرجه الترمذي في الإيمان عن علي بن حجر وعبد الله بن جعفر وأخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان وغيره وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن علي بن محمد الطنافسي قوله كثيرا نصب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره يحلف حلفا كثيرا مما كان يريد أن يحلف به من ألفاظ الحلف قوله لا فيه حذف نحو لا أفعل أو لا أترك وحق مقلب القلوب وهو الله عز و جل والواو فيه للقسم قال الكرماني مقلب القلوب أي يقلب أغراضها وأحوالها من الإرادة وغيرها إذ حقيقة القلب لا تنقلب وفيه دلالة على أن أعمال القلوب من الإرادات والدواعي وسائر الأغراض بخلق الله تعالى كأفعال الجوارح
25 - ( حدثنا علي بن حفص وبشر بن محمد قالا أخبرنا عبد الله قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال النبي لابن صياد خبأت لك خبيئا قال الدخ قال اخسأ فلن تعدو قدرك قال عمر ائذن لي فأضرب عنقه قال دعه إن يكن هو لا تطيقه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إن يكن هو إلى آخره يعني إن كان الذي قال قد سبق في علم الله خروجه وإضلاله الناس فلن يقدرك خالقك على قتل من سبق في علمه أنه يخرج ويضل الناس إذ لو أقدرك على هذا لكان فيه انقلاب علمه والله تعالى عن ذلك وعلي بن حفص المروزي سكن عسقلان وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ومعمر بفتح الميمين ابن راشد والزهري محمد بن مسلم وسالم بن عبد الله بن عمر والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه فإنه أخرجه هناك مطولا ومضى الكلام فيه مستوفي قوله لابن صياد اسمه صاف قوله خبيئا ويروى خبا قوله الدخ بضم

(23/161)


الدال المهملة وتشديد الخاء المعجمة الدخان وقيل أراد أن يقول الدخان فلم يمكنه لهيبة رسول الله أو زجره رسول الله فلم يستطع أن يخرج الكلمة تامة قوله اخسأ بالهمزة يقال خسأ الكلب إذا بعد وأخسأ أمر منه وهو خطاب زجر وإهانة قوله فلن تعدو ويروى بحذف الواو تخفيفا أو بتأويل لن بمعنى لم والجزم بلن لغة حكاها الكسائي قوله إن يكن هو ويروى إن يكنه وفيه رد على النحوي حيث قال والمختار في خبر كان الانفصال قوله فلا تطيقه أي لا تطيق قتله إذا المقدر أنه يخرج في آخر الزمان خروجا يفسد في الأرض ثم يقتله عيسى عليه السلام قوله فلا خير لك قيل كان يدعي النبوة فلم لا يكون قتله خيرا وأجيب بأنه كان غير بالغ أو كان في مهادنة أيام اليهود وحلفائهم وأما امتحانه بالخبء فلإظهار بطلان حاله للصحابة وأن مرتبته لا تتجاوز عن الكهانة
51 -
( باب قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ( التوبة15 ) قضى )
أي هذا باب في قوله تعالى قل لن يصيبنا إلى آخره قوله قضى تفسير لقوله كتب وأشار بهذه الآية إلى أن الله تعالى أعلم عباده أن ما يصيبهم في الدنيا من الشدائد والمحن والضيق والخصب والجدب إن ذلك كله فعل الله تعالى يفعل من ذلك ما يشاء لعباده ويبتليهم بالخير والشر وذلك كله مكتوب في اللوح المحفوظ
قال مجاهد بفاتنين بمضلين إلا من كتب الله أنه يصلى الجحيم
أي قال مجاهد في تفسير قوله تعالى مآ أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ( الصافات261 - 361 ) أي ما أنتم عليه بمضلين إلا من كتب الله تعالى أنه يصلي أي يدخل الجحيم وهذا التعليق وصله عبد بن حميد بمعناه من طريق إسرائيل عن منصور في هذه الآية قال لا يفتنون إلا من كتب عليه الضلالة
قدر فهدى قدر الشقاء والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها
أشار به إلى تفسير مجاهد في قوله تعالى والذي قدر فهدى ( الأعلى3 ) وفسره بقوله قدر الشقاء والسعادة ووصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله الأنعام لمراتعها ليس له تعلق بما قبله بل هو تفسير لمثل قوله تعالى ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ( طه05 )
9166 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ) أخبرنا ( النضر ) حدثنا ( داود بن أبي الفرات ) عن ( عبد الله بن بريدة ) عن يحياى بن يعمر أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أنها سألت رسول الله عن الطاعون فقال كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين ما من عبد يكون في بلدة يكون فيها ويمكث فيها لا يخرج من البلدة صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد ( انظر الحديث 743 وطرفه )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه ونسبته إلى حنظلة بن مالك بن زيد منات بن تميم بطن عامتهم بالبصرة والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل وداود بن أبي الفرات بضم الفاء وتخفيف الراء المروزي تحول إلى البصرة وعبد الله بن بريدة مصغر البردة الأسلمي قاضي مرو و ( يحيى بن يعمر ) بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وضم الميم وبالراء القاضي أيضا بمرو والرجال كلهم مروزيون وهو من الغرائب
والحديث مضى في التفسير وفي ذكر بني إسرائيل وفي الطب عن إسحاق عن حبان وأخرجه النسائي في الطب عن العباس بن محمد ومضى الكلام فيه
قوله الطاعون الوباء قاله أهل اللغة وقال الداودي إنه حب ينبت في الأرفاغ وقيل هو بئر مؤلم جدا يخرج غالبا من الآباط مع اسوداد حواليه وخفقان القلب قوله رحمة قيل ما معنى كون العذاب رحمة وأجيب بأنه وإن كان هو محنة في

(23/162)


الصورة لكنه رحمة من حيث أنه يتضمن مثل أجر الشهيد فهو سبب الرحمة لهذه الأمة
61 -
( باب وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ( الأعراف34 ) لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( الزمر75 )
أي هذا باب في قوله تعالى وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وقوله تعالى لو أن الله هداني لكنت من المتقين إلى آخره هاتان آيتان وحديث الباب نص على أن الله تعالى انفرد بخلق الهدى والضلال وأنه قدر العباد على اكتساب ما أراد منهم من إيمان وكفر وأن ذلك ليس بخلق للعباد كما زعمت القدرية
0266 - حدثنا ( أبو النعمان ) أخبرنا ( جرير ) هو ( ابن حازم ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء بن عازب ) قال ( رأيت ) النبي يوم الخندق ينقل معنا التراب وهو يقول
( والله لولا الله ما اهتدينا
ولا صمنا ولا صلينا )
( فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا )
( والمشركون قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا )
مطابقته للترجمة في قوله
لولا الله ما اهتدينا
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري وجرير بن حازم بالحاء المهملة والزاي وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي
والحديث مضى في الجهاد في باب حفر الخندق فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه ومضى الكلام فيه هناك
قوله قد بغو أي ظلموا قوله أبينا من الإباء وهو الامتناع ويروى أتينا من الإتيان
والله ولي التوفيق
38 -
( كتاب الأيمان والنذور )
أي هذا كتاب في بيان أنواع الأيمان وأنواع النذور والأيمان جمع يمين وهو لغة القوة قال الله عز و جل ( 69 ) لأخذنا منه باليمين ( الحاقة54 ) أي بالقوة والقدرة وهي الجارحة أيضا وفي الشرع تقوية أحد طرفي الخبر بالمقسم به وقال الكرماني اليمين تحقيق ما يجب وجوده بذكر الله تعالى والتزام المكلف قربة أو صفتها وقال أصحابنا النذر إيجاب شيء من عبادة أو صدقة أو نحوهما على نفسه تبرعا يقال نذرت الشيء أنذر وأنذر بالضم والكسر نذرا
1 -
( باب قول الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولاكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذالك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذالك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تشكرون ( المائدة98 )
أي هذا باب في ذكر قول الله تعالى هكذا وقع في بعض النسخ ولم يقع لفظ باب عند أكثر الرواة وذكر الآية كلها إنما هو في رواية كريمة قوله باللغو هو قول الرجل في الكلام من غير قصد لا والله وبلى والله هذا مذهب الشافعي وقيل هو في الهزل وقيل في المعصية وقيل على غلبة الظن وهو قول أبي حنيفة وأحمد وقيل اليمين في الغضب وقيل في النسيان قوله بما عقدتم الأيمان أي بما صممتم عليه من الأيمان وقصدتموها قرىء بتشديد القاف وتخفيفها والعقد في الأصل الجمع بين أطراف الشيء ويستعمل في الأجسام ويستعار للمعاني نحو عقد البيع وعن عطاء معنى عقدتم الأيمان أكدتم قوله مساكين أي محاويج من الفقراء ومن لا يجد ما يكفيه قوله من أوسط ما تطعمون أهليكم قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة من أعدل ما تطعمون أهليكم وقال عطاء الخراساني من أمثل ما تطعمون أهليكم وقال ابن أبي حاتم بإسناده عن علي رضي الله تعالى عنه قال خبز ولبن وسمن وبإسناده عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال من أوسط ما تطعمون أهليكم قال الخبز واللحم والسنم والخبز واللبن والخبز والزيت والخبز والخل واختلفوا في مقدار ما يطعمهم فقال ابن

(23/163)


أبي حاتم بإسناده عن علي رضي الله تعالى عنه قال يغديهم ويعشيهم وقال الحسن ومحمد بن سيرين يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزا ولحما وزاد الحسن فإن لم يجد فخبزا وسمنا ولبنا فإن لم يجد فخبزا وزيتا وخلا حتى يشبعوا وقال قوم يطعم كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر ونحوهما وهذا قول عمر وعلي وعائشة ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومنصور بن مهران ومالك والضحاك والحكم ومكحول وأبي قلابة ومقاتل بن حيان وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه نصف صاع من بر أو صاع من غيره وهو قول مجاهد ومحمد بن سيرين والشعبي والثوري والنخعي وأحمد وروى ذلك عن علي وعائشة رضي الله تعالى عنهما وقال الشافعي الواجب في كفارة اليمين مد بمد النبي قوله أو كسوتهم قال الشافعي لو دفع إلى كل واحد من العشرة ما يصدق عليه اسم الكسوة من قيمص أو سراويل أو إزار أو عمامة أو مقنعة أجزاء ذلك واختلف أصحابه في القلنسوة هل نجزى أم لا على وجهين وحكى الشيخ أبو حامد الإسفرايني في الخف وجهين أيضا والصحيح عدم الإجزاء وقال مالك وأحمد لا بد أن يدفع إلى كل واحد منهم ما يصح أن يصلي فيه إن كان رجلا أو امرأة كل بحسبه وقال العوفي عن ابن عباس عباءة لكل مسكين أو شملة وقال مجاهد أدناه ثوب وأعلاه ما شئت وعن سعيد بن المسيب عباءة يلف بها رأسه وعباءة يأتزر بها قوله أو تحرير رقبة أخذ أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه بإطلاقها فجوز الكافرة وقال الشافعي وآخرون لا يجوز إلا مؤمنة قوله فمن لم يجد أي فإن لم يقدر المكلف على واحدة من هذه الخصال الثلاث فصيام أي فعليه صيام ثلاثة أيام واختلفوا فيه هل يجب التتابع أو يستحب فالمنصوص عن الشافعي أنه لا يجب التتابع وهو قول مالك وقال أبو حنيفة وأحمد يجب التتابع ودلائلهم مذكورة في كتب الفقه قوله ذلك إشارة إلى المذكور قبله قوله واحفظوا أيمانكم عن الحنث فإذا حنثتم فاحفظوها بالكفارة
1266 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن يحنث في يمين قط حتى أنزل الله تعالى كفارة اليمين وقال لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ( انظر الحديث 4164 )
مطابقته للآية التي هي الترجمة ظاهرة وشيخه مروزي وعبد الله هو ابن المبارك مروزي أيضا وهشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين والحديث من أفراده
قوله أن أبا بكر الصديق وفي رواية عبد الله بن نمير عن هشام بسنده عن أبي بكر الصديق قوله لم يكن حنث إنما زادت لفظ الكون للمبالغة فيه ولبيان أنه لم يكن من شأنه ذلك قوله قط أصله قطط فأدغمت الطاء فى الطاء ومنهم من يقول قط بضم القاف تبعا لضم الطاء ومنهم من يخففه قوله كفارة اليمين أي آيتها وهي المذكورة في أول الباب قوله لا أحلف على يمين إلى آخره قالوا إنما قال أبو بكر هذا لما حلف أنه لا يبرأ مسطحا لما تكلم في قصة الإفك وأنزل الله تعالى ألا يحبون أن يغفر الله لكم ( النور22 ) قال بلى يا رب إنا لنحب ذلك ثم عاد إلى بره كما كان أولا قوله غيرها الضمير يرجع إلى اليمين باعتبار أن المقصود منها المحلوف عليه مثل الخصلة المفعولة أو المتروكة إذ لا معنى لقوله لا أحلف على الحق
2266 - حدثنا ( أبو النعمان محمد بن الفضل ) حدثنا ( جرير بن حازم ) حدثنا ( الحسن ) حدثنا عبد الرحمان بن سمرة قال قال النبي يا عبد الرحمان بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير

(23/164)


مطابقته للترجمة في قوله فكفر عن يمينك والحسن هو البصري و ( عبد الرحمن بن سمرة ) بن حبيب وهو من مسلمة الفتح وقد شهد فتوح العراق وكان فتح سجستان على يديه أرسله عبد الله بن عامر أمير البصرة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث
والحديث أخرجه البخاري في الأحكام عن حجاج بن منهال وفي الكفارات عن محمد بن عبد الله وأخرجه مسلم في الأيمان عن شيبان بن فروخ وغيره وأخرجه أبو داود في الخراج عن محمد بن الصباح وغيره وأخرجه الترمذي في الأيمان عن محمد بن عبد الأعلى وأخرج النسائي قصة الإمارة في القضاء وفي السير عن مجاهد بن موسى وقصة اليمين في الأيمان عن جماعة آخرين
قوله الإمارة بكسر الهمزة أي لا تسأل أن تعمل أميرا أي حاكما قوله أوتيتها على صيغة المجهول بالتشديد والتخفيف قوله أعنت على صيغة المجهول أيضا
وفيه كراهة سؤال ما يتعلق بالحكومة نحو القضاء والحسبة ونحوهما وإن من سأل لا يكون معه إعانة من الله تعالى فلا يكون له كفاية لذلك العمل فينبغي أن لا يولي
قلت إذا كان عن مجرد السؤال فما يكون حال من يسأل بالرشوة ويجتهد فيه خصوصا في غالب قضاة مصر فلا يتولون إلا بالبراطيل والرشى ولا يخاف من استحقاق اللعنة من الله تعالى في ذلك وقد روى عبد الله بن عمرو عن النبي لعن الله الراشي والمرتشي والرائش وفيه إن من حلف على فعل أو ترك وكان الحنث خيرا من التمادي عليه استحب له الحنث بل يجب نظرا لظاهر الأمر وفيه جواز التكفير قبل الحنث وبه أخذ الشافعي ومالك في رواية ولا يجوز عند الحنفية لأن الكفارة لستر الجناية ولا جناية قبل الحنث فلا يجوز
وحكم الحديث أنه تعارضه رواية مسلم أخرجه عن أبي هريرة من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وكذلك في حديث عبد الرحمن بن سمرة غير أن البخاري انفرد بتقديم الحنث قبل الكفارة وكذلك في رواية أبي داود في ( سننه ) تقديم الكفارة قبل الحنث وجاء تقديم الحنث على الكفارة في حديث أبي موسى الذي أخرجه البخاري ومسلم وفي لفظ لهما تقديم الكفارة فإذا كان الأمر كذلك فالأخذ برواية تقديم الحنث على الكفارة أولى لما ذكرنا
3366 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( غيلان بن جرير ) عن ( أبي بردة ) عن أبيه قال ( أتيت ) النبي في رهط من الأشعريين أستحمله فقال والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه قال ثم لبثنا ما شاء الله أن نلبث ثم أتي بثلاث ذود غر الذرى فحملنا عليها فلما انطلقنا قلنا أو قال بعضنا والله لا يبارك لنا أتينا النبي نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم حملنا فارجعوا بنا إلى النبي فنذكره فأتيناه فقال ما أنا حملتكم بل الله حملكم وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني
مطابقته للترجمة تفهم من معنى الحديث وأبو النعمان محمد كما مر وغيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ابن جرير بفتح الجيم الأزدي البصري وأبو بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء قيل اسمه الحارث وقيل عامر يروي عن أبيه أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في كفارات الأيمان عن قتيبة وأخرجه أيضا مطولا في كتاب الخمس في باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين فلينظر فيه وأخرجه مسلم في الأيمان عن خلف بن هشام وغيره وأخرجه أبو داود في الأيمان عن سليمان بن حرب وأخرجه النسائي في الأيمان عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن أحمد بن عبدة
قوله في رهط قد ذكرنا غير مرة أن الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه قوله من الأشعريين جمع أشعري نسبة

(23/165)


إلى الأشعر واسمه نبت بن ادد بن يشخب بن عريب بن زيد بن كهلان وإنما قيل له الأشعر لأن أمه ولدته أشعر قوله استحمله أي أطلب منه ما يحملنا من الإبل ويحمل أثقالنا وذلك كان في غزوة تبوك قال الله تعالى ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( التوبة29 ) الآية قوله ثم أتي على صيغة المجهول أي النبي قوله بثلاث ذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة وهو الإبل من الثلاث إلى العشرة وهي مؤنثة ليس لها واحد من لفظها والكثير أذواد وقيل الذود الواحد من الإبل بدليل قوله ليس فيما دون خمس ذود صدقة وقال القزاز العرب تقول الذود من الثلاثة إلى التسعة وقال أبو عبيد هي من الإناث فلذلك قال بثلاث ذود ولم يقل بثلاثة وقال الكرماني قيل هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه قوله غر الذرى بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وهو جمع الأغر وهو الأبيض الحسن والذرى بضم الذال المعجمة وفتح الراء وكسرها جمع ذروة بالكسر والضم وذروة كل شيء أعلاه والمراد هنا الأسنمة وقد تقدم في كتاب الجهاد في باب الخمس في غزوة تبوك أنه ستة أبعرة ولا منافاة بينهما إذ ليس في ذكر الثلاث نفي الستة قوله فحملنا بفتح اللام أي حملنا رسول الله وكذلك ثم حملنا بفتح اللام قوله بل الله حملكم يعني لا معطي إلا الله والمعنى إنما أعطيتكم من مال الله أو بأمر الله لأنه كان يعطي بالوحي قوله وإني اسم إن ياء الإضافة وخبرها قوله لا أحلف إلى آخره والجملتان معترضتان بين اسم إن وخبرها قوله أو أتيت إما شك من الراوي في تقديم أتيت على تقديم كفرت والعكس وإما تنويع من رسول الله إشارة إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث وتأخيرها
4266 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) قال ( هاذا ما ) حدثنا ( به أبو هريرة ) عن النبي قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة فقال رسول الله والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطى كفارته التي افترض الله عليه ( الحديث 5266 - طرفه في 6266 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لأن يلج إلى آخره وأما وجه إدخال قوله نحن الآخرون السابقون يوم القيامة فهو أن هذا أول حديث في صحيفة همام عن أبي هريرة وكان همام إذا روى الصحيفة استفتح بذكره ثم سرد الأحاديث فذكره الراوي أيضا كذلك وقال ابن بطال وجه ذلك أنه يمكن أن يكون سمع أبا هريرة كذلك من رسول الله في نسق واحد فحدث بهما جميعا كما سمعهما ويمكن أن الراوي فعل ذلك لأنه سمع من أبي هريرة أحاديث أولها ذلك فذكرها على الترتيب الذي ذكره
وإسحاق بن إبراهيم يحتمل أن يكون ابن راهويه ويحتمل أن يكون إسحاق بن نصر لأن كلا منهما روى عن عبد الرزاق ومعمر بفتح الميمين ابن راشد
والحديث أخرجه ابن ماجه في الكفارات عن سفيان من قوله إذا استلج
قوله نحن الآخرون أي آخر الأمم السابقون يوم القيامة في الحساب ودخول الجنة
قوله فقال رسول الله بالفاء في رواية الكشميهني بالواو قوله لأن يلج من الإلجاج بالجيمين يعني أقام على يمينه ولا يكفرها فيحللها ويزعم أنه صادق وقيل هو أن يحلف ويرى أن غيرها خير منها فيقيم على ترك الكفارة وذلك إثم وفي ( الصحاح ) لججت بالكسر يلج لجاجا ولجاجة ولججت بالفتح لغة قوله بيمينه في أهله يعني إذا حلف يمينا يتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه ولا يكون في الحنث معصية ينبغي له أن يحنث ويكفر فإن قال لا أحنث وأخاف الإثم فهو مخطىء قوله آثم له بمد الهمزة وفتح الثاء المثلثة على وزن لفظ أفعل التفضيل وهو خير قوله لأن يلج لأن أن مصدرية واللام للتأكيد تقديره لجاجه باستمراره في يمينه أشد إثما من أن يعطى إلى آخره ويجوز كسر إن فقوله آثم بالمد أي أكثر إثما قال الكرماني هذا يشعر بأن إعطاء الكفارة فيه إثم لأن الصيغة تقتضي الاشتراك ثم أجاب بأن نفس الحنث فيه إثم لأنه يسلتزم عدم تعظيم اسم الله تعالى وبين إعطاء الكفارة وبينه ملازمة عادة

(23/166)


6266 - حدثني ( إسحاق ) يعني ( ابن إبراهيم ) حدثنا يحياى بن صالح حدثنا معاوية عن يحياى عن عكرمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من استلج في أهله بيمين فهو أعظم إثما ليبر يعني الكفارة ( انظر الحديث 5266 )
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة السابق أخرجه عن إسحاق ثم بينه بقوله ابن إبراهيم وقال الغساني إسحاق يشبه أن يكون ابن منصور فالظاهر أنه هو الصواب لأن في كثير من النسخ ذكر إسحاق مجردا حتى قال جامع ( رجال الصحيحين ) في ترجمة ( يحيى بن صالح ) الحمصي روى عنه إسحاق غير منسوب وهو ابن منصور وأما النسخة التي فيها يعني ابن إبراهيم ما أزالت الإبهام لأن في مشايخ البخاري إسحاق بن إبراهيم بن نصر وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن وإسحاق بن إبراهيم الصواف وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه ويحيى بن صالح روى عنه البخاري أيضا بلا واسطة في الصلاة و ( معاوية ) هو ابن سلام بالتشديد الحبشي الأسود و ( يحيى ) هو ابن كثير ضد القليل
قوله من استلج من باب الاستفعال والسين فيه للتأكيد وذكر ابن الأثير أنه وقع في رواية من استلجج بفك الإدغام قوله ليبر بلفظ أمر الغائب من البر أو الإبرار يعني ليفعل البر أي الخير بترك اللجاج يعني ليعط الكفارة وإنما فسره بذلك لئلا يظن أن البر هو البقاء على اليمين وقوله ليبر هكذا في رواية ابن السكن ولأبي ذر عن الكشمينهي قوله يعني بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وكسر النون تفسير ليبر ويروى ليس تغني الكفارة وهذه الرواية أولى إذ هو تفسير لاستلج بمعنى الاستلجاج وهو عدم عناية الكفارة وإرادتها وأما المفضل عليه فمحذوف يعني أعظم من الحنث والجملة استئناف أو صفة للإثم يعني إثما لا يغني عنه كفارة
2 -
( باب قول النبي وايم الله )
أي هذا باب في ذكر قول النبي في يمينه وأيم الله الهمزة فيه للوصل وهو اسم وضع للقسم أو هو جمع يمين وحذف منه النون وعند الفراء وابن كيسان ألفه ألف القطع وقال الجوهري ربما حذفوا الياء فقالوا أم الله وربما أبقوا الميم مضمومة فقالوا أم الله
7266 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) عن ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال ( بعث ) رسول الله بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في إمرته فقام رسول الله فقال إن كنتم تطعنون في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل وايم الله إن كان لخليقا لللإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هاذا لمن أحب الناس إلي بعده
مطابقته للترجمة في قوله وايم الله والحديث مضى في باب مناقب زيد بن حارثة مولى رسول الله
قوله بعثا أي سرية قوله في إمرته بكسر الهمزة وسكون الميم ويروى في إمارته قوله تطعنون المشهور فيه فتح العين وقال ابن فارس عن بعضهم طعن بالرمح يطعن بالضم وطعن بالقول يطعن بالفتح قوله وأيم الله يعني يمين الله ولكن معناه يمين الحالف بالله لأنه لا يجوز أن يوصف الله بأنه يحلف بيمين وإنما هو من صفات المخلوقين وروي عن ابن عمرو ابن عباس أنهما كانا يحلفان بأيم الله وأبى الحلف بها الحسن البصري وإبراهيم النخعي وهو يمين عند أصحابنا قاله الطحاوي وبه قال مالك وقال الشافعي إن لم يرد بها يمينا فليست بيمين وروي عن ابن عباس أنه اسم من أسماء الله تعالى فإن صح ذلك فهو الحلف بالله قوله إن كان إن مخففة من الثقيلة قوله لخليقا بالإمارة أي لجديرا لها وأهلا قوله لمن أحب الناس قال الكرماني

(23/167)


الأحب بمعنى المحبوب وفيه تأمل قوله إلي بتشديد الياء
3 -
( باب كيف كانت يمين النبي )
أي هذا باب في بيان كيفية يمين النبي
وقال سعد قال النبي والذي نفسي بيده
أي قال سعد بن أبي وقاص وأخرج البخاري هذا المعلق موصولا في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مطولا فارجع إليه
وقال أبو قتادة قال أبو بكر رضي الله عنه عند النبي لاها الله إذا
أبو قتادة هو الحارث بن ربعي الأنصاري الخزرجي فارس رسول الله وحديثه مضى في كتاب الخمس في باب من لم يخمس الأسلاب حدثنا عبد الله بن مسملة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال خرجنا مع رسول الله عام حنين الحديث إلى أن قال صدق يا رسول الله وسلبه عندي فأرضه يا رسول الله فقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لاها الله إذا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه فقال النبي صدق فأعطاه قوله لاها الله قال ابن الأثير هكذا جاء الحديث لاها الله إذا والصواب لاها الله بحذف الهمزة ومعناه لا والله لا يكون إذا أولا والله ما الأمر ذا فحذف تخفيفا ولك في ألف ها مذهبان أحدهما تثبت ألفها في الوصل لأن الذي بعدها مدغم مثل دابة والثاني تحذفها لالتقاء الساكنين وقال صاحب ( المطالع ) لأها الله كذا ورويناه بقصرها وإذا قال إسماعيل القاضي عن المازني إن الرواية خطأ وصوابه لأها الله ذا وذا صلة في الكلام قال وليس في كلامهم لاها الله إذا وقاله أبو زيد وقال أبو حاتم يقال في القسم لاها الله ذا والعرب تقول لاها الله ذا بالهمزة والقياس ترك الهمزة والمعنى لا والله هذا ما أقسم به فأدخل اسم الله بين هذا وذا وقال الكرماني إذا جواب وجزاء أي لا والله إذا صدق لا يكون كذا ويروى ذا اسم إشارة أي والله لا يكون هذا
يقال والله وبالله وتالله
أشار به إلى حروف القسم وهي ثلاثة الأول والله بالواو والثاني بالله بالباء الموحدة والثالث تالله بالتاء المثناة من فوق والواو والباء الموحدة يدخلان على كل محلوف والتاء المثناة لا تدخل إلا على لفظة الله وحده
8266 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) عن ( سفيان ) عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر قال كانت يمين النبي لا ومقلب القلوب ( انظر الحديث 7166 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا الحديث عن قريب في باب يحول بين المرء وقلبه
فإنه أخرجه هناك عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن ( موسى بن عقبة ) إلى آخره وهنا أخرجه عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري وليس المراد عن محمد بن يوسف البيكندي عن سفيان بن عيينة والثوري روى عن موسى بن عقبة بضم العين وسكون القاف عن ( سالم ) بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر ومضى الكلام فيه هناك
9266 - حدثنا ( موسى ) الله حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( عبد الملك ) عن ( جابر بن سمرة ) عن النبي قال إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ( انظر الحديث 1213 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله والذي نفسي بيده
وموسى هو ابن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي وأبو عوانة بفتح العين

(23/168)


المهملة وتخفيف الواو اسمه الوضاح اليشكري وعبد الملك هو ابن عمير الكوفي
والحديث مضى في الخمس عن إسحاق بن إبراهيم وفي علامات النبوة عن قبيصة بن عقبة
وقيصر اسم ملك الروم وكسرىبكسر الكاف وفتحها لقب ملوك الفرس قال الكرماني اسم لا إذا كان معرفة وجب التكرير ثم قال هو علم نكر أو كلمة لا بمعنى ليس أو مؤول نحو قضية ولا أبا حسن لها أو مكرر إذ حاصله لا قيصر ولا كسرى وفيه معجزة إذ وقع كما أخبر
0366 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) قال قال رسول الله إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث مثل حديث جابر بن سمرة سواء غير أن في حديث جابر قيصر مقدم على كسرى
1366 - حدثني ( محمد ) أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها عن النبي أنه قال يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا
مطابقته للترجمة في قوله والله لو تعلمون ومحمد هو ابن سلام وعبدة ضد الحرة بن سليمان ومثل هذا الحديث عن أبي هريرة وأنس مضى في الرقاق في باب قول النبي لو تعلمون ما أعلمالحديث
2366 - حدثنا يحياى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني حيوة قال حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي له لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي الآن يا عمر ( انظر الحديث 4963 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله والذي نفسي بيده ويحيى بن سلميان الجعفي يروي عن عبد الله بن وهب وحيوة هو ابن شريح وأبو عقيل بفتح العين زهرة بضم الزاي ابن معبد بفتح الميم والباء الموحدة ابن عبد الله بن هشام بن زهرة بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة ذهبت بن أمه إلى رسول الله وهو صغير فمسح رأسه ودعا له شهد فتح مصر وله بها خطة وله في البخاري حديثان
قال الكرماني ورجال السند مصريون
قلت كان ( يحيى بن سليمان ) كوفيا سكن مصر وعبد الله بن وهب مصري وكذلك زهرة وهذا السند بعينه ذكر في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وذكر من متن الحديث
قوله ( كنا مع ) النبي وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ولم يذكر غير هذا قوله حتى أكون أي لا يكمل إيمانك حتى أكون قوله الآن يعني كمل إيمانك
3366 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ) عن ( أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه ) أن ( رجلين اختصما إلى ) رسول الله فقال أحدهما اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر وهو أفقههما أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم قال تكلم قال إن ابني كان عسيفا على هاذا قال مالك والعسيف الأجيز زنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة

(23/169)


وجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمعها فاعترفت فرجمها
مطابقته للترجمة في قوله أما والذي نفسي بيده
وإسماعيل هو ابن أبي أويس وزيد بن خالد الجهنى أبو عبد الرحمن المدني من جهينة ابن زيد بن ليث بن سعد بن أسلم بن ألحاف بن قضاعة من مشاهير الصحابة مات بالمدينة وقيل بالكوفة سنة ثمان وسبعين وهو ابن خمس وثمانين سنة
وذكر البخاري هذا الحديث في مواضع كثيرة مختصرا أو مطولا في الصلح وفي الأحكام عن آدم عن ابن أبي ذئب في باب إذا اصطلحوا على صلح جور وفي المحاربين عن عبد الله بن يوسف وعن عاصم بن علي وفي الوكالة عن أبي الوليد وفي الشروط عن قتيبة وفي الاعتصام عن مسدد وفي خبر الواحد عن أبي اليمان وفي الشهادات عن يحيى بن بكير وأخرجه بقية الجماعة ومضى الكلام فيه في الصلح وغيره
قوله أجل يا رسول الله أي نعم قال الأخفش أجل جواب مثل نعم إلا أنه أحسن منه في التصديق ونعم أحسن منه في الاستفهام قوله والعسيف بفتح العين وكسر السين المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء قوله ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني فيه فتيا العالم مع وجود من هو أعلم منه قال أبو القاسم العذري كان يفتي من الصحابة فيما بلغني في زمن رسول الله الخلفاء الأربعة وثلاثة من الأنصار أبي ومعاذ وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم قوله بكتاب الله قيل هو قوله ويدرأ عنها العذاب ( النور8 ) والعذاب الذي يدرأ للزوجة عن نفسها هو الرجم وأهل السنة مجمعون على أن الرجم من حكم الله وقال قوم إنه ليس في كتاب الله وإنما هو في السنة وأن السنة تنسخ القرآن فزعموا أن معنى قوله لأقضين بينكما بكتاب الله أي بوحي الله تعالى لا بالمتلو وقيل يريد بقضاء الله حكمه كقوله كتاب الله عليكم أي حكمه فيكم وقضاؤه عليكم قوله أما غنمك وجاريتك فرد عليك أي فيردان عليك وفيه أن الصلح الفاسد ينتقض إذا وقع قوله وأمر أنيس الأسلمي أنيس مصغر أنس ابن الضحاك الأسلمي نسبة إلى أسلم بن أقصى بالفاء ابن حارثة بن عمرو والأسلمي أيضا نسبة إلى أسلم بن جمح قيل فيه إباحة تأخير الحدود عند ضيق الوقت وأنكره بعضهم ويروى فامض إلى امرأة هذا وفي لفظ أغدو يا أنيس على امرأة هذا قوله إلى امرأة الآخر بفتح الخاء كذا ضبطه الدمياطي خطأ وقال ابن التين هو بقصر الألف وكسر الخاء كذا رويناه قوله فإن اعترفت فارجمها
قال صاحب ( التوضيح ) فيه أن مطلق الاعتراف يوجب الحد ولا يحتاج إلى تكراره وبه قال مالك والشافعي وقال أحمد لا يجب إلا باعتراف أربع مرات في مجلس أو أربع مجالس وقال أبو حنيفة لا يجب إلا باعتراف في أربع مجالس فإن اعترف في مجلس واحد ألف مرة فهو اعتراف واحد واحتج أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه بما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فلما شهد على نفسه أربع مرات الحديث أخرجاه في ( الصحيحين ) وكذا في حديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم حتى شهد على نفسه أربع مرات وكذا في حديث ابن عباس أخرجه مسلم حتى شهد أربع مرات وكذا في حديث جابر بن عبد الله أخرجه مسلم حتى شهد على نفسه أربع شهادات
والجواب عن حديث العسيف أن معناه أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت الاعتراف المعهود بالتردد أربع مرات وجاء في بعض طرق حديث الغامدية أنه ردها أربع مرات أخرجه البزار في ( مسنده ) فإن قلت سلمنا الإقرار أربع مرات فاشتراط اختلاف المجالس من أين
قلت أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن ماعزا أتى النبي فرده ثم أتاه الثانية من الغد فرده الحديث وفيه فأتاه الثالثة إلى أن قال فلما كان الرابعة حفر له ورجمه
6366 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة ) عن ( أبي حميد الساعدي ) أنه أخبره أن رسول الله استعمل عاملا فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال

(23/170)


يا رسول الله هاذا لكم وهذا أهدي لي فقال له أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدي لك أم لا ثم قام رسول الله عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول هاذا من عملكم وهاذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى له أم لا فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيرا جاء به له رغاء وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار وإن كانت شاة جاء بها تيعر فقد بلغت
فقال أبو حميد ثم رفع رسول الله يده حتى إنا لننظر إلى عفرة إبطيه
قال أبو حميد وقد سمع ذلك معي زيد بن ثابت من النبي فسلوه
مطابقته للترجمة في قوله والذي نفس محمد بيده
وأبو اليمان الحكم بن نافع وعروة بن الزبير بن العوام وأبو حميد بضم الحاء وفتح الميم الساعدي الأنصاري وقيل اسمه عبد الرحمن وقيل المنذر وقيل إنه عم سهل بن سعد
والحديث مضى في الهبة عن عبد الله بن محمد في باب من لم يقبل الهدية لعلة ومضى الكلام فيه
قوله استعمل عاملا هو عبد الله بن اللتبية بضم اللام وسكون التاء المثناة من فوق وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف وتقدم في باب الهبة أنه استعمل النبي رجلا من الأنصار يقال له ابن اللتبية على الصدقة قوله لا يغل أي لا يخون من الغلول قوله رغاء بضم الراء وبالغين المعجمة والمد قال الكرماني الرغاء الصوت
قلت هو صوت البعير خاصة قوله خوار بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو وهو صوت البقرة وقال ابن التين ورويناه بالجيم والهمزة وهو رفع الصوت قوله تيعر بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح العين المهملة وكسرها أي تصبح وقال ابن التين قرأناه بفتح العين وقال الجوهري يعرت العنزتيعر بالكسر يعارا بالضم صاحت وقال ابن فارس اليعار صوت الشاة قوله فقد بلغت بالتشديد من التبليغ
قوله إلى عفرة إبطيه بضم العين المهملة وسكون الفاء وبالراء البياض الذي فيه شيء كلون الأرض وقال الجوهري الأعفر الأبيض وليس بالشديد البياض وشاة عفراء يعلو بياضها حمرة قوله وقال أبو حميد هو موصول بالسند المذكور وهو راوي الحديث
وفي الحديث أن هدية العامل مردودة إلى بيت المال وقال صاحب ( التوضيح ) وما أحسن قول صاحب ( الحاوي الصغير ) وهديته سحت ولا يملك
7366 - حدثني ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) هو ( ابن يوسف ) عن ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) قال قال ( أبو القاسم ) والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ( انظر الحديث 5846 )
مطابقته للترجمة في قوله والذي نفس محمد بيده
وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهشام بن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني اليماني قاضيها ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وهمام هو ابن منبه
والحديث مضى عن قريب عن عائشة رضي الله تعالى عنها ومضى مثله عن قريب عن أبي هريرة وأنس رضي الله تعالى عنهما قوله ما أعلم أي من الأفعال والأهوال
8366 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) عن ( المعرورعن أبي ذر ) قال انتهيت إليه وهو يقول في ظل الكعبة هم الأخسرون ورب الكعبة هم الأخسرون ورب الكعبة قلت ما شأني

(23/171)


أيرى في شيء ما شأني فجلست إليه وهو يقول فما استطعت أن أسكت وتغشاني ما شاء الله فقلت من هم بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال الأكثرون أموالا إلا من قال هاكذا وهاكذا وهاكذا ( انظر الحديث 0641 )
مطابقته للترجمة في قوله ورب الكعبة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث النخعي الكوفي والأعمش سليمان والمعرور بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الراء الأولى ابن سويد الأسدي عاش مائة وعشرين سنة وكان أسود الرأس واللحية وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري
وصدر الحديث مضى في الزكاة بهذا الإسناد بعينه في باب زكاة البقر قوله انتهيت إليه أي إلى النبي وصرح به في الزكاة قوله وهو يقول الواو فيه للحال قوله قلت ما شأني أي ما حالي قوله أيرى على صيغة المجهول شيء مرفوع به قوله في بكسر الفاء وتشديد الياء ومعناه أنظر في نفسي شيء يوجب الأخسرية ويروى أيرى بصيغة المعلوم ويروى أنزل في حقي شيء من القرآن قوله وما شأني أي ما حالي وما أمري قوله وتغشاني بالغين والشين المعجمة قوله بأبي وأمي أي أنت المفدى بأبي وأمي قوله هكذا ثلاث مرات أي إلا من صرف ماله يمينا وشمالا على المستحقين
9366 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( عبد الرحمان الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله قال سليمان لاطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعا فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل وايم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون
مطابقته للترجمة في قوله وأيم الذي نفس محمد بيده وهذا السند بعينه بهؤلاء الرجال قد مضى في أحاديث كثيرة
وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث مضى في الجهاد في باب من طلب الولد للجهاد ومضى أيضا في كتاب الأنبياء في باب قول الله تعالى ووهبنا لداود سليمان ( ص03 ) ومضى الكلام فيه هناك
قوله لأطوفن الطواف كناية عن الجماع قوله على تسعين وفي كتاب الأنبياء في بعض الروايات سبعين وقال شعيب وأبو الزناد تسعين وهو أصح ولا منافاة إذ هو مفهوم العدد وفي ( صحيح مسلم ) ستون ويروى مائة قوله قال له صاحبه أي الملك أو قرينه قوله بشق رجل أي بنصف ولد وإطلاق الرجل باعتبار ما يؤول إليه قوله وأيم الله إلى آخره من باب الوحي لأنه من باب علم الغيب قوله أجمعون تأكيد لضمير الجمع الذي في قوله لجاهدوا وفرسانا نصب على الحال جمع فارس
0466 - حدثنا ( محمد ) حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء بن عازب ) قال ( أهدي إلى ) النبي سرقة من حرير فجعل الناس يتداولونها بينهم ويعجبون من حسنها ولينها فقال رسول الله أتعجبون منها قالوا نعم يا رسول الله قال والذي نفسي بيده لمناديل سعد في الجنة خير منها
لم يقل شعبة وإسرائيل عن أبي إسحااق والذي نفسي بيده
مطابقته للترجمة في قوله والذي نفسي بيده ومحمد هو ابن سلام قاله الغساني وأبو الأحوص هو سلام بالتشديد ابن سليم الحنفي الكوفي وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي
والحديث أخرجه ابن ماجه في السنة عن هناد بن السري
قوله سرقة بفتح السين المهملة وفتح الراء وبالقاف اسم لقطعة من الحرير قوله لمناديل سعد هو ابن معاذ سيد الأنصار وتخصيص

(23/172)


سعد بهذا إما أن مناديل سعد كانت من جنس تلك السرقة وإما أن الحال كان اقتضى استمالة قلبه وإما أنه كان اللامسون المتعجبون من الأنصار فقال مناديل سيدكم خير منه وإما أن سعدا كان يحب ذلك الجنس من الثوب أو ذلك اللون وفيه منقبة عظيمة لسعد رضي الله تعالى عنه وأن أدنى ثيابه في الجنة كذلك لأن المنديل أدنى الثياب معد للوسخ والامتهان والمناديل جمع منديل بكسر الميم وهو ما يمسح به ما يتعلق باليد من الطعام تقول منه تمندلت بالمنديل وتندلت وأنكر الكسائي تمندلت قوله خير منها يحتمل وجهين أن يريد في الصفة وأنها لا تفنى بخلاف هذه
قوله لم يقل شعبة وإسرائيل أي لم يذكر شعبة في هذا الحديث ولا إسرائيل حدثنا يونس عن أبي إسحاق إلى آخره أما حديث شعبة عن أبي إسحاق فأخرجه مسلم قال حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول أهديت لرسول الله حلة حرير فجعلوا يمسونها ويعجبون من حسنها فقال أتعجبون من لين هذه لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين وأما حديث إسرائيل عن جده أبي إسحاق فأخرجه
19 - ( حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت إن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت يا رسول الله ما كان مما على ظهر الأرض أهل أخباء أو خباء أحب إلي من أن يذلوا من أهل أخبائك أو خبائك شك يحيى ثم ما أصبح اليوم أهل أخباء أو خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل أخبائك أو خبائك قال رسول الله وأيضا والذي نفس محمد بيده قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن أطعم من الذي له قال لا إلا بالمعروف )
مطابقته للترجمة في قوله والذي نفس محمد بيده ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث مضى مختصرا في النفقات في باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها أخرجه عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن موسى عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة قالت جاءت هند بنت عتبة فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان الحديث قوله إن هند منصرف وغير منصرف بنت عتبة بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق ابن ربيعة القرشية أم معاوية بن أبي سفيان أسلمت يوم الفتح قوله أهل أخباء أو خباء بالشك بين الجمع والمفرد والخباء أحد بيوت العرب من وبر أو صوف ولا يكون من الشعر ويكون على عمودين أو ثلاثة ويجمع على أخبية وجمع هنا على أخباء على غير قياس وقال ابن بطال المعروف في جمع خباء أخبية لأن فعالا في القليل يجمع على أفعلة كسقاء وأسقية ومثال وأمثلة قوله من أن يذلوا أن مصدرية أي من ذلهم وكذلك في قوله من أن يعزوا أي من عزهم قوله شك يحيى هو يحيى بن بكير شيخ البخاري قوله وأيضا أي وستزيدين من ذلك إذ يتمكن الإيمان في قلبك فيزيد حبك لرسول الله وأصحابه كما قال النبي والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين يريد لا يبلغ حقيقة الإيمان وأعلى درجاته حتى أكون أحب إليه إلى آخره وقيل معناه وأنا أيضا بالنسبة إليك مثل ذلك والأول أولى قوله مسيك بكسر الميم وتشديد السين المهملة كذا هو المحفوظ وقال ابن التين حفظناه بفتح الميم وهو البخيل وإنما سمي بذلك لأنه يمسك ما في يديه ولا يخرجه لأحد قوله قال لا أي قال رسول الله لا حرج عليك إلا بالمعروف أي إلا أن تطعمين من ماله بحسب العرف بين الناس في ذلك

(23/173)


20 - ( حدثني أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا إبراهيم عن أبيه عن أبي إسحق قال سمعت عمرو بن ميمون قال حدثني عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال بينما رسول الله مضيف ظهره إلى قبة من أدم يمان إذ قال لأصحابه أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قالوا بلى قال أفلم ترضوا أن تكونوا ثلث أهل الجنة قالوا بلى قال فوالذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة )
مطابقته للترجمة في قوله والذي نفس محمد بيده وأحمد بن عثمان بن حكيم الأودي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وشريح بن مسلمة بفتح الميم واللام الكوفي وإبراهيم هو ابن يوسف يروي عن أبيه يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق ويوسف يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وعمرو بالواو ابن ميمون أدرك الجاهلية وقد مر غيرة مرة والحديث مضى بأتم منه في الرقاق في باب كيف الحشر فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قوله مضيف أي مسند ومميل قوله يمان أصله يمني قدم إحدى الياءين على النون وقلبت ألفا فصار مثل قاض ويروى على الأصل قوله إذ قال جواب بينما قوله ربع أهل الجنة بضم الراء وسكون الباء وضمها وكذا في الثلث قوله أفلم ترضوا ويروى أفلا ترضون
21 - ( حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال رسول الله والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن )
مطابقته للترجمة في قوله والذي نفسي بيده وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري والحديث مضى في فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف ومضى الكلام فيه قوله يرددها أي يكررها قوله وكان بالتشديد قوله يتقالها يعني يعدها قليلة قوله لتعدل ثلث القرآن لأن جميعه إما متعلق بالمبدأ أو بالمعاش أو بالمعاد وقيل لأنه على ثلاثة أقسام قصص وأحكام وصفات الله تعالى وسورة الإخلاص متمحضة لله تعالى وصفاته فهي ثلثه قال الكرماني فإن قلت كيف تكون معادلة للثلث ولا شك أن المشقة في قراءة ثلث القرآن أكثر من قراءتها بكثير والأجر بقدر النصب قلت قراءة السورة لها ثواب قراءة الثلث فقط وأما قراءة الثلث فلها عشر أمثالها
22 - ( حدثني إسحق أخبرنا حبان حدثنا همام حدثنا قتادة حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول أتموا الركوع والسجود فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق قال الغساني لعله ابن منصور وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالنون ابن هلال الباهلي وهمام هو ابن يحيى والحديث من أفراده ومضى في الصلاة قوله إني لأراكم قيل كيف رأى من وراء الظهر وأجيب بأن الرؤية أمر يخلقها الله ولا يشترط فيها المقابلة ولا المواجهة عقلا حتى جوز الأشعرية رؤية الأعمى بالصين بقة أندلس
23 - ( حدثنا إسحق حدثنا وهب بن جرير أخبرنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن

(23/174)


مالك أن امرأة من الأنصار أتت النبي معها أولادها فقال النبي والذي نفسي بيده إنكم لأحب الناس إلي قالها ثلاث مرار )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هذا هو ابن راهويه وهشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري البصري يروي عن جده أنس والحديث مضى في فضل الأنصار عن يعقوب بن إبراهيم وفي النكاح عن بندار عن غندر قوله إنكم الخطاب لجنس المرأة وأولادها يعني الأنصار قيل يلزم من هذا أن تكون الأنصار أفضل من المهاجرين عموما ومن أبي بكر وعمر خصوصا وأجيب بأنه عام مخصوص بالدلائل الخارجية المخرجة له منه قالوا ما من عام إلا وخص ألا والله بكل شيء عليم -
4 -
( باب لا تحلفوا بآبائكم )
أي هذا باب في قوله لا تحلفوا بآبائكم مثل قوله بأبي أفعل ولا أفعل
6466 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد لله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله ( أدرك عمر بن الخطاب ) وهو يسير في ركب يحلف بأبيه فقال ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت
طابقته للترجمة ظاهرة والحديث روي عن ابن عباس عن عمر رضي الله تعالى عنهم بلفظ بينا أنا في ركب أسير في غزاة مع رسول الله فقلت لا وأبي فهتف بي رجل من خلفي تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا هو رسول الله وروى ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عن عمر فالتفت فإذا هو رسول الله فقال لو أن أحدكم حلف بالمسيح والمسيح خير من آبائكم لهلك وفي رواية سعيد بن عبيدة أنها شرك وفي رواية ابن المنذر لا بأمهاتكم ولا بالأوثان ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون وروى ابن أبي عاصم في ( كتاب الأيمان ) والنذور ومن حديث ابن عمر من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر
والحكمة في النهي عن الحلف بالآباء أنه يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله جلت عظمته فلا يضاهي به غيره وهكذا حكم غير الآباء من سائر الأشياء وما ثبت أنه قال أفلح وأبيه فهي كلمة تجري على اللسان لا يقصد بها اليمين وأما قسم الله تعالى بمخلوقاته نحو والصافات والطور والسماء والطارق والتين والزيتون والعاديات فلله أن يقسم بما شاء من خلقه تنبيها على شرفه أو التقدير ورب الطور وقال أبو عمر لا ينبغي لأحد أن يحلف بغير الله لا بهذه الأقسام ولا بغيرها لإجماع العلماء على أن من وجب له يمين على آخر في حق فله أن يحلف له إلا بالله ولو حلف له بالنجم والسماء وقال نويت رب ذلك لم يكن عندهم يمينا وروى ابن جرير عن ابن أبي مليكة أنه سمع ابن الزبير يقول سمعني عمر رضي الله تعالى عنه لف بالكعبة فنهاني وقال لو تقدمت إليك لعاقبتك قال قتادة ويكره الحلف بالمصحف وبالعتق والطلاق وقال أبو عمر الحلف بالطلاق والعتق ليس يمينا عند أهل التحصيل والنظر وإنما هو طلاق بصفة وعتق بصفة وكلام خرج على الاتساع والمجاز ولا يمين في الحقيقة إلا بالله عز و جل وقال ابن المنذر واختلفوا فيما على من حلف بالقرآن العظيم وحنث فكان ابن مسعود يقول عليه بكل آية يمين وبه قال الحسن وقال النعمان لا كفارة عليه وقال أبو يوسف من حلف بالرحمن فحنث إن أراد بالرحمن الله فعليه كفارة يمين وإن أراد سورة الرحمن فلا كفارة وقال الأوزاعي وربيعة إذا قال أشهد لا أفعل كذا ثم فعل فهو يمين فإن قال حلفت ولم يحل فقال الحسن والنخعي لزمته يمين وقال حماد بن أبي سليمان هي كذبة وقال أبو ثور إذا قال عليه يمين ولم يكن حلف فلهذا باطل وقال أصحاب الرأي هي يمين فإن قال هو يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعل كذا فقال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور يستغر الله وقال طاووس والحسن والشعبي والنخعي والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي عليه كفارة يمين وبه قال أحمد وإسحاق

(23/175)


إذا أراد العين واختلفوا في الرجل يدعو على نفسه بالخزي والهلاك أو قطع اليدين إن فعل كذا فقال عطاء ولا شيء عليه وهو قول الثوري وأبي عبيد وأصحاب الرأي وقال طاووس عليه كفارة يمين وبه قال الليث وقال الأوزاعي إذا قال عليه لعنة الله إن لم يفعل كذا فلم يفعله فعليه كفارة يمين
7466 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) حدثنا ( ابن وهب ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال قال سالم قال ابن عمر سمعت عمر يقول قال لي رسول الله إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم قال عمر فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي ذاكرا ولا آثرا
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالراء هو سعيد بن كثيرين عفير مولى الأنصاري المصري وابن وهب عبد الله بن وهب المصري ويونس بن يزيد الأيلي وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري وسالم هو ابن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان أيضا عن أبي الطاهر وحرملة عن ابن وبه وغيرهما وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن عثمان وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن محمد بن يحيى
قوله ذاكرا أي قائلا لها من قبل نفسي قوله ولا آثرا بلفظ اسم الفاعل من الأثر يعني ولا حاكيا لها عن غيري ناقلا عنه وقال الطبري ومنه حديث مأثور عن فلان أي يحدث به عنه والأثر الرواية ونقل كلام الغير
قال مجاهد ( 46 ) أو إثارة من علم ( الأحقاف4 ) يأثر علما
أي قال مجاهد في تفسير قوله تعالى أو إثارة من علم وقبله ائتموني بكتاب من قبل هذا أو إثارة من علم إن كنتم صادقين وفسر قوله أو إثارة من علم بقوله يأثر علما يعني ينقل خبرا عمن كان قبله وقال مقاتل يعني رواية عن الأنبياء والأثر الرواية ومنه قيل للحديث أثر
تابعه عقيل والزبيدي وإسحاق الكلبي عن الزهري
أي تابع يونس في روايته عن ابن شهاب الزهري عقيل بضم العين ابن خالد وروى هذه المتابعة مسلم فقال حدثنا عبد الملك بن شعيب قال حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل بن خالد الحديث قوله والزبيدي أي تابعه أيضا محمد بن الوليد الزبيدي بضم الزاي صاحب الزهري وروى هذه المتابعة النسائي عن عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب عنه قوله وإسحاق الكلبي أي تابعه أيضا إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي ووقعت متابعته في نسخته من طريق أحمد بن إبراهيم بن شاذان عن عبد القدوس بن موسى الحمصي عن سليمان بن عبد الحميد عن يحيى بن صالح الوحاي عن إسحاق ابن يحيى فذكره
وقال ابن عييينة ومعمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر سمع النبي
أي قال سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد إلى آخره وتعليق ابن عيينة وصله ابن ماجه عن محمد بن أبي عمر العدني عن سفيان وتعليق معمر وصله أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق عنه والترمذي عن قتيبة وقال حسن صحيح ولما ذكر يعقوب بن شيبة هذا الحديث في ( مسنده ) قال حديث مدني حسن الإسناد ورواه يحيى بن أبي إسحاق عن سالم عن ابن عمر ولم يقل عن عمر ورواه عبيد الله بن عمرو أيوب السختياني ومالك والليث وعبد الله بن دينار فكلهم جعلوه عن ابن عمر أن رسول الله أدرك عمر رضي الله تعالى عنه وهو يحلف بأبيه غير أيوب فإنه جعله عن نافع أن عمر ولم يذكر ابن عمر في حديثه

(23/176)


8466 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد العزيز بن مسلم ) حدثنا ( عبد الله بن دينار ) قال سمعت ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما يقول قال رسول الله لا تحلفوا بآبائكم
طابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز بن مسلم القسملي وعبد الله بن دينار مولى ابن عمر وقال المهلب كانت العرب في الجاهلية تحلف بآبئهم وآلهتهم فأراد الله أن ينسخ من قلوبهم وألسنتهم ذكر كل شيء سواء ويبقى ذكره تعالى لأنه الحق المعبود والسنة اليمين بالله عز و جل
9466 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( عبد الوهاب ) عن ( أيوب ) عن ( أبي قلابة والقاسم التميمي ) عن ( زهدم ) قال كان بين هاذا الحي من جرم وبين الأشعريين ود وإخاء فكنا عند أبي موسى الأشعري فقرب إليه طعام فيه لحم دجاج وعنده رجل من بني تيم الله أحمر كأنصه من الموالي فدعاه إلى الطعام فقال إني رأيته يأكل شيئا فقذرته فحلفت أن لا آكله فقال قم فلأحدثنك عن ذاك إني أتيت رسول الله في نفر من الأشعريين نستحمله فقال والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم فأتي رسول الله بنهب إبل فسأل عنا فقال أين النفر الأشعريون فأمر لنا بخمس ذود غر الذراى فلما انطلقنا قلنا ما صنعنا حلف رسول الله لا يحملنا وما عنده ما يحملنا ثم حملنا تغفلنا رسول الله يمينه والله لا نفلح أبدا فرجعنا إليه فقلنا له إنا أتيناك لتحملنا فحلفت أن لا تحملنا وما عندك ما تحملنا فقال إني لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها
يل لا مطابقة بينه وبين الترجمة على ما لا يخفى وقال الكرماني الظاهر أن هذا الحديث كان على الحاشية في الباب السابق ونقله الناسخ إلى هذا الباب انتهى
قلت هذا بعيد جدا مع أن فيه في المطابقة أيضا وقال الكرماني أيضا استدل به البخاري من حيث إنه حلف في هذه القضية مرتين أولا عند الغضب وآخرا عند الرضا ولم يحلف إلا بالله فدل على أن الحلف إنما هو بالله في الحالتين انتهى
قلت هذا الذي ذكره ليس فيه بيان المطابقة بين الحديث والترجمة لأن الترجمة لا تحلفوا بآبائكم والحديث فيه حلف النبي والمطابق ذكره في الباب السابق لأن ترجمته باب كيف كانت يمين النبي ومن جملة ما يحلف به حلفه بالله وليست الترجمة في بيان أن الحلف على ضربين عند الغضب وعند الرضا وإنما هو بالله في الحالين ويمكن أن يوجه وجه المطابقة وإن كان فيه بعض التعسف بأن الترجمة لما كانت في معنى الحلف بالآباء وذكر حديثين مطابقين لها ذكر هذا الحديث تنبيها على أن الحلف إذا لم يكن بالآباء ونحو ذلك لا يكون إلا بالله فذكره لأن فيه الحلف بالله في الموضعين
وقتيبة هو ابن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي والقاسم بن عاصم التميمي البصري وزهدم بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة ابن مضرب على وزن اسم فاعل من التضريب بالضاد المعجمة الجرمي الأزدي البصري
والحديث قد مضى في أوائل كتاب الإيمان ولكن من قول أبي موسى أتيت النبي في رهط من الأشعريين إلى آخره والذي ذكر قبله هنا ليس هناك
قوله من جرم بفتح الجيم وسكون الراء وهو بطنان من العرب أحدهما من قضاعة وهو جرم بن ربان والآخر في طي قوله وبين الأشعريين ويروى

(23/177)


الأشعرين بحذف ياء النسبة قوله ود بضم الواو وتشديد الدال وهو المحبة قوله وإخاء بكسر الهمزة وتخفيف الخاء المعجمة وبالمد تقول آخاء مؤاخاة وإخاء والعامة تقول وأخاه قوله فكان عند أبي موسى أي فكان زهدم عنده ويروى فكنا قوله دجاج هو مثلث الدال جمع دجاجة للذكر والأنثى لأن الهاء إنما دخلت على أنه واحد من جنسه قوله من تيم الله بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف هي حي من بكر قوله فقذرته بفتح الذال وكسرها أي كرهته قوله فلأحدثتك أي فوالله لأحدثنك بنون التأكيد ويروى بلا نون قوله في نفر هو رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه وفي الرواية التي تقدمت في رهط من الأشعريين وقذ ذكرنا هناك أن الرهط عشرة الرجل من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى الأربعين ولا تكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه وتفسير بقية الألفاظ قد مر هناك والمسافة قريبة قوله بنهب أي من الغنيمة قيل تقدم في غزوة تبوك أنه ابتاعهن من سعد وأجيب بأنه لعله اشتراها منه من سهامه من ذلك النهب أو هما قضيتان إحداهما عند قدوم الأشعريين والثانية في غزوة تبوك قوله تغفلنا أي طلبنا غفلته قوله وتحللتها أي كفرتها والتحلل هو التقص عن عهدة اليمين الخروج من حرمتها
5 -
( باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت )
أي هذا باب يقال فيه لا يحلف على صيغة المجهول وفي بعض النسخ باب لا تحلفوا باللات بصيغة أمر الجمع واللات قال الثعلبي أخذ اللات من لفظة الله فألحقت بها تاء التأنيث كما قيل للذكر عمرو ثم قيل للأنثى عمرة
قلت أرادوا أن يسموا آلهتهم بلفظة الله فصرفها الله إلى اللات صيانة لهذا الاسم الشريف وعن قتادة اللات صخرة بالطائف وعن أبي زيد بيت بنخلة كانت قريش تعبده وقيل كان رجل يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه وعن الكعبي كان رجل من ثقيف يسمى حرمة ابن تميم كان يسلي السمن فيصعد على صخرة ثم يأتي العرب فيلت به أسوقتهم فلما مات الرجل حولتها ثقيف إلى منازلها فعبدوها والعزى اختلف فيها فعن مجاهد هي شجرة لغطفان يعبدونها هي التي بعث إليها رسول الله خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها فقتلها خالد رضي الله تعالى عنه وعن الضحاك هي صنم لغطفان وضعها لهم سعد بن ظالم الغطفاني وذلك أنه لما قدم مكة ورأى أن أهلها يطوفون بها وبين الصفا والمروة أخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة فنقلهما إلى نخلة ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها إلى صخرة وقال هذا ربكم فاعبدوه فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله مكة فأمر بهدمها وعن ابن زيد العزى بيت بالطائف كانت تبعده ثقيف ومن أصنامهم المناة قال قتادة كانت لخزاعة وكانت بقديدة وعن ابن زيد بيت كان بالسليل تعبده بنو كعب وقال الضحاك مناة صنم لهذيل وخزاعة تعبدها أهل مكة وقال اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها قوله ولا بالطواغيت أي ولا يحلف بالطواغيت أيضا وهو جمع الطاغوت وهم صنم وقيل شيطان وقيل كل رأس ضلال وعن جابر وسعيد بن جبير الكاهن وقال الطبري هو عندي فعلوت من الطغيان كالجبوت من الجبر قيل ذلك لكل من طغا على الله فعبد من دونه إنسانا كان ذلك الطاغي أو شيطانا أو صنما
قلت أصله طغيوت قدمت الياء على الغين فصار طيغوت ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
0566 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام بن يوسف ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( حميد بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال من حلف فقال في حلفه باللات والعزصى فليقل لا إله إلا الله وم قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في تفسير والنجم فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد والمتن بعينه ومضى في الأدب

(23/178)


أيضا عن إسحاق وفي الاستئذان عن يحيى بن بكير
قوله فليقل لا إله إلا الله إنما أمر بذلك لأنه تعاطى صورة تعظيم الأصنام حين حلف بها وأن كفارته هو هذا القول لا غير قوله تعال أقامرك تعال بفتح اللام أمر وأقامرك مجزوم لأنه جزاؤه وإنما أمر بالصدقة تكفيرا للخطيئة في كلامه بهذه المعصية والأمر بالصدقة محمول عند الفقهاء على الندب بدليل أن مريد الصدقة إذا لم يفعلها ليس عليه صدقة ولا غيرها بل يكتب له حسنة
6 -
( باب من حلف على الشيء وإن لم يحلف )
أي هذا باب فيه بيان من حلف على شيء يفعله أو لا يفعله قوله وإن لم يحلف على صيغة المجهول وهو معطوف على محذوف تقديره حلف على ذلك وإن لم يحلف
1566 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( الليث ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله اصطنع خاتما من ذهب وكان يلبسه فيجعل فصه في باطن كفه فصنع الناس خواتيم ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال إني كنت ألبس هاذا الخاتم وأجعل فصه من داخل فرمى به ثم قال والله لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم
طابقته للترجمة من حيث إن النبي حلف لا يلبس خاتم الذهب والحال أن أحدا ما حلفه على ذلك وفيه أنه لا بأس بالحلف على ما يجب المرء تركه أو على ما يحب فعله من سائر الأفعال وأما وجه حلفه فهو في ذلك ما قاله المهلب إنما كان يحلف في تضاعيف كلامه وكثير من فتواه تبرعا ذلك لنسخ ما كانت الجاهلية عليه من الحلف بآبائهم وآلهتهم وأصنام وغيرها ليعرفهم أن لا محلوف به سوى الله عز و جل وليتدربوا على ذلك حتى ينسوا ما كانوا عليه من الحلف بغبر الله تعالى
والحديث مضى في كتاب اللباس في باب خواتيم الذهب فإنه أخرجه هناك عن مسدد وعن يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر وأخرجه أيضا في باب خاتم الفضة عن يوسف بن موسى عن أبي سلمة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
قوله فيجعل فصه بفتح الفاء وكسرها قاله الكرماني وقال الجوهري العامة تقول بالكسر قوله في باطن كفه إنما لبسه كذلك لبيان أنه لم يكن للزينة بل للختم ومصالح أخرى قوله فرمى به أي لم يستعمله وليس أنه أتلفه لنهيه عن إضاعة المال قوله والله لا ألبسه أبدا أراد بذلك تأكيد الكراهة في نفوس الناس بيمينه لئلا يتوهم أن كراهته لمعنى فإذا أزال ذلك المعنى لم يكن بلبسه بأس وأكد بالحلف أن لا يلبسه على جميع وجوهه قوله فنبذ الناس أي طرح الناس خواتيمهم
7 -
( باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام )
أي هذا باب في بيان من حلف بملة سوى ملة الإسلام ولم يذكر ما يترتب على الحالف اكتفاء بما ذكره في الباب وفي بعض النسخ باب من حلف بملة غير الإسلام والملة بكسر الميم وتشديد اللام وقال ابن الأثير الملة الدين كملة الإسلام واليهودية والنصرانية وقيل هي معظم الدين وجملة ما يجيء به الرسل
وقال النبي من حلف باللات والعزي فليقل لا إلاه إلا الله ولم ينسبه إلى الكففر
هذا تعليق ذكره موصولا عن قريب في باب لا يحلف باللات والعزى عن أبي هريرة وأراد به أن الحالف باللات والعزى يقول لا إله إلا الله و يكفر لأنه أمره أن يقول لا إله إلا الله لم ينسبه إلى الكفر وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا عبيد الله حدثنا إسرائيل عن أبي معصب عن مصعب بن سعد عن أبيه قال حلفت باللات والعزى فأتيت النبي فقلت إني حلفت باللات والعزى فقال قل لا إله إلا الله ثلاثا وأنفث عن شمالك ثلاثا وتعوذ بالله من

(23/179)


الشيطان الرجيم ولا تعد
2566 - حدثنا ( معلى بن أسد ) حدثنا ( وهيب ) عن ( أيوب ) عن ( أبي ثلابة ) عن ( ثابت بن الضحاك ) قال قال النبي من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله
طابقته للترجمة ظاهرة ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري وأيوب السختياني وأبو قلابة بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد ثابت بالثاء المثلثة ابن الضحاك الأنصاري كان من أصحاب الشجرة
والحديث مضى في الجنائز عن مسدد في باب ما جاء في قاتل النفس ومضى الكلام فيه ومضى في الأدب أيضا
قوله فهو كما قال قال المهلب يعني هو كاذب في يمينه لا كافر لأنه لا يخلو أن يعتقد الملة التي حلف بها فلا كفارة عليه بالرجوع إلى الإسلام أو يكون معتقدا الإسلام بعدالحنث فهو كاذب فيما قاله لأن في الحديث الماضي لم ينسبه إلى الكفر وقيل يراد به التهديد والوعيد وقال ابن القصار معناه النهي عن موافقة ذلك اللفظ والتحذير منه لا أنه يكون كافرا بالله قوله عذب به أي بالشيء الذي قتل نفسه به لأن جزاءه من جنس عمله قوله ولعن المؤمن كقتله يعني في التحريم أو في الإبعاد فإن اللعن تبعيد من رحمة الله وقيل المراد المبالغة في الإثم قوله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله يعني في الحرمة وقيل لأن نسبته إلى الكفر الموجب لقتله كالتقل لأن المتسبب للشيء كفاعله
8 -
( باب لا يقول ما شاء الله وشئت وهل يقول أنا بالله ثم بك )
أي هذا باب مترجم بلفظ لا يقول الشخص في كلامه ما شاء الله وشئت على صيغة المتكلم من الماضي قال الكرماني يعني لا يجمع بينهما يعني بين قوله ما شاء الله وقوله وشئت لجواز كل واحد منهما مفردا وقال غيره لأن الواو يشرك بين المعنيين وليس هذا من الأدب وقد روى في ذلك عن رسول الله قال لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليل ما شاء الله ثم ما شاء فلان وإنما جاز دخول ثم مكان الواو لأن مشيئة الله مقدمة على مشيئة خلقه قال عز و جل ( 76 ) وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ( الإنسان04 والتكوير92 ) فهذا من الأدب وذكر عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرى بأسا أن يقول ما شاء الله ثم شئت قوله وهل يقول أنا بالله ربك ذكره بالاستفهام لعدم ثبوت أحد الأمرين عنده وهما جواز القول بذلك وعدمه ولكن روى عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يقول أعوذ بالله وبك حتى يقول ثم بك والعلة في ذلك ما ذكرناه وهو أن بالواو يلزم الاشتراك وبكلمة ثم لا يلزم لأن مشيئة الله متقدمة
3566 - وقال ( عمرو بن عاصم ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( إسحقا بن عبد الله ) حدثنا عبد الرحمان بن أبي عمرة أن أبا هريرة حدثه أنه سمع النبي يقول إن ثلاثة في بني إسرائيل أراد الله أن يبتليهم فبعث ملكا فأتى الأبرص فقال تقطعت بي الحبال فلا بلاغ لي إلا بالله ثم بك فذكر الحديث
( انظر الحديث 4643 )
قال الكرماني ليس في الباب ما يدل عليه يعني ليس في الباب حديث يدل على ما ترجم ثم تكلف بالجواب بما ليس تحته طائل فقال يروى عن أبي إسحاق المستملي أنه قال انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند الفربري فرأيته لم يتم بعد وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة فيها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم عليها فاضفنا بعض ذلك إلى بعض قالوا وقد وقع في النسخ كثير من التقديم والتأخير والزيادة والنقصان لأن أبا الهيثم والحموي نسخا منه أيضا فبحسب ما قدر كل وحد منهم ما كان في رقعة أو في حاشية أو مضافة أنه من الموضع الفلاني أضافه إليه انتهى وقال صاحب

(23/180)


( التوضيح ) والحديث في ذلك أي في عدم جوازان يقال ما شاء الله وشئت ما رواه محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا مسعر عن معبد بن خالد عن عبد الله بن بشار عن قتيلة امرأة من جهينة قالت جاء يهودي إلى رسول الله فقال إنكم تشركون وإنكم تقولون والكعبة وتقولون ما شاء الله وشئت فأمرهم رسول الله إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة وأمرهم أن يقولوا ما شء الله ثم شئت
وهذا الحديث رواه البخاري ولم يكن من شرطه فترجم به واستنبط معناه من حديث أبي هريرة انتهى
قلت هذا لا بأس به للقرب من الترجمة ما شاء الله وشئت لأن فيه هذا وقوله ما شاء الله ثم شئت
قوله محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة الذي يقال له بندار أي الحافظ روى عن الجماعة وأبو أحمد الزبيري اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير الكوفي روى له الجماعة ومسعر بكسر الميم ابن كدام روى له الجماعة ومعبد بن خالد الجدلي التابعي روى له الأربعة وعبد الله بن يسار الجهني روى له أبو داود وقتيلة بضم القاف وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام وقال أبو عمر قتيلة بنت صيفي الجهنية ويقال الأنصارية كانت من المهاجرات الأول روى عنها عبد الله بن يسار
قوله وقال عمر بن عاصم هو من شيوخ البخاري روى عنه في الصلاة وغير موضع وهن علق عنه وهمام بتشديد الميم ابن يحيى العوذي البصري يروي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك و ( عبد الرحمن بن أبي عمرة ) واسمه عمرو الأنصاري قاضي أهل المدينة ووصل البخاري هذا المعلق في بدء الدنيا في باب ما ذكر عن بني إسرائيل وقال حدثني أحمد بن إسحاق حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام حدثنا إسحاق بن عبد الله حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة أن ( أبا هريرة ) سمع النبي يقول إن ثلاثة من بني إسرائيل الحديث بطوله والثلاثة هم أبرص وأقرع وأعمى
قوله الحبال بالحاء المهملة جمع حبل ويروى بالجيم قوله فلا بلاغ لي قال الكرماني البلاغ الكفاية وقال المهلب إنما أراد البخاري أن يحيز ما شاء الله ثم شئت استدلالا من قوله في حديث أبي هريرة ولا بلاغ لي إلا بالله ثم بك ولم يجز أن يقول ما شاء الله وشئت وقد ذكرنا وجهه عن قريب
9 -
( باب قول الله تعالى ( 6 ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( الأنعام901 غيرها )
أي هذا باب في قول الله تعالى وأقسموا هذه الآية الكريمة في الأنعام وبعدها لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ( الأنعام901 ) الآية وفي سورة النور ( 24 ) وأقسموا بالله جهدأمرتهم ليخرجن ( النور35 ) الآية
وقال الثعلبي الآية الأولى نزلت في قريش قالوا يا محمد تخبرنا عن موسى كان معه العصا يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا وتخبرنا عن عيسى أنه كان يحيى الموتى وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة فاتنا بشيء من الآيات حتى نصدقك الحديث بطوله فأنزل الله تعالى وأقسموا بالله أي حلفوا بالله جهد أيمانهم أي يجهد أيمانهم يعني بكل ما قدروا عليه من الأيمان وأشدها لئن جاءتهم آية كما جاء من قبله من الأمم ليؤمنن بها الآية والآية الثانية نزلت في المنافقين كانوا يقولون لرسول الله أينما كنت نكن معك إن أقمت أقمنا وإن خرجت خرجنا وإن جاهدت جاهدنا معك فقال الله تعالى ( 24 ) قل لهم لا تقسموا طاعة معروفة ( النور35 ) بالقول واللسان دون الاعتقاد فهي معروفة منكم بالكذب أنكم تكذبون فيها قاله مجاهد وقال المهلب قوله تعالى وأقسموا بالله جهد أيمانهم دليل على أن الحلف بالله أكبر الأيمان كلها لأن الجهد شدة المشقة
وقال ابن عباس قال أبو بكر فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت في الرؤيا قال لا تقسم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيها إنكار قسم المنافقين لكذبهم في أيمانهم وفي حديث ابن عباس إنكار القسم الذي أقسم به أبو بكر رضي الله تعالى عنه ولكن الفرق ظاهر بين القسمين وهو من حديث مطول ذكره البخاري مسندا

(23/181)


في كتاب التعبير في باب من لم ير الرؤيا الأول عابر قوله في الرؤيا أي في تعبير الرؤيا قوله لا تقسم نهي عن القسم فإن قلت أمر النبي بإبرار المقسم كما يجيء الآن فلم ما أبره
قلت ذلك مندوب عند عدم المانع فكان له مانع منه وقال ابن المنذر أمر الشارع بإبرار المقسم أمر دنب لا وجوب لأن الصديق رضي الله تعالى عنه أقسم على رسول الله فلم يبر قسمه ولو كان واجبا لأبره وقال المهلب إبرار المقسم إنما يستحب إذا لم يكن في ذلك ضرر على المحلوف عليه أو على جماعة أهل الدين لأن الذي سكت عنه رسول الله من بيان موضع الخطأ في تعبير الصديق هو عائد على المسلمين وسيجيء إيضاح ذلك في التعبير في الباب المذكور
4566 - حدثنا ( قبيصة ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أشعث ) عن ( معاوية بن سويد بن مقرن ) عن ( البراء ) عن النبي
( ح ) وحدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أشعث ) عن ( معاوية بن سويد بن مقرن ) عن ( البراء ) رضي الله عنه قال أمرنا النبي بإبرار المقسم
طابقته للترجمة من حيث وجود المقسم فيها وأما التعارض الظاهر الذي بين حديث ابن عباس وحديث البراء هذا فجوابه يفهم ما ذكرناه الآن عن ابن المنذر والمهلب
وأخرج حديث البراء من طريقين الأول عن قبيصة بن عقبة العامري الكوفي عن سفيان الثوري عن أشعث بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبالثاء المثلثة ابن أب الشعثاء سليم بن الأسود الكوفي عن معاوية بن سويد بضم السين المهملة وفتح الوو ابن مقرن بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وبالنون الكوفي عن البراء بن عازب الطريق الثاني عن محمد بن بشار عن غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وهو لقب محمد بن جعفر عن شعبة عن أشعث إلى آخره
والحديث الذي فيه إبرار المقسم مطولا ومختصرا قد مضى في مواضع كثيرة في الجنائز ولمظلم واللباس والطب والنذور والأدب والنكاح والاستئذان والأشربة
قوله المقسم روي بفتح السين فوجهه أن يكون مصدرا بمعنى الإقسام وقد يجيء المصدر على لفظ المفعول كما في قوله أدخلته مدخلا بمعنى الإدخال وأخرجته مخرجا بمعنى إخراجا
5566 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) أخبرنا ( عاصم الأحول ) سمعت ( أبا عثمان ) يحدث عن ( أسامة ) أن ( ابنة ل ) رسول الله أرسلت إليه ومع رسول الله أسامة بن زيد وسعد وأبي أن ابني قد احتضر فاشهدنا فأرسل يقرأ السلام ويقول إن لله ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده مسمى فلتصبر وتحتسب فأرسلت إليه تقسم عليه فقام وقمنا معه فلما قعد رفع إليه فأقعده في حجره ونفس الصبي تقعقع ففاضت عينا رسول الله فقال سعد ما هاذا يا رسول الله قال هاذا رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباه وإنما يرحم الله من عباده الرحماء
طابقته للترجمة في قوله تقسم عليه وهو أيضا يناسب الحديث السابق من حيث إن في كل منهما إبرار المقسم وأبو عثمان عبد الرحمن النهدي
والحديث مضى في الجنائز عن عبدان وفي الطب عن حجاج ويأتي في التوحيد عن أبي النعمان ومضى الكلام فيه
وأسامة هو ابن زيد بن حارثة الكلبي وسعد هو ابن عبادة الخزرجي وأبي بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة هو ابن كعب الأنصاري ويروى أو أبي بفتح الهمزة وكسر الباء بالإضافة إلى ياء المتكلم يعني معه سعد وأبي كلاهما أو أحدهما شك الراوي في قول أسامة وفي أول كتاب القدر أبي بن كعب جزما بلا شك
قوله قد احتضر بالضم

(23/182)


أي حضره الموت قوله فلما قعد أي رسول الله قوله فأقعده أي فأقعد الصبي في حجره بفتح الحاء المهملة وكسرها قوله ونفس الصبي الواو فيه للحال قوله تقعقع فعل مضارع من التقعقع وهو حكاية صوت صدره من شدة النزع قوله ما هذا استفهام على سبيل الاستفسار وليس بعتب على رسول الله ولعله سمعه ينهى عن البكاء الذي فيه الصياح أو العويل فظن أنه نهى عن البكاء كله قوله هذا إشارة إلى البكاء من غير صوت
6566 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( ابن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم ( انظر الحديث 1521 )
مطابقته للترجمة ظاهرة في آخر الحديث وإسماعيل هو ابن أبي أويس وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري يروي عن سعيد بن المسيب
والحديث مضى في الجنائز في باب فضل من مات له ولد فاحتسب فإنه أخرجه هناك عن علي عن سفيان عن الزهري إلى آخره وأخرجه في الأدب عن يحيى بن يحيى وأخرجه الترمذي والنسائي كلاهما عن قتيبة
قوله إلا تحلة القسم أي تحليلها والمراد من القسم ما هو مقدر في قوله تعالى وإن منكم إلا واردها ( مريم17 ) أي والله ما منكم إلا واردها والمستثنى منه هو قوله تمسه النار لأنه في حكم البدل من قوله لا يموت فكأنه قال لا تمس النار من يموت له ثلاثة إلا بقدر الورود
7566 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثني ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( معبد بن خالد ) سمعت ( حارثة بن وهب ) قال سمعت النبي يقول ألا أدلكم على أهل الجنة كل ضعيف متصعف لو أقسم على الله لأبره وأهل النار كل جواظ عتل مستكبر ( انظر الحديث 8194 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله لو أقسم على الله
وغندر هو محمد بن جعفر ومعبد بفتح الميم وسكون العين وفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة ابن خالد وحارثة بن وهب الخزاعي
والحديث مضى في تفسير سورة نون والقلم فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن سفيان عن معبد بن خالد إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله متضعف بتشديد العين المفتوحة أي الذي يستضعفه الناس ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا وبكسر العين أيضا المتواضع الخامل المتذلل قوله لو أقسم أي لو حلف يمينا طمعا في كرم الله بإبراره لأبره وقيل معناه لو دعاه لأجابه قوله جواظ بفتح الجيم وتشديد الواو بالضاء المعجمة وهو الجموع الممنوع وقيل الكثير اللحم المختال في المشي بقال جاظ يجوظ جوضا وفي ( العين ) الجواظ الأكول ويقال الفاجر وقال الداودي الكثير اللحم الغليظ الرقبة وقيل القصير البطين قوله مستكبر أي عن الحق والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء كما أن أهل النار هؤلاء وليس المراد الاستيعاب في الطرفين وحاصله أن كل ضعيف من أهل الجنة ولا يلزم العكس وكذلك أهل النار
( باب إذا قال أشهد بالله أو شهدت بالله )
أي هذا باب مترجم بقول الشخص أشهد بالله لأفعلن كذا أو لا أفعلن كذا أو قال شهدت بالله لأفعلن كذا ولم يبين جواب هذا ولا في حديث الباب صرح بذلك فكأنه اعتمد على من يفحص عن ذلك من موضعه وللعلماء في هذا الباب أقوال ( أحدها ) أن أشهد وأحلف وأعزم كلها أيمان تجب فيها الكفارة وهو قول إبراهيم النخعي وأبي حنيفة والثوري وقال ربيعة والأوزاعي إذا قال أشهد أن لا أفعل كذا ثم حنث فهو يمين الثاني أن أشهد لا يكون يمينا حتى يقول أشهد بالله وإن لم يردد ذلك فليس بيمين والثالث إذا قال أشهد أو أعزم ولم يقل بالله فهو كقوله والله حكاه الربيع عن الشافعي الرابع أن أبا عبيد أنكر أن يكون أشهد يمينا وقال الحالف غير الشاهد الخامس إذا قال أشهد بالكعبة أو

(23/183)


بالنبي لا يكون يمينا -
8566 - حدثنا ( سعد بن حفص ) حدثنا ( شيبان ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( عبيدة ) عن ( عبد الله ) قال ( سئل ) النبي أي الناس خير قال قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته قال إبراهيم وكان أصحابنا ينهونا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد
مطابقته للترجمة لا تتأتى إلا من قول إبراهيم وكان أصحابنا إلى آخره لأن معنى قوله أن تحلف بالشهادة أشهد بالله ومعنى قوله والعهد على عهد الله
وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي يقال له الضخم وشيبان بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة ابن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح العين المهملة السلماني وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في الشهادات وفي الفضائل وفي الرقاق عن عبدان ومضى الكلام فيه
قوله قرني أي أهل قرني الذين أنا فيهم قوله تسبق قيل هذا دور وأجيب بأن المراد بيان حرصهم على الشهادة يحلفون على ما يشهدون به فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون أو مثل في سرعة الشهادة واليمين وحرص الرجل عليها حتى لا يدري بأيهما يبتديء فكأنهما يتسابقان لقلة مبالاته
11 -
( باب عهد الله عز و جل )
أي هذا باب مترجم بقول الشخص عهد الله لأفعلن كذا أو لا أفعلن كذا ولم يبين فيه ما حكمه ولا في حديث الباب هذه اللفظة وإنما هي في الآية المذكور فيه فكأنه تركه اعتمادا على الطالب
9566 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ومنصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه عن النبي قال من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال رجل مسلم أو قال أخيه لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديقه إن الذين يشترون بعهد الله ( آل عمران77 ) قال سليمان في حديثه فمر الأشعث بن قيس فقال ما يحدثكم عبد الله قالوا له فقال الأشعث نزلت في وفي صاحب لي في بئر كانت بيننا
مطابقته للترجمة في قوله بعهد الله وابن أبي عدي محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم البصري وسليمان هو الأعمش ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث مضى في كتاب الشرب في باب الخصومة في البئر فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن أبي حمزة عن سليمان الأعمش عن شقيق عن عبد الله الخ
قوله ومنصور بالجر عطف على سليمان
قوله قال سليمان هو المذكور وهو الأعمش قوله فمر الأشعث بالثاء المثلثة في آخره هو ابن قيس الكندي قوله نزلت في بكسر الفاء وتشديد الياء قوله وفي صاحب لي وفي رواية الشرب كانت لي بئر في أرض ابن عم لي ومضى الكلام فيه هناك
والعهد على خمسة أوجه تلزم الكفارة في وجهين وتسقط في اثنين واختلف في الخامس فإن قال علي عهد الله كفر إن حنث وإن قال وعد الله كفر عند مالك وأبي حنيفة وقال الشافعي إن أراد به يمينا كفر وإلا فلا وقال الدمياطي لا كفارة عليه إذا قال وعد الله حتى يقول علي عهد الله أو أعطيتك عهد الله وإن قال أعاهد الله فقال ابن أبي حبيب عليه كفارة يمين وقال ابن شعبان لا كفارة عليه وقال مالك إذا قال على عهد الله وميثاقه فعليه كفارتان إلا أن ينوي التأكيد

(23/184)


فيكون يمينا واحدة وقال الشافعي عليه كفارة واحدة وبه قال مطرف وابن الماجشون وعيسى بن دينار وروي عن ابن عباس إذا قال علي عهد الله فحنث يعتق رقبة
21 -
( باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته )
أي هذا باب في بيان الحلف بعزة الله نحو أن يقول وعزة الله لأفعلن كذا أو لا أفعلن كذا وهذايمين فيه الكفارة قوله وصفاته قال ابن بطال اختلف العلماء في اليمين بصفات الله تعالى فقال مالك في ( المدونة ) الحلف بجميع صفات الله وأسمائه لازم كقوله والسميع والبصير والعليم والخبير واللطيف أو قال وعزة الله وكبريائه وقدرته وأمانته وحقه فهي أيمان كلها تكفر وذكر ابن المنذر مثله عن الكوفيين إذا قال وعظمة الله وكبريائه وجلال الله وأمانة الله وحنث عليه الكفارة وكذلك في كل اسم من أسماء الله تعالى وقال الشافعي في جلال الله وعظمة الله وقدرة الله وحق الله وأمانة الله إن نوى بها اليمين فذاك وإلا فلا وقال أبو بكر الرازي عن أبي حنيفة وإن قول الرجل وحق الله وأمانة الله ليست بيمين لأنه قال من كان حالفا فليحلف بالله قوله وكلماته أي الحلف بكلمات الله نحو الحلف بالقرآن أو بما أنزل الله واختلفوا فيمن حلف بالقرآن أو المصحف أو بما أنزل الله فروي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن عليه لكل آية كفارة يمين وبه قال الحسن البصري وأحمد بن حنبل وقيل كلام ابن مسعود محمول عل التغليظ ولا دليل على صحته وقال ابن القاسم إذا حلف بالمصحف عليه كفارة يمين وهو قول الشافعي فيمن حلف بالقرآن وبه قال أبو عبيد وقال عطاء لا كفارة عليه
وقال ابن عباس كان النبي يقول أعوذ بعزتك
هذا التعليق وصله البخاري في التوحيد من طريق يحيى بن معمر عن ابن عباس فراجع إليه
وقال أبو هريرة عن النبي يبقى رجل بين الجنة والنار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار لا وعزتك لا أسألك غيرها وقال أبو سعيد قال النبي قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله
مطابقه للترجمة في قوله وعزتك لا أسألك غيرها وهذا التعليق مضى مطولا عن قريب في باب الصراط جسر جهنم وأبو سعيد هو الخدري
وقال أيوب عليه السلام وعزتك لا غنى لي عن بركتك
مطابقته للترجمة في قوله وعزتك وهذا التعليق مضى في كتاب الوضوء في باب من اغتسل عريانا وحده عن أبي هريرة عن النبي قال بينا أيوب يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحشي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك ومضى الكلام فيه هناك قوله لا غنى لي أي لا استغناء أو لا بد
1666 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شيبان ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) قال النبي لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وعزتك ويزوى بعضها إلى بعض رواه شعبة عن قتادة ( انظر الحديث 8484 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله وعزتك وآدم هو ابن أبي إياس واسمه عبد الرحمن وأصله من خراسان سكن عسقلان وشيبان مر عن قريب
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن عبد بن حميد وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد أيضا=

ج44. عمدة القارئ

وأخرجه النسائي في النعوت عن الربيع بن محمد عن آدم به
قوله وتقول جهنم هل من مزيد قال الثعلبي يحتمل أن يكون هذا مجازا مجازه هل من مزيد ويحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الاستزادة وإنما صلح للوجهين لأن في الاستفهام ضربا من الجحد وطرفا من النفي قوله مزيد اسم بمعنى الزيادة قوله قدمه قال الكرماني هو من المتشابهات وقال المهلب أي ما قدم لها من خلقه وسبق لها بمشيئته ووعده ممن يدخلها وقال النضر بن شميل معنى القدم هنا الكفار الذين سبق في علم الله تعالى أنهم من أهل النار وحمل القدم على المتقدم لأن العرب تقول للشيء المتقدم قدم وقيل القدم خلق يخلقه الله يوم القيامة فيسميه قدما ويضيفه إليه من طريق الفعل والملك يضعه في النار فتمتلىء النار منه وقيل المراد به قدم بعض خلقه فأضيف إليه كما يقول ضرب الأمير اللص على معنى أنه عن أمره وسئل الخليل عن معنى هذا الخبر فقال هم قوم قدمهم الله تعالى إلى النار وعن عبد الله بن المبارك من قد سبق في علمه أنهم من أهل النار وكل ما تقدم فهو قدم قال الله تعالى إن لهم قدم صدق عند ربهم ( يونس2 ) يعني أعمالا صالحة قدموها وروي عن حسان بن عطية حتى يضع الجبار قدمه بكسر القاف وكذلك روي عن وهب بن منبه وقال إن الله تعالى قد كان خلق قوما قبل آدم عليه السلام يقال لهم القدم رؤوسهم كرؤوس الكلاب والدواب وسائر أعضائهم كأعضاء بني آدم فعصوا ربهم فأهلكهم الله تعالى يملأ الله جهنم منهم حين تستزيد فإن قلت جاء في مسلم حتى يضع تبارك وتعالى فيها رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلىء
قلت الرجل العدد الكثير من الناس وغيرهم والإضافة من طريق الملك قوله قط قط مر الكلام فيه في سورة ق ومعناه حسبي حسبي اكتفيت وامتلئت وقيل إن ذلك حكاية صوت جهنم قال الجوهري إذا كان بمعنى حسبي وهو الاكتفاء فهو مفتوح القاف ساكن الطاء وقال ابن التين ورويناه بكسرها وفي رواية أبي ذر بكسر القاف قوله ويزوي بضم الياء وسكون الزاي وفتح الواو يعني يجمع ويقبض قوله رواه شعبة أي روى الحديث المذكور شعبة عن قتادة وصل البخاري روايته في تفسير سورة ق فارجع إليه
31 -
( باب قول الرجل لعمر الله )
أي هذا باب في بيان قول الشخص لعمر الله ولم يبين حكمه اعتمادا على تخريج الطالب ومعناه لحياة الله وبقاؤه وقال الزجاج لعمر الله كأنه حلف ببقائه تعالى قال الجوهري عمر الرجل بالكسر يعمر عمرا وعمرا على غير قياس لأن قياس مصدره التحريك أي عاش زمانا طويلا وإن كان المصدران بمعنى إلا أنه استعمل في القسم المفتوح فإذا أدخلت عليه اللام رفعته بالابتداء والخبر محذوف أي ما أقسم به فإن لم تأت باللام نصبته نصب المصادر فقلت عمر الله ما فعلت كذا وعمرك الله ما فعلت ومعنى لعمر الله وعمر الله أحلف ببقاء الله ودوامه فإذا قلت عمرك الله فكأنك قلت لعمرك الله أي بإقرارك له بالبقاء وأما حكمه فهو يمين عند الكوفيين ومالك وقال الشافعي هو كناية يعني لا يكون يمينا إلا بالنية وبه قال إسحاق وإذا قال لعمري فقال الحسن البصري عليه الكفارة إذا حنث فيها وسائر الفقهاء لا يرون فيها كفارة لأنها ليست بيمين عنده
قال ابن عباس لعمرك لعيشك
أشار به إلى أن ابن عباس فسر لعمرك بقرابه لعيشك ووصله ابن أبي حاتم من طريق أبي الجوزاء عنه في قوله تعالى لعمرك أي حياتك فالحياة والعيش واحد
2666 - حدثنا ( الأويسي ) حدثنا ( إبراهيم ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب )
( ح ) وحدثنا ( حجاج ) حدثنا ( عبد الله بن عمر النميري ) حدثنا ( يونس ) قال سمعت ( الزهري ) قال سمعت ( عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقة بن وقاص ) وعبيد الله بن عبد الله عن حديث ( عائشة ) زوج النبي

(23/186)


حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله وكل حدثني طائفة من الحديث وفيه فقام النبي فاستعذر من عبد الله بن أبي فقام أسيد بن حضير فقال لسعد بن عبادة لعمر الله لنقتلنه
مطابقته للترجمة في قوله لعمر الله لنقتلنه والأويسي نسبة إلى أويس مصغر أوس بفتح الهمزة وسكون الواو وبالسين المهملة وأوس هو ابن سعد بن أبي سرح ينسب إليه جماعة منهم أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أوس شيخ البخاري وهو مدني صدوق قاله ابن أبي حاتم وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وصالح هو ابن كيسان يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري هؤلاء هم رجال الطريق الأول
ورجال الطريق الثاني حجاج على وزن فعال بالتشديد ابن منهال بكسر الميم وسكون النون الأنماطي البصري يروي عن عبد الله بن عمر النميري بضم النون وفتح الميم عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري وقد مضى الحديث مطولا في مواضع في قضية الإفك وفي الشهادات عن أبي الربيع وفي المغازي وفي التفسير وفي الأيمان عن عبد العزيز بن عبد الله وسيجيء أيضا في التوحيد وفي الاعتصام ومضى الكلام فيه مستوفى
قوله فاستعذر أي طلب من يعذره من عبد الله بن أبي ابن سلول أي من ينصفه منه قوله فقام أسيد بن حضير كلاهما بالتصغير قوله لنقتلنه بصيغة جمع المتكلم واللام فيه للتأكيد وكذلك النون المشددة
41 -
( باب ( 2 ) لا يؤاخذكم الله باللغو في في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم ( البقرة522 )
أي هذا باب مترجم بقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم الآية كذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره لا يؤاخذكم الله إلى قوله بما كسبت قلوبكم وهذه الآية في سورة البقرة وأما التي في سورة المائدة فإنه ذكرها في أول كتاب الأيمان والنذور وقد مضى هناك تفسير اللغو قوله بما كسبت قلوبكم أي عزمتم وقصدتم وتعمدتم لأن كسب القلب القصد والنية والله غفور لعباده حليم عنهم
3666 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا يحياى عن هشام قال أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها لا يؤاخذكم الله باللغو ( البقرة522 ) قال قالت أنزلت في قوله لا والله وبلى والله ( انظر الحديث 3164 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيي هو القطان وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين وقال أبو عمر تفرد ( يحيى ) بن سعيد بذكر السبب في نزول الآية الكرمية ولم يذكره أحد غيره قيل صرح بعضهم برفعه عن ( عائشة ) رواه أبو داود من حديث إبراهيم الصائغ عن عطاء عنها أن رسول الله قال لغو اليمين هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله وأشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه
51 -
( باب إذا حنث ناسيا في الأيمان )
أي هذا باب يذكر فيه إذا حنث الحالف حال كونه ناسيا ولم يبين حكمه كعادته في الأبواب الماضية
وقول الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ( الأحزاب5 ) وقال لا تؤاخذني بما نسيت ( الكهف37 )
ثبوت الواو في وليس رواية لقوم وفي رواية أبي ذر بدون الواو أي ليس عليكم إثم فيما فعلتموه مخطئين ولكن الإثم فيما تعمدتموه وذلك أنهم كانوا ينسبون زيد بن حارثة إلى النبي ويقولون زيد بن محمد فنهاهم عن ذلك وأمرهم أن ينسبوهم

(23/187)


لآبائهم الذين ولدوهم وثم قال وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ( الأحزاب5 ) قبل النهي ويقال إن هذا على العموم فيدخل فيه كل مخطىء وغرض البخاري هذا يدل عليه حديث الباب قوله وقال لا تؤاخذني بما نسيت ( الكهف37 ) هذه في آية أخرى في سورة الكهف يخاطب موسى عليه السلام بقوله لا تؤاخذني الخضر عليه السلام وذلك بعد ما جرى من أمر السفينة وروى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي أنه قال كانت الأولى من أمر موسى النسيان والثانية العذر ولو صبر لقص الله علينا أكثر مما قص وبهذا استدل أيضا على أن الناسي لا يؤاخذ بحنثه في يمينه فإن قلت الخطأ نقيض الصواب والنسيان خلاف الذكر ولم يذكر في الترجمة إلا النسيان ولا تطابقها إلا الآية الثانية وكذلك لا يناسب الترجمة من أحاديث الباب إلا الذي فيه تصريح بالنسيان والآية الأول لا مطابقة لها في الذكر هنا ألا يرى أن الدية تجب في القتل بالخطأ وإذا أتلف مال الغير خطأ فإنه يغرم
قلت إنما ذكر الآية الأولى وأحاديث الباب على الاختلاف ليستنبط كل أحد منها ما يوافق مذهبه ولهذا لم يذكر الحكم في الترجمة وإنما ذكرها لأنها أصول الأحكام ومواد الاستنباط التي يصلح أن يقاس عليها ووجوب الدية في الخطأ وغرامة المال بإتلافه خطأ من خطاب الوضع فتيقظ فإنه موضع دقيق
4666 - حدثنا ( خلاد بن يحياى ) حدثنا ( مسعر ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( زرارة بن أوفى ) عن ( أبي هريرة ) يرفعه قال إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم ( انظر الحديث 8252 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن الوسوسة من متعلقات عمل القلب كالنسيان
وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام السلمي بضم السين المهملة ومسعر بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام بكسر الكاف وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن أوفى بفتح الهمزة وسكون الواو وبالفاءالعامري قاضي البصرة
والحديث مضى في الطلاق عن مسلم بن إبراهيم وفي العتاق عن محمد بن عرعرة وذكر الإسماعيلي أن الفرات بن خالد أدخل بين زرارة وبين أبي هريرة في هذا الإسناد رجلا من بني عامر وهو خطأ فإن زرارة من بني عامر فكأنه كان فيه عن زرارة رجل من بني عامر فظنه آخر وليس كذلك
قوله يرفعه أي يرفع أبو هريرة الحديث إلى النبي وقال الكرماني إنما قال يرفعه إلى النبي ليكون أعم من أنه سمعه منه أو من صحابي آخر سمعه منه انتهى وقال بعضهم ولا اختصاص لذلك بهذه الصيغة بل مثله في قوله قال وعن وإنما يرفع الاحتمال إذا قال سمعت أو نحوه قلنا غرض هذا القائل تحريشه على الكرماني وإلا فلا حاجة إلى هذا الكلام لأنه ما ادعى الاختصاص ولا قوله ذلك ينافي غيره يعرف بالتأمل وذكر الإسماعيلي أن وكيعا رواه عن مسعر ولم يرفعه قال والذي رواه ثقة فوجب المصير إليه قوله تجاوز لأمتي وفي رواية هشام عن قتادة عن أمتي وهو أوجه قوله أو حدثت به وفي رواية هشام عما وسوست به وما حدثت به من غير تردد وكذا في رواية مسلم قوله أنفسها بالنصب عند الأكثرين وعند بعضهم بالرفع قوله أو تكلم بالجزم أراد أن الوجود الذهني لا أثر له وإنما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات والعملي في العمليات قيل لو أصر على العزم على المعصية يعاقب عليه لا عليها وأجيب بأن ذلك لا يسمى وسوسة ولا حديث نفس بل هو نوع من عمل القلب
5666 - حدثنا ( عثمان ب الهيثم ) أو ( محمد ) عنه عن ( ابن جريج ) قال سمعت ( ابن شهاب ) يقول حدثني ( عيسى بن طلحة ) أن ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) حدثه أن النبي بينما هو يخطب يوم النحر إذ قام إليه رجل فقال كنت أحسب يا رسول الله كذا وكذا قبل كذا وكذا ثم قام آخر فقال يا رسول الله كنت أحسب كذا وكذا لهؤلاء الثلاث فقال النبي افعل ولا حرج لهن كلهن يومئذ فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال إفعل ولا حرج

(23/188)


مطابقته للترجمة من حيث إن البخاري ألحق الحسبان بالنسيان لأن كلا منهما من عمل القلب
وعثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن الجهم أبو عمر المؤذن البصري قوله أو محمد عنه أي أو حدثني محمد عنه أي عن عثمان بن الهيثم عن ابن جريج ومحمد هذا هو ابن يحيى الذهلي وكل واحد من عثمان ومحمد بن يحيى من شيوخ البخاري وأخرج الإسماعيلي هذا الحديث من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن عثمن بن الهيثم به وقد مر نحو هذا في أواخر كتاب اللباس في باب الذريرة حدثنا عثمان بن الهيثم أو محمد عنه عن ابن جريج الحديث وقد مر الكلام فيه وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي
والحديث مضى في كتاب العلم في باب الفتيا وهو واقف على ظهر الدابة ومضى الكلام فيه
قوله كنت أحسب كذا وكذا قبل كذا وكذا أي كنت أحسب الطواف قبل الذبح أو الذبح قبل الحلق قوله ثم قام آخر أي رجل آخر قوله لهؤلاء الثلاث وهي الذبح والحلق والطواف قوله لهن أي قال لأجل هؤلاء الثلاث إفعل ولا حرج عليك في التقديم والتأخير
6666 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( أبو بكر ) عن ( عبد العزيز بن رفيع ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال ( رجل للنبي ) زرت قبل أن أرمي قال لا حرج قال آخر حلقت قبل أن أذبح قال لا حرج قال آخر ذبحت قبل أن أرمي قال لا حرج
مطابقته للترجمة مع أنه ليس فيه ذكر اليمين هي بيان رفع القلم عن الناسي والمخطىء ونحوهما وعدم الجناح فيه وعدم المؤاخذة قاله الكرماني وقال أيضا هذا الحديث وما بعده من الأحاديث مناسبتها بهذا الوجه وفيه تأمل
وأبو بكر هو ابن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة القاري وعبد العزيز بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة أبو عبد الله الأسدي المكي سكن الكوفة وسمع أنس بن مالك وعن جرير أتى عليه نيف وتسعون سنة وكان يتزوج ولا يمكث حتى تقول المرأة فارقني من كثرة جماعه وعطاء هو ابن أبي رباح
والحديث مضى في كتاب الحج مع شرحه قوله زرت يعني طفت طواف الزيارة وهو طواف الركن
7666 - حدثني ( إسحاق بن منصور ) حدثنا ( أبو أسامة ) حدثنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( سعيد ابن أبي سعيد ) عن ( أبي هريرة ) أن رجلا ( دخل المسجد فصلى و ) رسول الله في ناحية المسجد فجاء فسلم عليه فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم سلم فقال وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل قال في الثالثة فأعلمني قال إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر واقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي وتطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها
قيل لا مطابقة بين هذا الحديث والترجمة وليس فيه ذلك يمين
قلت هذا الحديث قد مضى في كتاب الصلاة في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم وفيه وقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فيدخل في الباب من هذه الحيثية
وأبو أسامة هو حماد بن أسامة وعبيد الله بن عمر العمري وسعيد هو المقبري
وفيه حجة قاطعة لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في جواز القراءة في الصلاة بما تيسر

(23/189)


8666 - حدثنا ( فروة بن أبي المغراء ) حدثنا ( علي بن مسهر ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت هزم المشركون يوم أحد هزيمة تعرف فيهم فصرخ إبليس أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة بن اليمان فإذا هو بأبيه فقال أبي أبي قالت فوالله ما انحجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة غفر الله لكم قال عروة فوالله ما زالت في حذيفة منها بقية حتى لقي الله
مطابقته للترجمة من حيث أن النبي لم ينكر على الذين قتلوا والد حذيفة لجهلهم فجعل الجهل هنا كالنسيان فبهذا الوجه دخل الحديث في الباب مع أن فيه اليمين وهو قول حذيفة فوالله ما انحجزوا
وفروة بفتح الفاء وسكون الراء وبالواو ابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء وبالمد أبو القاسم الكندي الكوفي وعلي بن مسهر على وزن اسم الفاعل من الإسهار بالسين المهملة أبو الحسن القرشي الكوفي تولى قضاء نواحي الموصل مات سنة تسع وثمانين ومائة
والحديث مضى في آخر المناقب في باب ذكر حذيفة بن اليمان وفي غزوة أحد
قوله هزم على صيغة المجهول من الماضي وكذلك قوله تعرف على صيغة المجهول قوله أي عباد الله أي يا عباد الله قوله أخراكم قال الكرماني أي يا عباد الله إحذروا الذين من ورائكم واقتلوهم والخطاب للمسلمين أراد إبليس تثبيطهم ليقاتل المسلمون بعضهم بعضا فرجعت الطائفة المتقدمة قاصدين لقتال الأخرى ظانين أنهم من المشركين فتجالد الطائفتان ويحتمل أن يكون الخطاب للكافرين قوله أبي أبي وقع مكررا يعني يا قومي هذا أبي لا تقتلوه فقتلوه ظانين أنه من المشركين قوله ما انحجزوا بالزاي أي ما امتنعوا وما انفكوا حتى قتلوه يقال حجزه حجزا إذا منعه قوله منها أي من قتله أبيه قوله بقية مرفوع بقوله قوله ما زالت قال الكرماني أي بقية حزن وتحسر من قتل أبيه بذلك الوجه
قلت هكذا فسره الكرماني على أن لفظ بقية مرفوعة وهي رواية الكشميهني وفي رواية غيره بقية خير بالإضافة أي استمر الخير فيه وقال بعضهم وهم الكرماني في تفسيره والصواب من المراد أنه حصل له خير بقوله للمسلمين الذين قتلوا أباه خطأ بقوله عفا الله عنكم واستمر ذلك الخير فيه
قلت نسبة الكرماني إلى الوهم وهم لأن الكرماني إنما فسره على رواية الكشميهني على ما ذكرناه والأقرب فيها ما فسره لأنه تحسر غاية التحسر على قتل أبيه على يد المسلمين على ما لا يخفى
9666 - حدثني ( يوسف بن موسى ) الله حدثنا ( أبو أسامة ) قال حدثني ( عوف ) عن ( خلاس ومحمد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال النبي من أكل ناسيا وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ( انظر الحديث 3391 )
مطابقته للترجمة في قوله ناسيا بمجرد ذكره من غير قيد بشيء من اليمين أو غيرها
يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي سكن بغداد وأبو أسامة حماد بن أسامة وعوف بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالفاء وهو المشهور بالأعرابي وخلاس بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وبالسين المهملة ابن عمرو الهجري ومحمد هو ابن سيرين وهو عطف على خلاس
والحديث قد مضى في كتاب الصوم في باب الصائم إذا أكل أو شرب
0766 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( الزهري ) عن ( الأعرج ) عن ( عبد الله بن بحينة ) قال ( صلى بنا ) النبي فقام في الركعتين الأوليين قبل أن يجلس فمضى في صلاته فلما قضي صلاته انتظر الناس تسليمه فكبر وسجد قبل أن يسلم ثم رفع رأسه ثم كبر وسجد ثم رفع رأسه وسلم

(23/190)


مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ترك القعدة الأولى ناسيا فيدخل في الباب من هذه الحيثية واسم ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن سعد والأعرج عبد الرحمن بن هرمز وعبد الله بن بحينة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون وهو اسم أمه وأبوه مالك الهاشمي
والحديث تقدم في أبواب سجود السهود في آخر كتاب الصلاة ومضى الكلام فيه هناك
1766 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم ) سمع ( عبد العزيز بن عبد الصمد ) حدثنا ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) عن ( ابن مسعود ) رضي الله عنه أن ( نبي الله ) صلى بهم صلاة الظهر فزاد أو نقص منها قال منصور لا أدري إبراهيم وهم أم علقمة قال قيل يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت قال وما ذاك قالوا صليت كذا وكذا قال فسجد بهم سجدتين ثم قال هاتان السجدتان لمن لا يدري زاد في صلاته أم نقص فيتحرى الصواب فيتم ما بقي ثم يسجد سجدتين
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أم نسيت ولكن بالتعسف والأحسن أن يقال ذكر هذا الحديث بطريق الاستطراد للحديث السابق
وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه
قوله سمع عبد العزيز تقديره أنه سمع عبد العزيز وعادتهم أنهم يسقطون مثل هذا في الخط في بعض الأحيان وعبد العزيز هو ابن عبد الصمد العمي بفتح العين المهملة وتشديد الميم البصري
قلت العمي نوعان الأول منسوب إلى قبيلة عم من بني تيم وفيهم كثرة والثاني لقب زيد بن الحواري لقب به لأنه كلما كان يسأل عن شيء قال حتى أسأل عمي وأما عبد العزيز المذكور فالظاهر أنه منسوب إلى عم القبيلة وقد ذكر ابن ماكولا جماعة ينسبون إلى عم ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن قيس
والحديث قد مضى في الصلاة في باب التوجه نحو القبلة عن عثمان عن جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال قال عبد الله صلى النبي
قوله فزاد أو نقص شك من الراوي قوله قال منصور لا أدري إبراهيم وهم أي في الزيادة والنقصان قوله أم علقمة أي أو وهم علقمة وهو بفتح الهاء قال الجوهري ووهمت في الحساب أوهم أي غلطت وسهوت وهمت في الشيء بالفتح أوهم وهما إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره وقال الكرماني فإن قلت لفظ أقصرت صريح في أنه نقص
قلت هذا خلط من الراوي وجمع بين الحديثين وقد فرق بينهما على الصواب في كتاب الصلاة قال في باب استقبال القبلة عن منصور عن إبرايهم عن علقمة عن عبد الله عن النبي قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص فلما سلم قيل له يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء قال وما ذاك قالوا صليت كذا إلى آخره وقال في باب سجود السهو عن أبي هريرة أن رسول الله انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت ويحتمل أن يجاب بأن المراد من القصر لازمه وهو التغير فكأنه قال أغيرت الصلاة عن وضعها انتهى
قلت في رواية جرير عن منصور قال قال إبراهيم لا أدري أزاد أو نقص فجزم بأن إبراهيم هو الذي تردد وهذا يدل على أن منصورا حين حدثت عبد العزيز كان مترددا هل علقمة قال ذلك أو إبراهيم وحين حدت جريرا كان جازما بإبرهيم قوله يتحرى أي يجتهد في تحقيق الحق بأن يأخذ بالأقل له
2766 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( عمرو بن دينار ) أخبرني ( سعيد بن جبير ) قال قلت ل ( ابن عباس ) فقال حدثنا ( أبي بن كعب ) أنه سمع رسول الله قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمرى عسرا قال كانت الأولى من موسى عليه السلام نسيانا

(23/191)


مطابقته للترجمة في مجرد ذكر النسيان من غير قيده بشيء
والحميدي عبد الله بن الزبير نسب إلى أحد أجداده حميد وسفيان هو ابن عيينة
قوله قلت لابن عباس مقوله محذوف تقديره قلت لابن عباس حدثنا عن معنى هذه الآية أو حدثنا مطلقا فقال حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله قال إلى آخره وقد حذف البخاري هنا أكثر الحديث في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام وقد مرت بهذا السند في تفسير سورة الكهف ومرت أيضا في كتاب العلم في باب الخروج في طلب العلم
3766 - قال ( أبو عبد الله ) ( كتب إلي محمد بن بشار ) حدثنا ( معاذ بن معاذ ) حدثنا ( ابن عون ) عن ( الشعبي ) قال قال ( البراء بن عازب ) وكان عندهم ضيف لهم فأمر أهله أن يذبحوا قبل أن يرجع ليأكل ضيفهم فذبحوا قبل الصلاة فذكروا ذالك للنبي فأمره أن يعيد الذبح فقال يا رسول الله عندي عناق جذع عناق لبن هي خير من شاتي لحم فكان ابن عون يقف في هذا المكان عن حديث الشعبي ويحدث عن محمد بن سيرين بمثل هاذا الحديث ويقف في هاذا المكان ويقول لا أدري أبلغت الرخصة غيره أم لا
رواه أيوب عن ابن سيرين عن أنس عن النبي بو عبد الله هو البخاري نفسه قوله كتب إلي بتشديد الياء ومحمد بن بشار فاعل كتب
وأخرج البخاري هذا الحديث بصيغة المكاتبة لم يقع له إلا في هذا الموضع وقال المحدثون المكاتبة بأن يكتب إليه بشيء من حديثه قيل هو كالمناولة المقرونة بالإجازة فإنها كالسماع عند الكثير وجوز بعضهم فيها أن يقول أخبرنا وحدثنا مطلقا والأحسن تقييده بالكتابة
قوله حدثنا معاذ هو المكتوب له ومعاذ بن معاذ بضم الميم فيهما وابن عون هو محمد بن عون بفتح العين المهملة وبالنون والشعبي هو عامر بن شراحيل قوله قال قال البراء بن عازب أي قال الشعبي قال البراء ظاهر هذا يدل على أن هذه القصة وقعت للبراء بن عازب ولكن وقع فيما تقدم في كتاب العيد أن الآمر بالذبح هو أبو بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء ابن نيار بكسر النون وتخفيف الياء آخر الحروف وبالراء كذا رواه زبيد عن الشعبي عن البراء فذكر الحديث وفيه فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال إن عندي جذعة الحديث وروى من طريق مطرف عن الشعبي عن البراء فقال ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة ووفق الكرماني هذا بقوله بأن أبا بردة خال البراء كانوا أهل بيت واحد فتارة نسب البراء إلى نفسه وتارة إلى خاله وقال غيره لولا اتحاد مخرج الحديث والسند من رواية الشعبي عن البراء لكان يحمل على التعدد والاختلاف فيه من الرواة عن الشعبي قوله قبل أن يرجع في رواية السرخسي والمستملي قبل أن يرجعهم والمراد قبل أن يرجع إليهم قوله ضيفهم بالرفع لأنه فاعل ليأكل قوله فذكروا ذلك أي ذبحم قبل الصلاة قوله فأمره أي فأمره رسول الله البراء أن يعيد الذبح بكسر الذال وقال ابن التين كذا رويناه الذبح بالكسر وهو ما يذبح وبالفتح مصدر ذبحت قوله عندي عناق بفتح العين المهملة وتخفيف النون وهو الأنثى من أولاد المعز قوله جذع بفتح الجيم والذال المعجمة وهي الطاعنة في السنة الثانية وقال ابن الأثير الجذع من الإبل ما طعن في السنة الخامسة ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية وقيل البقر في الثالثة ومن الضأن ما تمت له سنة وقيل أقل منها ومنهم من يخالف بعض هذا التقدير قوله عناق لبن بالإضافة وبالرفع لأنه بدل من قوله عناق وقوله جذع بالرفع صفة لعناق قوله خير خبر مبتدأ محذوف أي هي خير من شاتي لحم وقد مر الكلام فيه في الأضاحي قوله فكان ابن عون هو محمد بن عون الراوي يقف في هذا المكان عن حديث الشعبي أي يترك تكملته ويقول لا أدري أبلغت الرخصة وهي قوله ضح بالعناق الذي عندك قوله غيره أي غير البراء وقد مر في الأضاحي في باب قول النبي لأبي بردة ضح الجذع

(23/192)


من المعز ولن تجزىء عن أحد بعدك ولفظ الحديث إذبحها ولن تصلح لغيرك وفي رواية ولن تجزى عن أحد بعدك
قوله ورواه أيوب أي روى الحديث المذكور أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ووصله البخاري في أوائل الأضاحي عن مسدد عن إسماعيل هو ابن علية عن أيوب عن محمد عن أنس بن مالك الحديث
4766 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الأسود بن قيس ) قال سمعت ( جندبا ) قال ( شهدت ) النبي صلى يوم عيد ثم خطب ثم قال من ذبح فليبدل مكانها ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله
مطابقة هذا للحديث الذي قبله ظاهرة وقال الكرماني مناسبة حديث البراء وجندب للترجمة الإشارة إلى التسوية بين الجاهل بالحكم والناسي في وقت الذبح
والأسود بن قيس العبدي أبو قيس الكوفي وجندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وبالباء الموحدة ابن عبد الله بن سفيان البجلي
ومضى الحديث في العيدين عن مسلم بن إبراهيم وفي الأضاحي عن آدم وسيأتي في التوحيد عن حفص بن عمرو ومضى الكلام فيه هناك
61 -
( باب اليمين الغموس )
أي هذا باب في بيان حكم اليمين الغموس بفتح الغين المعجمة على وزن فعول بمعنى فاعل لأنها تغمس صاحبها في الإثم في الدنيا وفي النار في الآخرة وقال ابن الأثير هو على وزن فعول للمبالغة وقيل الأصل في ذلك أنهم كانوا إذا أرادوا أن يتعاهدوا أحضروا جفنة فجعلوا فيها طيبا أو رمادا أو وردا ثم يحلفون عندما يدخلون أيديهم فيها ليتم لهم المراد من ذلك بتأكيد ما أرادوا فسميت تلك اليمين إذا غدر حالفها غموسا لكونه بالغ في نقض العهد وقال بعضهم وكأنها على هذا بمعنى مفعول لأنها مأخوذة من اليد المغموسة انتهى
قلت هذا تصرف من ليس له ذوق من العربية وهي على هذا القول مأخوذة من غمس اليد لا من اليد وهي على هذا أيضا بمعنى فاعل على ما لا يخفى على الفطن واليميين الغموس عند الفقهاء هي أن يحلف الرجل عن الشيء وهو يعلم أنه كاذب ليرضى بذلك أحدا أو ليعتذر أو ليقتطع بها مالا وقال أصحابنا حلف الرجل على أمر ماض كذبا عامدا غموس وظانا على أن الأمر كما قال لغو
واختلفوا في حكمها فقال ابن البر أكثر أهل العلم لا يرون في الغموس كفارة ونقله ابن بطال أيضا عن جهمور العلماء وبه قال النخعي والحسن البصري ومالك ومن تبعه من أهل المدينة والأوزاعي في أهل الشام والثوري وسائر أهل الكوفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وأصحاب الحديث وقال الشافعي فيها الكفارة وبه قال طائفة من التابعين
ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ( النحل49 ) دخلا مكرا وخيانة
وجه ذكر هذه الآية لليمين الغموس ورود الوعيد على من حلف كاذبا متعمدا وهذه الآية كلها سيقت في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر إلى قوله بعد ثبوتها قوله ولا تتخذوا أيمانكم دخلا نهاهم الله تعالى عن اتخاذ أيمانهم دخلا ويجيء تفسيره الآن وقال مجاهد كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز فينقضون حلف هؤلاء يحالفون الأكثر فنهوا عن ذلك قوله فتزل قدم بعد ثبوتها أي فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها قوله وتذوقوا السوء أي في الدنيا قوله بما صددتم أي بسبب صدودكم عن سبيل الله وهو الدخول في الإسلام قوله ولكم عذاب عظيم يعني في الآخرة قوله دخلا مكرا وخيانه تسفير قتادة وسعيد بن جبير أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال خيانة وغدرا وقال أبو عبيد الدخل كل أمر كان على فساد

(23/193)


71 -
( باب قول الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولائك لا خلاق لهم في الأخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ( آل عمران 77 ) وقوله جل ذكره ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم ( البقرة 422 ) وقوله جل ذكره ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إن ما عند الله خير لكم إن كنتم تعلمون ( النحل59 ) وأوفوا بعهد الله إذا عاهذتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ( النحل19 )
ترجم البخاري بهذه الآيات إشارة إلى أن اليمين الغموس لا كفارة فيها لأنها لم تذكر فيها ولذلك ذكر حديث الباب أعني حديث عبد الله بن مسعود عقيب ذكر هذه الآيات وهو وجه المناسبة أيضا بين هذا الباب والباب الذي قبله وقال ابن بطال وبهذه الآيات والحديث احتج الجمهور على أن الغموس لا كفارة فيها لأنه ذكر في هذه اليمين المقصود بها الحنث والعصيان والعقوبة والإثم ولم يذكر فيها كفارة ولو كانت لذكرت كما ذكرت في اليمين المعقودة فقال فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير وقال ابن المنذر لا نعلم سنة تدل على قول من أوجب فيها الكفارة بل هي دالة على قول من لم يوجبها قلت هذا كله حجة على الشافعية قوله قول الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم الآية كذا هو في رواية أبي ذر وساق في رواية كريمة الآية بتمامها إلى قوله عذاب أليم وقال بعض المفسرين هذه الآية نزلت في الأشعث بن قيس خاصم بعض الهيود في أرض فجحد اليهودي فقدمه إلى النبي فقال ألك بينة قال لا قال لليهودي أتحلف قال أشعث إذا يحلف فيذهب مالي ويجيء الآن هذا الحديث وقال ابن كثير قوله تعالى إن الذين يشترون أي يعتاضون عما هداهم الله عليه من اتباع محمد وذكر صفته للناس وبيان أمره عن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة قوله أولئك لا خلاق لهم فيها ولاحظ لهم منها قوله ولا يكلمهم الله قالوا إن كانوا كفارا فلا يكلمهم الله أصلا وإن كانوا من العصاة فلا يسرهم الله ولا ينفعهم قوله ولا ينظر إليهم أي ولا يرحمهم ولا يعطف عليهم قوله ولا يزكيهم أي ولا يثني عليهم واحتج بهذه الآية بعض المالكية على أن العهد يمين وكذلك الميثاق والكفالة قوله قوله عز و جل ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم وقع في رواية أبي ذر وقول الله ولا تجعلوا الله عرضه وفي رواية غيره وقوله جل ذكره قال النسفي نزلت هذه الآية في أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين حلف أن لا يصل ابنه عبد الرحمن حتى يسلم وقيل نزلت في عبد الله بن رواحة ذلك أنه حلف أن لا يدخل على ختنه ولا يكلمه

(23/194)


قوله عرضة أي علة مانعة لكم من البر والتقوى والإصلاح فإن تحلفوا أن لا تفعلوا ذلك فتعللوا بها أو تقولوا حلفنا ولم تحلفوا به وعرضة على وزن فعلة من الاعتراض والمعترض بين الشيئين مانع وقال ابن عباس عرضة أي حجة أن تبروا أي على أن لا تبروا وكلمة لا مضمرة فيه كما في قوله تعالى يبين الله لكم أن تضلوا ( النساء 671 ) ويقال كراهة أن تبروا وقال سعيد ابن جبير هو الرجل يحلف أن لا يبر ولا يصلي ولا يصلح فيقال له فيه فيقول قد حلفت قوله ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ( النحل59 ) إلى قوله كفيلا بتمامه وقع في رواية أبي ذر وسقط جميعه لغيره وقال ابن بطال في هذه الآية دليل على تأكيد الوفاء بالعهد لأنه تعالى قال ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ( النحل19 ) ولم يتقدم غير ذكر العهد قوله وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ( النحل9 ) أي شهيد في العهد هكذا روي عن سعيد بن جبير وعن مجاهد يعني وكيلا أخرجه ابن أبي حاتم عنه
6766 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال قال رسول الله من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان
فأنزل الله تصديق ذالك إن الذين يشترون بعهدثمنا قليلا ( آل عمران77 ) إلى آخر الآيةل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم أبو عبد الرحمان فقالوا كذا وكذا قال في أنزلت كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله فقال بينتك أو يمينه قلت إذا يحلف عليها يا رسول الله فقال رسول الله من حلف على يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان
مطابقته للترجمة التي هي الآية الأولى ظاهرة وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو الوضاح اليشكري والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث قد مضى في الشرب في باب الخصومة في البئر والقضاء فيها فإنه أخرج هناك عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق إلى آخره ومر الكلام فيه
قوله على يمين صبر بفتح الصاد المهملة وسكون الباء الموحدة وهي التي يلزم ويجبر عليها حالفها ويقال هي أن يحبس السلطان رجلا على يمين حتى يحلف بها يقال صبرت يميني أي حلفت بالله وأصل الصبر الحبس ومعناه ما يجبر عليها وقال الداودي معناه وأن يوقف حتى يحلف على رؤوس الناس قوله وهو فيها الواو للحال قوله فاجر أي كاذب كذا في رواية الأعمش فيها وفي رواية أبي معاوية عليها ووقع في رواية شعبة على يمين كاذبا قوله يقتطع حال وفي رواية حجاج بن منهال ليقتطع بزيادة لام التعليل ويقتطع يفتعل من القطع كأنه يقطعه عن صاحبه أو يأخذ قطعة من ماله بالحلف المذكور قوله وهو عليه الواو للحال وفي رواية مسلم وهو عنه معرض وفي رواية أبي داود ألا لقي الله وهو أجذم وفي حديث أبي أمامة بن ثعلبة عند مسلم والنسائي في نحو هذا الحديث فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة وفي حديث عمران عند أبي داود فليتبوأ بوجهه مقعده من النار قوله فأنزل الله تصديق ذلك أي تصديق قوله فإن قلت قد تقدم في تفسير سورة آل عمران أنها نزلت فيمن أقام سلعته بعد العصر فحلف كاذبا
قلت يجوز أن تكون نزلت في الأمرين معا في وقت واحد واللفظ عام متناول للقضيتين ولغيرهما قوله ما حدثكم أبو عبد الرحمن هو كنية عبد الله بن مسعود فإن قلت هنا فدخل الأشعث بن قيس وفي رواية في كتاب الرهن ثم إن الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمن
قلت الجمع بين الروايتين بأن يقال إنه خرج عليهم من مكان كان فيه فدخل المكان الذي كانوا فيه فإن قلت سيأتي في الأحكام في رواية الثوري عن الأعمش ومنصور جميعا فجاء الأشعث وعبد الله يحدثهم
قلت التوفيق هنا أن يقال إن خروج الأشعث من مكانه الذي كان فيه إلى المكان الذي كان فيه عبد الله وقع وعبد الله يحدثهم فلعل الأشعث تشاغل بشيء فلم

(23/195)


يدرك بحديث عبد الله فسأل أصحابه بقوله ما حدثكم أبو عبد الرحمن قوله فقالوا كذا وكذا ويروى قالوا بدون الفاء وفي رواية جرير فحدثناه يعني الأشعث وبين شعبة في روايته أن الذي حدثه بما حدثهم به عبد الله بن مسعود هو أبو وائل الراوي شقيق بن سلمة فإن قلت قد مر في الأشخاص قال فلقيني الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم عبد الله اليوم
قلت كذا وكذا
قلت ليس بين الروايتين منافاة لأنه إنما أفرده في هذه الرواية لكونه المجيب قوله قال في أنزلت أي قال الأشعث في أنزلت هذه الآية وكلمة في بكسر الفاء وتشديد الياء قوله كانت لي بئر كذا هو في رواية الكشميهني كانت بالتأنيث وفي رواية غيره كان بالتذكير قوله كانت لي بئر في رواية أبي معاوية أرض وادعى الإسماعيلي في الشرب أن أبا حمزة تفرد بقوله في بئر وليس كما قال فقدوا فقه أبو عوانة كما ترى وكذا وقع عند أحمد من رواية عاصم عن شقيق في بئر ووقع في رواية جرير عن منصور في شيء قوله ابن عم لي كذا وقع للأكثرين أن الخصومة كانت في بئر يدعيها الأشعث في أرض لخصمه فإن قلت في رواية أبي معاوية كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني
قلت المراد أرض البئر لا جميع الأرض التي من جملتها أرض البئر ولا منافاة بين قوله ابن عم لي وبين قوله من اليهود لأن جماعة من أهل اليمن كانوا يهودا ولما غلب يوسف ذو نواس على اليمن وطرد عنها الحبشة فجاء الإسلام وهم على ذلك وقد أخرج الطبراني من طريق الشعبي عن الأشعث قال خاصم رجل من المخضرمين رجلا منا يقال له الخفشيش إلى النبي في أرض له فقال النبي للمخضرم جىء بشهودك على حقك وإلا حلف لك الحديث وهذا مخالف لسياق ما في الصحيح فإن كان ثابتا حمل على تعدد القضية قوله بينتك بالنصب أي أحضر أو أطلب بينتك بالنصب ويروى بالرفع أي المطلوب بينتك أو يمينه إن لم تكن لك بينة وفي رواية أبي معاوية وقال ألك بينة
قلت لا فقال لليهودي احلف وفي رواية أبي حمزة فقال ألك شهود
قلت ما لي شهود قال فيمينه وفي رواية وكيع عن مسلم ألك عليه بينة وفي رواية جرير عن منصور شاهداك أو يمينه قوله إذا يحلف جواب وجزاء بنصب يحلف
81 -
( باب اليمين فيما لا يملك وفي المعصية وفي الغضب )
أي هذا باب في بيان حكم اليمين فيما لا يملكه الحالف وفي اليمين في المعصية وفي اليمين في حالة الغضب فذكر ثلاثة أحاديث لكل واحد من هذه الثلاثة حديثا على الترتيب يفهم حكم كل واحد من كل واحد من الأحاديث الثلاثة
8766 - حدثني ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) قال ( أرسلني أصحابي إلى ) النبي أسأله الحملان فقال والله لا أحملكم على شيء ووافقته وهو غضبان فلما أتيته قال أنطلق إلى أصحابك فقل إن الله أو إن رسول الله يحملكم
مطابقته للجزء الأول للترجمة وهو اليمين فيما لا يملك
وهذا الحديث بعين هذا الإسناد مر في أول باب غزوة تبوك فإنه أخرجه هناك أيضا عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة عن بريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الله بن أبي بردة اسمه عامر وقيل الحارث عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة وأبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى وهنا اختصره وحاصل الكلام أن النبي حلف أن لا يحملهم ولم يكن مالكا لما سألوه في ذلك الوقت ثم أرسل بلالا وراء أبي موسى وأعطاه ستة أبعرة ثم إنه حذر عن يمينه فدل هذا على انعقاد يمينه وقال ابن بطال ومثال هذا أن يحلف رجل على أن لا يهب أو لا يتصدق أو لا يعتق وهو في هذه الحالة لا يملك شيئا من ذلك ثم حصل له مال بعد ذلك فوهب أو تصدق أو أعتق فعند جماعة الفقهاء تلزمه الكفارة كما فعل الشارع بالأشعريين أنه حلل عن يمينه وأتى بالذي هو خير ولو حلف أن لا يهب أو لا يتصدق ما دام معدما وجعل

(23/196)


العدم علة لامتناعه من ذلك ثم حصل له مال بعد ذلك لم يلزمه عند الفقهاء كفارة إن وهب أو تصدق لأنه إنما وقع يمينه على حالة العدم لا على حالة الوجود وفي ( التوضيح ) إذا حلف الرجل بعتق ما لا يملك إن ملكه في المستقبل فقال مالك إن عين أحدا أو قبيلة أو جنسا لزمه العتق وإن قال كل مملوك أملكه أبدا حر لم يلزمه عتق وكذلك في الطلاق إن عين قبيلة أو بلدة أو صفة ما لزمه الحنث وإن لم يعين لم يلزمه وقال أبو حنيفة وأصحابه يلزمه الطلاق والعتق سواء عم أو خص وقال الشافعي لا يلزمه خص أو عم
قوله أسأله الحملان بضم الحاء المهملة وسكون الميم وهو ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة قوله والله معترض بين القول ومقوله قوله ووافقته أي النبي والحال أنه غضبان وجمهور الفقهاء يلزمون الغاضب الكفارة ويجعلون غضبه مؤكدا ليمينه روي عن ابن عباس أن الغضبان يمينه لغو ولا كفارة فيها وروي عن مسروق والشعبي وجماعة أن الغضبان لا يلزمه شيء لإطلاق ولا عتاق واحتجوا بقوله لا طلاق في إغلاق ولا عتق قبل ملك وفي حديث الأشعريين رد لهذه المقالة لأن الشارع حلف وهو غاضب ثم قال والله لا أحلف على يمين الحديث وأما حديث لا طلاق في إغلاق فليس بثابت ولا مما يعارض به مثل حديث الأشعريين ونحوه
والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه واستدركه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم أخرجوه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وقال أبو داود أظنه في الغضب وقال غيره الإغلاق الإكراه والمحفوظ إغلاق كما هو لفظ ابن ماجه والحاكم ولفظ أبي داود غلاق وأما حديث لا عتق قبل ملك فهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا طلاق إلا فيما يملك رواه الأربعة والحاكم ورواه أبو داود بإسناد صحيح وقال الترمذي حديث حسن وتأول المدنيون والكوفيون الإغلاق على الإكراه قوله فلما أتيته أي النبي أي مرة أخرى بعد ذلك
9766 - حدثنا ( عبد العزيز إبراهيم ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب )
( ح ) وحدثنا الحجاج حدثنا عبد الله بن عمر النميري حدثنا يونس بن يزيد الأيلي قال سمعت الزهري قال سمعت عروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا كل حدثني طائفة من الحديث فأنزل الله إن الذين جاؤوا بالإفك ( النور11 ) العشر الآيات كلها في براءتي فقال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أو يؤتوا ولي القربى ( النور22 ) الآية قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبدا
مطابقته للجزء الثاني للترجمة في قوله والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا وهو مطابق لترك اليمين في المعصية لأنه حلف أن لا ينفع مسطحا أبدا لكلامه في عائشة فكان حالفا على ترك طاعة فنهي عن الاستمرار على ما حلف عليه فيكون النهي عن الحلف على فعل المعصية بطريق الأولى
ثم إنه أخرج هذه القطعة من حديث الإفك المطول من طريقين الأول عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري والثاني عن حجاج بن منهال عن عبد الله بن عمر النميري بضم النون وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف عن يونس بن يزيد الأيلي بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف نسبة إلى

(23/197)


مدينة أيلة عل ساحل بحر القلزم مما يلي الشام وهي اليوم خرابة
قوله وطائفة أي قطعة وقد مضى الكلام فيه مستوفى في باب حديث الإفك في كتاب المغازي
9766 - حدثنا ( عبد العزيز إبراهيم ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب )
( ح ) وحدثنا الحجاج حدثنا عبد الله بن عمر النميري حدثنا يونس بن يزيد الأيلي قال سمعت الزهري قال سمعت عروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا كل حدثني طائفة من الحديث فأنزل الله إن الذين جاؤوا بالإفك ( النور11 ) العشر الآيات كلها في براءتي فقال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أو يؤتوا ولي القربى ( النور22 ) الآية قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبدا
مطابقته للجزء الثاني للترجمة في قوله والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا وهو مطابق لترك اليمين في المعصية لأنه حلف أن لا ينفع مسطحا أبدا لكلامه في عائشة فكان حالفا على ترك طاعة فنهي عن الاستمرار على ما حلف عليه فيكون النهي عن الحلف على فعل المعصية بطريق الأولى
ثم إنه أخرج هذه القطعة من حديث الإفك المطول من طريقين الأول عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري والثاني عن حجاج بن منهال عن عبد الله بن عمر النميري بضم النون وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف عن يونس بن يزيد الأيلي بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف نسبة إلى مدينة أيلة عل ساحل بحر القلزم مما يلي الشام وهي اليوم خرابة
قوله وطائفة أي قطعة وقد مضى الكلام فيه مستوفى في باب حديث الإفك في كتاب المغازي
0866 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( أيوب ) عن ( القاسم ) عن ( زهدم ) قال ( كنا عند أبي موسى الأشعري ) فقال ( أتيت ) رسول الله في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا ثم قال والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها
مطابقته للجزء الثالث من الترجمة في قوله فوافقته وهو غضبان فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا وقد مر الكلام في حلف الغاضب عن قريب في الحديث الأول
وأخرجه عن أبي معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو وعن عبد الوارث بن سعيد عن أيوب السختياني عن القاسم بن عاصم عن زهدم بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة ابن مضرب الجرمى إلى آخره وقد مر هذا الحديث بأتم منه عن قريب في باب لا تحلفوا بأبائكم فإنه أخرجه عن قتيبة عن عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم التميمي عن زهدم إلى آخره وقد مر الكلام فيه
91 -
( باب إذا قال والله لا أتكلم اليوم فصلى أو قرأ أو سبح أو كبر أو حمد أو هلل فهو على نيته )
أي هذا باب في بيان ما إذا قال شخص والله إلى آخره قوله فهو على نيته يعني إن قصد بالكلام ما هو كلام عرفا لا يحنث بهذه الأذكار والقراءة والصلاة وإن قصد الأعم يحنث بها قاله الكرماني وقال صاحب ( التوضيح ) أي إذا كانت نيته لا يتكلم في شيء من أمر الدنيا فلا حنث عليه إذا سبح وقال ابن بطال المعنى في الحالف أن لا يتكلم اليوم أنه محمول على كلام الناس لا على التلاوة والتسبيح وقال أصحابنا حلف أن لا يتكلم فقرأ القرآن في صلاته أو سبح لم يحنث وإن قرأ في غير الصلاة يحنث خلافا للشافعي والقياس أن يحنث فيهما وقال الفقيه أبو الليث إن عقد اليمين بالعربية فكذلك وإن عقدها بالفارسية لا يحنث إذا قرأ القرآن أو سبح في غير صلاته
وقال النبي أفضل الكلام أربع سبحان الله والحمد لله ولا إلاه إلا الله والله أكبر
مطابقته للترجمة من حيث إن غرض البخاري بيان أن الأذكار ونحوها كلام وكلمة فيحنث بها قيل هذا من الأحاديث التي لم يصلها البخاري في موضع آخر وقد وصله النسائي من طريق ضرار بن مرة عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعا بلفظه وأخرجه مسلم من حديث سمرة بن جندب لكن بلفظ أحب الكلام ووجه أفضليته أن فيه إشارة إلى جميع صفات الله عز و جل عدمية ووجودية إجمالا لأن التسبيح إشارة إلى تنزيه الله تعالى عن النقائص والتحميد إلى وصفه بالكمال فالأول فيه النقصان والثاني فيه إثبات الكمال والثالث إلى تخصيص ما هو أصل الدين وأساس الإيمان يعني التوحيد والرابع إلى أنه أكبر مما عرفناه سبحانك ما عرفناك حق معرفتك
وقال أبو سفيان كتب النبي إلى هرقل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ( آل عمران46 ) ح
أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية أبو معاوية وهذا طرف من حديث طويل أخرجه في أول الكتاب وأراد به هنا الإشارة إلا أن لفظ الكلمة من باب إطلاق البعض على الكل مثلا إذا أطلق لفظ كلمة على مثل سبحان الله والحمد لله إلى آخره يكون المراد منها الكلام كما يقال كلمة التوحيد وهي تشتمل على كلمات
وقال مجاهد كلمة التقواى لا إلاه إلا الله
أشار به إلى ما في قوله تعالى وألزمهم كلمة التقوى ( الفتح62 ) أي لا إله إلا الله فإن لا إله إلا الله كلام أطلق عليه الكلمة

(23/198)


1866 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) عن أبيه قال ل ( ما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه ) رسول الله فقال قل لا إلاه إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله
الكلام في ذكر هذا هنا مثل الكلام الذي ذكرناه الآن فيما قبله فإنه أطلق على قول لا إله إلا الله كلمة وهذا مختصر تقدم تمامه في قصة أبي طالب في آخر كتاب فضائل الصحابة
وأبو اليمان الحكم بن نافع والمسيب بفتح الياء وكسرها وقال الكرماني قالوا هذا مما يبطل القاعدة القائلة بأن شرط البخاري أن لا يروي عن شخص حتى يكون له راويان وليس للمسيب إلا راو واحد وهو ابنه فقط
قوله كلمة بالنصب على أنه في محل لا إله إلا الله ويجوز رفعها على تقدير هي كلمة قوله أحاج بضم الهمزة وأصله احاجج يعني أظهر لك بها الحجة عند الله يعني يوم القيامة
2866 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( محمد بن فضيل ) حدثنا ( عمارة بن القعقاع ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ( انظر الحديث 6046 وطرفه )
الكلام فيه مثل الكلام فيما قبله وأبو زرعة هرم البجلي
والحديث قد مضى في كتاب الدعوات في باب فضل التسبيح فإنه أخرجه هناك عن زهير بن حرب عن ابن فضيل إلى آخره نحوه وسيجيء في آخر الكتاب عند ختمه إن شاء الله تعالى
3866 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( الأعمش ) عن ( شقيق ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال قال رسول الله كلمة وقلت أخرى من مات يجعل لله ندا أدخل النار وقلت أخرى من مات لا يجعل لله ندا أدخل الجنة ( انظر الحديث 8321 وطرفه )
هو أيضا مثل ما قبله من إطلاق الكلمة على الكلام وعبد الواحد هو ابن زياد والأعمش سليمان وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
قوله قال رسول الله كلمة وهي قوله من مات وهو يشرك بالله شيئا دخل النار قوله وقلت أخرى من كلام ابن مسعود أي قلت أنا أخرى وهي من مات لا يجعل لله ندا أدخل الجنة وهذا مر في أول كتاب الجنائز فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن حفص عن أبيه عن الأعمش إلى آخره قوله ندا بكسر النون وتشديد الدال المثل والنظير وقال الكرماني العكس الظاهر أن يقال من مات لا يجعل لله ندا لا يدخل النار ثم قال هذا هو الصحيح لأن الموحد ربما يدخل النار لكن دخول الجنة محقق لا شك فيه وإن كان آخرا انتهى قلت كلامه في كلام ابن مسعود فافهم
02 -
( باب من حلف أن لا يدخل على أهله شهرا وكان الشهر تسعا وعشرين )
أي هذا باب في بيان من حلف أن لا يدخل على أهله شهرا واتفق أن الشهر كان تسعا وعشرين يوما أي ناقصا ثم دخل عليه فلا يحنث لأن الشهر يكون تسعا وعشرين وهذا لا خلاف فيه إذا حلف في أول جزء من الشهر وأما إذا حلف في أثناء الشهر يتعين أن يلفق ثلاثين يوما عند الجمهور وقالت طائفة من المالكية منهم عبد الحكم يكتفي بتسع وعشرين
4866 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( سليمان بن بلال ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) قال آل

(23/199)


1764 - ( ى ) رسول الله من نسائه وكانت انفكت رجله فأقام في مشربة تسعا وعشرين ليلة ثم نزل فقالوا يا رسول الله آليت شهرا فقال إن الشهر يكون تسعا وعشرين
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في الصوم عن عبد العزيز أيضا وفي النكاح عن خالد بن مخلد وفي الطلاق عن إسماعيل بن أبي أويس
قوله آلى أي حلف وليس المراد منه الإيلاء الفقهي قوله في مشربة بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها الغرفة
12 -
( باب إن حلف أن لا يشرب نبيذا فشرب طلاء أو سكرا أو عصيرا لم يحنث في قول بعض الناس وليست هاذه بأنبذة عنده )
أي هذا باب يذكر فيه إن حلف شخص أن لا يشرب نبيذا إلى آخره والنبيذ فعيل بمعنى مفعول وهو الذي يعمل من الأشربة من التمر والزبيبت والعسل والحنطة والشعير والذرة والأرز ونحو ذلك من نبذت التمر إذا ألقيت عليه الماء ليخرج عليه حلاوته سواء كان مسكرا أو غير مسكر فإنه يقال له نبيذ ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر قوله طلاء بكسر الطاء المهملة والمد ويروى الطلاء بالألف واللام وقال ابن الأثير هو الشراب المطبوخ من العنب وهو الرب وأصله القطران الخاثر الذي يطلى به الإبل وقال أصحابنا الطلاء الذي يذهب ثلثه وإن ذهب نصفه فهو المنصف وإن طبخ أدنى طبخه فهو الباذق والكل حرام إذا غلا واشتد وقذف بالزبد قوله أو سكرا بفتحتين وهو نقيع الرطب وهو أيضا حرام إذا غلا واشتد وقذف بالزبد وقال الكرماني السكر نبيذ يتخذ من التمر قوله لم يحنث في قول بعض الناس قال ابن بطال مراد البخاري ببعض الناس أبو حنيفة ومن تبعه فإنهم قالوا إن الطلاء والعصير ليسا نبيذا لأن النبيذ في الحقيقة ما نبذ في الماء ونقع فيه ومنه سمى المنبوذ منبوذا لأنه ينبذ ويطرح فأراد البخاري الرد عليهم ورد عليه من ليس له تعصب فقال الذي قاله هذا الشارح بمعزل عن مقصود البخاري وإنما أراد تصويب قول أبي حنيفة ومن قال لم يحنث ولا يضره قوله بعده في قول بعض الناس فإنه لو أراد خلافه لترجم على أنه يحنث وكيف يترجم على وفق مذهب ويخالفه انتهى
ثم حسن بعضهم ممن لم يدرك دقائق مذهب أبي حنيفة كلام ابن بطال فقال والذي فهمه ابن بطال أوجه وأقرب إلى مراد البخاري وليت شعري ما وجه الأوجهية والقرب وأبو حنيفة ما رأى من شرب الطلاء إلا الطلاء الذي كان يشربه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وروى ابن أبي شيبة فقال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ووكيع عن عبيدة عن خيثمة عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه كان يشرب الطلاء على النصف وكذا روي عن البراء وأبي جحيفة وجرير بن عبد الله وابن الحنفية وشريح القاضي وقيس بن سعد وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والشعبي وقال الطحاوي حدثنا فهد قال حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا أبو شهاب عن ابن أبي ليلى عن عيسى أن أباه بعثه إلى أنس بن مالك في حاجة فأبصر عنده طلاء شديدا واسم أبي شهاب عبد ربه بن نافع الحناط بالنون الكوفي وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي الكوفي وهو يروى عن أخيه عيسى بن عبد الرحمن
قوله وليست هذه أي الطلاء والسكر والعصير ليست بأنبذة وفي رواية الكشميهني وليس قوله عنده أي عند بعض الناس وهو أبو حنيفة وفيه نظر لأنه يحتاج إلى دليل ظاهر أنه نقل هكذا عن أبي حنيفة ولئن سلمنا ذلك فمعناه أن كل واحد منها يسمى باسم خاص وإن كان يطلق عليها اسم النبيذ في الأصل فإن قلت فعلى هذا من حلف على أنه لا يشرب نبيذا فشرب شيئا من هذه الثلاثة ينبغي أن لا يحنث
قلت إن نوى تعيين أحد هذه الأشياء ينبغي أن لا يحنث وإن أطلق يحنث بالنظر إلى أصل المعنى لا بالنظر إلى العرف
5866 - حدثني ( علي ) سمع ( عبد العزيز بن أبي حازم ) أخبرني أبي عن ( سهل بن سعد ) أن ( أبا أسيد صاحب ) النبي أعرس فدعا النبي لعرسه فكانت العروس خادمهم

(23/200)


فقال سهل للقوم هل تدرون ما سقته قال أنقعت له تمرا في تور من الليل حتى أصبح عليه فسقته إياه
قال الكرماني مناسبة الحديث للباب مفهوم نبيذ إذ المتبادر إلى الذهن منه أن العروس المذكورة فيه سقت المتخذ من التمر ففيه الرد على بعض الناس وقال صاحب ( التوضيح ) وجه تعلق البخاري من حديث سهل في الرد على أبي حنيفة وهو أن سهلا إنما عرف أصحابه أنه لم تسق الشارع إلا نبيذا قريب العهد بالانتباذ مما يخل شربه ألا ترى قوله انقعت له تمرا في تور من الليل حتى أصبح عليه فسقته إياه وهكذا كان ينبذ له ليلا ويشربه غدوة وينبذ له غدوة ويشربه عشية انتهى
قلت ليس في حديث سهل رد قط على أبي حنيفة لأنه لم ينف اسم النبيذ عن المتخذ من التمر وإنما قال الطلاء والسكر والعصير ليست بأنبذة على تقدير صحة النقل عنه بذلك لأن كلا منها يسمى باسم خاص كما ذكرناه الآن
وعلي شيخ البخاري فيه هو ابن المديني وعبد العزيز فيه يروي عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار الأعرج وهو يروي عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري كان اسمه حزنا فسماه النبي سهلا وأبو أسيد بضم الهمزة مصغر الأسد مالك الساعدي
والحديث قد مضى في كتاب الأشربة في باب الانتباذ في الأوعية قوله صاحب النبي ذكر لفظ صاحب إما استلذاذا وإما افتخارا وإما تعظيما له وإما تفهيما لمن لا يعرفه قوله فكانت العروس على وزن فعول يستوي فيه الذكر والأنثى والمراد به هنا الزوجة قوله خادمهم بالتذكير لأنه يطلق على الرجل والمرأة كليهما قوله في تور بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الواو وبالراء هو إناء من صفر أو حجر كالأجانة وقد يتوضأ منه قوله فسقته إياه أي فسقت العروس المذكورة النبي إياه أي التمر المنقوع في التور
6866 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( إسماعيل بن أبي خالد ) عن ( الشعبي ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما عن ( سودة ) زوج النبي قالت ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صارت شنا
قيل مطابقته للترجمة في قوله ما زلنا ننبذ فيه وأنهم دبغوا مسك الشاة للانتباذ فيه قال صاحب ( التوضيح ) هذا وجه استدلال البخاري من حديث سودة
قلت لا مطابقة بينه وبين الترجمة إلا أن يؤخذ ذلك بالوجه المذكور بالتعسف وليس المراد ذلك لأن في زعم هؤلاء أن هذا يرد على أبي حنيفة فيما نقلوا عنه فلذلك أورده البخاري هنا وليس كذلك كما ذكرناه الآن
ومحمد بن مقاتل المروزي يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن إسماعيل بن أبي خالد واسمه سعد ويقال هرمز البجلي عن عامر الشعبي عن عكرمة عن عبد الله بن عباس عن سودة بنت زمعة رضي الله عنها والحديث من أفراده
قوله مسكها بفتح الميم وهو الجلد قوله شنا بفتح الشين المعجمة وتشديد النون وهو القربة الخلق
22 -
( باب إذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز وما يكون من الأدم )
أي هذا باب يذكر فيه إذا حلف أن لا يأكل أدما فأكل تمرا بخبز أي ملتبسا به مقارنا له وجواب إذا محذوف تقديره هل يكون بذلك مؤتدما أم لا قوله ما يكون من الأدم عطف على جملة الشرط والجزاء أي باب يذكر فيه أيضا ما يكون أي شيء يكون من الأدم ولم يذكر حكم هذين المذكورين اعتمادا على مستنبط الأحكام من النصوص أما الفصل الأول فقد روى فيه عن حفص بن غياث عن محمد بن يحيى الأسلمي عن يزيد الأعور عن ابن أبي أمية عن يوسف عن عبد الله بن سلام قال رأيت النبي أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرا وقال هذه إدام هذه فأكلها وبهذا يحتج أن كل ما يوجد في

(23/201)


البيت غير الخبز فهو إدام سواء كان رطبا أو يابسا فعلى هذا إن من حلف أن لا يأتدم فأكل خبزا بتمر فإنه يحنث ولكن قالوا إن هذا محمول على أن الغالب في تلك الأيام أنهم كانوا يتقوتون بالتمر لشظف عيشهم ولعدم قدرتهم على غيره إلا نادرا وأما الفصل الثاني ففيه خلاف بين العلماء فقال أبو حنيفة وأبو يوسف الإدام ما يصطبغ به مثل الزيت والعسل والملح والخل وأما ما لا يصطبغ به مثل اللحم المشوي والجبن والبيض فليس بإدام وقال محمد هذه إدام وبه قال مالك والشافعي وأحمد وهو رواية عن أبي يوسف فإن قلت معنى ما يصطبغ به ما يختلط به الخبز فكيف يختلط الخبز بالملح
قلت يذوب في الفم فيحصل الاختلاط وفي ( التوضيح ) وعند المالكية يحنث بكل ما هو عند الحالف إدام ولكل قوم عادة
7866 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن عبد الرحمان بن عابس عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت ما شبع آل محمد من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله
قال الكرماني كيف دل الحديث على الترجمة ثم قال لما كان التمر غالب الأوقات موجودا في بيت رسول الله وكانوا شباعا منه علم أنه ليس أكل الخبز به ائتداما أو ذكر هذا الحديث في هذا الباب بأدنى ملابسة وهو لفظ المأدوم ولم يذكر غيره لأنه لم يجد حديثا بشرطه يدل على الترجمة أو هو أيضا من جملة تصرفات النقلة على الوجه الذي ذكروه انتهى
قلت ذكر فيه ثلاثة أوجه الوجه الأول رده بعضهم بقوله هو مباين لمراد البخاري ولم يبين المراد ما هو
قلت حديث عبد الله بن سلام المذكور آنفا أقوى في الرد عليه الوجه الثاني قال فيه بعضهم إنه هو المراد لكن ينضم إليه ما ذكره ابن المنير والذي ذكره ابن المنير هو أنه قال مقصود البخاري الرد على من زعم أنه لا يقال ائتدم إلا إذا أكل ما يصطبغ به انتهى
قلت الحديث لا يدل أصلا على رد الزاعم بهذا لأن لفظ مأدوم أعم من أن يكون الإدام فيه مما يصطبغ به أو لا يصطبغ به الوجه الثالث بعيد جدا على ما لا يخفى
ومحمد بن يوسف شيخ البخاري هو البخاري البيكندي وسفيان هو ابن عيينة و ( عبد الرحمن بن عابس ) بالعين المهملة وبالياء الموحدة المكسورة وبالسين المهملة يروي عن أبيه عابس بن ربيعة النخعي
والحديث مضى في الأطعمة عن خلاد بن يحيى عن سفيان مطولا وهنا ذكر قطعة منه
قوله تباعا بكسر التاء أي متتابعة قوله حتى لحق بالله كناية عن الموت
وقال ابن كثير أخبرنا سفيان حدثنا عبد الرحمان عن أبيه أنه قال ل ( عائشة ) بهاذا
أي قال محمد بن كثير بالثاء المثلثة البصري وهو أحد مشايخ البخاري وسفيان هو الثوري وعبد الرحمن هو ابن عابس المذكور في الحديث السابق وإنما ذكره البخاري مذاكرة عن ابن كثير إشارة لدفع ما يتوهم من العنعنة في الطريق التي قبلها من الانقطاع وقد صرح في هذا الطريق لقوله أنه قال لعائشة أي أن عابسا والد عبد الرحمن قال لعائشة بهذا يعني سأل منها بعد أن لقيها عن هذا الحديث
8866 - حدثنا ( قتيبة ) عن ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) قال قال ( أبو طلحة لأم سليم ) ل ( قد ) سمعت ( صوت ) رسول الله ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله فذهبت فوجدت رسول الله في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال رسول الله أرسلك أبو طلحة فقلت نعم فقال رسول الله لمن معه قوموا فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة

(23/202)


فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله فأقبل رسول الله وأبو طلحة معه حتى دخلا فقال رسول الله هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذالك الخبز قال فأمر رسول الله بذالك الخبز ففت وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله ما شاء الله أن يقول ثم قال إئذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا إذن
مطابقته للجزء الثاني للترجمة تؤخذ من قوله فأدمته
والحديث قد مضى في علامات النبوة بطوله وفي الصلاة مختصرا عن عبد الله بن يوسف وفي الأطعمة عن إسماعيل ومضى الكلام فيه
وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم أم أنس بن مالك
قوله عكة بضم العين المهملة وتشديد الكاف وهي إناء السمن قوله فأدمته أي خلطت الخبز بالإدام
وفيه معجزة لرسول الله
32 -
( باب النية في الأيمان )
أي هذا باب في بيان النية في الأيمان بفتح الهمزة جمع يمين كذا في رواية الجميع وقال الكرماني في بعض الرواية الأيمان بكسر الهمزة ثم قال مذهب البخاري أن الأعمال داخلة في الإيمان وقال المهلب وغيره إذا كانت اليمين بين العبد وربه لا خلاف بين العلماء أنه ينوي ويحمل على نيته وإذا كانت بينه وبين آدمي وادعى في نيته غير الظاهر لم يقبل قوله وحمل على ظاهر كلامه إذا كانت عليه بينة بإجماع واستدل به على أن اليمين على نية الحالف إلا في حق الآدمي على نية المستحلف كما ذكرنا وقال آخرون النية نية الحالف أبدا وله أن يوري واحتجوا بحديث الباب وأجمعوا على أنه لا يوري فيما إذا اقتطع مال أمرىء مسلم بيمينه
9866 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( عبد الوهاب ) قال سمعت يحياى بن سعيد يقول أخبرني محمد بن إبرهيم أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله يقول إنما الأعمال بالنية وإنما لامرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
مطابقته للترجمة من حيث إن اليمين أيضا عمل وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي و ( يحيى بن سعيد ) هو الأنصاري ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي القرشي المدني والحديث مر في أول الكتاب ومر الكلام فيه مستقصى
42 -
( باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أهدى شخص ماله أي جعله هدية للمسلمين أو تصدق به على وجه النذر أو على وجه التوبة بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الواو وهكذا هو في رواية الجميع إلا الكشميهني فإن في روايته إلا القربة بضم القاف وسكون الراء وجوابه محذوف تقديره هل ينفذ ذلك إذا نجزه أو علقه وهذا الباب أول أبواب النذور لأن

(23/203)


الكتاب كان في الأيمان والنذور وفرغ من أبواب الأيمان وشرع في أبواب النذور وهو جمع نذر وهو إيجاب شيء من عبادة أو صدقة أو نحوهما على نفسه تبرعا يقال نذرت الشيء أنذر وأنذر بالكسر والضم نذرا ويقال النذر في اللغة التزام خير أو شر وفي الشرع التزام المكلف شيئا لم يكن عليه منجزا أو معلقا والنذر نوعان نذر تبرر ونذر لجاج
فالأول على قسمين أحدهما ما يتقرب به ابتداء كقوله لله على أن أصوم كذا مطلقا أو أصوم شكرا على أن شفي الله مريضي ونحوه وقيل الاتفاق على صحته في الوجهين وعن بعض الشافعية في الوجه الثاني أنه لا ينعقد والثاني من القسمين ما يتقرب به معلقا كقوله إن قدم فلان من سفره فعلي أن أصوم كذا وهذا لازم اتفاقا
ونذر اللجاج كذلك على قسمين أحدهما ما يعلقه على فعل حرام أو ترك واجب فلا ينعقد والقسم الآخر ما يتعلق بفعل مباح أو ترك مستحب أو خلاف الأولى ففيه ثلاثة أقوال للعلماء الوفاء أو كفارة يمين أو التخيير بينهما عند الشافعية وعند المالكية لا ينعقد أصلا وعند الحنفية يلزمة كفارة اليمين في الجميع
0966 - حدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( ابن وهب ) أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) أخبرني ( عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب بن مالك ) وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن مالك في حديثه وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة811 ) فقال في آخر حديثه إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله فقال النبي أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك
مطابقته للترجمة من حيث إن كعب بن مالك جعل من توبته انخلاعه من ماله صدقة إلى الله ورسوله قيل فيه نظر لأنه ليس في الانخلاع المذكور ما يدل على النذر منه والترجمة فيها النذر ويمكن الجواب بأن يقال إن في الانخلاع معنى الالتزام وفي الالتزام معنى النذر ولم يذكر هذا أحد من الشراح
وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
والحديث مضى بطوله في كاب المغازي
وكعب ابن مالك هو أحد الثلاثة الذين خلفوا ونزلت الآية فيه وفي صاحبيه وهما مرارة بضم الميم وهلال قوله في حديثه أي في حديث تخلفه عن غزوة تبوك قوله أن انخلع كلمة أن مصدرية وأنخلع من الانخلاع أي أن أعرى من مالي كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه قوله أمسك عليك بعض مالك وفي رواية أبي داود عن أحمد بن صالح بهذا السند فقلت إني أمسك سهمي الذي يخيبر قوله فهو خير لك أي إمساك بعض مالك خير لك وعين البعض في رواية لأبي داود قال يجزىء عنك الثلث
اختلف العلماء فيمن نذر أن يتصدق بجميع ماله على عشرة أقوال
الأول يلزمه ثلث ماله وبه قال مالك الثاني إنه إن كان مليا فكذلك وإن كان فقيرا فكفارة يمين وبه قال الليث وابن وهب الثالث إن كان متوسطا يخرج بحصة الثلث وهو قول ربيعة الرابع يخرج ما لا يضر به وهو قول سحنون من المالكية الخامس يخرج زكاة ماله يروى ذلك عن ربيعة أيضا السادس يخرج جميع ماله وهو قول إبراهيم النخعي السابع إن علقه بشرط كقوله إن شفى الله مريضي أو إن دخلت الدار فالقياس أن يلزمه إخراج كل ماله وهو قول أبي حنيفة الثامن إن أخرج نذره مخرج التبرر مثل إن شفي الله مريضي فيلزمه جميع ماله وإن كان لجاجا وغضبا فيقصد منع نفسه من فعل مباح كأن دخلت الدار فهو بالخيار إن شاء أن يفي بذلك أو يكفر كفارة يمين وهو قول الشافعي التاسع لا يلزمه شيء أصلا وهو قول ابن أبي ليلى وطاووس والشعبي العاشر يحبس لنفسه من ماله قوت شهرين ثم يتصدق بمثله إذا أفاد وهو قول زفر
52 -
( باب إذا حرم طعامه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا حرم الشخص طعامه بأن قال طعام كذا أو شراب كذا علي حرام أو قال نذر لله أن لا آكل

(23/204)


كذا أو لا أشرب كذا ولم يذكر جواب إذا على عادته قوله طعامه وروي عن أبي ذر طعاما والجواب ينعقد يمينه وعليه كفارة يمين إذا استباحه لكن إذا حلف وهو الذي ذهب إليه البخاري فلذلك أورد حديث الباب لأن فيه قد حلفت وعن أبي حنيفة والأوزاعي كذلك ولكن لا يشترط لفظ الحلف وقال الشافعي لا شيء عليه في ذلك وقال مالك لا يكون الحرام يمينا في طعام ولا شراب إلا في المرأة فإنه يكون طلاقا يحرمها عليه وروي عن الشافعي كذلك رواه الربيع عنه وروي عن بعض التابعين أن التحريم ليس بشيء سواء حرم عليه زوجته أو شيئا من ذلك لا يلزمه كفارة في شيء من ذلك وبه قال أبو سلمة ومسروق والشعبي
وقوله تعالى ياأيها النبى لم تحرم مآ أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم ( التحريم1 - 2 ) وقوله ( 5 ) لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( المائدة78 ) ح
ذكر هاتين الآيتين إشارة إلى بيان ما ذكره من الترجمة بأن تحريم المباح يمين وفيها الكفارة لكن لفظ الحلف شرط عنده كما ذكرناه وسبب نزول الآية الأولى قد مر في كتاب الطلاق في باب لم تحرم ما أحل الله لك وأورد فيه حديثين عن عائشة رضي الله عنها وبين فيهما قصة تحريم النبي مارية التي أهداها إليه المقوقس صاحب اسكندرية والعسل وذكرنا الاختلاف فيه هل نزلت الآية في تحريم مارية أو في تحريم العسل قوله تبتغي مرضات أزواجك أي تطلب رضاهن بتحريم ذلك قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ( التحريم2 ) أي قد قدر الله ما تحللون به أيمانكم وأصل تحللة تحلة على وزن تفعلة فادغمت اللام في اللام وهي من المصادر كالترضية والتسمية قوله لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( المائدة78 ) هذا توبيخ لمن فعل ذلك فلذلك قال لا تعتدوا فجعل ذلك من الاعتداء
1966 - حدثنا ( الحسن بن محمد ) حدثنا ( الحجاج ) عن ( ابن جريج ) قال ( زعم عطاء ) أنه سمع ( عبيد بن عمير ) يقول سمعت ( عائشة تزعم ) أن النبي كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي فلتقل إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير فدخل على إحداهما فقالت ذالك له فقال لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزلت ياأيها النبى لم تحرم مآ أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم ( التحريم1 ) إن تتوبا إلى الله ( التحريم4 ) لعائشة وحفصة وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ( التحريم3 ) لقوله بل شربت عسلا
وقال لي إبراهيم بن موسى عن هشام ولن أعود له وقدد حلفت فلا تخبري بذالك أحدا
مطابقته للترجمة ظاهرة والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني والحجاج هو ابن محمد المصيصي وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعطاء هو ابن أبي رباح وعبيد بن عمير كلاهما مصغر
والحديث قد مر في كتاب الطلاق بعين هذا الإسناد والمتن ومر الكلام فيه
قوله زعم أي قال وكذا معنى تزعم أي تقول قوله أن أيتنا بالتاء لغة في أينا والمشهور بغير التاء قوله مغافير بالغين المعجمة والفاء جمع مغفور وهو نوع من الصمغ يتحلب عن بعض الشجر حلو كالعسل وله رائحة كريهة ويقال أيضا مغاثير بالثاء المثلثة بدل الفاء جمع مغثور كثوم وفوم ويقال المغفور شيء ينضحه شجر العرفط كريه الرائحة وقيل هو حلو كالناطف يحل بالماء ويشرب وقال أبو عمر ويقال أغفر الرمث إذا ظهر ذلك فيه وقال الكسائي خرج الناس يتمغفرون إذا خرجوا يجتنونه من ثمره وكان النبي يكره أن توجد منه الرائحة لأجل مناجاة الملائكة

(23/205)


فحرم على نفسه بظن صدقهما قال الكرماني كيف جاز على أزواجه أمثال ذلك ثم أجاب بقوله هو من مقتضيات الغيرة الطبيعية للنساء وهو صغيرة معفو عنها ثم قال فإن قلت تقدم في كتاب الطلاق أنه شرب في بيت حفصة والمتظاهرات هي عائشة وسودة وزينب
قلت لعل الشرب كان مرتين قوله ولن أعود له أي قال والله لا أعود له فلذلك كفره قوله لعائشة أي الخطاب لعائشة وحفصة قوله وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا أي الحديث المسر كان ذلك القول
قوله وقال لي إبراهيم بن موسى وفي رواية أبي ذر وقال إبراهيم بغير لفظ لي وقد تقدم في التفسير بلفظ حدثنا إبراهيم بن موسى وهو أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير يروي عن هشام بن يوسف وصرح به في التفسير وقد اختصر هنا بغير السند ومراده أن هشاما رواه عن ابن جريج بالسند المذكور والمتن إلى قوله قوله ولن أعود فزاد وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا
62 -
( باب الوفاء بالنذر )
أي هذا باب في بيان حكم وفاء الناذر بنذره وفي بيان فضل الوفاء بالنذر
وقوله تعالى يوفون بالنذر ( الإنسان7 )
أورد هذه الآية إشارة إلى أن الوفاء بالنذر مما يجلب الثناء على فاعله ولكن المراد هو نذر الطاعة لا نذر المعصية وقام الإجماع على وجوب الوفاء إذا كان النذر بالطاعة وقد قال الله تعالى أوفوا بالعقود ( المائدة1 ) وقال يوفون بالنذر فمدحهم بذلك واختلف في ابتداء النذر فقيل إنه مستحب وقيل مكروه وبه جزم النووي ونص الشافعي على أنه خلاف الأولى وحمل بعض المتأخرين النهي على نذر اللجاج واستحب نذر التبرر
2966 - حدثنا يحياى بن صالح حدثنا فليح بن سليمان حدثنا سعيد بن الحارث أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول أو لم ينهوا عن النذر إن النبي قال إن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخر وإنما يستخرج بالنذر من البخيل ( انظر الحديث 8066 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى بن صالح ) الوحاظي بضم الواو وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف ظاء معجمة وفليح مصغر فلح و ( سعيد بن الحارث ) الأنصاري المدني قاضي المدينة والحديث من أفراده
قوله أو لم ينهوا عن النذر على صيغة المجهول وقال الكرماني بلفظ المعروف والمجهول وفيه حذف بينه الحاكم في ( المستدرك ) والإسماعيلي عن سعيد بن الحارث قال كنت عند ( ابن عمر ) فأتاه مسعود بن عمرو أحد بني عمرو بن كعب فقال يا أبا عبد الرحمن إن ابني كان مع عمر بن عبيد الله بن معمر بأرض فارس فوقع فيها وباء وطاعون شديد فجعلت على نفسي لئن الله سلم ابني ليمشين إلى بيت الله تعالى فقدم علينا وهو مريض ثم مات فما تقول فقال ابن عمر أو لم ( ينهوا ) عن النذر إن النبي فذكر الحديث المرفوع وزاد أوف بنذرك وقال أبو عامر فقال يا أبا عبد الله إنما نذرت أن يمشي ابني فقال أوف بنذرك قال سعيد بن الحارث فقلت له أتعرف سعيد بن المسيب قال نعم قلت له إذهب إليه ثم أخبرني ما قال لك قال فأخبرني أنه قال له امش عن ابنك
قلت يا أبا محمد وترى ذلك مقبولا قال نعم أرأيت لو كان على ابنك دين لا قضاء له فقضيته أكان ذلك مقبولا قال نعم قال فهذا مثل هذا انتهى وأبو عبد الرحمن كنية عبد الله بن عمر وأبو محمد كنية سعيد بن المسيب وقال الكرماني فإن قلت ليس في الحديث ما يدل على كونهم منهيين
قلت يفهم من السياق أو لما كان مشهور بينهم لم يذكره ههنا وجاء صريحا في الحديث بعده قوله لا يقدم شيئا ولا يؤخر ويروى ولا يؤخره بضمير المنصوب ومعناه لا يقدم شيئا من قدر الله ومشيئته ولا يؤخره وفي رواية عبد الله بن مرة لا يرد شيئا وهي أعم على ما يأتي الآن وكذلك يأتي في حديث أبي هريرة لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قدر له وفي رواية لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له قوله وإنما يستخرج بالنذر من البخيل يعني أن من الناس من لا يسمح

(23/206)


من بالصدقة والصوم إلا إذا نذر شيئا لخوف أو طمع فكأنه لو لم يكن ذلك الشيء الذي طمع فيه أو خافه لم يسمح بإخراج ما قدره الله تعالى ما لم يكن يفعله فهو بخيل
3966 - حدثنا خلاد بن يحياى حدثنا سفيان عن منصور أخبرنا عبد الله بن مرة عن عبد الله بن عمر قال نهاى النبي عن النذر وقال إنه لا يرد شيئا ولاكنه يستخرج به من البخيل ( انظر الحديث 8066 وطرفه )
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر أخرجه عن ( خلاد بن يحيى ) بن صفوان الكوفي سكن مكة يروي عن ( سفيان ) الثوري عن ( منصور ) بن المعتمر عن ( عبد الله بن مرة ) بضم الميم وتشديد الراء ومضى الحديث في القدر عن أبي نعيم
قوله من البخيل وفي رواية مسلم من الشحيح وفي رواية ابن ماجه من اللئيم
4966 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال النبي لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قدر له ولاكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له فيستخرج الله به من البخيل فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل ( انظر الحديث 9066 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن ابن هرمز
ورواه ابن ماجه من طريق الثوري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في الكفارات ولفظه إن النذر لا يأتي ابن آدم بشيء إلا ما قدر له
قوله ابن آدم منصوب لأنه مفعول والنذر بالرفع فاعله قوله لم يكن قدر له على صيغة المجهول والجملة صفة لقوله بشيء وفي رواية لأبي ذر لم أكن قدرته وعلى هذا فهو في الحقيقة من الأحاديث القدسية ولكنه ما صرح برفعه إلى الله تعالى وفي رواية النسائي لم أكن وفي أواخر كتاب القدر من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ لم يكن قد قدرته ويروى هنا قدر به بضم القاف وكسر الدال المشددة قوله يلقيه بضم الياء من الإلقاء والنذر بالرفع فاعله قوله قد قدر له على صيغة المجهول والجملة حال من القدر وقيل الأمر بالعكس فإن القدر يلقيه إلى النذر وأجيب بأن تقدير النذر غير تقدير الإنفاق فالأول يلجئه إلى النذر والنذر يوصله إلى الإيتاء والإخراج قوله فيستخرج الله به من البخيل فيه التفات على رواية أكن قدرته واصل الكلام أن يقال فاستخرج به ليوافق رواية لم أكن قدرته قوله فيؤتيني عليه أي فيعطيني على ذلك الأمر الذي بسببه نذر كالشفاء ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل النذر وفي رواية الكشميهني يؤتني بالجزم ووجهه أن يكون بدلا من قوله لم يكن المجزوم بلم وفي رواية مالك يؤتى في الموضعين وفي رواية ابن ماجه فييسر عليه ما لم يكن ييسر عليه من قبل ذلك وفي رواية مسلم فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرجه وهذا أوضح الروايات
72 -
( باب إثم من لا يفي بالنذر )
أي هذا باب في بيان إثم من لا يفي بنذره وفي رواية غير أبي ذر باب من لا يفي بالنذر بدون لفظ إثم
5966 - حدثنا ( مسدد ) عن يحياى عن شعبة قال حدثني أبو جمرة حدثنا زهدم بن مضرب قال سمعت عمران بن حصين يحدث عن النبي قال خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران لا أدري ذكر ثنتين أو ثلاثا بعد قرنه ثم يجيء قوم ينذرون ولا يفون ويخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ويظهر فيهم السمن
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ينذرون ولا يفون و ( يحيى ) هو القطان ويروى عن يحيى بن سعيد بنسبته إلى أبيه وأبو جمرة بالجيم وبالراء واسمه نصر بن عمران وزهدم بفتح الزاي والدال بينهما هاء ساكنة ابن مضرب على صيغة اسم الفاعل واسم المفعول أيضا من التضريب بالضاد المعجمة
والحديث مضى في الشهادات وفي فضائل الصحابة وفي كتاب الرقاق

(23/207)


في باب ما يحذر من زينة الدنيا فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن غندر عن ( شعبة ) عن أبي جمرة عن زهدم عن عمران ابن حصين
قوله قرني أي أهل قرني الذين أنا فيهم وهم الصحابة قوله ثم الذين يلونهم أي ثم قرن الذين يلون قرني وهم التابعون قوله ثم الذين يلونهم وهم أتباع التابعين قوله ينذرون بكسر الذال وضمها قوله ولا يفون وفي رواية الكشميهني ولا يوفون وأصله يوفيون لأنه من أوفي إيفاء استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها فاجتمع ساكنان وهم الياء والواو فحذفت الياء فصار يوفون على وزن يفعون ولم تحدف الواو لأنها علامة الجمع وكذا الكلام في لا يفون قوله ويخونون أي خيانة ظاهرة حتى لا يؤتمنون أي لا يعتقدونهم أمناء قوله ويشهدون أي يتحملون الشهادة بدون التحميل أو يؤدونها بدون الطلب وشهادة الحسبة في التحمل خارجة عنه بدليل آخر قوله ويظهر فيهم السمن بكسر السين وفتح الميم أي يتكثرون بما ليس فيهم من الشرف أو يجمعون الأموال أو يغفلون عن أمر الدين لأن الغالب على السمين أن لا يهتم بالرياضة والظاهر أنه حقيقة في معناه لكن إذا كان مكتسبا لا خلقيا ويقال معنى ويظهر فيهم السمن أنه كناية عن رغبتهم في الدنيا وإيثارهم شهواتها على الآخرة وما أعد الله فيها لأوليائه من الشهوات التي لا تنفد والنعيم الذي لا يبيد يأكلون في الدنيا كما تأكل الأنعام ولا يقتدون بمن كان قبلهم من السلف الذين كانت همتهم من الدنيا في أخذ القوت والبلغة وتأخير شهواتهم إلى الآخرة
82 -
( باب النذر في الطاعة )
أي هذا باب في بيان حكم النذر في الطاعة وقال بعضهم يحتمل أن يكون باب بالتنوين ويريد بقوله النذر في الطاعة حصر المبتدأ في الخبر فلا يكون نذر المعصية نذرا شرعيا
قلت لهذا الاحتمال وجه ولكن قوله باب منون لا يقال كذلك لأن المنون هو المعرب والمعرب جزء المركب نحو قولك زيد قائم فإن زيدا وحده لا يكون معربا وكذا قائم وحده وكذا لفظ باب لا يكون معربا إلا بالتقدير الذي قدرناه
وقوله ( 2 ) وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار ( البقرة072 )
ساق هذه الآية غير أبي ذر إلى قوله من أنصار ذكرها ههنا إشارة إلى أن الذي أوقع الثناء على فاعل النذر هو ما نذر في الطاعة لأن النذر في الطاعة واجب الوفاء به عند الجمهور لمن قدر عليه والنذر على أربعة أقسام أحدها طاعة كالصلاة الثاني معصية كالزنا الثالث مكروه كنذر ترك التطوع الرابع مباح كنذر أكل بعض المباحات ولبسه واللازم والطاعة والقربة عملا بحديث الباب ولا يلزم العمل بما عداه عملا ببقية الحديث
6966 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( مالك ) عن ( طلحة بن عبد الملك ) عن ( القاسم ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها عن النبي قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وطلحة بن عبد الملك الأيلي بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف نزيل المدينة ثقة من طبقة ابن جريج والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه أبو داود في النذر عن القعنبي وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة عن مالك به وأخرجه النسائي أيضا عن قتيبة وغيره وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن أبي بكر بن أبي شيبة وقال أبو عمر قال قوم من أهل الحديث إن طلحة تفرد بهذا الحديث عن القاسم قيل ليس كذلك فقد تابعه أيوب ويحيى بن أبي كثير عن ابن حيان ورواه الطحاوي أيضا من حديث عبد الرحمن بن مجبر بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة عن القاسم
قوله أن يطيع الله كلمة مصدرية والإطاعة أعم من أن تكون في واجب أو مستحب قوله فليطعه مجزوم لأنه جواب الشرط قوله فلا يعصه مجزوم أيضا لأنه جواب الشرط ويروى من نذر أن يعصى الله

(23/208)


92 -
( باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانا في الجاهلية ثم أسلم )
أي هذا باب يذكر فيه إذا نذر شخص أو حلف أن لا يكلم إنسانا في الجاهلية وهو ظرف لقوله نذر وهي زمان فترة النبوات يعني قبل بعثه نبينا قاله الكرماني قوله ثم أسلم أي الناذر ولم يبين حكمه وهو جواب إذا فإن نقل أحد عن البخاري أنه ممن يوجب ذلك فجواب إذا يجب ذلك وإلا يكون جوابه يندب ذلك وقد عقد الطحاوي لهذا الباب ترجمة وهي أحسن من هذه الترجمة وأوضح حيث قال باب الرجل ينذر وهو مشرك نذرا ثم يسلم لأن معنى قوله في الجاهلية الذي فسره الكرماني بقوله قبل بعثه النبي يستلزم أن يكون حكم المشرك الذي كان بعد البعثة ونذر نذرا ثم أسلم خلاف حكم الذي نذر في الجاهلية ثم أسلم بعد البعثة مع أن حكمهما سواء
7966 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) أن عمر قال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال أوف بنذرك
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أوف بنذرك لأنه يدل على أن نذر الكافر صحيح فإذا أسلم يلزمه الوفاء به وفيه خلاف بين الفقهاء على ما نذكره إن شاء الله تعالى
وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وعبيد الله بن عمر العمري
والحديث مضى في آخر الاعتكاف فإنه أخرجه هناك عن عبيد الله بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر الخ ورواه الطحاوي من ثلاث طرق ثم قال فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أوجب على نفسه شيئا في حال شركه من اعتكاف أو صدقة أو شيء مما يوجبه المسلمون لله ثم أسلم أن ذلك واجب عليه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
قلت أراد بالقوم هؤلاء طاووسا وقتادة والحسن البصري والشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة الظاهرية وبه قال ابن حزم ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب عليه في ذلك شيء
قلت أراد بالآخرين إبراهيم النخعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا والشافعي في قول وأحمد في رواية واحتجوا في ذلك بحديث عائشة المذكور قبل هذا الباب وبحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله إنما النذر ما ابتغى به وجه الله رواه الطحاوي عن عبد الله بن وهب في ( مسنده ) فدل على أن فعل الكافر لم يكن تقربا إلى الله لأنه حين كان يوجبه يقصد به الذي كان يعبده من دون الله وذلك معصية فدخل في قوله لا نذر في معصية الله وأما حديث عمر رضي الله تعالى عنه فالجواب عنه إنما أمر به أن يفعله الآن على أنه طاعة لله عز و جل وكان خلاف ما أوجبه به في حال نذره الذي هو معصية وقال أبو الحسن القابسي لم يأمره الشارع على جهة الإيجاب وإنما هو على جهة الرأي وقيل أراد أن يعلمهم أن الوفاء بالنذر من آكد الأمور فغلظ أمره بأن أمر عمر بالوفاء قوله قال يا رسول الله كان قوله لرسول الله ذلك بعد ما قسم النبي غنائم حنين بالطائف
وقال الكرماني وفي الحديث أن الصوم ليس شرطا لصحة الاعتكاف وهو حجة على الحنفية انتهى
قلت ذهل الكرماني عن قوله لا اعتكاف إلا بالصوم
03 -
( باب من مات وعليه نذر )
أي هذا باب في بيان من مات والحال أنه عليه نذرا هل يقضى عنه أم لا
وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء فقال صلي عنها
هذا أوضح حكم الترجمة يعني من مات وعليه نذر يقضي عنه وبهذ أخذت الظاهرية وقالوا يجب قضاء النذر عن الميت على ورثته صوما كان أو صلاة وقالت الشافعية تجوز النيابة عن الميت في الصلاة والحج وغيرهما لتضمن أحاديث

(23/209)


الباب بذلك وفي ( التوضيح ) الفعل الذي يتضمن فعل النذر خاصة كالصلاة والصوم فالمشهور من مذاهب الفقهاء أنه لا يفعل وقال محمد بن الحكم يصام عنه وهو القديم للشافعي وصحت به الأحاديث فهو المختار وقاله أحمد وإسحاق وأبو ثور وأهل الظاهر وعند الحنفية لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم عنه ونقل ابن بطال إجماع الفقهاء على أنه لا يصلي أحد عن أحد فرضا ولا سنة لا عن حي ولا عن ميت والجواب عما روي عن ابن عمر أنه صح عنه خلاف ذلك فقال مالك في ( الموطأ ) إنه بلغه أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يقول لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ويحمل قوله في الأثر المذكور صلي عنها إن شئت وقال الكرماني ويروى صلي عليها فأما أن يقام على مقام عن إذ حروف الجر بينها مناوبة وأما أن يقال الضمير راجع إلى قباء انتهى
قلت المناوية بين الحروف ليست على الإطلاق ولم يقل أحد إن على تأتي بمعنى عن مع أن جماعة زعموا أن على لا تكون إلا اسما ونسبوه لسيبويه أقول لم لا يجوز أن يكون معنى صلي عليها أدعي لها فيكون قد أمرها بالدعاء لها لا بالصلاة عنها
وقال ابن عباس نحوه
أي قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما نحو ما قال عبد الله بن عمر ووصل هذا المعلق ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال مرة عن ابن عباس قال إذا مات وعليه نذر قضي عنه وليه وروي عنه خلاف ذلك رواه النسائي من طريق أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد وجمع بعضهم بين الروايتين بأن الإثبات في حق من مات والنفي في حق الحي
قلت النقل عنه في هذا مضطرب فلا يقوم به حجة لأحد
8966 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عباس ) أخبره أن ( سعد بن عبادة الأنصاري استفتى ) الله النبي في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه فأفتاه أن يقضيه عنها فكانت سنة بعد ( انظر الحديث 1672 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويوضح حكمها أيضا وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة الحمصي والزهري محمد ابن مسلم وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود
والحديث مضى في كتاب الوصايا في باب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه وقضاء النذر عن الميت فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله الحديث
قوله كان على أمه اختلفوا في النذر الذي كان عليها فقيل كان صياما وقيل عتقا وقيل كان صدقة وقيل كان نذرا مطلقا لا ذكر فيه لشيء من هذه الأشياء والحكم في النذر المبهم كفارة يمين روي هذا عن ابن عباس وعائشة وجابر رضي الله تعالى عنهم وقال ابن بطال وهو قول جمهور الفقهاء وروي عن سعيد بن جبير وقتادة أن النذر المبهم أغلظ الأيمان وله أغلظ الكفارات عتق أو كسوة أو إطعام قال والصحيح قول من جعل فيه كفارة يمين لما رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسماعيل بن رافع عن خالد بن يزيد عن عقبة ابن عامر قال قال النبي من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين قوله فأفتاه أي فأفتى النبي أن يقضيه عنها أي عن أمه وذلك بحسب ما وقع نذرها قوله فكانت سنة بعد قال الكرماني أي صار قضاء الوارث ما على الموروث طريقة شرعية وتبعه بعضهم على هذا التفسير
قلت هذا وإن كان حاصل المعنى ولكن معنى التركيب ليس كذلك وإنما معناه فكانت فتوى النبي سنة يعمل بها بعد إفتاء النبي بذلك والضمير في كانت يرجع إلى الفتوى يدل عليها قوله فافتاه وهو من قبيل قوله ياأيهآ الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهدآء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( المائدة8 ) أي فإن العدل يدل عليه قوله إعدلوا
9966 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي بشر ) قال سمعت ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس )

(23/210)


رضي الله عنهما قال ( أتى رجل ) النبي فقال له إن أختي قد نذرت أن تحج وإنها ماتت فقال النبي لو كان عليها دين أكنت قاضيه قال نعم قال فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء ( انظر الحديث 2581 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر ابن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري البصري ويقال الواسطي
قوله أتى رجل قد تقدم في أواخر كتاب الحج في باب الحج عن الميت أن امرأة قالت إن أمي نذرت إلى آخره ولا منافاة لاحتمال وقوع الأمرين جميعا وقد مضى الكلام في الحج عن الغير بتفاصيله قوله لو كان عليها دين تمثيل منه وتعليم لأمته القياس والاستدلال قوله فهو أحق بالقضاء أي فدين الله أحق بالأداء قيل إذا اجتمع حق الله وحق العباد يقدم حق العباد فما معنى فهو أحق أجيب بأن معناه إذا كنت تراعي حق الناس فلأن تراعي حق الله كان أولى ولا دخل فيه للتقديم والتأخير إذ ليس معناه أحق بالتقديم
13 -
( باب النذر فيما لا يملك وفي معصية )
أي هذا باب في بيان النذر فيما لا يملكه الناذر قوله وفي معصية أي وفي بيان حكم النذر في معصية مثل من نذر أن ينحر ابنه ونحو ذلك وفي بعض النسخ ولا في معصية
00 - 7 - 6 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( مالك ) عن ( طلحة بن عبد الملك ) عن ( القاسم ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت قال النبي من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ( انظر الحديث 6966 )
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة ولا مدخل له في النذر فيما لا يملك وقال ابن بطال لا مدخل لأحاديث الباب كلها في النذر فيما لا يملك وإنما تدخل في نذر المعصية وقال الكرماني ما ملخصه إن ما لا يملك مثل النذر بإعتاق عبد فلان واتفقوا على جواز النذر في الذمة بما لا يملك كإعتاق عبد ولم يملك شيئا انتهى وقال غيره تلقى البخاري عدم لزوم النذر فيما لا يملكه من عدم لزومه في المعصية لأن نذره ملك غيره تصرف في ملك الغير وهو معصية انتهى
قلت كل منهما لم يذكر شيئا فيه كفاية للمقصود غاية في الباب تكلفا في باب وجه المطابقة بين الترجمة والحديث الأول ولم يجيبا عما قاله ابن بطال لا مدخل لأحاديث الباب كلها في النذر فيما لا يملكه وهو ظاهر لا يخفى على المتأمل وشيخ البخاري في الحديث المذكور هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد البصري والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
والحديث مر عن قريب جدا في باب النذر في الطاعة ومضى الكلام فيه
1076 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن حميد عن ثابت عن أنس عن النبي قال إن الله لغني عن تعذيب هاذا نفسه ورآه يمشي بين ابنيه ( انظر الحديث 5681 )
هذا يمكن أن يدخل في الجزء الثاني للترجمة وأما الجزء الأول فلا دخل له فيه أصلا و ( يحيى ) هو القطان و ( حميد ) هو ابن أبي حميد الطويل أبو عبيدة البصري عن ( ثابت ) بالثاء المثلثة في أوله ابن أسلم البناني أبو محمد البصري
والحديث مضى في الحج عن محمد بن سلام وأوله رأى شيخا يهادي بين ابنيه وهنا ذكره مختصرا ومضى الكلام فيه
وقال الفزاري عن حميد حدثني ثابت عن ( أنس )
الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء هو مروان بن معاوية الكوفي وأشار بهذا إلى أن حميدا صرح بالتحديث هنا عن ثابت ووصله في الحج عن محمد بن سلام عن الفزاري
2076 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( سليمان الأحول ) عن ( طاووس ) عن ( ابن عباس )

(23/211)


أن النبي رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه
الكلام فيه مثل الحديث الذي قبله وأبو عصام قد مر الآن وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج
والحديث مضى في الحج عن أبي عاصم أيضا وعن إبراهيم بن موسى
رأى رجلا اسمه تراب قاله الكرماني قوله أو غيره شك من الراوي أي أو غير الزمام وهو الخطام
3076 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) قال أخبرني ( سليمان الأحول ) أن ( طاووسا ) أخبره عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما أن النبي مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه فقطعها النبي بيده ثم أمره أن يقوده بيده
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور أخرجه عن إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء الرازي عن هشام بن يوسف عن عبد الملك بن جريج عن سليمان بن أبي موسى الأحول عن طاووس عن ابن عباس وهذا الطريق أنزل من الطريق المذكور
قوله وهو يطوف الواو فيه للحال قوله يقود جملة وقعت صفة لقوله بإنسان قوله بخزامة بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وهي حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشد بها الزمام ليسهل القياد إذا كان صعبا
4076 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) قال ( بينا ) النبي يخطب إذا برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي مره فليتكلم وليستظل وليقعدو ليتم صومه
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة لأن نذر الرجل بترك القعود وترك الاستظلال وترك التكلم ليست بطاعة فإذا كان نذره في غير طاعة يكون معصية لأن المعصية خلاف الطاعة
وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري الذي يقال له التبوذكي ووهيب مصغر وهب بن خالد وأيوب هو السختياني
والحديث أخرجه أبو داود في الأيمان عن موسى المذكور وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن الحسين بن محمد الواسطي
قوله يخطب زاد الخطيب في ( المبهمات ) من وجه آخر يوم الجمعة قوله إذا برجل جواب قوله بينا النبي وفي رواية أبي يعلى إذ التفت فإذا هو برجل قوله قائم صفة رجل وفي رواية أبي داود قائم في الشمس وفي رواية قائم يصلي قوله فسأل عنه أي فسأل النبي عن الرجل قوله فقالوا أبو إسرائيل وفي رواية أبي داود هو أبو إسرائيل وزاد الخطيب رجل من قريش وقال الكرماني رجل من الأنصار وقال بعضهم ترجم له ابن الأثير تبعا لغيره فقال إسرائيل الأنصاري فاغتر بذلك الكرماني فجزم بأنه من الأنصار والأول أولى انتهى
قلت يقال لهذا القائل إن كان الكرماني اغتر بكلام ابن الأثير فأنت اغتررت بكلام الخطيب وأولوية الأول من أين مع أن أبا عمر بن عبد البر قال في ( الاستيعاب ) في باب الكنى أبو إسرائيل رجل من الأنصار من أصحاب النبي ثم ذكر حديثه المذكور ثم قال اسمه يسير بضم الياء آخر الحروف وبالسين المهملة وقيل قشير بضم القاف وفتح الشين المعجمة وقيل قصير باسم ملك الروم ولا يشاركه أحد في كنيته من الصحابة قوله مره أمر من أمر أي مر أبا إسرائيل وفي رواية أبي داود مروه بصيغة الجمع قوله وليتم صومه لأن الصوم قربة بخلاف أخواته
وفي حديثه دليل على أن السكوت عن المباح أو عن ذكر الله ليس بطاعة وكذلك الجلوس في الشمس وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما لا طاعة فيه ولا قربة بنص كتاب أو سنة كالجفاء وغيره وإنما

(23/212)


الطاعة ما أمر الله به ورسوله
قال عبد الوهاب حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي
أشار بتعليقه عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني عن عكرمة مولى ابن عباس إلى أنه روى أيضا مرسلا لأن عكرمة من التابعين واختلفوا في مثل هذا فقال الأكثرون إن الموصول أرجح لزيادة العلم من واصله
23 -
( باب من نذر أن يصوم أياما فوافق النحر أو الفطر )
أي هذا باب في بيان حكم من نذر أن يصوم أياما بعينها فاتفق أنه وافق يوما منها يوم الفطر أو يوم النحر هل يجوز له أن يصوم ذلك اليوم أو لا أم كيف حكمه ولم يبين الحكم على عادته في غالب الأبواب إما اكتفاء بما يوضح ذلك من حديث الباب أو اعتمادا عن المستنبط مما قاله الفقهاء في ذلك الباب والحكم هنا أن إنشاء الصوم في يوم الفطر أو في يوم النحر لا يجوز إجماعا ولو نذر صومهما لا ينعقد عندالشافعية وهو المشهور من مذهب مالك وعند أبي حنيفة ينعقد ولكن لا يصوم ويجب عليه قضاؤه وعند الحنابلة روايتان في وجوب القضاء وقد مضى الكلام فيه مستقصى في أواخر كتاب الصوم
79 - ( حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة حدثنا حكيم بن أبي حرة الأسلمي أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سئل عن رجل نذر أن لا يأتي عليه يوم إلا صام فوافق يوم أضحى أو فطر فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لم يكن يصوم يوم الأضحى والفطر ولا نرى صيامهما )
مطابقته للترجمة ظاهرة وفيه إيضاح حكم الترجمة ومحمد بن أبي بكر المقدمي على صيغة اسم المفعول من التقديم وحكيم بفتح الحاء المهملة وبالكاف ابن أبي حرة بضم الحاء المهملة وتشديد الراء الأسلمي المدني وأبو حرة لا يدرى اسمه وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وقد أورده متابعا لزياد بن جبير عن ابن عمر في الحديث الآتي قوله سئل عن رجل جملة وقعت حالا عن عبد الله بن عمر وسئل على صيغة المجهول لم يسم السائل فيحتمل أن يكون رجلا أو امرأة قال بعضهم بعد أن أورد من طريق ابن حبان عن كريمة بنت سيرين أنها سألت ابن عمر فقالت جعلت على نفسي أن أصوم كل أربعاء واليوم يوم الأربعاء وهو يوم النحر فقال أمر الله بوفاء النذر ونهى رسول الله عن صوم يوم النحر ورواته ثقات يفسر بها المبهم في رواية حكيم بخلاف رواية زياد بن جبير حيث قال فسأله رجل انتهى قلت فيه نظر لأن أبا نعيم أخرج الحديث المذكور من طريق محمد بن أبي بكر شيخ البخاري وأخرجه الإسماعيلي أيضا من وجه آخر عن محمد بن أبي بكر ولفظه أنه سمع رجلا يسأل عبد الله بن عمر عن رجل نذر فذكر الحديث وهذا أقرب وأولى لتفسير المبهم المذكور من تفسيره بما في حديث أجنبي عن هذا مع أنه لا منافاة أن يكونا قضيتين وفي واحدة منهما السائل رجل وفي الأخرى امرأة قوله لم يكن أي رسول الله قوله ولا يرى قال الكرماني ولا نرى بلفظ المتكلم فيكون من جملة مقول عبد الله بن عمر ويروى بلفظ الغائب وفاعله عبد الله وقائله حكيم بن أبي حرة وقال بعضهم وقع في رواية يوسف بن يعقوب القاضي بلفظ لم يكن رسول الله يصوم يوم الأضحى ولا يوم الفطر ولا يأمر بصيامهما انتهى قلت قصده أن يخدش في كلام الكرماني في نقله الوجهين في قوله ولا يرى ولا يضره ذلك لأن كون الفاعل في هذا هو رسول الله لا ينافي كون الفاعل في ذلك هو عبد الله في الوجهين والقائل هو حكيم بن أبي حرة في الوجه الثاني

(23/213)


بناء على تعدد القضية -
6076 - حدثنا ( عبد الله بن سلمة ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) عن ( يونس ) عن ( زياد بن جبير ) قال ( كنت مع ابن عمر ) فسأله رجل فقال نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء أو أربعاء ما عشت فوافقت هذا اليوم يوم النحر فقال أمر الله بوفاء النذر ونهينا أن نصوم يوم النحر فأعاد عليه فقال مثله لا يزيد عليه ( انظر الحديث 4991 وطرفه )
هذا وجه آخر في حديث ابن عمر ويونس هوابن عبيد مصغرا أو زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة مصغر جبر
والحديث مضى في أواخر كتاب الصوم في باب الصوم في يوم النحر
قوله ثلاثاء أو أربعاء شك من الراوي وهما لا ينصرفان لأجل ألف التأنيث الممدودة كألف حمراء وسمراء ونحوهما ويجمعان على ثلاثاوات والأربعاوات بكسر الباء وحكي عن بعض بني أسد فتحها قوله أمر الله حيث قال وليوفوا نذورهم ( الحج92 ) قوله ونهينا على صيغة المجهول والعرف شاهد بأن رسول الله هو الناهي قوله فأعاد إليه أي أعاد الرجل كلامه على ابن عمر قوله فقال مثله أي فقال ابن عمر مثل ما قال في الأول لا يزيد عليه أي لا يقطع بلا أو نعم وهذا من غاية ورعه حيث توقف في الجزم بأحدهما لتعارض الدليلين عنده وفي ( التوضيح ) جواب ابن عمر جواب من أشكل عنده الحكم فتوقف نعم جوابه أن لا يصام وهو مذهب الأئمة الأربعة انتهى
قلت وفي سياق الرواية إشعار بأن الراجح عنده المنع على ما لا يخفى
33 -
( باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزروع والأمتعة )
أي هذا باب يذكر فيه هل يدخل في الأيمان إلى آخره يعني هل يصح اليمين والنذر على الأعيان فصورة اليمين نحو قوله والذي نفسي بيده إن هذه الشملة لتشتعل عليه نارا وصورة النذر مثل أن يقول هذه الأرض لله نذرا ونحوه وقال المهلب أراد البخاري بهذا أن يبين أن المال يقع على كل متملك ألا ترى قول عمر رضي الله تعالى عنه أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه وقول أبي طلحة أحب الأموال إلي بيرحاء وهم القدوة في الفصاحة ومعرفة لسان العرب وقال صاحب ( التوضيح ) أراد البخاري بهذا الرد على أبي حنيفة فإنه يقول إن من حلف أو نذر أن يتصدق بماله كله فإنه لا يقع يمينه ونذره من الأموال إلا على ما فيه الزكاة خاصة انتهى
قلت قد كثر اختلافهم في تفسير المال حيث قال ابن عبد البر وآخرون إن المال في لغة دوس قبيلة أبي هريرة غير العين كالعروض والثياب وعند جماعة المال هو العين كالذهب والفضة خاصة وحكى المطرزي أن المال هو الصامت كالذهب والفضة والناطق وحكى القالي عن ثعلب أنه قال المال عند العرب أقله ما تجب فيه الزكاة وما نقص عن ذلك فلا يقال له مال وقال ابن سيده في ( العريض ) العرب لا توقع اسم المال مطلقا إلا على الإبل لشرفها عندهم وكثرة غنائها قال وربما أوقعوه على أنواع المواشي كلها ومنهم من أوقعه على جميع ما يملكه الإنسان لقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء5 ) فلم يخص شيئا دون شيء وهو اختيار كثير من المتأخرين فلما رأى البخاري هذا الاختلاف أشار إلى أن المال يقع على كل متملك كما حكى عنه المهلب كما ذكرناه الآن فتبين من ذلك أنه اختار هذا القول فلا حاجة إلى قول صاحب ( التوضيح ) إنه أراد به الرد على أبي حنيفة لأنه اختار قولا من الأقوال فكذلك اختار أبو حنيفة قولا من الأقوال فلا اختصاص بذكر الرد عليه خاصة ولكن عرق العصبية الباطلة نزعه إلى ذلك
وقال ابن عمر قال عمر للنبي أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها
ذكر هذا إشارة إلى أن الأرض يطلق عليها المال وهذا تعليق ذكره البخاري في كتاب الوصايا موصولا قوله حبست

(23/214)


أي وقفت وقد مر الكلام فيه هناك
وقال أبو طلحة للنبي أحب أموالي إلي بيرحاء لحائط له مستقبلة المسجد
ذكر هذا التعليق أيضا عن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري إشارة إلى أن الحائط الذي هو البستان من النخل يطلق عليه المال وقد تقدم هذا موصولا في باب الزكاة على الأقارب قوله إلي بتشديد الياء قوله بيرحاء قد مر ضبطه هناك قوله لحائط اللام فيه للتبيين كما في نحو هيت لك أي هذا الاسم لحائط قوله مستقبلة المسجد أي مقابله وتأنيثه باعتبار البقعة
7076 - حدثنا ( إسماعيل ) قال ( حدثنيمالك ) عن ( ثور بن زيد الديلي ) عن ( أبي الغيث ) مولى ( ابن مطيع ) عن ( أبي هريرة ) قال ( خرجنا مع ) رسول الله يوم خيبر فلع نغنم ذهبا ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع فأهدى رجل من بني الضبيب يقال له رفاعة بن زيد لرسول الله غلاما يقال له مدعم فوجه رسول الله إلى وادي القرى حتى إذا كان بوادي القرى بينما مدعم يحط رحلا لرسول الله إذا سهم عائز فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فلما سمع ذالك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي فقال شراك من نار أو شراكان من نار
( انظر الحديث 4324 )
أشار بهذا الحديث إلى أن المال لا يطلق إلا على الثياب والأمتعة ونحوهما لأن الاستثناء في قوله إلا الأموال منقطع يعني لكن الأموال هي الثياب والمتاع قيل هذا على لغة دوس قبيلة أبي هريرة كما ذكرناه عن قريب وقد اختلفت الروايات في هذا الحديث عن مالك فروى ابن القاسم مثل رواية البخاري وروى يحيى بن يحيى وجماعة عن مالك الأموال والثياب من المتاع بواو العطف
وإسماعيل شيخ البخاري هو ابن أويس وثور بفتح الثاء المثلثة ابن زيد الديلي بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف نسبة إلى ديل بن هداد بن زيد قبيلة من الأزد في تغلب وفي ضبة وأبو الغيث بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة واسمه سالم مولى ابن مطيع
والحديث مضى في المغازي في غزوة خيبر فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن مالك بن أنس عن ثور بن زيد عن سالم إلى آخره قوله من بني ضبيب بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبباء أخرى وقال ابن الرشاطي في جذام الضبيب قوله رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء وبالعين المهملة ابن زيد بن وهب قدم على النبي في هدنة الحديبية في جماعة من قوم فأسلموا وعقد له رسول الله على قومه قوله مدعم بكسر الميم وسكون الدال المهملة وفتح العين المهملة وكان أسود قوله فوجه على صيغة المجهول قوله وادي القرى جمع القرية موضع بقرب المدينة قوله عاير بالعين المهملة وبعد ألف ياء آخر الحروف وبالراء لا يدري من رمى به كذا ضبطه بعضهم وقال الكرماني العائر بالعين المهلمة والهمزة بعد الألف وبالراء الجائر عن قصده قوله أن الشملة هي الكساء قوله لم تصبها المقاسم أي أخذها قبل قسمة الغنائم وكان غلولا قوله بشراك بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء وهو سير النعل الذي يكون على وجهه
بسم الله الرحمن الرحيم
48 -
( كتاب كفارات الأيمان )
أي هذا كتاب في بيان حكم كفارات الأيمان هكذا في رواية أبي ذر عن المستملي وفي رواية غيره باب كفارات الأيمان

(23/215)


والكفارات جمع كفارة على وزن فعالة بالتشديد من الكفر وهو التغطية ومنه قيل للزراع كافر لأنه يغطي البذر وكذلك الكفارة لأنها تكفر الذنب أي تستره ومنه تكفر الرجل بالسلاح إذا تستر به وفي الاصطلاح الكفارة ما يكفر به من صدقة ونحوها
1 -
( باب وقول الله تعالى ( 5 ) فكفارته إطعام عشرة مساكين ( المائدة98 )
وقول الله بالجر عطف على كفارات الأيمان وأوله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين ( المائدة98 ) الآية أي فكفارة ما عقدتم الأيمان إطعام عشر مساكين
واختلفوا في مقدار الإطعام فقالت طائفة يجزيه لكل إنسان مد من طعام بمد الشارع روي ذلك عن ابن عباس وابن عمرو زيد بن ثابت وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم وهو قول عطاء والقاسم وسالم والفقهاء السبعة وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وقالت طائفة يطعم لكل مسكين نصف صاع من حنطة وإن أعطى تمرا أو شعيرا فصاعا صاعا روي هذا عن عمر ابن الخطاب وعلي وزيد بن ثابت في رواية رضي الله تعالى عنهم وهو قول النخعي والشعبي والثوري وأبي حنيفة وسائر الكوفيين
وما أمر النبي حين نزلت ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( البقرة691 )
كلمة ما موصولة أي والذي أمر النبي حين نزل قوله عز و جل ففدية من صيام أو صدقة أو نسك يشير بها إلى حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه الذي يأتي في هذا الباب وإنما ذكر البخاري حديث كعب بن عجرة في هذا الباب من أجل التخيير في كفارة الأذى كما هي في كفارة اليمين بالله وما كان في القرآن كلمة أو نحو قوله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ( المائدة98 ) فصاحبه بالخيار يعني هو الواجب المخير على ما يأتي الآن ويقال معنى قوله وما أمر الله الكفارة المخيرة
ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ما كان في القرآن أو أو فصاحبه بالخيار وقد خير النبي كعبا في الفدية
إنما ذكر هذا عن ابن عباس بصيغة التمريض لأنه رواه سفيان الثوري في ( تفسيره ) عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس قال كل شيء في القرآن أو أو نحو قوله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( البقرة691 ) فهو فيه مخير وما كان فمن لم يجد ( البقرة691 ) فهو على الولاء أي الترتيب وأما أثر عطاء بن أبي رباح فوصله الطبري من طريق ابن جريج قال قال عطاء ما كان في القرآن أو أو فلصاحبه أن يختار أيها شاء وأما أثر عكرمة فوصله الطبري أيضا من طريق داود بن أبي هند عنه قال كل شيء في القرآن أو أو فليتخير فإذا كان فمن لم يجد فالأول فالأول قوله كعبا أي كعب بن عجرة على ما يأتي الآن
8076 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( أبو شهاب ) عن ( ابن عون ) عن ( مجاهد ) عن ( عبد الرحمان ابن أبي ليلى ) عن ( كعب بن عجرة ) قال أتيته يعني النبي فقال ادن فدنوت فقال أيؤذيك هوامك قلت نعم قال ( 2 ) فدية من صيام أو صدقة أو نسك ( البقرة691 )
وأخبرني ابن عون عن أيوب قال صيام ثلاثة أيام والنسك شاة والمساكين ستة
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه التخيير كما في كفارة الأيمان
وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس نسب إلى جده وأبو شهاب هو الأصغر واسمه عبد ربه بن نافع الخياط صاحب المدائني وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري
والحديث مضى في الحج بشرحه
قوله أتيته وفي رواية أبي نعيم فأتيت النبي قوله هوامك جمع هامة

(23/216)


وكان يتناثر القمل من رأسه
قوله وأخبرني عطف على مقدر أي قال أبو شهاب أخبرني فلان كذا وأخبرني ابن عون عن أيوب السختياني أن المراد بالصيام ثلاثة أيام وبالنسك شاة وبالصدقة إطعام ستة مساكين
2 -
( باب قول الله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم ( التحريم2 ) متى تجب الكفارة على الغني والفقير )
أي هذا باب في ذكر قول الله عز و جل قد فرض الله لكم الآية وفي بعض النسخ باب متى تجب الكفارة على الغني والفقير وقول الله عز و جل قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم إلى قوله العليم الحكيم كذا في رواية أبي ذر ولغيره باب قول الله وساقوا الآية وبعدها متى تجب الكفارة على الغني والفقير كما في نسختنا وقد سقط ذكر الآية عند البعض وقال الكرماني المناسب أن يذكر هذه الآية في أول الباب الذي قبله
قلت الأنسب أن يذكر في التفسير في سورة التحريم قوله قد فرض الله أي قد بين الله لكم تحلة أيمانكم أي تحليلها بالكفارة
9076 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) قال ( سمعته من فيه ) عن ( حميد بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) قال جاء رجل إلى النبي فقال هلكت قال وما شأنك قال وقعت على امرأتي في رمضان قال تستطيع أن تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا قال اجلس فجلس فأتي النبي بعرق فيه تمر والعرق المكتل الضخم قال خذ هاذا فتصدق به قال أعلى أفقر مني فضحك النبي حتى بدت نواجذه قال أطعمه عيالك
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة والزهري محمد بن مسلم وحميد بضم الحاء ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري
والحديث أخرجه الجماعة وأخرجه البخاري في مواضع في الصوم عن أبي اليمان وفي الهبة والنذور عن محمد بن محبوب وفي الأدب عن موسى بن إسماعيل وعن القعنبي وعن محمد بن مقاتل وفي النفقات عن أحمد بن يونس وفي المحاربين عن قتيبة ومضى الكلام فيه في الصوم
قوله سمعته من فيه أي قال سفيان سمعته من فم الزهري وغرضه أنه ليس معنعنا موهما للتدليس قوله جاء رجل قيل اسمه سلمة بن صخر البياضي قوله هلكت يريد بما وقع فيه من الإثم وقد يقال إنه واقع متعمدا وفي الناسي خلاف فمذهب مالك أنه لا كفارة عليه خلافا لابن الماجشون قوله وما شأنك أي وما حالك وما جرى عليك قوله تستطيع أن تعتق رقبة احتج به أبو حنيفة والشافعي على أن كفارة الوقاع مرتبة وهو أحد قولي ابن حبيب وعن مالك في ( المدونة ) لا أعرف غير الإطعام وقال الحسن البصري عليه عتق رقبة أو هدي بدنة أو عشرون صاعا لأربعين مسكينا قوله فأتى على صيغة المجهول بعرق بفتح العين المهملة والراء القفة المنسوجة من الخوص قوله المكتل بكسر الميم الزنبيل الذي يسع خمسة عشر صاعا وأكثر قوله أعلى أفقر مني ويروى منا والهمزة في أعلى للاستفهام قوله حتى بدت أي ظهرت نواجذه بالذال المعجمة آخر الأسنان وأولها الثنايا ثم الرباعيات ثم الأنياب ثم الضواحك ثم الأرحاء ثم النواجذ وقال الأصمعي النواجذ الأضراس وهو ظاهر الحديث وقال غيره هي الضواحك وقال ابن فارس الناجذ السن بين الأنياب والضرس وقيل الأضراس كلها النواجذ وقيل سبب ضحكه وجوب الكفارة على هذا المجامع وأخذه ذلك صدقة وهو غير آثم قيل هذا مخصوص به وقيل منسوخ
3 -
( باب من أعان المعسر في الكفارة )
أي هذا باب في بيان من أعان المعسر العاجز في الكفارة الواجبة عليه

(23/217)


176 - حدثنا ( محمد بن محبوب ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( حميد بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال ( جاء رجل إلى ) رسول الله فقال هلكت فقال وما ذاك قال وقعت بأهلي في رمضان قال تجد رقبة قال لا قال هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا قال فجاء رجل من الأنصار بعرق والعرق المكتل فيه تمر فقال إذهب بهذا فتصدق به قال على أحوج منا يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا ثم قال اذهب فأطعمه أهلك
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة ترجم له بالترجمة المذكورة
وأخرجه عن محمد بن محبوب البصري عن عبد الواحد بن زياد العبدي عن معمر بفتح الميمين ابن راشد عن الزهري إلى آخره
قوله ما بين لابتيها تثنية لابة بتخفيف الباء الموحدة وهي الحرة يعني بين طرفي المدينة والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أرض ذات حجارة سود
4 -
( باب يعطي في الكفارة عشرة مساكين قريبا كان أو بعيدا )
أي هذا باب مترجم بقوله يعطي في الكفارة أي في كفارة اليمين عشرة مساكين كما في نص القرآن قوله قريبا أي سواء كانت المساكين قريبة أو بعيدة وإنما قال قريبا أو بعيدا بالتذكير إما باعتبار لفظ مساكين فلذلك قال كان ولم يقل كانت ولا كانوا وإما باعتبار أن فعيلا يستوي فيه التذكير والتأنيث كما في قوله تعالى إن رحمة الله قريب من المحسنين ( الأعراف65 ) قيل لا وجه لذكر العشرة هنا لأنها في كفارة اليمين وحديث الباب في كفارة الوقاع فلا يطابق الحديث الترجمة وأجاب المهلب بما حاصله أن حكم العشرة مساكين في كفارة اليمين مبهمة من حيث لم يذكر فيه قريب ولا بعيد وجاء في كفارة الوقاع في حديث الباب أطعمه أهلك وهو مفسر والمفسر يقضي على المجمل وقاس كفارة اليمين على كفارة الجماع في إجازة الصرف على الأقرباء لأنه إذا جاز إعطاء الأقرباء فالبعداء أجوز انتهى
قلت هذا إنما يمشي إذا حمل قوله أطعمه أهلك على وجه الكفارة لا على وجه الصدقة لأنه لا يجوز أن يعطي الكفارة أحدا من أهله إذا كان ممن يلزمه نفقته وأما إذا كان ممن لا يلزمه نفقته فيجوز وقال الكرماني وقيل لعل أهله كانوا عشرة وليس بشيء
1176 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( حميد ) عن ( أبي هريرة ) قال ( جاء رجل إلى ) النبي فقال هلكت قال وما شأنك قال وقعت على امرأتي في رمضان قال هل تجد ما تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا أجد فأتي النبي بعرق فيه تمر فقال خذ هاذا فتصدق به فقال أعلى أفقر منا ما بين لابتيها أفقر منا ثم قال خذه فأطعمه أهلك
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة السابق أخرجه عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وقد مر الكلام فيه
5 -
( باب صاع المدينة ومد النبي وبركته وما توارث أهل المدينة من ذالك قرنا بعد قرن )
أي هذا باب في بيان صاع مدينة النبي وأشار بذلك إلى وجوب الإخراج في الواجبات بصاع أهل المدينة لأن التشريع وقع أولا على ذلك حتى زيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه على ما يجيء قوله ومد

(23/218)


النبي أي وفي بيان مد النبي قوله وبركته قال الكرماني أي بركة المد أو بركة كل منهما
قلت الأحسن أن يقال وبركة النبي لأنه دعا حيث قال اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم ويجيء عن قريب في حديث أنس رضي الله تعالى عنه قوله وما توارث أهل المدينة أي وفي بيان ما توارث أهل المدينة قرنا أي جيلا بعد جيل على ذلك ولم يتغير إلى زمنه ألا ترى أن أبا يوسف لما اجتمع مع مالك في المدينة فوقعت بينهما المناظرة في قدر الصاع فزعم أبو يوسف أنه ثمانية أرطال وقام مالك ودخل بيته وأخرج صاعا وقال هذا صاع النبي قال أبو يوسف فوجدته خمسة أرطال وثلثا فرجع أبو يوسف إلى قول مالك وخالف صاحبيه في هذا وجهل مناسبة ذكر هذا الباب بكتاب الكفارات هو أن في كفارة اليمين إطعام عشرة أمداد لعشرة مساكين وكفارة الوقاع إطعام ستين مسكينا ستين مدا به وفي كفارة الحلف إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين
2176 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( القاسم بن مالك المزني ) حدثنا ( الجعيد بن عبد الرحمان ) عن ( السائب بن يزيد ) قال كان ( الصاع على عهد ) النبي مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز ( انظر الحديث 9581 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة والقاسم بن مالك المزني بضم الميم وفتح الزاي وبالنون والجعيد بضم الجيم وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة ويقال بالتكبير ابن أوس الكندي المدني والسائب بالسين المهملة والهمزة بعد الألف وبالباء الموحدة ابن يزيد من الزيادة الكندي ويقال الليثي ويقال الأزدي المدني سمع النبي في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين ويقال ابن عشر سنين مات سنة إحدى وتسعين
والحديث مضى في الحج ويأتي في الاعتصام وأخرجه النسائي في الزكاة عن عمرو بن زرارة
قوله بمدكم اليوم يعني حين حدثهم السائب كان مدهم أربعة أرطال فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل وثلث يكون خمسة أرطال وثلثا وهو الصاع البغدادي بدليل أن مده رطل وثلث وصاعه أربعة أمداد وقال ابن بطال أما ما زيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فلا نعلمه وإنما الحديث يدل على أن مدهم ثلاثة أمداد بمده ومضى الكلام في الطهارة في باب الوضوء بالمد والاختلاف في المد والصاع
3176 - حدثنا ( منذر بن الوليد الجارودي ) حدثنا ( أبو قتيبة ) وهو ( سلم ) حدثنا ( مالك ) عن ( نافع ) قال كان ابن عمر يعطي زكاة رمضان بمد النبي المد الأول وفي كفارة اليمين بمد النبي
قال أبو قتيبة قال لنا مالك مدنا أعظم من مدكم ولا نرى الفضل إلا في مد النبي وقال لي مالك لو جاءكم أمير فضرب مدا أصغر من مد النبي بأي شيء كنتم تعطون
قلت كنا نعطي بمد النبي قال أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي
مطابقته للترجمة ظاهرة ومنذر بصيغة اسم الفاعل من الإنذار ابن الوليد الجارودي بالجيم قال الرشاطي الجارودي في عبد القيس نسب إلى الجارود وهو بشر بن عمرو من الجرد وأبو قتيبة بضم القاف مصغر قتيبة الرحل واسمه سلم بفتح السين المهملة وسكون اللام ابن قتيبة الشعيري بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة الخراساني سكن البصرة مات بعد المائتين أدركه البخاري بالسن ومات قبل أن يلقاه وهو غير سلم بن قتيبة الباهلي ولد أمير خراسان قتيبة بن مسلم وقد ولي هو إمرة البصرة وهو أكبر من الشعيري ومات قبله بأكثر من خمسين سنة
والحديث من أفراده وهو حديث غريب

(23/219)


ما رواه عن مالك إلا أبو قتيبة ولا عنه إلا المنذر
قوله يعطي زكاة رمضان أراد بها صدقة الفطر قوله المد الأول صفة لازمة له وأراد نافع بذلك أنه كان لا يعطي بالمد الذي أحدثه هشام بن الحارث وقال الكرماني المد الأول هو مد النبي وأما الثاني فهو المزيد فيه العمري قوله في كفارة اليمين أي يعطي في كفارة اليمين قوله وقال لي ذلك أي قال أبو قتيبة قال لي مالك بن أنس وهو موصول بالسند الأول قوله لو جاءكم أمير إلى آخره أرادبه مالك إلزام خصمه بأنه لا مرجع إلا إلى مد النبي
4176 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس بن مالك ) أن رسول الله قال اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم ( انظر الحديث 0312 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في البيوع عن القعنبي
وأخرجه مسلم والنسائي كلاهما في المناسك عن قتيبة
قوله لهم أي لأهل المدينة قوله في مكيالهم بكسر الميم وهو ما يكال به قيل يحتمل أن تختص هذه الدعوة بالمد الذي كان حينئذ حتى لا يدخل المد الحادث بعده ويحتمل أن تعم كل مكيال لأهل المدينة إلى الأبد والظاهر هو الثاني ولكن كلام مالك الذي سبق الآن يؤيد الأول وعليه العمدة
6 -
( باب قول الله تعالى أو تحرير رقبة ( المائدة98 ) وأي الرقاب أزكى )
أي هذا باب في ذكر قول الله تعالى أو تحرير رقبة ذكر هذا الجزء من الآية واقتصر عليه اعتمادا على المستنبط فإن تحرير الرقبة على نوعين أحدهما في كفارة اليمين وهي مطلقة فيها والآخر في كفارة القتل وهي مقيدة بالإيمان ومن هنا اختلف الفقهاء فذهب الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق إلى أن المطلق يحمل على المقيد وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وابن المنذر إلى جواز تحرير الكافرة وبقية الكلام في هذا الباب في كتب الأصول والفروع قوله وأي الرقاب أزكى أي أفضل والأفضل فيها أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها وقد مر في أوائل العتق عن أبي ذر رضي الله عنه وفيه فقلت فأي الرقاب أفضل قال أغلاها ثمنا وفيه إشارة إلى أن البخاري جنح إلى قول الحنفية لأن أفعل التفضيل يستدعى الاشتراك في أصل التفضيل فإن قلت لم لا يجوز أن يكون مراده من قوله أزكى الإسلام وبه أشار الكرماني حيث قال قوله مسلمة إشارة إلى بيان أزكى الرقاب فلا تجوز الرقبة الكافرة
قلت حديث أبي ذر يحكم عليه لأنه مطلق وقد فسر الأفضلية بغلاء الثمن والنفاسة عند أهلها
5176 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) حدثنا ( داود بن رشيد ) حدثنا ( الوليد بن مسلم ) عن ( أبي غسان محمد بن مطرف ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( علي بن حسين ) عن ( سعيد بن مرجانة ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه ( انظر الحديث 7152 )
مطابقته للترجمة في رقبة ومحمد بن عبد الرحيم هو المعروف بصاعقة وهو من أفراده وداود بن رشيد مصغر الرشد بالراء والشين المعجمة وبالدال المهملة البغدادي مات سنة تسع وثلاثين ومائتين والوليد بن مسلم القرشي الأموي الدمشقي وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون كنية محمد بن مطرف على صيغة اسم الفاعل من التطريف بالطاء المهملة وزيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب أبو أسامة العدوي وعلي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم المشهور بزين العابدين وسعيد بن مرجانة بفتح الميم وسكون الراء وبالجيم والنون وهي اسم أمه وأما أبوه فهو عبد الله العامري
وفي هذا السند ثلاثة من التابعين في نسق واحد زيد وعلي وسعيد والثلاثة مدنيون
والحديث قد مضى في أوائل العتق من وجه آخر عن سعيد بن مرجانة ومضى الكلام فيه هناك
وقد أخرج مسلم هذا الحديث عن داود بن رشيد شيخ شيخ

(23/220)


البخاري وبينه وبين البخاري محمد بن عبد الرحيم صاعقة وليس لداود في كتاب البخاري غير هذا الحديث الواحد
قوله حتى فرجة بالنصب قال الكرماني ولم يبين وجهه وقال بعضهم حتى ههنا عاطفة لوجود شرائط العطف فيها فيكون فرجه بالنصب
قلت هو أيضا ما بين شرائط العطف ما هي فأقول حتى إذا كانت عاطفة تكون كالواو وإلا أن بينهما فرقا من ثلاثة أوجه أحدها أن المعطوف بحتى له ثلاثة شروط أحدها أن يكون ظاهرا لا مضمرا والثاني إما أن يكون بعضا من جمع قبلها كقدم الحجاج حتى المشاة أو جزءا من كل نحو أكلت السمكة حتى رأسها أو كجزء نحو أعجبتني الجارية حتى حديثها ويمتنع أن يقال حتى ولدها والثالث أن يكون غاية لما قبلها إما بزيادة أو نقص فالأول نحو مات الناس حتى الأنبياء والثاني نحو زارك الناس حتى الحجامون والشروط الثلاثة موجودة هنا أما الأول فهو قوله رقبة فإنه ظاهر منصوب وأما الثاني فإن الفرج جزء مما قبله وأما الثالث فإن قوله فرجة غاية لما قبلها بزيادة واعلم أن أهل الكوفة ينكرون العطف بحتى البتة ولهم في هذا دلائل مذكورة في موضعها ووقوع العطف بحتى عند الجمهور أيضا قليل فافهم وبعض الشراح ذكر هنا كلاما لا يشفي العليل ولا يروي الغليل
7 -
( باب عتق المدبر وأم الولد والمكاتب في الكفارة وعتق ولد الزنا )
أي هذا باب في بيان حكم المدبر وأم الولد إلى آخره ولم يبين حكمه على عادته كما ذكرنا غير مرة
وقال طاووس يجزيء المدبر وأم الولد
أي قال طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني يجوز عتق المدبر وأم المولد في الكفارة وروى هذا الأثر ابن أبي شيبة بإسناد فيه لين ووافق طاووسا في المدبر الحسن وإبراهيم في أم الولد وخالفه في المدبر الزهري والشعبي وإبراهيم
واختلف الفقهاء في هذا الباب فقال مالك لا يجوز أن يعتق في الرقاب الواجبة مكاتب ولا مدبر ولا أم ولد ولا المعلق عنقه وقال أبو حنيفة والأوزاعي إن كان المكاتب أدى شيئا من كتابته فلا يجوز وإلا جاز وبه قال الليث وأحمد وإسحاق وقال الشافعي وأبو ثور يجوز عتق المدبر وأما عتق أم الولد فلا يجوز في الرقاب الواجبة عند أبي حنيفة ومالك والشافعي وأبو ثور وعليه فقهاء الأمصار وأما عتق ولد الزنا في الرقاب الواجبة فيجوز روي ذلك عن عمر وعلي وعائشة وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وطاووس وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وقال عطاء والشعبي والنخعي والأوزاعي لا يجوز عتقه فإن قلت روي عن أبي هريرة مرفوعا أنه شر الثلاثة
قلت روي عن ابن عباس وعائشة إنكار ذلك وقال ابن عباس لو كان شر الثلاثة ( وانتظر الحاكم ) بأمه حتى تضعه وقالت عائشة ما عليه من ذنب أبويه شيء ثم قرأت ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام461 وغيرها )
6176 - حدثنا ( أبو النعمان ) أخبرنا ( حماد بن زيد ) عن ( عمرو ) عن ( جابر ) أن رجلا ( من الأنصار دبر مملوكا ) له ( ولم يكن ) له ( مال غيره ) ( فبلغ ) النبي فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم النحام بثمانمائة درهم فسمعت جابر بن عبد الله يقول عبدا قبطيا مات عام أول
قال الكرماني كيف دل الحديث على الترجمة ثم قال إذا جاز بيع المدبر جاز إعتاقه وقاس الباقي عليه وقال بعضهم أشار بالترجمة إلى أنه إذا جاز بيعه جاز ماذكر معه بطريق الأولى
قلت كلام الكرماني له وجه ما لأنه قال إذا جاز بيع المدبر جاز إعتاقه وقد علم أنه ممن يجوز بيع المدبر وأما كلام هذا القائل فلا وجه له أصلا لأنه قال أشار في الترجمة إلى أنه إذا جاز بيعه إلى آخره فسبحان الله في أي موضع أشار في الترجمة أنه أجاز بيعه حتى يبني عليه جواز العتق على أن كلام الكرماني

(23/221)


أيضا لا يمشي إلا بالتعسف
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري يعرف بعارم وعمرو هو ابن دينار
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن أبي النعمان وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن أبي الربيع
قوله أن رجلا هو أبو مذكور بالذال المعجمة قوله دبر مملوكا له اسمه يعقوب فاشتراه نعيم النحام قال الكرماني في بعض النسخ نعيم بن النحام بزيادة الابن والصواب عدمه ونعيم بضم النون وفتح العين المهملة مصغر النعم والنحام بفتح النون وتشديد الحاء المهملة لقب به لأنه قال سمعت نحمة نعيم أي سعلته في الجنة ليلة الإسراء قوله عبدا قبطيا بكسر القاف وسكون الباء الموحدة نسبة إلى قبط وهم أهل مصر قوله عام أول بفتح اللام على البناء وهو من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة والبصريون يقولون إنه مما يقدر فيه المضاف نحو عام الزمن الأول
( باب إذا أعتق عبدا بينه وبين آخر )
أي هذا باب في بيان حكم شخص إذا أعتق عبدا مشتركا بينه وبين آخر في الكفارة هل يجوز أم لا ولكن لم يذكر فيه حديثا قال الكرماني قالوا إن البخاري ترجم الأبواب بين ترجمة وترجمة ليلحق الحديث بها فلم يجد حديثا بشرطه يناسبها أو لم يف عمره بذلك وقيل بل أشار به إلى أن ما نقل فيه من الأحاديث ليست بشرطه وقال بعضهم ثبتت هذه الترجمة للمستملي وحده بغير حديث فكأن المصنف أراد أن يكتب حديث الباب الذي بعده من وجه آخر فلم يتفق له أو تردد في الترجمتين فاقتصر الأكثر على الترجمة التي تلي هذه وكتب المستملي الترجمتين احتياطا والحديث الذي في الباب الذي يليه صالح لهما بضرب من التأويل انتهى
قلت هذا الذي ذكراه كله تخمين وحسبان أما الوجه الأول مما قاله الكرماني فليس بسديد لأن الظاهر أنه كان لا يكتب ترجمة إلا بعد وقوفه على حديث يناسبها وأما الوجه الثاني فكذلك وأما الوجه الثالث فأبعد من الوجهين الأولين لأن الإشارة تكون للحاضر فكيف يطلق الناظر فيها على أن ههنا أحاديث ليست بشرطه وأما الذي قال بعضهم إن المستملي كتب الترجمتين احتياطا فأي احتياط فيه وما وجه هذا الاحتياط يعني لو ترك الترجمة التي هي بلا حديث لكان يرتكب إثما حتى ذكره احتياطا وأما قوله والحديث الذي في الباب الذي يليه إلى آخره فليس بموجه أصلا ولا صالح لما ذكره لأن الولاء لمن أعتق فالعبد الذي أعتقه له وولاؤه أيضا له فأين الإشتراك بين الإثنين في هذا غاية ما في الباب إذا أعتق عبدا بينه وبين آخر عن الكفارة فإنه إن كان موسرا أجزأه ويضمن لشريكه حصته وإن كان معسرا لم يجزه وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأبي ثور وعند أبي حنيفة لا يجزيه عن الكفارة مطلقا والصواب أن يقال إن هذه الترجمة ليس لها وضع من البخاري ولهذا لم تثبت عند غير المستملي من الرواة ومع هذا في ثبوتها عنده نظر والله أعلم بالصواب
6176 - حدثنا ( أبو النعمان ) أخبرنا ( حماد بن زيد ) عن ( عمرو ) عن ( جابر ) أن رجلا ( من الأنصار دبر مملوكا ) له ( ولم يكن ) له ( مال غيره ) ( فبلغ ) النبي فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم النحام بثمانمائة درهم فسمعت جابر بن عبد الله يقول عبدا قبطيا مات عام أول
قال الكرماني كيف دل الحديث على الترجمة ثم قال إذا جاز بيع المدبر جاز إعتاقه وقاس الباقي عليه وقال بعضهم أشار بالترجمة إلى أنه إذا جاز بيعه جاز ماذكر معه بطريق الأولى
قلت كلام الكرماني له وجه ما لأنه قال إذا جاز بيع المدبر جاز إعتاقه وقد علم أنه ممن يجوز بيع المدبر وأما كلام هذا القائل فلا وجه له أصلا لأنه قال أشار في الترجمة إلى أنه إذا جاز بيعه إلى آخره فسبحان الله في أي موضع أشار في الترجمة أنه أجاز بيعه حتى يبني عليه جواز العتق على أن كلام الكرماني أيضا لا يمشي إلا بالتعسف
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري يعرف بعارم وعمرو هو ابن دينار
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن أبي النعمان وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن أبي الربيع
قوله أن رجلا هو أبو مذكور بالذال المعجمة قوله دبر مملوكا له اسمه يعقوب فاشتراه نعيم النحام قال الكرماني في بعض النسخ نعيم بن النحام بزيادة الابن والصواب عدمه ونعيم بضم النون وفتح العين المهملة مصغر النعم والنحام بفتح النون وتشديد الحاء المهملة لقب به لأنه قال سمعت نحمة نعيم أي سعلته في الجنة ليلة الإسراء قوله عبدا قبطيا بكسر القاف وسكون الباء الموحدة نسبة إلى قبط وهم أهل مصر قوله عام أول بفتح اللام على البناء وهو من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة والبصريون يقولون إنه مما يقدر فيه المضاف نحو عام الزمن الأول
( باب إذا أعتق عبدا بينه وبين آخر )
أي هذا باب في بيان حكم شخص إذا أعتق عبدا مشتركا بينه وبين آخر في الكفارة هل يجوز أم لا ولكن لم يذكر فيه حديثا قال الكرماني قالوا إن البخاري ترجم الأبواب بين ترجمة وترجمة ليلحق الحديث بها فلم يجد حديثا بشرطه يناسبها أو لم يف عمره بذلك وقيل بل أشار به إلى أن ما نقل فيه من الأحاديث ليست بشرطه وقال بعضهم ثبتت هذه الترجمة للمستملي وحده بغير حديث فكأن المصنف أراد أن يكتب حديث الباب الذي بعده من وجه آخر فلم يتفق له أو تردد في الترجمتين فاقتصر الأكثر على الترجمة التي تلي هذه وكتب المستملي الترجمتين احتياطا والحديث الذي في الباب الذي يليه صالح لهما بضرب من التأويل انتهى
قلت هذا الذي ذكراه كله تخمين وحسبان أما الوجه الأول مما قاله الكرماني فليس بسديد لأن الظاهر أنه كان لا يكتب ترجمة إلا بعد وقوفه على حديث يناسبها وأما الوجه الثاني فكذلك وأما الوجه الثالث فأبعد من الوجهين الأولين لأن الإشارة تكون للحاضر فكيف يطلق الناظر فيها على أن ههنا أحاديث ليست بشرطه وأما الذي قال بعضهم إن المستملي كتب الترجمتين احتياطا فأي احتياط فيه وما وجه هذا الاحتياط يعني لو ترك الترجمة التي هي بلا حديث لكان يرتكب إثما حتى ذكره احتياطا وأما قوله والحديث الذي في الباب الذي يليه إلى آخره فليس بموجه أصلا ولا صالح لما ذكره لأن الولاء لمن أعتق فالعبد الذي أعتقه له وولاؤه أيضا له فأين الإشتراك بين الإثنين في هذا غاية ما في الباب إذا أعتق عبدا بينه وبين آخر عن الكفارة فإنه إن كان موسرا أجزأه ويضمن لشريكه حصته وإن كان معسرا لم يجزه وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأبي ثور وعند أبي حنيفة لا يجزيه عن الكفارة مطلقا والصواب أن يقال إن هذه الترجمة ليس لها وضع من البخاري ولهذا لم تثبت عند غير المستملي من الرواة ومع هذا في ثبوتها عنده نظر والله أعلم بالصواب
8 -
( باب إذا أعتق في الكفارة لمن يكون ولاؤه )
أي هذا باب فيه إذا أعتق شخص في الكفارة لمن يكون ولاؤه أي ولاء العتق وجواب إذا محذوف تقديره يصح عند البعض في صورة ولا يصح في صورة صورته ما ذكرناه الآن وهي عبد مشترك بين اثنين فأعتق أحدهما عن الكفارة فإن كان موسرا يصح ويضمن لشريكه حصته وولاؤه له وإن كان معسرا فلا يصح وهنا صورة أخرى وهي أن تقول لرجل أعتق عبدك عني لأجل كفارة علي فأعتق عنه أجزأه وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وإن أعتقه عنه بأمره على غير شيء ففي قول الشافعي يجزىء ويكون ولاؤه للمعتق عنه وقال أبو ثور يجزىء ذلك وولاؤه للذي أعتقه وعند أبي حنيفة الولاء للمعتق ولا يجزىء ذلك
7176 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة أنها أرادت ) أن ( تشتري بريرة فاشترطوا عليها الولاء ) ( فذكرت ذالك للنبي )

(23/222)


فقال اشتريها إنما الولاء لمن أعتق
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إنما الولاء لمن أعتق والحكم بفتحتين هو ابن عتينة مصغر عتبة بن الدار وغبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن خال إبراهيم المذكور والحديث مضى في الطلاق عن عبدالله بن رجاء وفيه وفي الزكاة عن آدم ويأتي في الفرائض عن حفص بن عمر وأخرجه النسائي أيضا في مواضع في الزكاة والطلاق والفرائض قوله ( ( بريرة ) ) بفتح الباء الموحدة قوله ( ( فاشترطوا ) ) أي فاشترط أهل بريرة على عائشة الولاء ومضى الكلام فيه محررا *
( ( باب الاستثناء في الأيمان ) )
أي هذا باب في بيان حكم الاستثناء في الأيمان وفي بعض النسخ في اليمين والمراد بالاستثناء هنا لفظ إن شاء الله وليس المراد به الاستثناء الاصطلاحي نحو والله لأفعلن كذا إن شاء الله تعالى أو قال والله لأفعلن كذا إن شاء الله وفيه اختلاف للعلماء فقال إبراهيم والحسن والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والليث وجمهور العلماء شرطه أن يتصل بالحلف وقال مالك إذا سكت أو قطع كلامه فلا استثناء وقال الشافعي بشرط وصل الاستثناء بالكلام الأول ووصله أن يكون نسقا فغن كان بينهما سكوت انقطع إلا إذا كان لتذكر أو تنفس أو عي أو انقطاع صوت وقال الحسن البصري وطاوس للحالف الاستثناء مالم يقم منة مجلسه وقال قتادة أو يتكلم وقال أحمد له الاستثناء مادام في ذلك الأمر وبه قال إسحق إلا أن يكون سكت ثم عود إلى ذلك الأمر وقال عطاء أن له ذلك قدر حلب الناقة الغزيرة وقال سعيد بن جبير له ذلك إلى بعد أربعة أشهر وقال مجاهد له ذبك بعد سنتين وقال ابن عباس يصح ذلك ولو بعد حين فقيل أراد به سنة وقيل أبدا حكاه ابن القصار واختلفوا أيضا في الاستثناء في الطلاق والعتق فقال ابن أبي ليلى والأوزاعي والليث ومالك لايجوز الاستثناء في الطلاق وروى مثله عن ابن عباس وابن المسيب والشعبي وعطاء والحسن ومكحول وقتادة والزهري وقال طاوس والنخعي والحسن وعطاء في رواية وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه وإسحق يجوز الاستثناء *
( ( 11 - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد عن غيلان بن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى الأشعري قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في رهط من الأشعريين أستحمله فقال والله لا أحملكم ما عندي ما أحملكم ثم لبثنا ما شاء الله فأتي بإبل فأمر لنا بثلاثة ذود فلما انطلقنا قال بعضنا لبعض لا يبارك الله لنا أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم نستحمله فحلف أن لا يحملنا فحملنا فقال أبو موسى فأتينا النبي صلى الله عليه و سلم فذكرنا ذلك له فقال ما أنا حملتكم بل الله حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد وقال إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت الذي هو خير وكفرت ) )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إني والله إن شاء الله قيل إن قوله إن شاء الله لم يقع في أكثر الطرق لحديث أبي موسى وليس كذلك بل هو ثابت في الأصول وأراد البخاري بإيراده بيان صفة الاستثناء بالمشيئة وعن أبي موسى المديني إنما قال النبي ذلك للتبرك لا للاستثناء وهو خلاف الظاهر
وحماد في السند هو ابن زيد لأن قتيبة لم يدرك حماد بن سلمة وغيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ابن جرير بفتح الجيم وأبو بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء اسمه عامر وقيل الحارث يروي عن أبيه أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث مضى في النذر عن أبي النعمان محمد بن الفضل ومضى الكلام فيه
قوله استحمله أي أطلق منه ما يحملنا وأثقالنا قوله فأتي بإبل كذا في رواية

(23/223)


الأكثرين ووقع في رواية الأصليي وأبي ذر عن السرخسي والمستملي بشائل بالشين المعجمة والهمزة بعد الألف أي قطيع من الإبل وقال الخطابي جاء بلفظ الواحد والمراد به الجمع كالسامر يقال ناقة شائل إذا قل لبنها وقال الكرماني وفي بعض الروايات شوائل وقال ابن بطال في رواية أبي ذر بشائل مكان قوله بإبل وأظنه بشوائل إن صحت الرواية وبخط الدمياطي الشائل بلا هاء الناقة التي تشول بذنبها للقاح ولا لبن لها أصلا والجمع شول مثل راكع وركع والشائلة بالتاء هي التي جف لبنها وارتفع ضرعها وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية قوله بثلاثة ذود وفي رواية أبي ذر بثلاث ذود وهو الصواب لأن الذود مؤنث والذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة من الثلاث إلى العشرة وقيل إلى السبع وقيل من الاثنين إلى التسع من النوق ولا واحد له من لفظه والكثير أذواد والأكثر على أنه خاص بالإناث وقد يطلق على الذكور فإن قلت مضى في المغازي بلفظ خمس ذود
قلت الجمع بينهما بأنه يحمل على أنه أمر لهم أولا بثلاثة ثم زادهم اثنين قوله فحملنا بفتح الميم واللام قوله إني والله إن شاء الله هذا موضع الاستثناء فيه قوله إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير وكفرت كذا وقع لفظ كفرت مكررا في رواية السرخسي وبقية الكلام مضت في النذر
9176 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد ) وقال إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت الذي هو خير وكفرت
أبو النعمان هو محمد بن الفضل وحماد هو ابن زيد وأراد بذكر طريق أبي النعمان هذا بيان التخيير بين تقديم الكفارة على الحنث وتأخيرها عنه وفيه الخلاف وقد ذكرناه وقال الكرماني أو هو شك من الراوي
قلت كذا أخرجه أبو داود عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد بالترديد أيضا
0276 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام بن حجير ) عن ( طاووس ) سمع ( أبا هريرة ) قال قال سليمان لأطوفن الليلة عل تسعين امرأة كل تلد غلاما يقاتل في سبيل الله فقال له صاحبه قال سفيان يعني الملك قل إن شاء الله فنسي فطاف بهن فلم تأت امرأة منهن بولد إلا واحدة بشق غلام فقال أبو هريرة يرويه قال لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا في حاجته وقال مرة قال رسول الله لو استثنى
مطابقته للترجمة في قوله لو استثنى أي لو قال إن شاء الله
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وهشام بن حجير بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالراء المكي وقال الكرماني لم يتقدم ذكره يعني فيما مضى
والحديث مضى بغير هذا الطريق في الجهاد في باب من طلب الولد للجهاد فإنه قال هناك وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز سمعت أبا هريرة عن النبي قال قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين الحديث
قوله لأطوفن اللام جواب القسم كأنه قال مثلا والله لأطوفن والنون فيه للتأكيد يقال طاف به يعني ألم به وقاربه قوله الليلة نصب على الظرفية قوله على تسعين امرأة وقال الكرماني قيل ليس في حديث الصحيح أكثر اختلافا في العدد من حديث سليمان عليه السلام فيه مائة وتسعة وتسعون وستون ولا منافاة إذ لا اعتبار لمفهوم العدد قوله كل تلد أي كل واحدة منهن تلد غلاما قوله بشق غلام بكسر الشين المعجمة وتشديد القاف أي نصف غلام وقال الكرماني الحنث معصية كيف يجوز على سليمان عليه السلام ثم قال لم يكن باختياره أو هو صغيرة معفو عنها
قلت فيه نظر لا يخفى لأنه حمل الحنث على معناه الحقيقي وليس كذلك بل معناه هنا عدم وقوع ما أراد وفيه نسبة وقوع الصغيرة من النبي وفيه ما فيه وأول الحديث موقوف

(23/224)


على أبي هريرة ولكنه رفعه بقوله يرويه قال لو قال إن شاء الله لم يحنث لأن قوله يرويه كناية عن رفع الحديث وهو كما لو قال مثلا قال رسول الله وقد وقع في رواية الحميدي التصريح بذلك ولفظه قال رسول الله وكذا أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان
قوله لم يحنث بالثاء المثلثة المراد بعدم الحنث عدم وقوع ماأراد وقال الكرماني ويروي لم يخب بالخاء المعجمة من الخيبة وهي الحرمان قوله وكان دركا بفتح الراء وسكونها أي إدراكا أو لحاقا أو بلوغ أمل في حاجته قوله وقال مرة أي قال أبو هريرة قال رسول الله لو استثنى معناه أيضا لو قال إن شاء الله ولكن قال مرة لو قال إن شاء الله ومرة أخرى قال لو استثنى فاللفظ مختلف والمعنى واحد وجواب لو محذوف أي لو استثنى لم يحنث وقال ابن التين ليس الاستثناء في قصة سليمان عليه السلام الذي يرفع حكم اليمين ويحل عقده وإنما هو بمعنى الإقرار لله بالمشيئة والتسليم لحكمه فهو نحو قوله ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ( الكهف32 ) وإنما يرفع حكم اليمين إذا نوى به الاستثناء في اليمين
وحدثنا أبو الزناد عن الأعرج مثل حديث أبي هريرة
القائل بقوله وحدثنا هو سفيان بن عيينة وقد أفصح به مسلم في روايته وهو موصول بالسند الأول وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز قوله مثل حديث أبي هريرة أي مثل الذي ساقه من طريق طاووس عن أبي هريرة وأشار بهذا إلى أن لسفيان فيه سندان إلى أبي هريرة هشام عن طاوس وأبو الزناد عن الأعرج
01 -
( باب الكفارة قبل الحنث وبعده )
أي هذا باب في بيان جواز الكفارة قبل الحنث وبعده واختلف العلماء في جواز الكفارة قبل الحنث فقال ربيعة ومالك والثوري والليث والأوزاعي تجزىء قبل الحنث وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وروي مثله عن ابن عباس وعائشة وابن عمر وقال الشافعي يجوز تقديم الرقبة والكسوة والطعام قبل الحنث ولا يجوز تقديم الصوم وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تجزىء الكفارة قبل الحنث وقال صاحب ( التوضيح لا سلف لأبي حنيفة فيه واحتج له الطحاوي بقوله تعالى ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ( المائدة98 ) والمراد إذا حلفتم وحنثتم
قلت أبو حنيفة ما انفرد بهذا وقال به أيضا أشهب من المالكية وداود الظاهري وصاحب ( التوضيح ) ما يقول فيما ذهب إليه الشافعي وهو أن الكفارة اسم لجميع أنواعها فبعد الحنث حمل اللفظ على جميعها وقبل الحنث خصص اللفظ ببعضها فترك الظاهر من ثلاثة أوجه أحدها تسميتها كفارة وليس هناك ما يكفر والثاني صرف الأمر عن الوجوب إلى الجواز والثالث تخصيص الكفارة ببعض الأنواع
1276 - حدثنا ( علي بن حجر ) حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم ) عن ( أيوب ) عن ( القاسم التميمي ) عن ( زهدم الجرمي ) قال كنا عند أبي موسى وكان بيننا وبين هاذا الحي من جرم إخاء ومعروف وقال فقدم طعام قال وقدم في طعامه لحم دجاج قال وفي القوم رجل من بني تيم الله أحمر كأنه مولى قال فلم يدن فقال له أبو موسى ادن فإني قد رأيت رسول الله يأكل منه قال إني رأيته يأكل شيئا قذرته فحلفت أن لا أطعمه أبدا فقال أدن أخبرك عن ذالك أتينا رسول الله في رهط من الأشعريين أستحمله وهو يقسم نعما من نعم الصدقة قال أيوب أحسبه قال وهو غضبا قال والله لا أحملكم وما عندي

(23/225)


ما أحملكم قال فانطلقنا فأتي رسول الله بنهب إبل فقيل أين هاؤلاء الأشعريون أين هاؤلاء الأشعريون فأتينا فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى قال فاندفعنا فقلت لأصحابي أتينا رسول الله نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم أرسل إلينا فحملنا نسي رسول الله يمينه والله لئن تغفلنا رسول الله يمينه لا نفلح أبدا ارجعوا بنا إلى رسول الله فلنذكره يمينه فرجعنا فقلنا يا رسول الله أتيناك نستحملك فحلفت أن لا تحملنا ثم حملتنا فظننا أو فعرفنا أنك نسيت يمينك قال انطلقوا فإنما حملكم الله إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها
هذا الحديث لا يدل إلا على أن الكفارة بعد الحنث فحينئذ لا تكون المطابقة بينه وبين الترجمة إلا في قوله وبعده أي وبعد الحنث وكذلك الحديث الآخر الذي يأتي في هذا الباب لا يدل إلا على أن الكفارة بعد الحنث ولم يذكر شيئا في هذا الباب يدل على أن الكفارة قبل الحنث أيضا فكأنه اكتفى بما ذكره قبل هذا الباب عن أبي النعمان عن حماد
وهذا الحديث قد مر في مواضع كثيرة في فرض الخمس عن عبد الله بن عبد الوهاب وفي المغازي عن أبي نعيم وفي الذبائح عن أبي معمر وعن يحيى عن وكيع وفي النذور عن أبي معمر وعن قتيبة وسيأتي في التوحيد عن عبد الله بن عبد الوهاب ومضى أكثر الكلام في شرحه في باب لا تحلفوا بآبائكم
وعلي بن حجر بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء السعدي مات سنة أربع وأربعين ومائتين وإسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية اسم أمه وأيوب هو السختياني والقاسم بن عاصم التميمي وزهدم بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري
قوله وكان بيننا وبين هذا الحي إلى قوله أتينا رسول الله من كلام زهدم مع تخلل بعض القول عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه لا يخفى على الناظر المتأمل ذلك وفي رواية الكشميهني وكان بيننا وبينهم هذا الحي قال الكرماني الظاهر أن يقال بينه يعني أبا موسى كما تقدم في باب لا تحلفوا بآبائكم حيث قال كان بين هذا الحي من جرم وبين الأشعريين ثم قال لعله جعل نفسه من أتباع أبي موسى كواحد من الأشاعرة وأراد بقوله بيننا أبا موسى وأتباعه الحقيقة والأدعائية قوله إخاء بكسر الهمزة وبالخاء المعجمة وبالمد أي صداقة قوله ومعروف أي إحسان وبر قوله فقدم طعام هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فقدم طعامه أي وضع بين يديه قوله رجل من بني تيم الله هواسم قبيلة يقال لهم أيضا تيم اللات وهم من قصاعة قوله أحمر صفة رجل أي لم يكن من العرب الخلص قوله كأنه مولى قد تقدم في فرض الخمس كأنه من الموالي قوله فلم يدن أي فلم يقرب إلى الطعام قوله أدن بضم الهمزة وسكون الدال أمر من دنا يدنو قوله قذرته بكسر الذال المعجمة وفتحها أي كرهته لأنه كان من الجلالة قوله أخبرك مجزوم لأنه جواب الأمر قوله عن ذلك أي عن الطريق في حل اليمين قوله استحمله أي أطلب منه ما نركبه قوله نعما بفتح النون والعين المهملة قوله قال أيوب هو السختياني أحد الرواة قوله والله لا أحملكم قال القرطبي فيه جواز اليمين عند المنع ورد السائل الملحف قوله بنهب بفتح النون وسكون الهاء بعدها باء موحدة وأراد به الغنيمة قوله بخمس ذود قد مر تفسيره عن قريب وقد مر في المغازي بستة أبعرة ولا منافاة إذ ذكر القليل لا ينفي الكثير قوله غر الذرى أي بيض الأسنمة والغر بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي أبيض والذرى بضم الذال المعجمة وفتح الراء المخففة جمع ذروة وذروة الشيء أعلاه وأراد بها السنام قوله فاندفعنا أي سرنا مسرعين والدفع السير بسرعة قوله والله لئن تغفلنا أي لئن طلبنا غفلته في يمينه

(23/226)


من غير أن نذكره لا نفلح أبدا وفي رواية عبد الوهاب وعبد السلام فلما قبضناها قلنا تغفلنا رسول الله لا نفلح أبدا وفي رواية حماد فلما انطلقنا قلنا ما صنعنا لا يبارك لنا ولم يذكر النسيان وفي رواية غيلان لا يبارك الله لنا وخلت رواية يزيد عن هذه الزيادة كما خلت عما بعدها إلى آخر الحديث قوله فلنذكره من الإذكار أو من التذكير أي فلنذكر رسول الله يمينه قوله أو فعرفنا شك من الراوي قوله أحلف على يمين أي محلوف يمين فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة وقال ابن الأثير أطلق اليمين فقال أحلف أي أعقد شيئا بالعزم والنية وقوله على يمين تأكيد لعقده وإعلام بأنه ليس لغوا قوله غيرها يرجع الضمير لليمين المقصود منها المحلوف عليه مثل الخصلة المفعولة أو المتروكة إذ لا معنى لإطلاق إلا أحلف على الحلف قوله وتحللتها أي كفرتها
وفيه حجة للحنفية قال الكرماني الحنث معصية ثم قال لا خلاف في أنه إذا أتى بما هو خير من المحلوف عليه لا يكون معصية
تابعه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم بن عاصم الكليبي
أي تابع إسماعيل بن إبراهيم الذي يقال له ابن علية حماد بن زيد وهو مرفوع بالفاعلية في روايته عن أيوب السختياني عن أبي قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي والقاسم بن عاصم والقاسم مجرور لأنه عطف على أبي قلابة يعني أن أيوب روى عنهما جميعا والكلبي بضم الكاف وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة نسبة إلى كليب بن حبشية في خزاعة وإلى كليب بن وائل في تغلب وإلى كليب بن يربوع في تميم وإلى كليب بن ربيعة في نخع وقال الكرماني هذا يحتمل التعليق وقال بعضهم كلامه هذا يستلزم عدم التعليق وليس كذلك بل هو في حكم التعليق
قلت لا يحتاج إلى هذا الكلام بل هذه متابعة وقعت في الرواية عن القاسم ولكن حمادا ضم إليه أبا قلابة
حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم التميمي عن زهدم بهذا
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني الخ وقد مر هذا في باب لا تحلفوا بآبائكم وسيجيء أيضا في كتاب التوحيد عن عبد الله بن عبد الوهاب قوله بهذا أي بجميع الحديث
حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن القاسم عن زهدم بهذا
هذا طريق آخر أخرجه عن أبي معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج التميمي المقعد البصري عن عبد الوارث بن سعيد روايته عن أيوب إلى آخره وقد مضى هذا في كتاب الذبائح وقال الكرماني لم قال أولا تابعه وثانيا وثالثا حدثنا ثم أجاب بأنه أشار إلى أن الأخيرين حدثاه بالاستقلال والأول مع غيره بأن قال هو كذلك أو صدقة أو نحوه قلت قال بعضهم لم يظهر لي معنى قوله مع غيره قلت معناه أنه سمع غيره يذكر هذا الحديث وصدقه هو أو قال هو كذلك بخلاف قوله حدثنا في الموضعين لأنه سمعه فيهما استقلالا بنفسه وفي نفس الأمر هذا كله كلام حشو لأن الأول متابعة ظاهرا والأخيرين تحديثه إياهما ظاهرا
2276 - حدثني ( محمد بن عبد الله ) حدثنا ( عثمان بن عمر بن فارس ) أخبرنا ( ابن عون ) عن ( الحسن ) عن عبد الرحمان بن سمرة قال قال رسول الله لا تسأل الإمارة فإن إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك
قد ذكرنا على رأس الحديث السابق أن هذا أيضا يطابق من الترجمة قوله أو بعده أي بعد الحنث
ومحمد بن عبد الله

(23/227)


هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري الحافظ المشهور وقال صاحب كتاب ( رجال الصحيحين ) روى عنه البخاري في قريب من ثلاثين موضعا ولم يقل حدثنا محمد بن يحيى الذهلي مصرحا بل يقول حدثنا محمد تارة ولا يزد عليه وتارة يقول حدثنا محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده وتارة يقول حدثنا محمد بن خالد فينسبه إلى جد أبيه والسبب في ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ وكان قد سمع منه ولم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه ومات محمد بن يحيى بعد البخاري بيسير تقديره نحو سنة سبع وخمسين ومائتين وعثمان بن عمر بن فارس البصري مر في الغسل يروي عن عبد الله بن عون عن الحسن البصري عن ( عبد الرحمن بن سمرة ) القرشي سكن البصرة ومات بالكوفة سنة خمسين
والحديث مضى في أول كتاب الأيمان والنذور فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان محمد بن الفضل ومضى الكلام فيه هناك
قوله الإمارة بكسر الهمزة أي الأمر قوله إن أعطيتها في الموضعين على صيغة المجهول وكذلك قولهأعنت ووكلت وهو بتخفيف الكاف ومعناه وكلت إلى نفسك وعجزت قوله فرأيت من الرأي لا من الرؤية بالبصر قوله غيرها قد ذكرنا عن قريب أن مرجع الضمير لليمين ولكنه بالتأويل وهو باعتبار الخصلة الموجودة فيه قوله وكفر عن يمينك هكذا بالواو وفي رواية الأكثرين ويروى فيكفر بالفاء
تابعه أشهل عن ابن عون
أي تابع عثمان بن عمر في روايته عن عبد الله بن عون أشهل على وزن أحمد بالشين المعجمة ابن حاتم وفي بعض النسخ صرح باسم أبيه وأشهل مرفوع لأنه فاعل والضمير في تابعه منصوب لأنه مفعول ووصول هذه المتابعة أبو عوانة والحاكم والبيهقي من طريق أبي قلابة الرقاشي عن محمد بن عبد الله الأنصاري وأشهل بن حاتم قالا حدثنا ابن عون به
وتابعه يونس وسماك بن عطية وسماك بن حرب وحميد وقتادة ومنصور وهشام والربيع
يعني هؤلاء الثمانية تابعوا عبد الله بن عون في روايته عن الحسن عن سمرة رضي الله تعالى عنه قيل وقع في نسخة من رواية أبي ذر وحميد عن قتادة وهو خطأ والصواب وحميد وقتادة بواو العطف
أما متابعة يونس وهو ابن عبيد بن دينار العبدي البصري فوصلها البخاري في كتاب الأحكام في باب من سأل الإمارة وكل إليها قال حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن الحسن قال حدثني عبد الرحمن بن سمرة قال قال لي رسول الله يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة الحديث وأما متابعة سماك بكسر السين المهلمة وتخفيف الميم وبكاف ابن عطية المربدي من أهل البصرة فوصلها مسلم وقال حدثنا أبو كامل الجحدري حدثنا حماد بن زيد عن سماك بن عطية ويونس بن عبيد وهشام بن حسان كلهم عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة عن النبي ثم أحاله على حديث جرير بن حازم فإنه أخرجه عنه فقال حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير بن حازم حدثنا الحسن حدثنا عبد الرحمن بن سمرة قال قال لي رسول الله يا عبد الرحمن بن سمرة الحديث وأما متابعة سماك بن حرب ضد الصلح أبي المغيرة الكوفي فوصلها عبد الله بن أحمد في ( زياداته ) والطبراني في ( الكبير ) من طريق حماد بن زيد عنه عن الحسن وأما متابعة حميد بن أبي حميد الطويل فوصلها مسلم من طريق هشيم قال حدثني علي بن حجر السعدي حدثنا هشيم عن يونس ومنصور وحميد عن الحسن وأما متابعة قتادة فوصلها مسلم أيضا قال حدثنا عقبة بن المكرم العمي حدثنا سعيد بن عامر عن سعيد عن قتادة وذكر جماعة آخرين قبله ثم قال كلهم عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة الحديث وأما متابعة منصور هو ابن المعتمر فوصلها مسلم أيضا وقد مر الآن وأما متابعة هشام هو ابن حسان الفردوسي فوصلها أبو نعيم في ( مستخرج مسلم ) من طريق حماد بن زيد عن هشام عن الحسن وأما متابعة الربيع بفتح الراء ابن مسلم الجمحي

(23/228)


البصري جزم به الحافظ الدمياطي وهو من رجال مسلم وقال بعضهم بالظن إنه الربيع بن صبيح بفتح الصاد وهو من رجال الترمذي وابن ماجه فوصلها أبو عوانة من طريق الأسود بن عامر عن الربيع بن صبيح عن الحسن ووصلها الحافظ يوسف بن خليل في الجزء الذي جمع فيه طرق هذا الحديث من طريق وكيع عن الربيع عن الحسن ولم ينسب الربيع فيحتمل أن يكون مثل ما قال الحافظ الدمياطي ويحتمل أن يكون مثل ما روى أبو عوانة ولكن يؤكد قول من يقول بالجزم دون الظن والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
58 -
( كتاب الفرائض )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الفرائض وهو جمع فريضة وهي في اللغة اسم ما يفرض على المكلف ومنه فرائض الصلوات والزكوات وسميت أيضا المواريث فرائض وفروضا لما أنها مقدرات لأصحابها ومبينات في كتاب الله تعالى ومقطوعات لا تجوز الزيادة عليها ولا النقصان منها وهي في الأصل مشتقة من الفرض وهو القطع والتقدير والبيان يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال وقال الله تعالى سورة أنزلناها وفرضناها ( النور1 ) أي قدرنا فيها الأحكام وقد قال تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ( التحريم2 ) أي بين كفارة أيمانكم
1 -
( باب وقوله تعالى يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فإن كن نسآء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن كان له إخوة فلامه السدس من بعد وصية يوصى بهآ أو دين ءابآؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بهآ أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بهآ أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذالك فهم شركآء فى الثلث من بعد وصية يوصى بهآ أو دين غير مضآر وصية من الله والله عليم حليم ( النساء11 - 21 )
وقول الله بالجر عطف على قوله الفرائض والآيتان المذكورتان سبقتا بتمامهما في رواية أبي ذر وغيره ساق الآية الأولى وقال بعده قوله عليما حكيما إلى قوله والله عليم حليم هاتان الآيتان الكريمتان والآية التي هي خاتمة السورة التي هما منها وهي سورة النساء آيات علم الفرائض وهو مستنبط من هذه الآيات ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هي كالتفسير لذلك وكانت الوراثة في الجاهلية بالرجولية والقوة أي كانوا يورثون الرجال دون النساء وكان في ابتداء الإسلام أيضا بالمحالفة قال الله تعالى والذين عاقدت أيمانكم يعني الحلفاء آتوهم نصيبهم ( النساء33 ) أي أعطوهم حظهم من الميراث فصارت بعده بالهجرة فنسخ هذا كله وصارت الوراثة بوجهين بالنسب والسبب فالسبب النكاح والولاء والنسب القرابة وبحث ذلك في علم الفرائض والذين لا يسقطون من الميراث أصلا ستة الأبوان والولدان والزوجان والذين لا يرثون أصلا ستة العبد والمرتد والمكاتب وأم الولد وقاتل العمد وأهل الملتين وزاد بعضهم أربعة أخرى هي التبني وجهالة الوارث وجهالة تاريخ الموتى والارتداد وسيجيء تفسير هذه الآيات وبيان سبب نزولها في الأبواب التي تذكر ههنا ولنذكر بعض شيء

(23/229)


قوله يوصيكم الله أي يأمركم بالعدل في أولادكم وبذلك نسخ ما كانت الجاهلية تفعله من عدم توريث النساء فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين لاحتياج الرجل إلى مؤمنة النفقة والكلفة ومقاساة التجارة والتكسب وتحمل المشقة قوله فإن كن نساء أي فإن كانت المتروكات نساء فوق اثنتين يعني اثنتين فصاعدا قيل لفظ فوق صلة كقوله تعالى فاضربوا فوق الأعناق وقيل هذا غير مسلم لا هنا ولا هناك وليس في القرآن شيء زائد لا فائدة فيه قوله وإن كانت واحدة أي وإن كانت المتروكة واحدة بنتا كانت أو امرأة وواحدة نصب على أنه خبر كانت وقرىء بالرفع على معنى وإن وقعت واحدة فحينئذ لا خبر له لأن كان تكون تامة قوله ولأبويه أي ولابوي الميت كناية عن غير مذكور والقرينة دالة عليه قوله لكل واحد منهما أي من الأبوين السدس مما ترك أي الميت إن كان له أي للميت ولد وقوله ولد يشمل ولد الابن والأب هنا صاحب فرض فإن لم يكن له أي للميت ولد والحال أن أبويه يرثانه فلأمه الثلث من التركة ويعلم منه أن الباقي وهو الثلثان للأب قوله فإن كان له أي للميت إخوة اثنين كان أو أكثر ذكرانا أو إناثا فلإمه السدس هذا قول عامة الفقهاء وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس بأقل من ثلاثة أخوة وكان يقول في أبوين وأخوين للأم الثلث وما بقي فللأب اتبع ظاهر اللفظ قوله من بعد وصية يوصي بها أي الميت قوله أو دين أي بعددين أجمع العلماء سلفا وخلفا على أن الدين مقدم على الوصية ولكن الدين على نوعين دين الله ودين العباد فدين الله إن لم يوص به يسقط عندنا سواء كان صلاة أو زكاة ويبقى عليه المأثم والمطالبة يوم القيامة وعند الشافعي يلزم قضاؤه كدين العباد أوصى أولا وإن بعض الدين أولى من بعض فدين الصحة وما ثبت بالمعاينة في المرض أو بالبينة أولى مما يثبت عليه بالإقرار عندنا وقال الشافعي دين الصحة وما أقر به في مرضه سواء وما أقر به فيه مقدم على الوصية ولا يصح إقراره فيه لوارثه بدين أو عين عندنا خلافا قاله في أحد قوليه إلا أن تجيزه بقية الورثة فيجوز وإذا اجتمع الدينان فدين العباد أولى عندنا وعنده دين الله أولى وعنه أنهما سواء وأما الوصية في مقدار الثلث فمقدمة على الميراث بعد قضاء الديون فلا يحتاج إلى إجازة الورثة قوله آباؤكم وأبناؤكم أي لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون أمن أوصى منهم أم من لم يوص يعني إن من أوصى ببعض ماله فعركضم لثواب الآخرة بإمضاء الوصية فهو أقرب لكم نفعا قال مجاهد في الدنيا وقال الحسن لا تدرون أيهم أسعد في الدين والدنيا قوله فريضة نصب على الصدر أي هذا الذي ذكرنا من تفصيل الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض هو فرض من الله حاصله فرض الله ذلك فريضة وحكم به وقضاء وهو العليم الحكيم الذي يضع الأشياء في محلها ويعطي كلاما يستحقه بحسه قوله ولكم أي ولكم أيها الرجال نصف ما ترك أزواجكم إذا متن ولم يكن لهن ولد قوله ولهن أي المزوجات وسواء في الربع أو الثمن الزوجة والزوجتان والثلاث والأربع يشتركن فيه قوله وإن كان رجل يورث صفة لرجل وكلالة نصب على أنه خبر كان وهي مشتقة من الإكليل وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه وهو من لا والد له ولا ولد وهكذا قال علي بن أبي طالب وابن مسعود وعبد الله بن عباس وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم وبه قال الشعبي والنخعي والحسن البصري وقتادة وجابر بن زيد والحكم وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة وهو قول الفقهاء السبعة والأثمة الأربعة وجمهور الخلف والسلف بل جميعهم وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد وقال طاووس الكلالة ما دون الولد وقال عطية هي الأخوة للأم وقال عبيد بن عمير هي الأخوة للأب وقيل هي الأخوة والأخوات وقيل هي ما دون الأب قوله أو امرأة عطف على رجل قوله وله أخ أو أخت ولم يقل ولهما لأن المذكور الرجل والمرأة لأن العرب إذا ذكرت اسمين وأخبرت عنهما وكانا في الحكم سواء ربما أضافت إلى أحدهما وربما أضافت إليهما جميعا كما في قوله تعالى ( 2 ) واستعينوا بالصبر والصلاة إنها لكبيرة ( البقرة54 ) قوله وله أخ أي لأم أو أخت لأم دليله قراءة سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وله أخ أو أخت من أم قوله فهم شركاء في الثلث بينهم بالسوية ذكورهم وإناثهم سواء قوله أو دين غير مضار يعني على الورثة وهو أن يوصي بدين ليس عليه وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن عباس عن النبي قال الإضرار في الوصية من الكبائر وقال الزمخشري قوله غير مضار حال أي يوصي بها وهو غير مضار لورثته وذلك بأن يوصي بزيادة على الثلث

(23/230)


3276 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( محمد بن المنكدر ) سمع ( جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما يقول ( مرضت فعادني ) رسول الله وأبو بكر وهما ماشيان فأتياني وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله فصب علي وضوءه فأفقت فقلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي كيف أقضي في مالي فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية المواريث
مطابقته للآيتين المذكورتين اللتين هما كالترجمة ظاهرة لأن فيهما ذكر المواريث وسفيان هو ابن عيينة
والحديث مضى في الطب عن عبد الله بن محمد
قوله وهما ماشيان الواو فيه للحال قوله فأتياني ويروى فأتاني أي رسول الله قوله وقد أغمى بلفظ المجهول وعلي بتشديد الياء قوله وضوءه بفتح الواو على المشهور قوله آية المواريث ويروى آية الميراث وهي قوله يوصيكم الله ( النساء11 ) إلى آخره فإن قلت روي أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
قلت لا منافاة لاحتمال أن بعضها نزل في هذا وبعضها في ذلك أو كان في وقت واحد
وقال الكرماني فيه أنه كان ينتظر الوحي ولا يحكم بالاجتهاد ثم أجاب بقوله ولا يلزم من عدم اجتهاده في هذه المسألة عدم اجتهاده مطلقا أو كان يجتهد بعد اليأس من الوحي أو حيث ما تيسر عليه أو لم يكن من المسائل التعبدية وفيه عيادة المريض والمشي فيها والتبرك بآثار الصالحين وطهارة الماء المستعمل وظهور بركة أثر الرسول
2 -
( باب تعليم الفرائض )
أي هذا باب في بيان تعليم الفرائض قيل لا وجه لدخول هذا في هذا الباب ورد بأنه حث على تعليم العلم ومن العلم الفرائض وقد ورد حديث في الحث على تعليم الفرائض ولكن لم يكن على شرطه فلذلك لم يذكره وهو ما رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وصححه من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض حتى يختلف الإثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما
وقال عقبة بن عامر تعلموا قبل الظانين يعني الذين يتكلمون بالظن
عقبة بالقاف ابن عامر الجهني والي مصر من قبل معاوية وليها سنة أربع وأربعين ثم عزله بمسلمة بن مخلد وجمع له معاوية بين مصر والمغرب مات سنة اثنتين وستين بالمدينة وقيل بمصر وقال ابن يونس توفي بإسكندرية وكان عقبة ابتنى بمصر دارا وقال أبو عمر توفي في آخر خلافة معاوية وقال الواقدي ودفن في المقطم وقال خليفة توفي سنة ثمان وخمسين قوله تعلموا أي العلم حذف مفعوله ليشمل كل علم ويدخل فيه علم الفرائض أيضا وهذا وجه المناسبة وبهذا يرد كلام ( التوضيح ) حيث قال وأما كلام عقبة والحديث الذي بعده فلا مناسبة بينهما لما ذكره
قلت من له أدنى فهم يقول بالمناسبة لما ذكرنا على أنه يجوز أن يكون مراد عقبة من قوله تعلموا أي علم الفرائض يريد به هذا العلم المخصوص شدة الاهتمام به لأن الحديث الذي ذكرناه الآن يدل على شدة الاعتناء بعلم الفرائض وبتعلمه وتعليمه وكيف لا وقد جعله النبي نصف العلم في حديث أبي هريرة رواه ابن ماجه عنه أن النبي قال تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم وهو أول شيء ينسى من أمتي وروى الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال العلم ثلاثة ما سوى ذلك فهو فضل آية محكمه أو سنة قائمة أو فريضة عادلة قوله قبل الظانين فسره بقوله يعني الذين يتكلمون بالظن قال الكرماني أي قبل اندراس العلم والعلماء وحدوث الذين لا يعلمون شيئا ويتكلمون بمقتضى ظنونهم الفاسدة
4276 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا

(23/231)


تجسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا
مطابقته لأثر عقبة ظاهرة في قوله إياكم والظن ووهيب مصغر وهب هو ابن خالد البصري يروي عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في كتاب النكاح في باب لا يخطب على خطبة أخيه
قوله إياكم والظن معناه اجتنبوه قال المهلب هذا الظن ليس هو الاجتهاد على الظن وإنما هو الظن المنهي عنه في الكتاب والسنة وهو الذي لا يستند إلى أصل وقال الكرماني والأظهر أن المراد به ظن السوء بالمسلمين لا ما يتعلق بالأحكام قوله أكذب الحديث قيل الكذب لا يقبل الزيادة والنقصان فكيف جاء منه أفعل التفضيل وأجيب بأن معناه الظن أكثر كذبا من سائر الأحاديث قيل الظن ليس بحديث وأجيب بأنه حديث نفساني ومعناه الحديث الذي منشؤه الظن أكثر كذبا من غيره وقال الخطابي أي الظن منشأ أكثر الكذب ولا تجسسوا بالجيم وهو ما تطلبه لغيرك ولا تحسسوا بالحاء وهو ما تطلبه لنفسك وقيل التجسس بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال ذلك في الشر وقيل بالجيم في الخير وبالحاء في الشر وقال الجرمي معناهما واحد وهما تطلب معرفة الأخبار قوله ولا تدابروا أي ولا تقاطعوا ولا تهاجروا
3 -
( باب قول النبي لا نورث ما تركنا صدقة )
أي هذا باب في ذكر قول النبي لا نورث على صيغة المجهول ولو روي بكسر الراء على صيغة المعلوم لكان له وجه لصحة المعنى
قلت ووجه هذا أن الله عز و جل لما بعثه إلى عباده ووعده على التبليغ لدينه والصدع بأمره الجنة وأمره أن لا يأخذ أجرا ولا شيئا من متاع الدنيا بقوله ( 25 ) قل ما أسألكم عليه من أجر ( الفرقان75 وص 68 ) أراد أن لا ينسب إليه من متاع الدنيا شيء يكون عند الناس في معنى الأجر والثمن فلم يحل له شيء منها وما وصل إلى المرء وأهله فهو واصل إليه فلذلك حرم الميراث على أهله لئلا يظن به أنه جمع المال لورثته كما حرم عليهم الصدقات الجارية على يديه في الدنيا لئلا ينسب إلى ما تبرأ منه في الدنيا وكذلك سائر الرسل على ما عرف في موضعه قوله ما تركنا صدقة كلمة ما موصولة تركنا صلة وصدقة بالرفع خبره أعنى خبر ما ويجوز أن يقدر فيه لفظة هو أي الذي تركناه هو صدقة وهو معنى قوله إن آل محمد لا تحل لهم الصدقة وعن أبي هريرة أن النبي قال أنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة فهذا عام في جميع الأنبياء عليهم السلام ولا يعارضه قوله تعالى وورث سليمان داود ( النمل61 ) لأن المراد إرث النبوة والعلم والحكم وكذلك قوله تعالى يرثني ويرث من آل يعقوب ( مريم6 )
5276 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أن ( فاطمة والعباس عليهما السلام ) ( أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من ) رسول الله وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبرفقال لهما أبو بكر سمعت رسول الله يقول لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال قال أبو بكر والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه فيه إلا صنعته قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي وهشام هو ابن يوسف اليماني قاضيها ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد يروي عن محمد بن مسلم الزهري والحديث مضى بأتم منه في باب فرض الخمس ومضى الكلام فيه قوله من فدك بفتح الفاء والدال المهملة وبالكاف موضع على مرحلتين من المدينة كان النبي صالح أهله على نصف أرضه وكان خالصا له قوله من خيبر كان فتحها عنوة وكان خمسها له لكنه كان لا يستأثر به بل ينفق حاصله

(23/232)


على أهله وعلى المصالح العامة قوله من هذا المال أشار به إلى المال الذي يحصل من خمس خيبر وكلمة من للتبعيض أي يأكلون البعض من هذا المال مقدار نفقتهم قوله لا أدع أي لا أترك قوله فهجرته فاطمة رضي الله تعالى عنها أي هجرت أبا بكر يعني انقبضت عن لقائه وليس المراد منه الهجران المحرم من ترك الكلام ونحوه وهي ماتت قريبا من ذلك بستة أشهر بل أقل منها -
7276 - حدثنا ( إسماعيل بن أبان ) أخبرنا ( ابن المبارك ) عن ( يونس ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أن النبي قال لا نورث ما تركنا صدقة ( انظر الحديث 434 وطرفه )
هذا طريق آخر في حديث عائشة المذكور أخرجه عن إسماعيل بن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباب الموحدة وبالنون أبي إسحاق الوراق الأزدي الكوفي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري
8276 - حدثنا يحياى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من حديثه ذالك فانطلقت حتى دخلت عليه فسألته فقال انطلقت حتى أدخل على عمر فأتاه حاجبه يرفأ فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمان والزبير وسعد قال نعم فأذن لهم ثم قال هل لك في علي وعباس قال نعم قال عباس يا أمير المؤمنين اقضه بيني وبين هاذا قال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله نفسه فقال الرهط قد قال ذالك فأقبل على علي وعباس فقال هل تعلمان أن رسول الله قال ذلك قالا قد قال ذلك قال عمر فإني أحدثكم عن هاذا الأمر إن الله قد كان خص رسوله في هاذا الفيءه بشيء لم يعطه أحدا غيره فقال عز و جل ما أفاء الله على رسوله إلى قوله قدير ( الحشر6 ) فكانت خالصة لرسول الله والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم لقد أعطاكموه وبثها فيكم حتى بقي منها هاذا المال فكان النبي ينفق على أهله من هاذا المال نفقة سنته ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذالك قالوا نعم ثم قال لعلي وعباس أنشدكما بالله هل تعلمان ذالك قالا نعم فتوفى الله نبيه فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي ولي رسول الله فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل رسول الله وأبو بكر ثم جئتماني وكلمتكما واحد وأمركما جميع جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك وأتاني هاذا يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت إن شئتما دفعتها إليكما بذالك فتلتمسان مني قضاء غير ذالك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير

(23/233)


ذالك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها
مطابقته للترجمة في قوله لا نورث ما تركنا صدقة و ( يحيى بن بكير ) وهو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الباء الموحدة مصغر بكر المصري يروي عن ليث بن سعد المصري عن ( عقيل ) بضم العين المهلمة ابن خالد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان بفتح الحاء المهلمة والدال المهملة وبالثاء المثلثة إلى آخره
والحديث مضى في باب فرض الخمس بأطول منه فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن محمد الفروي حدثنا مالك بن أنس عن ( ابن شهاب ) عن ( مالك بن أوس بن الحدثان ) ومحمد بن جبير ذكر لي من حديثه ذلك إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله من حديثه أي من حديث مالك ابن أوس قوله يرفأ بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وبالفاء مهموز وغير مهموزا وهو علم حاجب عمر رضي الله عنه قوله هل لك في عثمان يعني ابن عفان وعبد الرحمن يعني ابن عوف والزبير يعني ابن العوام وسعد يعني ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم أراد هل لك رغبة من دخولهم عليك قوله أنشدكم الله بضم الشين أي أسألكم بالله قوله يريد نفسه وسائر الأنبياء عليهم السلام فلذلك قال لا نورث بالنون قوله قال الرهط أراد به الصحابة المذكورين قوله ولم يعطه غيره حيث خصص الفيء كله برسول الله وقيل أي حيث حلل الغنيمة له ولم تحل لسائر الأنبياء عليهم السلام قوله فكانت خالصة كذا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني خاصة قوله ما احتازها بالحاء المهملة وبالزاي أي ما جمعها لنفسه دونكم قوله ولا أستأثر أي ولا استبد بها وتفرد قوله لقد أعطاكموه أي المال وفي رواية الكشميهني لقد أعطاكموها أي الخالصة قوله وبثها فيكم أي نشرها وفرقها عليكم قوله هذا المال أشار به إلى المقدار من المال الذي يطلبان حصتهما منه قوله مجعل مال الله أي الموضع الذي جعل مال الله في جهة مصالح المسلمين قوله وكلمتكما واحدة أي متفقان لا نزاع بينكما قوله بذلك أي بأن تعملا فيه كما عمل رسول الله وعمل أبو بكر فيها فدفعتها إليكما هذا الوجه فاليوم جئتما وتسألان مني قضاء غير ذلك وقال الخطابي هذه القضية مشكلة لأنهما إذا كانا قد أخذا هذه الصدقة من عمر رضي الله تعالى عنه على الشريطة فما الذي بدا لهما بعد حتى تخاصما وقال الكرماني الجواب أنه كان شق عليهما الشركة فطلبا أن تقسم بينهما ليستقل كل منهما بالتدبير والتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر القسمة لئلا يجري عليها اسم الملك لأن القسمة إنما تقع في الأملاك ويتطاول الزمان يظن به الملكية قوله فتلتمسان أي فتطلبان قوله فوالله الذي وفي رواية الكشميهني فوالذي بحذف الجلالة
9276 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال لا يقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة ( انظر الحديث 6772 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن ابن هرمز
والحديث مضى في الخمس والوصايا عن عبد الله بن يوسف عن مالك
قوله لا يقتسم وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني لا يقسم بحذف التاء الفوقية وهو برفع الميم على أن لا للنفي وقال ابن التين كذلك قرأته وكذلك في ( الموطأ ) وروي لا يقسم بالجزم كأنه نهاهم إن خلف شيئا أن لا يقسم بعده فإن قلت يعارضه ما تقدم في الوصايا من حديث عمرو ابن الحارث الخزاعي ما ترك رسول الله دينارا ولا درهما
قلت نهاهم هنا عن القسمة على غير قطع بأنه لا يخلف دينارا ولا درهما لأنه يجوز أن يملك ذلك قبل موته ولكنه نهاهم عن قسمته وفي حديث الخزاعي المعنى ما ترك دينارا ولا درهما لأجل القسمة فيتحد معناهما قوله لا يقتسم ورثتي أي لا يقتسمون بالقوة لو كنت ممن يورث أو لا يقتسمون ما تركته لجهة الإرث فلذلك أتى بلفظ الورثة وقيدها ليكون اللفظ مشعرا بما به الاشتقاق وهو الإرث فظهر أن المنفي الاقتسام

(23/234)


بطريق الإرث عنه قوله دينارا التقييد بالدينار من باب التنبيه على ما سواه كما قال الله عز و جل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ( الزلزلة7 ) قوله بعد نفقة نسائي يريد أنه تؤخذ نفقة نسائه لأنهم محبوسات عنده محرمات على غيره بنص القرآن قوله ومؤونة عاملي قيل هو القائم على هذه الصدقات والناظر فيها وقيل كل عامل للمسلمين من خليفة وغيره لأنه عامل للنبي وناب عنه في أمته وقيل خادمه وقيل حافر قبره وقيل الأجير فإن قيل كيف اختصت النساء بالنفقة والعامل بالمؤونة وهل بينهما فرق قيل له بأن المؤونة القيام بالكفاية والإنفاق بذل القوة وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤونة وكان لا بد من النفقة لأزواج النبي فاقتصر على ما يدل عليه والعامل في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه فاقتصر على ما يدل عليه قوله فهو صدقة يعني لا تحل لآله
ومما يستفاد من الحديث جواز الوقف وأن يجري بعد الوفاة كالحياة فلا يباع ولا يملك حكم الشارع فيما أفاء الله عليه بأنه لا يورث ولكن يصرف لما ذكره والباقي لمصالح المسلمين وههنا أساء الأدب صاحب ( التوضيح ) حيث قال وبين أي الحديث المذكور فساد قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه
قلت الفساد قول من لا يدرك الأمور فأبو حنيفة لم ينفرد ببطلان الوقف ولإقالة برأيه وهذا شريح قال جاء محمد ببيع الحبس ولأن الملك فيه باق ولأنه يتصدق بالغلة وبالمنفعة المعدومة وهو غير جائز إلا في الوصية
0376 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن ( أزواج ) النبي حين توفي رسول الله أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن فقالت عائشة أليس قد قال رسول الله لا نورث ما تركنا صدقة ( انظر الحديث 4304 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود في الخراج عن القعنبي وأخرجه النسائي في الفرائض عن قتيبة ثلاثتهم عن مالك به
4 -
( باب قول النبي من ترك مالا فلأهله )
أي هذا باب في ذكر قول النبي من ترك مالا فلأهله أي فهو لأهله
1376 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) حدثني ( أبو سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته
مطابقته للترجمة في آخر الحديث لأن ورثته هم أهله
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الفرائض عن زهير بن حرب وغيره
قوله أنا أولى بالمؤمنين هكذا أورده مختصرا وقد مضى في الكفالة من طريق عقيل عن ابن شهاب ولفظه أن رسول الله كان يؤتى بالرجل المتوفي عليه الدين فيقول هل ترك لدينه قضاء فإن قيل نعم صلى عليه وإلا قال صلوا على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم الحديث قوله فمن مات يعني من المسلمين والحال أن عليه دينا ولم يترك وفاء أي ما بقي بدينه قوله فعلينا قضاؤه قال المهلب هذا لوعد منه لما وعد الله به من الفتوحات من ملك الكسرى وقيصر وليس على الضمان بدليل تأخره عن الصلاة على المديان حتى ضمنه بعض من حضر وقال غيره إنه ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين وقوله فعلينا قضاؤه أي فعلينا الضمان اللازم وقال الكرماني قضاء دين المعسر الميت كان من خصائصه وكان من خالص ماله

(23/235)


وقيل من بيت المال وفيه أنه قائم بمصالح الأمة حيا وميتا وولي أمرهم في الحالين قوله ومن ترك مالا فلورثته وهذا مجمع عليه وكذا ثبت في رواية الكشميهني هنا يعني لورثته وكذا في رواية مسلم وفي رواية عبد الرحمن بن عمرة فلورثة عصبته من كانوا قال الداودي المراد بالعصبة هنا الورثة لا من يرث بالتعصيب لأن العاصب في الاصطلاح من ليس له سهم مقدر من المجمع على توريثهم ويرث كل المال إذا انفرد ويرث ما فضل بعد الفروض وقيل المراد من العصبة هنا قرابة الرجل وهو من يلتقي مع الميت في أب ولو علا
5 -
( باب ميراث الولد من أبيه وأمه )
أي هذا باب في بيان ميراث الولد من أبيه وأمه والولد يشمل الذكر والأنثى وولد الولد وإن سفل
وقال زيد بن ثابت إذا ترك رجل أو امرأة بنتا فلها النصف وإن كانتا اثنتين أو أكثر فلهن الثلثان وإن كان معهن ذكر بديء بمن شركهم فيؤتى فريضته فما بقي فللذكر مثل حظ الأنثيين ( النساء671 )
زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري النجاري المدني كاتب وحي النبي وكان من فضلاء الصحابة ومن أصحاب الفتوى مات بالمدينة سنة خمس وأربعين وقال أبو عمر أصل ما بنى عليه مالك والشافعي وأهل الحجاز ومن وافقهم في الفرائض قول زيد بن ثابت وأصل ما بنى عليه أهل العراق ومن وافقهم فيها قول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكل من الفريقين لا يخالف صاحبه إلا في اليسير النادر إذا ظهر ووصل أثره سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فذكر مثله قوله فلها النصف أي فللبنت الواحدة النصف هذا قول الجماعة إلا من يقول بالرد وكذا في الابنتين فأكثر إلا من يقول بالرد وإلا ابن عباس فإنه كان يجعل للبنتين النصف قوله وإن كان معهن أي مع البنات ذكر بدىء على صيغة المجهول بمن شركهم أي بمن شرك البنات والذكر فغلب التذكير على التأنيث يعني إن كان مع البنات أخ لهن وكان معهم غيرهم فمن له فرض مسمى كالأم مثلا كما لو مات عن بنات وابن وأم يبدأ بالأم فتعطى فرضها وما بقي فهو بين البنات والابن للذكر مثل حظ الأنثيين وقال ابن بطال قوله وإن كان معهن ذكر يريد إن كان مع البنات أخ من أبيهن وكان معهم غيرهم ممن له فرض مسمى كالأب مثلا قال فلذلك قال شركهم ولم يقل شركهن فيعطى الأب مثلا فرضه ويقسم ما بقي بين الابن والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين قال وهذا تأويل حديث الباب وهو قوله ألحقوا الفرائض بأهلها
2376 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما عن النبي قال ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدخل فيه ميراث الابن على ما لا يخفى
ووهيب هوابن خالد يروي عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
والحديث أخرجه مسلم في الفرائض أيضا عن أمية بن بسطام وعن غيره وأخرجه أبو داود فيه أيضا عن أحمد بن صالح وغيره وأخرجه الترمذي عن عبد بن حميد به وغيره وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن معمر وغيره وقيل تفرد بوصله وهيب ورواه الثوري عن طاووس ولم يذكر ابن عباس بل أرسله أخرجه النسائي والطحاوي وأشار النسائي إلى ترجيح الإرسال والمرجح في ( الصحيحين ) الوصل وإذا تعارض الوصل والإرسال ولم يرجح أحد الطرفين قدم الوصل
قوله ألحقوا الفرائض أي الأنصباء المقدرة في كتاب الله وهي النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس وأصحابها مذكورة في الفرائض قوله بأهلها هو من يستحقها بنص القرآن ووقع في رواية روح بن القاسم عن ابن طاووس اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله أي على وفق ما أنزل الله في كتابه قوله فما بقي أي من أصحاب الفرائض قوله فهو لأولى رجل قال النووي المراد بالأولى الأقرب وإلا لخلا عن الفائدة لأنا لا ندري من هو

(23/236)


الأحق وقال الخطابي الأولى الأقرب رجل من العصبة
وفي ( التلويح ) قوله فهو لأولى رجل يريد إذا كان في الذكور من هو أولى من صاحبه بقرب أو بطن فأما إذا استووا في التعدد وأدلوا بالإناث والأمهات معا كالإخوة وشبههم فلم يقصدوا بهذا الحديث لأنه ليس في البنين من هو أولى منهم لأنهم قد استووا في المنزلة ولا يجوز أن يقال أولى وهم سواء فلم يرد البنين بهذا الحديث وإنما أراد غيرهم ووقع في رواية الكشميهني فلأولى رجل بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة على وزن أفعل التفضيل من الولي بسكون اللام وهو القرب أي لمن يكون أقرب في النسب إلى الموروث وليس المراد هنا الأحق وقال عياض إن في رواية ابن الحذاء عن ابن ماهان في ( مسلم ) فهو لأدنى بدال ونون وهو بمعنى الأقرب وقال ابن التين إنما المراد به العمة مع العم وبنت الأخ مع ابن الأخ وبنت العم مع ابن العم وخرج من ذلك الأخ والأخت لأبوين أو لأب فإنهم يرثون بنص قوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ( النساء671 ) ويستثنى من ذلك من يحجب كالأخ للأب مع البنت ولأخت الشقيقة وكذا يخرج الأخ والأخت لأم بقوله تعالى فلكل واحد منهما السدس ( النساء11 ) وقد نقل الإجماع على أن المراد بها الأخوة من الأم قوله رجل ذكر فيه أقوال كثيرة أعني في توصيف الرجل بالذكورة
الأول قال ابن الجوزي والمنذري هذه اللفظة ليست بمحفوظة وقال ابن الصلاح فيها بعد عن الصحة من حيث اللغة فضلا عن الرواية الثاني إنما وصف الرجل بالذكر للتنبيه على سبب استحقاقه وهي الذكورة التي هي سبب العصوبة وسبب الترجيح في الإرث الثالث قال السهيلي قوله ذكر صفة لأولي لا لرجل والأولي بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال فهو لقريب الميت ذكر من جهة الرجل وصلب لا من جهة بطن ورحم فالأولي من حيث المعنى مضاف إلى الميت وقد أشير بذكر الرجل إلى جهة الأولوية فأفيد بذلك نفي الميراث عن الأولي الذي هو من جهة الأم كالخال وبقوله ذكر إلى نفيها عن النساء بالعصوبة وإن كن من الأولين للميت من جهة الصلب ولو جعلناه صفة لرجل يلزم اللغو وأن لا يبقى معه حكم الطفل الرضيع إذ لا يطلق الرجل إلا على البالغ وقد علم أنه يرث ولو ابن ساعة وأن لا تحصل التفرقة بين قرابة الأب وقرابة الأم الرابع قال الخطابي إنما قال ذكر لبيان إرثه بالذكورة ليعلم أن العصبة إذا كان عما أو ابن عم مثلا وكان معه أخت له لا ترث ولا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ورد بأنه ظاهر من التعبير بقوله رجل الخامس قال ابن التين إنه للتأكيد كما في قوله ابن لبون ذكر ورد بأن هذا ليس بتأكيد لفظي ولا معنوي السادس قال غيره هذا التأكيد لمتعلق الحكم وهو الذكورة لأن الرجل قد يراد به معنى النجدة والقوة في الأمر فقد حكى سيبويه مررت برجل رجل أبوه فلهذا احتاج الكلام إلى زيادة التوكيد بذكر حتى لا يظن أن المراد به خصوص البالغ السابع إنما قيد بذكر خشية أن يظن أن المراد من الرجل الشخص وهو أعم من الذكر والأنثى وفيه ما فيه على ما لا يخفى الثامن ما قاله بعض الفرضيين إنه احتراز عن الخنثى التاسع ما قيل إن المراد بالرجل الميت لأن الغالب في الأحكام أن تذكر الرجال وتدخل النساء فيهم بالتبعية العاشر أنه للإشارة إلى الكمال في ذلك كما يقال امرأة أنثى وفيه ما فيه وقيل غير ذلك مما الغالب فيه النظر والتردد
6 -
( باب ميراث البنات )
أي هذا باب في بيان ميراث البنات والأصل فيه الآية التي تقدمت في أول الكتاب وهي قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين الآية وإن الجاهلية كانوا لا يورثون البنات فأبطل الله ذلك وشاركهن مع الذكور وقد مر بيانه هناك
3376 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( الزهري ) قال أخبرني ( عامر بن سعد بن أبي وقاص ) عن أبيه قال مرضت بمكة مرضا فأشفيت منه على الموت فأتاني النبي يعودوني فقلت يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنتي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال

(23/237)


قلت فالشطر قال لا قلت الثلث قال الثلث كبير إنك إن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك فقلت يا رسول الله آاخلف عن هجرتي فقال لن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة ولعل أن تخلف بعدي حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله أن مات بمكة قال سفيان وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي
مطابقته للترجمة في قوله ليس يرثني إلا ابنتي والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى نسبة إلى حميد بالضم أحد أجداده وسفيان هو ابن عيينة يروي عن محمد بن مسلم الزهري
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب رثاء النبي سعد بن خولة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص إلى آخره وأيضا مضى في كتاب الوصايا في باب أن تترك ورثتك أغنياء أخرجه فيه عن أبي نعيم عن سفيان وفي الباب الذي يليه عن قتيبة عن سفيان ومضى الكلام فيه هناك
قوله فأشفيت أي فأشرفت قوله مالا كثيرا بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة قوله فالشطر بالجر والرفع قاله الكرماني ولم يبين وجههما
قلت أما الجر فبالعطف على قوله بثلثي مالي وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره فالشطر أتصدق به أي النصف قوله إن تركت بكسر الهمزة وفتحها قوله خير أي فهو خير ليكون جزاء للشرط قوله عالة جمع عائل وهو الفقير قوله يتكففون أي يمدون إلى الناس أكفهم للسؤال قوله أجرت على صيغة المجهول من الأجر قوله وأخلف على صيغة المجهول أي أبقى بمكة متخلفا عن الهجرة قوله لعل ويروى ولعلك استعمل هنا استعمال عسى قوله ويضربك على صيغة المجهول قوله البائس بالباء الموحدة شديد الحاجة أو الفقير قوله يرثي بكسر الثاء المثلثة أي يرق ويرحم قيل هو كلام سعد وقيل كلام الزهري وسعد بن خولة مات بمكة في حجة الوداع وتقدمت فيه مباحث في كتاب الجنائز
4376 - حدثني ( محمود ) حدثنا ( أبو النضر ) حدثنا ( أبو معاوية شيبان ) عن ( أشعث ) عن ( الأسود بن يزيد ) قال أتانا معاذ بن جبل باليمن معلما وأميرا فسألناه عن رجل توفي وترك ابنته وأخته فأعطى الإبنة النصف والأخت النصف
مطابقته للترجمة في قوله أعطى الابنة النصف ومحمود هو ابن غيلان بفتح الغين المعجمة أبو أحمد المروزي وأبو النضر هو هاشم التميمي الملقب بقيصر وأشعث بالشين المعجمة وبالعين المهملة وبالثاء المثلثة ابن سليم يكنى بالشعثاء الكوفي والأسود ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي
والحديث أخرجه أبو داود في الفرائض عن موسى بن إسماعيل
قوله فأعطى الابنة النصف أجمع العلماء على أن ميراث البنت الواحدة النصف وللأخت النصف بنص القرآن
7 -
( باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن )
أي هذا باب في بيان إرث ابن ابن الرجل إذا لم يكن له ابن لصلبه
وقال زيد ولد الأبناء بمنزلة الولد إذا لم يكن دونهم ولد ذكر ذكرهم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون ولا يرث ولد الابن مع الابن
أي قال زيد بن ثابت الأنصاري إلى آخره وهذا الذي قاله زيد إجماع ووصل أثره سعيد بن منصور عن عبد الرحمن

(23/238)


ابن أبي الزناد عن أبيه وأخرجه عن خارجة بن زيد عن أبيه أيضا يزيد بن هارون عن محمد بن سالم عن الشعبي عنه قوله بمنزلة الولد أي بمنزلة الولد للصلب قوله دونهم أي إذا لم يكن بينهم وبين الميت ولد للصلب قوله ذكر كذا في رواية الكشميهني وليس في رواية الأكثرين لفظ ذكر واحترز بالذكر عن الأثنى قوله ذكرهم كذكرهم أي ذكر ولد الأبناء كذكر الأبناء وأنثاهم أي أنثى ولد الأبناء كأنثى الأبناء يرثون أي ولد الأبناء كما يرث الأبناء وهو ظاهر قوله ويحجبون أي يرثون جميع المال إذا انفردوا ويحجبون دونهم في الطبقة ممن بينهم وبين الميت وقال ابن بطال قال أكثر الفقهاء فيمن خلفت زوجا وأما وبنتا وابن ابن وبنت ابن يقدم الفرض للزوج الربع وللأم السدس وللبنت النصف وما بقي بين ولدي الابن للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كانت البنت أسفل من الابن فالباقي له دونها وقيل الباقي له مطلقا لقوله فما بقي فلا ولي رجل ذكر قوله ولا يرث ولد الابن مع الابن ذكر هذا تأكيدا لما تقدم فإن حجب أولاد الابن بالابن إنما يؤخذ من قوله إذا لم يكن دونهم إلى آخره بطريق المفهوم
8 -
( باب ميراث ابنة ابن مع ابنة )
أي هذا باب في بيان ميراث ابنة ابن مع وجود ابنة وفي رواية الكشميهني مع بنت
6376 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( أبو قيس ) سمعت ( هزيل بن شرحبيل ) قال سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال للابنة النصف وللاخت النصف وأت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال لقد ( 6 ) ضللت إذا وما أنا من المهتدين ( الأنعام65 ) أقضي فيها بما قضي النبي للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني ما دام هاذا الخبر فيكم ( الحديث 6376 - طرفه في 2476 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس وأبو قيس بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة واسمه عبد الرحم بن ثروان بفتح الثاء المثلثة وسكون الراء وبالواو والنون الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة مات سنة عشرين ومائة وهزيل بضم الهاء وفتح الزاي وسكون الياء آخر الحروف وباللام ولقد صحف من قال بالذال المعجمة موضع الزاي ابن شرحبيل بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وباللام قال الكرماني ولم يتقدم ذكرهما
والحديث أخرجه أبو داود في الفرائض عن عبد الله بن عامر بن زرارة وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن عرفة وأخرجه النسائي فيه عن محمود بن غيلان وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن وكيع
قوله سئل أبو موسى ورواية غندر عن شعبة عن النسائي جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وهو الأمير وإلى سلمان بن ربيعة الباهلي فسألهما وكذا أخرجه أبو داود وكذا للترمذي وابن ماجه والطحاوي والدارمي من طرق عن سفيان الثوري بزيادة سلمان بن ربيعة مع أبي موسى وقد ذكروا أن سلمان المذكور كان على قضاء الكوفة قوله وائت ابن مسعود قال ذلك للاستثبات قوله لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ( الأنعام65 ) قال الكرماني غرض عبد الله بن مسعود من قراءة هذه الآية هو أنه لو قال بحرمان بنت الابن لكان ضالا
قلت الحاصل من ذلك أن قول ابن مسعود

(23/239)


هذا جواب عن قول أبي موسى أنه سيتابعني وأشار إلى أنه لو تابعه لخالف صريح السنة التي عنده وأنه لو خالفها عامدا لضل قوله أقضى فيها أي في هذه المسألة أو في هذه القضية بما قضى النبي والذي قضاه هو قوله للابنة النصف إلى آخره وفي رواية الدارقطني من طريق حجاج بن أرطأة عن عبد الرحمن بن ثروان فقال ابن مسعود كيف أقول يعني مثل قول أبي موسى وقد سمعت رسول الله يقول فذكره وكانت هذه القضية في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه لأنه هو الذي أمر أباه موسى على الكوفة وكان ابن مسعود قبل ذلك أميرها ثم عزل قبل ولاية أبي موسى عليها بمدة قوله فأتينا أباه موسى فيه إشعار بأن هزيلا الراوي المذكور توجه مع السائل إلى ابن مسعود فسمع جوابه فعاد إلى أبي موسى معه فأخبره فلذلك ذكر المزي في ( الأطراف ) هذا الحديث من رواية هزيل عن ابن مسعود قوله ما دام هذا الحبر بفتح الحاء وسكون الباء الموحدة وبالراء وأراد به ابن مسعود والحبر هو الذي يحسن الكلام ويزينه وذكر الجوهري الحبر بالفتح والكسر ورجح الكسر وجزم الفراء بالكسر وقال سمي بالحبر الذي يكتب به قلت هو بالفتح في رواية جميع المحدثين وأنكر أبو الهيثم الكسر
وفيه أن الحجة عند التنازع سنة النبي فيجب الرجوع إليها وفيه بيان ما كانوا عليه من الإنصاف والاعتراف بالحق والرجوع إليه وشهادة بعضهم لبعض بالعلم والفضل وكثرة إطلاع ابن مسعود على السنة وتثبت أبي موسى عن الفتيا حيث دل على من ظن أنه أعلم منه قال ابن بطال ولا خلاف بين العلماء فيما رواه ابن مسعود وفي جواب أبي موسى إشعار بأنه رجع عما قاله وقال أبو عمر لم يخالف في ذلك إلا أبو موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة الباهلي وقد رجع أبو موسى عن ذلك ولعل سلمان أيضا رجع كأبي موسى وسلمان هذا مختلف في صحبته وله أثر في فتوح العراق أيام عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما واستشهد في زمان عثمان وكان يقال له سلمان الخيل لمعرفته بها وقال ابن العربي يؤخذ من قصة أبي موسى وابن مسعود جواز العمل بالقياس قبل معرفة الخبر والرجوع إلى الخبر بعد معرفته ونقض الحكم إذا خالف النص
9 -
( باب ميراث الجد مع الأب والإخوة )
أي هذا باب في بيان حكم ميراث الجد الذي من قبل الأب مع الأب والأخوة الأشقاء ومن الأب وقد انعقد الإجماع على أن الجد لا يرث مع وجود الأب
وقال أبو بكر ابن عباس وابن الزبير الجد أب
أي الجد الصحيح أب أي حكمه حكم الأب عند عدمه بالإجماع والجد الصحيح هو الذي لا يدخل في نسبته إلى الميت أم وقد يطلق على الجد أب في قوله عز و جل كما أخرج أبويكم من الجنة ( الأعراف72 ) والمخرج من الجنة آدم جدنا الأعلى فإذا أطلق على الجد الأعلى أب فإطلاقه على أب الأب بطريق الأولى فإذا كان أبا فله أحوال ثلاث الفرض المطلق والفرض والنصيب والتعصيب المحض فهو كالأب في جميع أحواله إلا في أربع مسائل فإنه لا يقوم مقام الأب فيها الأولى أن بني الأعيان والجدات كلهم يسقطون بالأب بالإجماع ولا يسقطون بالجد إلا عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه الثالثة أن الأم مع أحد الزوجين والأب تأخذ ثلث ما يبقى ومع الجد تأخذ ثلث الجميع إلا عند أبي يوسف فإن عنده الجد كالأب فيه والثانية أن أم الأب وإن علت تسقط بالأب ولا تسقط بالجد وإن علت الرابعة أن المعتق إذا ترك أبا المعتق وابنه فسدس الولاء للأب والباقي للابن عند أبي يوسف وعندهما كله للابن ولو ترك ابن المعتق وجده فالولاء كله للابن بالاتفاق وهذا هو شرح كلام هؤلاء الصحابة ولم أر أحدا من الشراح ذكر شيئا من ذلك وقال بعضهم قوله الجد أب أي هو أب حقيقة
قلت لم يقل بذلك أحد ممن يميز بين الحقيقة والمجاز وأما قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه فوصله الدارمي بسند على شرط مسلم عن أبي سعيد الخدري أن أبا بكر جعل الجد أبا وأما قول ابن عباس فأخرجه

(23/240)


محمد بن نصر المروزي في كتاب الفرائض من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال الجد أب وأما قول عبد الله بن الزبير فمضى في المناقب موصولا من طريق ابن أبي مليكة قال كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد فقال إن أبا بكر أنزله أبا
وقرأ ابن عباس يا بني آدم ( الأعراف62 وغيرها ) واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ( يوسف83 ) ولم يذكر أن أحدا خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النبي متوافرون
وقال ابن عباس يرثني ابن ابني دون إخوتي ولا أرث أنا ابن ابني
أشار بقوله وقرأ ابن عباس يا بني آدم إلى احتجاجه بأن الجد أب بقوله تعالى يا بني آدم وبقوله تعالى واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فإنه أطلق على هؤلا الأب مع أنهم أجداد وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء عن ابن عباس قال الجد أب وقرأ واتبعت ملة آبائي إبراهيم الآية قوله ولم يذكر على صيغة المجهول قوله خالف أبا بكر أي فيما قاله من الجسد حكمه حكم الأب قوله وأصحاب النبي الواو فيه للحال قوله متوافرون أي فيهم كثرة وعدد وهو إجماع سكوتي وممن قال مثل قول ابن عباس معاذ وأبو الدرداء وأبو موسى وأبي بن كعب وأبو هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهم ومن التابعين أيضا عطاء وطاووس وشريح والشعبي وقال أيضا من الفقهاء عثمان البتي وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وداود والمزني وابن شريح وذهب عمر وعلي وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريث الإخوة مع الجد لكن اختلفوا في كيفية ذلك وموضعه كتب الفرائض
قوله وقال ابن عباس يرثني إلى آخره أراد به الإنكار أي لم لا يرث الجد فيكون ردا على من حجب الجد بالإخوة أو معناه فلم لا يرث الجد وحده دون الإخوة كما في العكس فهو رد على من قال بالشركة بينهما وقال أبو عمر وجه قياس ابن عباس أن ابن الابن لما كان كالابن عند عدم الابن كان أبو الأب عند عدم الأب كالأب
ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة
ويذكر على صيغة المجهول إشارة إلى التمريض وقد ذكرنا الآن أنهم ذهبوا إلى توريث الإخوة مع الجد ولكن باختلاف بينهم في ذلك وقول عمر إنه كان يقاسم الجد مع الأخ والأخوين فإذا زادوا أعطاه الثلث وكان يعطيه مع الولد السدس رواه الدارمي من طريق عيسى الحناط عن الشعبي فذكره وقول علي رضي الله تعالى عنه فرواه الشعبي كتب ابن عباس إلى علي يسأله عن ستة إخوة وجد فكتب إليه أن أجعله كأحدهم وامح كتابي وروى الحسن البصري أن عليا كان يشرك الجد مع الإخوة إلى السدس وله أقوال أخر وقول ابن مسعود روي في امرأة تركت زوجها وأمها وجدها وأخاها لأبيها أن للزوج ثلاثة أسهم النصف وللأم ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال وللأخ سهم وللجد سهم وقول زيد بن ثابت فرواه الدارمي من طريق الحسن البصري قال كان زيد يشرك الجد مع الأخوة إلى الثلث وأخرج عبد الرزاق من طريق إبراهيم قال كان زيد يشرك الجد مع الإخوة إلى الثلث فإذا بلغ الثلث أعطاه إياه وللأخوة ما بقي ويقاسم الأخ للأب ثم يرد على أخيه ويقاسم الأخوة من الأب مع الأخوة الأشقاء ولا يورث الأخوة للأب شيئا ولا يعطي أخا لأم مع الجد شيئا وله أقوال أخرى طوينا ذكرها طلبا للاختصار
7376 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( وهيب ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما عن النبي قال ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر
وجه إيراد هذا الحديث هنا مع أنه تقدم عن قريب وتقدم شرحه هو أن الذي يبقى بعد الفرض يصرف لأقرب الناس إلى الميت فكان الجد أقرب فيقدم وقال ابن بطال وقد احتج به من يشرك بين الجد والأخ فإنه أقرب إلى الميت وهو ظاهر

(23/241)


ووهيب هو ابن خالد يروي عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس
8376 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) قال أما الذي قال رسول الله لو كنت متخذا من هاذه الأمة خليلا لاتخذته ولاكن خلة الإسلام أفضل أو قال خير فإنه أنزله أبا أو قال قضاه أبا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فإنه أنزله أبا فإن أبا بكر أنزل الجد أبا
وأبو معمر بفتح الميمين اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد وعبد الوارث بن سعيد البصري وأيوب السختياني
والحديث مضى في الصلاة في باب الخوخة في المسجد
قوله لو كنت متخذا يعني لو كنت منقطعا إلى غير الله لانقطعت إلى أبي بكر لكن هذا ممتنع لامتناع ذلك ولكن خلة الإسلام معه أفضل من الخلة مع غيره قوله أو قال خير شك من الراوي قوله أو قال قضاء أبا أيضا شك من الراوي أي حكم بأنه أب
01 -
( باب ميراث الزوج مع الولد وغيره )
أي هذا باب في بيان ميراث الزوج مع الولد وغيره من الوارثين فلا يسقط الزوج بحال وإنما ينحط بالولد من النصف إلى الربع
11 -
( باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره )
أي هذا باب في بيان ميراث المرأة إلى آخره قوله وغيره أي من الوارثين فلا يحط إرث واحد من المرأة والزوج بحال بل يحط الولد الزوج من النصف إلى الربع ويحط المرأة من الربع إلى الثمن
0476 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( ابن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) أنه قال ( قضى ) رسول الله في جنين امرأة من بي لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها ( انظر الحديث 8575 وأطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري وابن المسيب سعيد
والحديث ذكره أيضا في الديات عن عبد الله بن يوسف وأخرجه بقية الجماعة ما خلا ابن ماجه كلهم عن قتيبة فمسلم في الحدود والترمذي في الفرائض وأبو داود والنسائي في الديات وقال الترمذي هذا الحديث رواه يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن النبي مرسلا
قوله في جنين امرأة قال البخاري في الديات اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر

(23/242)


فقتلها وما في بطنها الحديث يقال إن الضاربة يقال لها أم عفيف بنت مسروج والمضروبة مليكة بنت عويم وقيل عويمر براء ذكره أبو عمر وفي لفظ للبخاري أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها الحديث وهنا قال إن المضروبة من بني لحيان ولا تخالف بينهما فإن لحيان بكسر اللام وقيل بفتحها بطن من هذيل وهو لحيان بن هذيل بن مدركة قال الجوهري لحيان أبو قبيلة وضبطه بكسر اللام وفي رواية هذلية وعامرية وفي إسنادها ابن أبي فروة وهو ضعيف وظاهرهما التعارض وفي ( الصحيح ) أن إحداهما كانت ضرة الأخرى وفي رواية من طريق مجالد وكل منهما تحت زوج ولا منافاة أيضا لاحتمال إرادة كونهما ليستا ضرتين وجاء أيضا أنها ضربتها بعمود فسطاط وجاء فحذفتها وجاء فدقت إحداهما الأخرى بحجر ولا تخالف لاحتمال تكرر الفعل قوله سقط أي الجنين حال كونه ميتا قوله بغرة متعلق بقوله قضى قوله عبد بالتنوين بيان لغرة ويروى بالإضافة أيضا قوله أو أمة كلمة أو للتنويع وليست للشك وعن أبي داود فقضى رسول الله في جنينها بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل أو حمار والحديث معلول وفي رواية لابن أبي شبيبة من حديث عطاء مرسلا أو بغل فقط وأخرى أو فرس من حديث هشام عن أبيه وقال به مجاهد وطاووس وفي الدارقطني من حديث معمر عن ابن طاووس عن أبيه أن عمر قال أو فرس وقال ابن سيرين يجزىء مائة شاة وفي بعض طرق أبي داود وخمسمائة شاة وهو وهم وصوابه مائة شاة كما نبه عليه أبو داود وفي ( مسند الحارث بن أبي أسامة ) من حديث حمل بن مالك أو عشر من الإبل أو مائة شاة وقال البيهقي ورواه أبو المليح أيضا عن أبيه عن رسول الله إلا أنه قال أو عشرون ومائة شاة وإسناد ضعيف وروى وكيع عن عبد الله بن أبي بكر عن أبي المليح الهذلي قال كانت تحت حمل بن مالك امرأتان امرأة من بني سعد وامرأة من بني لحيان فرمت السعدية اللحيانية فقتلتها وأسقطت غلاما فقضى في الجنين بغرة فقال عويمر أحد من قضى عليهم بالغرة يا رسول الله لا غرة لي قال فعشر من الإبل قال يا رسول الله لا إبل لي قال فعشرون ومائة من الشاة ليس فيها عوراء ولا فارض ولا عضباء قال يا رسول الله فاعني بها من صدقة بني لحيان فقال لرجل فأعنه بها وروى عبد الرزاق عن أبي جابر البياضي وهو واه عن سعيد بن المسيب عن رسول الله في جنين يقتل في بطنن المرأة بغرة في الذكر غلام وفي الأنثى جارية وقال أبو عمر الغرة معناها الأبيض فلا يؤخذ فيها الأسود وقال مالك الحمران أحب إلي من السودان وقال الأبهري يعني البيض فإن لم يكن عبيد تلك البلدة بيضا كان من السودان وقال مالك ويكون من أوسط عبيد تلك البلدة فإن كان أكثرهم الحمران فمن أوسطهم وقال مالك هو عبد أو وليدة قوله بأن ميراثها أي ميراث هذه المرأة المقتولة لبنيها وزوجها وقال أبو عمر جمهور الناس على الميراث في هذه الغرة للورثة والعقل على العصبة
واختلفوا على من تجب الغرة فقالت طائفة منهم مالك والحسن بن حي هي في مال الجاني ثم الكفارة وهو قول الحسن والشعبي وروي ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه وبه جزم إبراهيم وعطاء والحكم وقال آخرون هي على العاقلة وممن قال الثوري والنخعي وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول ابن سيرين وإبراهيم في رواية وحجتهم حديث المغيرة الذي فيه وجعل الغرة عل عاقلة المرأة وقال أبو عمر وهو نص ثابت صحيح في موضع الخلاف يجب الحكم به
واختلفوا في قيمة الغرة فقال مالك تقوم بخمسين دينارا أو بستمائة درهم نصف عشر دية الحر المسلم الذكر وعشر دية الحرة وهو قول الزهري وربيعة وسائر أهل المدينة وقال أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين قيمتها خمسمائة درهم وهو قول إبراهيم والشعبي واختلفوا في صفة الجنين الذي تجب فيه الغرة ما هي فقال مالك ما طرحته من مضغة أو علقة أو ما علم أنه ولد ففيه الغرة فإن سقط ولم يستهل ففيه غرة وسواء تحرك أو عطس ففيه الغرة أيضا حتى يستهل ففيه الدية كاملة وقال الشافعي لا شيء فيه حتى يتبين من خلقه شيء فإن علمت حياته بحركة أو بعطاس أو باستهلال أو بغير ذلك مما يستيقن به حياته ثم مات ففيه الدية وقال ابن عبد البر وهو قول سائر الفقهاء وأجمع الفقهاء على أن الجنين إذا خرج ثم مات كانت فيه الدية والكفارة معها فقال مالك بقسامة وقال أبو حنيفة بدونها واختلفوا في الكفارة إذا خرج ميتا فقال مالك فيه الغرة والكفارة وقال أبو حنيفة والشافعي ففيه

(23/243)


الغرة ولا كفارة وبه قال داود قوله وإن العقل على عصبتها العقل الدية وأصله أن القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول أي شدها في عقالها ليسلمها إليهم ويقبضوها منه فسميت الدية عقلا بالمصدر يقال عقل البعير يعقله عقلا وجمعه عقول والعصبة الأقارب من جهة الأب لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشد بهم
21 -
( باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة )
أي هذا باب في بيان ميراث الأخوات مع اجتماع البنات قوله عصبة بالنصب حال وبالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي عصبة وأجمعوا على أن الأخوات عصبة البنات فمن مات وترك بنتا وأختا فللبنت النصف وللأخت النصف
1476 - حدثنا ( بشر بن خالد ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) قال قضي فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله النصف للابنة والنصف للأخت ثم قال سليمان قضى فينا ولم يذكر على عهد رسول الله ( انظر الحديث 4376 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن خالد أبو محمد العسكري وهو شيخ مسلم أيضا مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين ومحمد بن جعفر هو غندر وسلميان هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي والأسود بن يزيد خال إبراهيم الراوي عنه
والحديث مضى عن قريب في باب ميراث البنات
قوله قضى فينا معاذ بن جبل أراد أنه قضى في اليمين وكان أرسله رسول الله إليهم أميرا ومعلما قوله قال سليمان أي قال شعبة ثم قال سليمان أي الأعمش قضى فينا ولم يذكر على عهد رسول الله والحاصل أن الأعمش روى الحديث أولا بإثبات قوله على عهد رسول الله فيكون مرفوعا على الراجح ومرة بدونها فيكون موقوفا
2476 - حدثني ( عمرو بن عباس ) حدثنا عبد الرحمان حدثنا سفيان عن أبي قيس عن هذيل قال قال عبد الله لأقضين فيها بقضاء النبي أو قال قال النبي قوله لابنة النصف ولابنة الابن السدس وما بقي فللأخت ( انظر الحديث 6376 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بن عباس بالمهملتين البصري و ( عبد الرحمن ) هو ابن مهدي و ( سفيان ) هو الثوري وأبو قيس هو عبد الرحمن بن ثروان و ( هذيل ) مصغر هذل هو ابن شرحبيل و ( عبد الله ) هو ابن مسعود
والحديث مضى قبل هذا الباب بأربعة أبواب
قوله لأقضين فيها أي في هذه المسألة التي سئل عنها ومراده القضاء بسنة رسول الله بطريق الفتوى فإن ابن مسعود يومئذ لم يكن قاضيا ولا أميرا قوله وقال النبي هو شك من بعض الرواة ففي رواية وكيع وغيره عن سفيان عند النسائي وغيره سأقضي فيها بما قضى رسول الله وجماعة العلماء إلا من شذ على أن الأخوات عصبات البنات يرثن ما فضل عن البنت كبنت وأخت للبنت النصف وللأخت الباقي وكبنتين وأخت لهما الثلثان وللأخت ما بقي وكبنت وبنت ابن وأخت وهي فتوى ابن مسعود للأولى النصف وللثانية السدس وللثالثة الباقي
31 -
( باب ميراث الأخوات والإخوة )
أي هذا باب في بيان ميراث الأخوات وهي جمع أخت والإخوة جمع أخ

(23/244)


3476 - حدثنا ( عبد الله بن عثمان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( محمد بن المنكدر ) قال سمعت ( جابرا ) رضي الله عنه قال ( دخل علي ) النبي وأنا مريض فدعا بوضوء فتوضأ ثم نضح علي من وضوئه فأفقت فقلت يا رسول الله إنما لي أخوات فنزلت آية الفرائض
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إنما لي أخوات لأنه يقتضي أنه لم يكن له ولد واستنبط البخاري الإخوة وقدم الأخوات في الترجمة للتصريح بهن في الحديث
وعبد الله بن عثمان بن جبلة الملقب بعبدان المروزي يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي إلى آخره
والحديث مضى في أول كتاب الفرائض بأتم منه ومضى الكلام فيه
قوله بوضوء بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به قوله ثم نضح بالنون والضاد المعجمة وبالحاء المهملة أي رش قوله فنزلت آية الفرائض أي آية المواريث وبين فيها أن الأخوات يرثن وأجمعوا على أن الإخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب ذكورا كانوا أو إناثا لا يرثون مع الابن ولا مع ابن الابن وإن سفل ولا مع الأب
واختلفوا في ميراث الأخوات مع الجد على ما سبق وما عدا ذلك فللواحدة من الأخوات النصف وللبنتين فصاعدا الثالثان إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وجد وأخت شقيقة أو لأب فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف وتعول إلى تسعة ثم يجمع نصيب الجد ونصيب الأخت وهو أربعة فيقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فأربعة على ثلاثة لا يصح فيضرب ثلاثة في تسعة يكون سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة وإنما سميت أكدرية لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا يقال له أكدر فأخطا فيها فنسبت إليه وقيل كان اسم الميت أكدر وقيل سميت بذلك لأنها كدرت على زيد بن ثابت أصلها لأنه لا يفرض للأخت مع الجد إلا في هذه المسألة
41 -
( باب يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثهآ إن لم يكن لهآ ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونسآء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شىء عليم ( النساء671 )
أي هذا باب في ذكر قوله عز و جل يستفتونك الآية وإنما ترجم بهذه الآية لأن فيها التنصيص على ميراث الأخوة قوله يستفتونك من الإستفتاء وهو طلب الفتوى وهي جواب الحادثة والتقدير يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم في الكلالة فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قوله إن امرؤ هلك أي إن هلك امرؤ فحذف لدلالة الثاني عليه أي إن امرؤ مات وقد مر تفسير الكلالة عن قريب قوله وله أخت أي من أبيه وأمه أو أبيه لأن ذكر أولاد الأم قد سبق في أول السورة قوله فلها نصف ما ترك بيان فرضها عند الانفراد قوله أن تضلوا أي لئلا تضلوا وقال البصريون هذا خطأ لا يجوز إضمار والمعنى عندهم كراهية أن تضلوا وقيل معناه يبين الله لكم الضلال كما في قولك يعجبني أن تقوم أي قيامك
حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثهآ إن لم يكن لهآ ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونسآء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شىء عليم ( النساء671 )
المطابقة بين الآية وحديث الباب ظاهرة وعبيد الله بن موس بن باذام أبو محمد الكوفي وروى عنه مسلم بالواسطة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق عمرو السبيعي يروي عن جده أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في المغازي عن عبد الله بن رجاء وقال الكرماني فإن قلت تقدم في البقرة أن آخر آية نزلت آية الربا
قلت الراوي في الموضعين لم ينقل عن رسول الله بل قال ثمة ابن عباس عن ظنه وهنا البراء عن ظنه انتهى
قلت وجاء عن

(23/245)


ابن عباس أيضا إن آخر آية نزلت لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( التوبة821 ) وجاء عنه أيضا إن آخر آية نزلت واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( البقرة182 ) وهذه ثلاث روايات عن ابن عباس فهل قالها كله بالظن فلا يقال ذلك
51 -
( باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج )
أي هذا باب في شأن امرأة ماتت عن ابني عم أحدهما أخوها لأمها والآخر زوجها وهذه الترجمة مثل اللغز ليس فيها بيان صورتها ولا بيان حكمها ولكن حكمها يظهر من قول علي رضي الله تعالى عنه وصورتها رجل تزوج بامرأة فجاءت منه بابن ثم تزوج بأخرى فجاءت منه بابن ثم فارق المرأة الثانية فتزوجها أخوه فجاءت منه ببنت فهي أخت الإبن الثاني لأمه وابنة عمه فتزوجت هذه البنت الابن الأول وهو ابن عمها ثم ماتت عن ابني عم أحدهما أخوها لأمها والآخر زوجها
وقال علي للزوج النصف وللأخ من الأم السدس وما بقي بينهما نصفان
أي قال علي بن أبي طالب في الصورة المذكورة للزوج النصف لأنه زوج وفرضه النصف وللأخ من الأم السدس لكونه أخا من أم وفرضه السدس وما بقي وهو الثلث بينهما أي بين ابني عمها أحدهما الزوج والآخر أخوها من أمها نصفان بطريق العصوبة فيصح للأول الذي هو الزوج الثلثان النصف بطريق الفرض والسدس بطريق التعصيب ويصح للثاني وهو ابن عمها الآخر الثلث بطريق الفرض والتعصيب قال ابن بطال وبقول علي قال المدنيون والثوري ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وقال عمرو بن مسعود جميع المال للذي جمع القرابتين لأنهما قالا في ابني العم أحدهما أخ لام أن الأخ للأم أحق بالمال له السدس بالفرض وباقي المال بالتعصيب وهو قول الحسن البصري وعطاء والنخعي وابن سيرين وإليه ذهب أبو ثور وأهل الظاهر وتعليق علي رضي الله تعالى عنه رواه يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن أوس بن ثابت عن حكيم بن عقال قال أفتى شريح في امرأة تركت ابني عمها أحدهما زوجها والآخر أخوها لأمها فأعطي الزوج النصف وأعطي الأخ من الأم ما بقي فبلغ ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ادع لي العبد لأنظر فدعا شريح فقال ما قضيت أبكتاب الله أو بسنة رسول الله فقال شريح بكتاب الله قال أين قال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( الأحزاب33 ) فقال علي فهل قال للزوج النصف وله ما بقي ثم أعطى الزوج النصف والأخ من الأم السدس ثم قسم ما بقي بينهما
5476 - حدثنا ( محمود ) أخبرنا ( عبيد الله ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وترك مالا فماله لموالي العصبة ومن ترك كلا أو ضياعا فأنا وليه فلأدعى له
مطابقته للترجمة بالتعسف تؤخذ من قوله فماله لموالي العصبة لأن الترجمة التي صورتها ما ذكرنا فيها الفرض والتعصيب فيطابق قوله لموالي العصبة والإضافة فيه للبيان نحو شجر الأراك أي الموالي الذين هم العصبة قيل قد يكون لأصحاب الفروض قيل له أصحاب الفروض مقدمون على العصبة فإذا كان للأبعد فبالطريق الأولى يكون للأقرب
ومحمود شيخ البخاري هو ابن غيلان بفتح الغين المعجمة يروي عن عبيد الله بن موسى وهو أيضا شيخ البخاري يروي عنه كثيرا بلا واسطة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين واسمه عثمان بن عصام وأبو صالح هو ذكوان السمان
والحديث أخرجه النسائي في الفرائض عن أحمد بن سليمان
قوله أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم يعني الأولولية النصرة أي أنا أتولى أمورهم بعد وفاتهم فأنصرهم فوق ما كان منهم لو عاشوا فإن تركوا شيئا من المال فأذب المستأكل من الظلمة أن يحوم حوله فيخلص لورثتهم وإن لم يتركوا وتركوا ضياعا وكلا من الأولاد

(23/246)


فأنا كافلهم وإلى ملجؤهم ومأواهم وإن تركوا دينا فعلي أداؤه فلذلك وصفة الله في كتابه بقوله بالمؤمنين رؤوف رحيم ( التوبة821 ) وهكذا ينبغي أن تفسر الآية أيضا وزاد في رواية الأصلي هنا وأزواجه أمهاتهم ( الأحزاب6 ) وقال عياض وهي زيادة في الحديث لا معنى لها هنا وقال الطيبي إنما يلتئم قوله وأزواجه أمهاتهم إذا قلنا إنه كالأب المشفق لهم بل هو أراف وأرحم بهم قوله فمن مات الفاء فيه تفسيرية مفصلة لما أجمل من قوله أنا أولى بالمؤمنين قوله فماله لموالي العصبة قد مر تفسيره الآن قوله ومن ترك كلا بفتح الكاف وتشديد اللام وهو الثقل قال تعالى وهو كل على مولاه ( النحل67 ) وجمعه كلول وهو يشمل الدين والعيال قوله أو ضياعا بفتح الضاد المعجمة مصدر من ضاع الشيء يضيع ضيعة وضياعا أي هلك قيل فهو على تقدير محذوف أي ذا ضياع وقال الطيبي الضياع اسم ما هو في معرض أن يضيع إن لم يتعهد كالذرية الصغار والزمن الذين لا يقومون بكل أنفسهم ومن يدخل في معناهم وقال أيضا روي الضياع بالكسر على أنه جمع ضائع كجياع في جمع جائع قوله فلأدعى له بلفظ أمر الغائب المجهول والأصل في لام الأمر أن تكون مكسورة كقوله تعالى وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ( الحج92 ) قرىء بكسر اللام وإسكانها وقد تسكن مع الفاء أو الواو غالبا فيهما وإثبات الألف بعد عين لادعى جائز على قول من قال
ألم يأتيك والأنباء تنمي
وكان القياس فلادع له أي فادعوني له حتى أقوم بكله وضياعه لأن حذفها علامة الجزم لأنه مجزوم بلام الأمر لأن كل فعل في آخره واوا وياء أو ألف فجزمه بحذف آخره هذا هو المشهور في اللغة وفي رواية لابن كثير أنه قرأ من يتقي ويصبر ( يوسف09 ) بإثبات الياء وإسكان الراء وهي لغة أيضا
6476 - حدثنا ( أمية بن بسطام ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) عن ( روح ) عن ( عبد الله بن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) عن النبي قال ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر
مطابقته للترجمة يمكن أن يوجه مثل ما وجه في ترجمة الحديث السابق وأمية بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف ابن بسطام بفتح الباء الموحدة وكسرها البصري وروح بفتح الراء وسكون الواو ابن القاسم العنبري
والحديث قد مر عن قريب في باب ميراث الولد من أبيه وأمه ومضى الكلام فيه هناك
61 -
( باب ذوي الأرحام )
أي هذا باب في بيان حكم ذوي الأرحام هل يرثون أم لا ومن هم وذوو الأرحام جمع ذي الرحمن وهو خلاف الأجنبي والأرحام جمع الرحم والرحم في الأصل منبت الولد ووعاؤه في البطن ثم سميت القرابة والوصلة من جهة الولادة رحما وفي الشريعة عبارة عن كل قريب ليس بذي سهم ولا عصبة وقال ابن الأثير وذوو الرحم هم الأقراب ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء يقال ذوو رحم محرم ومحرم هو من لا يحل نكاحه كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة انتهى وقال في ( التلويح ) ذوو الأرحام هم الذين لا سهم لهم في الكتاب والسنة من قرابة الميت وليسوا بعصبة البنات كأولادها وأولاد الأخوات وأولاد الأخوة لأم وبنات الأخ والعمة والخالة وعمة الأب والعم أخو الأب لأمه والجد أبي الأم والجدة أم أبي الأم ومن أدلى بهم
واختلفوا في هذا الباب فقالت طائفة إذا لم يكن للميت وارث له فرض مسمى فماله لموالي العتاقة الذين أعتقوه فإن لم يكن فماله لبيت مال المسلمين ولا يرث من فرض له من ذوي الأرحام روي هذا عن أبي بكر وزيد بن ثابت وابن عمر ورواية عن علي رضي الله تعالى عنهم وهو قول أهل المدينة والزهري وأبي الزناد وربيعة ومالك وروى عن مكحول والأوزاعي وبه قال الشافعي وكان عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس ومعاذ وأبو الدرداء يورثون ذوي الأرحام ولا يعطون الولاء مع الرحم شيئا وبتوريث ذوي الأرحام قال ابن أبي ليلى والنخعي وعطاء وجماعة من التابعين وهو قول الكوفيين وأحمد وإسحاق

(23/247)


7476 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم ) قال قلت ل ( أبي أسامة ) ( حدثكم إدريس ) حدثنا ( طلحة ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) ولكل جعلنا موالى والذين عاقلت أيمانكم ( النساء33 ) قال كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالى قال نسختها والذين عقدت أيمانكم
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله جعلنا موالى لأن الموالى الورثة وكذا فسر ابن عباس في هذا الحديث لأنه ذكره في الكفالة بقوله حدثنا الصلت بن محمد حدثنا أبو أسامة بن إدريس عن طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولك جعلنا موالى ( النساء33 ) قال ورثة الحديث ولفظ الورثة يطلق على ذوي الأرحام فترجم بقوله باب ذوي الأرحام لكنه مبهم لا يفهم منه أنهم يرثون أم لا ولكن ذكره هذا الحديث بهذا السياق يدل على أنهم لا يرثون ولكن في هذا السياق نظر لأنه يشعر بأن قوله والذين عاقدت أيمانكم ( النساء33 ) هو ناسخ والصواب أنه هو المنسوخ نبه عليه الطبري وغيره في رواية عن ابن عباس وجمهور السلف على أن الناسخ لهذه الآية هو قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ( الأحزاب33 ) روي هذا عن ابن عباس وقتادة والحسن وهو الذي أثبته أبو عبيد في ناسخه ومسوخه
وفيه قول آخر روى الزهري عن المسيب قال أمر الله تعالى الذين تبنوا غير أبنائهم في الجاهلية وورثوهم في الإسلام أن يجعلوا لهم نصيبا في الوصية ورد الميراث إلى ذي الرحم والعصبة وقالت طائفة قوله تعالى والذين عاقدت أيمانكم محكمة وإنما أمر الله المؤمنين أن يعطوا الحلفاء أنصبائهم من النصرة والنصيحة والرفادة وما أشبه ذلك دون الميراث ذكره أيضا الطبري عن ابن عباس وهو قول مجاهد والسدي وقال فقهاء الأمصار والعراق والكوفة والبصرة وجماعة من العلماء في سائر الآفاق بتوريث ذوي الأرحام وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المقدام بن معدي كرب الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه وصححه ابن حبان والحاكم وروى الترمذي مرفوعا محسنا عن عمر رضي الله تعالى عنه الخال وارث من لا وارث له وأخرجه النسائي من حديث عائشة وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن عمرو بن مسلم حدثنا طاووس عنها رضي الله تعالى عنها فإن قلت روى الحاكم من حديث عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال أقبل رسول الله على حمار فلقيه رجل فقال يا رسول الله رجل ترك عمة وخالة لا وارث له غيرهما فرفع رأسه إلى السماء فقال اللهم رجل ترك عمته وخالته لا وارث له غيرهما ثم قال أين السائل قال ها أنا ذا قال لا ميراث لهما وقال الحاكم صحيح الإسناد
قلت عبد الله بن جعفر المديني فيه مقال قال أبو حاتم منكر الحديث جدا يحدث عن الثقات بالمناكير يكتب حديثه ولا يحتج به وقال الجرجاني واهي الحديث وقال النسائي متروك الحديث وعنه ليس بثقة وأخرجه الدارقطني من حديث أبي عاصم موقوفا
وشيخ البخاري في هذا الحديث هو إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه وأبو أسامة هو حماد بن أسامة وإدريس هو ابن يزيد من الزيادة ابن عبد الرحمن الأودي وطلحة هو ابن مصرف بكسر الراء المشددة وبالفاء
والحديث أخرجه النسائي وأبو داود جميعا في الفرائض عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة
قوله يرث الأنصاري بالرفع لأنه فاعل وقوله المهاجري بالنصب مفعوله ولسيت الياء فيه للنسبة وإنما هي للمبالغة كما يقال الأحمري في الأحمر وقيل زيدت فيه ياء النسبة للمشاكلة وقال الكرماني أين العائد إلى اسم كان
قلت وضع المهاجري مكانه واللازم في مثله الارتباط بينهما سواء كان بالضمير أو بغيره وقال أيضا تقدم في سورة النساء بالعكس وقال يرث المهاجري الأنصاري
قلت المقصود منهما بيان إثبات الوراثة بينهما في الجملة ثم قال وفيه آخر عكس ذلك وهو أنه قال ثمة ولكل جعلنا والمنسوخ والذين عاقدت والمفهوم هنا عكسه
قلت فاعل نسختها آية ولكل جعلنا والذين عاقدت منصوب على العناية أي أعني والذين عاقدت وقيل الضمير في نسختها عائد على المؤاخاة لا على الآية والضمير في نسختها وهو الفاعل المستتر يعود على قوله ولكل جعلنا موالى وقوله والذين عاقدت أيمانكم يدل

(23/248)


من الضمير وأصل الكلام لما نزلت لكل جعلنا موالي نسخت والذين عاقدت أيمانكم
71 -
( باب ميراث الملاعنة )
أي هذا باب في بيان حكم ميراث الملاعنة بكسر العين وهي التي وقع اللعان بينها وبين زوجها وقال بعضهم بفتح العين ويجوز كسرها
قلت الأمر بالعكس والمقصود من ميراث الملاعنة بيان من يرث ولد الملاعنة وما ترث الملاعنة من ابنها فقال مالك بلغني أنه قال عروة في ولد الملاعنة وولد الزنا إذا مات ورثت أمه حقها في كتاب الله وإخوته للأم حقوقهم ويورث البقية مولى أبيه إن كان مولاه وإن كانت عربية ورثت حقها وورثت إخوته لأمه حقوقهم وكان ما بقي للمسلمين قال مالك وبلغني عن سليمان بن يسار كذلك قال وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا وقال أبو عمر هذا مذهب زيد بن ثابت وروي عن ابن عباس مثل ذلك وروي عن علي وابن مسعود أن ما بقي يكون لعصبة أمه إذا لم يخلف ذا رحم له سهم وإن خلفه جعل فاضل المال ردا عليه وحكى عن علي أيضا أنه ورث ذوي الأرحام برحمهم ولا شيء لبيت المال وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه ومن قال بالرد يرد الباقي على أمه ويقول زيد قال جمهور أهل المدينة وابن المسيب وعروة وسليمان وعمر بن عبد العزيز والزهري وربيعة وأبو الزناد ومالك وبه قال الشافعي والأوزاعي
8476 - حدثني يحياى بن قزعة حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا لا عن امرأته في زمن النبي وانتفى من ولدها ففرق النبي بينهما وألحق الولد بالمرأة
مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث لأن المراد من إلحاق الولد بالأم جريان الإرث بينهما لأنه لما ألحقه بها قطع نسب أبيه فصار كمن لا أب له من أولاد الفيء الذي لم يختلف أن المسلمين عصبته
و ( يحيى بن قزعة ) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات الحجازي
والحديث مضى في الطلاق عن يحيى بن بكير عن ( مالك ) وروى أبو داود من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جعل النبي ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها وروى أصحاب السنن الأربعة عن واثلة رفعه تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه وقال البيهقي ليس بثابت ورد عليه بأن الترمذي حسنه والحاكم صححه وليس فيه سوى عمرو بن رؤبة بضم الراء وسكون الواو وبباء موحدة مختلف فيه قال البخاري فيه نظر ووثقه جماعة
81 -
( باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة )
أي هذا باب يذكر فيه الولد للفراش أي الصاحب الفراش قال أصحابنا الفراش كناية عن الزوج وقال جرير
( باتت تعانقه وبات فراشها )
يعني زوجها ويقال الفراش وإن كان يقع على الزوج فإنه يقع على الزوجة أيضا لأن كل واحد منهما فراش لصاحبه قوله حرة كانت أي المرأة أو أمة فعند مالك والشافعي تصير الأمة فراشا لسيدها بوطئه إياها أو بإقراره أنه وطئها وبهذا حكم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو قول ابن عمر أيضا فمتى أتت بولد لستة أشهر من يوم وطئها ثبت نسبة منه وصارت به أم ولد له وله أن ينفيه إذا ادعى الاستبراء ولا يكون فراشا بنفس الملك دون الوطء عند مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يكون فراشا بالوطء ولا بالإقرار به أصلا فلو وطئها أو أقر بوطئها فأتت بولد لم يلحقه وكان مملوكا وأمه مملوكة له وإنما يلحقه ولدها إذا أقر به وله أن ينفيه بمجرد قوله ولا يحتاج أن يدعي الاستبراء
9476 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك فلما

(23/249)


كان عام الفتح أخذه سعد فقال ابن أخي عهد إلي فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا إلى النبي فقال سعد يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال النبي هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله
مطابقته للترجمة في قوله الولد للفراش وللعاهد الحجر
والحديث مضى في البيوع عن يحيى بن قزعة عن مالك ومضى في الوصايا وفي المغازي عن القعنبي عن مالك وسيجيء في الأحكام عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك ومضى الكلام فيه ولكن نذكر بعض شيء لبعد المسافة
وعتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة ابن أبي وقاص وهو أخو سعد بن أبي وقاص مختلف في صحبته فذكره العسكري في الصحابة وذكر أنه أصاب دما بمكة في قريش فانتقل إلى المدينة ولما مات أوصى إلى سعد وذكره ابن منده في الصحابة ولم يذكر مستندا إلا قول سعد عهد إلى أخي أنه ولده وأنكر أبو نعيم ذلك وذكر أنه الذي شج وجه رسول الله بأحد وما علمت له إسلاما بل قد روى عبد الرزاق من طريق عثمان الجزري عن مقسم أن النبي دعا بأن لا يحول على عتبة الحول حتى يموت كافرا فمات قبل الحول وهذا مرسل وجزم الدمياطي وابن التين بأنه مات كافرا وأم عتبة هند بنت وهب بن الحارث ابن زهرة وأم أخيه سعد حمنة بنت سفيان بن أمية
قوله عهد إلى أخيه أي أوصى إلى أخيه سعد بن أبي وقاص عند موته قوله إن ابن وليدة زمعة مني أي ابن أمة زمعة مني وكذا وقع في المظالم والوليدة فعيلة من الولادة قال الجوهري هي الصبية والأمة والجمع ولائد وكانت أمة يمانية وزمعة آخر غيره ونبه عليه الطحاوي أيضا وقال عبد بن زمعة بفتح الزاي وسكون الميم وقد يحرك وقال النووي السكون أشهر وقال أبو الوليد الوقشي التحريك هو الصواب وهو قيس بن عبد شمس القرشي العامري والد سودة زوج النبي قوله فلما كان عام الفتح أخذه سعد أي سعد بن أبي وقاص وكان رآه يوم الفتح فعرفه بالشبه فاحتضنه إليه وقال ابن أخي ورب الكعبة وفي رواية الليث قال سعد يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أنه ابنه قوله فقام عبد بن زمعة فقال أخي أي هذا أخي وابن وليدة أبي أي ابن أمته ولد على فراشه وعبد هذا بغير إضافة إلى شيء قيل وقع في ( مختصر ابن الحاجب ) عبد الله ورد عليه بأنه غلط لأن عبد الله بن زمعة هو ابن الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى وقيل قد وقع لابن منده فيه خبط في ترجمة عبد الرحم بن زمعة فإنه زعم أن عبد الرحمن وعبد الله وعبدا بغير إضافة أخوة ثلاثة أولاد زمعة بن الأسود وليس كذلك بل عبد بغير إضافة وعبد الرحمن أخوان عامريان من قريش وعبد الله بن زمعة أسدي من قريش أيضا قوله فتساوقا من التساوق وهو المتابعة كان أحدهما يتبع الآخر ويسوقه قوله أخي أي هو أخي وابن وليدة أبي أي ابن أمته قوله هو لك يا عبد بن زمعة حكم له بأن يأخذه ويقرأ بنصب عبد ورفعه قاله صاحب ( التوضيح ) ومعناه بأنه يكون لك أخا على دعواك فأقره ولم يقل إن الأمة لا تكون فراشا وقال بعضهم وقد سلك الطحاوي فيه مسلكا آخر فقال معنى قوله هو لك أي يدك عليه لا أنك تملكه ولكن تمنع غيرك منه إلى أن يتبين أمره كما قال لصاحب اللقطة هي لك وقال له إذا جاء صاحبها فردها إليه قال ولما كانت سودة شريكة لعبد في ذلك لكن لم يعلم منها تصديق ذلك ولا الدعوى به ألزم عبدا بما أقربه على نفسه ولم يجعل ذلك حجة عليها فأمرها بالاحتجاب ثم قال هذا الناقل عن الطحاوي هذا الكلام وكلامه متعقب بالرواية المصرح فيها بقوله هو أخوك فإنها رفعت الإشكال وكأنه لم يقف عليها ولا على حديث ابن الزبير وسودة الدال على أن سودة وافقت أخاها عبدا في الدعوى بذلك انتهى
قلت روى أبو داود هذا الحديث عن سعيد بن منصور ومسدد وفيه وزاد مسدد في حديثه هو أخوك والصحيح ما رواه سعيد

(23/250)


ابن منصور وزيادة مسدد لم يوافقه عليها أحمد ولئن سلمنا صحة هذه الزيادة ولكن يراد به أخوك في الدين ويحتمل أن يكون أصل الحديث هو لك فظن الراوي أن معناه أخوه في النسب فحمله على المعنى الذي عنده والخبر الذي يرويه عبد الله بن الزبير صرح بأنه قال فإنه ليس لك بأخ وقال الخطابي وغيره كان أهل الجاهلية يقررون على ولائدهم الضرائب فيكتسبن بالفجور وكانوا يلحقون بالزناة إذا دعوا كما في النكاح وكانت لزمعة أمة وكان يلم بها فظهر بها حمل وزعم عتبة بن أبي وقاص أنه منه وعهد إلى أخيه سعد أن يستلحقه فخاصم فيه عبد بن زمعة فقال سعد هو ابن أخي على ما كان الأمر في الجاهلية وقال عبد هو أخي على ما استقر عليه الحكم في الإسلام فأبطل النبي حكم الجاهلية وألحقه بزمعة قوله الولد للفراش مر تفسيره عن قريب وقال صاحب ( التوضيح ) وعند جمهور العلماء أن الحرة لا تكون فراشا إلا بإمكان الوطء ويلحق الولد في مدة تلد في مثلها واقل ذلك ستة أشهر وشذ أبو حنيفة فقال إذا طلقها عقيب النكاح من غير إمكان وطء فأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد فإنه يلحقه وقال أيضا وما ذهب إليه أبو حنيفة خلاف ما أجرى الله تعالى به العادة من أن الولد إنما يكون من ماء الرجل وماء المرأة
قلت أبو حنيفة لم يشذ فيما ذهب إليه ولا خالف ما أجرى الله به العادة وأن صاحب ( التوضيح ) ومن سلك مسلكة لم يدركا في هذه المسألة ما أدركه أبو حنيفة لأنه احتج فيما ذهب إليه بقوله الولد للفراش أي لصاحب الفراش ولم يذكر فيه اشتراط الوطء ولا ذكره ولأن العقد فيها كالوطء بخلاف الأمة فإنه ليس لها فراش فلا يثبت نسب ما ولدته الأمة إلا باعتراف مولاها قوله وللعاهر الحجر أي وللزاني الخيبة والحرمان والعهر بفتحتين الزنا ومعنى الخيبة الحرمان من الولد الذي يدعيه وعادة العرب أن تقول لمن خاب له الحجر وبقية الحجر والتراب ونحو ذلك وقيل المراد بالحجر هنا أنه يرجم قال النووي وهو ضعيف لأن الرجم مختص بالمحصن قوله ثم قال لسودة بنت زمعة أي زوج النبي احتجبي منه أي من ابن الوليدة المدعى تورعا واحتياطا وذلك لشبهه بعتبة بن أبي وقاص
0576 - حدثنا ( مسدد ) عن ( يحياى ) عن ( شعبة ) عن ( محمد بن زياد ) أنه سمع ( أبا هريرة ) عن النبي قال الولد لصاحب الفراش
مطابقته للترجمة ظاهرة وفيه تفسير لقوله في الحديث الماضي الولد للفراش أي لصاحب الفراش وهذا الحديث مستقل بنفسه بخلاف الحديث الماضي فإنه ذكر تبعا لحديث عبد بن زمعة قال الطحاوي فيه فإن قيل فما معنى قوله الذي وصله بهذا الولد للفراش وللعاهر الحجر قيل له ذلك على التعليم منه لسعد أي أنت تدعي لأخيك وأخوك لم يكن له فراش وإنما يثبت النسب منه لو كان فراش فهو عاهر وللعاهر الحجر انتهى
وقال ابن عبد البر حديث الولد للفراش هو من أصح ما يروى عن النبي جاء عن بضعة وعشرين من الصحابة فذكر البخاري هنا حديث عائشة وحديث أبي هريرة هذا وقال الترمذي عقيب حديث أبي هريرة وفي الباب عن عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو وأبي أمامة وعمرو بن خارجة والبراء وزيد بن أرقم فحديث عمر رضي الله تعالى عنه عند ابن ماجه وحديث عثمان رضي الله تعالى عنه عند أبي داود وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النسائي وحديث عبد الله بن الزبير عند النسائي أيضا وحديث عبد الله بن عمرو عن أبي داود وحديث أبي أمامة عند أبي داود وابن ماجه وحديث عمرو بن خارجة عند الترمذي والنسائي وابن ماجه وحديث البراء عند الطبراني في ( الكبير ) وحديث زيد بن أرقم عند الطبراني أيضا فيه وزاد شيخنا زين الدين على هؤلاء معاوية وابن عمر فحديث معاوية عند أبي يعلى الموصلي وحديث ابن عمر عند البزار ووقع عند هؤلاء جميعهم الولد للفراش وللعاهر الحجر ومنهم من اقتصر على الجملة الأولى
91 -
( باب الولاء لمن أعتق )
أي هذا باب يذكر فيه الولاء لمن أعتق وفي أكثر النسخ باب إنما الولاء لمن أعتق الولاء بفتح الواو مشتق من الولاية بالفتح

(23/251)


وهي النصرة والمحبة لأن في ولاء العتاقة والموالاة تناصر أو محبة من الولي وهو القرب وهي قرابة حكمية حاصلة من العتق أو من الموالاة وهي المتابعة لأن في ولاء العتاقة إرثا يوالي وجود الشرط وكذا في ولاء الموالاة وفي الشرع هو عبارة عن التناصر بولاء العتاقة أو بولاء الموالاة ومن إثارة الإرث والعقل قوله الولاء لمن أعتق لفظ الحديث أخرجه الأئمة الستة عن عائشة عن النبي
وميراث اللقيط
هو بالرفع عطف على ما قبله ويجوز بالجر على تقدير أن يقال وفي ميراث اللقيط ولكنه لم يذكر شيئا فيه وقال الكرماني لأنه لم يتفق له حديث على شرطه وأراد به أنه ذكر هذه اللفظة وبيض لها حتى يذكرها فيه فلم يجد شيئا واستمر على الترجمة والظاهر أنه اكتفى بأثر عمر رضي الله تعالى عنه فإن فيه بيان حكمه كما نقول الآن
وقال عمر اللقيط حر
أي قال عمر بن الخطاب اللقيط حر فإذا كان حرا يكون ولاؤه في بيت المال لأن ولاءه يكون لجميع المسلمين وإليه ذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وقال شريح إن ولاءه لملتقطه وبه قال إسحاق بن راهويه واحتج بحديث سنين أبي جميلة عن عمر أنه قال له في المنبوذ اذهب فهو حر ولك ولاؤه وقال ابن المنذر أبو جميلة مجهول لا يعرف له خبر غير هذا الحديث وحمل قول عمر لك ولاؤه على أنه أنت الذي تتولى تربيته والقيام بأمره وهذه ولاية الإسلام لا ولاية العتق وقال عطاء وابن شهاب إنه حر فإن أحب أن يوالي الذي التقطه فله أن يواليه وإن أحب أن يوالي غيره فله أن يواليه وقال أبو حنيفة له أن ينقل بولائه حيث شاء فإن عقل عنه الذي والاه جناية لم يكن له أن ينقل ولاءه عنه ويرثه
قلت سنين بضم السين المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون أبو جميلة الضمري ويقال السلمي روى عنه ابن شهاب قال عنه معمر حدثني أبو جميلة وزعم أنه أدرك النبي وقال الزبيدي عن الزهري أدركت ثلاثة من أصحاب النبي أنس بن مالك وسهل بن سعد وأبا جميلة سنين وقال مالك عن ابن شهاب أخبرني سنين أبو جميلة أنه أدرك النبي عام الفتح وقال الذهبي أبو جميلة سنين السلمي أدرك النبي وخرج معه عام الفتح وحديثه في الترمذي وروى عنه الزهري
1576 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) قالت اشتريت بريرة فقال النبي اشتريها فإن الولاء لمن أعتق وأهدي لها شاة فقال هو لها صدقة ولنا هدية
مطابقته للترجمة ظاهرة وحفص بن عمر بن الحارث أبو عمر الحوضي والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة مصغر عتبة الباب وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد والثلاثة تابعيون كوفيون
والحديث مضى في كفارة الأيمان عن سليمان بن حرب وفي الطلاق عن عبد الله بن رجاء وفيه وفي الزكاة عن آدم ومر الكلام فيه غير مرة
قوله بريرة بفتح الباء الموحدة قوله وأهدي على صيغة المجهول
وقال الحكم وكان زوجها حرا وقول الحكم مرسل
هذا موصول بالإسناد المذكور ولكن قوله مرسل يعني ليس بمسند إلى عائشة صاحبة الحديث وقال الإسماعيلي قول الحكم ليس من الحديث إنما هو مدرج وقيل قول البخاري مرسل مخالف للإصلاح إذ الكلام الموقوف على بعض الرواة لا يسمى مرسلا قوله وكان زوجها أي زوج بريرة

(23/252)


وقال ابن عباس رأيته عبدا
أي قال عبد الله بن عباس رأيت زوج بريرة عبدا وهذا أصح لأنه رآه كما سيجيء قال ابن عباس كان يقال له مغيث وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم فخير رسول الله بريرة وأمرها أن تعتد قالوا إنما خيرها رسول الله لأجل كون زوجها عبدا وقول ابن عباس هذا مضى في الطلاق موصولا في باب خيار الأمة تحت العبد وفي الباب الذي يليه
02 -
( باب ميراث السائبة )
أي هذا باب في بيان ميراث السائبة بالسين المهملة على وزن فاعلة أي المهملة كالعبد يعتق على أن لا ولاء لأحد عليه وقد قيل في قوله تعالى ( 5 ) ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ( المائدة301 ) هو أن يقول لعبده أنت سائبة لم يكن عليه ولاء وأول من سيب السوائب عمرو بن لحي واختلف العلماء في ميراث السائبة فقال الكوفيون والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ولاؤه لمعتقه واحتجوا بحديث الباب وقالت طائفة ميراثه للمسلمين وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز وربيعة وأبي الزناد وهو قول مالك وهو مشهور مذهبه وقال الزهري بوالي المعتق سائبته من شاء فإن مات ولم يوال أحدا فولاؤه للمسلمين
3576 - حدثنا ( قبيصة بن عقبة ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي قيس ) عن ( هزيل ) عن ( عبد الله ) قال إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون
وهذا الحديث مختصر ومطابقته للترجمة من حيث ما جاء فيه وهو أنه جاء رجل إلى عبد الله فقال إني أعتقت عبدا سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله إن أهل الإسلام لا يسيبون وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون وأنت ولي نعمته فلك ميراثه
وأخرجه الإسماعيلي وسفيان في السند هو الثوري وأبو قيس هو عبد الرحمن بن مروان وهزيل مصغر هزل بالزاي ابن شرحبيل يروي عن عبد الله بن مسعود
4576 - حدثنا ( موسى ) الله حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها اشترت بريرة لتعتقها واشترط أهلها ولاءها فقالت يا رسول الله إني اشتريت بريرة لأعتقها وإن أهلها يشترطون ولاءها فقال أعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق أو قال أعطى الثمن قال فاشترتها فأعتقتها قال وخيرت فاختارت نفسها وقالت لو أعطيت كذا وكذا ما كنت معه
مطابقته للترجمة من حيث إن الولاء لما كان للمعتق استوى السائبة وغيرها
وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو وبعد الألف نون واسمه الوضاح اليشكري ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد
والحديث قد مضى أكثر من عشرين مرة
قوله واشترط أهلها يعني يبيعونها بشرط أن يكون الولاء لهم

(23/253)


قوله أو قال أعطى الثمن شك من الراوي قوله وخيرت على صيغة المجهول أي لما عتقت خيرت بين فسخ نكاحها واختيار نفسها وإمضاء النكاح واختيار الزوج وقد مر أن اسمه مغيث قوله وقالت لو أعطيت أي قالت بريرة لو أعطاني زوجي كذا وكذا من المال ما كنت معه أي ما كنت أصحبه ولا أقمت عنده وكذا في رواية النسائي حيث قال فخيرها رسول الله من زوجها قالت لو أعطاني كذا وكذا ما أقمت عنده فاختارت نفسها وكان زوجها حرا
قال الأسود وكان زوجها حرا قول الأسود منقطع
أي قول الأسود بن يزيد الراوي عن عائشة كان زوج بريرة حرا ثم قال البخاري قول الأسود منقطع فقيل المنقطع هو أن يسقط من الإسناد رجل أو يذكر فيه رجل مبهم وقال الخطيب المنقطع ما روى عن التابعي فمن دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله وقيل المنقطع مثل المرسل وهو كل ما لا يتصل إسناده غير أن المرسل أكثر ما يطلق على ما رواه التابعي عن رسول الله والمشهور أن المرسل قول غير الصحابي قال رسول الله
وقول ابن عباس رأيته عبدا أصح
أي قول ابن عباس رأيت زوج بريرة عبدا أصح من قول الأسود لأنه رآه وشاهده وقد مر الكلام فيه
12 -
( باب إثم من تبرأ من مواليه )
أي هذا باب في بيان إثم من تبرأ من مواليه بأن نفى كونه من موالي فلان أو والي غيره وروى أحمد في ( مسنده ) من طريق سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن النبي قال إن لله عبادا لا يكلمهم الله الحديث وفيه رجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم
5576 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم التيمي ) عن أبيه قال قال ( علي ) رضي الله عنه عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله غير هاذه الصحيفة قال فأخرجها فإذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل قال وفيها المدينة حرام ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل وذمة المسلمين واحدة يسعاى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ومن والى قوما إلى قوله وذمة المسلمين فإن قلت الترجمة مطلقة والحديث من والى قوما بغير إذن مواليه فإن المفهوم منه أنه إذا والى بإذنهم لا يأثم ولا يكون متبرءا
قلت ليس هذا لتقييد الحكم وإنما هو إيراد الكلام على الغالب وقيل هو للتأكيد لأنه إذا استأذن مواليه في ذلك منعوه
وجرير هو ابن عبد الحميد والأعمش هو سليمان وإبراهيم التيمي هو إبراهيم بن يزيد من الزيادة ابن شريك التيمي تيم الرباب وليس هو إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو وقيل ابن عمر بن يزيد بن الأسود بن عمر وأبو عمران النخعي الكوفي وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد بن شريك بن طارق التيمي عداده في أهل الكوفة سمع علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة
والحديث مضى في الحج عن محمد بن بشار وفي الجزية عن محمد بن وكيع وسيجيء في الاعتصام عن عمر بن حفص
قوله غير هذه الصحيفة حال

(23/254)


أو هو استثناء آخر وحرف العطف مقدر كما في التحيات المباركات الصلوات تقديره والصلوات قوله أشياء جمع شيء وهو لا ينصرف قال الكسائي تركوا صرفه لكثرة استعماله قوله من الجراحات أي من أحكام الجراحات وأسنان الإبل الديات قوله حرام ويروى حرم قوله عير بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء وهو اسم جبل بالمدينة قوله إلى ثور بفتح الثاء المثلثة وقال القاضي عياض أما ثور بلفظ الحيوان المشهور فمنهم من ترك مكانه بياضا لأنهم اعتقدوا أن ذكر ثور خطأ إذ ليس في المدينة موضع يسمى ثورا ومنهم من كنى عنه بلفظ كذا وقيل الصحيح أن بدله أحد أي عير إلى أحد وقيل إن ثورا كان اسما لجبل هناك أما أحدا وغيره فخفى إسمه قوله حدثا بفتحتين وهو الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة قوله أو أوى القصر في اللازم والمد في المتعدي قوله محدثا بكسر الدال وفتحها على الفعل والمفعول فمعنى الكسر من نصر جانبا وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه ومعنى الفتح هو الأمر المبتدع نفسه ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به والصبر عليه فإنه إذا رضي ببدعته وأقر فاعلها عليها ولم ينكرها فقد آواه قوله لعنة الله المراد باللعنة البعد عن الجنة التي هي دار الرحمة في أول الأمر لا مطلقا قوله صرف الصرف الفريضة والعدل النافلة وقيل بالعكس وقيل الصرف التوبة والعدل الفدية قوله من والى قوما أي اتخذهم أولياء له قوله بغير إذن مواليه قد مر الكلام فيه الآن قوله وذمة المسلمين المراد بالذمة العهد والأمان يعني أمان المسلم للكافر صحيح والمسلمون كنفس واحدة فيه قوله أدناهم أي مثل المرأة والعبد فإذا أمن أحدهم حربيا لا يجوز لأحد أن ينقض ذمته قوله ومن أخفر بالخاء المعجمة والفاء أي من نقض عهده يقال خفرته أي كنت له خفيرا أمنعه وأخفرته أيضا
وفيه جواز لعنة أهل الفسق من المسلمين ومن تبرأ من مواليه لم تجز شهادته وعليه التوبة والاستغفار لأن الشارع لعنه وكل من لعنه فهو فاسق
6576 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال ( نهى ) النبي عن بيع الولاء وعن هبته ( انظر الحديث 5352 )
مطابقته للترجمة من حيث إن في هذا الحديث قد صرح بالنهي عن بيع الولاء وهبته فيؤخذ منه عدم اعتبار الإذن في ذلك الحديث بالطريق الأولى لأن السيد إذا منع من بيع الولاء مع ما فيه من العوض وعن الهبة مع ما فيها من المنة فمنعه من الإذن فيه مجانا وبلا منة أولى
وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري
والحديث أخرجه مسلم في العتق عن محمد بن عبد الله وأخرجه الترمذي في البيوع عن بندار عن ابن مهدي وأخرجه النسائي في الفرائض عن علي بن سعيد بن مسروق وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن وكيع وقال المزي روى يحيى بن سليم هذا عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر وهو وهم وروى الثقفي وعبد الله بن نمير وغير واحد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وهذا أصح وإنما نهى عن بيع الولاء لأنه حق إرث المعتق من العتيق وذلك لأنه غير مقدور التسليم ونحوه فإن قلت روى ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن امرأة من محارب اعتقت عبدا ووهبت ولاءه لعبد الرحمن بن أبي بكر فأجازه عثمان وعن الشعبي وقتادة وابن المسيب نحوه
قلت حديث الباب يرد هذا وقيل بيع الولاء وهبته منسوخان بحديث الباب ويحتمل أن الحديث ما بلغ هؤلاء والله أعلم
22 -
( باب إذا أسلم على يديه )
أي هذا باب ترجمته إذا أسلم على يديه كذا في رواية النسفي أي إذا أسلم رجل على يدي رجل وفي رواية الفربري إذا أسلم على يدي رجل وفي رواية الكشميهني إذا أسلم على يدي الرجل بالألف واللام وبدونهما أولى
واختلف العلماء فيمن أسلم على يدي رجل من المسلمين فقال الحسن والشعبي لا ميراث للذي أسلم على يديه وولاؤه للمسلمين إذا لم يدع

(23/255)


وارثا ولا ولاءه للذي أسلم على يديه وهو قول ابن أبي ليلى والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وحجتهم حديث الباب وذكر ابن وهب عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال لا ولاء للذي أسلم على يديه وكذا روي عن ابن مسعود وزياد بن أبي سفيان وروي عن النخعي وأيوب أن ولاءه للذي أسلم على يديه وإنه يرثه ويعقل عنه وله أن يحول عنه إلى غيره ما لم يعقل عنه وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه
وكان الحسن لا يرى له ولاية
أي وكان الحسن البصري لا يرى للذي أسلم على يديه رجل ولاية ويروى ولاء عن الكشميهني ووصل سفيان الثوري أثر الحسن هذا في ( جامعه ) عن مطرف عن الشعبي وعن يونس هو ابن عبيد عن الحسن قال في الرجل يوالي الرجل قالا هو بين المسلمين قال سفيان وبذلك أقول
وقال النبي الولاء لمن أعتق
احتج به الحسن وقال قال النبي الولاء لمن أعتق يعني أن الولاء لا يكون إلا للمعتق
ويذكر عن تميم الداري رفعه قال هو أولى الناس بمحياه ومماته
يذكر على صيغة المجهول إشارة إلى تمريضه قوله عن تميم هو ابن أوس الداري بالدال المهملة وبالراء نسبة إلى بني الدار بطن من لحم قوله رفعه الضمير المنصوب يرجع إلى حديث إذا أسلم على يديه وهو الذي ذكره بعده وهو قوله أولى الناس بمحياه ومماته ومعنى رفعه مثل معنى قوله قال رسول الله وسنذكر الحديث ومن أخرجه قوله بمحياه أي في حياته بالنصرة ومماته أي في موته بالغسل والتكفين والصلاة عليه لا في ميراثه لأن الولاء لمن أعتق والمحيا والممات مصدران ميميان
واختلفوا في صحة هذا الخبر
أي في خبر تميم الداري المذكور فقال البخاري قال بعضهم عن ابن موهب سمع تميما ولا يصح لقول النبي الولاء لمن أعتق وقال الشافعي هذا الحديث ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب وابن موهب ليس بالمعروف ولا نعلمه لقي تميما ومثل هذا لا يثبت وقال الخطابي ضعف هذا الحديث أحمد وقال الترمذي ليس إسناده بمتصل قال وأدخل بعضهم بين ابن موهب وبين تميم قبيصة رواه يحيى بن حمزة وقيل إنه تفرد فيه بذكر قبيصة وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن ابن موهب بدون ذكر تميم ورواه النسائي أيضا وقال ابن المنذر هذا الحديث مضطرب هل هو عن ابن موهب عن تميم أو بينهما قبيصة وقال بعض الرواة فيه عن عبد الله بن موهب وبعضهم ابن موهب وعبد العزيز راويه ليس بالحافظ وقال بعضهم ابن موهب لم يدرك تميما وقد أشار النسائي إلى أن الرواية التي وقع التصريح فيها بسماعه من تميم خطأ ولكن وثقه بعضهم وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ولاه القضاء بفلسطين ونقل أبو زرعة الدمشقي في ( تاريخه ) بسند له صحيح عن الأوزاعي أنه كان يدفع هذا الحديث ولا يرى له وجها انتهى كلامه
قلت صحح هذا الحديث أبو زرعة الدمشقي وقال هذا حديث حسن المخرج متصل ورد على الأوزاعي فقال وليس كذلك ولم أر أحدا من أهل العلم يرفعه وأخرجه الحاكم من طريق ابن موهب عن تميم ثم قال صحيح على شرط مسلم وأخرجه الأربعة في الفرائض فأبو داود رواه عن يزيد بن خالد بن موهب الرملي وهشام بن عمار الدمشقي قالا حدثنا يحيى هو ابن حمزة عن عبد العزيز بن عمر قال سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب وقال هشام عن تميم الداري أنه قال يا رسول الله وقال يزيد إن تميما قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين فقال هو أولى الناس بمحياه ومماته انتهى وقد علم من عادة أبي داود أنه إذا روى حديثا وسكت عنه فإنه يدل

(23/256)


على صحة عنده ورواه الترمذي حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة وابن نمير ووكيع عن عبد العزيز عن عبد الله بن موهب وقال بعضهم عبد الله بن موهب عن تميم الداري قال سألت رسول الله ما السنة الحديث ورواه النسائي أخبرنا عمرو بن علي بن حفص قال حدثنا عبد الله بن داود عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن موهب عن تميم الداري قال سألت رسول الله عن الرجل من المشركين أسلم على يدي الرجل من المسلمين قال هو أولى الناس به حياته وموته وأخرجه من طريقين آخرين ولم يتعرض إلى شيء مما قيل فيه ورواه ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن موهب قال سمعت تميما الداري يقول قلت يا رسول الله ما السنة في الرجل من أهل الكتاب يسلم على يدي الرجل قال هو أولى الناس بمحياه ومماته
ومما يؤيد صحة حديث تميم الداري رضي الله تعالى عنه ما رواه ابن جرير الطبري في ( التهذيب ) وروى خصيف عن مجاهد قال جاء رجل إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال إن رجلا أسلم على يدي ومات وترك ألف درهم فلمن ميراثه قال أرأيت لو جنى جناية من كان يعقل عنه قال أنا قال فميراثه لك ورواه مسروق عن ابن مسعود وقاله إبراهيم وابن المسيب ومكحول وعمر بن عبد العزيز وفي ( الاستذكار ) هو قول أبي حنيفة وصاحبيه وربيعة قاله يحيى بن سعيد في الكافر الحربي إذا أسلم على يد مسلم وروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود أنهم أجازوا الموالاة وورثوا وقال الليث عن عطاء والزهري ومكحول نحوه
والجواب عما قاله الشافعي هذا الحديث ليس بثابت يرده كلام أبي زرعة الدمشقي الذي ذكرناه وحكم الحاكم بصحته على شرط مسلم ورواية الأئمة الأربعة في كتبهم ألا يرى أن البخاري لما ذكره معلقا لم يجزم بضعفه وكيف يقول وابن موهب ليس بمعروف وقد روى عنه عبد العزيز بن عمر والزهري وابنه زيد بن عبد الله وعبد الملك بن أبي جميلة وعمر بن مهاجر وقال صاحب ( الكمال ) ابن موهب ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء فلسطين وهذا كله يدل على أنه ليس بمجهول لا عينا ولا حالا وكفاه شهرة وثقة تولية عمر بن عبد العزيز إياه
وقال يعقوب بن سفيان حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد العزيز بن عمر وهو ثقة عن ابن موهب الهمداني وهو ثقة قال سمعت تميما وكذا ذكر الصريفيني في كتابه بخطه
وكيف يقول ولا نعلمه لقي تميما وقد قال في رواية يعقوب بن سفيان المذكور سمعت تميما وقد صرح بالسماع عنه وهل يتصور السماع إلا باللقى وعدم علمه بلقيه تميما لا يستلزم نفي علم غيره بلقيه وعبد العزيز بن عمر ثقة من رجال الجماعة وقال يحيى وأبو داود ثقة وعن يحيى ثبت وقال بعضهم عبد العزيز ليس بالحافظ كلام ساقط لأن الاعتبار كونه ثقة وهو موجود وقال محمد بن عمار المشبه في الحفظ بالإمام أحمد ثقة ليس بين الناس فيه اختلاف وقول الخطابي ضعف أحمد هذا الحديث ليس كذلك لأنه لم يبين وجه ضعفه وقول الترمذي ليس إسناده بمتصل يرده أنه سمع من تميم بواسطة وبلا واسطة ولئن سلمنا أنه لم يسمع منه ولا لحقه فالواسطة هو قبيصة وهو ثقة أدرك زمان تميم بلا شك فعنعنته محمولة على الاتصال وقول ابن المنذر هذا الحديث مضطرب كلام مضطرب لأن رواته كلهم ثقاة فلا يضر هل هو عن ابن موهب عن تميم أو بينهما قبيصة والاضطراب لا يضر الحديث إذا كانت رجاله ثقاة
وقال الدارقطني إنه حديث غريب من حديث أبي إسحاق السبيعي عن ابن موهب تفرد به عنه ابنه يونس وتفرد به أبو بكر الحنفي عنه فأفاد الدارقطني متابعا لعبد العزيز وهو أبو إسحاق والغرابة لا تدل على الضعف فقد تكون في الصحيح والإسناد الذي ذكره صحيح على شرط الشيخين وفيه رد لقول ابن المنذر أيضا وكيف يشير النسائي إلى أن الرواية التي وقع فيها التصريح بسماعه من تميم خطأ ثم يقول ولكنه وثقه بعضهم فآخر كلامه ينقض أوله وكيف يحكم بالخطأ وقد ذكرنا عن ثقتين جليلين أنهما صرحا بسماع ابن موهب عن تميم وروى ابن بنت منيع عن جماعة عن عبد العزيز بلفظ سمعت تميما فيجوز أن تكون روايته عن قبيصة عن تميم وعن تميم بلا واسطة
7576 - حدثنا ( قتيبة بن سعد ) عن ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها أم المؤمنين ( أرادت ) أن ( تشتري جارية تعتقها ) فقال ( أهلها ) ( نبيعكها على ) أن ( ولاءها ) لنا ( فذكرت

(23/257)


ل ) رسول الله فقال لا يمنعك ذالك فإنما الولاء لمن أعتق
مطابقته للترجمة ما قاله الكرماني اللام للاختصاص يعني الولاء مختص بمن أعتقه وبذل المال في إعتاقه
قلت حاصل كلامه أن من أسلم على يده رجل ليس له ولاء لأنه مختص بمن أعتقه واختصاصه به باللام ولكن كون اللام فيه للاختصاص فيه نظر لا يخفى لأنه يجوز أن يكون للاستحقاق وهي الواقعة بين معنى وذات كاللام في نحو ويل للمطففين ( المطففين1 ) واستحقاق المعتق الولاء لا ينافي استحقاق غيره ويجوز أن تكون للصيرورة لأن صيرورة الولاء للمعتق لا تنافي صيرورته لغيره وقد ذكرنا أن هذا الحديث قد مر غير مرة
قوله تعتقها أصله لأن تعتقها قوله فذكرت ذلك أي ذكرت عائشة قولهم نبيعكها على أن ولاءها لنا قوله لا يمنعك ذلك أي قولهم هذا وفي رواية الكشميهني لا يمنعنك بنون التوكيد
8576 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت ( اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها فذكرت ذلك للنبي ) فقال أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق قالت فاعتقتها قالت فدعاها رسول الله فخيرها من زوجها فقالت لو أعطاني كذا وكذا ما بت عنده فاختارت نفسها
الكلام في مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق ومحمد شيخ البخاري قال الغساني هو محمد بن سلام وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني محمد بن يوسف البيكندي وجرير هو ابن عبد الحميد ووقع في الاستقراض حدثنا محمد حدثنا جرير وليس في الكتاب محمد عن جرير سوى هذين الموضعين ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد خال إبراهيم
قوله الورق بفتح الواو وكسر الراء هو الفضة والباقي ظاهر وفي بعض النسخ في آخر الحديث قال وكان زوجها حرا
32 -
( باب ما يرث النساء من الولاء )
أي هذا باب في بيان ما يرث النساء من الولاء
9576 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( همام ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال ( أرادت عائشة ) أن ( تشتري بريرة ) ( فقالت للنبي ) إنهم يشترطون الولاء فقال النبي اشتريها فإنما الولاء لمن أعتق
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه دلالة على أن النساء إذا أعتقن تستحق الولاء وهمام بالتشديد هو ابن يحيى والحديث كما مر
0676 - حدثنا ( ابن سلام ) أخبرنا ( وكيع ) عن ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) قالت قال رسول الله الولاء لمن أعطى الورق وولي النعمة
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا الآن وابن سلام هو محمد ابن سلام بتخفيف اللام على الأشهر وسفيان هو الثوري والباقي ظاهر وتفرد الثوري بقوله وولي النعمة معناه لمن أعتق بعد إعطاء الثمن لأن ولاية النعمة التي تستحق بها الميراث لا تكون إلا بالعتق وكل موضع يكون فيه الولاء للمعتق الرجل والمرأة المعتقة كذلك فإذا أعتق رجل وامرأة عبدا ثبت الولاء لهما وولاء ولده ذكورهم وإناثهم وولاء ولد الذكور كذلك

(23/258)


42 -
( باب مولى القوم من أنفسهم وابن الأخت منهم )
أي هذا باب في بيان أن مولى القوم أي عتيقهم منهم في النسبة إليهم والميراث منه قوله وابن الأخت منهم أي ابن أخت القوم منهم في أنه يرثهم توريث ذوي الأرحام وفي ( التوضيح ) أما ابن أخت القوم منهم فهو محمول عند أهل المدينة على أن يكون ابن أختهم من عتيقهم وعند أهل العراق الذين يورثون ذوي الأرحام ابن أخت القوم منهم يرثهم ويرثونه
1676 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( معاوية بن قرة وقتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه عن النبي قال مولى القوم من أنفسهم أو كما قال
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث هكذا وقع في رواية آدم عن شعبة مقرونا وأكثر الرواة قالوا عن شعبة عن قتادة وحده عن أنس
2676 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) عن النبي قال ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وهو قوله وابن أخت القوم منهم
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك واختصره هنا وبأتم منه مضى في مناقب قريش في باب ابن أخت القوم ومولى القوم منهم حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال دعا النبي الأنصار خاصة فقال هل فيكم أحد من غيركم قالوا لا إلا ابن أخت لنا فقال رسول الله ابن أخت القوم منهم واحتج به من قال بتوريث ذوي الأرحام وبه قال شريح والشعبي والنخعي ومسروق وعلقمة بن الأسود وطاووس والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق ويحيى بن آدم وضرار بن صرد ونوح بن دراج وغيرهم من الأئمة وهو قول عامة الصحابة منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس في أشهر الروايتين عنه ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو عبيدة بن الجراح والخلفاء الأربعة على ما قاله القاضي أبو حازم وذهب عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم إلى أن لا ميراث لذوي الأرحام فمن مات ولم يخلف وارثا فرض أو عصبة فماله لبيت المال وبه أخذ مالك والأوزاعي ومكحول وسعيد بن المسيب والشافعي وأهل المدينة وأهل الظاهر إلا أن أصحاب الشافعي يفتون اليوم بتوريث ذوي الأرحام على قول أهل التنزيل لفساد بيت المال وعن أبي بكر الصديق روايتان فيه
52 -
( باب ميراث الأسير )
أي هذا باب في بيان حكم ميراث الأسير الذي في أيدي العدو واختلف فيه فعن سعيد بن المسيب لا يورث الأسير الذي في أيدي العدو ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عنه وفي رواية عنه يورث وعن الزهري روايتان نحوه وعنه لا يجوز للأسير في ماله إلا الثلث ونقل ابن بطال عن أكثر العلماء أنهم ذهبوا إلى أن الأسير إذا وجب له ميراث أنه يوقف له هذا قول مالك والكوفيين والشافعي والجمهور وذلك لأن الأسير إذا كان مسلما فهو داخل تحت عموم قوله من ترك مالا فلورثته المسلمين وهو من جملة المسلمين الذين يجري عليهم أحكام المسلمين ولا يتزوج امرأته ولا يقسم ماله ما تحققت حياته وعلم مكانه فإذا انقطع خبره وجهل حاله فهو مفقود يجري فيه أحكام المفقود
قال وكان شريح يورث الأسير في أيدي العدو ويقول هو أحوج إليه

(23/259)


ليس في كثير من النسخ لفظ قال فعلى تقدير وجوده يكون فاعله البخاري أي قال البخاري وكان شريح بن الحارث القاضي الكندي الكوفي إلى آخره ووصله ابن أبي شيبة والدارمي من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن شريح فذكره
وقال عمر بن عبد العزيز أجز وصية الأسير وعتاقه وما صنع في ماله ما لم يتغير عن دينه فإنما هو ماله يصنع فيه ما يشاء
هذا أيضا يوضح الإبهام الذي في الترجمة قوله أجز أمر من الإجازة قوله وصية الأسير منصوب قوله وعتاقه عطف عليه ويروى عتاقته قوله ما يشاء بصورة المضارع وعند الكشميهني ما شاء بلفظ الماضي ووصل هذا التعليق عبد الرزاق عن معمر عن إسحاق بن راشد أن عمر كتب إليه أجز وصية الأسير
3676 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عدي ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا
مطابقته للترجمة من حيث أن الأسير في أيدي العدو داخل تحت قوله من ترك
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وعدي هو ابن ثابت الأنصاري وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي
والحديث مضى في الاستقراص عن أبي الوليد أيضا
قوله كلا بفتح الكاف وتشديد اللام أي عيالا
62 -
( باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم )
أي هذا باب يذكر فيه قوله لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم أما الكافر فإنه لا يرث المسلم بالإجماع وبالحديث وبقوله تعالى ولن يجعل الله للكفارين على المؤمنين سبيلا ( النساء141 ) وفي الميراث إثبات السبيل للكافر على المسلم والمراد منه نفي السبيل من حيث الحكم لا من حيث الحقيقة ليتحقق حقيقة السبيل وأما المسلم فهل يرث من الكافر أم لا فقالت عامة الصحابة رضي الله تعالى عنهم لا يرث وبه أخذ علماؤنا والشافعي وهذا استحسان والقياس أن يرث وهو قول معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان وبه أخذ مسروق والحسن ومحمد بن الحنفية ومحمد بن علي بن حسين وأما إرث المسلم من المرتد فباعتبار الاستناد إلى حال الإسلام ولهذا قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إنه يورث عنه كسب إسلامه دون كسب ردته ولا يرث هو من المسلم عقوبة له على ردته
وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له
أي إذا أسلم الكافر قبل أن يقسم ميراث أبيه أو أخيه مثلا فلا ميراث له لأن الاعتبار بوقت الموت لا بوقت القسمة وهو قول جمهور الفقهاء وقالت طائفة إذا أسلم قبل القسمة فله نصيبه روي عن عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما من طريق لا يصح وبه قال الحسن وعكرمة وحكاه ابن هبيرة عن أحمد وحكاه ابن التين عن جابر وروي عن الحسن أيضا الإرث فيما لم يقسم خاصة
4676 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن شهاب ) عن ( علي بن حسين ) عن ( عمر ابن عثمان ) عن ( أسامة بن زيد ) رضي الله عنهما أن النبي قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
مطابقته للترجمة من حيث أنها لفظ الحديث وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل البصري وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري وعلي بن حسين المعروف بزين العابدين وعمر بن عثمان بن

(23/260)


عفان القرشي الأموي وكل من رواه عن ابن شهاب قال عمرو بالواو إلا مالكا فإنه قال عمر بدون الواو ولم يختلفوا أنه كان لعثمان ابن يسمى عمر بلا واو وآخر يسمى عمر وبالواو إلا أن هذا الحديث كان لعمرو عند الجماعة قال الكلاباذي وهم مالك فيه فقال عمر بدون الواو
والحديث مضى في المغازي عن سليمان بن عبد الرحمن عن سعدان بن يحيى عن محمد ابن أبي حفصة عن الزهري به
72 -
( باب ميراث العبد النصراني والمكاتب النصراني وإثم من انتفى من ولده )
أي هذا باب في ميراث العبد النصراني إلى آخره كذا وقع عن الأكثرين بغير حديث وفي رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني باب من ادعى أخا وابن أخ ولم يذكر فيه حديثا وقال الكرماني هنا ثلاث تراجم متوالية باب ميراث العبد النصراني باب إثم من انتفى من ولده باب من ادعى أخا وقد ذكروا أن البخاري ترجم الأبواب واراد أن يلحق بها الأحاديث ولم يتفق له وخلا بين الترجمتين بياضا والنقلة ضموا البعض إلى البعض انتهى وجعلوا في باب إثم من انتفى من ولده قصة سعد وعبد بن زمعة وجرى ابن بطال وابن التين على حذف باب من انتفى من ولده وجعلا قصة ابن زمعة لباب من ادعى أخا ولم يذكرا في باب ميراث العبد النصراني حديثا على ما وقع عند الأكثرين ووقع عند النسفي باب ميراث العبد النصراني والمكاتب النصراني وقال لم يكتب فيه حديثا وفي عقبه باب إثم من انتفى من ولده ومن ادعى أخا أو ابن أخ وذكر فيه قصة عبد بن زمعة وقال ابن بطال مذهب العلماء أن العبد النصراني إذا مات فماله لسيده بالرق لأن ملك العبد غير صحيح وهو مال السيد يستحقه لا بطريق الإرث وعن ابن سيرين ماله لبيت المال وليس للسيد فيه شيء وأما المكاتب فإذا مات قبل أداء الكتابة وكان في ماله وفاء لباقي كتابته أخذ ذلك في كتابته فما فضل فهو لبيت المال وحكى ابن التين في ميراث النصراني إذا أعتقه المسلم ثمانية أقوال فقال عمر بن عبد العزيز والليث والشافعي هو كالمولى المسلم إن كانت له ورثة وإلا فماله لسيده وقيل يرثه الولد خاصة وقيل الولد والوالد خاصة وقيل هما والأخوة وقيل هم والعصبة وقيل ميراثه لذوي رحمه وقيل لبيت المال وقيل يوقف فمن ادعاه من النصارى كان له
81 -
( باب من ادعى أخا أو ابن أخ )
أي هذا باب في بيان حكم من ادعى أخا وابن أخ وفي بعض النسخ وقع هكذا باب إثم من انتفى من ولده ومن ادعى أخا أو ابن أخ
5676 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أنها قالت اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد هاذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هاذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول الله إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد الولد للفراش للعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قالت فلم ير سودة قط
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه دعوى أخ ودعوى ابن أخ وهو ظاهر
والحديث مر عن قريب في باب الولد للفراش وفي غيره ومضى الكلام فيه قوله من وليدته أي أمته وسودة بنت زمعة زوج النبي قوله فلم ير سودة قط أي ولم ير سودة ذلك الغلام قط واسمه عبد الرحمن وقد مضى أنه لا يجوز استلحاق غير الأب
واختلف العلماء فيما إذا مات الرجل وخلف ابنا واحدا لا وارث له غيره فأقر بأخ فقال ابن القصار عند مالك والكوفيين لا يثبت نسبه وهو المشهور عن أبي حنيفة وقال

(23/261)


الشافعي يثبت فقال هو قائم مقام الميت فصار إقراره كإقراره في حياته واحتج هؤلاء بأنه حمل النسب على الغير فلا يجوز وأما من انتفى من ولده فقد ورد فيه وعيد شديد وروى مجاهد عن ابن عمر رفعه من انتفى من ولد ليفضحه في الدنيا فضحه الله يوم القيامة وفي سنده الجراح والد وكيع مختلف فيه وأخرج ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من انتفى من ولده فليتبوأ مقعده من النار وفي سنده محمد بن الزعيزعة راويه عن نافع قال أبو حاتم منكر الحديث وروى أبو داود والنسائي عن أبي هريرة وصححه الحاكم وابن حبان بلفظ وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفي سنده عبد الله بن يونس حجازي ما روى عنه سوى يزيد بن الهاد
92 -
( باب من ادعى إلى غير أبيه )
أي هذا باب في بيان إثم من انتسب إلى غير أبيه وجواب من محذوف يظهر من الحديث
6676 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( خالد ) هو ( بن عبد الله ) حدثنا ( خالد ) عن ( أبي عثمان ) عن ( سعد ) رضي الله عنه قال سمعت النبي يقول من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام فذكرته لأبي بكرة فقال وأنا سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله ( انظر الحديث 7234 )
مطابقته للترجمة من حيث إنها بعض الحديث
وخالد شيخ شيخ البخاري هو ابن عبد الله الطحان الواسطي وشيخه خالد ابن مهران الحذاء يروي عن أبي عثمان عبد الرحمن النهدي وسعد هو ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في المغازي في غزوة حنين من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان سمعت سعدا وأبا بكرة
قوله من ادعى أي من انتسب إلى غير أبيه والحال يعلم أنه غير أبيه وفي رواية مسلم من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه والباقي مثله قوله فالجنة عليه حرام وفي الحديث الآتي فقد كفر يعني إذا استحل لأن الجنة ما حرمت إلا على الكافرين أو المراد كفران النعمة وإنكار حق الله وحق أبيه أو هو للتغليظ كقوله ومن كفر فإن الله غني ( آل عمران79 ولقمان21 ) قوله فذكرته أي قال أبو عثمان فذكرت الحديث لأبي بكرة بفتح الباء الموحدة واسمه نفيع مصغر نفع الثقفي
8676 - حدثنا ( أصبغ بن الفرج ) حدثنا ( ابن وهب ) أخبرني ( عمرو ) وعن ( جعفر بن ربيعة ) عن ( عراك ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فقد كفر
مطابقته للترجمة من حيث معناه وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري وعمر وهو ابن الحارث المصري وعراك بكسر العين المهملة وتخفيف الراء وبالكاف هو ابن مالك الغفاري والحديث مر في مناقب قريش
قوله لا ترغبوا هذه الكلمة إذا استعملت بكلمة عن تكون بمعنى الإعراض والترك وإذا استعملت بكلمة في تكون بمعنى الإقبال والتوجه قوله فقد كفر قد مر معناه الآن هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره فهو كفر وكذ رواية مسلم
03 -
( باب إذا ادعت المرأة ابنا )
أي هذا باب يذكر فيه إذا ادعت المرأة ابنا
9676 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه

(23/262)


فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى
قال أبو هريرة والله إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ وما كنا نقول إلا المدية ( انظر الحديث 7243 )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه دعوى كل واحدة من المرأتين أن الابن لها قيل ما وجه إيراده هذا الحديث ولا يتعلق به حكم
قلت يستنبط منه حكم وهو أن امرأة لا زوج لها إذا قالت لابن لا يعرف له أب هذا ابني ولم ينازعها أحد فإنه يعمل بقولها وترثه ويرثها وترثه إخوته لأمه وإذا كان لها زوج وادعت أن هذا ابني وأنكره لا يعمل بقولها إلا إذا أقامت البينة فحينئذ تقبل
قوله حدثنا أبو اليمان أي الحكم بن نافع قوله حدثنا أبو الزناد بالزاي والنون وهو عبد الله بن ذكوان يروي عن ( عبد الرحمن ) بن هرمز الأعرج عن ( أبي هريرة )
والحديث مضى في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء عليهم السلام
قوله فتحاكمتا أي المرأتان المذكورتان ويروى فتحاكما بالتذكير باعتبار الشخص قيل كيف نقض سليمان حكم داود عليهما السلام وأجيب بأنهما حكما بالوحي وحكم سليمان كان ناسخا أو بالاجتهاد وجاز النقض لدليل أقوى على أن الضمير في قوله فقضى يحتمل أن يكون راجعا إلى داود
قلت في الجواب الأول نظر لأن عمر سليمان عليه السلام كان حينئذ أحد عشر سنة ولم يكن يوحى إليه قالوا استخلفه داود وعمره كان اثني عشرة سنة وقال مقاتل كان سليمان أقضى من داود وكان داود أشد تعبدا من سليمان وقال الكرماني لما اعترف الخصم بأن الحق لصاحبه كيف حكم بخلافه ثم قال لعله علم بالقرينة أنه لا يريد حقيقة الأمر وقال النووي استدل سليمان عليه السلام بشفقة الصغرى على أنها أمه ولعل الكبرى أقرت بعد ذلك به للصغرى
قوله إن سمعت بالسكين يعني باسم السكين قط إلا يومئذ يعني يوم سمع الحديث قوله إلا المدية بضم الميم وفتحها وكسرها وسكون الدال سميت بها لأنها تقطع مدى حياة الحيوان والسكين لأنها تسكن حركته
13 -
( باب القائف )
أي هذا باب في بيان حكم القائف وهو على وزن فاعل من القيافة وهي معرفة الآثار وفي اصطلاح الفقهاء هو الذي يعرف الشبه ويميز الأثر وسمي بذلك لأنه يقفو الأشياء أي يتبعها وقال الأصمعي هو الذي يقفو الأثر ويقتافه قفوا وقيافة ويجمع القائف على القافة قيل لا وجه لذكر باب القائف في كتاب الفرائض وأجيب بجواب لا يمشي إلا على مذهب من يعمل بالقافة وهو الرد على من لا يعمل بها ويلزم من قول من يعمل بها التوارث بين الملحق والملحق به فله تعلق بالفرائض من هذا الوجه
0776 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت إن رسول الله دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إن هاذه الأقدام بعضها من بعض
مطابقته للترجمة من حيث أن مجززا المذكور حكم بالقيافة في زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وكانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة لأنه كان أسود شديد السواد لكن أمه كانت سوداء وكان أبوه زيد أبيض من القطن فلما قال هذا القائف ما قال مع اختلاف اللون سر النبي بذلك لكونه كافا لهم عن الطعن فيه لاعتقادهم ذلك
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه أبو داود في الطلاق والترمذي في الولاء والنسائي في الطلاق
قوله دخل علي مسرورا أي دخل إلى حجرة عائشة حال كونه مسرورا أي فرحانا قوله تبرق أسارير وجهه جملة حالية والأسارير هي الخطوط التي تجمع في الجبهة وتنكسروا واحدها سرو سرر وجمها أسرار وأسرة وجمع الجمع أسارير وروي عن عائشة أنها

(23/263)


قالت دخل علي رسول الله تبرق أكاليل وجهه جمع إكليل وهي ناحية الجبهة وما يتصل بها من الجبين وذلك إنما يوضع الإكليل هناك وكل ما أحاط بالشيء وتكاله من جوانبه فهو إكليل قاله الخطابي قوله ألم تري ويروى ألم ترين بالنون في آخره والمراد بالرؤية هنا الإخبار أو العلم قوله أن مجززا بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الزاي المكسورة ويحكى فتحها وفي آخره زاي أخرى وسمي بذلك لأنه كان إذا أخذ أسيرا في الجاهلية جزنا صيته وأطلقه وهو ابن الأعور ابن جعدة المدلجي نسبة إلى مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة وقال الذهبي روى عن النبي وذكره ابن يونس فيمن شهد فتح مصر وقال لا أعلم له رواية وقال ابن ماكولا إن مجززا له صحبة روى عن النبي قاله الطبري وقال الكلبي بعثه عمر بن الخطاب في جيش إلى الحبشة فهلكوا كلهم وقال ابن ماكولا أيضا بعد أن ضبط مجززا كما ذكرناه قال ابن عيينة محرز يعني بسكون الحاء المهملة وكسر الراء وفي آخره زاي فإن قلت هل كانت القيافة مخصوصة ببني مدلج أم لا
قلت كانت القيافة فيهم وفي بني أسد والعرب تعترف لهم بذلك والصحيح أنها ليست خاصة بهم قد أخرج يزيد بن هارون في الفرائض بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله تعالى عنه كان قائفا أورده في قصته وعمر قرشي ليس مدلجيا ولا أسديا لا أسد قريش ولا أسد خزيمة قوله نظر آنفا بالمد ويجوز بالقصر أي الساعة من قولك استأنفت أي ابتدأت ومنه قوله تعالى ماذا قال آنفا ( محمد61 ) أي في وقت يقرب منا قوله إلى زيد بن حارثة الخ ذكر في الرواية التي بعدها دخل علي فرأى أسامة بن زيد وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض وفي رواية الكشميهني بعضهما لمن بعض
فيه إثبات الحكم بالقافة وممن قال به أنس بن مالك وهو أصح الروايتين عن عمر رضي الله تعالى عنه وبه قال عطاء ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وأبو ثور وقال الكوفيون والثوري وأبو حنيفة وأصحابه الحكم بها باطل لأنها حدس ولا يجوز ذلك في الشريعة وليس في حديث لباب حجة في إثبات الحكم بها لأن أسامة قد كان ثبت نسبة قبل ذلك ولم يحتج الشارع في إثبات ذلك إلى قول أحد وإنما تعجب من إصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذي يصيب ظنه حقيقة الشيء الذي ظنه ولا يجب الحكم بذلك وترك رسول الله الإنكار عليه لأنه لم يتعاط بذلك إثبات ما لم يكن ثابتا وقد قال تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم ( الإسراء63 )
1776 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) قالت ( دخل علي ) رسول الله ذات يوم وهو مسرور فقال يا عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هاذه الأقدام بعضها من بعض
هذا هو الحديث المذكور غير أنه أخرجه عن قتيبة من طريقين أحدهما عن قتيبة عن الليث الخ والآخر عن قتيبة أيضا عن سفيان بن عيينة الخ وفيه زيادة تفسير ما ذكر في الحديث السابق من اختصاره على ذكر الأقدام والقطيفة كساء وفي ( المغرب ) دثار مخمل والجمع قطائف وقطف
بسم الله الرحمن الرحيم
68 -
( كتاب الحدود )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الحدود وهو جمع حد وهو المنع لغة ولهذا يقال للبواب حدادا لمنعه الناس عن الدخول وفي الشرع الحد عقوبة مقدرة لله تعالى وإنما جمعه لاشتماله على أنواع وهي حد الزنا وحد القذف وحد الشرب والمذكور فيه حد الزنا والخمر والسرقة وقد تطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي كقوله تعالى تلك حدود الله فلا تقربوها ( البقرة781 ) وعلى فعل فيه شيء مقدر ومنه ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ( الطلاق1 ) والبسملة ثابتة قبل قوله كتاب الحدود في غير رواية أبي ذر

(23/264)


ولا تترك البسملة عند ذكر كل أمر ذي بال وفي رواية النسفي جعل البسملة بين الكتاب والباب ثم قال لا يشرب الخمر وقال ابن عباس
( باب ما يحذر من الحدود )
أي باب في ذكر ما يحذر من الحدود ولم يذكر فيه حديثا وفي رواية غيره كتاب الحدود وما يحذر من الحدود عطفا على الحدود وتقديره كتاب في بيان الحدود وفي بيان ما يحذر من الحدود
1 -
( باب لا يشرب الخمر )
أي هذا باب فيه لا يشرب المسلم الخمر وهذا مما حذف فاعله قاله ابن مالك ويجوز أن يكون لا يشرب على صيغة المجهول وفي رواية المستملي باب الزنا وشرب الخمر أي هذا باب في بيان حكم الزنا وشرب الخمر
وقال ابن عباس ينزع منه نور الإيمان في الزنا
هذا مطابق للجزء الأول للترجمة قوله ينزع منه أي من الزاني ووصله أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان من طريق عثمان بن أبي صفية قال كان ابن عباس يدعو بغلمانه غلاما غلاما فيقول ألا أزوجك ما من عبد يزني إلا نزع الله منه نور الإيمان وقد روى مرفوعا أخرجه الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس سمعت النبي يقول من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه فإن شاء أن يرده إليه رده
2776 - حدثني ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي بكر بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن
مطابقته للترجمة ظاهرة وعقيل بضم العين ابن خالد وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ووقع في رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث عن أبيه عن جده حدثني عقيل بن خالد قال قال ابن شهاب أخبرني أبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
والحديث أخرجه مسلم كما ذكرنا من طريق عقيل عن ابن شهاب وأخرجه ابن ماجه أيضا في الفتن من طريق عقيل عن الزهري
وذكر الطبري أن من قبلنا اختلفوا في هذا الحديث فأنكر بعضهم أن يكون رسول الله قاله قال عطاء اختلف الرواة في أداء لفظ النبي بذلك فقال محمد بن زيد بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وسئل عن تفسير هذا الحديث فقال إنما قال رسول الله لا يزنين مؤمن ولا يسرقن مؤمن وقال آخرون عنى بذلك لا يزني الزاني وهو مستحل للزنى غير مؤمن بتحريم الله ذلك عليه فأما إن زنى وهو معتقد تحريمه فهو مؤمن روى ذلك عكرمة من مولاه وحجتهم فيه حديث أبي ذر يرفعه من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق وقال آخرون ينزع منه الإيمان فيزول عنه فيقال له منافق وفاسق روي هذا عن الحسن قال النفاق نفاقان تكذيب بمحمد فهذا لا يغفر ونفاق خطايا وذنوب يرجى لصاحبه وعن الأوزاعي كانوا لا يكفرون أحدا بذنب ولا يشهدون على أحد بكفر ويتخوفون نفاق الأعمال على أنفسهم وقال آخرون إذا أتى المؤمن كبيرة نزع منه الإيمان فإذا فارقها عاد إليه الإيمان وقال بعض الخوارج والرافضة والأباضية من فعل شيئا من ذلك فهو كافر خارج عن الإيمان لأنهم يكفرون المؤمن بالذنب ويوجبون عليه التخليد في النار بالمعاصي وحجتهم ظاهر حديث أبي هريرة هذا وقال المهلب قوله ينزع منه نور الإيمان يعني ينزع نور بصيرته في طاعة الله لغلبة شهوته عليه فكأن تلك البصيرة نور طفته الشهوة من قلبه يشهد لهذا قوله عز و جل كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( المطففين41 ) وقيل هذا من باب التغليظ أو معناه نفي الكمال وقال ابن عباس المراد منه الإنذار بزوال الإيمان إذا اعتاده فمن حام حول الحمى أو شك أن يقع

(23/265)


فيه قوله حين يزني قال الكرماني كلمة حين متعلقة بما قبلها أو بما بعدها ثم قال تحتملهما أي لا يزني في أي حين كان أو وهو مؤمن حين يزني وفيه تنبيه على جميع أنواع المعاصي لأنها إما بدنية كالزنا أو مالية إما سرا كالسرقة أو جهرا كالنهب أو عقلية كالخمر فإنها مزيلة له قوله نهبة بضم النون وهو المال المنهوب وقال الكرماني النهبة بالفتح مصدر وبضمها المال المنهوب يعني لا يأخذ الرجل مال غيره قهرا وظلما وهم ينظرون إليه ويتضرعون ويبكون ولا يقدرون على دفعه ثم قال ما فائدة ذكر الأبصار فأجاب بأنه إخراج الموهوب المشاع والموائد العامة فإن رفعها لا يكون عادة إلا في الغارات ظلما صريحا انتهى وقيل يحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون في خفية والانتهاب أشد لما فيه من مزيد الجرأة وعدم المبالاة
وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي بمثله إلا النهبة
هذا موصول بالسند المذكور أي وروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة عن النبي مثله أي مثل الحديث المذكور إلا لفظ النهبة ليس فيه وأخرجه مسلم من طريق شعيب بن الليث بلفظ قال ابن شهاب وحدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله بمثل حديث أبي بكر هذا إلا النهبة
2 -
( باب ما جاء في ضرب شارب الخمر )
أي هذا باب يذكر فيه ما جاء من الخبر في ضرب شارب الخمر
3776 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( هشام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) أن النبي ( الحديث 4776 - ( طرفة في ) 6776 )
( ح ) وحدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن النبي ضرب في الخمر بالجريده النعال وجلد أبو بكر أربعين
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين
الأول عن حفص بن عمر عن هشام الدستوائي عن قتادة
والثاني عن آدم بن إياس عن شعبة الخ
والحديث أخرجه مسلم في الحدود أيضا عن أبي موسى وبندار وأخرجه أبو دادو فيه عن مسلم بن إبراهيم وأخرجه الترمذي عن بندار به وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد مختصرا ولم يذكر وجلد أبو بكر أربعين واحتج الشافعي وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر على أن حد السكران أربعون سوطا وقال ابن حزم وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن بن علي وعبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهم وبه يقول الشافعي وأبو سليمان وأصحابنا وقال الحسن البصري والشعبي وأبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد في رواية ثمانون سوطا وروي ذلك عن علي وخالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان قال أبو عمر الجمهور من علماء السلف والخلف على أن الحد في الشرب ثمانون وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وإسحاق وأحمد وهو أحد قولي الشافعي وقال اتفق إجماع الصحابة في زمن عمر على الثمانين في حد الخمر ولا مخالف لهم منهم وعلى ذلك جماعة التابعين وجمهور فقهاء المسلمين والخلاف في ذلك كالشذوذ المحجوج بالجمهور وقال ابن مسعود ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وقال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وروى الدارقطني من حديث يحيى بن فليح عن محمد بن يزيد عن عكرمة عن مولاه أن الشراب كانوا يضربون في عهد رسول الله بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي وكان في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فجلدهم أربعين ثم عمر كذلك الحديث إلى أن قال فقال عمر ماذا ترون فقال علي إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر عمر فجلده ثمانين أي جلد السكران ثمانين سوطا

(23/266)


3 -
( باب من أمر بضرب الحد في البيت )
أي هذا باب في ذكر من أمر بضرب الحد في البيت فكأنه ترجم هذا الباب ردا على من قال لا يضرب الحد سرا وروى ابن سعد عن عمر رضي الله تعالى عنه في قصة ولده أبي شحمة لما شرب بمصر فحده عمرو بن العاص في البيت فأنكر عمر عليه وأحضره إلى المدينة وضربه الحد جهرا وحمل العلماء على المبالغة في تأديب ولده لا لأن إقامة الحد لا تصح إلا جهرا
4 -
( باب الضرب بالجريد والنعال )
أي هذا باب في بيان الضرب في شرب الخمر بالجريد والنعال وأشار بذلك إلى جواز الاكتفاء في شرب الخمر بالضرب بالجريد والنعال وقال النووي أجمعو على الاكتفاء في الخمر بالجريد والنعال وأطراف الثياب ثم قال والأصح جوازه بالسوط وشذ من قال هو شرط وهو غلط منابذ للأحاديث الصحيحة
قلت اختلف فيه بعض الأئمة من الشافعية فصرح أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط وصرح القاضي حسين بتعيين السوط واحتج بأنه إجماع الصحابة
5776 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( وهيب بن خالد ) عن ( أيوب ) عن ( عبد الله بن أبي مليكة ) عن ( عقبة بن الحارث ) أن النبي أتي بنعيمان أو بابن نعيمان وهو سكران فشق عليه وأمر من في البيت أن يضربوه فضربوه بالجريد والنعال وكنت فيمن ضربه ( انظر الحديث 6132 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو الحديث الذي تقدم في الباب الذي قبله أخرجه عن قتيبة بن عبد الوهاب عن أيوب إلى

(23/267)


آخره وتقدم الكلام فيه
6776 - حدثنا ( مسلم ) حدثنا ( هشام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) قال ( جلد ) النبي في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين ( انظر الحديث 3776 )
مطابقة هذا أيضا للترجمة ظاهرة وقد تقدم هذا أيضا عن قريب في باب ما جاء في ضرب شارب الخمر فإن قلت ذكر هناك أن النبي ضرب في الخمر وههنا قال جلد
قلت لا منافاة بينهما لأن المراد هنا من قوله جلد ضربه فأصاب جلده وليس المراد به ضربه بالجلد ومسلم شيخ البخاري وهو ابن إبراهيم البصري وهشام هو الدستوائي
7776 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( أبو ضمرة أنس ) عن ( يزيد بن الهاد ) عن ( محمد بن إبراهيم ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال أتي النبي برجل قد شرب قال اضربوه قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أحزاك الله قال لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء اسمه أنس بن عياض ويزيد من الزيادة هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد نسب إلى جده الأعلى ومحمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي وسلمة بن عبد الرحمن بن عوف ويزيد وشيخه وشيخ شيخه مدنيون تابعيون
والحديث أخرجه أبو داود في الحدود أيضا عن قتيبة به وعن غيره قوله برجل قيل يحتمل أن يكون هذا عبد الله الذي كان يلقب حمارا وسيأتي في الحديث عن عمر في الباب الذي بعده ويحتمل أن يكون نعيمان ويحتمل أن يكون ثالثا قوله قال اضربوه لم يعين فيه العدد لأنه لم يكن مؤقتا حينئذ وقد روى أبو داود من حديث ابن عباس أن رسول الله لم يقت في الخمر حدا أي لم يوقت ويقال أي لم يقدر رسول الله له مقدارا ولم يحدده بعدد مخصوص قوله أخزاك الله أي لا تدعوا عليه بالخزي بالمعجمتين وهو الذل والهوان يقال خزى يخزى من باب علم بعلم خزيا بالكسر وأما خزي يخزى خزاية بالفتح فمعناه استحى قوله لا تعينوا عليه الشيطان يعني إذا دعوتم عليه بالخزي فقد اعنتم الشيطان فإنه إذا دعي عليه بحضرته ولم ينه عنه ينفر عنه أو لأنه يتوهم أنه مستحق لذلك فيوقع الشيطان في قلبه وساوس
8776 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) حدثنا ( خالد بن الحارث ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( أبو حصين ) سمعت ( عمير بن سعيد النخعي ) قال سمعت ( علي بن أبي طالب ) رضي الله عنه قال ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذالك أن رسول الله لم يسنه
مطابقته للترجمة في آخر الحديث لأن معنى قوله لم يسنه لم يقدر فيه حدا مضبوطا كذا فسره النووي وقيل معناه لم يعينه بضرب السياط وهو مطابق للترجمة لأنه ليس فيه حد معلوم
وسفيان هو الثوري وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين واسمه عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي وعمير بضم العين وفتح الميم بن سعيد بالياء بعد العين النخعي كذا ضبطه الكرماني وقال لم يتقدم ذكره ويروى سعد بدون الياء وهو سهو قاله الغساني وقال النووي هكذا وقع في جميع النسخ من ( الصحيحين ) ووقع للحميدي في الجميع سعد بسكون العين وهو غلط ووقع في ( المهذب ) عمر بن سعد بحذف الياء

(23/268)


منهما وهو غلط فاحش وقال بعضهم ووقع للنسائي والطحاوي عمر بضم العين وفتح الميم
قلت لم يقع للطحاوي ما ذكره فإني شرحت ( معاني الآثار ) له وليس فيه إلا عمير بن سعيد مثل ما وقع للبخاري وغيره وهو تابعي كبير ثقة مات سنة خمس عشرة ومائة
والحديث أخرجه مسلم في الحدود أيضا عن محمد بن المنهال وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن إسماعيل بن موسى وأخرجه ابن ماجه فيه عن إسماعيل به وعن غيره
قوله ما كنت لأقيم اللام فيه مكسورة لتأكيد النفي كما في قوله تعالى وما كان الله ليضيع أيمانكم ( البقرة341 ) وأقيم منصوب بأن المقدرة فيه قوله فيموت بالنصب قوله فأجد بالرفع قاله الكرماني من وجد الرجل يجد إذا حزن وقال الطيبي قوله فيموت مسبب عن أقيم وقوله فأجد مسبب عن مجموع السبب والمسبب والاستثناء في قوله إلا صاحب الخمر منقطع أي لكن أجد من صاحب الخمر إذا مات شيئا ويجوز أن يكون التقدير ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئا إلا من موت صاحب الخمر فيكون متصلا قوله وديته أي أعطيت ديته وغرمتها من ودى يدي دية أصلها ودية قوله وذلك إشارة إلى ما قاله ما كنت لأقيم إلى آخره قوله لم يسنه قد مر تفسيره الآن وفي رواية ابن ماجه فإن رسول الله لم يسن فيه شيئا إنما هو شيء جعلناه نحن فإن قلت روى الطحاوي حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا يحيى قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن الداناج عن حصين بن المنذر الرقاشي أبي ساسان عن علي رضي الله تعالى عنه قال جلد رسول الله في الخمر أربعين وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أربعين وكملها عمر رضي الله تعالى عنه ثمانين وكل سنة وأخرجه أبو داود عن مسدد نحوه قوله وكل سنة أي كل واحد من الأربعين والثمانين سنة وقال الخطابي تقول إن الأربعين سنة قد عمل بها النبي في زمانه والثمانين سنة قد عمل بها عمر رضي الله عنه في زمانه
قلت ولما روى الطحاوي هذا قال ذهب قوم إلى أن الحد الذي يجب على شارب الخمر إنما هو أربعون واحتجوا بهذا الحديث ثم قال وخالفهم في ذلك آخرون فادعوا فساد هذا الحديث وأنكروا أن يكون علي رضي الله عنه قال من ذلك شيئا لأنه قد روى عنه ما يخالف ذلك ويدفعه ثم روى حديث عمير بن سعيد عنه الذي مضى الآن ثم أطال الكلام في دفع هذا الحديث الذي رواه الداناج المذكور عن حصين عنه وقال غيره حديث الداناج غير صحيح لأن حديث البخاري أعني المذكور هنا يرده ويخالفه وفي قول علي رضي الله عنه ما كنت لأقيم حدا الخ حجة لمن قال لا قود على أحد إذا مات المحدود في الضرب وقال أصحابنا لا دية فيه على الإمام وعليه الكفارة وقيل على بيت المال لكنهم اختلفوا فيمن مات من التعزير فقال الشافعي عقله على عاقلة الإمام وعليه الكفارة وقيل على بيت المال وجمهورالعلماء على أنه لا يجب شيء على أحد وفي ( التوضيح ) اختلف إذا مات في ضربه على أقوال فقال مالك وأحمد لا ضمان على الإمام والحق قتله وقال الشافعي إن مات المحدود وكان ضربه بأطراف الثياب والنعال لا يضمن الإمام قولا واحدا وإن كان ضربه بالسوط فإنه يضمن وفي صفة ما يضمن وجهان أحدهما يضمن جميع الدية والثاني لا يضمن إلا ما زاد على ألم النعال وعنه أيضا إن ضرب بالنعال وأطراف الثياب ضربا يحيط العلم أنه لا يبلغ الأربعين أو يبلغها أو لا يتجاوزها فمات فالحق قتله فإن كان كذلك فلا عقل ولا دية ولا كفارة على الإمام وإن ضربه أربعين سوطا فمات فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال
9776 - حدثنا ( مكي بن إبراهيم ) عن ( الجعيد ) عن ( يزيد بن خصيفة ) عن ( السائب بن يزيد ) قال ( كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله ) وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين
مطابقته للترجمة ظاهرة والجعيد بضم الجيم وفتح العين المهملة مصغر جعد بن عبد الرحمن التابعي من صغار التابعين وسند البخاري هذا في غاية العلو لأن بينه وبين التابعي فيه واحد فهو في حكم الثلاثيات ويزيد من الزيادة ابن خصيفة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء الكوفي والسائب بالهمزة بعد

(23/269)


الألف ابن يزيد من الزيادة الكندي والحديث من أفراده
قوله كنا نؤتى على صيغة المجهول فإن قلت كان السائب صغيرا جدا على عهد النبي وكان ابن ست سنين فكيف أدخل نفسه في جماعة الحاضرين وقت إتيان الشارب في زمنه
قلت الظاهر أن مراده من قوله كنا الصحابة ولكن يحتمل أن يكون قد حضر هناك مع أبيه أو غيره فشاركهم فيه فيكون الإسناد على الحقيقة قوله وإمرة أبي بكر بكسر الهمزة وسكون الميم أي إمارته قوله وصدرا من خلافة عمر رضي الله تعالى عنه أي أوائل خلافته قوله وأرديتنا جميع رداء قوله حتى كان آخر إمرة عمر أي آخر خلافته قوله حتى إذا عتوا أي إذا انهمكوا في الطغيان وبالغوا في الفساد قوله وفسقوا أي خرجوا عن الطاعة فلم يرتدعوا جلدهم ثمانين جلدة ولو أدرك هذا الزمان لجلدهم أضعاف ذلك وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين نحو حديث السائب وفيه أن عمر جعله أربعين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال هذا أدنى الحدود
5 -
( باب ما يكره من لعن شارب الخمر وإنه ليس بخارج من الملة )
أي هذا باب في بيان ما يكره من لعن شارب الخمر وكأنه أراد بهذه الترجمة وجه التوفيق بين حديث الباب الذي فيه النهي عن لعن الشارب وبين قوله لا يشرب الخمر وهو مؤمن وقد مر عن قريب وهو أن المراد بحديث لا يشرب الخمر وهو مؤمن نفي كمال الإيمان لا أنه يخرج عن الإيمان وهو معنى قوله وإنه أي إن شارب الخمر ليس بخارج عن الملة فإذا لم يكن خارجا عن الملة لا يستحق اللعن فإن قلت قد لعن رسول الله شارب الخمر وكثيرا من أهل المعاصي منهم المصورون ومن ادعى إلى غير أبيه وغير ذلك
قلت أراد النبي باللعنة الملازمين لها غير التائبين منها ليرتدع بذلك من فعلها والذي نهى عن لعنه ههنا قد كان أخذ منه حد الله تعالى الذي جعله مطهرا له من الذنوب فنهى عن ذلك خشية أن يوقع الشيطان في قلبه أن من لعن بحضرته ولم يغير ذلك ولا نهى عنه أنه مستحق العقوبة في الآخرة وأنه يقره على ذلك ويقويه وقيل الذي لعن الشارع إنما لعن الجنس على معنى الإرداع ولم يعين أحدا ومنهم من منع مطلقا في المعين وجوز في حق غير المعين لأن فيه زجرا عن تعاطي ذلك الفعل وفي حق المعين أذى وسب وقد ثبت النهي عن أذى المسلم
0876 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( خالد بن يزيد ) عن ( سعيد بن أبي هلال ) عن ( زيد بن أسلم ) عن أبيه عن ( عمر بن الخطاب ) أن رجلا كان على عهد النبي كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله وكان النبي قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن بكر مصغر بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي المصري وخالد بن يزيد من الزيادة البجلي الفقيه وسعيد بن أبي هلال الليثي المدني وزيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب يروي عن أبيه أسلم مولى عمر الحبشي البخاري كان من سبي عين التمر ابتاعه عمر بن الخطاب بمكة سنة إحدى عشر لما بعثه أبو بكر الصديق ليقيم للناس الحج والحديث من أفراده
قوله وكان يلقب حمارا لعله كان لا يكره ذلك اللقب وكان قد اشتهر به وجوز ابن عبد البر أنه ابن النعمان المبهم في حديث عقبة بن الحارث وقال الكرماني وكان يهدي إلى النبي العكة من السمن والعكة من العسل فإذا جاء صاحبها يتقاضاه جاء به وقال يا رسول الله أعط هذا ثمن

(23/270)


متاعه فما يزيد رسول الله على أن يتبسم ويأمر به فيعطى ثمنه
قلت هذا رواه أبو يعلى الموصلي من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قوله وكان يضحك بضم الياء من الإضحاك وفيه جواز إضحاك الإمام والعالم بنادرة من الحق لا من الباطل قوله فقال رجل قيل هو عمر بن الخطاب لأنه جاء في رواية الواقدي فقال عمر رضي الله تعالى عنه وكذا في رواية الواقدي أيضا لا تفعل يا عمر فإنه يحب الله ورسوله وذلك عند قوله لا تلعنوه قوله ماأكثر ما يؤتى به فيه دلالة على تكرره منه قوله فوالله ما علمت إلا أنه أي الملقب بحمار يحب الله ورسوله ويروى فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله قال الكرماني ما موصولة لا نافية فكيف وقع جوابا بالقسم ثم أجاب بقوله أنه يحب الله ورسوله وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو ما علمت منه والجملة معترضة بين القسم وجوابه أو ما نافية ومفعول علمت محذوف
قلت إذا كان ما نافية يكون همزة أنه مفتوحة مع أن رواية الأكثرين أن الهمزة مكسورة إلا على رواية ابن السكن فإنه جوز الفتح والكسر وقال صاحب ( المطالع ) ما موصولة وإنه بكسر الهمزة مبتدأ وقيل بفتحها وهو مفعول علمت وقال الطيبي شيخ شيخي فعلى هذا علمت بمعنى عرفت وأنه خبر الموصول وقيل ما زائدة أي فوالله علمت والهمزة على هذا مفتوحة وقيل يحتمل أن يكون المفعول محذوفا أي ما علمت عليه أو فيه سوءا ثم استأنف فقال إنه يجب الله ورسوله وقيل ما زائدة للتأكيد والتقدير علمت وقد جاء هكذا في بعض الروايات وعلى هذا فالهمزة مفتوحة وقال الطيبي جعل ما نافية أظهر لاقتضاء القسم أن يتقى بحرف النفي وبأن وباللام بخلاف الموصولة ويؤيده أنه وقع في ( شرح السنة ) فوالله ما علمت إلا أنه قال فمعنى الحصر في هذه الرواية بمنزلة تاء الخطاب في الرواية الأخرى لإفادة مزيد الإنكار على المخاطب وقيل قد وقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني مثل ما وقع في ( شرح السنة )
1876 - حدثنا ( علي بن عبد الله بن جعفر ) حدثنا ( أنس بن عياض ) حدثنا ( ابن الهاد ) عن ( محمد بن إبراهيم ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) قال أتي النبي بسكران فأمر بضربه فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه فلما انصرف قال رجل ماله أخزاه الله فقال رسول الله لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم ( انظر الحديث 7776 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وابن الهاد هو عبد الله بن شداد بن الهاد واسم الهاد أسامة الليثي الكوفي ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
والحديث مضى عن قريب في باب الضرب بالجريد والنعال ومضى الكلام فيه
6 -
( باب السارق حين يسرق )
أي هذا باب يذكر فيه السارق حين يسرق ما يكون حاله وقد بينه في الحديث بقوله ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن وفي رواية أبي ذر باب لا يسرق السارق وفي رواية غيره سقط لفظ السارق
2876 - حدثني ( عمرو بن علي ) حدثنا ( عبد الله بن داود ) حدثنا ( فضيل بن غزوان ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما عن النبي قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن
مطابقته للترجمتة من حيث إنه يوضحها لأنه اختصر الترجمة بحيث إنها لا تفيد إلا بحديث الباب
وعمرو بن علي ابن بحر الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا وعبد الله بن داود بن عامر الكوفي سكن الخريبة من البصرة وهو من أفراده وفضيل بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي الكوفي
والحديث يأتي في المحاربين عن محمد بن المثنى وأخرجه النسائي في الرجم عن عبد الرحمن بن سلام ومضى شرحه في حديث أبي

(23/271)


هريرة في أول باب الحدود
7 -
( باب لعن السارق إذا لم يسم )
أي هذا باب في بيان حكم لعن السارق إذا لم يعينه وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى وجه التوفيق بين النهي عن لعن الشارب المعين وبين حديث الباب وقال صاحب ( التلويح ) قوله في الترجمة باب لعن السارق إذا لم يسم كذا في جميع النسخ فإن صحت الترجمة فهو أنه لا ينبغي تعيير أهل المعاصي ومواجهتهم باللعن وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل فعلهم ليكون ذلك ردعا وزحرا عن انتهاك شيء منها فإذا وقعت من معين لم يلعن بعينه لئلا يقنط وييأس ولنهي النبي عن لعن النعيمان وقال ابن بطال فإن كان البخاري أشار إلى هذا فهو غيرصحيح لأن الشارع إنما نهى عن لعنه بعد إقامة الحد عليه فدل على أن الفرق بين من يجب لعنه وبين من لا يجب وبأن بيانه أن من أقيم عليه الحد لا ينبغي لعنته وأن من لم يقم عليه فاللعنة متوجهة إليه سواء سمي وعين أم لا لأن النبي لا يلعن إلا من تجب عليه اللعنة ما دام على تلك الحالة الموجبة لها فإذا تاب منها وطهره الحد فلا لعنة تتوجه إليه
3876 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) حدثني أبي حدثنا ( الأعمش ) قال سمعت ( أبا صالح ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده قال الأعمش كانوا يرون أنه بيض الحديد والحبل كانوا يرون أنه منها ما يساوي دراهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرج الحديث عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قاضيها عن سلميان الأعمش عن أبي صالح ذكوان الزيات عن أبي هريرة
والحديث أخرجه مسلم في الحدود أيضا عن أبي بكر وأبي كريب وأخرجه النسائي في القطع عن عبد الله بن محمد المخزومي وأحمد بن حرب وأخرجه ابن ماجه في الحدود عن أبي بكر
قوله قال الأعمش موصول بالإسناد المذكور قوله كانوا يرون بفتح الراء من الرأي يريد به أن الذين رووا هذا الحديث كانوا يقولون إن المراد بالبيضة بيض الحديد وهو البيضة التي تكون على رأس المقاتل وبالحبل ما يساوي منها دراهم وقال الكرماني يراد به ثلاثة دراهم
قلت نظر في ذلك إلى أن أقل الجمع ثلاثة وأنه أيضا أشار به إلى مذهبه فإن عنده يقطع يد السارق في ربع دينار وهو ثلاثة دراهم ثم قال وغرضه أنه لا قطع في الشيء القليل بل ماله نصاب كربع الدينار وعندنا لا قطع في أقل من عشر دراهم على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى وفي ( التوضيح ) وقول الأعمش البيضة هنا بيضة الحديد التي تغفر الرأس في الحرب والحبل من حبال السفن تأويل لا يجو عند من يعرف صحيح كلام العرب لأن كل واحد من هذين بدنانير كثيرة وفي الدارقطني من حديث أبي خباب الدلال حدثنا مختار بن نافع حدثنا أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله تعالى عنه عن رسول الله أنه قطع في بيضة من حديد قيمتها إحدى وعشرون درهما وليس من عادة العرب والعجم أن يقولوا قبح الله فلانا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر وتعرض للعقوبة بالغلول في جراب مسك وإنما العادة في مثل هذا أن يقال لعنه الله تعرض لقطع اليد في حبل رت أو كبة شعر أو رداء خلق وكلما كان من هذا الفن أحقر فهو أبلغ وقال الخطابي إن ذلك من باب التدريج لأنه إذا استمر ذلك به لم يأمن أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقها حتى يبلغ فيه القطع فتقطع يده فليحذر هذا الفعل وليتركه قبل أن تملكه العادة ويموت عليها ليسلم من سوء عاقبته وقال الداودي ما قاله الأعمش محتمل وقد يحتمل أن يكون هذا قبل أن يبين الشارع القدر الذي يقطع فيه السارق وقيل هذا محمول على المبالغة في التنبيه على عظم ما خسر وحقر ما حصل وقال القرطبي ونظير حمله على المبالغة ما حمل عليه قوله من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة فإن أحدا لم يقل فيه إنه أراد المبالغة في ذلك وإلا فمن المعلوم أن مفحص القضاة وهو قدر ما تحصن به بيضها لا يتصور أن يكون مسجدا ومنه تصدقن ولو

(23/272)


بظلف محرق وهو مما لا يتصدق به ومثله كثير في كلامهم واحتج الخوارج بهذا الحديث على أن القطع يجب في قليل الأشياء وكثيرها ولا حجة لهم في ذلك لأن قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ( المائدة83 ) لما نزل قال ذلك على ظاهر ما نزل ثم أعلمه الله أن القطع لا يكون إلا في مقدار معلوم فكان بيانا لما أجمل فوجب المصير إليه وفي هذا المقدار اختلاف بين العلماء على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى
8 -
( باب الحدود كفارة )
أي هذا باب يذكر فيه معنى الحدود كفارة فقوله الحدود مبتدأ أو كفارة خبره
4876 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) عن ( أبي إدريس الخولاني ) عن ( عبادة بن الصامت ) رضي الله عنه قال ( كنا عند ) النبي في مجلس فقال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا وقرأ هاذه الآية كلها فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذالك شيئا فعوقب به فهو كفارته ومن أصاب من ذالك شيئا فستره الله عليه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فعوقب به فهو كفارته
ومحمد بن يوسف جزم به أبو نعيم أنه الفريابي ويحتمل أن يكون البيكندي وابن عيينة هو سفيان يروي عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي إدريس عائذ الله بالعين المهملة وبالهمزة بعد الألف وبالذال المعجمة الخولاني بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبالنون في آخره يروي عن عبادة بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة ابن الصامت
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب حدثنا أبو اليمان قال حدثنا شعبة عن الزهري قال أخبرنا أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله قال وحوله عصابة من أصحابه بايعوني الحديث ومضى الكلام فيه
قوله وقرأ هذه الآية قال الكرماني وهذه الآية هي يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ( الممتحنة21 ) الآية
قلت قد مر في كتاب الإيمان بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فإن قلت روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال لا أدري الحدود كفارة أم لا
قلت قال ابن بطال سند حديث عبادة أصح من إسناد حديث أبي هريرة وقال ابن التين حديث أبي هريرة قبل حديث عبادة ثم أعلمه الله تعالى أنها مطهرة على ما في حديث عبادة فإن قلت حديث أبي هريرة متأخر لأنه متأخر الإسلام عن بيعة العقبة لأن بيعة العقبة كانت قبل إسلام أبي هريرة بست سنين
قلت أجابوا بأن البيعة المذكورة في حديث الباب كانت متراخية عن إسلام أبي هريرة بدليل أن الآية المشار إليها في قوله وقرأ الآية وهي قوله تعالى يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ( الممتحنة21 ) إلى آخرها كان نزولها في فتح مكة وذلك بعد إسلام أبي هريرة بنحو سنتين والإشكال إنما وقع من قوله هناك إن عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء ليلة العقبة قال إن النبي قال بايعوني على أن لا تشركوا الحديث فإنه يوهم أن ذلك كان ليلة العقبة وليس كذلك بل البيعة التي وقعت في ليلة العقبة كانت على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره الخ فإن قلت آية المحاربة تعارض حديث عبادة وهي قوله تعالى ذلك لهم خزي في الدنيا يعني الحدود ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( المائدة33 ) فدلت على أن الحدود ليست كفارة
قلت الوعيد في المحاربة عند جميع المؤمنين مرتب على قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ( النساء84 و611 ) الآية فتأويل الآية إن شاء الله ذلك لقوله لمن يشاء فهذه الآية تبطل نفاذ الوعيد على غير أهل الشرك إلا أن ذكر الشرك في حديث عبادة مع سائر المعاصي لا يوجب أن من عوقب في الدنيا وهو مشرك كان ذلك كفارة له لأن الأمة

(23/273)


مجمعة على تخليد الكفار في النار وبذلك نطق الكتاب والسنة فحديث عبادة معناه الخصوص فيمن أقيم عليه الحد من المسلمين خاصة أن ذلك كفارة له والله أعلم
9 -
( باب ظهر المؤمن حمى إلا في حد أو حق )
أي هذا باب في بيان أن ظهر المؤمن حمى بكسر الحاء أي محمي أي محفوظ عن الإيذا وقال ابن الأثير أحميت المكان فهو محمي إذا جعلته حمى أي محظورا لا يقرب وحميته حماية إذا دفعت عنه ومنعت منه من يقربه
قلت أصل حمى حمى على وزن فعل قوله إلا في حق أي لا يحمي في حد وجب عليه أو حق أي أو في حق أحد وقال المهلب قوله ظهر المؤمن حمى يعني أنه لا يحل للمسلم أن يستبيح ظهر أخيه ولا بشرته لنائرة تكون بينه وبينه أو عداوة كما كانت الجاهلية تفعله وتستبيحه من الأعراض والدماء وإنما يجوز استباحة ذلك في حقوق الله أو حقوق الآدميين أو في أدب لمن قصر في الدين كتأديب عمر رضي الله تعالى عنه بالدرة وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة من طريق محمد بن عبد العزيز بن الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله ظهور المسلمين حمى إلا في حدود الله ومحمد ابن عبد العزيز ضعيف وأخرجه الطبراني من حديث عصمة بن الملك الخطمي بلفظ ظهر المؤمن حمى إلا بحقه وفي سنده الفضل بن مختار وهو ضعيف ومن حديث أبي أمامة من جرد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان وفي سنده أيضا مقال
5876 - حدثني ( محمد بن عبد الله ) حدثنا ( عاصم بن علي ) حدثنا ( عاصم بن محمد ) عن ( واقد ابن محمد ) سمعت أبي قال ( عبد الله ) قال رسول الله في حجة الوداع ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة قالوا ألا شهرنا هاذا قال ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة قالوا ألا بلدنا هذا قال ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة قالوا ألا يومنا هاذا قال فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هاذا في بلدكم هاذا في شهركم هاذا ألا هل بلغت ثلاثا كل ذالك يجيبونه ألا نعم قال ويحكم أو ويلكم لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فإن الله تعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم بيان ذلك أن دم المؤمن وماله وعرضه حمى للمؤمن ولا يحل لأحد أن يستبيحه إلا بحق
وشيخ البخاري محمد بن عبد الله قال الحاكم محمد بن عبد الله هذا هو الذهلي
قلت هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب أبو عبد الله الذهلي النيسابوري روى عنه البخاري في الصوم والطب والجنائز والعتق وغيرها في قريب من ثلاثين موضعا ولم يقل محمد بن يحيى الذهلي مصرحا ويقول حدثنا محمد ولا يزيد عليه وربما يقول محمد بن عبد الله ينسبه إلى جده ويقول محمد بن خالد ينسبه إلى جد أبيه قوله حدثني محمد بن عبد الله هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر حدثنا بنون الجمع وعاصم بن علي بن عاصم بن صهيب أبو الحسين مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه القرشي من أهل واسط وهو أحد مشايخ البخاري روى عنه في الصلاة ومواضع بغير واسطة مات سنة إحدى وعشرين ومائتين وعاصم الثاني هو ابن محمد ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي يروي عن أخيه واقد بن محمد بن زيد يروي عن أبيه محمد بن زيد بن عبد الله بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وعبد الله هو ابن عمر بن الخطاب جد الراوي
والحديث مضى في الحج في باب الخطبة أيام منى فإنه أخرجه هناك عن محمد بن المثنى عن يزيد بن هارون عن عاصم بن محمد بن زيد عن

(23/274)


أبيه عن ابن عمر الخ وأخرجه في مواضع كثيرة ذكرناه هناك ومضى الكلام فيه أيضا
قوله ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام تزاد في أول الكلام للتنبيه لما يقال وقد ذكر هنا سؤالا وجوابا قوله أي شهر قال ابن التين أي هنا مرفوعة ويجوز نصبها والاختيار الرفع قوله يونا هذا يعني يوم النحر قيل صح أن أفضل الأيام يوم عرفة وأجيب بأن المرا د باليوم وقت أداء المناسك وهما في حكم شيء واحد قوله ثلاثا أي قاله ثلاث مرات قوله أو ويلكم شك من الراوي وويحكم كلمة رحمة وويلكم كلمة عذاب قوله ولا ترجعن بضم العين وبالنون الثقيلة خطاب للجماعة ويروى لا ترجعوا وكذا في رواية مسلم قوله بعدي قال الطبري معناه بعد فراقي من موقفي وكان يوم النحر في حجة الوداع أو يكون بعدي بمعنى خلا في أي لا تخلفوا في أنفسكم بغير الذي أمرتك به أو يكون تحقق عليه السلام أن هذا لا يكون في حياته فنهاهم عنه بعد مماته قوله كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وفي معناه سبعة أقوال أحدها أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق والثاني أن المراد كفر النعمة وحق الإسلام والثالث أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه والرابع أنه فعل كفعل الكفار والخامس المراد حقيقة الكفر ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين والسادس حكاه الخطابي وغيره المراد المتكفرون بالسلاح وقال الأزهري يقال للابس السلاح كافر والسابع معناه لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا قتال بعضكم بعضا وأظهر الأقوال القول الرابع قاله النووي واختاره القاضي عياض قوله يضرب بضم الباء كذا رواه المتقدمون والمتأخرون وبه يصح المقصود هنا وحكى عياض عن بعضهم ضبطه بإسكان الباء وكذا قاله أبو البقاء العكبري على تقدير شرط مضمر أي أن ترجعوا يضرب وصوب عياض والنووي الأول
01 -
( باب إقامة الحدود والإنتقام لحرمات الله )
أي هذا باب في بيان وجوب إقامة الحدود ووجوب الانتقام لحرمات الله تعالى وهي جمع حرمة كظلمات جمع ظلمة والحرمة ما لا يحل انتهاكه وقال المهلب لا يحل لأحد من الأئمة ترك حرمات الله أن تنتهك وعليهم تغيير ذلك والانتقام افتعال من نقم ينقم من باب علم يعلم ونقم ينقم من باب ضرب يضرب ونقم من فلان الإحسان إذا جعله مما يؤديه إلى كفر النعمة ومعنى الانتقام لحرمات الله المبالغة في عقوبة من ينتهكها
6876 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت ( ما خير ) النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثجم كان أبعدهما منه والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله والله ما انتقم لنفسه أي ما عاقب أحدا على مكروه أتاه من قبله
وأخرج الحديث عن يحيى بن عبد الله بن بكير المصري عن الليث بن سعد عن عقيل بضم العين ابن خالد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير الخ ومضى في باب صفة النبي فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن عروة الخ
قوله ما خير رسول الله قال ابن بطال هذا التخيير ليس من الله لأن الله لا يخير رسوله بين أمرين أحدهما إثم إلا إن كان في الدين أحدهما يؤول إلى الإثم كالغلو فإنه مذموم كما لو أوجب على نفسه شيئا شاقا من العبادة فيعجر عنه ومن ثمة نهى النبي عن الترهب وقال ابن التين المراد التخير في أمر الدنيا وأما أمر الآخرة فكل ما صعب كان أعظم ثوابا وقال الكرماني رحمه الله إن كان التخيير من الكفار فظاهر وإن كان من الله والمسلمين فمعناه ما لم يؤده إلى إثم كالتخيير في المجاهدة والاقتصاد فيها فإن المجاهدة بحيث تنجر إلى الهلاك لا تجوز قوله ما لم يأثم وفي رواية المستملي ما لم يكن إثم قوله كان أبعدهما منه أي كان الإثم أبعد الأمرين من النبي قوله يؤتى على

(23/275)


صيغة المجهول بالنصب حول قولهفيتقم يجوز فيه النصب والرفع فالنصب عطف على تنتهك والرفع على التقدير فهو ينتقم لله
11 -
( باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع )
أي هذا باب في بيان وجوب إقامة الحدود على الشريف أي على الرجل الوجيه المحترم عند الناس والوضيع أي الحقير الذي لا يبالي به يعني لا يفرق بينهما فيترك الشريف ويحد الوضيع وقال المهلب لا يحل للأئمة ترك الحدود على الشريف لوضيع وأن من ترك ذلك من الأئمة فقد خالف سنة رسول الله ورغب عن اتباع سبيله
7876 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أن ( أسامة كلم ) النبي في امرأة فقال قوله إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع ويتركون الشريف والذي نفسي بيده لو أن فاطمة فعلت ذالك لقطعت يدها
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي
والحديث مضى في ذكر بني إسرائيل وفي فضل أسامة عن قتيبة وأخرجه بقية الجماعة وأسامة هو ابن زيد بن حارثة مولى النبي من أبويه
قوله كلم النبي في امرأة يعني شفع فيها وهي فاطمة المخزومية قوله والوضيع وقع هنا بلفظ الوضيع وفي الطريق الذي يليه بلفظ الضعيف وهي رواية الأكثرين في هذا الحديث ورواه النسائي أيضا بلفظ الضعيف وفي رواية له بلفظ الدون الضعيف قوله ويتركون الشريف أي يتركون إقامة الحد على الشريف وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني ويتركون على الشريف أي يتركون الحد الذي وجب عليه قوله أن فاطمة فعلت ذلك كذا وقع في الأصول وأورده ابن التين بحذف أن ثم قال تقديره لو فعلت ذلك لأن لو يليها الفعل دون الاسم وقد أنكر بعضهم على ابن التين إيراده هنا بحذف أن وليس بموجه لأن ذلك ثابت هنا في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني وكذا في رواية النسفي ووقع عند النسائي لو سرقت فاطمة وفاطمة هذه هي بنت النبي
21 -
( باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان )
أي هذا باب في بيان كراهية الشفاعة في الحد يعني في تركه إذا رفع إلى السلطان وتقييده بقوله إذا رفع إلى السلطان يدل على جواز الشفاعة في الحدود قبل وصولها إلى السلطان روي ذلك عن أكثر أهل العلم وبه قال الزبير بن العوام وابن عباس وعمار وقال به من التابعين سعيد بن جبير والزهري وهو قول الأوزاعي قالوا ليس على الإمام التجسس على ما لم يبلغه وكره ذلك طائفة فقال ابن عمر سمعت رسول الله يقول من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في حكمه رواه أبو داود وأحمد والحاكم وصححه
8876 - حدثنا ( سعيد بن سليمان ) حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن ( قريشا أهمهم المرأة المخزومية التي سرقت ) ( فقالوا ) ( من يكلم ) رسول الله ومن يجترى عليه إلا أسامة حب رسول الله فكلم رسول الله فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب قال يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها

(23/276)


هذا طريق آخر في حديث عائشة المذكور في الباب الذي قبله بأتم منه أخرجه عن سعيد بن سليمان البزاز بتشديد الزاي الأولى البغدادي عن الليث بن سعد الخ كذا هو عن عائشة عند الحفاظ من أصحاب ابن شهاب وشذ عمر بن قيس الماصر بكسر الصاد المهملة فقال عن ابن شهاب عن عروة عن أم سلمة فذكر كحديث الباب سواء وأخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة والطبراني وقال تفرد به عمر بن قيس يعني من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها وقال الدارقطني الصواب رواية الجماعة
قلت ما المانع من رواية هذا الحديث عن عائشة وعن أم سلمة كلتيهما
قوله أن قريشا أي القبيلة المشهورة ولكن الظاهر أن المراد بهم ههنا من أدرك منهم القصة التي بمكة قوله أهمتهم أي جلبت إليهم هما أو صيرتهم في هموم بسبب ما وقع منها يقال أهمني الأمر أي أقلقني والمعنى أهمتهم شأن المرأة التي سرقت وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة قبل النبي قتل أبوها كافرا يوم بدر قتله حمزة بن عبد المطلب ووهم من زعم أن له صحبة وقيل هي أم عمر وبنت سفيان بن عبد الأسد وهي بنت عمر المذكورة وفيه نظر قوله التي سرقت زاد يونس في روايته في عهد رسول الله في غزوة الفتح وبين ابن ماجه في روايته أن المسروق القطيفة من بيت رسول الله ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا ويمكن الجمع بأن الحلي كان في القطيفة ووقع في رواية معمر عن الزهري في هذا الحديث أن المرأة المذكورة كانت تستعير المتاع وتجحده أخرجه مسلم وأبو داود وقد تعلق به قوم فقالوا من استعار ما يجب القطع فيه وجحده فعليه القطع وبه قال أحمد وإسحاق وقال أحمد لا أعلم شيئا يدفعه وخالفهم المدنيون والكوفيون وجمهور العلماء والشافعي وقالوا لا قطع فيه وحجتهم حديث الباب وقال ابن المنذر قد يجوز أن تستعير المتاع وتجحده ثم سرقت فوجب القطع للسرقة قوله من يكلم رسول الله أي من يشفع عنده فيها أن لا تقطع إما بفعو وإما بفداء وأمر الفداء جاء في حديث مسعود بن الأسود ولفظه بعد قوله أعظمنا ذلك فجئنا إلى النبي فقالوا نحن نفديها بأربعين أوقية فقال تطهر خير لها وكأنهم ظنوا أن الحد يسقط بالفدية قلت مسعود بن الأسود بن حارثة القرشي العدوي كان من أصحاب الشجرة وأستشهد يوم مؤتة قولهومن يجترىء عليه من الاجتراء وقال بعضهم يجترىء يفتعل من الجرأة
قلت بل من الاجتراء كما قلنا والجرأة الإقدام على الشيء قوله حب رسول الله بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة أي محبوبه وكان السبب في اختصاص أسامة بذلك ما أخرجه ابن سعد من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضوان الله عليهم عن أبيه أن النبي قال لأسامة في حد وكان إذا شفع شفعه بتشديد الفاء أي قيل شفاعته قوله فكلم رسول الله بالنصب وفي رواية قتيبة فكلمه أسامة قوله أتشفع بهمزة الاستفهام على سبيل الإنكار قوله وأيم الله بهمزة الوصل وقد مر الكلام فيه في كتاب الأيمان ووقع في رواية أبي الوليد والذي نفسي بيده وفي رواية يونس والذي نفس محمد بيده قوله لو أن فاطمة بنت محمد إنما خص فاطمة ابنته رضي الله عنها لأنها أعز أهله عنده قوله لقطع محمد يدها وفي رواية أبي الوليد والأكثرين لقطعت يدها وفي الأول تجريد
31 -
( باب قول الله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ( المائدة83 )
أي هذا باب في ذكر قول الله تعالى والسارق والسارقة إلى آخره إنما ترجم الباب بهذه الآية الكريمة لبيان أن قطع يد السارق ثبت بالقرآن وبالأحاديث أيضا وأطلق اليد والمراد منها اليمين يدل عليه قراءة ابن مسعود والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما رواه الثوري عن جابر بن يزيد عن عامر بن شراحيل الشعبي عن ابن مسعود والسرقة على وزن فعلة بفتح الفاء وكسر العين من سرق يسرق من باب ضرب يضرب وهي في اللغة أخذ الشيء خفية بغير إذن صاحبه مالا كان أو غيره وفي الشرع هي أخذ مكلف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة محرزة بمكان أو حافظ وفي المقدار خلاف سنذكره

(23/277)


وفي كم يقطع
أي في مقدار كم من المال يقطع وفيه خلاف كثير فقالت الظاهرية يقطع في القليل والكثير ولا نصاب له وعند الحنفية عشرة دراهم وعند الشافعي ربع دينار وعند مالك قدر ثلاثة دراهم وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وعن أبي سعيد أنهما قالا لا تقطع اليد إلا في أربعة دراهم فصاعدا أو قطع ابن الزبير في نعلين وقال ابن معمر كانوا يتسارقون السياط فقال عثمان لئن عدتم لأقطعن فيه وكان عروة بن الزبير والزهري وسليمان بن يسار يقولون ثمن المجن خمسة دراهم وحكى أبو عمر في ( استذكاره ) عن عثمان البتي يقطع في درهم وروى منصور عن الحسن أنه كان لا يوقت في السرقة شيئا ويتلو والسارق والسارقة وفي رواية قتادة عنه أجمع على درهمين وذكر عن النخعي أربعون درهما وعن ابن الزبير أنه قطع في نصف درهم وعن زياد في درهمين وعن أبي سعيد في أربعة وقيل تقطع في كل ماله قمية قل أو كثر
وقطع علي رضي الله عنه من الكف
أي قطع علي بن أبي طالب يد السارق من الكف رواه أبو بكر عن وكيع عن سمرة ابن معبد أبي عبد الرحمن قال رأيت أبا خيرة مقطوعا من المفصل فقلت من قطعك فقال الرجل الصالح علي أما أنه لم يظلمني وحكى ابن التين عن بعضهم قطع اليد من الإبط وهو بعيد عجيب وروى سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان عمر رضي الله تعالى عنه يقطع عن المفصل وعلي يقطع من مشط القدم وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي خبرة أن عليا قطعه من المفصل وذكر الشافعي في كتاب ( اختلاف علي وابن مسعود ) أن عليا كان يقطع من يد السارق الخنصر والبنصر والوسطى خاصة ويقول أستحي من الله أن أتركه بلا عمل ووقع في بعض نسخ البخاري وقطع علي الكف بدون كلمة من
وقال قتادة في امرأة سرقت فقطعت شمالها ليس إلا ذالك
وصله أحمد في ( تاريخه ) عن محمد بن الحسن الواسطي عن عوف الأعرابي عنه هكذا وقال قتادة قال مالك وابن الماجشون لا يجزىء ذلك وإذا تعمد القاطع قطع شماله قال الأبهري فيه نظر ويجوز أن يقال عليه القود وعن مالك وأبي حنيفة إذا غلط القاطع فقطع اليسرى أنه يجزىء عن قطع اليمين ولا إعادة عليه وعن الشافعي وأحمد على القاطع المخطىء الدية وفي وجوب إعادة القطع قولان عند الشافعي وروايتان عند أحمد رحمه الله
9876 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عمرة ) عن ( عائشة ) قالت قال النبي تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا
مطابقته لقوله في الترجمة في كم يقطع ظاهرة والحديث يوضحها أيضا لأنها مبهمة
وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصاري
والحديث أخرجه بقية الجماعة فمسلم في الحدود أيضا عن يحيى بن يحيى وآخرين وأبو داود فيه عن أحمد بن حنبل والترمذي فيه عن علي بن حجر والنسائي في القطع عن إسحاق بن إبراهيم وغيره وابن ماجه في الحدود عن أبي مروان محمد بن عثمان وقال المزي روي هذا الحديث عن الزهري عن عروة وحده وروي عنه عن عمرة وحدها وروي عنه وعنها جميعا وروي عنه عن عمرة عن عائشة
قوله اليد أي يد السارق قوله فصاعدا نصب على الحال المؤكدة أي ذهب ربع دينار حال كونه صاعدا إلى ما فوقه ويؤيده ما وقع في رواية مسلم عن سليمان بن يسار عن عمرة فما فوقه وقال صاحب ( المحكم ) يختص هذا بالفاء ويجوز ثم بدلها ولا يجوز الواو واحتجت الشافعية بهذا الحديث على أن ربع الدينار أصل في القطع ونص فيه لا فيما سواه

(23/278)


قالوا وحديث ثمن المجن أنه كان ثلاثة دراهم لا ينافي هذا لأنه إذ ذاك كان الدينار اثني عشر درهما فهي ثمن ربع دينار فأمكن الجمع بهذا الطريق ويروى هذا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وبه يقول عمر ابن عبد العزيز ومالك والليث بن سعد والأوزاعي وإسحاق في رواية وأبو ثور وداود بن علي الظاهري وقال أحمد إذا سرق من الذهب ربع دينار قطعت وإذا سرق من الدراهم ثلاثة دراهم قطعت وعنه أن نصابها ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض والتقويم بالدراهم خاصة والأثمان أصول لا يقوم بعضها ببعض وعنه أن نصابها ثلاثة دراهم أو قيمة ذلك من الذهب والعروض وقال عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأيمن الحبشي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر لا تقطع حتى يكون عشرة دراهم مضروبة وقال الكاساني وروي عن عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود مثل مذهبنا واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي حدثنا ابن أبي داود وعبد الرحمن بن عمر والدمشقي قالا نا أحمد بن خالد الوهبي قال حدثنا محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال كان قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله عشرة دراهم ورواه النسائي حدثنا عبيد الله بن سعد أنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عمرو بن شعيب أن عطاء بن أبي رباح حدثه أن عبد الله بن عباس كان يقول ثمنه عشرة دراهم وأخرج النسائي أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله عشرة دراهم
تابعه عبد الرحمان بن خالد وابن أخي الزهري ومعمر عن الزهري
أي تابع إبراهيم بن سعد عبد الرحمن بن خالد الفهمي المصري واليها وتابعه أيضا ابن أخي الزهري وهو محمد بن عبد الله بن مسلم وتابعه أيضا معمر بن راشد وهؤلاء الثلاثة تابعوا إبراهيم بن سعد في روايتهم عن الزهري في الاقتصار على عمرة أما متابعة عبد الرحمن بن خالد وابن أخي الزهري فقال صاحب ( التلويح ) وتبعه صاحب ( التوضيح ) فرواها محمد بن يحيى الذهلي في كتابه ( علل أحاديث الزهري ) عن روح بن عبادة ومحمد بن بكر عنهما وقال بعضهم قرأت بخط مغلطاي وقلده شيخنا ابن الملقن أن الذهلي أخرجه في ( علل أحاديث الزهري ) عن محمد بن بكر وروح بن عبادة جميعا عن عبد الرحمن وهذا الذي قاله لا وجود له بل ليست لروح ولا لمحمد بن بكر عن عبد الرحمن رواية أصلا
قلت أراد بمغلطاي صاحب ( التلويح ) وبشيخه صاحب ( التوضيح ) وهذا منه كلام لا وجه له من وجوه الأول أنه ناف والمثبت مقدم والثاني أن عدم اطلاعه على ذلك لا يستلزم عدم اطلاع صاحب ( التلويح ) عليه أيضا والثالث فيه القدح لصاحب ( التلويح ) مع أنه تبعه شيخه باعترافه فلا يترك كلام شيخين عارفين بهذه الصنعة مع اطلاعهما عل كتب كثيرة من هذا الفن ويصغى إلى كلام من يعطن في الأكابر والرابع أن نفي رواية روح ورواية محمد بن بكر عن عبد الرحمن بن خالد يحتاج إلى معرفة تاريخ زمانهم فلا يحكم بذلك بلا دليل وأما متابعة معمر فرواها مسلم في ( صحيحه ) عن إسحاق بن إبراهيم وابن حميد كلاهما عن عبد الرزاق عن معمر ولكن لم يسق لفظه
0976 - حدثنا ( إسماعيل بن أبي أويس ) عن ( ابن وهب ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ابن الزبير وعمرة ) عن ( عائشة ) عن النبي قال تقطع يد السارق في ربع دينار ( انظر الحديث 9876 وطرفه )
هذا طريق آخر في حديث عائشة ولكن فيه عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن كلاهما عن عائشة بخلاف الطريق الذي مضى فإن فيه الاقتصار على عمرة وهذا أيضا مما يحتج به الشافعية في قطع يد السارق في ربع دينار وقالوا هذا إخبار من عائشة عن قول النبي فدل ذلك على أن ما ذكر عنها في الحديث السابق من قطع النبي في ربع دينار فصاعدا أنها إنما أخذت ذلك عن رسول الله مما وقفها عليه على ما في هذا الحديث لا من جهة تقويمها لما كان

(23/279)


قطع فيه وأجاب الطحاوي عن ذلك بأنا كنا نسلم ما ذكترم من ذلك لو لم يختلف في ذلك عن عائشة فقد روى ابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت كان يقطع النبي في ربع دينار فصاعدا ففي رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عنها إخبار عن قوله
ويونس هذا لا يقارب عندكم ولا عند غيركم سفيان بن عيينة فكيف تحتجون بقول يونس وتتركون قول سفيان وقال بعضهم نقل الطحاوي عن المحدثين أنهم يقدمون ابن عيينة في الزهري على يونس فليس متفقا عليه عندهم بل أكثرهم على العكس وممن جزم بتقديم يونس على سفيان في الزهري يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصري انتهى
قلت سفيان إمام عالم ورع زاهد حجة ثبت مجمع على صحة حديثه وكيف يقارنه يونس بن يزيد وقد قال ابن سعد كان يونس حلو الحديث وكثيره وليس بحجة وربما جاء بالشيء المنكر
1976 - حدثنا ( عمران بن ميسرة ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( الحسين ) عن يحياى عن محمد بن عبد الرحمان الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمان حدثته أن عائشة رضي الله عنهاا حدثتهم عن النبي قال تقطع اليد في ربع دينار ( انظر الحديث 9876 وطرفه )
هذا طريق آخر في حديث عائشة أخرجه عمران بن ميسرة ضد الميمنة عن عبد الوارث بن سعيد البصري عن الحسين ابن ذكوان المعلم البصري عن ( يحيى ) بن كثير ضد القليل عن ( محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ) عن عمرة بنت عبد الرحمن وهي بنت عمته وأجاب الحنفية عن هذا بأنه روى أيضا موقوفا على عائشة رواه أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم عن عروة عن عائشة وقالوا أيضا إنه تعارضه الأحاديث التي فيها القطع فيما دون العشرة وهذا يبيحه وخبر الحظر أولى من خبر الإباحة
2976 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن أبيه قال ( أخبرتني عائشة ) أن ( يد السارق ) لم ( تقطع على عهد ) النبي إلا في ثمن مجن حجفة أو ترس
هذا طريق آخر في حديث عائشة أخرجه عن عثمان بن أبي شيبة هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم العبسي الكوفي أخو أبي بكر بن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها
والحديث أخرجه مسلم أيضا عن عثمان في الحدود
قوله مجن بكسر الميم وفتح الجيم من الاجتنان وهو الاستتار وقال صاحب ( المغرب ) المجن الترس لأن صاحبه يستتر به وفي ( التوضيح ) المجن والحجفة والترس واحد والحجفة بفتح الحاء المهملة والجيم والفاء وهي الدرفة والذي يدل عليه لفظ الحديث أن المجن والحجفة واحد لأن كلا منهما بالتنوين فالجحفة بيان له قوله أو ترس كلمة أو للشك لأن الترس يطارق فيه بين جلدين والحجفة قد تكون من خشب أو عظم وتغلف بالجلد وغيره ولم يعين فيه مقدار ثمن هذه الأشياء فيحتمل أن تكون كل قيمة واحد منها ربع دينار ويحتمل أن تكون عشرة دراهم فلا تقوم به حجة لأحد فيما ذهب إليه
حدثنا عثمان حدثنا حميد بن عبد الرحمان حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة مثله
هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن عثمان بن أبي شيبة عن حميد بضم الحاء ابن عبد الرحمن بن حميد الرواسي ابن رواس بن كلاب الكوفي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرجه مسلم أيضا عن عثمان قوله مثله أي مثل الحديث السابق عن عثمان أيضا
3976 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) قالت لم تكن تقطع يد السارق في أدنى من حجفة أو ترس كل واحد منهما ذو ثمن ( انظر الحديث 2976 وطرفه )
هذا طريق آخر في حديث عائشة وهو موقوف أخرجه عن محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي إلى

(23/280)


آخره وأخرجه النسائي في القطع عن سويد بن نصر عن ابن المبارك
قوله في أدنى أي في أقل قوله كل واحد منهما أي من الحجفة والترس وكل واحد كلام إضافي مرفوع على أنه مبتدأ قوله ذو ثمن خبره وقال بعضهم وكان كل واحد منهما ذا ثمن وزاد فيه لفظ كان ونصب ذا ثمن ثم قال كذا ثبت في الأصول ثم قال وأفاد الكرماني أنه وقع في بعض النسخ وكان كل واحد منهما ذو ثمن بالرفع وخرجه على تقدير ضمير الشان في كان انتهى
قلت هذا التصرف منهما ما أبعده أما قول هذا القائل كذا ثبت في الأصول غير مسلم بل الذي ثبت في الأصول هو العبارة التي ذكرناها لأنها على القاعدة السالمة عن الزيادة فيه المؤدية إلى تقدير شيء وأما كلام الكرماني بأنه وقع في بعض النسخ غير مسلم أيضا لأن مثل هذا الذي يحتاج فيه إلى تأويل غالبا من النساخ الجهلة وقال الكرماني أيضا قوله ذو ثمن إشارة إلى أن القطع لا يكون فيما قل بل يختص بماله ثمن ظاهر
قلت زاد الإبهام على ما في الحديث من الإبهام فإذا كان الترس المسروق يساوي أقل من ربع دينار ينبغي أن يقطع لأنه ثمن ظاهر ولو كان درهما واحدا وإمامه لم يقل به
رواه وكيع وابن إدريس عن هشام عن أبيه مرسلا
أي روى الحديث المذكور وكيع بن الجراح الكوفي وعبد الله بن إدريس الأودي الكوفي عن هشام عن أبيه مرسلا لأنه لم يرفع إسناده وقال الكرماني لعله خلاف الاصطلاح المشهور في المرسلات أما رواية وكيع فأخرجها ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عنه ولفظه عن هشام عن أبيه قال كان السارق في عهد النبي يقطع في ثمن المجن وكان المجن يومئذ له ثمن ولم يكن قطع في الشيء التافه وأما رواية عبد الله بن إدريس فأخرجها الدارقطني في ( العلل ) والبيهقي من طريق يوسف بن موسى عن جرير ووكيع وعبد الله بن إدريس ثلاثتهم عن هشام عن أبيه فذكره
4976 - حدثني ( يوسف بن موسى ) حدثنا ( أبو أسامة ) قال ( هشام بن عروة ) أخبرنا عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت لم تقطع يد سارق على عهد النبي في أدنى من ثمن المجن ترس أو حجفة وكان كل واحد منهما ذا ثمن ( انظر الحديث 2976 وطرفه )
هذا طريق آخر في حديث عائشة أخرجه عن يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الكوفي سكن بغداد عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن هشام الخ وأخرجه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة به
قوله أخبرنا أي أخبرنا هشام عن أبيه عروة عن عائشة وبقية الشرح قد مرت عن قريب
5976 - حدثني ( إسماعيل ) حدثني ( مالك بن أنس ) عن ( نافع ) مولى ( عبد الله بن عمر ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس واسمه عبد الله ابن أخت مالك
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك وأخرجه الطحاوي من خمس طرق صحاح بينتها في ( شرح معاني الآثار ) قال ابن حزم لم يروه عن عمر إلا نافع وقال أبو عمر هو أصح حديث روي في ذلك وروى الطحاوي من حديث ابن عباس قال كان قيمة المجن الذي قطع به رسول الله عشرة دراهم وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده مثله وأخرجه النسائي أيضا وروى عن أم أيمن مثله ولما وقع الاختلاف في مقدار قيمة المجن اختبط في ذلك فلم يقطع إلا فيما أجمع عليه وهو عشرة دراهم أو دينار
تابعه محمد بن إسحاق
يعني عن نافع في قوله عنه ووصلها الإسماعيلي من طريق عبد الله بن المبارك عن مالك ومحمد بن إسحاق وعبيد الله بن عمر

(23/281)


ثلاثتهم عن نافع عن النبي أنه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم
وقال الليث حدثني نافع قيمته
أراد أن الليث بن سعد رواه عن نافع كالجماعة لكن قال قيمته بدل قولهم ثمنه ورواه مسلم عن قتيبة ومحمد بن رمج عن الليث عن نافع عن ابن عمر أن النبي قطع سارق في مجن قيمته ثلاثة دراهم قوله قطع معناه أمر بالقطع لأنه لم يباشر القطع بنفسه وقد روي أن بلالا رضي الله تعالى عنه هو الذي باشر قطع يد المرأة المخزومية فيحتمل أنه كان موكلا بذلك ويحتمل غيره قوله قيمته قيمة الشيء ما ينتهي إليه الرغبة فيه ومن رواه بلفظ الثمن متجوز وأما أن القيمة والثمن كانا حينئذ مستويين
6976 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) قال ( قطع ) النبي في مجن ثمنه ثلاثة دراهم
هذا طريق آخر في حديث عبد الله بن عمر أخرجه عن موسى بن إسماعيل التبوذكي عن جويرية بن أسماء الضبعي عن نافع الخ والحديث من أفراده
7976 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن عبيد الله قال حدثني نافع عن عبد الله قال قطع النبي في مجن ثمنه ثلاثة دراهم
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر أخرجه عن مسدد عن ( يحيى ) القطان عن ( عبيد الله ) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن ( نافع ) وأخرجه مسلم عن ابن نمير عن أبيه عن عبيد الله نحوه
8976 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( أبو ضمرة ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما قال ( قطع ) النبي يد سارق في مجن ثمنه ثلاثة دراهم
هذا طريق آخر أخرجه عن إبراهيم بن المنذر الحزامي المديني عن أبي ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء واسمه أنس بن عياض عن موسى بن عقبة بضم العين وسكون القاف الخ وهو من أفراده
9976 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( الأعمش ) قال سمعت ( أبا صالح ) قال سمعت ( أبا هريرة ) قال قال رسول الله لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده ( انظر الحديث 3876 )
هذا حديث قد مضى عن قريب في باب لعن السارق إذا لم يسم فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وهنا أخرجه عن موسى بن إسماعيل المنقري البصري الذي يقال له التبوذكي عن عبد الواحد بن زياد عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان الزيات عن أبي هريرة الخ ووجه إعادته في هذا الباب يمكن أن يكون إشارة إلى أن البيضة والحبل المذكور فيهما القطع مما يبلغ قيمتهما ربع دينار أو عشرة دراهم على الاختلاف بقرينة الأحاديث المذكورة في هذا الباب فلذلك ختمها بهذا الحديث وقد ذكر بعضهم هنا كلاما لا يعجب سامعه فلذلك تركته
41 -
( باب توبة السارق )
أي هذا باب في بيان توبة السارق إذا تاب أي هل تفيده في رفع اسم الفسق عنه حتى تقبل شهادته أم لا فحديث الباب يدل

(23/282)


على قبول توبته لقول عائشة رضي الله تعالى عنها فتابت وحسنت توبتها فإذا كان كذلك تسمع شهادته وقد اختلف العلماء في قبول شهادته في كل شيء مما حد فيه وفي غيره فقال مالك في القذف والزنا والسرقة وغيرها إذا تابوا قبلت شهادتهم إذا زادوا في الصلاح وعنه تقبل في كل شيء إلا في القذف والزنا والسرقة وقال أصحابنا لا تقبل شهادة القاذف وإن تاب وحسنت توبته وحاله ونقل البيهقي عن الشافعي أنه قال يحتمل أن يسقط كل حق لله تعالى بالتوبة وعن الليث والحسن لا يسقط شيء من الحدود وعن الطحاوي لا يسقط إلا قطع الطريق لورود النص فيه
00 - 8 - 6 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( ابن وهب ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أن النبي قطع يد امرأة قالت عائشة وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى النبي فتابت وحسنت توبتها
مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث لأن الوصف بالحسن يقتضي أن هذا الوصف إنما يثبت للتائب مثل هذا
وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها
والحديث مضى بأتم منه في الشهادات عن إسماعيل ابن عبد الله إلى آخره ومضى الكلام فيه
1086 - حدثنا ( عبد الله بن محمد الجعفي ) حدثنا ( هشام بن يوسف ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي إدريس ) عن ( عبادة بن الصامت ) رضي الله عنه قال ( بايعت ) رسول الله في رهط فقال أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفاى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذالك شيئا فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور ومن ستره الله فذالك إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
طابقته للترجمة من حيث إن من أقيم عليه الحد وصف بالتطهر فإذا انضم إلى ذلك أنه تاب فإنه يعود إلى ما كان عليه فيقتضى ذلك قبول شهادته أيضا
وأخرجه عن عبد الله بن محمد بن اليمان أبي جعفر الجعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء نسبة إلى جعفر بن سعد العشيرة من مذحج وقال الجوهري هو أبو قبيلة من اليمن والنسبة إليه كذلك وهو المعروف بالمسندي ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد وأبو إدريس عائذ الله
والحديث مضى في الإيمان عقيب باب علامة الإيمان فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي إدريس عائد الله بن عبد الله عن عبادة بن الصامت إلى آخره ومضى الكلام فيه
قال أبو عبد الله إذا تاب السارق بعد ما قطع يده قبلت شهادته وكل محدود كذالك إذا تاب قبلت شهادته
أبو عبد الله هو البخاري نفسه هذا ثبت في رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده وفيه خلاف ومضى الكلام فيه عن قريب قوله إذا تاب قبلت شهادته وفي بعض النسخ إذا تاب أصحابها قبلت شهادتهم والله أعلم

(23/283)


51 -
( كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة )
أي هذا كتاب في بيان أحكام المحاربين من أهل الكفر والردة وقال بعضهم في كون هذه الترجمة في هذا الموضع إشكال وأظنها مما انقلب على الذين نسخوا كتاب البخاري من المسودة والذي يظهر أن محلها بين كتاب الديات وبين استتابة المرتدين وأطال الكلامم فيه
قلت هذا بعيد جدا لتوفر الدواعي من ضباط هذا الكتاب من حين ألفه البخاري إلى يومنا ولا سيما اطلاع خلق كثير من أكابر المحدثين وأكابر الشراح عليه والمناسبة في وضع هذه الترجمة هنا موجودة لأن كتاب الحدودالذي قبله مشتمل على أبواب مشتملة على شرب الخمر والسرقة والزنا وهذه معاص داخلة في محاربة الله ورسوله وأيضا قد ثبت في بعض النسخ في رواية النسفي بعد قوله من أهل الكفر والردة ومن يجب عليه حد الزنا وقدضم حد الزنا إلى المحاربين فيكون داخلا فيها لإفضائه إلى القتل في بعض الصور وقال هذا القائل أيضا وعلى هذا فالأولى أن يبدل لفظ كتاب بباب وتكون الأبواب كلها داخلة في كتاب الحدود
قلت فيه أبواب لا تتعلق إلا بغير ما تتعلق بالمحاربين فحينئذ ذكره بلفظ كتاب أولى لأنه يشتمل على أبواب
وقول الله تعالى إنما جزآء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذالك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الاخرة عذاب عظيم ( المائدة33 ) ح
وقول الله بالجر عطف على المحاربين سيقت هذه الآية الكريمة إلى من الأرض في رواية كريمة وغيرها وفي رواية أبي ذر إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية وظاهر كلام البخاري أنه يريد بالذين يحاربون الله ورسوله في الآية الكريمة الكفار لا قطاع الطريق وقال الجمهور هي في حق القطاع وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو ثور وممن قال إن هذه الآية نزلت في أهل الشرك الحسن والضحاك وعطاء والزهري وقال ابن القصار وقيل نزلت في أهل الذمة الذين نقضوا العهد وقيل في المرتدين وكله خطأ وليس قول من قال إن الآية وإن كانت نزلت في المسلمين مناف في المعنى لقول من قال إنها نزلت في أهل الردة والمشركين لأن الآية وإن كانت نزلت في المرتدين بأعيانهم فلفظها عام يدخل في معناه كل من فعل مثل فعلهم من المحاربة والفساد في الأرض
وأما ترتيب أقوال العلماء الذين جعلوا الآية نزلت في المسلمين في حد المحارب المسلم فقال مالك إذا أشهر السلاح وأخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالا كان الإمام مخيرا فيه فإن رأى أن يقتله أو يصلبه أو يقطع يده ورجله من خلاف أو ينفيه فعل ذلك وقال الكوفيون والشافعي إذا لم يقتل ولا أخذ مالا لم يكن عليه إلا التعزيز وإنما يقتله الإمام إن قتل ويقطعه إن سرق ويصلبه إذا أخذ المال وقتل وينفيه إذا لم يفعل شيئا من ذلك ولا يكون الإمام مخيرا فيه والنفي عند الشافعي التعزير بالإخراج من بلده وقال الجمهور من المالكية النفي الحبس في بلد آخر وفي ( التلويح ) قول أبي حنيفة الحبس ضد النفي والنفي هو الإخراج عن الوطن لأنه أبلغ في الردع ثم يحبس في المكان الذي يخرج إليه حتى تظهر توبته هذه حقيقة النفي
2086 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( الوليد بن مسلم ) حدثنا ( الأوزاعي ) حدثني ( يحياى بن أبي كثير ) قال حدثني ( أبو قلابة الجرمي ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال ( قدم على ) النبي نفر من عكل فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوها فبعث في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحسمهم حتى ماتوا

(23/284)


قال ابن بطال ذهب البخاري إلى أن آية المحاربة نزلت في أهل الكفر والردة وساق حديث العرنيين وليس فيه تصريح بذلك ولكن روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة حديث العرنيين وفي آخره قال فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ( المائدة33 ) الآية ووقع مثله في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
وشيخ البخاري علي بن عبد الله المعروف بابن المديني والوليد بن مسلم الأموي والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء أريد على القضاء بالبصرة فهرب إلى الشام فمات بها سنة أربع أو خمس ومائة في ولاية يزيد بن عبد الملك
والحديث مضى في كتاب الوضوء في باب أبوال الإبل والدواب والغنم عن سليمان بن حرب وفي الجهاد عن معلى بن أسد وفي التفسير عن علي بن عبد الله وفي الديات عن قتيبة
قوله نفر من عكل النفر رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه وعكل بضم العين المهملة وسكون الكاف قبيلة قوله فاجتووا من الاجتواء أي كرهوا الإقامة بالمدينة لسقم أصابهم قوله وسمل أعينهم أي فقأها وأذهب ما فيها قوله ولم يحسمهم يقال حسم العرق كواه بالنار لينقطع دمه وقدمرا لكلام فيه مستوفى
61 -
( باب لم يحسم النبي المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا )
أي هذا باب يذكرفيه لم يحسم النبي وقدمر تفسير الحسم الآن وقال الداودي الحسم هنا أن توضع اليدبعد القطع في زيت حار هذا من صور الحسم وليس مقصورا عليه
3086 - حدثنا ( محمد بن الصلت أبو يعلى ) حدثنا ( الوليد ) حدثني ( الأوزاعي ) عن يحياى عن أبي قلابة عن أنس أن النبي قطع العرنيين ولم يحسمهم حتى ماتوا

(23/285)


هذا طريق آخر في حديث أنس وضع له ترجمة سمر الأعين
وأخرجه عن قتيبة عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عبد الله عن أنس
قوله بلقاح بكسر اللام جمع اللقحة وهي الناقة الحلوب قوله حتى إذا برئوا من برأت من المرض أبرأ بالفتح فأنا بارىء وأبرأني الله من المرض وغي أهل الحجاز يقولون برئت بالكسر برأ بالضم قوله النعم بفتحتين واحدالأنعام وهي المال الراعية وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل قال الفراء هذا ذكر لا يؤنث يقولو هذا نعم وارد ويجمع على نعمان مثل جمل وجملان والإنعام يذكر ويؤنث قوله حتى جيء بهم وفي رواية الكشميهني حتى أتي بهم قوله وألقوا بضم الهمزة على صيغة المجهول
قوله قال أبو قلابة هو عبد الله الراوي قوله هؤلاء أي العكليون أو العرنيون قوم سرقوا الخ

(23/286)


91 -
( باب فضل من ترك الفواحش )
أي هذا باب في بيان فضل من ترك الفواحش جمع فاحشة وهي كل ما اشتد قبحه من الذنوب فعلا أو قولا وكذا الفحشاء والفحش ومنه الكلام الفاحش ويطلق غالبا على الزنا ومنه قوله عز و جل ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ( الإسراء23 )
6086 - حدثنا ( محمد بن سلام ) أخبرنا ( عبد الله ) عن ( عبيد الله بن عمر ) عن ( خبيب بن عبد الرحمان ) عن ( حفص بن عاصم ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه ورجل قلبه معلق في المسجد ورجلان تحابا في الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها قال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ورجل دعته امرأة إلى قوله ورجل تصدق ولا يخفى فضل هذا عند الله تعالى
قوله حدثنا محمد بن سلام ويروى حدثني محمد بن سلام وقد وقع في غالب النسخ محمد غير منسوب فقال أبو علي الغساني وقع في رواية الأصيلي محمد بن مقاتل وفي رواية القابسي محمد بن سلام قال الكرماني والأول هو الصواب
قلت لأنه قال حدثنا محمد أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك ومحمد بن مقاتل مشهور بالرواية عنه وكلاهما مروزيان وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ثم باء موحدة ابن عبد الرحمن بن خبيب الأنصاري المدني وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في الزكاة عن مسدد وفي الصلاة وفي الرقاق عن محمد بن بشار ومضي الكلام فيه
قوله إلا ظله إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة تشريف إذ الظل الحقيقي هو منزه عنه لأنه من خواص الأجسام وقيل ثمة محذوف أي ظل عرشه وقيل المراد منه الكنف من المكاره في ذلك الموقف الذي تدنو الشمس منهم ويشتد عليهم الحر ويأخذهم العرق يقال فلان في ظل فلان أي في كنفه وحمايته قوله عادل هو الواضع كل شيء في موضعه قوله وشاب قيل لم يقل رجل لأن العبادة في الشاب أشق وأشد لغلبة الشهوات قوله في خلاء أي في موضع هو وحده إذ لا يكون فيه شائبة الرياء قوله ففاضت عيناه قيل العين لا تقبض بل الدمع وأجيب أنه أسند الفيض إليها مبالغة كقوله تعالى ترى أعينهم تفيض من الدمع ( المائدة38 ) قوله في المسجد أي بالمسجد ومعناه شديد الملازمة للجماعة فيه قوله تحابا أصله تحابيا أدغمت الباء في الباء قال الكرماني هو نحو تباعد إلا نحو تجاهلا قوله في الله أي بسببه كما ورد في النفس المؤمنة مائة من إبل أي بسببها أي لا تكون المحبة لغرض دنيوي قوله ذات منصب أي ذات حسب ونسب وخصصها بالذكر لكثرة الرغبة فيها قوله لا تعلم يجوز بالرفع والنصب وذكر اليمين والشمال مبالغة في الإخفاء أي لو قدرت الشمال رجلا متيقظا لما علم صدقة اليمين لمبالغته في الإسرار وهذا في صدقة التطوع
7086 - حدثنا ( محمد بن أبي بكر ) حدثنا ( عمر بن علي )
( ح ) وحدثني ( خليفة ) حدثنا ( عمر بن علي ) حدثنا ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد الساعدي ) قال النبي من توكل لي ما بين رجليه وما بين لحييه توكلت له بالجنة ( انظر الحديث 4746 )
مطابقته للترجمة من حيث إن من حفظ لسانه وفرجه يكون له فضل من ترك الفواحش
ومحمد بن أبي بكر المقدمي بلفظ اسم المفعول من التقديم يروي عن عمه عمر بن علي وهو موصوف بالتدليس لكنه صرح بالتحديث في هذه

(23/287)


الرواية وقد أورده في الرقاق عن محمد بن أبي بكر وحده وقرنه هنا بخليفة بن خياط وساق الحديث على لفظ خليفة وهو أيضا من مشايخه وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمة بن دينار الأعرج
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن محمد بن عبد الأعلى وقال حديث حسن صحيح غريب
قوله من توكل أي من تكفل وأصل التوكيل الاعتماد على الشيء والوثوق به قوله ما بين رجليه أي فرجه قوله وما بين لحييه أي لسانه وقيل نطقه ولحييه بفت اللام وهو مبنت اللحية والأسنان ويجوز كسر اللام وإنما ثنى لأن له أعلى وأسفل وأكثر بلاء الإنسان من هذين العضوين فمن سلم من ضررهما فقد سلم من العذاب قوله له بالجنة بالباء عند الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي بحذف الباء
02 -
( باب إثم الزناة )
أي هذا باب في بيان إثم الزناة وهو جمع زان كعصاة جمع عاص وتعلق هذا الباب بالكتاب ارتكاب ما حرم الله وهو داخل في محاربة الله ورسوله
وقول الله تعالى ولا يزنون ( الفرقان86 ) ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ( الإسراء23 )
وقول الله بالجر عطف على إثم الزناة قوله ولا يزنون من الآية التي في الفرقان وأولها والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون الآية وعن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا النبي وقالوا إن الذي تقول وتدعونا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة فنزلت والذين لا يدعون الآية وقيل نزلت في وحشي غلام بن مطعم قوله ولا تقربوا الآية بالقصر على الأكثر والمدلغة والمراد منه النهي عن مقدمات الزنا كالمس والتقبيل ونحوهما ولو كان المراد منه نفس الزنا لقال لا تزنوا
9086 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) أخبرنا ( إسحاق بن يوسف ) أخبرنا ( الفضيل بن غزوان ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن

(23/288)


ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ولا يقتل وهو مؤمن ( انظر الحديث 2876 )
مطابقته للترجمة في أول الحديث وإسحاق بن يوسف الواسطي المعروف بالأزرق والفضيل مصغر فضل بالضاد المعجمة ابن غزوان بفتح العين المعجمة وسكون الزاي
والحديث مر في أول كتاب الحدود وهناك فيه قضية النهبة وهنا قوله ولا يقتل وهو مؤمن ومضى الكلام فيه
قال عكرمة قلت لابن عباس كيف ينزع الإيمان منه قال هاكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فإن تاب عاد إليه هاكذا وشبك بين أصابعه
قوله قال عكرمة موصول بالسند المذكور قوله كيف ينزع الإيمان منه يعني عند ارتكاب إحدى هذه الأمور المذكورة وهي الزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس المحرمة قوله فإن تاب أي المرتكب من هذه الأمور عاد أي الإيمان إليه
0186 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الأعمش ) عن ( ذكوان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال النبي لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد
مطابقته للترجمة في قوله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
وآدم هوابن أبي إياس يروي عن شعبة عن سليمان الأعمش عن ذكوان بفتح الذال المعجمة هو أبو صالح الزيات
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان والنسائي في القطع وهما جميعا عن محمد بن المثنى
قوله والتوبة معروضة بعد أي معروضة على فاعلها بعد ذلك يعني باب التوبة مفتوح عليه بعد فعلها
1186 - حدثنا ( عمرو بن علي ) حدثنا يحياى حدثنا سفيان قال حدثني منصور وسليمان عن أبي وائل عن أبي ميسرة عن عبد الله رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال قوله أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك
مطابقته للترجمة في قوله أن تزاني حليلة جارك وعمرو بالواو ابن علي هو الفلاس و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( سفيان ) هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر وسليمان هو ابن مهران الأعمش وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وأبو ميسرة ضد الميمنة اسمه عمر بن شرحبيل وعبد الله هو ابن مسعود
قوله أي الذنب أعظم هذا رواية الأكثرين وقع في رواية عاصم عن ( أبي وائل ) عن عبد الله أعظم الذنب عند الله وفي رواية أبي عبيدة بن معن عن الأعمش أي الذنوب أكبر عند الله وفي رواية الأعمش عند أحمد وغيره أي الذنب أكبر وفي رواية الحسين بن عبد الله عن وائل أكبر الكبائر
والحديث مضى في التفسير عن عثمان ابن أبي شيبة وفيه أيضا عن مسدد وفي الأدب عن محمد بن كثير وسيجيء في التوحيد عن قتيبة
قوله من أجل في كثير من النسخ أجل بدون كلمة من بفتح اللام وفسره الشراح بمن أجل فحذف الجار وانتصب وذكر الأكل لأنه كان الأغلب من حال العرب قوله أن تزاني ويروى أن تزني بحليلة جارك قوله حليلة جارك أي امرأة جارك والرجل حليل لأن كل واحد منهما يحل على صاحبه وقيل حليلة بمعنى محللة من الحلال وإنما عظم الزنا بحليلة جاره وإن كان الزنا كله عظيما لأن الجار له من الحرمة والحق ما ليس لغيره وقال لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه
قال يحياى وحدثنا سفيان حدثني واصل عن أبي وائل عن عبد الله قلت يا رسول الله مثله

(23/289)


أي قال يحيى المذكور وحدثنا سفيان الثوري قال حدثني واصل بن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف المعروف بالأحدب عن أبي وائل شقيق عن عبد الله بن مسعود قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم فذكر الحديث مثله أي مثل حديث أبي وائل عن ميسرة عن عبد الله بن مسعود وهنا لم يذكر أبو وائل أبا ميسرة
قال عمرو فذكرته لعبد الرحمان وكان حدثنا عن سفيان عن الأعمش ومنصور وواصل عن أبي وائل عن ( أبي ميسرة ) قال دعه دعه
أي قال عمرو بن علي المذكور فذكرته أي الحديث المذكور لعبد الرحمن بن مهدي وكان أي والحال أن عبد الرحمن كان حدثنا بهذا الحديث عن سفيان الثوري عن سليمان الأعمش ومنصور بن المعتمر وواصل الأحدب ثلاثتهم شقيق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قولهقال دعه دعهأي قال عبد الرحمن دع الإسناد أي الإسناد الذي ليس فيه ذكر أبي ميسرة بين أبي وائل و ( عبد الله ) بن مسعود وحاصله أن أبا وائل وإن كان قد روى كثيرا عن عبد الله بن مسعود إلا أن هذا الحديث لم يروه عنه قال الكرماني كيف جاز الطعن عليه وقد ثبتت روايته عنه كثيرا وأجاب بقوله لم يطعن عليه ولكنه أراد ترجيح طريق ترك الواسطة لموافقة الأكثرين
12 -
( باب رجم المحصن )
أي هذا باب في بيان حكم رجم المحصن ووقع هنا قبل ذكر الباب عند ابن بطال كتاب الرجم ثم قال باب الرجم ولم يقع ذلك في الروايات المعتمدة والمحصن بفتح الصاد على صيغة اسم المفعول من الإحصان وهو المنع في اللغة وجاء فيه كسر الصاد فمعنى الفتح أحصن نفسه بالتزوج عن عمل الفاحشة ومعنى الكسر على القياس وهو ظاهر والفتح على غير القياس قال ابن الأثير وهو أحد الثلاثة التي جئن نوادر يقال أحصن فهو محصن وأسهب فهو مسهب والفج فهو ملفج وقال ابن فارس والجوهري هذا أحد ما جاء أفعل فهو مفعل بالفتح يعني فتح الصاد وقال ثعلب كل امرىء عفيف فهو محصن وكل امرأة متزوجة فبالفتح لا غير
وقال أصحابنا شروط الإحصان في الرجم سبعة الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والوطء والسادس الوطء بنكاح صحيح والسابع كونهما محصنين حالة الدخول بنكاح صحيح وقال أبو يوسف والشافعي وأحمد الإسلام ليس بشرط لأنه رجم يهوديين قلنا كان ذلك بحكم التوراة قبل نزول آية الجلد في أول ما دخل المدينة فصار منسوخا بها وقال ابن المنذر وأجمعوا على أنه لا يكون الإحصان بالنكاح الفاسد ولا الشبهة وخالفهم أبو ثور فقال يكون محصنا واختلفوا إذا تزوج الحر أمة هل تحصنه فقال الأكثرون نعم وعن عطاء والحسن وقتادة والثوري والكوفيين وأحمد وإسحاق لا واختلفوا إذا تزوج كتابية فقال إبراهيم وطاووس والشعبي لا تحصنه وعن الحسن لا تحصنه حتى يطأ في الإسلام وعن جابر ابن زيد وابن المسيب تحصنه وبه قال عطاء وسعيد بن جبير
وقال الحسن من زنى بأخته حده حد الزاني
أي قال الحسن البصري كذا وقع في رواية الأكثرين وعن الكشميهني وحده قال منصور بدل الحسن وزيفوه قوله حد الزاني أي كحد الزنا وهو الجلد وفي رواية الكشميهني حده حد الزنا وروى ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث قال سألت عمر ما كان الحسن يقول فيمن تزوج ذات محرم وهو يعلم قال عليه الحد وروى أيضا من طريق جابر بن زيد وهو أبو الشعثاء التابعي المشهور فيمن أتى ذات محرم منه قال يضرب عنقه
2186 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( سلمة بن كهيل ) قال سمعت الشعبي يحدث عن علي رضي الله تعالى عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال قد رجمتها بسنة رسول الله

(23/290)


مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس وسلمة بن كهيل مصغر كهل والشعبي عامر بن شراحيل وعلي هو ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
وأخرجه النسائي في الرجم عن عمرو بن يزيد وغيره وقصتها أن عليا رضي الله تعالى عنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة فقيل له أجمعت بين حدين عليها فقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله
قلت شراحة بنت مالك بضم الشين المعجمة وتخفيف الراء ثم حاء مهملة الهمدانية بسكون الميم وقال الحازمي بالحاء المهملة والزاي لم تثبت الأئمة سماع الشعبي من علي رضي الله تعالى عنه وقيل للدارقطني سمع الشعبي عن علي قال سمع منه حرفا ما سمع منه غير هذا فإن قلت ذكر البخاري في كتاب الحيض ويذكر عن علي فذكر في الحيض أثرا صحيحا قالوا إذا ذكر البخاري أثرا ممرضا كان غير صحيح عنده ولئن سلمنا ما قالوا فتكون رواية الشعبي عن علي منقطعة لأنه لا علة في السند الممرض غير رواية الشعبي عن علي
قلت لعل البخاري لم يصح عنده سماع الشعبي عن علي إلا هذا الحرف كما ذكر الدارقطني فأتي به هنا مسندا والذي في الحيض لم يصح عنده سماع الشعبي منه فمرضه واحتج جماعة بأثر علي هذا على جواز الجمع بين الجلد والرجم وقال الحازمي وهو قول أحمد وإسحاق وداود وابن المنذر وقال الجمهور لا يجمع بينهما وهو رواية عن أحمد وقالت طائفة ندب الجمع إذا كان الزاني شيخا ثيبا لا شابا ثيبا وقالوا إنه قول باطل
3186 - حدثني ( إسحاق ) حدثنا ( خالد ) عن ( الشيباني ) سألت ( عبد الله بن أبي أوفى ) ( هل رجم ) رسول الله قال نعم قلت قبل سورة النور أم بعد قال لا أدري ( الحديث 3186 - طرفه في 0486 )
مطابقته للترجمة ظاهرة قوله حدثني وفي رواية أبي ذر حدثنا بنون الجمع
وإسحاق شيخ البخاري قال الكلاباذي ابن شاهين الواسطي وخالد هو ابن عبد الله الطحان والشيباني بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة سليمان بن أبي سليمان واسمه فيروز مشهور بكنيته أبي إسحاق الشيباني وعبد الله بن أبي أوفى واسمه علقمة الأسلمي شهد بيعة الرضوان
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن أبي كامل وأبي بكر بن أبي شيبة قوله سورة النور يريد به قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدا كل واحد منهما مائة جلدة ( النور2 ) وهل هو ناسخ لحكم الآية أم لا وقد وقع الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور لأن نزولها كان في قصة الإفك واختلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست والرجم كان بعد ذلك وقد حضره أبو هريرة وإنما أسلم سنة سبع
13 - ( حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن ابن شهاب قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم أتى رسول الله فحدثه أنه قد زنى فشهد على نفسه أربع شهادات فأمر به رسول الله فرجم وكان قد أحصن )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن مقاتل المروزي وشيخه عبد الله بن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد قوله حدثنا وفي رواية أبي ذر أخبرنا والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن إسحق بن إبراهيم وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن المتوكل وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن علي به وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمد بن يحيى وفي الرجم عن ابن السرح وغيره قوله أن رجلا هو ماعز بن مالك قوله من أسلم أي من بني أسلم وهي القبيلة المشهورة قوله وشهد على نفسه أي أقر على نفسه أربع مرات واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات فقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجب إلا باعترافه أربع مرات في أربع مجالس وهو أن يغيب عن القاضي حتى لا يراه ثم يعود إليه فيقر

(23/291)


كما في حديث ماعز فإن اعترف في مجلس واحد ألف مرة فهو اعتراف واحد وقال ابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق والثوري والحسن بن حيي والحكم بن عتيبة يجب باعترافه أربع مرات في مجلس واحد وقال مالك والشافعي يكفي مرة واحدة وحديث الباب حجة عليهما قوله وكان قد أحصن أي وكان تزوج فهو محصن ويجوز أحصن بصيغة المعلوم والمجهول -
22 -
( باب لا يرجم المجنون والمجنونة )
أي هذا باب يذكر فيه لا يرجم الرجل المجنون ولا المرأة المجنونة وهذا إذا وقع الزنا في حالة الجنون وهذا إجماع وأما إذا وقع في حالة الصحة ثم طرأ الجنون هل يؤخر إلى وقت الإفاقة قال الجمهور لا لأنه يراد به التلف بخلاف الجلد فإنه يقصد به الإيلام فيؤخر حتى يفيق
وقال علي لعمر أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ
أي قال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب وهذا التعليق رواه النسائي مرفوعا فقال أنبأنا أحمد بن السرح في حديثه عن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان بن مهران عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال مر علي بن أبي طالب بمجنونة بني فلان قد زنت فأمر عمر برجمها فردها علي وقال لعمر أما تذكر أن رسول الله قال رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم قال صدقت فخلاعنها
5186 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة وسعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال ( أتى رجل ) رسول الله وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع مرات دعاه النبي فقال أبك جنون قال لا قال فهل أحصنت قال نعم فقال النبي إذهبوا به فارجموه قال ابن شهاب فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال فكنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أبك جنون لأن المفهوم منه أنه إذا كان مجنونا لا يرجم
ورجاله قد ذكروا غير مرة قريبا وبعيدا
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن عبد الملك بن شعيب وأخرجه النسائي في الرجم عن محمد بن عبد الله
قوله أتى رجل وفي رواية شعيب بن الليث رجل من المسلمين وفي رواية ابن مسافر رجل من الناس وفي رواية يونس ومعمر أن رجلا من أسلم وفي رواية جابر بن سمرة عند مسلم رأيت ماعز بن مالك الأسلمي حين جيء به إلى رسول الله الحديث وفيه رجل قصير أعضل ليس عليه رداء وفي لفظ ذو عضلات وهو جمع عضلة قال أبو عبيدة هي ما اجتمع من اللحم في أعلى باطن الساق وقال الأصمعي كل عصبة معها لحم فهي عضلة قوله حتى ردد عليه وفي رواية الكشميهني حتى رد بدال واحدة قوله أربع مرات هكذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره أربع شهادات قوله أبك جنون وفي رواية شعيب عن عاصم في الطلاق وهل بك جنون وقال عياض فائدة سؤاله أبك جنون استقراء لحاله واستبعاد أن يلح عاقل بالاعتراف بما يقتضي إهلاكه أو لعله يرجع عن قوله قوله فهل أحصنت أي تزوجت
قوله قال ابن شهاب أي قال محمد بن

(23/292)


مسلم بن شهاب الزهري راوي الحديث وهو موصول بالسند المذكور
قوله فأخبرنا بفتح الراء قوله من سمع فاعل أخبرنا وقال الكرماني من سمع قيل يشبه أن يكون ذلك هو أبو سلمة لما صرح باسمه في الروايات الأخر قوله بالمصلى أي مصلى الجنائز وهو بقيع الغرقد قوله فلما أذلقته بالذال المعجمة وبالقاف أي فلما أقلقته وأصابته بحرها قوله بالحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهي أرض ذات حجارة سود والمدينة بين حرتين
32 -
( باب للعاهر الحجر )
أي هذا باب يذكر فيه للعاهر أي للزاني الحجر أي الخيبة والحرمان وقيل الرجم
7186 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت ( اختصم سعد وابن زمعة ) فقال النبي هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة زاد لنا قتيبة عن الليث وللعاهر الحجر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وقد أخرجه مختصرا ومضى بتمامه في كتاب الفرائض في باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب ومضى الكلام فيه مستوفى
وسعد هو ابن أبي وقاص وابن زمعة هو عبد بن زمعة وسودة هي بنت زمعة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قوله زاد لنا يعني قال البخاري زاد لنا قتيبة بن سعيد أحد مشايخه عن الليث بن سعد بعد قوله قوله الولد للفراش وللعاهر الحجر وفي رواية أبي ذر وزادنا
42 -
( باب الرجم في البلاط )
أي هذا باب في بيان الرجم في البلاط وفي رواية المستملي بالبلاط والباء فيه ظرفية أيضا وهو بكسر الباء وفتحها وقد استعمل في معاني كثيرة على ما نذكره الآن لكن المراد به ههنا موضع معروف عند باب المسجد النبوي وكان مفروشا بالبلاط يدل عليه كلام ابن عمر في آخر حديث الباب وزعم بعض الناس أن المراد بالبلاط الحجر الذي يرجم به وهو ما يفرش به الدور حتى استشكل ابن بطال هذه الترجمة فقال البلاط وغيره سواء وهو بعيد لأن المراد بالبلاط مثل ما ذكرناه وكذا قال أبو عبيد البكري البلاط موضع بالمدينة بين المسجد النبوي والسوق وقيل يحتمل أن يراد به عدم اشتراط الحفر للمرجوم لأن البلاط لا يتأتى فيه الحفر وهذا أيضا احتمال بعيد وقد ثبت في ( صحيح مسلم ) أنه أمر فحفرت لماعز بن مالك حفيرة فرجم فيها وقال ياقوت الحموي في ( المشترك ) البلاط بفتح أوله وبكسره قرية بغوطة دمشق وبلاط عوسجة حصن من أعمال شنتبرية بالأندلس والبلاط أيضا مدينة خربت كانت قصبة كورة الحوار من نواحي حلب والبلاط موضع بالقسطنطينية كان مجلسا للأسرى أيام سيف الدولة بن حمدان ذكره أبو فراس في شعره وقال أيضا البلاط موضع بالمدينة وهو موضع مبلط بالحجارة بين مسجد رسول الله والسوق
9186 - حدثنا ( محمد بن عثمان ) حدثنا ( خالد بن مخلد ) عن ( سليمان ) حدثني ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال أتي رسول الله بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعا فقال لهم ما تجدون في كتابكم قالوا إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبية قال عبد الله بن سلام ادعهم يا رسول الله بالتوراة فأتي بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له ابن سلام إرفع يدك فإذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما

(23/293)


رسول الله فرجما
قال ابن عمر فرجما عند البلاط فرأيت اليهودي أجنأ عليها
مطابقته للترجمة في آخر الحديث ومحمد بن عثمان شيخ البخاري زاد فيه أبو ذر بن كرامة العجلي الكوفي وهو من أفراده وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة بينهما القطواني الكوفي وهو أيضا أحد مشايخ البخارى روى عنه في مواضع بلا واسطة وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب مولى عبد الله بن أبي عتيق
والحديث رواه مسلم من رواية نافع أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله أتي بيهودي ويهودية قد زنيا فانطلق رسول الله حتى جاء يهود فقال ما تجدون في التوراة على من زنى قالوا نسود وجوههما ونحممهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما قال فأتوا بالتوراة إن كنتم صادقين فجاؤوا بها فقرؤوها حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله فليرفع يده فرفعها فإذا تحتها آية الرجم فأمر بها رسول الله فرجمهما قال عبد الله بن عمر كنت فيمن رجمهما فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه وروى أبو داود من رواية زيد بن أسلم عن ابن عمر أتى نفر من اليهود فدعو رسول الله إلى الأسقف فأتاهم في بيت المدارس فقالوا إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم بينهما ووضعوا له وسادة فجلس عليها فقال ائتوني بالتوراة فأتي بها فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال ائتوني بأعلمكم فأتي بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم الحديث
قوله أتي على صيغة المجهول من الإتيان قوله بيهودي ويهودية قال الزجاج كانا من أهل خيبر وعن ابن الطلاع ذكر البخاري أنهم أهل ذمة قوله أحدثا أي زنيا من أحدث إذا زنى ويقال معناه فعلا فعلا فاحشا وأريد به الزنا قوله إن أحبارنا أي علماءنا وهو جمع حبر وهو العالم الذي يزين الكلام قوله أحدثوا أي ابتكروا قال الكرماني هو من الإحداث وهو الإبداء وهو الإظهار أي أظهروا تحميم الوجه وهو تسجيمه بالجيم أي تسويده بالفحم والحمم بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة قال ابن الأثير هو جمع حمة وهي الفحمة قوله والتجبية بالجيم والباء الموحدة من باب تخرجه وهو الإركاب معكوسا وقيل أن يحمل الزانيان على حمار مخالفا بين وجوههما قوله فأتى بها أي بالتوراة قوله فقال له ابن سلام هو عبد الله بن سلام قوله أجنأ عليها بالجيم يقال أجنا عليه يجنىء إجناء إذا أكب عليه يقيه شيئا وقال ابن التين ورويناه هنا أجنابالجيم والهمزة وفي رواية فرأيته يجاني عليها من باب المفاعلة ويروى بالحاء المهملة أحنى عليها أي اكب عليها وقال الخطابي الذي جاء في كتاب السنن أجنا يعني بالجيم والمحفوظ إنما هو أحنى بالحاء يقال حنا يحنو حنوا وأحنى يحني أي يعطف ويشفق قيل فهي سبع روايات كلها راجعة إلى الوقاية
واختلف العلماء في الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا أواجب ذلك علينا أم نحن فيه مخيرون فقال جماعة من فقهاء الحجاز والعراق إن الإمام أو الحاكم مخير إن شاء حكم بينهم إذا تحاكموا بحكم الإسلام وإن شاء أعرض عنهم وقالوا إن قوله تعالى فإن جاؤك محكمة لم ينسخها شيء وممن قال بذلك مالك والشافعي في أحد قوليه وهو قول عطاء والشعبي والنخعي وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله فإن جاؤك قال نزلت في بني قريظة وهي محكمة وقال عامر والنخعي إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم وعن ابن القاسم إذا تحاكم أهل الذمة إلى حاكم المسلمين ورضي الخصمان به جميعا فلا يحكم بينهما إلا برضا من أساقفتهما فإن كره ذلك أساقفتهم فلا يحكم بينهم وكذلك إن رضي الأساقفة ولم يرض الخصمان أو أحدهما لم يحكم بينهم وقال الزهري مضت السنة أن يرد أهل الذمة في حقوقهم ومعاملاتهم ومواريثهم إلى أهل دينهم إلا أن يأتوا راغبين في حكمنا فيحكم بينهم بكتاب الله عز و جل وقال آخرون واجب على الحاكم أن يحكم بينهم إذا تحاكموا إليه بحكم الله تعالى وزعموا أن قوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله تعالى ناسخ للتخيير في الحكم بينهم في الآية التي قبل هذه وروي ذلك

(23/294)


عن ابن عباس وبه قال الزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي إلا أن أبا حنيفة قال إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم وقال صاحباه يحكم وكذا اختلف أصحاب مالك واختلف الفقهاء أيضا في اليهوديين من أهل الذمة إذا زنيا هل يرجمان إن رفعهم حكامهم إلينا أم لا فقال مالك إذا زنى أهل الذمة وشربوا الخمر فلا يتعرض لهم الإمام إلا أن يظهروا ذلك في ديار المسلمين فيدخلون عليهم الضرر فيمنعهم السلطان من الضرر بالمسلمين قال مالك وإنما رجم رسول الله اليهودين لأنه لم يكن لليهود يومئذ ذمة وتحاكموا إليه وقال أبو حنيفة وأصحابه يحدان إذا زنيا كحد المسلمين وهو أحد قولي الشافعي
52 -
( باب الرجم بالمصلى )
أي هذا باب في بيان أن الرجم الذي وقع في قضية ماعز بن مالك كان بالمصلى أي مصلى الجنائز ويوضحه ما في الرواية الأخرى ببقيع الغرقد واعترض ابن بطال وابن التين على هذا التبويب بأنه لا معنى له لأن الرجم في المصلى وغيره من سائر المواضع سواء وأجيب عن هذا بأنه ذكر ذلك لوقوعه مذكورا في حديث الباب وقيل معنى بالمصلى أي عند المصلى لأن المراد المكان الذي يصلي عنده العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع الغرقد وقد وقع في حديث أبي سعيد عند مسلم فأمرنا أن نرجمه فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد وفهم عياض من قوله بالمصلى أن الرجم وقع في داخل المصلى
قلت كأنه فهم ذلك من الباء الظرفية فعلى هذا ليس لمصلى الأعياد والجنائز حكم المسجد وقال آخرون له حكم المسجد لأن الباء فيه بمعنى عند كما ذكرنا وفيه نظر
0286 - حدثنا ( محمود ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي سلمة ) عن ( جابر ) أن رجلا ( من أسلم جاء ) النبي فاعترف بالزنا فأعرض عنه النبي حتى شهد على نفسه أربع مرات قال له النبي أبك جنون قال لا قال آحصنت قال نعم فأمر به فرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات فقال له النبي خيرا وصلى عليه
لم يقل يونس وابن جريج عن الزهري فصلى عليه
مطابقته للترجمة في قوله فرجم بالمصلى ومحمود هو ابن غيلان بفتح الغين المعجمة المروزي وأكثر البخاري عنه ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد يروي عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق وأخرجه الجماعة ما خلا ابن ماجه
قوله حدثنا محمود هكذا في رواية أبي ذر وفي رواية الأكثرين حدثني وفي رواية النسفي حدثنا محمود بن غيلان بذكر أبيه صريحا قوله أن رجلا من أسلم اسمه ماعز بن مالك الأسلمي وقد مر هكذا في حديث جابر أيضا عن قريب في باب رجم المحصن وليس في هذه الرواية التي مضت فرجم بالمصلى قوله فلما أذلقته أي أقلقته وقد مر عن قريب قوله فقال له النبي خيرا أي ذكره بجميل ووقع في حديث سليمان بن بريدة عن أبيه عند مسلم فكان الناس فيه أي في ماعز فرقتين فقائل يقول لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول ما توبة أفضل من توبة ماعز الحديث إلى أن قال لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم وفي حديث أبي هريرة عند النسائي لقد رأيته بين أنهار الجنة ينغمس قال يعني يتنعم وفي حديث جابر عند أبي عوانة لقد رأيته يتخضخض في أنهار الجنة وفي حديث اللجاج عند أبي داود والنسائي لا تقل له خبيث لهو عند الله أطيب من ريح المسك وفي حديث أبي ذر عند أحمد قد غفر له وأدخله الجنة
قوله وصلى عليه هكذا وقع هنا عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وقال المنذري رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق فلم يذكروا قوله فصلى

(23/295)


عليه ورواه محمد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا في آخره ولم يصلى عليه والجمع بين الروايتين بأن رواية المثبت مقدمة على رواية النافي أو يحمل رواية من قال ولم يصلى عليه يعني حين رجم لم يصل عليه ثم صلى عليه بعد ذلك ويؤيده ما رواه عبد الرزاق من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قال فقيل يا رسول الله أتصلي عليه قال لا قال فلما كان من الغد قال صلوا على صاحبكم فصلى عليه رسول الله والناس فهذا الحديث يجمع الاختلاف
قوله لم يقل يونس يعني ابن يزيد وابن جريج يعني عبد الملك بن عبد العزيز عن محمد بن مسلم الزهري فصلى عليه فرواية يونس وصلها البخاري في باب رجم المحصن ولفظه فأمر به فرجم وكان قد أحصن ورواية ابن جريج رواها مسلم مقرونة برواية معمر ولم يسق المتن وأحاله على رواية إسحاق شيخ مسلم في سنده فلم يذكر فيه فصلى عليه
وسئل أبو عبد الله فصلى عليه يصح قال رواه معمر قيل له رواه غير معمر قال لا
وقع هذا الكلام في رواية المستملي وحده عن الفريري وأبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله فصلى عليه يصح يعني لفظ فصلى عليه أي على ماعز هل يصح أم لا فقال رواه معمر بن راشد وقيل له هل رواه غير معمر قال لا واعترض على البخاري في جزمه بأن معمرا روى هذه الزيادة وأجيب بأن معمرا من الثقات المأمونين والفقهاء المتقين الورعين ومن رجال الكتب الستة ومثل هذا تقبل زيادته وانفراده بها
62 -
( باب من أصاب ذنبا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد التوبة إذا جاء مستفتيا )
أي هذا باب في بيان من أصاب ذنبا أي ارتكبه دون الحد أي ذنبا لا حد له نحو القبلة والغمزة قوله فأخبر على صيغة المعلوم والضمير الذي فيه يرجع إلى قوله من وقوله الإمام بالنصب مفعوله ولا عقوبة عليه بعد التوبة يعني يسقط عنه ما أصاب من الذنوب الذي لا حد له وليس للإمام الاعتراض عليه بل يؤكد بصيرته في التوبة ويأمره بها لينتشر ذلك فيتوب المذنب وأما من أصاب ذنبا فيه حد فإن التوبة لا ترفعه ولا يجوز للإمام العفو عنه إذا بلغه ومن التوبة عند العلماء أن يطهر ويكفر بالحد إلا الشافعي فذكر عنه ابن المنذر أنه قال إذا تاب قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه وقال صاحب ( التوضيح ) وليس مراده بالنسبة إلى الباطن وأما بالنسبة إلى الظاهر فالأظهر من مذهبه عدم سقوطه قوله مستفتيا حال من الضمير الذي في جاء وهو من الأستفتاء وهو طلب الفتوى وهو جواب الحادثة وهكذا هذه اللفظة عند الأكثرين وفي رواية الكشميهني مستغيثا من الاستغاثة وهو طلب الغوث بالغين المعجمة والثاء المثلثة ويروى مستعتبا من الاستعتاب وهو طلب الرضا وطلب إزالة العتب وفي بعض النسخ مستقيلا من طلب الإقالة
وقال عطاء لم يعاقبه النبي
أي قال عطاء بن أبي رباح لم يعاقب النبي الذي أخبر أنه وقع في معصية بل أمهله حتى صلى معه ثم أخبر بأن صلاته كفرت ذنوبه وقال الكرماني لم يعاقبه أي من أصاب ذنبا لا حد عليه وتاب وقيل يعني المحترق المجامع في نهار رمضان وقد تقدم فإن قلت هذا إضمار قبل الذكر
قلت لا لأن الضمير المنصوب الذي فيه يرجع إلى كلمة من أصاب في الترجمة
وقال ابن جريج ولم يعاقب الذي جامع في رمضان
أي قال عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج لم يعاقب النبي الرجل الذي جامع في نهار رمضان بل أعطاه ما يكفر به وهذا الأثر والذي قبله يوضحان معنى الترجمة
ولم يعاقب عمر صاحب الظبي رضي الله تعالى عنه
هذا إيضاح للترجمة أي لم يعاقب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه صاحب الظبي وهو قبيصة بن جابر وكان محرما واصطاد

(23/296)


ظبيا وأمره عمر بالجزاء ولم يعاقبه عليه ووصله سعيد بن منصور عن قبيصة بن جابر
وفيه عن أبي عثمان عن ابن مسعود عن النبي مثله
أي وفي معنى الحكم المذكور في الترجمة جاء حديث عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي عن عبد الله بن مسعود ووقع في بعض النسخ عن أبي مسعود وليس بصحيح والصواب ابن مسعود وهو الذي وصله البخاري في أوائل كتاب مواقيت الصلاة في باب الصلاة كفارة من رواية سليمان التيمي عن أبي عثمان عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي فأخبره فأنزل الله أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات فقال يا رسول الله إلي هذا قال لجميع أمتي كلهم قوله مثله إنما وقع هذا في روية الكشميهني وحده أي مثل ما وقع في الترجمة
1286 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا وقع بامرأته في رمضان فاستفتى رسول الله فقال هل تجد رقبة قال لا قال هل تستطيع صيام شهرين قال لا قال فأطعم ستين مسكينا
مطابقته للترجمة من حيث أن النبي لم يعاقب هذا الواقع في رمضان
و ( حميد بن عبد الرحمن ) بن عوف الزهري
والحديث مضى في كتاب الصيام عن أبي اليمان وفي الأدب عن موسى بن إسماعيل وعن القعنبي وفي النذر عن علي بن عبد الله وعن محمد بن محبوب وكذا في الهبة عنه ومضى الكلام فيه
2286 - وقال ( الليث ) عن ( عمرو بن الحارث ) عن ( عبد الرحمان بن القاسم ) عن ( محمد بن جعفر ابن الزبير ) عن ( عباد بن عبد الله بن الزبير ) عن ( عائشة ) أتاى رجل النبي في المسجد قال احترقت قال مم ذاك قال وقعت بامرأتي في رمضان قال له تصدق قال ما عندي شيء فجلس وأتاه إنسان يسوق حمارا ومعه طعام قال عبد الرحمان ما أدري ما هو إلى النبي فقال أين المحترق فقال ها أنا ذا قال خذ هاذا فتصدق به قال على أحوج مني ما لإهلي طعام قال فكلوه ( انظر الحديث 5391 )
هذا التعليق وصله البخاري في ( التاريخ الصغير ) قال حدثني عبد الله بن صالح حدثني الليث به
قوله تصدق فيه اختصار إذا الكفارة مرتبة وهو بعد الإعتاق والصيام قوله فكلوه ويروى فكله الأول رواية ابن وهب
قال أبو عبد الله الحديث الأول أبين قوله أطعم أهلك
أبو عبد الله هو البخاري وأراد بالحديث الأول حديث أبي عثمان النهدي وهو أبين شيء في الباب ولم يقع هذا في كثير من النسخ

(23/297)


عمدة القاري 24
27 -
( باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه )
أي هذا باب فيه إذا أقر شخص بالحد عند الإمام بأن قال إني أصبت ما يوجب الحد هل للإمام أن يستر عليه فجوابه له أن يستر عليه ولم يذكر الجواب بناء على عادته اكتفاء بما في حديث الباب ألا ترى إلى قوله للرجل الذي قال إني أصبت حدا فأقمه علي أليس قد صليت معنا فلم يستكشفه عنه فدل على أن الستر أولى لأن في الكشف عنه نوع نجسس منهي عنه وجعلها شبهة دارئة للحد
6823 - ح ( دثنا عبد القدوس بن محمد ) حدثني ( عمرو بن عاصم الكلابي ) حدثنا ( همام بن يحياى ) حدثنا ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال كنت عند النبي فجاءه رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي قال ولم يسأله عنه قال وحضرت الصلاة فصلى مع النبي فلما قضى النبي قام إليه الرجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله قال أليس قد صليت معنا قال نعم قال فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إنه يوضحها ويبين الحكم فيها
وعبد القدوس بن محمد بن عبد الكبير بن شعيب بن الحبحاب بمهملتين وبموحدتين البصري العطار وهو من أفراده وما له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وقد طعن فيه الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرذنجي فقال هذا عندي حديث منكر وهم فيه عمرو بن عاصم مع أن هماما كان يحيى بن سعيد لا يرضاه وهو عندي صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به وأبان العطار أمثل منه وأجيب عنه بأنه لم يبين الوهم وكونه منكرا على طريقته في تسميته ما ينفرد به الراوي منكرا إذا لم يكن فيه متابع
والحديث صحيح أخرجه مسلم أيضا في التوبة عن حسن بن علي الحلواني عن عمرو بن عاصم
قوله إني أصبت حدا أي فعلت فعلا يوجب الحد قوله فأقمه علي بتشديد الياء قوله ولم يسأله عنه أي لم يستفسره قوله فلما قضى النبي أي فلما أدى وقالها بعد الصلاة لا قبلها لأن الصلاة مكفرة للخطايا 8 9 0هود114 قوله أو حدك شك من الراوي أي أو ما يوجب حدك
28 -
( باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت )

(24/2)


أي هذا باب فيه هل يقول الإمام للمقر بالزنا لعلك لمست المرأة أو غمزتها بعينيك أو بيديك وفي بعض النسخ بعد هذا أو نظرت يعني أو نظرت إليها وجواب الاستفهام مقدر يوضحه حديث الباب
6824 - ح ( دثنا عبد الله بن محمد الجعفي ) حدثنا ( وهب بن جرير ) حدثنا أبي قال سمعت ( يعلى بن حكيم ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال لما أتى ماعز بن مالك النبي قال له لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا يا رسول الله قال أنكتها لا يكني قال فعند ذلك أمر برجمه
مطابقته للترجمة ظاهرة ووهب يروي عن أبيه جرير بن حازم بن زيد البصري ويعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام بوزن يرضى ابن حكيم بفتح الحاء المهملة الثقفي مولاهم من أهل البصرة مات بالشام
والحديث أخرجه أبو داود في الحدود عن زهير بن حرب وغيره وأخرجه النسائي في الرجم عن عمرو بن علي وغيره
قوله لعلك قبلت حذف مفعوله للعلم به أي المرأة المعهودة
قوله أنكتها بكسر النون من النيك قوله لا يكني أي لا يصرح بغير هذه اللفظة حاصله أنه صرح بلفظ النيك لأن الحدود لا تثبت بالكنايات
وفيه جواز تلقين المقر في الحدود إذ لفظ الزنى يقع على نظر العين وغيره
29 -
( باب سؤال الإمام المقر هل أحصنت )
أي هذا باب يذكر فيه سؤال الإمام المقر هل أحصنت لأن الإحصان شرط الرجم وهو أن يتزوج امرأة ويدخل بها
22 - ( حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة أن أبا هريرة قال أتى رسول الله رجل من الناس وهو في المسجد فناداه يا رسول الله إني زنيت يريد نفسه فأعرض عنه النبي فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فجاء لشق وجه النبي الذي أعرض عنه فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي فقال أبك جنون قال لا يا رسول الله فقال أحصنت قال نعم يا رسول الله قال اذهبوا به فارجموه )
مطابقته للترجمة في قوله فقال أحصنت ورجاله قد ذكروا غير مرة وابن المسيب هو سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والحديث مر عن قريب في باب لا يرجم المجنون والمجنونة قوله رجل من الناس يعني ليس من أكابر الناس ولا من المشهورين فيهم قوله يريد نفسه فائدة هذا الكلام بيان أنه لم يكن مستفتيا من جهة الغير مسندا إلى نفسه على سبيل الفرض كما هو عادة المستفتي للغير هكذا قاله الكرماني وغيره قلت الظاهر أنه يريد به التأكيد بأنه هو الزاني قوله فتنحى أي بعد الرجل للجانب الذي أعرض مقابلا له وقبله بكسر القاف أي مقابلا ومعاينا له
( قال ابن شهاب أخبرني من سمع جابرا قال فكنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدركناه بالحرة فرجمناه )
أي قال محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وهو موصول بالسند المذكور قوله من سمع قيل أنه أبو سلمة قوله جمز بالجيم والميم والزاي المفتوحات أي عدا وأسرع وبقية الشرح مرت في باب لا يرجم المجنون

(24/3)


30 -
( باب الاعتراف بالزنى )
أي هذا باب في بيان حكم الاعتراف بالزنا
6827 - 6828 - ح ( دثنا علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال ( حفظناه من في الزهري ) قال أخبرني ( عبيد الله ) أنه سمع ( أبا هريرة وزيد بن خالد ) قالا ( كنا عند ) النبي ( فقام رجل ) فقال أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي قال قل قال إن ابني كان عسيفا على هاذا فزني بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم ثم سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم فقال النبي والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره المائة شاة والخادم رد وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس على امرأة هاذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها قلت لسفيان لم يقل فأخبروني أن على ابني الرجم فقال أشك فيها من الزهري فربما قلتها وربما سكت
مطابقته للترجمة في قوله فاعترفت فرجمها
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة
والحديث مضى في الوكالة عن أبي الوليد وفي الشروط عن قتيبة وفي النذور عن إسماعيل بن أبي أويس وغير ذلك في مواضع كثيرة وأخرجه بقية الجماعة ومضى الكلام فيه مفرقا
قوله من في الزهري أي من فمه وفي رواية الحميدي حدثنا الزهري وفي رواية الإسماعيلي سمعت الزهري قوله كنا عند النبي وفي رواية شعيب بينما نحن عند النبي وفي رواية ابن أبي ذئب وهو جالس في المسجد قوله فقام رجل في رواية الشروط أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي وفي رواية شعيب في الأحكام إذا قام رجل من الأعراب قوله أنشدك الله بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة من قولهم نشده إذا سأله رافعا نشيدته وهي صوته وضمن معنى أنشدك أذكرك قال سيبويه معنى وأنشدك إلا فعلت ما أطلب منك إلا فعلك وقيل يحتمل أن يكون إلا جواب القسم لما فيها من معنى الحصر وتقديره أسألك بالله لا تفعل شيئا إلا القضاء بكتاب الله فإن قلت ما فائدة هذا والنبي لا يحكم إلا بكتاب الله قلت هذا من خفاء وجه الحكم عليه حين سأل أهل العلم الذين أجابوا بمائة جلدة وتغريب عام وهذا من قبيل قول الملكين لداود عليه السلام ص22 ومن هذا قالوا يجوز قول الخصم للإمام العادل اقض بيننا بالحق على أن النبي لم ينكر عليه قوله ذلك قوله إلا قضيت بكسر الهمزة وتشديد اللام وهي كلمة استثناء والمعنى ما أطلب منك إلا القضاء بحكم الله قوله بكتاب الله قال شيخنا زين الدين هل المراد بقوله بكتاب الله أي بقضائه وحكمه أو المراد به القرآن يحتمل كلا الأمرين قوله فقام خصمه وكان أفقه منه الواو في وكان للحال وفي رواية مالك وقال الآخر وهو أفقههما إما مطلقا وإما في هذه القضية الخاصة قوله وائذن لي أي في التكلم وهذا من جملة كلام الرجل لا الخصم وهذا من جملة أفقهيته حيث استأذن بحسن الأدب وترك رفع الصوت وقد ورد حديث مرفوع وإن كان ضعيفا أن حسن السؤال نصف العلم قوله إن ابني ويروى إن ابني هذا فإن قلت إقرار الأب عليه لا يقبل قلت قال الكرماني هذا أيضا جواب لاستفتائه أي إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه كذا قلت الأحسن ما قاله النووي على ما يجيء عن قريب قوله كان عسيفا بفتح المهملة الأولى الأجير قاله مالك وقال أبو عمر وقد يكون العبد والسائل وفي المحكم العسيف الأجير المستهان وقيل هو المملوك المستهان وقيل كل خادم عسيف والجمع عسفاء على القياس وعسفة على غير قياس وفي شرح الموطأ لعبد الملك

(24/4)


بن حبيب العسيف الغلام الذي لم يبلغ الحلم قوله وخادم الخادم الجارية المعدة للخدمة بدليل لفظ مالك وجارية لي قوله ثم سألت رجالا من أهل العلم وفيه إشعار بأن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي وقد ذكر محمد بن سعد منهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت رضي الله عنهم قوله المائة شاة على مذهب الكوفيين قوله وخادم عطف عليه قوله رد أي مردود وفي رواية الكشميهني رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام قال النووي رحمه الله هو محمول على أنه علم أن الابن كان بكرا وأنه اعترف بالزنى ويحتمل أنه أضمر اعترافه والتقدير وعلى ابنك إن اعترف والأول أليق وأنه كان في مقام الحكم فلو كان في مقام الإفتاء لم يكن فيه إشكال لأن التقدير إن كان زنى وهو بكر وقرينة اعترافه حضوره مع أبيه وسكوته على ما نسبه إليه وأما العلم بكونه بكرا فوقع صريحا من كلام أبيه في رواية عمرو بن شعيب ولفظه كان ابني أجيرا لامرأة هذا وابني لم يحصن قوله واغد يا أنيس كلمة غدا أمر من غدا غدوا وهو الذهاب هنا والتوجه وليس المراد حقيقة الغدو وهو التأخير إلى أول النهار وحكى عياض أن بعضهم استدل به على جواز تأخير إقامة الحد عند ضيق الوقت واستضعفه بأنه ليس في الخبر أن ذلك كان في آخر النهار وأنيس مصغر أنس واختلف فيه في هذا الحديث فالمشهور أنه أنيس بن الضحاك الأسلمي وكانت المرأة أيضا أسلمية كما ذهب ابن عبد البر إلى هذا وقيل أنيس بن مرثد وقيل ابن أبي مرثد وهو غير صحيح لأن أنيس بن أبي مرثد صحابي مشهور غنوي بالغين المعجمة والنون الأسلمي وهو بفتحتين غير مصغر ولم يصح أيضا قول من قال إنه أنس بن مالك وصغره لأنه أنصاري لا أسلمي ووقع في رواية شعيب وابن أبي ذئب وأما أنت يا أنيس لرجل من أسلم فاغد قيل حد الزنى لا يثبت بالتجسس والاستكشاف عنه فما وجه إرسال أنيس إلى المرأة وأجيب بأن المقصود منه إعلامها بأن هذا الرجل قذفها ولها عليه حد القذف فإما أن تطالبه به أو تعفو عنه أو تعترف بالزنى قوله قلت لسفيان القائل لسفيان بن عيينة هو علي بن عبد الله شيخ البخاري قوله لم يقل فأخبروني أن على ابني الرجم أي لم يقل الرجل الذي قال إن ابني كان عسيفا في كلامه فأخبروني أن على ابني الرجم قوله فقال أي سفيان أشك فيها أي في سماعها من الزهري فتارة أذكرها وتارة أسكت عنها
وفي الحديث فوائد الترافع إلى السلطان الأعلى فيما قد قضى فيه غيره ممن هو دونه إذا لم يوافق الحق وفسخ كل صلح وقع على خلاف السنة وما قبضه الذي قضى له بالباطل لا يصلح أن يكون ملكا له وللعالم أن يفتي في مصر فيه من هو أعلم منه وفيه جواز عدم الاقتصار على قول واحد من العلماء وجواز قول الخصم للإمام العدل اقض بيننا بالحق وفيه النفي والتغريب للبكر الزاني استدلت به الشافعية وأبو حنيفة لا يقول بالنفي لأن إيجابه زيادة على النص والزيادة على النص بخبر الواحد نسخ فلا يجوز وفيه رجم الثيب بلا جلد على ما ذهب إليه أئمة الفتوى في الأمصار وفيه إرسال الواحد لتنفيذ الحكم وفيه أن المخدرة التي لا تعتاد البروز لا تكلف الحضور لمجلس الحكم بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها وقد ترجم النسائي في ذلك
6829 - ح ( دثنا علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( عبيد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال ( عمر ) لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف
قال سفيان كذا حفظت ألا وقد رجم رسول الله ورجمنا بعده
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ألا وإن الرجم إلى آخره ورجاله هم المذكورون في الحديث السابق
قوله فيضلوا

(24/5)


من الضلال قوله أنزلها الله أي باعتبار ما كان الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما من القرآن فنسخت تلاوته أو باعتبار أنه 3 ها 0النجم3 - 4 قوله وقد أحصن على صيغة المجهول من الإحصان في موضع الحال وقد علم أن الماضي إذا وقع حالا لا بد فيه من كلمة قد إما تحقيقا وإما تقديرا قوله أو كان الحمل أي أو ثبت الحمل ويروى الحبل بفتح الباء الموحدة موضع الميم
قوله قال سفيان موصول بالسند المذكور قوله كذا حفظت جملة معترضة بين قوله أو الاعتراف وقوله ألا وقد رجم
31 -
( باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت )
أي هذا باب في بيان رجم المرأة التي حبلت من الزنى إذا أحصنت أي تزوجت قوله من الزنى وفي رواية أبي ذر في الزنى والإجماع على أنها ترجم ولكن بعد الوضع عند الكوفيين وقيل بعد الفطام وقال مالك إذا وضعت حدث إذا وجد للمولود من يرضعه وإلا أخرت حتى ترضعه وتفطمه خشية هلاكه وقال الشافعي لا ترجم حتى تفطمه كما جرى للمرجومة
واختلفوا في المرأة توجد حاملا ولا زوج لها فقال مالك إن قالت استكرهت أو تزوجت فلا يقبل منها ويقام عليها الحد إلا أن تقيم بينة على ما ادعت من ذلك أو تجيء بنداء أو استغاثة وقال الكوفيون والشافعي لا حد عليها إلا أن تقر بالزنى أو تقوم عليها بينة
6830 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال كنت أقرىء رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمان بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إلي عبد الرحمان فقال لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت فغضب عمر ثم قال إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هاؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم قال عبد الرحمان فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ماقلت متمكنا فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها فقال عمر أما والله إن شاء الله لأقومن بذالك أول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقيب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف فأنكر علي وقال ما عسيت أن يقول ما لم

(24/6)


يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا ثم إن رسول الله قال لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها قد كانت كذالك ولاكن الله وقاى شرها وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وإنه قد كان من خيرنا حين توفي الله نبيه ألا إن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هاؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالاى عليه القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد إخواننا هاؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هاذا فقالوا هاذا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا يوعك فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثناى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير

(24/7)


فأنتم له أهل ولن يعرف هاذا الأمر إلا لهاذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هاذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذالك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة قال عمر وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقواى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضاى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا
مطابقته للترجمة في قوله إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة
وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن وصالح بن كيسان
قوله كنت أقرىء بضم الهمزة من الإقراء أي كنت اقرىء قرآنا وفيه دلالة على أن العلم يأخذه الكبير عن الصغير وأغرب الداودي فقال يعني يقرأ عليهم ويلقنونه واعترضه ابن التين وقال هذا خروج عن الظاهر قوله في آخر حجة حجها يعني عمر رضي الله عنه وكان ذلك في سنة ثلاث وعشرين قوله إذ رجع جواب قوله فبينما قوله إلي بتشديد الياء قوله لو رأيت رجلا جزاؤه محذوف تقديره لرأيت عجبا أو كلمة لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب قوله هل لك في فلان لم يدر اسمه قوله لو قد مات عمر كلمة قد مقحمة لأن لو لازم أن يدخل على الفعل وقيل قد في تقدير الفعل ومعناه لو تحقق موت عمر قوله لقد بايعت فلانا يعني طلحة بن عبيد الله وقال الكرماني هو رجل من الأنصار وكذا نقله ابن بطال عن المهلب لكن لم يذكر مستنده في ذلك قوله إلا فلتة بفتح الفاء وسكون اللام وبالتاء المثناة من فوق أي فجأة يعني بايعوه فجأة من غير تدبر قوله وتمت أي وتمت المبايعة عليه قوله أن يغصبوهم أمرهم كذا هو في رواية الجمع بغين معجمة وصاد مهملة وفي رواية مالك يغتصبوهم بزيادة تاء الافتعال ويروى أن يغصبونهم وهي لغة كقوله تعالىالبقرة237 بالرفع وهو تشبيههم أن بما المصدرية فلا ينصبون بها أي الذين يقصدون أمورا ليس ذلك وظيفتهم ولا لهم مرتبة ذلك فيريدون مباشرتها بالظلم والغصب وحكى ابن التين أنه روي بالعين المهملة وضم أوله من أعصب أي صار لا ناصر له والمعصوب الضعيف من أعصبت الشاة إذا انكسر أحد قرنيها أو قرنها الداخل وهو المشاش والمعنى أنهم يغلبون على الأمر فيضعف لضعفهم قوله رعاع الناس بفتح الراء وبعينين مهملتين وهم الجهلة الأراذل والغوغاء بغينين معجمتين بينهما واو ساكنة وهو في الأصل الجراد الصغار حين يبدأ في الطيران ويطلق على السفلة المتسرعين إلى الشر قوله يغلبون على قربك أي هم الذين يكونون قريبا منك عند قيامك للخطبة لغلبتهم ولا يتركون المكان القريب إليك لأولي النهى من الناس ووقع في رواية الكشميهني وأبي زيد المروزي قرنك بكسر القاف وبالنون وهو خطأ وفي رواية ابن وهب عن مالك على مجلسك إذا قمت في الناس قوله يطيرها بضم الياء من الإطارة يقال أطار الشيء إذا أطلقه قوله كل مطير بالرفع فاعل يطيرها والضمير المنصوب فيه يرجع إلى المقالة و مطير بضم الميم اسم فاعل من الإطارة

(24/8)


وفي رواية السرخسي يطير بها بفتح الياء وبالياء الموحدة بعد الراء أي يحملون مقالتك على غير وجهها قوله وأن لا يعوها أي وأن لا يحفظوها من الوعي وهو الحفظ قوله وأن لا يضعونها وترك النصب جائز مع الناصب لكنه خلاف الأفصح قوله فأمهل أمر من الإمهال هو التؤدة والرفق والتأني يقال أمهلته إذا انتظرته ولم تعاجله قوله فتخلص بضم اللام وبالصاد المهملة أي تصل قوله متمكنا حال من الضمير الذي في قلت قوله فيعي أي يحفظ أهل العلم مقالتك قوله أقومه وفي رواية السرخسي أقوم بدون الضمير قوله في عقب ذي الحجة بفتح العين المهملة وكسر القاف أو السكون والأول أولى لأنه يقال لما بعد التكملة والثاني لما قرب منها يقال جاء عقب الشهر بالوجهين والواقع الثاني لأن عمر رضي الله تعالى عنه قدم قبل أن ينسلخ ذو الحجة في يوم الأربعاء وقال الكرماني قوله عقب ذي الحجة أي يوم هو آخره أو الشهر المعاقب له أي أول المحرم وفي التوضيح يقال جاء على عقب الشهر وفي عقبه بضم العين وإسكان القاف إذا جاء بعد تمامه قوله عجلنا الرواح ويروى عجلنا بالرواح وهكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره عجلت الرواح بدون الباء قوله حين زاغت الشمس أي حين زالت الشمس عن مكانها والمراد به اشتداد الحر قوله حتى أجد قال الكرماني أجد بالرفع قلت لا يرتفع الفعل بعد حتى إلا إذا كان حالا ثم إذا كان الحال بالنسبة إلى زمن التكلم فالرفع واجب وإن كان محكيا جاز الرفع والنصب كما في قراءة نافع حتى يقول الرسول بالرفع قوله سعيد بن زيد هو أحد العشرة المبشرة قوله حوله وفي رواية الإسماعيلي حذوه وفي رواية إسحاق الفربري عن مالك حذاه وفي رواية معمر فجلست إلى جنبه تمس ركبتي ركبته قوله فلم أنشب بفتح الشين المعجمة أي فلم أمكث ولم أتعلق بشيء حتى خرج عمر رضي الله تعالى عنه من مكانه إلى جهة المنبر قوله ما عسيت أن يقول القياس أن يقول ما عسى أن يقول فكأنه في معنى رجوت وتوقعت قوله لعلها بين يدي أجلي أي بقرب موتي وهو من الأمور التي وقعت على لسان عمر رضي الله تعالى عنه فوقعت كما قال قوله وعاها أي حفظها قوله فليحدث بها يعني على حسب ما وعى وعقل وفيه الحض لأهل العلم على تبليغه ونشره قوله فلا أحل بضم الهمزة من الإحلال وذلك نهي لأجل التقصير والجهل عن الحديث بما لم يعلموه ولا ضبطوه قوله لأحد ظاهره يقتضي أن يقال له ليرجع الضمير إلى الموصول ولكن الشرط هو الارتباط وعموم الأحد قائم مقامه قوله إن الله بعث محمد قال الطيبي قدم عمر رضي الله تعالى عنه هذا الكلام قبل ما أراد أن يقول توطئة له ليتيقظ السامع لما يقول قوله آية الرجم مرفوع لأنه اسم كان وخبره هو قوله مما أنزل الله مقدما وكلمة من للتبعيض وآية الرجم هي قوله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وهو قرآن نسخت تلاوته دون حكمه قوله مما أنزل الله وفي رواية الكشميهني فيما أنزل الله قوله ووعيناها أي حفظناها قوله رجم رسول الله وفي رواية الإسماعيلي ورجم بزيادة الواو قوله إن طال بكسر الهمزة قوله أن يقول بفتح الهمزة قوله بترك فريضة أنزلها الله أي في الآية المذكورة التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها وقد وقع ما خشيه عمر رضي الله تعالى عنه فإن طائفة من الخوارج أنكروا الرجم وكذا بعض المعتزلة أنكروه قوله والرجم في كتاب الله حق أي في قوله تعالى النساء 15 وبين النبي أن المراد به رجم الثيب وجلد البكر قوله أو كان الحبل بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وفي رواية معمر الحمل بالميم قوله أو الاعتراف أي الإقرار بالزنى قوله ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أي مما نسخت تلاوته وبقي حكمه قوله لا ترغبوا عن آبائكم أي لا تتركوا النسبة عن آبائكم فتنسبون إلى غيرهم قوله فإنه كفر بكم أي فإن انتسابكم إلى غير آبائكم كفر بكم أي كفر حق ونعمة قوله أو إن كفرا بكم شك من الراوي قال الكرماني أو إن كفرا شك فيما كان في القرآن وهو أيضا من المنسوخ التلاوة دون الحكم قوله ألا ثم إن رسول الله ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف افتتاح كلام غير الذي قبله وفي رواية مالك ألا وإن بالواو بدل ثم قوله لا تطروني من الإطراء وهو المبالغة في المدح قوله كما أطري عيسى على صيغة المجهول وفي رواية سفيان كما أطرت النصارى عيسى عليه السلام حيث قالوا هو ابن الله ومنهم من ادعى أنه هو الله قوله ألا وإنها أي وإن بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله كانت كذلك أي فلتة وصرح بذلك في

(24/9)


رواية إسحاق بن عيسى عن مالك وقال الداودي معنى قوله قوله كانت فلتة أنها وقعت من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاوروا وأنكر هذا الكرابيسي وقال المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار فبايعوا أبا بكر بحضرتهم والمراد بالفلتة ما وقع من مخالفة الأنصار وما أرادوه من مبايعة سعد بن عبادة وقال ابن حبان معنى قوله قوله كانت فلتة أن ابتداءها كان عن غير ملأ كثير وفي التوضيح قال عمر والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه ولأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر فهذا يبين أن قول عمر كانت فلتة لم يرد مبايعة أبي بكر وإنما أراد ما وصفه من خلافة الأنصار عليهم وما كان من أمر سعد بن عبادة وقومه قوله ولكن الله وقى شرها أي ولكن الله رفع شر خلافة أبي بكر رضي الله عنه ومعناه أن الله وقاهم ما في العجلة غالبا من الشر وقد بين عمر سبب إسراعهم ببيعة أبي بكر وذلك أنه لما خشوا أن يبايع الأنصار سعد بن عبادة وقال أبو عبيد عجلوا بيعة أبي بكر خيفة انتشار الأمر وأن يتعلق به من لا يستحق فيقع الشر قوله من تقطع الأعناق أي أعناق الإبل يعني تقطع من كثرة السير حاصله ليس فيكم مثل أبي بكر في الفضل والتقدم فلذلك مضت بيعته على حال فجأة ووقى شرها فلا يطمعن من أحد في مثل ذلك قوله عن غير مشورة بفتح الميم وضم الشين المعجمة وبفتح الميم وسكون الشين وفي رواية الكشميهني من غير مشورة قوله فلا يبايع جواب من على صيغة المجهول من المبايعة بالباء الموحدة ويروى بالتاء المثناة من فوق من المتابعة وهذه أولى لقوله ولا الذي تابعه بالتاء المثناة من فوق في أوله وبالياء الموحدة بعد الألف قوله تغرة أن يقتلا أي المبايع والمتابع بالموحدة وفتح الياء آخر الحروف في الأول وبالمثناة من فوق وكسر الموحدة في الثاني وتغرة بالغين المعجمة مصدر يقال غرر نفسه تغريرا وتغرة إذا عرضها للهلاك وفي الكلام مضاف محذوف تقديره خوف تغرة أن يقتلا أي خوف وقوعهما في القتل فحذف المضاف الذي هو الخوف وأقيم المضاف إليه الذي هو تغرة مقامه وانتصب على أنه مفعول له قوله وإنه قد كان أي وإن أبا بكر قد كان من خيرنا بالخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف كذا في رواية المستملي وفي رواية غيره بالباء الموحدة فعلى رواية المستملي يقرأ إن الأنصار بكسر همزة إن على أنه ابتداء كلام وعلى رواية غيره بفتحها على أنه خبر كان وكلمة ألا معترضة قوله ألا إن الأنصار قد ذكرنا غير مرة أن كلمة ألا لافتتاح الكلام ينبه بها المخاطب على ما يأتي قوله بأسرهم أي بكليتهم قوله في سقيفة بني ساعدة وهي الصفة وقال الكرماني كان لهم طاق يجتمعون فيه لفصل القضايا وتدبير الأمور قوله وخالف عنا أي معرضا عنا وقال المهلب أي في الحضور والاجتماع لا بالرأي والقلب وفي رواية مالك ومعمر أن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله وكذا في رواية سفيان لكن قال العباس بدل الزبير رضي الله عنه قوله فانطلقنا نريدهم زاد جويرية فلقينا أبا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه فأخذ أبو بكر بيده يمشي بيني وبينه قوله لقينا رجلان فعل وفاعل وهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي الأنصاري قوله صالحان صفة رجلان وفي رواية معمر عن ابن شهاب شهدا بدرا وفي رواية ابن إسحاق رجلا صدق عويم بن ساعدة ومعن بن عدي كذا أدرج تسميتهما وبين مالك أنه قول عروة ولفظه قال ابن شهاب أخبرني عروة أنهما معن بن عدي وعويم بن ساعدة قلت معن بن عدي بن الجد بن عجلان بن ضبيعة البلوي من بلي ابن الحارث بن قضاعة شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر مشاهد النبي وقتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعويم بن ساعدة بن عايش بن قيس شهد العقبتين جميعا في قول الواقدي وغيره وشهد بدرا وأحدا والخندق ومات في خلافة عمر بالمدينة قوله ما تمالأ عليه القوم أي ما اتفق عليه القوم وهو بفتح اللام وبالهمزة من باب التفاعل قوله لا عليكم أن لا تقربوهم كلمة لا بعد أن زائدة قوله رجل مزمل على وزن اسم المفعول من التزميل وهو الإخفاء واللف في الثوب قوله بين ظهرانيهم بفتح الظاء المعجمة والنون أي بينهم وأصله بين ظهريهم فزيدت الألف والنون للتأكيد قوله يوعك بضم الياء وفتح العين أي يحصل له الوعك وهو الحمى بنافض ولذلك زمل قوله تشهد خطيبهم أي قال كلمة الشهادة قيل كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار

(24/10)


فيحتمل أن يكون الخطيب قوله وكتيبة الإسلام بفتح الكاف وكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة وهو الجيش المجتمع الذي لا ينتشر ويجمع على كتائب قوله معشر المهاجرين كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره معاشر المهاجرين قوله رهط أي قليل قال الخطابي رهط أي نفر يسير بمنزلة الرهط وهو من الثلاثة إلى العشرة أي عددكم بالنسبة إلى الأنصار قليل ورفعه على الخبرية قوله وقد دفت دافة بتشديد الفاء أي عدد قليل وقال الكرماني الدافة الرفقة يسيرون سيرا لينا أي وأنكم قوم طراد غرباء أقبلتم من مكة إلينا تريدون أن تختزلونا من الاختزال بالخاء المعجمة والزاي وهو الاقتطاع أي تقتطعونا عن الأمر وتنفردون به دوننا قوله وأن يحضنونا بالحاء المهملة والضاد المعجمة أي يخرجوننا من الأمر أي الإمارة والحكومة ويستأثرون علينا يقال حضنت الرجل عن الأمر إذا اقتطعته دونه وعزلته عنه ووقع في رواية أبي علي بن السكن يحتصونا بالتاء المثناة من فوق والصاد المهملة المشددة وفي رواية الكشميهني يحصونا بضم الحاء بدون التاء وهو بمعنى الاقتطاع والاستئصال وفي رواية أبي بكر الحنفي عن مالك عند الدارقطني ويخطفونا بالخاء المعجمة والطاء المهملة وبالفاء واتفقت الروايات على أن قوله فإذا هم الخ بقية كلام خطيب الأنصار قوله فلما سكت أي خطيب الأنصار قوله زورت من التزوير بالزاي والواو وهو التهيئة والتحسين وفي رواية مالك رويت براء وواو مشددة ثم ياء آخر الحروف من الروية ضد البديهة قوله وكنت أداري منه بعض الحد أي أدفع عنه بعض ما يعتري له من الغضب ونحوه قوله على رسلك بكسر الراء أي اتئد واستعمل الرفق والتؤدة قوله أن أغضبه بضم الهمزة وسكون الغين المعجمة وكسر الضاد المعجمة وبالباء الموحدة من الإغضاب وفي رواية الكشميهني بمهملتين وياء آخر الحروف من العصيان قوله هو أحلم مني أي أشد حلما مني والحلم هو الطمأنينة عند الغضب قوله وأوقر أي أكثر وقارا وهو الثاني في الأمور والرزانة عند التوجه إلى المطلب قوله ما ذكرتم أي من النصرة وكونكم كتيبة الإسلام قوله ولن يعرف على صيغة المجهول قوله هذا الأمر أي الخلافة وفي رواية مالك ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش قوله هم أوسط العرب وفي رواية الكشميهني هو بدل هم والأول أوجه ومعنى أوسط أعدل وأفضل ومنه قوله تعالى البقرة 143 أي عدلا قوله أحد هذين الرجلين هما عمر وأبو عبيدة بن الجراح بين ذلك بقوله فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح والآخذ بيده هو أبو بكر والضمير في يده يرجع إلى عمر رضي الله تعالى عنه قال الكرماني كيف جاز له أن يقول هذا القول وقد جعله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إماما في الصلاة وهي عمدة الإسلام ثم قال قاله تواضعا وتأدبا وعلما بأن كلا منهما لا يرى نفسه أهلا لذلك بوجوده وأنه لا يكون للمسلمين إلا إمام واحد قوله وهو جالس أي أبو بكر جالس بيننا قوله فلم أكره مما قال غيرها هذا قول عمر رضي الله عنه أي لم أكره مما قال أبو بكر غير هذه المقالة وهي قوله وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم قوله كان والله أن أقدم على صيغة المجهول من التقديم وكلمة أن مفتوحة لأنها اسم كان ولفظة والله معترضة بينهما قوله فتضرب عنقي بالنصب عطف على أن أقدم قوله لا يقربني ذلك أي تقديم عنقي وضربه من الإثم قوله أحب إلي بالنصب خبر كان قوله من أن أتامر كلمة إن مصدرية أي من كوني أميرا على قوم فيهم أبو بكر موجود قوله أن تسول بضم التاء وفتح السين وتشديد الواو المكسورة أي أن تزين نفسي يقال سولت له نفسه شيئا أي زينته ويقول له الشيطان افعل كذا وكذا قوله إلي بتشديد الياء قوله شيئا منصوب بقوله أن تسول قوله لا أجده الآن من الوجدان أي الساعة هذه قوله فقال قائل من الأنصار كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فقال قائل الأنصار بإضافة قائل إلى الأنصار وقد سمى سفيان هذا القائل في روايته عند البزار فقال حباب بن المنذر وحباب بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة الأولى ابن المنذر على وزن اسم الفاعل من الإنذار ابن الجموح بن يزيد بن حرام الأنصاري شهد بدرا واحدا والمشاهد كلها مع رسول الله قوله منا أمير إنما قال ذلك لأن العرب لم تكن تعرف الإمارة إنما كانت

(24/11)


تعرف السيادة بكون لكل قبيلة سيد لا تطيع إلا سيد قومها فجرى هذا القول منه على العادة المعهودة حين لم يعرف أن حكم الإسلام بخلافه فلما بلغه أن الخلافة في قريش أمسك عن ذلك وأقبلت الجماعة إلى البيعة قوله إنا جذيلها بضم الجيم مصغر الجذل بفتح الجيم وكسرها وسكون الذال وهو أصل الشجر والمراد به عود ينصب في العطن للجربى لتحتك أي أنا ممن يستشفى فيه برأيي كما يستشفى الإبل الجربى بالاحتكاك به والتصغير للتعظيم والمحكك صفة جذيل قوله وعذيقها مصغر العذق بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة النخل وبالكسر القنو منها قوله المرجب من الترجيب وهو التعظيم وهو أنها إذا كانت كريمة فمالت بنوا لها من جانبها المائل بناء رفيعا كالدعامة ليعتمدها ولا يسقط ولا يعمل ذلك إلا لكرمها وقيل هو ضم عذاقها إلى سعفاتها وشدها بالخوص لئلا ينفضها الريح أو يوضع الشوك حولها لئلا تصل إليها الأيدي المتفرقة قوله اللغط بالغين المعجمة الصوت والجلبة قوله حتى فرقت بكسر الراء أي حتى خشيت وفي رواية مالك حتى خفت وفي رواية جويرية حتى أشفقنا الاختلاف قوله ونزونا بفتح النون والزاي وسكون الواو أي وثبنا عليه وغلبنا عليه قوله قتلتم سعد بن عبادة قيل ما معناه وهو كان حيا وأجيب بأن هذا كناية عن الإعراض والخذلان والاحتساب في عدد القتلى لأن من أبطل فعله وسلب قوته فهو كالمقتول قوله فقلت قتل الله سعد بن عبادة القائل هو عمر رضي الله تعالى عنه ووجه قوله هذا إما إخبار عما قدر الله عن إهماله وعدم صيرورته خليفة وإما دعاء صدر عنه عليه في مقابلة عدم نصرته للحق قيل إنه تخلف عن البيعة وخرج إلى الشام فوجد ميتا في مغتسله وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون شخصه
الخزرج سعد بن عبادة فرميناه بسهمين فلم نخط فؤاده
قوله ما وجدنا أي من دفن رسول الله قوله من أمر في موضع المفعول قوله أقوى مفعول قوله ما وجدنا قوله ولم تكن بيعة جملة حالية قوله أن يبايعوا بفتح همزة أن لأنه مفعول قوله خشينا قوله فإما بايعناهم من المبايعة بالباء الموحدة وبالياء آخر الحروف قبل العين وفي رواية الكشميهني تابعناهم بالتاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة قبل العين قوله على ما لا نرضى ويروى على ما نرضى والأول هو الوجه وهو رواية مالك أيضا قوله فمن بايع رجلا بالباء الموحدة وفي رواية مالك بالتاء المثناة من فوق قوله فلا يتابع هو على صيغة المجهول من المتابعة بالتاء المثناة من فوق قوله ولا الذي بايعه بالباء الموحدة قوله تغرة أن يقتلا أي خوف وقوعهما في القتل وقد مر تفسير هذا عن قريب
32 -
( باب البكران يجلدان وينفيان )
أي هذا باب فيه البكران يجلدان وينفيان وهو تثنية بكر وهو الذي لم يجامع في نكاح صحيح وإنما ثناه ليشمل الرجل والمرأة فقوله البكران مبتدأ ويجلدان على صيغة المجهول خبره وقد ورد خبر بلفظ الترجمة أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عن مسروق عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه مثله
النور2 - 3ف
ساق في رواية كريمة إلى قوله المؤمنون كما ذكر هنا وفي رواية أبي ذر ساق من قوله الزانية إلى قوله في دين الله ثم قال الآية ثم إنه ذكر الآية الأولى لبيان أن الجلد ثابت بكتاب الله عز و جل وذكر الآية الثانية لتعلقها بما قبلها وذلك لأن قوله الزاينة والزاني يدلان على الجنسين المنافيين لجنسي العفيف والعفيفة ثم أشار إلى هذا الزاني لا ينكح إلا زانية يعني لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وكذا الزانية لا ترغب في نكاح الصلحاء من الرجال
وسبب نزول هذه الآية ما قاله مجاهد إنه كان في

(24/12)


الجاهلية نساء يزنين فأراد أناس من المسلمين نكاحهن فنزلت وبه قال الزهري وقتادة وعن سعيد بن المسيب إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى وانكحوا الايامى منكم ( 0النور32ف والآية الأولى ناسخة لقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم 0النساء15ف الآية ولقوله واللذان يأتيانها منكم فأذوها 0النساء16ف فكل من زنى منهما أوذي إلى الموت قاله مجاهد وقال النحاس لا خلاف في ذلك بين المفسرين قوله لا تأخذكم بهما رأفة أي لا تأخذكم بسببهما رحمة والمعنى لا تخففوا العذاب ولكن أوجعوهما قوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر يعني إن كنتم تصدقون بتوحيد الله وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال
قوله طائفة اختلفوا في مبلغ عددها فعن النخعي ومجاهد أقله رجل واحد فما فوقه وعن عطاء وعكرمة رجلان فصاعدا وعن الزهري ثلاثة فصاعدا وعن ابن زيد أربعة بعدد من تقبل شهادته على الزنى وعن قتادة نفر من المسلمين وقال الزجاج لا يجوز أن تكون الطائفة واحدا لأن معناها معنى الجماعة والجماعة لا تكون أقل من اثنين وقال غيره لا يمنع ذلك على قول أهل اللغة لأن معنى طائفة قطعة يقال أكلت طائفة من الشاة أي قطعة منها
وقال ابن عيينة رأفة في إقامة الحدود
أي قال سفيان بن عيينة في تفسير قوله تعالىولا تأخذكم بهما رأفة 0النور 2 يعني رحمة في إقامة الحدود ويروى رأفة ويروى رأفة إقامة الحدود بدون لفظ في ويروى قال ابن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف وعليه جرى ابن بطال والمعتمد هو الأول وابن علية اسمه إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري وعليه اسم أمه مولاة لبني أسد
6831 - حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن زيد بن خالد الجهني قال سمعت النبي يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز هو ابن أبي سلمة الماجشون
والحديث مضى في الشهادات عن يحيى بن بكير عن الليث عن الزهري عن عبيد الله الخ وأخرجه بقية الجماعة
قوله ولم يحصن على صيغة المجهول والمعلوم قوله جلد مائة بالنصب بنزع الخافض أي بجلد مائة قوله وتغريب عام عطف عليه
وفي التوضيح في الحديث تغريب البكر مع الجلد وهو حجة على أبي حنيفة ومحمد في إنكار التغريب قلت أبو حنيفة يحتج بظاهر القرآن فإنه لا نفي فيه وقال مالك ينفى البكر الحر ولا تغرب المرأة ولا العبد وقال الثوري والأوزاعي والشافعي يغرب المرأة والرجل واختلف قول الشافعي في نفي العبد وعند الشافعية لا تغرب المرأة وحدها بل مع زوج أو محرم واختلف في المسافة التي تغرب إليها فروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال إلى فدك ومثله عن ابنه وبه قال عبد الملك وزاد إلى مثل الجيار من المدينة وروي عن علي رضي الله تعالى عنه من الكوفة إلى البصرة وقال الشعبي ينفيه من عمله إلى غيره وقال مالك يغرب عاما في بلد يحبس فيه لئلا يرجع إلى البلد الذي نفي منه وعن أحمد إلى قدر ما تقصر فيه الصلاة وقال أبو ثور إلى ميل وأقل منه وقال ابن المنذر يجزىء من ذلك ما يقع عليه اسم النفي قل أو كثر
( قال ابن شهاب وأخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب غرب ثم لم تزل تلك السنة )
هذا موصول بالسند المذكور أي قال محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أخبرني عروة بن الزبير بن العوام أن عمر إلى آخره وهذا منقطع لأن عروة لم يسمع من عمر رضي الله عنه لكنه ثبت عن عمر من وجه آخر أخرجه الترمذي حدثني أبو كريب ويحيى بن أكتم قالا حدثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب ورواه النسائي أيضا وابن خزيمة وصححه الحاكم وذكر الترمذي أن أكثر أصحاب عبيد الله بن عمر رووه عنه موقوفا على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما قوله ثم لم تزل بفتح الزاي قوله تلك

(24/13)


السنة بالرفع والنصب أي دامت وزاد عبد الرزاق عن مالك ثم لم تزل تلك السنة حتى غرب مروان ثم ترك الناس ذلك يعني أهل المدينة -
6833 - ح ( دثنا يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قضاى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام بإقامة الحد عليه
مطابقته للترجمة ظاهرة وعقيل بضم العين ابن خالد
والحديث أخرجه النسائي في الرجم عن محمد بن رافع
قوله ولم يحصن بصيغة المعلوم والمجهول قوله بإقامة الحد أي ملتبسا جامعا بينهما ويروى وإقامة الحد
33 -
( باب نفي أهل المعاصي والمخنثين )
أي هذا باب في بيان نفي أهل المعاصي وهو جمع معصية قوله والمخنثين أي وفي بيان نفي المخنثين وهو جمع مخنث بتشديد النون المفتوحة وبكسرها والفتح أشهر وهو القياس مأخوذ من خنثت الشيء فتخنث أي عطفته فتعطف ومنه سمي المخنث قاله الجوهري وفي المغرب تركيب الخنث يدل على لين وتكسر ومنه المخنث وهو المشبه في كلامه بالنساء تكسرا وتعطفا وقال الكرماني والغرض من ذكر هذا الباب هنا التنبيه على أن التغريب على المذنب الذي لا حد عليه ثابت وعلى الذي عليه الحد بالطريق الأولى قلت يفهم من هذا أن المرتكب لمعصية من المعاصي يجوز نفيه والترجمة أيضا تدل عليه وقال بعض العلماء لا ينفى إلا ثلاثة بكر زان ومخنث ومحارب والمخنث إذا كان يؤتى رجم مع الفاعل أحصنا أو لم يحصنا عند مالك وقال الشافعي إن كان غير محصن فعليه الحد وكذا عند مالك إذا كانا كافرين أو عبدين وقيل يرقى بالمرجوم على رأس جبل ثم يتبع بالحجارة وهو نوع من الرجم وفعله جائز وقال أبو حنيفة لا حد فيه وإنما فيه التعزير وعند بعض أصحابنا إذا تكرر يقتل وحديث ارجموا الفاعل والمفعول به متكلم فيه وقال بعض أهل الظاهر لا شيء على من فعل هذا الصنيع وقال الخطابي هذا أبعد الأقوال من الصواب
28 - ( حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا يحيى عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لعن النبي المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم وأخرج فلانا وأخرج فلانا )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وهشام هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير والحديث مضى في اللباس وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسلم بن إبراهيم به وأخرجه الترمذي والنسائي أيضا قوله والمترجلات أي النساء الشبيهات بالرجال المتكلفات في الرجولة وهو بالحقيقة ضد المخنثين لأنهم المتشبهون بالنساء قوله وأخرج فلانا قال الكرماني هما ماتع بالتاء المثناة من فوق وبالعين المهملة وهيت بكسر الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبالتاء المثناة من فوق قوله وأخرج فلانا في رواية أبي ذر وأخرج عمر رضي الله تعالى عنه فلانا قلت فعلى هذا فاعل أخرج الأول هو النبي وفاعل أخرج الثاني هو عمر رضي الله تعالى عنه وعلى رواية غير أبي ذر الفاعل في كليهما هو النبي ويؤيده رواية أبي داود الحديث عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري المذكور وفيه فقال أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا فلانا وفلانا من المخنثين وأراد بقوله فلانا وفلانا هما اللذين سماهما الكرماني وأما اسم فلان الذي أخرجه عمر رضي الله تعالى عنه فقيل أنه أبو ذؤيب وقيل جعدة السلمي وعن مسلمة بن محارب عن إسماعيل بن مسلم أن أمية بن يزيد الأسدي ومولى مزينة كانا يحكران الطعام بالمدينة فأخرجهما عمر رضي الله تعالى عنه

(24/14)


وذكر بعضهم يحتمل أن يفسر قوله وأخرج عمر فلانا أن يكون واحد هؤلاء المذكورين الذين أخرجهم عمر رضي الله تعالى عنه -
34 -
( باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا عنه )
أي هذا باب في بيان من أمر الخ وقال الكرماني في عبارته تعسف والأولى أن يقال من أمره الإمام وغائبا حال من فاعل الإقامة وهو الغير ويحتمل أن يكون حالا من المحدود المقام عليه
6835 - 6836 حدثنا عاصم بن علي حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي وهو جالس فقال يا رسول الله اقض بكتاب الله فقام خصمه فقال صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت بمائة من الغنم ووليدة ثم سألت أهل العلم فزعموا أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام فقال والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما الغنم والوليدة فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام وأما أنت يا أنيس فاغد على امرأة هاذا فارجمها فغدا أنيس فرجمها
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وابن أبي ذئب بلفظ الحيوان المشهور هو محمد بن عبد الرحمان وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود
والحديث مضى في مواضع كثيرة في النذور عن إسماعيل بن أبي أويس وفي المحاربين عن عبد الله بن يوسف وفي الصلح والأحكام عن آدم وفي الوكالة عن أبي الوليد وفي الشروط عن قتيبة وسيجىء في الاعتصام وخبر الواحد وأخرجه بقية الجماعة وقد مر تفسيره غير مرة وقد مر عن قريب أيضا في باب الاعتراف بالزنى
قوله إن ابني هذا كلام الأعرابي لا خصمه مر في كتاب الصلح هكذا جاء الأعرابي فقال يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله فقام خصمه فقال صدق فقال الأعرابي إن ابني هكذا قاله الكرماني وقال بعضهم بل الذي قال اقض بيننا هو والد العسيف قلت الاختلاف في هذا على ابن أبي ذئب يظهر ذلك بالتأمل قوله كان عسيفا أي أجيرا قوله فارجمها فيه اختصار أي فإن اعترفت بالزنى فارجمها تشهد عليه سائر الروايات والقواعد الشرعية
35 -
( باب قول الله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكن من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذاتت أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رجيم )
أي هذا باب في ذكر قول الله تعالى ومن لم يستطع الخ هكذا ساقه وفي رواية كريمة وفي رواية أبي ذر ومن لم يستطع منكم طولا ء آ الآية وهكذا وقع في أصول البخاري ولم يذكر فيه حديثا وابن بطال أدخل فيه حديث أبي هريرة الذي في الباب الذي بعده ثم ذكره فيه أيضا لكن من طريق آخر وأباه ابن التين فذكره كما ذكرنا قوله طولا أي فضلا وسعة وقدرة قوله المحصنات المؤمنات أي الحرائر العفائف المؤمنات قوله فمما أي فتزوجوا مما ملكت أيمانكم من فتياتكم أي من إمائكم المؤمنات والفتيات جمع فتاة وهي الأمة فيه دليل على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكافرة من دليل

(24/15)


الخطاب والمعروف من مذهب مالك أن نكاح الأمة الذمية لا يجوز وأجازه الآخرون قوله والله اعلم بإيمانكم يعني هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور قوله بعضكم من بعض فيه قولان أحدهما أنكم مؤمنون وأنتم إخوة والثاني أنكم بنو آدم وإنما قيل لهم هذا فيما روي لأنهم كانوا في الجاهلية يعيرون بالهجانة ويسمون ابن الأمة هجينا فقال تعالى بعضكم من بعض قوله فانكهوهن بإذن اهلهن يدل على أن السيد هو ولي أمته لا تزوج إلا بإذنه وكذلك هو ولي عبده ولا يتزوج إلا بإذنه وإن كان مالك الأمة امرأة زوجها من يزوج المرأة بإذنها لما جاء في الحديث لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها قوله وآتوهن أجورهن أي وأعطوهن مهورهن أي عن طيب نفس منكم ولا تبخسوهن منه شيئا استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات قوله محصنات أي عفائف عن الزنى لا يتعاطينه ولهذا قال غير مسافحات أي غير زواني اللاتي لا يمنعن أنفسهن من أحد قوله 0 أي أخلاه وهو جمع خدن بكسر الخاء وهو الصديق وكذلك الخدين ووقع في رواية المستملي وحده غير مسافحات زواني ولا متخذات أخدان أخلاء قوله فإذا أحصن فيه قراءتان إحداهما بضم الهمزة وكسر الصاد والأخرى بفتح الهمزة والصاد فعل لازم فقيل معنى القراءتين واحد واختلفوا فيه على قولين أحدهما إن المراد بالإحصان هنا الإسلام روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن زيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي وبه قال مالك والليث والأوزاعي والكوفيون والشافعي والآخر أن المراد هاهنا التزوج وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس والحسن وقتادة قوله يعني الزنى قوله فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب يعني الحد كما في قوله 0النور 8 وهو خمسون جلدة وتغريب نصف سنة قوله إشارة إلى نكاح الإماء عند عدم الطول قوله العنت يعني الإثم والضرر بغلبة الشهوة هكذا فسره الثعلبي ويقال العنت الزنى وهو في الأصل المشقة قوله وإن تصبروا كلمة أن مصدرية أي وصبركم عن نكاح الإماء خبر لكم
36 -
( باب إذا زنت الأمة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا زنت الأمة ولم يذكر جواب إذا الذي هو الحكم اكتفاء بما ذكره في الحديث على عادته ولم يذكر الأصيلي هذه الترجمة وجرى على ذلك ابن بطال
6838 - ح ( دثنا عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( أبي هريرة وزيد بن خالد ) رضي الله عنهما أن رسول الله سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير
قال ابن شهاب لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله سئل عن الأمة إذا زنت
والحديث مضى في البيوع عن إسماعيل بن أبي أويس وعن زهير بن حرب وفي العتق عن مالك بن إسماعيل ومضى الكلام فيه
قوله ولم تحصن من الإحصان الذي هو بمعنى العفة عن الزنا وفي التلويح اختلف العلماء في إحصان الإماء غير ذات الأزواج ما هو فقالت طائفة إحصان الأمة تزويجها فإذا زنت ولا زوج لها فعليها الأدب ولا حد عليها هذا قول ابن عباس وطاوس وقتادة وبه قال أبو عبيدة وقالت طائفة إحصانها إسلامها فإذا كانت الأمة مسلمة وزنت وجبت عليها خمسون جلدة سواء كانت ذات زوج أو لم تكن روي هذا عن عمر بن الخطاب في رواية وهو قول علي وابن مسعود وابن عمر وأنس وإليه ذهب النخعي ومالك والليث والأوزاعي والكوفيون والشافعي وزعم أهل المقالة الأولى أنه لم يقل في هذا الحديث ولم تحصن غير مالك وليس كما زعموا لأنه رواه يحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما رواه مالك ورواه كذلك طائفة عن ابن عيينة عن الزهري وإذا اتفق مالك ويحيى وسفيان على شيء فهم حجة على من خالفهم قوله ولو

(24/16)


بضفيرة بفتح الضاد المعجمة وكسر الفاء وبالراء وهو الشعر المنسوج والحبل المفتول بمعنى المضفور فعيل بمعنى مفعول قوله ثم بيعوها أمر ندب وحث على مباعدة الزانية وخرج اللفظ في ذلك على المبالغة وقالت الظاهرية بوجوب بيعها إذا زنت الرابعة وجلدت ولم يقل به أحد من السلف قوله قال ابن شهاب موصول بالسند المذكور قوله لا أدري بعد الثالثة أي لا أدري هل يجلدها ثم يبيعها ولو بضفير بعد الزنية الثالثة أو بعد الزنية الرابعة وروى الترمذي من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثلاثا بكتاب الله فإن عادت فليبعها ولو بحبل من شعر فهذا يدل على أن بيعها بعد الرابعة وروى النسائي من حديث حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال أتى النبي رجل فقال جاريتي زنت فتبين زناها قال أجلدها خمسين فأتاه وقال عادت فتبين زناها قال أجلدها خمسين ثم أتاه فقال عادت فتبين زناها قال بعها ولو بحبل من شعر فهذا يدل على أن بيعها بعد الثالثة
( باب لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى )
أي هذا باب يذكر فيه لا يثرب على صيغة المجهول من التثريب بالثاء المثلثة وهو التوبيخ والملامة والتعيير ومنه قوله تعالى لا تثريب عليكم قوله ولا تنفى على صيغة المجهول أيضا واستنبط عدم النفي من قوله ثم بيعوها لأن المقصود من النفي الإبعاد عن الوطن الذي وقعت فيه المعصية وهو لا يلزم حصوله من البيع
31 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أنه سمعه يقول قال النبي إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر )
مطابقته للترجمة في قوله ولا يثرب وسعيد المقبري يروي عن أبيه كيسان مولى بني ليث عن أبي هريرة والحديث مضى في البيوع عن عبد العزيز بن عبد الله وأخرجه مسلم في الحدود والنسائي في الرجم جميعا عن عيسى بن حماد وقال المزي رواه غير واحد عن سعيد عن أبي هريرة قوله فتبين أي تحقق زناها وثبت وفيه إقامة السيد الحد على عبده وأمته وهي مسألة خلافية فقال الشافعي وأحمد واسحق وأبو ثور يعم الحدود كلها وهو قول جماعة من الصحابة أقاموا الحدود على عبيدهم منهم ابن عمر وابن مسعود وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم وقال الثوري والأوزاعي يحده المولى في الزنا وقال مالك والليث يحده في الزنا والشرب والقذف إذا شهد عنده الشهود لا بإقرار العبد إلا القطع خاصة فإنه لا يقطعه إلا الإمام وقال الكوفيون لا يقيمها إلا الإمام خاصة واحتجوا بما روي عن الحسن وعبد الله بن محيريز وعمر بن عبد العزيز أنهم قالوا الجمعة والحدود والزكاة والنفي إلى السلطان خاصة وفيه دليل على التغابن في البيع وأن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ماله القدر الكبير بالتافه اليسير وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك قال النبي دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض
( تابعه إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي )
أي تابع الليث إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وهذه المتابعة في المتن لا في السند لأنه نقص منه قوله عن أبيه ووصلها النسائي من طريق بشر بن المفضل عن إسماعيل بن أمية
( باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام )
أي هذا باب في بيان أحكام أهل الذمة اليهود والنصارى وسائر من تؤخذ منه الجزية قوله وإحصانهم أي وفي بيان إحصانهم هل الإسلام شرط فيه أم لا كما سيأتي بيان الخلاف فيه قوله إذا زنوا ظرف لقوله أحكام أهل الذمة قوله ورفعوا على صيغة المجهول إلى الإماء سواء جاؤا إلى

(24/17)


الإمام بأنفسهم أو جاء بهم غيرهم للدعوى عليهم وهنا فصلان ( الأول ) اختلف العلماء في إحصان أهل الذمة ( فقالت ) طائفة في الزوجين الكتابيين يزنيان ويرفعان إلينا عليهما الرجم وهما محصنان وهذا قول الزهري والشافعي وقال الطحاوي وروى عن أبي يوسف أن أهل الكتاب يحصن بعضهم بعضا ويحصن المسلم النصرانية ولا تحصنه النصرانية وقال النخعي لا يكونان محصنين حتى يجامعا بعد الإسلام وهو قول مالك والكوفيين وقالوا الإسلام من شرط الإحصان الفصل الثاني أيضا اختلفوا في وجوب الحكم بين أهل الذمة فروى التخيير فيه عن ابن عباس وعطاء والشعبي والنخعي وبه قال مالك وأحمد والشافعي وقال آخرون أنه واجب وروي ذلك عن مجاهد وعكرمة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو الأظهر من قولي الشافعي
32 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا الشيباني قال سألت عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم فقال رجم النبي فقلت أقبل النور أم بعده قال لا أدري )
قال الكرماني مطابقته للترجمة إطلاق قوله رجم وقيل جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وهو ما أخرجه أحمد والطبراني والإسماعيلي من طريق هشيم عن الشيباني قال قلت هل رجم النبي فقال نعم رجم يهوديا ويهودية وعبد الواحد هو ابن زياد والشيباني بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة اسمه سليمان بن أبي سليمان فيروز أبو إسحاق الكوفي وعبد الله بن أبي أوفى اسمه علقمة بن خالد الأسلمي والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن أبي كامل عن ابن أبي شيبة قوله أقبل النور الهمزة فيه للاستفهام على سبيل استخبار وأراد بالنور سورة النور قوله أم بعده أي أم رجم بعد نزول سورة النور وقوله أم بعده بالضمير رواية الكشميهني وفي رواية غيره أم بعد بضم الدال قوله لا أدري يدل على تحريه وتثبته فيمدح به ولا عيب فيه
( تابعه علي بن مسهر وخالد بن عبد الله والمحاربي وعبيدة بن حميد عن الشيباني )
أي تابع عبد الواحد علي بن مسهر بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وبالراء أبو الحسن القرشي الكوفي وتابعه أيضا خالد بن عبد الله الطحان وتابعه أيضا المحاربي بصيغة اسم الفاعل من المحاربة واسمه عبد الرحمن بن محمد الكوفي وتابعه أيضا عبيدة بفتح العين وكسر الباء الموحدة ابن حميد بضم الحاء الصبي الكوفي وكل هؤلاء تابعوه في روايتهم عن الشيباني المذكور في روايته عن عبد الله بن أبي أوفى أما متابعة علي بن مسهر فرواها ابن أبي شيبة عنه عن الشيباني قال قلت لعبد الله بن أبي أوفى فذكر مثله بلفظ قلت بعد سورة النور وأما متابعة خالد بن عبد الله فرواها البخاري عن إسحاق عن خالد عن الشيباني سألت عبد الله بن أبي أوفى وقد مضى هذا في باب رجم المحصن وأما متابعة المحاربي فلم أقف عليها وأما متابعة عبيدة فرواها الإسماعيلي من رواية أبي ثور وأحمد بن منيع قالا حدثنا عبيدة بن حميد وجرير عن الشيبان ولفظه قبل النور أو بعدها
( وقال بعضهم المائدة والأول أصح )
أي قال بعض هؤلاء التابعين المذكورين قيل أنه عبيدة لأن لفظه في مسند أحمد بن منيع فقلت بعد سورة المائدة أو قبلها قوله المائدة أي ذكر سورة المائدة بدل سورة النور ولعل من ذكر سورة المائدة توهم من ذكر اليهودي واليهودية أن المراد سورة المائدة لأن فيها الآية التي نزلت بسبب سؤال اليهود عن حكم اللذين زنيا منهم وهي قوله تعالى وكيف يحكمونك وعندهم التوراة قوله والأول أصح أي من ذكر النور
33 - ( حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

(24/18)


أنه قال إن اليهود جاؤا إلى رسول الله فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم قالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله فرجما فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى عن قريب في باب الرجم في البلاط من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ومضى أيضا في علامات النبوة عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عنه ومضى الكلام فيه قوله نفضحهم بفتح النون والضاد المعجمة من الفضيحة ومعناه نكشف مساويهم يقال فضحه فافتضح قوله ويجلدون على صيغة المجهول قوله فأتوا بصيغة الماضي قوله يحني بالحاء المهملة والنون المكسورة من حنا إذا عطف أو من جنا بالجيم والهمزة إذا أكب عليه قوله يقيها من الوقاية وهي الحفظ وقد مر الكلام مستوفى في لفظ يحني وقد ذكروا في ضبطه عشرة أوجه وفيه من الفوائد وجوب الحد على الكافر الذمي إذا زنى وهو قول الجمهور وقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وأن أنكحة الكفار صحيحة وأن اليهود كانوا ينسبون إلى التوراة ما ليس فيها وإن شرع من قبلنا يلزمنا ما لم يقص الله بالإنكار واحتج به الشافعي وأحمد وأن الإسلام ليس بشرط الإحصان وقالت المالكية وأكثر الحنفية أنه شرط وأجابوا عن حديث الباب بأنه إنما رجمهما بحكم التوراة وليس هو من حكم الإسلام في شيء
( باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم والناس هل على الحاكم أن يبعث إليها فيسألها عما رميت به )
أي هذا باب فيه إذا رمى إلى آخره يعني إذا قال امرأتي زنت أو قال امرأة فلان زنت قوله هل على الحاكم أن يبعث إليها أي إلى المرأة المرمية بالزنا فيسألها عما رميت به وهو على صيغة المجهول وجواب هل محذوف تقديره نعم يجب عليه ذلك ولم يذكره اكتفاء بما في الحديث وقد قام الإجماع على أن هذا القاذف إذا لم يأت ببينة لزمه الحد إلا أن تقر المقذوفة به
34 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله فقال أحدهما اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر وهو أفقههما أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم قال تكلم قال إن ابني كان عسيفا على هذا قال مالك والعسيف الأجير فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله أما والذي نفسي بيده لأقضين

(24/19)


بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مر غير مرة فآخره قد مر عن قريب في باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد وقد مر الكلام فيه قوله وأذن لي قال الكرماني هو من كلام الأعرابي لا من كلام الأفقه قد مر في الصلح صريحا وقال النووي وفي استئذانه دليل على أفقهيته
( باب من أدب أهله أو غيره دون السلطان )
أي هذا باب في بيان من أدب أهله من زوجته وأرقائه قوله أو غيره أي وأدب غير أهله قوله دون السلطان يعني من غير أن يستأذنه في ذلك وقال الكرماني دون السلطان يحتمل أن يكون بمعنى عنده وغيره وقال بعضهم هذه الترجمة معقودة لبيان الخلاف هل يحتاج من وجب عليه الحد من الأرقاء إلى أن يستأذن سيده الإمام في إقامة الحد عليه أو له أن يقيم عليه ذلك بغير مشورة انتهى قلت لم يبين الخلاف في هذه الترجمة أصلا ( وأما كيفية ) الخلاف فقد قال مالك يحد المولى عبده وأمته في الزنا وشرب الخمر والقذف إذا شهد عنده الشهود لا بإقراره ولا يقطعه في السرقة وإنما يقطعه الإمام وبه قال الليث وروى عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم منهم ابن عمر بن مسعود وأنس ابن مالك وقال ابن أبي ليلى أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يقيم الحدود على العبيد والإماء إلا السلطان دون المولى في الزنا وسائر الحدود ( وبه ) قال الحسن بن حيي وقال الثوري والأوزاعي بحده في الزنا وقال الشافعي يحده في كل حد ويقطعه
( وقال أبو سعيد عن النبي إذا صلى فأراد أحد أن يمر بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله وفعله أبو سعيد )
ذكر هذا التعليق عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك لدلالته على تأديب الرجل غير أهله إذا كان في واجب فإن النبي أذن لمن صلى وأراد أحد أن يمر بين يديه بأن يدفعه وهو تأديب له وقد مر هذا التعليق موصولا في كتاب الصلاة في باب يرد المصلي من مر بين يديه قوله وفعله أبو سعيد أي فعل أبو سعيد ما أمر النبي في دفع المار بين يدي المصلي وقد مر هذا أيضا في الباب المذكور
35 - ( حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت جاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله واضع رأسه على فخذي فقال حبست رسول الله والناس وليسوا على ماء فعاتبني وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله فأنزل الله آية التيمم )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن أبا بكر أدب ابنته عائشة بحضرة النبي من غير أن يستأذنه وإسماعيل هو ابن أبي أويس واسمه عبد الله بن أخت مالك وعبد الرحمن بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة والحديث مضى مطولا في الطهارة وفي النكاح عن عبد الله بن يوسف وفي فضل أبي بكر عن قتيبة وفي التفسير عن إسماعيل المذكور وأخرجه مسلم في الطهارة عن يحيى بن يحيى عن مالك وأخرجه النسائي فيه وفي التفسير عن قتيبة عن مالك ومضى الكلام فيه في الطهارة قوله ورسول الله واضع جملة حالية قوله حبست قول أبي بكر لعائشة لأنها كانت سبب توقف رسول الله إذا فقدت قلادتها فتوقفوا لطلب الماء قوله والناس بالنصب عطف على ما قبله والواو في وليسوا للحال قوله يطعن بضم

(24/20)


العين وقيل بفتحها وقال ابن فارس طعن بالرمح يطعن بالضم وطعن يطعن بالفتح في القول قوله إلا مكان رسول الله بفتح الميم وقال الكرماني هو كقولهم جنات فلان أو مجلسه أو إلا مكانه على فخذي أو عندي أو إلا كونه عندي
36 - ( حدثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب أخبرني عمر وأن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه عن عائشة قالت أقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال حبست الناس في قلادة فبي الموت لمكان رسول الله وقد أوجعني نحوه )
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن يحيى بن سليمان أبو سعيد الكوفي نزيل مصر عن عبد الله بن وهب المصري عن عمرو بن الحرث المصري قوله فلكزني بالزاي أي وكزني وقال أبو عبيد اللكز الضرب بالجمع على العضد وقال أبو زيد في جميع الجسد والجمع بضم الجيم وسكون الميم وهو الضرب بجميع أصابعه المضمومة يقال ضربه بجمع كفه قوله فبي الموت أي فالموت ملتبس بي لمكان رسول الله مني فخفت أن أكون سبب تنبهه من النوم قوله وقد أوجعني أي لكزه إياي قوله نحوه أي نحو الحديث المذكور
( قال أبو عبد الله لكز ووكز واحد )
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأراد أن هذين اللفظين بمعنى واحد وهو من كلام أبي عبيدة ولم يثبت هذا أعني قوله قال أبو عبد الله إلا في رواية المستملي -
( باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله )
أي هذا باب فيمن رأى إلى آخره كذا أطلق ولم يبين الحكم وقد اختلف فيه فقال الجمهور عليه القود وقال أحمد وإسحاق إن أقام بينة أنه وجده مع امرأته هدر دمه وقال الشافعي يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبا وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل ولكن لا يسقط عنه القود في ظاهر الحكم وقال ابن حبيب إن كان المقتول محصنا فالذي ينجي قاتله من القتل أن يقيم أربعة شهداء تشهد أنه فعل بامرأته وإن كان غير محصن فعلى قاتله القود وإن أتى بأربعة شهداء وذكر ابن مزين عن ابن القاسم أن ذلك في البكر والثيب سواء يترك قاتله إذا قامت له البينة بالرؤية وقال إصبغ عن ابن القاسم وأشهب استحب الدية في البكر في مال القاتل وقال المغيرة لا قود فيه ولا دية وقد أهدر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دما من هذا الوجه وقال ابن المنذر الأخبار عن عمر في هذا مختلفة وعامتها منقطعة فإن ثبت عن عمر أنه أهدر الدم فيها فإنما ذلك لشيء ثبت عنده يسقط القود
6846 - ح ( دثنا موسى ) حدثنا ( أبو عوانة ) حدثنا ( عبد الملك ) عن ( وراد ) ( كاتب المغيرة ) عن ( المغيرة ) قال قال ( سعد بن عبادة ) لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذالك النبي فقال أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني
مطابقته للترجمة من حيث إن الذي يفهم من كلام سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه أن هذا الأمر لو وقع له لقتل الرجل ولهذا لما بلغ النبي لم ينهه عن ذلك حتى قال الداودي قوله صلى الله تعالى عليه وسلم أتعجبون من غيرة سعد يدل على أنه حمد ذلك وأجازه له فيما بينه وبين الله والغيرة من أحمد الأشياء ومن لم تكن فيه فليس على خلق محمود وبالغ أصحابنا في هذا حيث قالوا رجل وجد مع امرأته أو جاريته رجلا يريد أن يغلبها ويزني بها له أن يقتله فإن رآه مع امرأته أو مع محرم له

(24/21)


وهي مطاوعة له على ذلك قتل الرجل والمرأة جميعا ومنهم من منع ذلك مطلقا فقال المهلب الحديث دال على وجوب القود فيمن قتل رجلا وجده مع امرأته لأن الله عز و جل وإن كان أغير من عباده فإن أوجب الشهود في الحدود فلا يجوز لأحد أن يتعد حدود الله ولا يسقط دما بدعوى وروى عبد الرزاق عن الثوري عن المغيرة بن النعمان عن هانىء بن حرام أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما قال فكتب عمر رضي الله تعالى عنه كتابا في العلانية أن يقتلوه وفي السر أن يعطوه الدية
وموسى شيخ البخاري هو ابن إسماعيل وأبو عوانة بفتح العين المهملة هو الوضاح اليشكري وعبد الملك هو ابن عمير ووراد بفتح الوو وتشديد الراء كاتب المغيرة بن شعبة الثقفي يروي عن المغيرة بن شعبة
والحديث مضى في أواخر النكاح في باب الغيرة ومضى الكلام فيه
قوله غير مصفح بضم الميم وفتح الصاد المهملة وفتح الفاء وكسرها أي ضربته بحد السيف للإهلاك لا بصفحه وهو عرضه للإرهاب قوله من غيرة سعد بفتح الغين المعجمة المنع أي منع من التعلق بأجنبي بنظر وغيره وغيرة الله تعالى منعه عن المعاصي
42 -
( باب ما جاء في التعريض )
أي هذا باب في بيان ما جاء في التعريض وهو نوع من الكتابة ضد التصريح وقال الراغب هو كلام له ظاهر وباطن فقصد قائله الباطن ويظهر إرادة الظاهر
6847 - ح ( دثنا إسماعيل ) حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله ( جاءه أعرابي ) فقال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال هل لك من إبل قال نعم قال ما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال نعم قال فأنى كان ذلك قال أراه عرق نزعه قال فلعل ابنك هاذا نزعه عرق 0انظر الحديث 5305 وطرفهف
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله غلاما أسود ومعناه أنا أبيض وهو أسود فهو ليس مني وأمه زانية
وإسماعيل هو ابن أبي أويس والحديث مضى في الطلاق عن يحيى بن قزعة ومضى الكلام فيه
قوله هل لك من إبل إنما سأله عن ألوان الإبل لأن الحيوانات تجري طباع بعضها على مشاكلة بعض في اللون والخلقة ثم قد يندر منها الشيء لعارض فكذلك الآدمي يختلف بحسب نوادر الطباع ونوادر العروق قوله هل فيها من أورق الأورق من الإبل ما في لونه ب ( يا ) ض إلى سواد كالرماد وقال ابن التين الأورق الأسمر ومنه بعير أورق إذا كان لونه لون الرماد قوله فأنى بفتح الهمزة وفتح النون المشددة أي من أين كان ذلك قوله أراه بضم الهمزة أي أظنه عرق نزعة قال ابن التين لعله وقع بالنسبة إلى أحد آبائه
وقال الخطابي فيه أن التعريض بالقذف يوجب الحد قلت اختلف العلماء في هذا الباب فقال قوم لا حد في التعريض وإنما يجب بالتصريح البين وروي هذا عن ابن مسعود وبه قال القاسم بن محمد والشعبي وطاوس وحماد وابن المسيب في رواية والحسن البصري والحسن بن حيي وإليه ذهب الثوري وأبو حنيفة والشافعي إلا أنهما يوجبان عليه الأدب والزجر واحتجوا بحديث الباب وعليه يدل تبويب البخاري وقال آخرون التعريض كالتصريح وروي ذلك عن عمر وعثمان وعروة والزهري وربيعة وبه قال مالك والأوزاعي وقال ابن عبد البر روي عن وجوه أن عمر رضي الله تعالى عنه حد في التعريض بالفاحشة وعن ابن جريج الذي حده عمر رضي الله تعالى عنه في التعريض عكرمة بن عامر بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار هجا وهب بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد فعرض له في هجائه وسمعت ابن أبي مليكة يقول ذلك وروي نحو هذا عن ابن المسيب وفيه إثبات الشبهة وإثبات القياس به وفيه الزجر عن تحقيق ظن السوء وتقدم حكم الفراش على اعتبار المشابهة
43 -
( باب كم التعزير والأدب )

(24/22)


أي هذا باب فيه كم التعزير وأشار بلفظ كم إلى الخلاف في عدد التعزير على ما يجيء عن قريب والتعزير مصدر من عزر بالتشديد مأخوذ من العزر وهو الرد والمنع واستعمل في الدفع عن الشخص لدفع أعدائه عنه ومنعهم عن إضراره ومنه عزره القاضي إذا أدبه لئلا يعود إلى القبيح ويكون بالقول والفعل بحسب ما يليق بالمعزر قوله والأدب بمعنى التأديب وهو أعم من التعزير ومنه تأديب الوالد وتأديب المعلم وقال الأزهري وأبو زيد الأدب اسم يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل
واختلف العلماء في مبلغ التعزير على أقوال أحدها لا يزاد على عشر جلدات إلا في حد وهو قول أحمد وإسحاق والثاني روي عن الليث أنه قال يحتمل أن لا يتجاوز بالتعزير عشرة أسواط ويحتمل ما سوى ذلك والثالث أن لا يبلغ فوق عشرين سوطا والرابع أن لا يبلغ أكثر من ثلاثين جلدة وهما مرويان عن عمر رضي الله تعالى عنه والخامس قال الشافعي في قوله الآخر لا يبلغ عشرين سوطا والسادس قال أبو حنيفة ومحمد لا يبلغ به أربعين سوطا بل ينقص منه سوطا وبه قال الشافعي في قول والسابع قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف أكثره خمسة وسبعون سوطا والثامن قال مالك التعزير ربما كان أكثر من الحد إذا أدى الإمام اجتهاده إلى ذلك وروي مثله عن أبي يوسف وأبي ثور والتاسع قال الليث لا يتجاوز تسعة وأقل وبه قال أهل الظاهر نقله ابن حزم والعاشر قال الطحاوي ولا يجوز اعتبار التعزير بالحدود لأنهم لم يختلفوا في أن التعزير موكول إلى اجتهاد الإمام فيخفف تارة ويشدد أخرى
6848 - ح ( دثنا عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) حدثني ( يزيد بن أبي حبيب ) عن ( بكير بن عبد الله ) عن ( سليمان بن يسار ) عن ( عبد الرحمان بن جابر بن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) رضي الله عنه قال كان النبي يقول لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله
مطابقته للترجمة من حيث إنه بين قوله في الترجمة كم التعزير وفيه بحث يأتي عن قريب
ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب بفتح الحاء المهملة أبو رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد وبكير بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن الأشج وسليمان بن أبي يسار ضد اليمين وعبد الرحمان بن جابر بن عبد الله الأنصاري وفي رواية الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني عبد الرحمان عن جابر ثم خط على قوله عن جابر فصار عن عبد الرحمان عن أبي بردة بضم الباء الموحدة اسمه هانىء بكسر النون ابن نيار بكسر النون وتخفيف الياء آخر الحروف الأوسي الحارثي الأنصاري المدني خال البراء بن عازب شهد بدرا وسمع النبي وروى عنه جابر بن عبد الله عند الشيخين وعبد الرحمان بن جابر عند البخاري هاهنا
وأخرجه مسلم في الحدود عن أحمد بن عيسى وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة عن الليث به وعن أحمد بن صالح عن ابن وهب به وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن محمد بن أبي عبد الرحمان المنقري عن أبيه عن سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير عن سليمان عن عبد الرحمان بن فلان عن أبي بردة به وعن محمد بن وهب الحراني عن محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير عن سليمان عن عبد الرحمان بن جابر عن أبيه عن أبي بردة وفي المحاربة عن محمد بن عبد الله بن بزيغ عن فضيل بن سليمان نحوه وابن ماجه في الحدود عن محمد بن رمح التجيبي عن الليث به وفي حديث أبي لهيعة حدثني بكير عن سليمان عن عبد الرحمان بن جابر حدثني أبو بردة به وقال الدارقطني قال مسلم عن عبد الرحمان بن جابر عن رجل من الأنصار عن رسول الله وقال حفص بن ميسرة عن عبد الرحمان بن جابر عن أبيه قال والقول قول الليث ومن تابعه وفي موضع آخر حديث عمرو بن الحارث عن بكير عن سليمان عن عبد الرحمان بن جابر عن أبيه عن أبي بردة صحيح وقال البيهقي هذا حديث ثابت وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن بكير فذكره قال وقد أقام إسناده عمرو بن الحارث فلا يضره تقصير من قصره فإن قلت قال ابن المنذر في إسناده مقال ونقل ابن بطال عن الأصيلي أنه اضطرب حديث عبد الله بن جابر

(24/23)


فوجب تركه لاضطرابه ولوجود عمل الصحابة والتابعين بخلافه قلت رد عليه بأن عبد الرحمان ثقة صرح بسماعه وإبهام الصحابي لا يضر وقد اتفق الشيخان على تصحيحه وهم العمدة في الصحيح ولا يضر هذا الاختلاف عندهما في صحة الحديث لأنه كيف ما دار يدور على ثقة وحاصل الاختلاف هل هو صحابي مبهم أو مسمى فالراجح الثاني وإبهام الصحابي أيضا لا يضر فالراجح أنه أبو بردة بن نيار وهل بين عبد الرحمان وأبي بردة واسطة وهو أبوه جابر أو لا فالراجح هو الثاني أيضا
قوله إلا في حد من حدود الله ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب المخصوص أو عقوبة وقيل المراد بالحد حق الله وقيل المراد بالحد هاهنا الحقوق التي هي أوامر الله تعالى ونواهيه وهي المراد بقوله وفي آية أخرى وقال وقال ومعنى الحديث لا يزاد على العشر في التأديبات التي لا تتعلق بمعصية كتأديب الأب ولده الصغير وقيل يحتمل أن يفرق بين مراتب المعاصي فما ورد فيه تقدير لا يزاد عليه وما لم يرد فيه التقدير فإن كان كبيرة جازت الزيادة فيه وكان مالك يرى العقوبة بقدر الذنب ويرى ذلك موكولا إلى اجتهاد الأئمة وإن جاوز ذلك الحد وقال الداودي لم يبلغ مالكا هذا الحديث يعني حديث الباب وقال ابن القصار لما كان طريق التعزير إلى اجتهاد الإمام على حسب ما يغلب على ظنه أنه يردع به وكان في الناس من يردعه الكلام وفيهم من لا يردعه مائة سوط وهي عنده كضرب المزوجة فلم يكن للتحديد فيه معنى وكان مفوضا إلى ما يؤديه اجتهاده بأن يردع مثله وقال المهلب ألا يرى أن سيدنا رسول الله زاد المواصلين في النكال فكذلك يجوز للإمام أن يزيد فيه على حسب اجتهاده فيجب أن يضرب كل واحد على قدر عصيانه للسنة ومعاندته أكثر مما يضرب الجاهل ولو كان في شيء من ذلك حد لم يجز خلافه وقال ابن حزم الحد في سبعة أشياء الردة والحرابة قبل أن يقدر عليه والزنى والقذف بالزنا وشرب المسكر أسكر أم لم يسكر والسرقة وجحد العارية وأما سائر المعاصي فإنما فيها التعزير فقط وهو الأدب ومن الأشياء التي رأى فيها قوم من المتقدمين حدا واجبا السكر والقذف بالخمر والتعريض وشرب الدم وأكل الخنزير والميتة وفعل قوم لوط وإتيان البهيمة وسحق النساء وترك الصلاة غير جاحد لها والفطر في رمضان والسحر
6849 - ح ( دثنا عمرو بن علي ) حدثنا ( فضيل بن سليمان ) حدثنا ( مسلم بن أبي مريم ) حدثني ( عبد الرحمان بن جابر عمن ) سمع النبي قال لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله
انظر الحديث 6848 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا عن فضيل تصغير فضل بالضاد المعجمة ابن سليمان النميري البصري عن مسلم بن أبي مريم السلمي المديني عن عبد الرحمان بن جابر بن عبد الله عمن سمع النبي
قوله عمن سمع النبي مبهم ولكن لا يضر إبهام الصحابي كما ذكرناه عن قريب وقد سماه أبو حفص بن ميسرة فقال عن مسلم بن أبي مريم عن عبد الرحمان بن جابر عن أبيه أخرجه الإسماعيلي وقال رواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن مسلم بن أبي مريم عن عبد الرحمان بن جابر عن رجل من الأنصار وقوله عن رجل من الأنصار يحتمل أن يكون أبا بردة ويحتمل أن يكون جابر بن عبد الله لأن كلا من أبي بردة وجابر بن عبد الله أنصاري
6850 - حدثنا ( يحيى بن سليمان ) حدثني ( ابن وهب ) أخبرني ( عمرو ) أن ( بكيرا ) حدثه قال ( بينما ) أنا ( جالس عند سليمان بن يسار ) ( إذ جاء عبد الرحمان بن جابر ) ( فحدث سليمان بن يسار ) ( ثم أقبل علينا سليمان بن يسار ) فقال حدثني ( عبد الرحمان بن جابر ) أن أباه حدثه أنه سمع ( أبا بردة الأنصاري )

(24/24)


قال سمعت النبي يقول لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله
انظر الحديث 6848 وطرفه
هذا طريق ثالث في الحديث المذكور أخرجه عن يحيى بن سليمان الكوفي نزل مصر عن عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث بن بكير بن عبد الله بن الأشج إلى آخره ومعنى هذا الحديث في الطريق الثلاثة واحد غير أن ألفاظه مختلفة ففي الأول عشر جلدات وفي الثاني عشر ضربات وفي الثالث عشرة أسواط
6851 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) حدثنا ( أبو سلمة ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله عنه قال نهاى رسول الله عن الوصال فقال له رجال من المسلمين فإنك يا رسول الله تواصل فقال رسول الله أيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقين فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم كالمنكل بهم حين أبوا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله كالمنكل بهم أي كالمحذر المريد لعقوبتهم ويستفاد منه جواز التعزير بالتجويع ونحوه من الأمور المعنوية
ورجاله قد ذكروا غير مرة قريبا وبعيدا وعقيل بضم العين ابن خالد وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف والحديث بهذا الوجه من أفراده
قوله عن الوصال أي بين الصومين قوله فقال له رجال ويروى رجل بالإفراد قوله إني أبيت قد مر في كتاب الصوم أظل ويراد منهما الوقت المطلق لا المقيد بالليل والنهار قوله يطعمني إطعام الله تعالى له وسقيه محمول على الحقيقة بأن يرزقه الله تعالى طعاما وشرابا من الجنة ليالي صيامه كرامة له وقيل هو مجاز عن لازمها وهو القوة وقيل المجاز هو الوجه لأنه لو أكل حقيقة بالنهار لم يكن صائما وبالليل لم يكن مواصلا قوله فلما أبوا أي فلما امتنعوا قوله أن ينتهوا كلمة أن مصدرية أي الانتهاء وإنما لم ينتهوا لأنهم فهموا منه أنه للتنزيه والإرشاد إلى الأصلح وإنما رضي لهم النبي بالوصال لاحتمال المصلحة تأكيدا لزجرهم وبيانا للمفسدة المترتبة على الوصال قوله لو تأخر أي الهلال لزدت الوصال عليكم إلى تمام الشهر حتى يظهر عجزكم قوله كالمنكل أي قال ذلك كالمنكل من النكال وهو العقوبة
تابعه شعيب ويحياى بن سعيد ويونس عن الزهري
أي تابع عقيلا شعيب بن أبي حمزة ويحيى بن سعيد الأنصاري ويونس بن يزيد في روايتهم عن محمد بن مسلم الزهري أما متابعة شعيب فرواها البخاري في كتاب الصيام في باب التنكيل لمن أكثر الوصال حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة قال نهى النبي عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل الخ وأما متابعة يحيى بن سعيد فوصلها الذهلي في الزهريات وأما متابعة يونس فوصلها مسلم من طريق ابن وهب عنه حدثني أبو الطاهر قال سمعت عبد الله بن وهب يحدث عن يونس عن ابن شهاب وحدثني حرملة بن يحيى قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمان الحديث مطولا
وقال عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي أي قال عبد الرحمان بن خالد بن مسافر الفهمي المصري أمير مصر لهشام بن عبد الملك بن مروان يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي وذكر الإسماعيلي أن أبا صالح رواه عن الليث عن عبد الرحمان بن خالد فجمع فيه بين سعيد وأبي سلمة

(24/25)


6852 - ح ( دثني عياش بن الوليد ) حدثنا ( عبد الأعلى ) حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( سالم ) عن ( عبد الله بن عمر ) أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم
مطابقته للترجمة في قوله إنهم كانوا يضربون الخ وذلك لمخالفتهم الأمر الشرعي
وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن الوليد أبو الوليد الرقام البصري ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وسالم هو ابن عبد الله بن عمر وقال الجياني كذا رواه مسندا متصلا عن ابن السكن وأبي زيد وغيرهما وفي نسخة أبي أحمد مرسلا لم يذكر فيه ابن عمر أرسله عن سالم والصواب ما تقدم وقد وقع في رواية مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى بهذا الإسناد عن سالم عن ابن عمر به وقد تقدم في البيوع من طريق يونس عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله أن ابن عمر قال فذكر نحوه
قوله يضربون على صيغة المجهول قوله على عهد رسول الله أي على زمانه قوله جزافا بالجيم بالحركات الثلاث وهو فارسي معرب وأصله كزافا بالكاف موضع الجيم وهو البيع بلا كيل ونحوه قوله أن يبيعوه أي لأن يبيعوه فكلمة أن مصدرية أي يضربون لبيعهم في مكانهم قوله حتى يؤوه كلمة حتى للغاية وأن مقدرة بعدها والمعنى إيواؤهم إياها إلى رحالهم أي إلى منازلهم والمقصود النهي عن بيع المبيع حتى يقبضه المشتري
6853 - ح ( دثنا عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) أخبرني ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت ما انتقم رسول الله لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى ينتهك من حرمات الله فينتقم لله
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي كان ينتقم لله إذا انتهك حرمة حد من حدود الله إما بالضرب وإما بالحبس وإما بشيء آخر يكرهه وهذا داخل في باب التعزير والتأديب
وعبدان هو لقب عبد الله بن عثمان يروي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن حرملة عن ابن وهب عن يونس
قوله ما انتقم من الانتقام وهو المبالغة في العقوبة وقال ابن الأثير معنى الحديث ما عاقب رسول الله أحدا على مكروه أتاه من قبله يقال نقم ينقم ونقم ينقم فالأول من باب علم والثاني من باب ضرب قوله حتى ينتهك أي حتى يبالغ في خرق محارم الشرع وإتيانها والانتهاك ارتكاب المعصية وفيه حذف تقديره حتى ينتهك شيء من حرمات الله جمع حرمة كظلمة تجمع على ظلمات والحرمة ما لا يحل انتهاكه قوله فينتقم بالنصب عطف على قوله حتى ينتهك لأن أن مقدرة بعد حتى فافهم
44 -
( باب من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بينة )
أي هذا باب في بيان حكم من أظهر الفاحشة وهي أن يتعاطى ما يدل عليها عادة من غير أن يثبت ذلك ببينة أو بإقرار قوله واللطخ بفتح اللام وسكون الطاء المهملة وبالخاء المعجمة وهو الرمي بالشر يقال لطخ فلان بكذا أي رمي بشر ولطخه بكذا بالتخفيف والتشديد لوثه به قوله والتهمة بضم التاء المثناة من فوق وسكون الهاء وقال الكرماني المشهور سكون الهاء لكن قالوا الصواب فتحها وقال ابن الأثير التهمة فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو يقال اتهمته إذا ظننت فيه ما نسب إليه وقال الجوهري اتهمت فلانا بكذا والاسم التهمة بالتحريك وأصل التاء فيه واو
6854 - ح ( دثنا علي ) حدثنا ( سفيان ) قال ( الزهري ) عن ( سهل بن سعد ) قال شهدت المتلاعنين

(24/26)


وأنا ابن خمس عشرة فرق بينهما فقال زوجها كذبت عليها إن أمسكتها قال فحفظت ذاك من الزهري إن جاءت به كذا وكذا فهو وإن جاءت به كذا وكذا كأنه وحرة فهو وسمعت الزهري يقول جاءت به للذي يكره
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إن فيه إظهار الفاحشة واللطخ
وعلي شيخ البخاري وهو ابن عبد الله بن المديني وفي بعض النسخ أبوه عبد الله مذكور معه وسفيان هو ابن عيينة
والحديث مضى في الطلاق عن إسماعيل بن عبد الله بن يوسف وعن أبي الربيع الزاهراني وسيجيء في الاعتصام وفي الأحكام ومضى الكلام فيه في الطلاق
قوله وأنا ابن خمس عشرة الواو فيه للحال ويروى ابن خمس عشرة سنة بإظهار المميز قوله فحفظت ذاك أي المذكور بعده وهو إن جاءت به أسود أعين ذا إليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها قوله إن جاءت به أي بالولد كذا وكذا فهو وقع بالكناية وهو قوله فهو وبالاكتفاء في الموضعين وبيانه ما ذكرناه الآن قوله وحرة بفتح الواو والحاء المهملة والراء وهي دويبة كسام أبرص وقيل دويبة حمراء تلصق بالأرض وقال القزاز هي كالوزغة تقع في الطعام فتفسده فيقال وحر قوله وسمعت الزهري القائل بهذا هو سفيان قوله جاءت به أي جاءت المرأة بالولد للذي يكره
6855 - ح ( دثنا علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( القاسم بن محمد ) قال ذكر ابن عباس المتلاعنين فقال عبد الله بن شداد هي التي قال رسول الله لو كنت راجما امرأة عن غير بينة قال لا تلك امرأة أعلنت
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله عن غير بينة وأبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الله بن ذكوان والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعبد الله بن شداد بن الهاد الليثي والحديث مضى في اللعان
قوله عن غير بينة كذا في رواية الكشميهني بلفظة عن وفي رواية غيره من غير بينة بلفظة من بالميم قوله قال لا أي قال ابن عباس لا تلك امرأة أعلنت أي السوء والفجور
6856 - ح ( دثنا عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) حدثني ( يحياى بن سعيد ) عن ( عبد الرحمان بن القاسم ) عن ( القاسم بن محمد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال ذكر ( التلاعن عند ) النبي فقال عاصم بن عدي في ذالك قولا ثم انصرف فأتاه رجل من قومه يشكو أنه وجد مع أهله رجلا فقال عاصم ما ابتليت بهاذا إلا لقولي فذهب به إلى النبي فأخبره بالذي وجد عليه امرأته وكان ذالك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر وكان الذي ادعاى عليه أنه وجده عند أهله آدم خدلا كثير اللحم فقال النبي اللهم بين فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن النبي بينهما فقال رجل لابن عباس في المجلس هي التي قال النبي لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هاذه فقال لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء 0

(24/27)


هذا طريق آخر مطول في حديث ابن عباس وهو أيضا مضى في اللعان
قوله ذكر التلاعن بضم الذال على صيغة المجهول والتلاعن مرفوع قوله عاصم بن عدي بفتح العين المهملة وكسر الدال ابن الجد بن عجلان العجلاني ثم البلوي شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها وقيل لم يشهد بدرا مات سنة خمس وأربعين وقد بلغ قريبا من عشرين ومائة سنة قوله فأتاه رجل أي فأتى عاصم بن عدي رجل وهو عويمر مصغر عامر قوله من قومه أي من قوم عاصم بن عدي يعني هو الآخر عجلاني قوله مع أهله أي مع امرأته قوله ما ابتليت على صيغة المجهول من الابتلاء قوله فذهب به أي فذهب عاصم بالرجل المذكور إلى النبي قوله مصفرا أي مصفر اللون قوله سبط الشعر بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكونها وهو نقيض الجعد قوله آدم من الأدمة وهي السمرة الشديدة وقيل من أدمة الأرض وهي لونها ومنه سمى آدم عليه السلام قوله خدلا بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وهو الممتلىء الساق غليظا وقال ابن فارس يقال امرأة خدلة أي ممتلئة الأعضاء دقيقة العظام وقال الجوهري الخدلاء البينة الخدل وهي الممتلئة الساقين والذراعين وقال الهروي الخدل الممتلىء الساق وذكر الحديث ورويناه خدلا بفتح الدال وتشديد اللام وقال الكرماني ويروى بكسر الخاء والتخفيف قوله فقال رجل لابن عباس الرجل هو عبد الله بن شداد المذكور في الحديث السابق قوله كانت تظهر في الإسلام السوء
قال النووي أي أنه اشتهر عنها وشاع ولكن لم تقم البينة عليها بذلك ولا اعترفت فدل على أن الحد لا يجب بالاستفاضة وقال المهلب فيه أن الحد لا يجب على أحد إلا ببينة أو إقرار ولو كان متهما بالفاحشة
45 -
( باب رمي المحصنات )
أي هذا باب في بيان حكم قذف المحصنات أي العفيفات ولا يختص بالمتزوجات
إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا فى الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم
ذكر هاتين الآيتين لأن الأولى تدل على بيان حكم حد القذف والثانية تدل على أنه من الكبائر قوله الله ب ة أي العفائف الحرائر المسلمات وناب فيها ذكر رمي النساء عن ذكر رمي الرجال إذ حكم المحصنين في القذف كحكم المحصنات قياسا واستدلالا وأن من قذف حرا عفيفا مؤمنا عليه الحد ثمانون كمن قذف حرة مؤمنة واختلف في حكم قذف الأرقاء على ما سيأتي إن شاء الله تعالى واعلم أن الآية الأولى ساقها أبو ذر والنسفي كذا الآية وساقها غيرهما إلى قوله ساق الآية الثانية أبو ذر كذاالآية وساق غيره إلى
عذاب عظيم
47 - ( حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي قال اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني من أفراد البخاري وسليمان هو ابن بلال وثور بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو ابن زيد المدني وأبو الغيث اسمه سلام مولى ابن مطيع

(24/28)


والحديث مضى في الوصايا وفي الطب ومضى الكلام فيه قوله الموبقات أي المهلكات وقال المهلب سميت بذلك لأنها سبب لإهلاك مرتكبها -
46 -
( باب قذف العبيد )
أي هذا باب في بيان حكم قذف العبيد والإضافة فيه إضافة إلى المفعول وطوي ذكر الفاعل وقال بعضهم ويحتمل أن تكون الإضافة للفاعل والحكم فيه أن على العبد إذا قذف نصف ما على الحر ذكرا كان أو أنثى وهذا قول الجمهور وعن عمر بن عبد العزيز والزهري والأوزاعي وأهل الظاهر حده ثمانون انتهى قلت حديث الباب يدل على أن الإضافة للمفعول على ما لا يخفى وإن كان فيه احتمال لما قاله والمراد بقوله العبيد الأرقاء وقال بعضهم عبر بالعبيد اتباعا للفظ الحديث وحكم العبد والأمة في القذف سواء قلت لفظ الحديث مملوكه وليس فيه اتباع من حيث اللفظ وإن كان يطلق على العبد مملوك
48 - ( حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن فضيل بن غزوان عن ابن أبي نعم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت أبا القاسم يقول من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال )
مطابقته للترجمة من حيث أن لفظ المملوك يطلق على العبد ويحيى بن سعيد القطان وفضيل مصغر فضل بالضاد المعجمة ابن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي وابن أبي نعم اسمه عبد الرحمن البجلي الكوفي وأبو نعم بضم النون وسكون العين المهملة لم أقف على اسمه والحديث أخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود في الأدب عن إبراهيم بن موسى الرازي وأخرجه الترمذي في البر عن أحمد بن محمد وأخرجه النسائي في الرجم عن سويد بن نصر قوله سمعت أبا القاسم في رواية الإسماعيلي حدثنا أبو القاسم نبي التوبة قوله من قذف مملوكه وفي رواية الإسماعيلي من قذف عبده بشيء قوله وهو بريء الواو فيه للحال قوله جلد يوم القيامة فيه إشعار أنه لا حد عليه في الدنيا وقال المهلب العلماء مجمعون على أن الحر إذا قذف عبدا فلا حد عليه وحجتهم قوله جلد يوم القيامة فلو وجب عليه الحد في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة وقال الشافعي ومالك من قذف من يحسبه عبدا فإذا هو حر فعليه الحد وقال ابن المنذر واختلفوا فيما يجب على قاذف أم الولد فقال ابن عمر عليه الحد وبه قال مالك وهو قياس قول الشافعي وروي عن الحسن أنه لا حد عليه -
47 -
( باب هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد غائبا عنه )
أي هذا باب فيه هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد رجلا غائبا عنه حاصل معنى هذه الترجمة أن رجلا إذا وجب عليه الحد وهو غائب عن الإمام هل له أن يقول لرجل اذهب إلى فلان الذي هو غائب فأقم عليه الحد وجواب الاستفهام محذوف تقديره له ذلك
وقد فعله عمر
أي وقد فعل هذا الذي استفهم عنه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهذا لم يثبت إلا في رواية الكشميهني وروى هذا الأثر سعيد بن منصور بسند صحيح عن عمر أنه كتب إلى عامله إن عاد فحدوه وذكره في قصة طويلة
6860 - ح ( دثنا محمد بن يوسف ) حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) عن ( عبيد الله بن عبد الله

(24/29)


بن عتبة ) عن ( أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ) قالا جاء رجل إلى النبي فقال أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال صدق اقض بيننا بكتاب الله واذن لي يا رسول الله فقال النبي قل فقال إن ابني كان عسيفا في أهل هاذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم وإني سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هاذا الرجم فقال والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله المائة والخادم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ويا أنيس اغد على امرأة هاذا فسلها فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها
مطابقته للترجمة في قوله يا أنيس اغد على امرأة هذا إلى آخره
والحديث قد مر غير مرة وآخره مر عن قريب في باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم ومر الكلام فيه غير مرة
قوله أنشدك الله أي ما أطلب منك إلا قضاءك بحكم الله قوله واذن لي هو كلام الرجل لا كلام خصمه بدليل رواية كتاب الصلح قوله عسيفا أي أجيرا قوله يا أنيس إنما خصه لأنه أسلمي والمرأة أسلمية قوله فاعترفت فيه حذف تقديره فذهب أنيس إليها فسألها هل زنيت فاعترفت أي أقرت بالزنى فرجمها بإقرارها
( كتاب الديات )
أي هذا باب في بيان أحكام الديات وهو جمع دية أصلها ودى من وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته واتديت أي أخذت ديته فحذفت الواو منه وعوض عنها الهاء وإذا أردت الأمر منه تقول د بكسر الدال أصله أود فحذفت الواو منه تبعا لفعله فصار أد واستغنى عن الهمزة فحذفت فصار د على وزن ع فتقول د ديا دو أدي ديا دين ويجوز إدخال هاء السكت في أمر الواحد فيقال ده كما يقال قه ق الذي هو أمر يقي وقي المغرب الدية مصدر ودي القتيل إذا أعطي وليه ديته وأصل التركيب على معنى الجري والخروج ومنه الوادي لأن الماء يدي فيه أي يجري فيه فإن قلت ترجم غير البخاري كتاب القصاص وأدخل تحته الديات والبخاري بالعكس قلت ترجمته أعم من ترجمة غيره لأن ما يجب فيه القصاص يجوز العفو عنه على مال فتشمله الدية
وقول الله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما
وقول الله بالجر عطف على قوله الديات هذا على وجود الواو أي في قول الله وعلى قول أبي ذر والنسفي بدون الواو وكذا قول الله فيكون حينئذ مرفوعا على الابتداء وخبره هو قوله ومن يقتل فإن قلت ما وجه تصدير هذه الترجمة بهذه الآية قلت لأن فيها وعيدا شديدا عند القتل متعمدا بغير حق فإن من فعل هذا وصولح عليه بمال فتشمله الدية وإذا احترز الشخص عن ذلك فلا يحتاج إلى شيء واختلف العلماء في تأويل هذه الآية هل للقاتل توبة في ذلك أم لا فروي عن ابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر أنه لا توبة له وأنها غير منسوخة وأنها نزلت بعد الآية التي في الفرقان التي فيها توبة القاتل بستة أشهر ونزلت آية الفرقان في أهل الشرك ونزلت آية النساء في المؤمنين وروى سعيد بن المسيب أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما سأله رجل إني قتلت فهل لي من توبة قال تزود من الماء البارد فإنك لا تدخل الجنة أبدا وذكره ابن أبي شيبة أيضا عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وروي عن علي وابن عباس وابن عمر للقاتل توبة من طرق لا يحتج بها واحتج أهل السنة بأن القاتل في مشيئة الله بحديث عبادة بن الصامت الذي فيه ذكر بيعة العقبة وفيه من أصاب ذنبا فأمره إلى الله إن شاء غفر له

(24/30)


وإن شاء عذبه وإلى هذا ذهب جماعة من التابعين وفقهاء الأمصار وقيل الآية في حق المستحل وقيل المراد بالخلود طول الإقامة
6861 - ح ( دثنا قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( عمرو بن شرحبيل ) قال قال عبد الله قال رجل يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله قال أن تدعو لله ندا وهو خلقك قال ثم أي قال ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال ثم أي قال ثم أن تزاني بحليلة جارك فأنزل الله عز و جل تصديقها0الفرقان68ف الآية 0
مطابقته للترجمة للآية المذكورة في قوله
وجرير هو ابن عبد الحميد والأعمش هو سليمان وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وعمرو بفتح العين ابن شرحبيل بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف الهمداني الكوفي وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في التفسير عن عثمان بن أبي شيبة وفي الأدب عن محمد بن كثير وسيجيء في التوحيد أيضا ومضى الكلام فيه
قوله ندا بكسر النون وتشديد الدال المهملة وهو النظير والمثل وكذلك النديد قوله وهو خلقك الواو فيه للحال قوله ثم أي بفتح الهمزة وتشديد الياء أي ثم أي ذنب بعد ذلك قوله خشية أن يطعم أي لأجل خشية أن يطعم معك قيل القتل مطلقا أعظم فما وجه هذا التقييد وأجيب بأنه خرج مخرج الغالب إذ كانت عادتهم ذلك وهذا المفهوم لا اعتبار له وجواب آخر وهو أن فيه شيئين القتل وضعف الاعتقاد في أن الله هو الرزاق وهذا نظير قوله تعالى 8 9 0الإسراء31ف وقوله تعالى 0 1 2 3 4 0الأنعام140ف قوله بحليلة أي بزوجة جارك وهو بفتح الحاء المهملة وفيه الزنى والخيانة مع الجار الذي أوصى الله بحفظ حقه قوله فأنزل الله تصديقها أي تصديق هذه الأشياء المذكورة في سورة الفرقان وهو قوله عز و جل 0 1 2 إلى آخر الآية قوله الآية أي اقرأ تمام الآية آ أ قال مجاهد الأثام واد في جهنم وقال سيبويه والخليل أي يلق جزاء الأثام وقال القتبي الأثام العقوبة
6862 - ح ( دثنا علي ) حدثنا ( إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ) عن أبيه عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما
هذا مطابق للحديث السابق المطابق للآية المذكورة
وعلي شيخ البخاري ذكر هكذا غير منسوب ولم يذكره أبو علي الجياني في تقييده ولا نبه عليه الكلاباذي وقيل إنه علي بن الجعد قلت علي بن الجعد بن عبيد أبو الحسن الجوهري الهاشمي مولاهم البغدادي قال جامع رجال الصحيحين روى عنه البخاري في كتابه اثني عشر حديثا وذكر في ترجمة علي بن أبي هاشم أنه سمع إسحاق بن سعيد المذكور والحديث من أفراده
قوله لن يزال كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره لا يزال قوله في فسحة بضم الفاء وسكون السين المهملة وحاء مهملة أي في سعة منشرح الصدر وإذا قتل نفسا بغير حق صار منحصرا ضيقا لما أوعد الله عليه ما لم يوعد على غيره قوله من دينه كذا في رواية الأكثرين بكسر الدال المهملة من الدين وفي رواية الكشميهني من ذنبه بفتح الذال المعجمة وسكون النون وبالباء الموحدة فمعنى الأول أنه يضيق عليه دينه بسبب الوعيد لقاتل النفس عمدا بغير حق ومعنى الثاني أنه يصير في ضيق بسبب ذنبه

(24/31)


6863 - ح ( دثني أحمد بن يعقوب ) حدثنا ( إسحاق ) سمعت أبي يحدث عن ( عبد الله بن عمر ) قال إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله 0انظر الحديث 6862ف
هذا حديث ابن عمر أيضا لكنه موقوف عليه قوله حدثني أحمد بن يعقوب ويروى حدثنا بنون الجمع أحمد بن يعقوب المسعودي الكوفي وهو من أفراده قوله حدثنا إسحاق يروى أخبرنا إسحاق وهو ابن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص المذكور في الحديث السابق
قوله من ورطات الأمور هي جمع ورطة بفتح الواو وسكون الراء وهي الهلاك يقال وقع فلان في ورطة أي في شيء لا ينجو منه قوله التي لا مخرج الخ تفسير الورطات قوله بغير حله أي بغير حق من الحقوق المحللة للسفك قال الكرماني الوصف بالحرام يغني عن هذا القيد ثم أجاب بقوله الحرام يراد به ما شأنه أن يكون حرام السفك أو هو للتأكيد
6864 - ح ( دثنا عبيد الله بن موسى ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) قال قال النبي أول ما يقضاى بين الناس في الدماء 0انظر الحديث 6533ف
مطابقته للآية المذكورة من حيث كون الوعيد الشديد فيها يكون أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء أي في القضاء بها لأنها أعظم المظالم فيما يرجع إلى العباد
أخرجه عن عبيد الله بن موسى بن باذام أبي محمد العبسي الكوفي عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود وفي رواية مسلم من طريق آخر أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس وقال بعضهم هذا السند يلتحق بالثلاثيات وهي أعلى ما عند البخاري من حيث العدد وهذا في حكمه من جهة أن الأعمش تابعي وإن كان روى هذا عن تابعي آخر فإن ذلك التابعي أدرك النبي وإن لم يكن له صحبة انتهى قلت إذا لم يكن له صحبة كيف يكون الحديث من الثلاثيات فالذي ليست له صحبة هو من آحاد الناس سواء كان تابعيا أو غيره فإن قلت روي عن أبي هريرة أول ما يحاسب به المرء صلاته أخرجه النسائي وبينهما تعارض قلت لا تعارض لأن حديث عبد الله فيما بينه وبين غيره وحديث أبي هريرة في خاصة نفسه
6865 - ح ( دثنا عبدان ) حدثنا ( عبد الله ) حدثنا ( يونس ) عن ( الزهري ) حدثنا ( عطاء بن يزيد ) أن ( عبيد الله بن عدي ) حدثه أن المقداد بن عمرو الكندي حليف بني زهرة حدثه ( وكان شهد بدرا مع ) النبي أنه قال ( يا ) رسول الله إن ل ( قيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ) ثم لاذ بشجرة وقال أسلمت لله أقتله بعد أن قالها قال رسول الله لا تقتله قال يا رسول الله فإنه طرح إحداى يدي ثم قال ذالك بعد ما قطعها أقتله قال لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال
0ا - نظر الحديث 4019ف
مطابقته للآية المذكورة من حيث إن فيه نهيا عظيما عن قتل النفس التي أسلمت لله
وعبدان هو لقب عبد الله بن عثمان يروي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري عن عطاء بن يزيد من الزيادة الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الياء آخر الحروف النوفلي له إدراك عن المقداد بن عمرو وهو المعروف بالمقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في المغازي في غزوة بدر عن أبي عاصم عن ابن جريج وعن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة وغيره وأخرجه أبو داود والنسائي فيه جميعا عن قتيبة فأبو داود في الجهاد والنسائي في السير
قوله إن لقيت كذا في رواية الأكثرين بكلمة إن الشرطية وفي رواية أبي ذر إني لقيت بصيغة الإخبار عن الماضي وظاهر هذا يقتضي أن سؤال المقداد عن الذي وقع له في نفس الأمر لأنه سأل عن الحكم في ذلك إذا وقع والذي وقع في غزوة

(24/32)


بدر بلفظ أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار الحديث وهذا يؤيد رواية الأكثرين قوله فضرب بالسيف قال الكرماني كيف قطع يده وهو ممن يكتم إيمانه فأجاب بقوله دفعا للصائل أو السؤال كان على سبيل الفرض والتمثيل لا سيما وفي بعض الروايات إن لقيت بحرف الشرط قوله ( ثم لاذ بشجرة ) أي التجأ إليها وفي رواية الكشميهني ثم لاذ مني أي منع نفسه مني وقال أسلمت لله أي دخلت في الإسلام قوله أقتله أي أأقتله وهمزة الاستفهام فيه مقدرة قوله بعد أن قالها أي بعد أن قال كلمة الإسلام قوله فإن قتلته أي بعد أن قال أسلمت لله الخ قاله الكرماني قوله بمنزلتك أي الكافر مباح الدم قبل الكلمة فإذا قالها صار محظور الدم كالمسلم فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحا بحق القصاص كالكافر بحق الدين فالتشبيه في إباحة الدم لا في كونه كافرا وقيل معناه أنت بقصد قتله آثما كان هو أيضا بقصد قتلك آثما فالتشبيه بالإثم انتهى قلت قوله الأول كلام الخطابي نقله عنه وحاصله اتحاد المنزلتين مع اختلاف المأخذ فالأول أنه مثلك في صون الدم والثاني أنك مثله في الهدر وقوله الثاني كلام المهلب وقال الداودي معناه أنك صرت قاتلا كما كان هو قاتلا قال وهذا من المعاريض لأنه أراد الإغلاظ بظاهر اللفظ دون باطنه وإنما أراد أن كلا منهما قاتل ولم يرد أنه صار كافرا بقتله إياه وقيل إن قتلته مستحلا لقتله في الكفر فأنت مستحل مثله والحاصل من هذا كله النهي عن قتل من يشهد بالإسلام واحتج بعضهم بقوله أسلمت لله على صحة إسلام من قال ذلك ولم يزد عليه ورد ذلك بأنه كان ذلك في الكف على أنه ورد في بعض طرقه أنه قال لا إلاه إلا الله وهي رواية معمر عن الزهري عند مسلم في هذا الحديث
6866 - وقال ( حبيب بن أبي عمرة ) عن ( سعيد ) عن ( ابن عباس ) قال قال النبي للمقداد إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته فكذالك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل
مطابقته لحديث المقداد من حيث إن المعنى قريب وحبيب ضد العدو ابن أبي عمرة بفتح العين المهملة وسكون الميم وبالراء القصاب الكوفي وسعيد هو ابن جبير
وهذا التعليق وصله البزار والدارقطني في الأفراد والطبراني في الكبير من رواية أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم والد محمد بن أبي بكر المقدمي عن حبيب بن أبي ثابت وفي أوله بعث رسول الله سرية فيها المقداد فلما أتوهم وجدوهم تفرقوا وفيهم رجل له مال كثير لم يبرح فقال أشهد أن لا إلاه إلا الله فأهوى إليه المقداد فقتله الحديث وفيه فذكروا ذلك لرسول الله فقال يا مقداد قتلت رجلا قال لا إلاه إلا الله فكيف لك بلا إلاه إلا الله فأنزل الله تعالى ياأيها الذين ءامنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحيواة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذالك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا الآية فقال النبي للمقداد كان رجل مؤمن يخفي إيمانه الخ
2 -
( باب قول الله تعالى من أجل ذالك كتبنا على بنى إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك فى الارض لمسرفون قال ابن عباس من حر مقتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا )
أي هذا باب في قول الله تعالى من أجل ذالك كتبنا على بنى إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك فى الارض لمسرفون وقع في رواية غير أبي ذر باب قوله تعالى وزاد المستملي والأصيلي من أجل ذالك كتبنا على بنى إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك فى الارض لمسرفون وأول الآية من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها من أجل ذالك كتبنا على بنى إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك فى الارض لمسرفون الآية وتعليق ابن عباس أخرجه إسماعيل بن أبي زياد السامي في تفسيره عنه ورواه وكيع عن سفيان عن خصيف عن مجاهد عنه فذكره
6867 - ح ( دثنا قبيصة ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( عبد الله بن مرة ) عن ( مسروق ) عن

(24/33)


( عبد الله ) رضي الله عنه عن النبي قال لا تقتل نفس إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها
مطابقته لصدر الآية التي فيها ظاهرة لأن المراد من ذكر ومن أحياها صدرها وهو قوله من قتل نفسا الآية
وقبيصة بفتح القاف وهو ابن عقبة وسفيان هو ابن عيينة وقيل الثوري والأول هو الظاهر والأعمش سليمان وعبد الله بن مرة بضم الميم وتشديد الراء الخارفي بخاء معجمة وراء مكسورة وبالفاء الكوفي
وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم كوفيون وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث مضى في خلق آدم عن عمر بن حفص عن أبيه وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي بكر بن أبي شيبة ومضى الكلام فيه
قوله لا تقتل نفس زاد حفص في روايته ظلما قوله على ابن آدم الأول هو قابيل قتل هابيل قوله كفل بكسر الكاف أي نصيب قال عليه الصلاة و السلام من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة
6868 - ح ( دثنا أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) قال ( وافد بن عبد الله ) أخبرني عن أبيه أنه سمع ( عبد الله بن عمر ) عن النبي قال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للآية المذكورة تتأتى على قول من فسر قوله كفارا بحرمة الدماء فإن فيه ثمانية أقوال منها هذا وقد ذكرناه في أوائل كتاب الحدود في باب ظهر المؤمن حمى ومضى الحديث فيه أيضا
وأبو الوليد شيخ البخاري اسمه هشام بن عبد الملك وواقد بكسر القاف وبالدال المهملة ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب نسبه الراوي إلى جد أبيه فالمراد بقولنا أبيه محمد لا عبد الله وهو يروي عن جده عبد الله فقول أبي ذر في روايته كذا وقع هنا واقد بن عبد الله والصواب واقد بن محمد قلت نعم وكذا وقع واقد بن محمد سمعت أبي في باب ظهر المؤمن حمى لكن وجه هذه الرواية ما ذكرناه الآن
قوله أخبرني عن أبيه من باب تقديم اسم الراوي على صيغة الإخبار عنه تقديرا لكلام حدثنا شعبة أخبرني واقد بن عبد الله عن أبيه يعني محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر يروي عن أبيه عن جده عبد الله كما ذكرنا فافهم فإن فيه قلقا
6869 - ح ( دثنا محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( علي بن مدرك ) قال سمعت ( أبا زرعة بن عمرو بن جرير ) عن ( جرير ) قال قال النبي في حجة الوداع استنصت الناس لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للآية المذكورة مثل مطابقة الحديث السابق
والحديثان سواء غير أن الذي سبق عن عبد الله بن عمر وهذا عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه أخرجه عن محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة عن غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وهو لقب محمد بن جعفر وقد مر غير مرة قوله سمعت أبا زرعة هو هرم بفتح الهاء وكسر الراء ابن عبد الله بن جرير بن عبد الله سمع جده جرير بن عبد الله والحديث مضى في العلم عن حجاج بن منهال وفي المغاز عن حفص بن عمر ومضى الكلام فيه
قوله قال قال النبي ويروى قال قال لي النبي فعلى هذه الرواية قوله استنصت الناس أمر أي أسكت الناس ليسمعوا الخطبة والخطاب لجرير ويروى استنصت الناس بصيغة الماضي جملة حالية ومعنى الباقي قد مر غير مرة
رواه أبو بكرة وابن عباس عن النبي
أي روى قوله لا ترجعوا بعدي كفارا الحديث أبو بكرة بفتح الباء الموحدة نفيع بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة ابن الحارث الثقفي صاحب رسول الله وروى البخاري حديثه هذا مطولا في كتاب الحج

(24/34)


قوله وابن عباس أي ورواه أيضا عبد الله بن عباس وقد مضى في الحج أيضا
6870 - ح ( دثني محمد بن بشار ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( فراس ) عن ( الشعبي ) عن ( عبد الله بن عمرو ) عن النبي قال الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين أو قال اليمين الغموس شك شعبة
وقال معاذ حدثنا شعبة قال الكبائر الإشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين أو قال وقتل النفس
انظر الحديث 6675 وطرفه
للآية المذكورة في قوله وقتل النفس ومحمد بن جعفر هو غندر وقد مضى الآن وشيخه شعبة يروي عن فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالسين المهملة ابن يحيى الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء عن عامر الشعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص
والحديث مضى في الأيمان والنذور في باب اليمين الغموس أخرجه عن محمد بن مقاتل عن النضر عن شعبة عن فراس الخ
قوله أو قال اليمين الغموس شك من شعبة قوله وقال معاذ بضم الميم ابن معاذ العنبري وقال الكرماني هذا إما تعليق من البخاري وإما مقول لابن بشار انتهى وقد وصله الإسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ عن أبيه ولفظه الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين أو قال قتل النفس واليمين والغموس والغموس على وزن فعول بمعنى فاعل أي تغمس صاحبها في الإثم أو النار وهي الكاذبة التي يتعمدها صاحبها عالما أن الأمر بخلافه
10 - ( حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة حدثنا عبيد الله بن أبي بكر سمع أنسا رضي الله عنه عن النبي قال الكبائر ح وحدثنا عمرو حدثنا شعبة عن ابن أبي بكر عن أنس بن مالك عن النبي قال أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور أو قال وشهادة الزور )
مطابقته للآية المذكورة في قوله وقتل النفس وأخرجه من طريقين أحدهما عن اسحق بن منصور بن بهرام الكوسج أبي يعقوب المروزي عن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري البصري عن شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر ابن أنس بن مالك عن جده أنس بن مالك والآخر عن عمرو بن مرزوق عن شعبة عن عبيد الله الخ والحديث مضى في الشهادات عن عبد الله بن نمير وفي الأدب عن محمد بن الوليد والطريق الثاني أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن حبيب وغيره وأخرجه الترمذي في البيوع وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه النسائي في القضاء والتفسير والقصاص عن اسحق بن إبراهيم وغيره وهنا ذكر عن شعبة قتل النفس بغير شك وتارة ذكرها بالشك وتارة لم يذكرها أصلا قوله أو شهادة الزور شك من الراوي وليس العدد فيه محصورا قيل لابن عباس هي سبع قال هي إلى السبعين أقرب وعنه أيضا إلى السبعمائة أقرب وقيل هي إحدى عشرة وقالت جماعة من أهل السنة كل المعاصي سواء لا يقال صغيرة أو كبيرة لأن المعنى واحد وظواهر الكتاب والسنة ترد عليهم وقد قال الله تعالى أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الآية
11 - ( حدثنا عمرو بن زرارة أخبرنا هشيم أخبرنا حصين حدثنا أبو ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما يحدث قال بعثنا رسول الله إلى الحرقة من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم قال فلما غشيناه قال لا إله إلا الله قال فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي قال فقال لي يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول

(24/35)


الله إنما كان متعوذا قال أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله قال فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم )
مطابقته للآية المذكورة تؤخذ من معنى قوله أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله بالتكرر وفيه عظم قتل النفس المؤمنة وعمرو ابن زرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن واقد الكلابي النيسابوري وهو شيخ مسلم أيضا قال الكرماني روى البخاري هذا الحديث بهذا الإسناد في المغازي قبيل غزوة الفتح إلا أن ثمة عمرو بن محمد بدل ابن زرارة قلت كلاهما من شيوخ البخاري قوله أخبرنا هشيم هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره وحدثنا هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة الواسطي قوله أخبرنا حصين هكذا في رواية أبي ذر والأصيلي وفي رواية غيرهما حدثنا حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي من صغار التابعين وأبو ظبيان بفتح الظاء المعجمة وكسرها وسكون الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون واسمه حصين أيضا ابن جندب المذحجي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وبالجيم وهو من كبار التابعين وأسامة بن زيد بن حارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة حب رسول الله وابن حبه وابن مولاه القضاعي بضم القاف وخفة الضاد المعجمة وبالعين المهملة قوله إلى الحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف قبيلة من جهينة وقال ابن الكلبي سموا بذلك لوقعة كانت بينهم وبين بني مرة بن عوف بن سعد بن دينار فأحرقوهم بالسهام لكثرة من قتل منهم وكان هذا البعث في رمضان سنة سبع أو ثمان قوله فصبحنا القوم أي أتيناهم صباحا قوله فلما غشيناه بفتح الغين المعجمة وكسر الشين المعجمة أي لحقنا به قوله حتى قتلته قال الكرماني المقتول هو مرداس بكسر الميم ابن نهيك بفتح النون وكسر الهاء وبالكاف قلت هذا قول الكلبي وقال أبو عمر مرداس بن عمرو الفدكي قوله متعوذا نصب على الحال قال الكرماني أي لم يكن بذلك قاصدا للإيمان بل كان غرضه التعوذ من القتل وفي رواية الأعمش قالها خوفا من السلاح وفي رواية ابن أبي عاصم من وجه آخر عن أسامة إنما فعل ذلك ليحرز دمه وقال الكرماني كيف جاز تمني عدم سبق الإسلام ثم أجاب بقوله تمنى إسلاما لا ذنب فيه أو ابتداء الإسلام ليجب ما قبله وقال الخطابي ويشبه أن أسامة قد أول قوله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا وهو معنى مقالته كان متعوذا ولذلك لم تلزمه ديته وفي التوضيح قتل أسامة هذا الرجل لظنه كافر أو جعل ما سمع منه من الشهادة تعوذا من القتل وأقل أحوال أسامة في ذلك أن يكون قد أخطأ في فعله لأنه إنما قصد إلى قتل كافر عنده ولم يكن عرف بحكمه فيمن أظهر الشهادة وقال ابن بطال كانت هذه القصة سبب تخلف أسامة أن لا يقاتل مسلما بعد ذلك ومن ثمة تخلف عن علي رضي الله تعالى عنه في الجمل وصفين قوله فما زال يكررها أي يكرر مقالته أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بعدما قال وفيه تعظيم أمر القتل بعدما يقول الشخص لا إله إلا الله قوله حتى تمنيت الخ حاصل المعنى أني تمنيت أن يكون إسلامي الذي كان قبل ذلك اليوم بلا ذنب لأن الإسلام يجب ما قبله فتمنيت أن يكون ذلك الوقت أول دخولي في الإسلام لآمن من جريرة تلك الفعلة ولم يرد أنه تمنى أن لا يكون مسلما قبل ذلك وقد مر ما قاله الكرماني فيه -
6873 - ح ( دثنا عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) حدثنا ( يزيد ) عن ( أبي الخير ) عن ( الصنابحي ) عن ( عبادة بن الصامت ) رضي الله عنه قال إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا تسرق ولا نزني ولا نقتل النفس التي حرم الله ولا ننتهب ولا نعصي بالجنة إن فعلنا ذلك فإن غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله

(24/36)


مطابقته للآية المذكورة في قوله ولا تقتل النفس التي حرم الله
ويزيد من الزيادة هو ابن أبي حبيب وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله والصنابحي بضم الصاد المهملة وتخفيف النون وكسر الباء الموحدة وبالحاء المهملة نسبة إلى صنابح بن زاهر بن عامر بطن من مراد واسمه عبد الرحمان بن عسيلة مصغر العسلة بالمهملتين ابن عسل بن عسال
والحديث مضى في المناقب في باب وفود الأنصار أخرجه عن قتيبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير الخ ومضى في كتاب الإيمان في باب مجرد أخرجه عن أبي اليمان
قوله بايعوا رسول الله يعني ليلة العقبة قوله ولا ننتهب ويروى ولا ننهب فالأول من الانتهاب والثاني من النهب قوله ولا نعصي أي في المعروف بالعين المهملة وذكر ابن التين أنه روي بالقاف على ما يأتي وذكره ابن قرقول بالعين والصاد المهملتين وقال كذا لأبي ذر والنسفي وابن السكن والأصيلي وعند القابسي ولا نقضي أي ولا نحكم بالجنة من قبلنا وقال القاضي الصواب العين كما في آية 6 7 8 9 0الممتحنة12ف قوله بالجنة على رواية العين والصاد المهملتين يتعلق بقوله بايعناه أي بايعناه بالجنة وعلى رواية القابسي يتعلق بقوله ولا نقضي قوله ذلك إشارة أولا إلى التروك وثانيا إلى الأفعال قوله فإن غشينا بفتح الغين المعجمة وكسر الشين المعجمة أي إن أصبنا شيئا من ذلك وهو الإشارة إلى الأفعال قوله كان قضاء ذلك أي حكمه إلى الله إن شاء عاقب وإن شاء عفا عنه
وفيه دليل لأهل السنة على أن المعاصي لا يكفر بها
6874 - ح ( دثنا موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال من حمل علينا السلاح فليس منا
مطابقته للآية تؤخذ من معنى الحديث لأن المراد من حمل السلاح عليهم قتالهم قال الكرماني أي قاتلنا من جهة الدين أو من استباح ذلك وجويرية مصغر جارية ابن أسماء والحديث من أفراده
قوله فليس منا أي فليس على طريقنا
رواه أبو موسى عن النبي
أي روى الحديث المذكور أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس وسيأتي موصولا في كتاب الفتن في باب قول النبي من حمل علينا السلاح
6875 - ح ( دثنا عبد الرحمان بن المبارك ) حدثنا ( حماد بن زيد ) حدثنا ( أيوب ويونس ) عن ( الحسن ) عن ( الأحنف بن قيس ) قال ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد قلت أنصر هاذا الرجل قال ارجع فإني سمعت رسول الله يقول إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قلت يا رسول الله هاذا القاتل فما بال المقتول قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه
مطابقته للآية المذكورة ظاهرة
وعبد الرحمان بن المبارك بن عبد الله وأيوب هو السختياني ويونس هو ابن عبيد البصري والحسن هو البصري والأحنف بن قيس السعدي البصري واسمه الضحاك والأحنف لقبه عرف به يكنى أبا بحر أدرك النبي ولم يره قاله أبو عمرو قال أسلم على عهد النبي قلت فلذلك دعا له النبي مات سنة سبع وستين بالكوفة وأبو بكرة نفيع بن الحارث
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب المعاصي من أمر الجاهلية ومضى الكلام فيه
قوله لأنصر هذا الرجل أراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان الأحنف تخلف عنه في وقعة الجمل قوله ارجع أمر من الرجوع قوله بسيفهما بإفراد السيف رواية الكشميهني وفي رواية غيره بالتثنية قوله فالقاتل بالفاء لأنه جواب إذا وقال الكرماني ويروى بدون الفاء وهو دليل على جواز حذف الفاء من جواب الشرط نحو
من يفعل الحسنات الله يشكرها
وقال يحتمل أن يقال إذا ظرفية وفيه تأمل وقال الخطابي هذا الوعيد إذا لم يكونا يتقاتلان على

(24/37)


تأويل وإنما يتقاتلان على عداوة أو طلب دنيا ونحوه وأما من قاتل أهل البغي أو دفع الصائل فقتل فإنه لا يدخل في هذا الوعيد لأنه مأمور بالقتال للذب عن نفسه غير قاصد به قتل صاحبه
3 -
( باب قول الله تعالى ياأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأدآء إليه بإحسان ذالك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذالك فله عذاب أليم البقرة178 )
أي هذا باب في ذكر قول الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إلى آخره وفي رواية أبي ذر يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الآية وفي رواية الأصيلي وابن عساكر ( الحر بالحر ) إلى قوله عذاب أليم وساق في رواية كريمة الآية كلها ولم يذكر في هذا الباب حديثا وذكر بعده أبوابا تشتمل على ما في الآية المذكورة من الأحكام وسيأتي بيان سبب نزول هذه الآية فقال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو عن مجاهد عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل قصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة كتب عليكم القصاص إلى آخر الحديث قوله ج ح خ أي من ترك له من أخيه شيء يعني بعد استحقاق الدم فاتباع أي فذلك العفو اتباع بالمعروف أي قتل الطالب اتباع بالمعروف إذا قبل الدية ش ص ض يعني من القاتل يعني من غير ضرر قوله أي أخذ الدية في العمد تخفيف من الله عليكم ورحمة قوله ف أي فمن قتل بعد أخذ الدية ف ق أي موجع شديد
4 -
( باب سؤال القاتل حتى يقر والإقرار في الحدود )
أي هذا باب في بيان سؤال الإمام القاتل يعني من اتهم بالقتل ولم تقم عليه البينة ويسأله حتى يقر فيقيم عليه الحد هذه الترجمة هكذا وقعت في رواية الأكثرين ولم يقع في رواية النسفي وكريمة لفظ باب وإنما وقع بعد قوله ف ق وإذا لم يزل يسأل القاتل حتى أقر والإقرار في الحدود
6876 - ح ( دثنا حجاج بن منهال ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا فلان أو فلان حتى سمي اليهودي فأتي به النبي فلم يزل به حتى أقر فرض رأسه بالحجارة
مطابقته للترجمة في قوله فلم يزل به حتى أقر وهمام هو ابن يحيى
والحديث مضى في الأشخاص عن موسى بن إسماعيل وفي الوصايا عن حسان بن أبي عباد ومضى الكلام فيه
قوله رض بالضاد المعجمة المشددة من رض يرض رضا إذا رضخ ودق وفيه القصاص بالمثل قوله رأس جارية قال بعضهم يحتمل أن تكون أمة ويحتمل أن تكون حرة لكن دون البلوغ قلت تقدم في الطلاق بلفظ عدا يهودي على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها ورضخ رأسها وفيه فأتى أهلها رسول الله وهي في آخر رمق الحديث وهذا يدل على أنها كانت حرة وقال هذا القائل المذكور وهذا لا يعين كونها حرة لاحتمال أن يراد بأهلها مواليها رقيقة كانت أو عتيقة قلت هذا عدول عن الظاهر فإن الموالي لا يطلق عليهم أهل بالحقيقة والاحتمال الناشىء عن غير دليل لا يثبت الحكم والأوضاح جمع وضح وهي الحلي من فضة قاله أبو عبيدة وغيره وقال الجوهري الأوضاح حلي من الدراهم الصحاح قوله فلان أو فلان هذا هكذا في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر ولأبي ذر عن الكشميهني أفلان أم فلان وفي رواية غيره أفلان وفلان بهمزة الاستفهام على سبيل الاستخبار وتقدم في الأشخاص من وجه آخر عن همام أفلان أفلان بالتكرار بغير واو العطف قوله حتى سمي اليهودي بضم السين على بناء المجهول قوله فأتي به أي باليهودي قوله حتى أقر أي اليهودي أي حتى أقر أنه فعل بها ما ذكر وفي رواية الوصايا حتى اعترف قال أبو مسعود لا أعلم أحدا

(24/38)


قال في هذا الحديث حتى اعترف ولا حتى أقر إلا همام بن يحيى وقال غيره هذه اللفظة إنما جاءت من رواية قتادة ولم ينقلها غيره وهي مما عد عليه قلت ثبتت هذه اللفظة في الصحيحين فيرد به ما قيل مما ذكرنا ويرد به أيضا سؤال من قال كيف قتل النبي اليهودي بلا بينة ولا اعتراف وأجيب عن هذا أيضا بأن هذا كان في ابتداء الإسلام وكان يقتل القاتل بقول القتيل وقيل يمكن أنه قتله لا ببينة ولا اعتراف بل بسبب آخر موجب لقتله وقيل كان علمه بالوحي فلذلك قتله
واختلف العلماء في صفة القود فقال مالك إنه يقتل بمثل ما قتل به فإن قتله بعصا أو بحجر أو بالخنق أو بالتغريق قتل بمثله وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر وقال الشافعي إن طرحه في النار عمدا حتى مات طرح في النار حتى يموت وقال إبراهيم النخعي وعامر الشعبي والحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا يقتل القاتل في جميع الصور إلا بالسيف واحتجوا بما رواه الطحاوي حدثنا ابن مرزوق حدثنا أبو عاصم قال حدثنا سفيان الثوري عن جابر عن أبي عازب عن النعمان قال قال رسول الله لا قود إلا بالسيف وأبو عاصم الضحاك بن مخلد شيخ البخاري وجابر الجعفي وأبو عازب مسلم بن عمرو أو مسلم بن أراك والنعمان بن بشير وأخرجه أبو داود والطيالسي ولفظه لا قود إلا بحديدة وأجابوا عن حديث الباب بأنه نسخ بنسخ المثلة كما فعل رسول الله بالعرنيين فإن قلت قال البيهقي هذا الحديث لم يثبت له إسناد وجابر مطعون فيه قلت وإن طعن فيه فقد قال وكيع مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابرا ثقة وقال شعبة صدوق في الحديث وأخرج له ابن حبان في صحيحه وقد روي مثله عن أبي بكرة رواه ابن ماجه بإسناده الجيد عن أبي هريرة ورواه البيهقي من حديث الزهري عن أبي سلمة عنه نحوه وعن عبد الله بن مسعود وأخرجه البيهقي أيضا من حديث إبراهيم عن علقمة عنه ولفظه لا قود إلا بالسلاح وعن علي رضي الله تعالى عنه رواه معلى بن هلال عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عنه ولفظه لا قود إلا بحديدة وعن أبي سعيد الخدري أخرجه الدارقطني من حديث أبي عازب عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال القود بالسيف والخطأ على العاقلة
وهؤلاء ستتة أنفس من الصحابة رووا عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن القود لا يكون إلا بالسيف ويشد بعضه بعضا وأقل أحواله أن يكون حسنا فصح الاحتجاج به
5 -
( باب إذا قتل بحجر أو بعصا )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قتل شخص شخصا بحجر أو قتله بعصا وجواب إذا محذوف تقديره يقتل بما قتل به وإنما قدرنا هكذا وإن كان يحتمل أن يقال لا يقتل إلا بالسيف موافقة لحديث الباب ولم يذكره على عادته اكتفاء بحديث الباب وقال بعضهم كذا أطلق ولم يثبت الحكم إشارة إلى الاختلاف في ذلك ولكن إيراده الحديث يشير إلى ترجيح قول الجمهور انتهى قلت الوجه في تركه الجواب ما ذكرناه وأي شيء من الترجمة يدل على الاختلاف فيه ولا وجه أيضا لقوله إيراده الحديث يشير إلى ترجيح قول الجمهور
6877 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( عبد الله بن إدريس ) عن ( شعبة ) عن ( هشام بن زيد بن أنس ) عن جده ( أنس بن مالك ) قال خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة قال فرماها يهودي بحجر قال فجيء بها إلى النبي وبها رمق فقال لها رسول الله فلان قتلك فرفعت رأسها فأعاد عليها قال فلان قتلك فرفعت رأسها فقال لها في الثالثة فلان قتلك فخفضت رأسها فدعا به رسول الله فقتله بين الحجرين
مطابقته للترجمة في قوله فرماها يهودي بحجر
ومحمد هو ابن عبد الله بن نمير في قول الكلاباذي وقال أبو علي بن السكن هو محمد بن سلام
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن أبي موسى وبندار وغيرهما وأخرجه

(24/39)


أبو داود في الديات عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود وأخرجه ابن ماجه فيه عن بندار وغيره
قوله أوضاح جمع وضح وقد مر تفسيره عن قريب قوله رمق وهو بقية الحياة قوله فخفضت أراد به الإشارة برأسها
6 -
( باب قول الله تعالى وكنبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح فصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )
أي هذا باب في قوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية بكمالها سيقت في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر والأصيلي باب قول الله تعالى وفي رواية النسفي كذا ولكن بعده إلى قوله وإنما ذكر البخاري هذه الآية لمطابقتها قوله في حديث الباب النفس بالنفس واحتج بها أبو حنيفة وأصحابه على أن المسلم يقاد بالذمي في العمد وبه قال الثوري وجعلوا هذه الآية ناسخة للآية التي في البقرة وهي قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكن القصاص بالقتلى الحر بالحر عن أبي مالك أن هذه الآية منسوخة بقوله إن النفس بالنفس وقال البيهقي باب فيمن لا قصاص بينه باختلاف الدين قال الله تعالىيا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص الحر بالحر إلى قولهفمن عفي له من أخيه شيء وقال صاحب الجوهر النقي قلت هذه الآية حجة لخصمه لأن عموم القتل يشمل المؤمن والكافر وخوطب المؤمنون بوجوب القصاص في عموم القتل وكذا قوله تعالى الحر بالحر يشملهما بعمومه قولهأن النفس بالنفس يؤخذ منه جواز قتل الحر بالعبد والمسلم بالذمي وهو قول الثوري والكوفيين وقال مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور لا يقتل حر بعبد وفي التوضيح هذا مذهب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم قوله والعين بالعين قال الزمخشري المعطوفات كلها قرأت منصوبة ومرفوعة والمعنى فرضنا عليهم فيها أي في التوراة أن النفس مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق وكذلك العين مفقوءة بالعين والأنف مجدوع بالأنف والأذن مصلومة بالأذن والسن مقلوعة بالسن قولهوالجروح قصاص يعني ذات قصاص وهو المقاصصة ومعناه ما يمكن فيه القصاص وتعرف المساواة قولهفمن تصدق به أي فمن تصدق من أصحاب الحق به أي بالقصاص وعفا عنه قوله فمن تصدق أي التصدق به كفارة للمتصدق يكفر الله عنه سيئاته وعن عبد الله بن عمر ويهدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدق به قوله ومن لم يحكم إلى آخره قال هنا فأولئك هم الظالمون لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم الذين أمروا بالعدل والتسوية بينهم فيه فخالفوا وظلموا وتعدوا
6878 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) عن ( عبد الله بن مرة ) عن ( مسروق ) عن ( عبد الله ) قال قال رسول الله لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إلاه إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة
المطابقة بينه وبين الآية المذكورة في قوله النفس بالنفس كما ذكرناه عن قريب
وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن عبد الله بن مرة بضم الميم وتشديد الراء عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن عمرو بن عون وأخرجه الترمذي في الديات عن هناد وأخرجه النسائي في المحاربة عن إسحاق بن منصور وفي

(24/40)


القود عن بشر بن خالد
قوله إلا بإحدى ثلاث أي بإحدى خصال ثلاث قوله والنفس بالنفس أي تقتل النفس التي قتلت عمدا بغير حق بمقابلة النفس المقتولة قوله والثيب الزاني أي الثيب من ليس ببكر يقع على الذكر والأنثى يقال رجل ثيب وامرأة ثيب وأصله واوي لأنه من ثاب يثوب إذا رجع لأن الثيب بصدد العود والرجوع قلت أصله ثويب قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وهو الثاني من الثلاث وهو بيان استحقاق الزاني المحصن للقتل وهو الرجم بالحجارة وأجمع المسلمون على ذلك وكذلك أجمعوا على أن الزاني الذي ليس بمحصن حده جلد مائة قوله والمارق من الدين كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني والمفارق لدينه وفي رواية النسفي والسرخسي والمستملي والمارق لدينه وقال الطيبي هو التارك لدينه من المروق وهو الخروج ولفظ الترمذي والتارك لدينه المفارق للجماعة وقال شيخنا في شرح الترمذي هو المرتد وقد أجمع العلماء على قتل الرجل المرتد إذا لم يرجع إلى الإسلام وأصر على الكفر واختلفوا في قتل المرتدة فجعلها أكثر العلماء كالرجل المرتد وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لا تقتل المرتدة لعموم قوله نهى عن قتل النساء والصبيان قوله التارك للجماعة قيد به للإشعار بأن الدين المعتبر هو ما عليه الجماعة
وقال الكرماني فإن قلت الشافعي يقتل بترك الصلاة قلت لأنه تارك للدين الذي هو الإسلام يعني الأعمال ثم قال لم لا يقتل تارك الزكاة والصوم وأجاب بأن الزكاة يأخذها الإمام قهرا وأما الصوم فقيل تاركه يمنع من الطعام والشراب لأن الظاهر أنه ينويه لأنه معتقد لوجوبه انتهى قلت في كل ما قاله نظر أما قوله في الصلاة لأنه تارك للدين الذي هو الإسلام يعني الأعمال فإنه غير موجه لأن الإسلام هو الدين والأعمال غير داخلة فيه لأن الله عز و جل عطف الأعمال على الإيمان في سورة العصر والمعطوف غير المعطوف عليه ولهذا استشكل إمام الحرمين قتل تارك الصلاة من مذهب الشافعي واختار المزني أنه لا يقتل واستدل الحافظ أبو الحسن علي بن الفضل المصري المالكي بهذا الحديث على أن تارك الصلاة لا يقتل إذا كان تكاسلا من غير جحد فإن قلت احتج بعض الشافعية على قتل تارك الصلاة بقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة قلت قد رد عليه ابن دقيق العيد بأن هذا إن أخذه من منطوق قوله أن أقاتل الناس ففيه بعد فإنه فرق بين المقاتلة على الشيء والقتل عليه وإن أخذه من قوله فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم فهذا دلالة المفهوم والخلاف فيها معروف ودلالة منطوق حديث الباب تترجح على دلالة المفهوم
وأما قول الكرماني بأن الزكاة يأخذها الإمام قهرا منه ففيه خلاف مشهور فلا تقوم به حجة وأما قوله لأنه معتقد لوجوبه أي لأن تارك الصوم معتقد لوجوبه فيرد عليه أن تارك الصلاة أيضا يعتقد وجوبها واستدل بعض جماعة بقوله التارك الجماعة على أن مخالف الإجماع كافر فمن أنكر وجوب مجمع عليه فهو كافر والصحيح تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه من الدين ضرورة كالصلوات الخمس وقيد بعضهم ذلك بإنكار وجوب ما علم وجوبه بالتواتر كالقول بحدوث العالم فإنه معلوم بالتواتر وقد حكى القاضي عياض الإجماع على تكفير القائل بقدم العالم واستثنى بعضهم مع الثلاثة المذكورة الصائل فإنه يجوز قتله للدفع وأجيب عنه بأنه إنما يجوز دفعه إذا أدى إلى القتلفلا يحل تعمد قتله إذا اندفع بدون ذلك فلا يقال يجوز قتله بل دفعه وقيل الصائل على قتل النفس داخل في قوله التارك الجماعة واستدل به أيضا على قتل الخوارج والبغاة لدخولهم في مفارقة الجماعة وفيه حصر ما يوجب القتل في الأشياء الثلاثة المذكورة وحكى ابن العربي عن بعض أصحابهم أن أسباب القتل عشرة وقال ابن العربي ولا يخرج عن هذه الثلاثة بحال فإن من سحر أو سب الله أو سب النبي أو الملك فإنه كافر وقال الداودي هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فأباح القتل بالفساد وبحديث قتل الفاعل والمفعول به في الذي يعمل عمل قوم لوط وقيل هما في الفاعل بالبهيمة
7 -
( باب من أقاد بالحجر )

(24/41)


أي هذا باب في بيان من أقاد أي اقتص بالحجر من القود وهو القصاص
6879 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( هشام بن زيد ) عن ( أنس ) رضي الله عنه أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها فقتلها بحجر فجيء بها إلى النبي وبها رمق فقال أقتلك فلان فأشارت برأسها أن لا ثم قال الثانية فأشارت برأسها أن لا ثم سألها الثالثة فأشارت برأسها أن نعم فقتله النبي بحجرين
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن جعفر هو غندر وقد مر الحديث عن قريب في باب إذا قتل بحجر ومضى الكلام فيه
قوله أن لا كلمة أن في الموضعين تفسيرية تفسر ما بعدها قوله أن نعم هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره أي نعم
8 -
( باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين )
أي هذا باب فيه ذكر من قتل له قتيل أي القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق لأن قتل القتيل محال وقال الكرماني ومثله يذكر في علم الكلام على سبيل المغالطة قالوا لا يمكن إيجاد موجود لأن الموجد إما أن يوجده في حال وجوده فهو تحصيل الحاصل وأما في حال العدم فهو جمع بين النقيضين فيجاب باختيار الشق الأول إذ ليس إيجادا للموجود بوجود سابق ليكون تحصيل الحاصل بل إيجاد له بهذا الوجود وكذا حديث من قتل قتيلا فله سلبه قوله فهو أي ولي القتيل بخير النظرين أي الدية أو القصاص
6880 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( شيبان ) عن ( يحياى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) أن ( خزاعة قتلوا ) رجلا
وقال ( عبد الله بن رجاء ) حدثنا ( حرب ) عن ( يحياى ) حدثنا ( أبو سلمة ) حدثنا ( أبو هريرة ) أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية فقام رسول الله فقال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار ألا وإنها ساعتي هاذه حرام لا يختلاى شوكها ولا يعضد شجرها ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما يودى وإما يقاد فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاة فقال اكتب لي يا رسول الله فقال رسول الله اكتبوا لأبي شاة ثم قام رجل من قريش فقال يا رسول الله إلا الإذخر فإنما نجعله في بيوتنا وقبورنا فقال رسول الله إلا الإذخر
انظر الحديث 112 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة من لفظ الحديث
وأخرجه من طريقين أحدهما عن أبي نعيم بضم النون الفضل بن دكين عن شيبان بن عبد الرحمان النحوي أصله بصري سكن الكوفة عن يحياى بن أبي كثير اليمامي الطائي واسم أبي كثير صالح بن المتوكل عن أبي سلمة بن عبد الرحمان بن عوف عن أبي هريرة ومضى هذا في العلم في باب كتابة العلم فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن شيبان الخ نحوه وفيه بعض الزيادة والنقصان والطريق الآخر أخرجه عن عبد الله بن رجاء بن المثنى البصري في صورة التعليق وهو أيضا شيخه روى عنه في غير موضع وروى عن محمد غير منسوب عنه

(24/42)


عن حرب بن شداد عن يحياى عن أبي سلمة عن أبي هريرة ووصله البيهقي من طريق هشام بن علي السيرافي عنه وساق البخاري الحديث هنا على لفظ حرب وساق الطريق الأول على لفظ شيبان كما في كتاب العلم ومراده من الطريق الثاني تبيين عدم تدليس يحياى بن أبي كثير وتقدم في اللقطة من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحياى عن أبي سلمة مصرحا بالتحديث في جميع السند
قوله أنه أي الشأن قوله خزاعة بضم الخاء المعجمة وبالزاي وهي قبيلة كانوا غلبوا على مكة وحكموا فيها ثم أخرجوا منها فصاروا في ظاهرها وكانت بينهم وبين بني بكر عداوة ظاهرة في الجاهلية وكانت خزاعة حلفاء بني هاشم بن عبد مناف إلى عهد النبي وكانت بنو بكر حلفاء قريش قوله رجلا من بني ليث واسم الرجل القاتل من خزاعة خراش بالخاء والشين المعجمتين ابن أمية الخزاعي واسم المقتول منهم في الجاهلية أحمر واسم المقتول من بني ليث قبيلة لم يدر اسمه وبنو ليث قبيلة مشهورة ينسبون إلى ليث بن بكر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر قوله حبس عن مكة الفيل أشار به إلى قصة الحبشة وهي مشهورة قوله ألا بفتح الهمزة واللام المخففة وهي كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها وتأتي لمعان أخر قوله ولا يختلى بالخاء المعجمة أي لا يجز شوكها قوله ولا يعضد أي لا يقطع قوله ولا يلتقط بفتح الياء من الالتقاط وفاعله هو قوله إلا منشد بالرفع وهو المعرف يعني لا يجوز لقطتها إلا للتعريف قوله فهو أي ولي القتيل بخير النظرين وهما الدية والقصاص قوله إما يودى بضم الياء على صيغة المجهول ويروى إما أن يؤدى أي إما أن يعطى الدية وإما أن يقاد أي يقتص من القود وهو القصاص واختلف العلماء في أخذ الدية من قاتل العمد فروي عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء أن ولي المقتول بالخيار بين القصاص وأخذ الدية وبه قال الليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال الثوري والكوفيون ليس له إذا كان عمدا إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا إذا رضي القاتل وبه قال مالك في المشهور عنه قوله أبو شاه بالهاء لا غير على المشهور وقيل بالتاء قوله ثم قام رجل من قريش هو العباس بن عبد المطلب وقد مر الكلام فيه مبسوطا في كتاب العلم وكتاب الحج والإذخر بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة وبالراء وهي حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب وهمزتها زائدة
وتابعه عبيد الله عن شيبان في الفيل
أي تابع حرب بن شداد عبيد الله بن موسى بن باذام الكوفي وهو شيخ البخاري أيضا في روايته عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ الفيل بالفاء وهو الحيوان المشهور وقد مر في كتاب العلم حبس مكة عن القتل أو الفيل بالشك
قال بعضهم عن أبي نعيم القتل
أراد بالبعض محمد بن يحياى الذهلي فإنه روى عن أبي نعيم الفضل بن دكين القتل بالقاف والتاء المثناة من فوق وقد مر في العلم وجعلوه على الشك كذا قال أبو نعيم الفيل أو القتل وغيره يقول الفيل يعني بالفاء
وقال عبيد الله إما أن يقاد أهل القتيل
هو عبيد الله بن موسى المذكور شيخ البخاري أي قال في روايته الحديث المذكور عن شيبان بعد قوله إما أن يودى وإما أن يقاد أهل القتيل يعني زاد هذه اللفظة وهي في روايته إما أن يعطى الدية وإما أن يقاد أهل القتيل ومعناه يؤخذ لأهل القتيل بثأرهم هكذا يفسر حتى لا يبقى الإشكال وقد استشكله الكرماني ثم أجاب بقوله هو مفعول ما لم يسم فاعله ليودى له وأما مفعول يقاد ضمير عائد إلى القتيل وبالتفسير الذي فسرناه يزول الإشكال فلا يحتاج إلى التكلف
6881 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( مجاهد ) عن ( ابن عباس ) رضي

(24/43)


الله عنهما قال كانت في بني إسرائيل قصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمةكتب عليكم القصاص في القتلى إلى هذه الآية فمن عفي له من أخيه شيء
قال ابن عباس فالعفو أن يقبل الدية في العمد قال ز س أن يطلب بمعروف ويؤدي بإحسان
انظر الحديث 4498
مطابقته للترجمة من حيث إن لولي القتيل ترك القصاص والرضا بالدية وأن الاختيار في أخذ الدية أو الاقتصاص راجع إلى ولي القتيل ولا يشترط في ذلك رضا القاتل وكذا كان قصد البخاري من الترجمة المذكورة
وسفيان هو ابن عيينة وعمرو بفتح العين ابن دينار وقد تقدم في سورة البقرة عن الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو سمعت مجاهدا عن ابن عباس هكذا وصله ابن عيينة عن عمرو بن دينار وهو أثبت الناس في عمرو ورواه ورقاء بن عمر عن عمرو فلم يذكر فيه ابن عباس أخرجه النسائي
قوله كانت في بني إسرائيل قصاص كذا هنا كانت بالتأنيث وفي رواية الحميدي عن سفيان كان وهو أوجه ولكنه أنث هنا باعتبار معنى المقاصة ولم يكن في دين عيسى عليه السلام القصاص فكل واحد منهما واقع في الطرف وهذا الدين الإسلامي هو الواقع وسطا قوله فقال الله إلى قوله فمن عفي له من أخيه شيء كذا وقع في رواية قتيبة وكذا وقع في رواية أبي ذر والأكثرين ووقع في رواية النسفي والقابسي إلى قوله فمن له من أخيه شيء ووقع في رواية ابن أبي عمر في مسنده إلى قوله في هذه الآية وبهذا يظهر المراد وإلا فالأول يوهم أن قوله فمن عفي له من أخيه شيء في آية تلي الآية المبدأ بها وليس كذلك قوله فالعفو أن يقبل أي ولي القتيل أن يقبل الدية في العمد يعني يترك له دمه ويرضى منه بالدية قوله فاتباع بالمعروف أي في المطالبة بالدية من القاتل وعلى القاتل إذ ذاك أداء إليه بإحسان وهو معنى قوله ويؤدي بإحسان أي القاتل كما ذكرنا
9 -
( باب من طلب دم امرىء بغير حق )
أي هذا باب في بيان حكم من طلب دم رجل بغير حق
6882 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( عبد الله بن أبي حسين ) حدثنا ( نافع بن جبير ) عن ( ابن عباس ) أن النبي قال أبغض الناس إلى الله ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وعبد الله بن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي حسين المدني النوفلي نسب إلى جده ونافع بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ابن مطعم القرشي المدني والحديث من أفراده
قوله أبغض الناس أفعل التفضيل هنا بمعنى المفعول من البغض والبغض من الله إرادة إيصال المكروه قوله الناس أي المسلمين قوله ملحد بضم الميم وهو المائل عن الحق العادل عن القصد أي الظالم فإن قلت مرتكب الصغيرة مائل عن الحق قلت هذه الصيغة في العرف تستعمل للخارج عن الدين فإذا وصف بها من ارتكب معصية كان في ذلك إشارة إلى عظمها وقيل إيراده بالجملة الاسمية مشعر بثبوت الصفة والتنكير للتعظيم فيكون في ذلك إشارة إلى عظم الذنب وقيل معناه الظلم في أرض الحرم بتغييرها عن وصفها أو تبديل أحكامها قوله ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية أي طالب في الإسلام طريقة الجاهلية كالنياحة مثلا وفي التوضيح ومبتغ روي بالغين يعني من الابتغاء وهو الطلب وبالعين المهملة من التتبع والذي شرحه ابن بطال الأول فإن قيل هذه صغيرة أجيب بأن معنى الطلب سنيتها ليس فعلها بل إرادة بقاء تلك القاعدة وإشاعتها وتنفيذها بل جميع قواعدها لأن اسم الجنس المضاف عام ولهذا لم يقل فاعلها قوله ومطلب بضم الميم وتشديد الطاء وكسر اللام وأصله متطلب لأنه من باب الافتعال فأبدلت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء ومعناه متكلف للطلب قوله بغير حق احترازا عمن يفعل ذلك بحق كالقصاص

(24/44)


مثلا قوله ليهريق بفتح الهاء وسكونها وقال الكرماني الإهراق هو المحظور المستحق لمثل هذا الوعيد لا مجرد الطلب ثم أجاب بقوله المراد الطلب المرتب عليه المطلوب أو ذكر الطلب ليلزم في الإهراق بالطريق الأولى وقال المهلب المراد بهؤلاء الثلاثة أنهم أبغض أهل المعاصي إلى الله تعالى فهو كقوله أكبر الكبائر وإلا فالشرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي
10 -
( باب العفو في الخطإ بعد الموت )
أي هذا باب في بيان عفو ولي المقتول عن القاتل في القتل الخطأ بعد موت المقتول وليس المراد عفو المقتول لأنه محال وإنما قيده بما بعد الموت لأنه لا يظهر أثره إلا فيه إذ لو عفا المقتول ثم مات لم يظهر لعفوه أثر لأنه لو عاش تبين أن لا شيء له بعفوه عنه وقال ابن بطال أجمعوا على أن عفو الولي إنما يكون بعد موت المقتول وأما قبل ذلك فالعفو للقتيل خلافا لأهل الظاهر فإنهم أبطلوا عفو القتيل
6883 - حدثنا ( فروة ) حدثنا ( علي بن مسهر ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) ( هزم المشركون يوم أحد )
وحدثني ( محمد بن حرب ) حدثنا ( أبو مروان يحيى بن أبي زكرياء ) عن ( هشام ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت صرخ إبليس يوم أحد في الناس يا عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم على أخراهم حتى قتلوا اليمان فقال حذيفة أبي أبي فقتلوه فقال حذيفة غفر الله لكم قال وقد كان انهزم منهم قوم حتى لحقوا بالطائف
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله غفر الله لكم لأن معناه عفوت عنكم لأن المسلمين كانوا قتلوا اليمان أبا حذيفة خطأ يوم أحد فعفا حذيفة عنهم بعد قتله
وقد أخرج أبو إسحاق الفزاري في السير عن الأوزاعي عن الزهري قال أخطأ المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فبلغت النبي فزاده عنده خيرا ووداه من عنده
وفروة شيخ البخاري بفتح الفاء وسكون الراء وبالواو ابن أبي المغراء أبو القاسم الكندي الكوفي وعلي بن مسهر بضم الميم اسم فاعل من الإسهار بالسين المهلمة والراء وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها
وأخرجه من طريقين أحدهما هو الذي ذكرناه وسقط هذا في رواية أبي ذر والثاني عن محمد بن حرب بياع النشا بالنون والشين المعجمة الواسطي عن أبي مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني الشامي سكن واسط قيل ظاهره أن الروايتين سواء وليس كذلك وساق المتن هنا على لفظ أبي مروان وأما لفظ علي بن مسهر فقد تقدم في باب من حنث ناسيا في كتاب الأيمان والنذور ومر الحديث في باب صفة إبليس فإنه أخرجه هناك عن زكريا بن يحيى عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة ومر الكلام فيه
قوله أخراكم أي اقتلوا أو احذروا قوله حتى قتلوا اليمان أي قتل المسلمون اليمان بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم وبالنون وهو والد حذيفة قوله أبي أبي أي قال حذيفة هذا أبي أبي لا تقتلوه ولم يسمعوا منه فقتلوه ظانين أنه من المشركين فدعا لهم حذيفة قال الكرماني فدعا لهم وتصدق بديته على المسلمين وقال الخطابي فيه أن المسلم إذا قتل صاحبه خطأ عند اشتباك الحرب لا شيء عليه وكذلك في جميع الازدحامات إلا إذا فعله قاصدا لهلاكه قوله منهم أي من المشركين قوله بالطائف وهو البلد المشهور وراء مكة شرفها الله
( باب قول الله تعالىوما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى ؤهله

(24/45)


وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما )
أي هذا باب في ذكر قول الله عز و جل إلى آخره كذا سيقت الآية بتمامها عند الأكثرين وفي رواية أبي ذر هكذا باب قول الله تعالى ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ وكذا في رواية ابن عساكر ولم يذكر معظمهم في هذا الباب حديثا هذه الآية أصل في الديات فذكر فيها ديتين وثلاث كفارات ذكر الدية والكفارة بقتل المؤمن في دار الإسلام وذكر الكفارة دون الدية بقتل المؤمن في دار الحرب في صف المشركين إذا حضر معهم الصف فقتله مسلم وذكر الدية والكفارة بقتل الذمي في دار الإسلام وقال مجاهد وعكرمة هذه الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي قتل رجلا مسلما ولم يعلم بإسلامه وكان ذلك الرجل يعذبه بمكة مع أبي جهل ثم أسلم وخرج مهاجرا إلى النبي فلقيه عياش في الطريق فقتله وهو يحسبه كافرا ثم جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فأخبره بذلك فأمره أن يعتق رقبة ونزلت الآية حكاه الطبري عنهما وقال السدي قتله يوم الفتح وقد خرج من مكة ولا يعلم بإسلامه وقيل نزلت في أبي عامر والد أبي الدرداء خرج إلى سرية فعدل إلى شعب فوجد رجلا في غنم فقتله وأخذها وكان يقول لا إلاه إلا الله فوجد في نفسه من ذلك فذكره لرسول الله فأنكر عليه قتله إذ قال لا إلاه إلا الله فنزلت الآية وقيل نزلت في والد حذيفة بن اليمان قتل خطأ يوم أحد وقد مضى عن قريب
قوله إلا خطأ ظاهره غير مراد فإنه لا يشرع قتله خطأ ولا عمدا لكن تقديره إن قتله خطأ وقال الأصمعي وأبو عبيد المعنى إلا أن يقتله مخطئا وهو استثناء منقطع قوله 0 لا تجوز الكافرة وحكى ابن جرير عن ابن عباس والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري أنهم قالوا لا يجزىء الصغير إلا أن يكون قاصدا للإيمان واختار ابن جرير أنه إن كان مولودا بين أبوين مسلمين جاز وإلا فلا والذي عليه الجمهور أنه متى كان مسلما صح عتقه عن الكفارة سواء كان صغيرا أو كبيرا قوله إلا أن يصدقوا أي إلا أن يتصدقوا بالدية فلا يجب قوله فإن كان من قوم عدو لكم أي إذا كان القتيل مؤمنا ولكن أولياؤه من الكفار أهل الحرب فلا دية لهم وعلى قاتله تحرير رقبة مؤمنة لا غير قوله ميثاق أي عهد وهدنة فالواجب دية مسلمة إلى أهل القتيل وتحرير رقبة قوله متتابعين يعني لا إفطار بينهما فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيض أو نفاس استأنف الصوم واختلفوا في السفر هل يقطع أم لا عل قولين قوله توبة أي رحمة رحمة من الله بكم أي التيسير عليكم بتخفيف عنكم بتحرير الرقبة المؤمنة إذا أيسرتم بها قوله وكان الله عليما حكيما أي لم يزل عليما بما يصلح عباده فيما يكلفهم من فرائضه حكيما بما يقضي فيه ويأمر
12 -
( باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أقر شخص بالقتل مرة واحدة قتل به أي بذلك الإقرار كذا وقعت هذه الترجمة عند الأكثرين وفي رواية النسفي لم تذكر هذه الترجمة بل قال بعد قوله خطأ الآية وإذا أقر إلى آخره
6884 - حدثني ( إسحاق ) أخبرنا ( حبان ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هاذا أفلان أفلان حتى سمي اليهودي فأومأت برأسها فجيء باليهودي فاعترف فأمر به النبي فرض رأسه بالحجارة وقد قال همام بحجرين
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق شيخ البخاري قال الغساني لم أجده منسوبا عند أحد ويشبه أن يكون ابن منصور قلت إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي انتقل بآخرة إلى نيسابور وهو شيخ

(24/46)


مسلم أيضا مات سنة إحدى وخمسين ومائتين وقيل لا يبعد أن يكون إسحاق بن راهويه فإنه كثير الرواية عن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن هلال الباهلي وهمام بتشديد الميم بن يحيى بن دينار البصري
والحديث قد مر في مواضع في الأشخاص وفي الوصايا وفي الديات ومضى عن قريب في باب من أقاد بالحجر وأخرجه بقية الجماعة
قوله فقيل لها أي للجارية أي سئل عنها وإنما سئل عنها مع أنه لا يثبت بإقرارها شيء عليه لأن يعرف المتهم من غيره فيطالب فإن اعترف ثبت عليه قوله فأمر به النبي أي بعد موت الجارية المذكورة
وفي التوضيح فيه حجة على الكوفيين في قولهم لا بد من الإقرار مرتين وهو خلاف الحديث لأنه لم يذكر فيه أن اليهودي أقر أكثر من مرة واحدة ولو كان فيه حد معلوم لبينه وبه قال مالك والشافعي انتهى قلت اشتراط الكوفيين مرتين في الإقرار قياس على اشتراط الأربع في الزنى ومطلق الاعتراف لا ينحصر على المرة
13 -
( باب قتل الرجل بالمرأة )
أي هذا باب في بيان وجوب قتل الرجل بمقابلة قتله المرأة وهو قول فقهاء عامة الأمصار وجماعة العلماء وشذ الحسن ورواه عن عطاء فقالا إن قتل أولياء المرأة الرجل بها أدوا نصف الدية وإن قتل أولياء الرجل المرأة أخذوا من أوليائها نصف دية الرجل وروي مثله عن الشعبي عن علي رضي الله تعالى عنه وبه قال عثمان البتي وحجة الجماعة حديث الباب أخرجه غير مرة
6885 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن النبي قتل يهوديا بجارية قتلها على أوضاح لها
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح حكمها ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع وسعيد هو ابن أبي عروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وذكر غير مرة مع شرحه
والأوضاح جمع وضح نوع من الحلي يعمل من فضة سميت بها لبياضها لأن الوضح البياض من كل شيء
14 -
( باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات )
أي هذا باب في بيان وجوب القصاص الخ والجراحات جمع جراحة ووجوب القصاص في ذلك قول الثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا قصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس من الجراحات لأن المساواة معتبرة في النفس دون الأطراف ألا ترى أن اليد الصحيحة لا تؤخذ بيد شلاء والنفس الصحيحة تؤخذ بالمريضة
وقال أهل العلم يقتل الرجل بالمرأة
أراد بأهل العلم الجمهور من العلماء فإن عندهم يقتل الرجل بالمرأة بالنص
ويذكر عن عمر تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح
أي يذكر عن عمر بن الخطاب تقتص المرأة من الرجل يعني إذا قتلت الرجل في قتل العمد الذي يبلغ نفس الرجل فما دونها من الجراح يعني في كل عضو من أعضائها عند قطعها من أعضاء الرجل وفيه الخلاف الذي ذكرناه آنفا
وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور من طريق النخعي قال فيما جاء به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر قال جروح الرجال والنساء سواء قلت لم يصح سماع النخعي من شريح فلذلك ذكر البخاري أثر عمر هذا بصيغة التمريض
وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد عن أصحابه
أي وبما روي عن عمرو بن الخطاب قال عمرو بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن

(24/47)


ذكوان المدني قوله عن أصحابه أي عن أصحاب أبي الزناد مثل عبد الرحمان بن هرمز الأعرج والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وغيرهم وأثر عمر بن عبد العزيز وإبراهيم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن جعفر بن برقان عن عمر بن عبد العزيز وعن مغيرة عن إبراهيم النخعي قالا القصاص بين الرجل والمرأة في العمد سواء وأثر أبي الزناد أخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمان بن أبي الزناد عن أبيه قال كل من أدركت من فقهائنا وذكر السبعة في مشيخة سواهم أهل فقه وفضل ودين قال ربما اختلفوا في الشيء فأخذنا بقول أكثرهم وأفضلهم رأيا أنهم كانوا يقولون المرأة تقاد بالرجل عينا بعين وأذنا بأذن وكل شيء من الجوارح على ذلك وإن قتلها قتل بها
وجرحت أخت الربيع إنسانا فقال النبي القصاص
هذا تعليق من البخاري والربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف مصغر الربيع ضد الخريف بنت النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة والصواب بنت النضر عمة أنس وقال الكرماني قيل صوابه حذف لفظ الأخت وهو الموافق لما مر في سورة البقرة في آية كتب عليكم القصاص أن الربيع نفسها كسرت ثنية جارية إلى آخره اللهم إلا أن يقال هذه امرأة أخرى لكنه لم ينقل عن أحد انتهى قلت وقد ذكر جماعة أنهما قضيتان وقال النووي قال العلماء المعروف رواية البخاري ويحتمل أن تكونا قضيتين وجزم ابن حزم أنهما قضيتان صحيحتان وقعتا لامرأة واحدة إحداهما أنها جرحت إنسانا فقضي عليها بالضمان والأخرى أنها كسرت ثنية جارية فقضي عليها بالقصاص وحلفت أمها في الأولى وأخوها في الثانية وقال البيهقي بعد أن أورد الروايتين ظاهر الخبرين يدل على أنهما قضيتان قوله القصاص بالنصب على الإغراء وهو التحريض على الأداء أي أدوه وفي رواية النسفي كتاب الله القصاص قيل الجراحة غير مضبوطة فلا يتصور التكافؤ فيها وأجيب قد تكون مضبوطة وجوز بعضهم القصاص على وجه التحري
6886 - حدثنا ( عمرو بن علي ) حدثنا يحياى حدثنا سفيان حدثنا موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت لددنا النبي في مرضه فقال لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه قصاص الرجل من المرأة لأن الذين لدوه كانوا رجالا ونساء بل أكثر البيت كانوا نساء
وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( سفيان ) هو الثوري و ( موسى بن أبي عائشة ) الهمداني الكوفي أبو بكر و ( عبيد الله بن عبد الله ) بتصغير الابن وتكبير الأب ابن عتبة بن مسعود
والحديث مضى في باب مرض النبي ووفاته
قوله لددنا مشتق من اللدود وهو ما يصب في المسعط من الدواء في أحد شقي الفم وقد لد الرجل فهو ملدود وألددته أنا والتد هو قوله لا تلدوني بضم اللام قوله كراهية المريض للدواء يعني لم ينهنا نهي تحريم بل نهي تنزيه لأنه كرهه كراهية المريض الدواء قوله إلا لد بلفظ المجهول أي لا يبقى أحد إلا لد قصاصا ومكافأة لفعلهم وقال الكرماني يحتمل أن يكون ذلك عقوبة لهم لمخالفتهم نهيه وقال الخطابي فيه حجة لمن رأى في اللطمة ونحوها من الإيلام والضرب القصاص على جهة التحري وإن لم يوقف على حده لأن اللدود يتعذر ضبطه وتقديره على حد لا يتجاوز ولا يوقف عليه إلا بالتحري قوله فإنه لم يشهدكم أي لم يحضركم
( من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان )

(24/48)


أي هذا باب في بيان من أخذ حقه من جهة غريمه بغير حكم حاكم قوله أو اقتص ممن وجب له قصاص في نفس أو طرف قوله دون السلطان يعني بغير أمر السلطان ومراده بالسلطان الحاكم لأن من له حكم له تسلط والنون فيه زائدة وجواب من غير مذكور وفيه بيان الحكم ولم يذكره على عادته إما اكتفاء بما ذكر في حديث الباب وإما اعتمادا على ذهن مستنبط الحكم من الخبر وقال ابن بطال اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من حقه دون السلطان قال وإنما اختلفوا فيمن أقام الحد على عبده وقد تقدم قال وأما أخذ الحق فإنه يجوز عندهم أن يأخذ حقه من المال خاصة إذا جحده إياه ولا بينة له عليه وقيل إذا كان السلطان لا ينصر المظلوم ولا يوصله إلى حقه جاز له أن يقتص دون الإمام
6887 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) أن ( الأعرج ) حدثه أنه سمع ( أبا هريرة ) يقول إنه سمع رسول الله يقول نحن الآخرون السابقون
قيل لا مطابقة أصلا بين الترجمة والحديث المذكور وقال صاحب التوضيح أدخل هذا الحديث في الباب وليس منه لأنه سمع الحديثين معا قلت يعني سمع هذا الحديث والحديث الذي بعده في نسق واحد فحدث بهما جميعا كما سمعهما وبهذا أجاب الكرماني قبله وأجاب الكرماني بجوابين أيضا أحدهما أن الراوي عن أبي هريرة سمع منه أحاديث أولها ذلك فذكرها على الترتيب الذي سمعه منه والآخر كان أول الصحيفة ذلك فاستفتح بذكره انتهى
ثم إنه أخرج هذا الحديث عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة واختصره وقد مر في آواخر كتاب الوضوء في باب البول في الماء الدائم بعين هذا الإسناد عن أبي اليمان الخ
قوله نحن الآخرون يعني في الدنيا والسابقون في الآخرة وفي رواية أبي ذر نحن الآخرون السابقون يوم القيامة
6888 - ( وبإسناده ) لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له خذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح
هذا الحديث يطابق الترجمة وسيأتي عن قريب قوله وبإسناده أي بإسناد الحديث المتقدم
قوله لو اطلع بتشديد الطاء وقوله أحد فاعله قوله ولم يأذن لم قيد به لأنه لو أذن له بذلك ففقأ عينه بحصاة أو نواة ونحوهما يلزمه القصاص قوله خذفته بالخاء والذال المعجمتين وفي رواية أبي ذر والقابسي بالحاء المهملة والأول أوجه لأنه ذكر الحصاة والرمي بالحصاة الخذف بالمعجمة وقال القرطبي الرواية بالمهملة خطأ لأن في نفس الخبر أنه الرمي بالحصاة وهو بالمعجمة جزما وهذا الرمي إما أن يكون بين الإبهام والسبابة وإما بين السبابتين قوله ففقأت عينه أي فقلعتها وقال ابن القطاع فقأ عينه أطفأ ضوءها قوله من جناح بالضم أي من إثم أو مؤاخذة وفي رواية لابن أبي عاصم من حرج بدل جناح ويروى ما كان عليه في ذلك من شيء وفي رواية أخرى يحل لهم فقء عينه ويروى من حديث ثوبان مرفوعا لا يحل لأمرىء من المسلمين أن ينظر في جوف بيت حتى يستأذن فإن فعل فقد دخل وقال الطحاوي لم أجد لأصحابنا في المسألة نصا غير أن أصلهم أن من فعل شيئا دفع به عن نفسه مما له فعله أنه لا ضمان عليه مما تلف منه كالمعضوض إذا انتزع يده من في العاض لأنه دفع عن نفسه وقال أبو بكر الرازي ليس هذا بشيء ومذهبهم أنه يضمن لأنه يمكنه أن يدفعه عن الاطلاع من غير فقء العين بخلاف المعضوض لأنه لم يمكنه خلاصه إلا بكسر سن العاض وروى ابن عبد الحكم عن مالك أن عليه القود وقالت المالكية الحديث خرج مخرج التغليظ
6889 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( حميد ) أن رجلا اطلع في بيت النبي

(24/49)


فسدد إليه مشقصا فقلت من حدثك بهذا قال أنس بن مالك
( انظر الحديث 6242 وطرفه )
قال الكرماني فإن قلت هذا الحديث لا يطابق الترجمة لأنه هو الإمام الأعظم فلا يدل على جواز ذلك لآحاد الناس قلت حكم أقواله وأفعاله عام متناول للأمة إلا ما دل دليل على تخصيصه به
ويحيى هو ابن سعيد القطان وحميد هو الطويل
وهذا الحديث مرسل أولا ومسندا آخرا قال الكرماني قلت كونه مرسلا أولا لأن حميدا لم يدرك القصة وكونه مسندا آخرا لأنه قال من حدثك بهذا قال أنس
قوله أن رجلا اطلع بتشديد الطاء قوله فسدد إليه بالسين المهملة وتشديد الدال الأولى أي صوب وفاعله النبي ومشقصا مفعوله وهو بكسر الميم وبالقاف وبالصاد المهملة النصل العريض أو السهم الذي فيه ذلك وقال ابن التين رويناه بتشديد الشين المعجمة أي أوثقه قال وروي بالسين المهملة أي قومه وهداه إلى ناحيته قوله من حدثك القائل يحيى لحميد قوله قال أنس بن مالك أي حدثني أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
16 -
( باب إذا مات في الزحام أو قتل )
أي هذا باب مترجم بما إذا مات شخص في الزحام أو قتل وفي رواية ابن بطال أو قتل به أي بالزحام ولم يذكر جواب إذا الذي هو الحكم لمكان الاختلاف فيه على ما سيجيء بيانه عن قريب إن شاء الله
6890 - حدثني ( إسحاق بن منصور ) أخبرنا ( أبو أسامة ) قال ( هشام ) أخبرنا عن أبيه عن ( عائشة ) قالت لما كان يوم أحد هزم المشركون فصاح إبليس أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله أبي أبي قالت فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة غفر الله لكم
قال عروة فما زالت في حذيفة منه بقية حتى لحق بالله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه لأنهم كانوا متزاحمين عليه
قوله حدثني إسحاق ويروى أخبرنا وأما إسحاق هذا فقد قال الغساني لا يخلو أن يراد به إما ابن منصور وإما ابن نصر وإما ابن إبراهيم الحنظلي قلت وقع في بعض النسخ إسحاق بن منصور بذكر أبيه وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة بن الزبير
قوله قال هشام أخبرنا عن أبيه من تقديم اسم الراوي على الصيغة
قوله هزم على بناء المجهول قوله أي عباد الله أي يا عباد الله أخراكم أي قاتلوا أخراكم قوله فاجتلدت من الجلد وهو القوة والصبر قوله اليمان اسم أبي حذيفة قوله أبي أبي أي هذا أبي لا تقتلوه قوله فما احتجزوا أي فما امتنعوا وما انفكوا ويقال فما تركوه ومن ترك شيئا فقد انحجز عنه قوله قتلوه أي المسلمون قتلوه قوله منه قال بعضهم أي من ذلك الفعل وهو العفو قلت الظاهر أن المعنى أي من قتلهم اليمان قوله بقية أي بقية خير قاله الكرماني وقد مر الكلام فيه عن قريب في باب العفو عن الخطأ ومر مطولا في غزوة أحد
واختلفوا في حكم الترجمة المذكورة فروي عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما أن ديته تجب في بيت المال وبه قال إسحاق وقال الحسن البصري إن ديته تجب على من حضر وقال الشافعي يقال لوليه أدع على من شئت واحلف فإن حلف استحق الدية وإن نكل حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة وقال مالك دمه هدر
17 -
( باب إذا قتل نفسه خطأ فلا دية له )
أي هذا باب فيه إذا قتل شخص نفسه خطأ أي مخطئا أي قتلا خطأ فلا دية له أي فلا تجب الدية له وزاد الإسماعيلي

(24/50)


ولا إذا قتل نفسه عمدا وقال الإسماعيلي وليس مطابقا لما بوب له قلت إنما قال خطأ لمحل الخلاف فيه قال ابن بطال قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق تجب ديته على عاقلته فإن عاش فهي له عليهم وإن مات فهي لورثته وقال الجمهور منهم ربيعة ومالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي لا شيء فيه وحديث الباب حجة لهم حيث لم يوجب الشارع لعامر بن الأكوع دية على عاقلته ولا على غيرها ولو وجب عليها شيء لبينه لأنه مكان يحتاج فيه إلى البيان إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة والنظر يمنع أن يجب للمرء على نفسه شي بدليل الأطراف فكذا الأنفس وأجمعوا على أنه إذا قطع طرفا من أطرافه عمدا أو خطأ لا يجب فيه شيء قال الكرماني إن لفظ فلا دية له في الترجمة المذكورة لا وجه له وموضعه اللائق به الترجمة السابقة أي إذا مات في الزحام فلا دية له على المزاحمين عليه لظهور أن قاتل نفسه لا دية له ولعله من تصرفات النقلة عن نسخة الأصل وقالت الظاهرية ديته على عاقلته فربما أراد البخاري بهذا ردهم انتهى قلت على هذا لا وجه لقوله وموضعه اللائق به الترجمة السابقة بل اللائق به أن يذكر في الترجمتين جميعا فافهم
6891 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) حدثنا ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة ) قال خرجنا مع النبي إلى خيبر فقال رجل منهم أسمعنا يا عامر من هنياتك فحدا بهم فقال النبي من السائق قالوا عامر فقال رحمه الله فقالوا يا رسول الله هلا أمتعتنا به فأصيب صبيحة ليلته فقال القوم حبط عمله قتل نفسه فلما رجعت وهم يتحدثون أن عامرا حبط عمله فجئت إلى النبي فقلت يا نبي الله فداك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله فقال كذب من قالها إن له لأجرين اثنين إنه لجاهد مجاهد وأي قتل يزيده عليه
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يحكم بالدية لورثة عامر على عاقلته أو على بيت مال المسلمين
ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع بفتحتين ابن عمرو بن الأكوع واسمه سنان الأسلمي
وهذا الحديث هو التاسع عشر من ثلاثيات البخاري وقد مضى في المغازي عن القعنبي وفي الأدب عن قتيبة وفي المظالم عن أبي عاصم النبيل وفي الذبائح عن مكي بن إبراهيم وفي الدعوات عن مسدد وأخرجه مسلم وابن ماجه أيضا وقد مضى الكلام فيه
قوله إلى خيبر هي قرية كانت لليهود نحو أربع مراحل من المدينة إلى الشام قوله أسمعنا بفتح الهمزة أمر من الإسماع وعامر هو عم سلمة وقيل أخوه قوله من هنياتك بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء آخر الحروف جمع هنية وقد تبدل الياء هاء فيقال هنيهة ويجمع على هنيهات وأراد بها الأراجيز ووقع في رواية المستملي بحذف الياء قوله فحدا بهم أي ساقهم منشدا للأراجيز قوله أمتعتنا به أي وجبت له الشهادة بدعائك وليتك تركته لنا وكانوا قد عرفوا أنه لا يدعو لأحد خاصة عند القتال إلا استشهد قوله فأصيب على صيغة المجهول أي فأصيب عامر صبيحة ليلته تلك قوله فلما رجعت القائل به عامر قوله وهم يتحدثون الواو فيه للحال قوله اثنين تأكيد لقوله أجرين قوله لجاهد مجاهد كلاهما اسم الفاعل الأول من جهد والثاني من جاهد مجاهدة ومعناه جاهد في الخير مجاهد في سبيل الله وقال الكرماني ويروى أنه لجاهد بلفظ الماضي مجاهد بفتح الميم جمع مجهد يعني حضر مواطن من الجهاد عدة مجاهد قوله وأي قتل يزيده عليه أي أي قتل يزيده الأجر على أجره ويروى يزيد بدون الهاء وقيل أي أنه بلغ أرقى الدرجات وفضل النهاية وفي التوضيح وإنما قالوا حبط عمله لقوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم وهذا إنما هو فيمن يتعمد قتل نفسه إذ الخطأ لا ينهى عنه أحد وقال الداودي ويحتمل أن يكون هذا قبل قوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ

(24/51)


18 -
( باب إذا عض رجلا فوقعت ثناياه )
أي هذا باب فيه إذا عض رجل رجلا والعض هو القبض بالأسنان يقال عضه وعض به وعض عليه قوله فوقعت ثناياه أي ثنايا العاض وهو جمع ثنية وهو مقدم الأسنان وجواب إذا محذوف تقديره هل يلزمه شيء أم لا واختلف العلماء فيه فقالت طائفة من عض يد رجل فانتزع المعضوض يده من فم العاض فقلع شيئا من أسنان العاض فلا شيء عليه في السن روي هذا عن أبي بكر الصديق وشريح وهو قول الكوفيين والشافعي قالوا ولو جرحه المعضوض في موضع آخر فعليه ضمانه وقال ابن أبي ليلى ومالك هو ضامن لدية السن وقال عثمان البتي إن كان انتزعها من ألم أو وجع أصابه فلا شيء عليه وإن انتزعها من غير ألم فعليه الدية وحديث الباب حجة الأولين
6892 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( قتادة ) قال سمعت ( زرارة بن أوفاى ) عن ( عمران بن حصين ) أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه فاختصموا إلى النبي فقال يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح ما فيها من الإبهام
وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن أوفى بالفاء من الوفاء أبو حاجب العامري قاضي البصرة
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن أبي موسى وبندار وأخرجه الترمذي في الديات عن علي بن حشرم وأخرجه النسائي في القصاص عن ابن بشار وابن المثنى وغيرهما وأخرجه ابن ماجه في الديات عن علي بن محمد
قوله أن رجلا عض يد رجل كلاهما هنا مبهمان ووقع في رواية مسلم بهذا السند عن عمران قال قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه الحديث ويستفاد منه تعيين أحد المبهمين وأنه يعلى بن أمية ولكن لم يميز العاض من المعضوض ووقع في صحيح مسلم في حديث عمران قال قاتل يعلى بن منية أو ابن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه ووقع أيضا فيه وفي البخاري من حديث يعلى بن أمية قال كان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر قال لقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر فنسيته ولمسلم من رواية صفوان بن يعلى أن أجيرا ليعلى بن أمية عض رجل ذراعه فجذبها انتهى فتعين من هذا أن يعلى هو العاض ولا ينافيه قوله في الصحيحين كان لي أجير فقاتل إنسانا لأنه يجوز أن يكنى عن نفسه ولا يبين للسامعين أنه العاض كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها قبل النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم امرأة من نسائه فقال لها الراوي ومن هي إلا أنت فضحكت وقال النووي في شرح مسلم قال الحفاظ الصحيح المعروف أن المعضوض هو أجير يعلى لا يعلى قال ويحتمل أنهما قضيتان جرتا ليعلى وأجيره في وقت أو وقتين وقال شيخنا زين الدين في شرح الترمذي ليس في شيء من طرق مسلم أن يعلى هو المعضوض بل ولا في شيء من الكتب الستة والذي عند مسلم أن أجير يعلى هو المعضوض ويتعين أن يعلى هو العاض والله أعلم قوله فنزع يده من فمه هكذا رواية الكشميهني من فمه وفي رواية غيره من فيه قوله فوقعت ثنيتاه كذا في رواية الأكثرين ثنيتاه بالتثنية وفي رواية الكشميهني ثناياه بصيغة الجمع ووقع في رواية هشام عن قتادة فسقطت ثنيته بالإفراد ووقع في رواية الإسماعيلي فندرت ثنيته والتوفيق بين هذه الروايات أن الاثنين يطلق عليهما صيغة الجمع وأن رواية الإفراد على إرادة الجنس كذا قيل ولكن يعكر عليه رواية محمد بن علي فانتزع إحدى ثنيتيه فعلى هذا يحمل على التعدد قوله كما يعض الفحل هو الذكر من الحيوان قوله لا دية لك هكذا رواية الكشميهني لا دية لك وفي رواية غيره لا دية له وفي رواية هشام فأبطله وقال أردت أن تأكل لحمه
6893 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( عطاء ) عن ( صفوان بن يعلى ) عن أبيه قال خرجت في غزوة فعض رجل فانتزع ثنيته فأبطلها النبي

(24/52)


مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إيضاح ما أبهم في الحديث السابق
وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعطاء هو ابن أبي رباح المكي وصفوان بن يعلى يروي عن أبيه يعلى بوزن يرضى من العلو بالعين المهملة ابن منية بضم الميم وسكون النون وفتح الياء آخر الحروف وهي أمه وأما اسم أبيه فأمية بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف وقال أبو عمر يعلى بن أمية بن أبي عبيدة التميمي الحنظلي ويقال له يعلى بن منية ينسب حينا إلى أبيه وحينا إلى أمه أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك وقتل سنة ثمان وثلاثين مع علي رضي الله تعالى عنه بصفين بعد أن شهد الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها وهذا السند وقع هنا بعلو درجة ومضى في الإجارة والجهاد والمغازي من طريق ابن جريج بنزول لكن ساقه فيها بأتم مما هنا
قوله في غزوة وفي رواية الكشميهني في غزاة وثبت ذلك في رواية سفيان أنها غزوة تبوك ومثله في رواية ابن علية بلفظ جيش العسرة وأبعد من قال إنه كان في سفر كان فيه الإحرام بعمرة واعتمد في هذا على ما روي من حديث يعلى في باب من أحرم جاهلا وعليه قميص الحديث وفيه عض رجل يد رجل فانتزع ثنيته فأبطله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأن هذا محمول على أن الراوي سمع الحديثين فأوردهما معا عاطفا لأحدهما على الآخر بالواو التي لا تقتضي الترتيب قوله فعض رجل فانتزع ثنيته كذا وقع هنا عند البخاري بالاختصار المجحف وقد بينه الإسماعيلي من طريق يحيى القطان عن ابن جريج ولفظه قاتل رجل آخر فعض يده فانتزع يده فاندرت ثنيته قوله فأبطلها النبي أي حكم بأن لا ضمان على المعضوض
19 -
( باب السن بالسن )
أي هذا باب فيه السن يقلع في مقابلة السن إذا قلعه أحد وقال ابن بطال أجمعوا على قلع السن بالسن في العمد واختلفوا في سائر عظام الجسد فقال مالك فيها القود إلا ما كان مخوفا أو كان كالمأمومة والمنقلة والهاشمة ففيها الدية وقال الشافعي والليث والحنفية لا قصاص في عظم غير السن لأن دون العظم حائل من جلد ولحم وعصب تتعذر معه المماثلة وقال الطحاوي اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس فيلحق به سائر العظام وقال بعضهم وتعقب بأنه قياس مع وجود النص فإن في حديث الباب أنها كسرت الثنية فأمرت بالقصاص مع أن الكسر لا تطرد فيه المماثلة قلت لا يرد ما ذكره لأن مراده من قوله سائر العظام هي التي لا تتحقق فيها المماثلة
6894 - حدثنا ( الأنصاري ) حدثنا ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله عنه أن ابنة النضر لطمت جارية فكسرت ثنيتها فأتوا النبي فأمر بالقصاص
مطابقته للترجمة ظاهرة والأنصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك أبو عبد الله الأنصاري البصري وحميد بالضم الطويل
وهذا الحديث هو الموفي للعشرين من ثلاثيات البخاري وسماه البخاري في سورة البقرة حيث قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد أن أنسا حدثهم عن النبي قال كتاب الله القصاص
قوله إن ابنة النضر هي الربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف بنت النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وهو جد أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم والربيع المذكورة عمة أنس رضي الله تعالى عنه وتقدم في التفسير بهذا السند أن الربيع عمته وفي تفسير المائدة من رواية الفزاري عن حميد عن أنس كسرت عمة أنس ولأبي داود من طريق معتمر عن حميد عن أنس كسرت الربيع أخت أنس بن النضر قوله لطمت جارية وفي رواية الفزاري جارية من الأنصار وفي رواية معتمر امرأة بدل جارية وهذا يوضح أن المراد بالجارية المرأة الشابة لا الأمة الرقيقة قوله فأتوا النبي أي فأتى أهل الجارية النبي فطلبوا القصاص فأمر بالقصاص وقال الكرماني سبق آنفا أنها جرحت وقال هاهنا كسرت والجرح غير الكسر ثم أجاب عن ذلك فنحن نذكره بأحسن منه فقوله سبق آنفا أشار به

(24/53)


إلى الحديث المذكور في باب القصاص بين الرجال والنساء وقد مر عن قريب والجواب أنه ورد في الربيع حديثان مختلفان وحكمان اثنان في قضيتين مختلفتين لجارية واحدة أحد الحكمين في جراحة جرحتها الربيع إنسانا فقضى بالقصاص من تلك الجراحة فحلفت أنه لا تقتص منها فأبر الله قسمها ورضوا بالدية والثاني في ثنية امرأة كسرتها فقضى بالقصاص فحلف أخوها أنس بن النضر أن لا تقتص منها ورضوا بالأرش وكان هذا قبل أحد لأن أنس بن النضر قتل يوم أحد
20 -
( باب دية الأصابع )
أي هذا باب في بيان دية الأصابع هل هي مستوية أو مختلفة
6895 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) عن النبي قال هاذه وهاذه سواء يعني الخنصر والإبهام
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح الحكم في الترجمة
والحديث أخرجه أبو داود في الديات عن نصر بن علي وغيره وأخرجه الترمذي فيه عن بندار عن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن نصر بن علي به وغيره وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد وغيره
قوله سواء يعني في الدية والخنصر بالكسر الإصبع الصغرى
وثبت في كتاب الديات الذي كتبه سيدنا رسول الله لآل عمرو بن حزم أنه قال في اليد خمسون من الإبل في كل إصبع عشر من الإبل وأجمع العلماء على أن في اليد نصف الدية وأصابع اليد والرجل سواء وعلى هذا أئمة الفتوى ولا فضل لبعض الأصابع عندهم على بعض وقال ابن المنذر روينا عن عمر وعلي وعروة بن الزبير تفضيل بعض الأصابع على بعض روى الثوري وحماد بن زيد بن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عمر جعل في الإبهام خمس عشرة وفي البنصر تسعا وفي الخنصر ستا وفي السبابة والوسطى عشرا عشرا حتى وجد في كتاب الديات عند آل عمرو بن حزم أنه عليه الصلاة و السلام قال الأصابع كلها سواء فأخذ به وترك الأول ورواه جعفر بن عون عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب قال قضى عمر رضي الله تعالى عنه في الإبهام بثلاث عشرة والتي تليها بثنتي عشرة وفي الوسطى بعشرة وفي التي تليها بتسع وفي الخنصر بست ولم يلتفت أحد من الفقهاء إلى هذين القولين لما ثبت في حديث الباب عن ابن عباس وحديث عمرو بن حزم
وأما مفاصل الأصابع فروي عن قتادة عن عكرمة عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قضى في كل أنملة بثلث دية الإصبع وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع وقال آخرون لا شيء فيها وقال آخرون فيها حكم
حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال سمعت النبي نحوه
أي هذا طريق آخر نازل درجة من السند الأول من أجل وقوع التصريح بسماع ابن عباس عن النبي وفي الطريق الأول نوع إرسال صوري لروايته بلفظة عن
قوله نحوه أي نحو الحديث السابق وأخرجه ابن ماجه من رواية ابن أبي عدي بلفظ الأصابع سواء وابن أبي عدي محمد واسم أبي عدي إبراهيم
21 -
( باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أو يقتص منهم كلهم )
أي هذا باب فيه إذا أصاب قوم من رجل يعني إذا فجعوه قوله يعاقب على بناء المجهول كذا في رواية الأكثرين وفي رواية يعاقبون بصيغة الجمع وفي رواية يعاقبوا بحذف النون وهي لغة ضعيفة وقال الكرماني فإن قلت ما مفعول قوله يعاقب قلت هو من تنازع الفعلين في لفظ كلهم فإن قلت ما فائدة الجمع بين المعاقبة والاقتصاص قلت الغالب أن القصاص يستعمل في الدم والمعاقبة المكافأة والمجازاة مثل مجازاة اللد ونحوه فلعل غرضه التعميم ولهذا فسرنا الإصابة بالتفجيع

(24/54)


ليتناول الكل قوله أو يقتص منهم كلهم يعني إذا قتل أو جرح جماعة شخصا واحدا هل يجب القصاص على الجميع أو يتعين واحد ليقتص منه ولم يذكر الجواب اكتفاء بما ذكره في الباب ولمكان الاختلاف فيه فروي عن محمد بن سيرين أنه قال في الرجل يقتله الرجلان يقتل أحدهما ويؤخذ الدية من الآخر وقال الشعبي في الرجل يقتله النفر يدفع إلى أولياء المقتول فيقتلون من شاؤوا ويعفون عمن شاؤوا ونحوه عن ابن المسيب والحسن وإبراهيم
ومذهب جمهور العلماء أن جماعة إذا قتلوا واحدا قتلوا به أجمع وروي نحوه عن علي والمغيرة بن شعبة وعطاء وروي عن عبد الله بن الزبير ومعاذ أن لولي القتيل أن يقتل واحدا من الجماعة ويأخذ بقية الدية من الباقين مثل أن يقتله عشرة أنفس فله أن يقتل واحدا منهم ويأخذ من التسعة تسعة أعشار الدية وبه قال ابن سيرين والزهري وقالت الظاهرية لا قود على واحد منهم أصلا وعليهم الدية وبه قال ربيعة وهو خلاف ما أجمعت عليه الصحابة
وقال مطرف عن الشعبي في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعه علي ثم جاءا بآخر وقالا أخطأنا فأبطل شهادتهما وأخذا بدية الأول وقال لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما
مطرف بضم الميم اسم فاعل من التطريف بالطاء المهملة والراء ابن طريف بفتح الطاء وكسر الراء يروي عن عامر الشعبي
قوله شهدا على رجل كانت الشهادة عند علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بأن الرجل المذكور سرق فقطعه علي رضي الله تعالى عنه لثبوت سرقته عنده بشهادة هذين الاثنين قوله ثم جاءا بآخر بلفظ التثنية أي ثم جاء هذان الشاهدان عند علي رضي الله تعالى عنه برجل آخر وقالا أخطأنا في ذلك وكان السارق هذا لا ذاك قوله فأبطل أي علي شهادتهما هذه التي وقعت على الرجل الثاني لكونهما صارا متهمين قوله وأخذا على صيغة المجهول أي وأخذ الشاهدان المذكوران بدية الأول أي الرجل الأول الذي قطعت يده ويروى وأخذ بالإفراد على صيغة المعلوم أي وأخذهما علي رضي الله تعالى عنه بدية الرجل الأول قوله وقال أي علي لو علمت أنكما تعمدتما أي في شهادتكهما لقطعتكما لأنهما قد أقرا بالخطأ فيه وهذا التعليق رواه الشافعي رضي الله تعالى عنه عن سفيان بن عيينة أحد مشايخه عن مطرف المذكور وفي التلويح رواه الطبري عن بندار عن شعبة عن قتادة عنه
6896 - وقال لي ( ابن بشار ) حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن غلاما قتل غيلة فقال عمر لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وبالراء وهو محمد بن بشار المعروف ببندار و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( عبيد الله ) هو ابن عمر العمري
وهذا الأثر موصول إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بسند صحيح ورواه ابن أبي شيبة من وجه آخر حدثنا وكيع حدثنا العمري عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قتل سبعة من أهل صنعاء برجل وقال لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم قوله قتل على صيغة المجهول قوله غيلة بكسر الغين المعجمة أي غفلة وخديعة قوله فيها أي في هذه الفعلة وفي رواية الكشميهني فيه وهو أوجه قوله أهل صنعاء بالمد بلدة باليمن وهذا الأثر حجة للجمهور على أن الجمع يقتل بواحد وقال صاحب التوضيح كأن البخاري أراد بأثر عمر رضي الله تعالى عنه الرد على محمد بن سيرين قال في الرجل يقتله الرجلان يقتل أحدهما ويؤخذ الدية من الآخر وقد ذكرناه عن قريب
وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه إن أربعة قتلوا صبيا فقال عمر مثله
مغيرة بن حكيم الصنعاني الأنباري وثقه يحيى والعجلي والنسائي وابن حبان وروى له مسلم والنسائي والترمذي واستشهد به البخاري وأثره هذا مختصر من الأثر الذي وصله عبد الله بن وهب ومن طريقه قاسم بن إصبغ والطحاوي

(24/55)


والبيهقي وقال ابن وهب حدثني جرير بن حازم أن المغيرة بن حكيم الصنعاني حدثه عن أبيه أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها وترك في حجرها ابنا له من غيرها غلاما يقال له أصيل فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلا فقالت له إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى فامتنعت منه فطاوعها فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوه ثم قطعوا أعضاءه وجعلوه في عيبة بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف والباء الموحدة المفتوحة وهي وعاء من أدم فطرحوه في ركية بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف وهي البئر التي لم تطو في ناحية القرية ليس فيها ماء فذكر القصة وفيه فأخذ خليلها فاعترف ثم اعترف الباقون فكتب يعلى وهو يومئذ أمير بشأنهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكتب إليه عمر بقتلهم قوله إن أربعة هم خليل المرأة ورجل آخر والمرأة وخادمها قوله صبيا هو الذي ذكرنا اسمه الآن قوله مثله أي مثل قوله لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم
وأقاد أبو بكر وابن الزبير وعلي وسويد بن مقرن من لطمة
أي أمر بالقود أبو بكر الصديق وعبد الله بن الزبير وعلي بن أبي طالب وسويد بضم السين المهملة ابن مقرن بالقاف وكسر الراء المشددة وبالنون المزني من لطمة أي من أجل لطمة وهي الضرب على الخد بالكف
فأثر أبي بكر رضي الله تعالى عنه رواه ابن أبي شيبة عن شيبان عن شبابة عن يحيى عن شيبة بن الحضرمي قال سمعت طارق بن شهاب يقول لطم أبو بكر يوما رجلا لطمة فقيل ما رأينا كاليوم قط منعه ولطمه فقال أبو بكر إن هذا أتاني يستحملني فحملته فإذا هو يمنعهم فحلفت لا أحمله ثلاث مرات ثم قال له اقتص فعفا الرجل وأثر ابن الزبير رواه ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عيينة عن عمرو عنه أنه أقاد من لطمة وأثر علي رضي الله تعالى عنه رواه ابن أبي شيبة أيضا عن أبي عبد الرحمان المسعودي عبد الله بن عبد الملك عن ناجية أبي الحسن عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه قال في رجل لطم رجلا فقال للملطوم اقتص وأثر سويد بن مقرن رواه وكيع عن سفيان بن سعيد عن مغيرة عن إبراهيم عن الشعبي عنه
وأقاد عمر من ضربة بالدرة
أي أقاد عمر بن الخطاب من أجل ضربة بالدرة بكسر الدال وتشديد الراء وهي الآلة التي يضرب بها وأخرجه أبو الفرج الأصبهاني في تاريخه بسند فيه ضعف وانقطاع
وأقاد علي من ثلاثة أسواط
أي أقاد علي بن أبي طالب من أجل زيادة الجالد على المجلود ثلاثة أسواط وأخرجه أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد عن أشعث عن فضيل عن عبد الله بن معقل قال كنت عند علي فجاءه رجل فساره فقال علي يا قنبر أخرج هذا واجلده ثم جاءه المجلود فقال إنه زاد علي ثلاثة أسواط فقال له علي ما تقول قال صدق يا أمير المؤمنين قال خذ السوط واجلده ثلاث جلدات ثم قال يا قنبر إذا جلدت فلا تتعد الحدود
واقتص شريح من سوط وخموش
أي اقتص شريح بن الحارث القاضي من أجل سوط وخموش بضم الخاء المعجمة وهو الخدوش وزنا ومعنى وأخرج هذا الأثر سعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي قال جاء رجل إلى شريح فقال أقدني من جلوازك فسأله فقال ازدحموا عليك فضربته سوطا فأقاده منه وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي إسحاق عن شريح أنه أقاد من لطمة وخموش قلت الجلواز بكسر الجيم وسكون اللام وآخره زاي هو الشرطي سمي بذلك لأن من شأنه حمل الجلواز بكسر الجيم وهو السير الذي يشد في الوسط وعادة الشرطي أن يربطه في وسطه وقال الليث وابن القاسم يقاد من الضرب بالسوط وغيره إلا اللطمة في العين ففيها العقوبة خشية على العين والمشهور عن مالك وهو قول الأكثرين لا قود في اللطمة إلا

(24/56)


إن جرحت ففيها حكومة والسبب فيه تعذر المماثلة وإن كانت اللطمة على الخد ففيها القود وقالت طائفة لا قصاص في اللطمة روي هذا عن الحسن وقتادة وهو قول مالك والكوفيين والشافعي وقال الشافعي إذا جرح ففيه حكومة
6897 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال قالت عائشة لددنا رسول الله في مرضه وجعل يشير إلينا لا تلدوني قال فقلنا كراهية المريض بالدواء فلما أفاق قال ألم أنهكم أن تلدوني قال قلنا كراهية للدواء فقال رسول الله لا يبقى منكم أحد إلا لد وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم
هذا الحديث قد مضى عن قريب في باب القصاص بين الرجال والنساء فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن علي عن ( يحيى ) إلى آخره وهنا أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن ( سفيان ) الثوري عن ( موسى بن أبي عائشة ) الهمداني عن ( عبيد الله بن عبد الله ) بن عتبة بن مسعود وقال الكرماني وحديث اللدود ليس صريحا في القصاص لاحتمال أن يكون عقوبة لهم حيث خالفوا أمره قال شارح التراجم أما القصاص من اللطمة والدرة والأسواط فليس من الترجمة لأنه من شخص واحد وقد يجاب عنه بأنه إذا كان القود يؤخذ من هذه المحقرات فكيف لا يقاد من الجمع من الأمور العظام كالقتل والقطع وأشباه ذلك
قوله لا تلدوني بالضم وقيل بالكسر قوله قال أي قال قوله كراهية بالنصب والرفع قوله بالدواء ويروى للدواء قوله ألم أنهكم ويروى ألم أنهكن قوله إلا لد بضم اللام وتشديد الدال على صيغة المجهول قوله وأنا أنظر جملة حالية أي بحضوري وحالة نظري إليه قوله إلا العباس استثناء من أحد وهو لم يكن حاضرا وقت اللد فلا قصاص عليه ومر الكلام فيه في الباب المذكور فليرجع إليه
22 -
( باب القسامة )
أي هذا باب في بيان القسامة وأحكامها والقسامة بفتح القاف وتخفيف السين المهملة مصدر أقسم قسما وقسامة وفي بعض النسخ كتاب القسامة وقال الكرماني هي مشتقة من القسم على الدم أو من قسمته اليمين انتهى يقال أقسمت إذا حلفت وقسمت قسامة لأن فيها اليمين والصحيح أنها اسم للأيمان وقال الأزهري إنها اسم للأولياء الذين يحلفون على استحقاق دم المقتول وقال ابن سيده القسامة الجماعة يقسمون على الشيء أو يشهدون به ويمين القسامة منسوبة إليهم ثم أطلقت على الأيمان نفسها
وقال الأشعث بن قيس قال النبي شاهداك أو يمينه
قال بعضهم أشار البخاري بذكره هنا إلى ترجيح رواية سعيد بن عبيد في حديث الباب أن الذي يبدأ في يمين القسامة المدعى عليهم قلت الظاهر أن البخاري ذهب إلى ترك القتل بالقسامة لأنه صدر هذا الباب أولا بحديث الأشعث بن قيس والحكم فيه مقصور على البينة أو اليمين ثم ذكر عن ابن أبي مليكة وعمر بن عبد العزيز بالإرسال بغير إسناد وروى ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن الحسن أن أبا بكر وعمر والجماعة الأول لم يكونوا يقتلون بالقسامة وروي عن إبراهيم بسنده القود بالقسامة جور وفي رواية أبي معشر القسامة يستحق فيها الدية ولا يقاد فيها كذا قاله قتادة
والأشعث بسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبالثاء المثلثة ابن قيس الكندي قدم على النبي في ستين راكبا من كندة وأسلم ثم ارتد عن الإسلام بعد النبي ثم رجع إلى الإسلام في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه ومات سنة أربعين بعد قتل علي بن أبي طالب

(24/57)


رضي الله تعالى عنه بأربعين يوما وصلى عليه الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وحديثه قد مضى مطولا موصولا في كتاب الشهادات ثم في كتاب الأيمان والنذور ومضى الكلام فيه
وقال ابن أبي مليكة لم يقد بها معاوية
أي قال عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير وهو جد عبد الله وأبوه عبد الرحمان نسب إلى جده وكان قاضي ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما قوله لم يقد بضم الياء من أقاد أي لم يقتص معاوية بن أبي سفيان يعني لم يحكم بالقود في القسامة ووصله حماد بن سلمة في مصنفه عن ابن أبي مليكة سألني عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه عن القسامة فأخبرته أن عبد الله بن الزبير أقاد بها وأن معاوية يعني ابن أبي سفيان لم يقد بها وقال البيهقي روينا عن معاوية خلافه وقال ابن بطال وقد صح عن معاوية أنه أقاد بها
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة وكان أمره على البصرة في قتيل وجد عند بيت من بيوت السمانين إن وجد أصحابه بينة وإلا فلا تظلم الناس فإن هاذا لا يقضاى فيه إلى يوم القيامة
عدي بن أرطاة غير منصرف الفزاري من أهل دمشق قوله وكان أمره أي جعله أميرا على البصرة في سنة تسع وتسعين وقتله معاوية بن يزيد بن المهلب في آخر سنة اثنتين ومائة قوله في قتيل أي في أمر قتيل قوله السمانين جمع سمان وهم الذين يبيعون السمن قوله إن وجد الخ بيان كتاب عمر بن عبد العزيز وهو إن وجد أصحاب القتيل بينة فاحكم بها قوله وإلا أي وإن لم يجد أصحاب القتيل بينة فلا تظلم الناس أي لا تحكم بشيء فيه فإن هذه القضية من القضايا التي لا يحكم فيها إلى يوم القيامة لأن فيها الشهادة على الغائب وشهادة من لا يصلح لها وروى ابن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري قال دعاني عمر بن عبد العزيز فسألني عن القسامة وقال بدا لي أن أردها أن الأعرابي يشهد والرجل الغائب يجيء فيشهد قلت يا أمير المؤمنين إنك لن تستطيع ردها قضى بها رسول الله والخلفاء بعده وحدثنا ابن نمير حدثنا سعيد عن قتادة أن سليمان بن يسار حدث أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه قال ما رأيت مثل القسامة قط أقيد بها والله تعالى يقول واشهدوا ذوى عدل منكم وقالت الأسباط وما شهدنا إلا بما علمنا قال سليمان فقلت القسامة حق قضى بها رسول الله
6898 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سعيد بن عبيد ) عن ( بشير بن يسار ) زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلا وقالوا للذي وجد فيهم قتلتم صاحبنا قالوا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فانطلقوا إلى النبي فقالوا يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا فقال الكبر الكبر فقال لهم تأتون بالبينة على من قتله قالوا ما لنا بينة قال فيحلفون قالوا لا نرضاى بأيمان اليهود فكره رسول الله أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة
أي ذكر البخاري هذا الحديث مطابقا لما قبله في عدم القود في القسامة وأن الحكم فيها مقصور على البينة واليمين كما في حديث الأشعث
وأخرجه عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سعيد بن عبيد أبي الهذيل الطائي الكوفي عن بشير بضم

(24/58)


الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء ابن يسار بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف السين المهملة وبالراء المدني مولى الأنصار وقال ابن سعد كان شيخا كبيرا فقيها أدرك عامة الصحابة ووثقه يحيى بن معين والنسائي وكناه محمد بن إسحاق أبا كيسان وهو يروي عن سهل بن أبي حثمة بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة وقال الحافظ المزي هو سهل بن عبد الله بن أبي حثمة بفتح الحاء المهملة والثاء المثلثة واسمه عامر بن ساعدة الأنصاري وكنيته أبو يحيى وقيل أبو محمد والحديث مضى في الصلح وفي الجزية عن مسدد وفي الأدب عن سليمان بن حرب وأخرجه بقية الجماعة وقد ذكرناه وأخرجه الطحاوي من أربع طرق صحاح الأول قال حدثنا يونس قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد سمع بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال وجد عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر فجاء أخوه عبد الرحمان بن سهل وعماه حويصة ومحيصة ابنا مسعود إلى رسول الله فذهب عبد الرحمان ليتكلم فقال النبي الكبر الكبر ليتكلم أحد عميه إما حويصة وإما محيصة فتكلم الكبير منهما فقال يا رسول الله إنا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر وذكر عداوة اليهود لهم قال أفتبرئكم اليهود بخمسين يمينا أنهم لم يقتلوه قال فقلت وكيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون قال فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه قالوا كيف نقسم على ما لم نره فوداه رسول الله من عنده وإنما ذكرنا هذا لأنه كالشرح لحديث الباب
قوله زعم أي قال وليس في رواية ابن نمير زعم بل عنده عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري أنه أخبره قوله أن نفرا بفتح النون والفاء وهو رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه وقد بين الطحاوي هؤلاء النفر وهم عبد الرحمان بن سهل وعماه حويصة ومحيصة قوله ووجدوا أحدهم وهو عبد الله بن سهل قوله وقالوا للذي وجد فيهم أي للذين وجد فيهم وهذا مثل قوله تعالىوخضتم كالذي خاضوا قوله الكبر الكبر بضم الكاف فيهما وبالنصب فيهما على الإغراء وقال الكرماني الكبر بضم الكاف مصدر أو جمع الأكبر أو مفرد بمعنى الأكبر يقال هو كبرهم أي أكبرهم ويروى الكبر بكسر الكاف وفتح الباء أي كبير السن أي قدموا الأكبر سنا في الكلام قوله أن يبطل بضم الياء من الإبطال ويجوز فتحها من البطلان قوله فوداه مائة وفي رواية الكشميهني بمائة بزيادة حرف الباء قوله من إبل الصدقة وزعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد من عنده ووفق قوم بين الروايتين بأنه يحتمل أنه كان اشتراه من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده أي من بيت المال المرصد للمصالح وأطلق عليه الصدقة باعتبار الانتفاع به مجانا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين
وهذا الحديث مشتمل على أحكام
الأول فيه مشروعية القسامة في الدم وهو أمر كان في الجاهلية فأقره رسول الله في الإسلام وتوقفت طائفة عن الحكم بالقسامة روي ذلك عن سالم بن عبد الله بن عمر وأبي قلابة وعمر بن عبد العزيز والحكم بن عتيبة وقد ذكرنا بعض ذلك الثاني أن القوم إذا اشتركوا في معنى من معان الدعوى وغيرها كان أولاهم أن يبدأ بالكلام أكبرهم الثالث فيه جواز الوكالة في المطالبة بالحدود الرابع فيه جواز وكالة الحاضر لأن ولي الدم فيه هو عبد الرحمان بن سهل أخو القتيل وحويصة ومحيصة ابنا عمه الخامس فيه كيفية القسامة الواجبة فيه وقد اختلفوا فيها فقال يحيى بن سعيد وأبو الزناد وربيعة ومالك والشافعي وأحمد والليث بن سعد يستحلف المدعون بالدم فإذا حلفوا استحقوا ما ادعوا وهذا في القسامة خاصة وهو يخص قوله البينة على المدعي واليمين على من أنكر لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة وقال البيهقي هذا الحديث مخصوص بما أخبرنا علي بن بشير أخبرنا علي بن محمد المصري حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا مطرف بن عبد الله حدثنا الزنجي عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة وقال عثمان البتي والحسن بن صالح وسفيان الثوري وعبد الرحمان

(24/59)


بن أبي ليلى وعبد الله بن شبرمة وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله يبدأ بأيمان المدعى عليهم فيحلفون ثم يغرمون الدية وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وأجابوا عن حديث عمرو بن شعيب بأنه معلول من خمسة وجوه الأول أن الزنجي هو مسلم بن خالد شيخ الشافعي ضعيف كذا قال البيهقي نفسه في سننه في باب من زعم أن التراويح بالجماعة أفضل وقال ابن المديني ليس بشيء وقال أبو زرعة والبخاري منكر الحديث الثاني أن ابن جريج لم يسمع من عمرو حكاه البيهقي أيضا في سننه في باب وجوب الفطرة على أهل البادية عن البخاري أن ابن جريج لم يسمع من عمرو الثالث الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مختلف فيه الرابع أن الزنجي مع ضعفه خالفه عبد الرزاق وحجاج وقتادة فرووه عن ابن جريج عن عمرو مرسلا كذا ذكره الدارقطني في سننه الخامس أن الزنجي اختلف عليه فيه قال الذهبي قال عثمان بن محمد بن عثمان الرازي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله قال البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة
السادس من الأحكام فيه أن القتيل إذا وجد في المحلة فالقسامة والدية على أهل المحلة
وقال أبو عمر ما نعلم في شيء من الأحكام المروية عن رسول الله في الاضطراب والتضاد ما في هذه القضية فإن الآثار فيها متضادة متدافعة وهي قضية واحدة وذكر أبو القاسم البلخي في معرفة الرجال عن ابن إسحاق قال سمعت عمرو بن شعيب يحلف في المسجد الحرام والله الذي لا إلاه إلا هو إن حديث سهل بن أبي حثمة في القسامة ليس كما حدث ولقد وهم وقال أبو عمر وقد خطأ جماعة من أهل الحديث حديث سعيد بن عبيد وذموا البخاري في تخريجه وتركه رواية يحيى بن سعيد قال الأصيلي أسنده عن يحيى شعبة وسفيان بن عيينة وعبد الوهاب الثقفي وعيسى بن حماد وبشر بن المفضل وهؤلاء ستة نفر أسندوه وأرسله مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار ولم يذكر سهل بن أبي حثمة وقال الأثرم قال أحمد الذي أذهب إليه في القسامة حديث بشير من رواية يحيى فقد وصله عنه حفاظ وهو أصح من حديث سعيد بن عبيد وقال النسائي لا أعلم أحدا تابع سعيد بن عبيد على روايته عن بشير وقال صاحب التوضيح قد ذكره الدارقطني من حديث حبيب بن أبي ثابت عن بشير مثله
قلت حديث يحيى بن سعيد رواه مسلم من طرق عديدة منها ما رواه وقال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال يحيى وحسبت قال وعن رافع بن خديج أنهما قالا خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلا فدفنه ثم أقبل إلى رسول الله هو وحويصة بن مسعود وعبد الرحمان بن سهل وكان أصغر القوم فذهب عبد الرحمان ليتكلم قبل صاحبه فقال له رسول كبر الكبر في السن فصمت وتكلم صاحباه وتكلم معهما فذكروا لرسول الله مقتل عبد الله بن سهل فقال لهم أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم قالوا كيف نحلف ولم نشهد قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا قالوا وكيف نقبل أيمان كفار فلما رأى ذلك رسول الله أعطى عقله
6899 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي ) حدثنا ( الحجاج ابن أبي عثمان ) حدثني ( أبو رجاء من آل أبي قلابة ) حدثني ( أبو قلابة ) أن ( عمر بن عبد العزيز ) أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا فقال ما تقولون في القسامة قال نقول القسامة القود بها حق وقد أقادت بها الخلفاء قال لي ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس فقلت يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن

(24/60)


بدمشق أنه قد زنى ولم يروه أكنت ترجمه قال لا قلت أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه قال لا قلت فوالله ما قتل رسول الله أحدا قط إلا في إحدى ثلاث خصال رجل قتل بجريرة نفسه فقتل أو رجل زنى بعد إحصان أو رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام فقال القوم أو ليس قد حدث أنس بن مالك أن رسول الله قطع في السرق وسمر الأعين ثم نبذهم في الشمس فقلت أنا أحدثكم حديث أنس
حدثني أنس أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض فسقمت أجسامهم فشكوا ذالك إلى رسول الله قال أفلا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها قالوا بلاى فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا فقتلوا راعي رسول الله وأطردوا النعم فبلغ ذالك رسول الله فأرسل في آثارهم فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا قلت وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء ارتدوا عن الإسلام وقتلوا وسرقوا فقال عنبسة بن سعيد والله إن سمعت كاليوم قط فقلت أترد علي حديثي يا عنبسة قال لا ولاكن جئت بالحديث على وجهه والله لا يزال هاذا الجند بخير ما عاش هاذا الشيخ بين أظهرهم قلت وقد كان في هاذا سنة من رسول الله دخل عليه نفر من الأنصار فتحدثوا عنده فخرج رجل منهم بين أيديهم فقتل فخرجوا بعده فإذا هم بصاحبهم يتشحط في الدم فرجعوا إلى رسول الله فقالوا يا رسول الله صاحبنا كان تحدث معنا فخرج بين أيدينا فإذا نحن به يتشحط في الدم فخرج رسول الله فقال بمن تظنون أو ترون قتله قالوا نراى أن اليهود قتلته فأرسل إلى اليهود فدعاهم فقال آنتم قتلتم هذا قالوا لا قال أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه فقالوا ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون قال أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم قالوا ما كنا لنحلف فوداه من عنده قلت وقد كانت هذيل خلعوا حليفا لهم في الجاهلية فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا قتل صاحبنا فقال إنهم قد خلعوه فقال يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه قال فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلا وقدم رجل منهم من الشأم فسألوه أن يقسم فافتدى يمينه منهم بألف درهم فأدخلوا مكانه رجلا آخر فدفعه إلى أخي المقتول فقرنت يده بيده قالوا فانطلقنا والخمسون الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخلة

(24/61)


أخذتهم السماء فدخلوا في غار في الجبل فانهجم الغار على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعا وأفلت القرينان واتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول فعاش حولا ثم مات قلت وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلا بالقسامة ثم ندم بعد ما صنع فأمر بالخمسين الذين أقسموا فمحوا من الديوان وسيرهم إلى الشام
إيراد البخاري هذا الحديث هنا من حيث إن الحلف فيه توجه أولا على المدعى عليه لا على المدعي كقصة النفر من الأنصار
وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة هو إسماعيل المشهور بابن علية اسم أمه الأسدي بفتح السين منسوب إلى بني أسد بن خزيمة لأن أصله بل من مواليهم والحجاج بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم الأولى هو المعروف بالصواب واسم أبي عثمان ميسرة وقيل سالم وكنية الحجاج أبو الصلت ويقال غير ذلك وهو بصري وهو مولى بني كندة وأبو رجاء ضد الخوف اسمه سلمان وهو مولى أبي قلابة بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء ووقع هاهنا من آل أبي قلابة وفيه تجوز فإنه منهم باعتبار الولاء لا بالأصالة
وقد أخرجه أحمد فقال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا حجاج عن أبي رجاء مولى أبي قلابة وكذا عند مسلم عن أبي شيبة
وعمر بن عبد العزيز هو أمير المؤمنين من الخلفاء الراشدين قوله أبرز أي أظهر سريره وهو ما جرت عادة الخلفاء بالاختصاص بالجلوس عليه والمراد به أنه أخرجه إلى ظاهر الدار لا إلى جهة الشارع وكان ذلك زمن خلافته وهو بالشام قوله ثم أذن لهم أي للناس فدخلوا عنده قوله القسامة القود بها حق القسامة مبتدأ وقوله القود مبتدأ ثان وحق خبره والجملة خبر المبتدأ الأولى ومعنى حق واجب قوله الخلفاء نحو معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان لأنه نقل عنهم أنهم كانوا يرون القود بالقسامة قوله يا با قلابة أصله يا أبا قلابة بالهمزة حذفت للتخفيف وأبو قلابة هو الراوي في الحديث قوله ونصبني قال الكرماني أي أجلسني خلف سريره للإفتاء ولإسماع العلم وقيل معناه أبرزني لمناظرتهم أو لكونه خلف السرير فأمره أن يظهر وهذا التفسير أحسن ويساعده رواية أبي عوانة وأبو قلابة خلف السرير قاعد فالتفت إليه فقال ما تقول يا أبا قلابة قوله رؤوس الأجناد بفتح الهمزة وسكون الجيم جمع جند وهو في الأصل الأنصار والأعوان ثم اشتهر في المقاتلة وكان عمر رضي الله تعالى عنه قسم الشام بعد موت أبي عبيدة ومعاذ على كل أربعة أمراء مع كل أمير جند فكان كل من فلسطين ودمشق وحمص وقنسرين يسمى جندا باسم الجند الذين نزلوها وقيل كان الرابع الأردن وإنما أفردت قنسرين بعد ذلك وكان أمراء الأجناد خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم قوله وأشراف العرب وفي رواية أحمد بن حرب وأشراف الناس الأشراف جمع شرف يقال فلان شرف قومه أي رئيسهم وكريمهم وذو قدر وقيمة عندهم يرفع الناس أبصارهم للنظر إليه ويستشرفونه قوله أرأيت أي أخبرني قوله بدمشق أي كائن بدمشق بكسرالدال وفتح الميم وسكون الشين المعجمة البلد المشهور بالشام ديار الأنبياء عليهم السلام قوله بحمص بكسر الحاء المهملة وسكون الميم بلد مشهور بالشام وقال الشيخ أبو الحسن القابسي لم يمثل أبو قلابة بما شبهه لأن الشهادة طريقها غير طريق اليمين وقال والعجب من عمر بن عبدالعزيز رضي الله تعالى عنه على مكانته من العلم كيف لم يعارض أبا قلابة في قوله وليس أبو قلابة من فقهاء التابعين وهو عند الناس معدود في البلد وقال صاحب التوضيح ويدل على صحة مقالة الشيخ أبي الحسن في الفرق بين الشهادة واليمين أنه عرض على أولياء المقتول اليمين وعلم أنهم لم يحضروا بخيبر قوله إلا في إحدى وفي رواية أحمد بن حرب إلا بإحدى قوله قتل بجريرة نفسه بفتح الجيم وهو الذنب والجناية أي قتل نفسا بما يجر إلى نفسه من الذنب أو الجناية أي قتل ظلما فقتل قصاصا قوله فقتل على صيغة المجهول ويروى فقتل على صيغة المعلوم أي قتله رسول الله

(24/62)


قيل هذا الحديث حجة على أبي قلابة لأنه إذا ثبت القسامة فقتل قصاصا أيضا وأجيب بأنه ربما أجاب بأنه بعد ثبوتها لا يستلزم القصاص لانتفاء الشرط قوله أو ليس الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر لائق بالمقام قوله في السرق بفتح السين والراء مصدر سرق سرقا وقال الكرماني السرق جمع سارق وبالكسر السرقة قوله وسمر الأعين بالتشديد والتخفيف ومعناه كحلها بالمسامير قوله ثم نبذهم أي طرحهم قوله من عكل بضم العين المهملة وسكون الكاف وهي قبيلة فإن قلت قد تقدم في الطهارة من العرنيين قلت كان بعضهم من عكل وبعضهم من العرنيين وثبت كذلك في بعض الطرق قوله ثمانية بالنصب بدل من نفر قوله فاستوخموا الأرض أي لم توافقهم وكرهوها وأصله من الوخم بالخاء المعجمة يقال وخم الطعام إذا ثقل فلم يستمرىء فهو وخيم قوله فسقمت بكسر القاف قوله أجسامهم وفي رواية أحمد بن حرب أجسادهم قوله مع راعينا اسمه يسار ضد اليمين النوبي بضم النون وبالباء الموحدة قوله واطردوا النعم أي ساقوا الإبل قوله فأدركوا على صيغة المجهول وهذا الحديث قد مر أكثر من عشر مرات منها في كتاب الوضوء قوله فقال عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة ثم بالسين المهملة ابن سعيد الأموي أخو عمرو بن سعيد الأشدق واسم جده العاص بن سعيد بن العاص بن أمية وكان عنبسة من خيار أهل بيته وكان عبد الملك بن مروان بعد أن قتل أخاه عمرو بن سعيد يكرمه وله رواية وأخبار مع الحجاج بن يوسف ووثقه ابن معين وغيره قوله إن سمعت كاليوم قط كلمة إن بكسر الهمزة وسكون النون بمعنى ما النافية ومفعول سمعت محذوف تقديره ما سمعت قبل اليوم مثل ماسمعت منك اليوم قوله فقلت أترد علي القائل أبو قلابة كأنه فهم من كلام عنبسة إنكار ما حدث به قوله قال لا أي قال عنبسة لا أرد عليك قوله هذا الشيخ أي أبو قلابة قوله وقد كان إلى قوله فوداه من عنده من كلام أبي قلابة أورد فيه لأنه قصة عبد الله بن سهل المذكورة قوله في هذا قال الكرماني أي في مثل هذا سنة وهي أنه يحلف المدعى عليه أولا قوله دخل عليه إلى قوله وقد كانت هذيل بيان القصة المذكورة أي دخل على رسول الله فقتل على صيغة المجهول قوله فإذا هم كلمة إذا للمفاجأة قوله يتشحط بالشين المعجمة وبالحاء والطاء المهملتين أي يضطرب قوله فخرج رسول الله لعله لما جاؤوه كان في داخل بيته أو في المسجد فخرج إليهم فأجابهم قوله أو ترون بضم أوله شك من الراوي وهي بمعنى تظنون قوله نرى بضم النون أي نظن أن اليهود قتلته هكذا بتاء التأنيث في رواية المستملي وفي رواية غيره قتله بدون التاء وقال بعضهم في رواية المستملي قتلنه بصيغة الجمع قلت هذا غلط فاحش لأنه مفرد مؤنث ولا يصح أن يقول قتلنه بالنون بعد اللام لأنه صيغة جمع المؤنث قوله أترضون نفل خمسين يمينا بفتح النون وسكون الفاء وبفتحها وهو الحلف وقال ابن الأثير يقال نفلته فنفل أي حلفته فحلف ونفل وانتقل إذا حلف وأصل النفل النفي يقال نفلت الرجل عن نسبه أي نفيته وسميت اليمين في القسامة نفلا لأن القصاص ينفى بها قوله ثم ينتفلون من باب الافتعال أي ثم يحلفون قوله بأيمان خمسين بالإضافة أو الوصف وهو أولى قوله ما كنا لنحلف بكسر اللام وبنصب الفاء أي لأن نحلف قوله فقلت القائل هو أبو قلابة قوله وقد كانت هذيل بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وهي القبيلة المشهورة ينسبون إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر وهي قصة موصولة بالسند المذكور إلى أبي قلابة لكنها مرسلة لأن أبا قلابة لم يدرك عمر رضي الله تعالى عنه قوله حليفا بالحاء المهملة وبالفاء هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره خليعا بالخاء المعجمة وبالعين المهملة على وزن فعيل بفتح الفاء وكسر العين والخليع يقال لرجل قال له قومه ما لنا منك ولا علينا وبالعكس وتخالع القوم إذا نقضوا الحلف فإذا فعلوا ذلك لم يطالبوه بجناية فكأنهم خلعوا اليمين التي كانوا كتبوها معه ومنه سمي الأمير إذا عزل خليعا قوله فطرق بضم الطاء المهملة أي هجم عليهم ليلا قوله بالبطحاء أي ببطحاء مكة وهو واد بها الذي فيه حصاة اللين في بطن المسيل والبطحاء

(24/63)


الحصى الصغار قوله فانتبه له أي للخليع المذكور فحذفه أي رماه بسيف فقتله قوله فاخذوا اليماني بتخفيف الياء أي الرجل اليماني قوله فرفعوه إلى عمر أي فرفعوا أمره إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله بالموسمي بكسر السين وهو الوقت الذي يجتمع فيه الحاج كل سنة كأنه وسم بذلك الوسم وهو مفعل منه اسم للزمان لأنه معلم لهم يقال وسمه يسمه وسما وسمة إذا أثر فيه بكى قوله قد خلعوا أي قد خلعوه قوله تسعة وأربعون رجلا فإن قلت قال عمر يقسم خمسون رجلا من هذيل قلت مثل هذا الإطلاق جائز من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء أو المراد الخمسون تقريبا قوله بنخلة بفتح النون وسكون الخاء المعجمة موضع على ليلة من مكة ولا ينصرف قوله أخذتهم السماء أي المطر قوله فانهجم الغار أي سقط قوله فماتوا جميعا لأنهم حلفوا كاذبين قوله وأفلت القرينان أخو المقتول والرجل الذي أكمل الخمسين وهما اللذان قرنت يد أحدهما بيد الآخر وقوله أفلت على صيغة المجهول أي تخلص يقال أفلت وتفلت وانفلت كلها بمعنى تخلص قوله واتبعهما حجر بتشديد التاء أي وقع عليهما بعد أن خرجا من الغار قوله قلت القائل هو أبو قلابة قوله فمحوا بضم الميم من المحو قوله من الديوان بكسر الدال وفتحها وهو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأصل العطاء وأول من دون الديوان عمر رضي الله تعالى عنه وهو فارسي معرب قوله إلى الشام أي نفاهم وفي رواية أحمد بن حرب من الشام وهذه أوجه لأن إمامة عبد الملك كانت بالشام اللهم إلا أن يقال لما نفاهم كان بالعراق لمحاربة مصعب بن الزبير فحينئذ يكونون من أهل العراق فنفاهم إلى الشام وقال القابسي عجبا لعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه كيف أبطل حكم القسامة الثابت بحكم رسول الله وعمل الخلفاء الراشدين بقول أبي قلابة وهو من جملة التابعين وسمع منه في ذلك قولا مرسلا غير مسند مع أنه انقلبت عليه قصة الأنصار إلى قصة خيبر فركب إحداهما بالأخرى لقلة حفظه وكذا سمع حكاية مرسلة مع أنها لا تعلق بها بالقسامة إذ الخلع ليس قسامة وكذا محو عبد الملك لا حجة فيه والله أعلم
23 -
( باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه فلا دية له )
أي هذا باب في بيان حكم من اطلع في بيت قوم الخ قوله اطلع بتشديد الطاء قوله ففقؤوا عينه أي ففقأ القوم عين المطلع قوله فلا دية له جواب من أي فلا تجب الدية للمطلع قال الجوهري فقأت عينه فقأ وفقأتها تفقئه إذا بخصتها وقال ابن الأثير الفقء الشق والبخص ومنه حديث موسى عليه السلام أنه فقأ ملك الموت
6900 - حدثنا ( أبو اليمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ) عن ( أنس ) رضي الله عنه أن رجلا اطلع في بعض حجر النبي فقام إليه بمشقص أو بمشاقص وجعل يختله ليطعنه
انظر الحديث 6242 وطرفه
قيل لا يطابق الحديث الترجمة لأنه ليس فيه التصريح بأنه لا دية له وأجيب بأن في بعض طرقه التصريح بذلك وقد جرت عادته بالإشارة إلى ما ورد فيه من ذلك ومر مثله كثيرا
وأبو اليمان الحكم بن نافع وفي بعض النسخ حدثنا أبو النعمان وهو محمد بن الفضل وعبيد الله بن أبي بكر يروي عن جده أنس بن مالك
والحديث مضى في الاستئذان عن مسدد ومضى الكلام فيه
قوله أن رجلا قال ابن بشكوال عن الحسن بن مغيث إنه الحكم بن العاص بن أمية قوله اطلع أي نظر من علو قوله من حجر في بعض حجر النبي قال الكرماني الحجر أولا البنية وثانيا جمع الحجرة قلت الحجر بالكسر الحائط والمعنى أنه اطلع من حائط في بعض حجر النبي وهو بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة الدار قوله بمشقص بكسر الميم وهو النصل العريض قوله أو بمشاقص شك من الراوي هو جمع مشقص ويروى مشاقص بدون الباء في أوله قوله يختله بالخاء المعجمة أي يستغفله ويأتيه من حيث يراه قوله ليطعنه بضم العين وفتحها   التالي هو 

 ج45.46.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آيات ورد فيها "العرش" ويسبحون واشتقاقاتهم

  العرش آيات ورد فيها "العرش " ويسبحون واشتقاقاتهم   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِ...